Skip to main content

دور روسيا كعامل في معادلة أسلحة سوريا الكيماوية

نُشر في: Vedomosti (in Russian)

غيرت الدبلوماسية الروسية على نحو مثير مسار استجابة الغرب تجاه الأزمة السورية ووضعت الكرملين في مركز المفاوضات الدولية بشأن السيطرة على ترسانة سوريا من الأسلحة الكيماوية. إلا أن إصرار الحكومة الروسية على أن الأسلحة الكيماوية قد استخدمت من قبل قوات التمرد يضعها في الوقت الراهن على هامش أي نقاش جاد عما يجب فعله في المرحلة التالية لوضع نهاية للفظائع التي ترتكب في ذلك البلد المضطرب.

طرح الرئيس بوتين في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز امسألة طرق السبل الدبلوماسية فيما  يخص سوريا عوضاً عن استخدام الضربات العسكرية. كذلك جاء في ما كتبه قوله أن هناك كل الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن الهجوم قد شن من قبل قوات المعