سيادة السفير،
تدعو منظمة هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن، عند تصويته في هذا الشهر على تجديد بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، إلى توسيع صلاحيتها بحيث تشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية وفي مخيمات اللاجئين التي تديرها جبهة البوليساريو بالقرب من تندوف في الجزائر.
إننا نرحب بالدعوة التي أصدرها الأمين العام بان كي مون في تقريره حول الوضع في الصحراء الغربية، المنشور في 10 أبريل/نيسان 2014، إلى "مراقبة مستديمة ومستقلة ومحايدة لحقوق الإنسان، تغطي الأراضي والمخيمات على السواء".
لقد عملت مراقبة هيومن رايتس ووتش للأوضاع الحقوقية في الصحراء الغربية، والتي اشتملت على زيارات حديثة إلى العيون والداخلة ومخيمات اللاجئين التي تديرها البوليساريو في الجزائر، على تأكيد الحاجة إلى "المراقبة المستديمة والمستقلة والمحايدة" التي يدعو إليها الأمين العام، فآليات الرصد الحقوقي القائمة تخفق في تلبية هذه المعايير، التي يعد أفضل السبل لتلبيتها هو توسيع صلاحيات البعثة بحيث تشمل المراقبة الحقوقية لما ترتكبه كافة الأطراف من انتهاكات.
وقد أعلن المغرب عن سلسلة من المبادرات الحقوقية منذ 2011، لم تحقق رغم إيجابيتها أي تغيير حتى الآن في الوضع الحقوقي بالصحراء الغربية. ويتسم هذا الوضع بالقمع المغربي الشديد لجميع الصحراويين ممن يبدون معارضة للحكم المغربي، ويؤيدون حق الإقليم في تقرير مصيره. وتواصل السلطات منعهم من التظاهر العام أو إنشاء جمعيات معترف بها قانوناً، ولا تقدم حلولاً للشكاوى ذات مصداقية من عنف الشرطة ضدهم، كما تلاحق وتسجن النشطاء الصحراويين في أعقاب محاكمات غير عادلة تبقى فيها الشكوى من التعذيب دون تحقيق.
وتشمل المبادرات الحقوقية المغربية افتتاح "لجنيتين جهويتين" لحقوق الإنسان في 2011 تقعان في الداخلة والعيون وتمثلان جزءاً من المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وقد رحب قرار مجلس الأمن رقم 2099 لسنة 2013 بهذا التطور.
إلا أن هاتين اللجنيتين لا يمكنهما الحلول محل المراقبة "المستقلة والمحايدة والشاملة والمستديمة" التي دعا إليها الأمين العام، لأسباب نتولى شرحها في ملحق هذا الخطاب.
أما عن التعاون مع الآليات الحقوقية للأمم المتحدة فقد تعاون المغرب بالفعل، ورد بالإيجاب على طلبات بالزيارة تقدمت بها شعبة الإجراءات الخاصة في مجلس حقوق الإنسان، واستضاف خمس زيارات للمغرب والصحراء الغربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ورغم أن هذه الزيارات إلى الصحراء الغربية من جانب الآليات المواضيعية للأمم المتحدة هي تطورات إيجابية من اللازم أن تستمر، إلا أنها بطبيعتها وجيزة ومتقطعة، ولن ترقى أبداً إلى مصاف المراقبة الشاملة المستديمة.
ولطالما ارتأت هيومن رايتس ووتش أن الولاية الموسعة للبعثة يجب أن تشمل المراقبة الحقوقية، لا في الصحراء الغربية وحسب بل في مخيمات اللاجئين الصحراويين عبر الحدود في الجزائر أيضاً، وكذلك في العشرين بالمائة تقريباً من الصحراء الغربية الخاضعة فعلياً لسيطرة جبهة البوليساريو.
في نوفمبر/تشرين الثاني- ديسمبر/كانون الأول 2013 أجرت هيومن رايتس ووتش بعثة مدتها أسبوعان إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجزائر. وقد تمكنا من العمل دون عوائق كما وجدنا الصحراويين مستعدين للتحدث معنا، داخل المخيمات ووسط الزوار أو المقيمين في بلدان أخرى على السواء. وقد عبروا عن القلق من محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية صحراوية، ومن الضغوط على من ينتقدون قيادة البوليساريو، وهذا ضمن قضايا أخرى ستثيرها هيومن رايتس ووتش في تقرير مقبل.
يعيش مجموع اللاجئين في حالة من العزلة النسبية، ونادراً ما تزورهم منظمات المراقبة الحقوقية المستقلة. كما تقع المخيمات في منطقة صحراوية نائية بالجزائر، وهي بلد يشترط حصول معظم الزائرين الأجانب على تأشيرة دخول. والأشد عزلة هم العدد الضئيل من السكان الصحراويين المقيمين لا في مخيمات الجزائر، وإنما في القسم الخاضع لجبهة البوليساريو من الصحراء الغربية.
وقد تحولت مراقبة حقوق الإنسان وإجراء البحوث عنها ونشرها في السنوات الأخيرة إلى جزء لا يتجزأ من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في أرجاء العالم، بما يفيد الأهداف الكلية للأمم المتحدة في أماكن مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، وليبيريا، وأفغانستان، ومالي، وجنوب السودان. كما أن عملية الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى التي تمت الموافقة عليها في 10 أبريل/نيسان تشتمل على ولاية حقوقية مشددة، فالمراقبة الأممية المحايدة تصعّب على الأطراف تشويه مزاعم الانتهاكات الحقوقية لترويج أجنداتها السياسية. وتعمل هذه المراقبة على كشف الإساءات وتعزيز المحاسبة ـ وكلها أمور ضرورية لتعزيز الاستقرار والتسويات السياسية.
إننا ندعو مجلس الأمن إلى إنهاء هذا الوضع الشاذ الذي بموجبه تفتقر بعثة الصحراء الغربية، دون سائر بعثات حفظ السلام في العصر الحديث تقريباً، إلى صلاحية مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان وإصدار التقارير عنها.
ولكم جزيل الشكر على النظر في طلبنا.
مع الاحترام والتحية من،
سارة ليا ويتسن
المديرة التنفيذية
قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
هيومن رايتس ووتش
فيليب بولوبيون
مدير برنامج الأمم المتحدة
هيومن رايتس ووتش
ملحق - التطورات الأخيرة الباعثة على قلق هيومن رايتس ووتش
بموجب القانون المغربي، يعاقب التعبير السلمي عن الرأي أو النشطاء الذين "يمسون بالوحدة الترابية للمغرب" بالسجن والغرامة. ولا تزال هذه النصوص القمعية سارية رغم تبني المغرب في 2011 لدستور يحتوي على العديد من الضمانات الحقوقية.
حرية تكوين الجمعيات .ترفض السلطات بشكل ممنهج منح التصريح القانوني للجمعيات الصحراوية غير الحكومية التي تعتبرها متعاطفة مع المعسكر المؤيد للاستقلال، حتى ولو اتبعت تلك الجمعيات الإجراءات التي ينص عليها القانون المغربي لتأسيس وجودها القانوني ـ وحتى، في حالة "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية" ومقرها العيون، بعد صدور حكم من محكمة إدارية مغربية في 2006 يقضي بخطأ الحكومة في رفض الوثائق المؤسسة للجمعية.
إن قانون الجمعيات المغربي ينتهك الحق في حرية تكوين الجمعيات بالنص على معايير فضفاضة لرفض الجمعيات على أساس أهدافها: فبموجب المادة 3 من ذلك القانون، "كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف... قد يهدف إلى المس ... بوحدة التراب الوطني تكون باطلة" ـ وهي العبارة التي طبقتها السلطات على الطعن السلمي في مطالبة المغرب بالصحراء الغربية.
حرية التجمع. في الصحراء الغربية الخاضعة لسيطرة المغرب، تعمل السلطات بشكل ممنهج على حظر التجمعات العامة من طرف الجماعات التي تعتبر مؤيدة لاستقلال الصحراء، بغض النظر عن مدى اتباع المنظمين لإجراءات الحصول على التصريح المسبق. على سبيل المثال، في 15 فبراير/شباط، وتحسباً لمظاهرة معلن عنها لتأييد منح بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية صلاحيات حقوقية، قامت أعداد كبيرة من رجال الشرطة بالزي الرسمي وبملابس مدنية بتأمين مساحة واسعة حول شارع السمارة وحي معطى الله في العيون، مما منع المتظاهرين المحتملين من الاقتراب، كما أمروا وفداً من هيومن رايتس ووتش بمغادرة المنطقة. وقد دأبت الشرطة على استخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين السلميين في العيون، بحسب العديد من الشهادات التي جمعناها. وفي عام 2014 وحده، قامت قوات الأمن بمنع مظاهرات مزمعة دعت إليها منظمات صحراوية في 15 يناير/كانون الثاني، و10 و15 فبراير/شباط، و8 و15 مارس/آذار، و2 و5 أبريل/نيسان.
غياب المحاسبة على عنف الشرطة.لا يجد الصحراويون أي سبيل فعال للانتصاف والتعويض حينما يزعمون التعرض لعنف الشرطة. وباستثناءات نادرة، عند تقدمهم بشكاوى مكتوبة إلى مكتب الوكيل العام بمحكمة العيون الابتدائية، فإنهم يواجهون إما برفض إصدار إيصال بتسلم شكاواهم، أو يتلقون الإيصال ولا يحصلون قط على رد. ومن غير المتصور تقريباً أن تجري النيابة تحقيقاً يُدعى فيه الشاكي للشهادة أو تقديم أدلة أخرى لتأييد شكواه. وكما نلاحظ أدناه، يتقدم الضحايا المزعومون بشكاواهم إلى المفوضيتين الإقليميتين لحقوق الإنسان في العيون والداخلة، لكن هاتين الهيئتين لم تحققا حتى الآن نجاحاً يفوق نجاح الشاكين الأفراد في الظفر بتحقيق أو رد رسمي من السلطات القضائية أو الحكومية.
المحاكمات غير العادلة.تظل هيومن رايتس ووتش قلقة من نوعية واستقلال العدالة التي تقدمها المحاكم المغربية عند محاكمة نشطاء صحراويين. في 17 فبراير/شباط 2013، أدانت محكمة الرباط العسكرية 25 مدنياً صحراوياً كانوا يحاكمون بتهمة تخطيط وتنفيذ أحداث عنف مميت الذي واجه الشرطة عند فض مخيم احتجاجيفي 2010، كان صحراويون قد أقاموه في أكديم إزيك بالصحراء الغربية. وقد استندت المحكمة العسكرية في حكمها بشكل شبه حصري على اعترافات منسوبة للمتهمين من قبل الشرطة، ورفضت التحقيق في مزاعم المتهمين بأن الشرطة انتزعت منهم الاعترافات باستخدام التعذيب. حكمت المحكمة على تسعة من المتهمين بالسجن المؤبد، وعلى 14 آخرين بالسجن لمدة 20 عاماً أو أكثر. ولدى المتهمين الذين يقبع 21 منهم في السجون فرص محدودة في استئناف أحكام إدانتهم بسبب القواعد المنظمة للمحاكمات العسكرية.
في 14 مارس/آذار 2014 وافق مجلس الوزراء المغربي على مشروع قانون من شأنه إنهاء اختصاص المحاكم العسكرية بمحاكمة متهمين مدنيين. ومن شأن تبني هذا القانون أن يمثل تطوراً إيجابياً، ومع ذلك فإن علينا أن ننتظر لنرى إن كان تبني هذا القانون سينقذ متهمي أكديم إزيك الذين أدانتهم المحكمة العسكرية بالفعل، وكيفية تأثيره في قضية مواطن صحراوي آخر يعيش داخل المغرب، وهو الناشط مبارك الداودي من كلميم، المحتجز حالياً على ذمة المحاكمة والذي يواجه محاكمة عسكرية لحيازة أسلحة غير مرخصة.
علاوة على هذا، ورغم أن إنهاء اختصاص المحاكم العسكرية بمحاكمة المدنيين هو خطوة جيدة من حيث المبدأ، إلا أنها لن تعزز حقوق الإنسان على نحو جوهري إلا بقدر ما يعمل نظام المحاكم العادية على ضمان المحاكمات العادلة وحقوق الدفاع. وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، وفق مراقبة هيومن رايتس ووتش لمحاكمات النشطاء الصحراويين.
ومن القضايا التي تثير قلق هيومن رايتس ووتش والمنظورة حالياً أمام محكمة العيون الابتدائية قضية عبد السلام اللومادي. في 21 يناير/كانون الثاني 2014 قامت السلطات باعتقال اللومادي، 26 سنة، من منزله في العيون. واللومادي معروف كمشارك مثابر في محاولات الصحراويين للتظاهر في العيون، وكشخص قدم الكثير من الشكاوى الرسمية ضد الشرطة لمزاعم بإساءة معاملته. وفي مثوله الأول والثاني أمام قاضي التحقيق في 24 يناير/كانون الثاني و2 فبراير/شباط، أنكر اللومادي الاتهامات وزعم للقاضي أن الشرطة عذبته أثناء التحقيقات، وطلب لإجراء كشف طبي عليه، بحسب محاميه، إلا أن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب. وعلاوة على هذا فقد قال لمحاميه إن الشرطة لم تسمح له بقراءة "اعترافه" الذي لم يعلم بمضمونه إلا أمام قاضي التحقيقات. وما زال اللومادي في سجن العيون على ذمة المحاكمة، متهماً بتشكيل عصابة إجرامية، وعرقلة السير على الطريق العام، وتدمير ممتلكات عمومية، والمشاركة في تجمع مسلح، والتحريض، وتهم أخرى. وقد تم تأجيل محاكمته حتى 7 مايو/أيار. وتشعر هيومن رايتس ووتش بالقلق من إخفاق المحكمة في التحقيق في مزاعم اللومادي بالتعرض للتعذيب واحتمال أن يكون الدافع الحقيقي وراء متابعته هو حضوره المستمر في مظاهرات "غير مرخصة" وتقديم شكاوى ضد الشرطة، وليس أدلة دامغة على ارتكابه لجرائم.
اللجنتان الجهويتان المغربيتان لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية
تشتمل المبادرات الحقوقية المغربية على افتتاح "لجنيتين جهويتين" لحقوق الإنسان في 2011، تقعان في الداخلة والعيون وتمثلان جزءاً من المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وقد تكرم مديرا اللجنيتين الجهويتين باستقبال وفد من هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط 2014. وتقوم اللجنيتان محلياً بتنظيم العديد من ورش العمل الحقوقية المفيدة، وعمليات التدريب، وغير ذلك من الأنشطة. كما تستقبل الشكاوى من الأفراد، وتثير القضايا الفردية بشكل دوري مع السلطات.
ومع ذلك فإن هاتين اللجنيتين لا تغنيان عن المراقبة "المستقلة والمحايدة والشاملة والمستمرة" لثلاثة أسباب رئيسية:
الأول هو أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجنيتيه الجهويتين لا يمكن أن تعتبر "مستقلة" من حيث أنها مؤسسات وطنية تابعة للمغرب، الذي لا تعترف الأمم المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية.
والثاني هو أنها لا تنخرط في عمليات مراقبة "مستمرة" و"شاملة" للأوضاع الحقوقية. منذ أن بدأت اللجنيتان عملهما في 2011 لم تنشرا تقريراً واحداً عن انتهاكات حقوقية في المناطق الخاضعة لاختصاصهما. وعند التوجه إليهما بالسؤال عن السببب، قال لنا المديران إنهما قدما تقارير إلى مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الرباط، وإن المجلس سيقرر موعد نشرها.
وثالثاً، رغم أن العديد من المواطنين الصحراويين وغيرهم ممن يعتقدون أن حقوقهم انتهكت يلتمسون العون من اللجنيتين الجهويتين إلا أن السلطات المغربية نادراً ما تستجيب، إن استجابت، للمراسلات المكتوبة التي تعدها اللجنتان حول قضايا فردية، كما قال لنا مديرا اللجنيتين . قال مديرا اللجنيتين إنهما يتمكنان أحياناً، في أفضل الأحوال، من التوسط عن طريق العلاقات الشخصية والمكالمات الهاتفية. كما يفيدان بتحقيق نجاح في مساعدة ضحايا الانتهاكات الجسيمة من الصحراويين، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، في الحصول على تعويضات أو مساعدات ضمن إطار هيأة الحقيقة والإنصاف المغربية.
أعلن المغرب في مارس/آذار 2014 عن توجيه يلزم الحكومة بالرد على المراسلات المكتوبة المقدمة من اللجنة الجهوية خلال 90 يوماً. وهي، مرة أخرى، خطوة تستحق الترحيب، لكن الوقت مبكر على أن نعرف ما إذا كانت ستقدم أي جبر وانتصاف جوهري للصحراويين الذين يدعون انتهاك حقوقهم، أو تحد من الإفلات من العقاب الذي يتمتع به مرتكبو الانتهاكات.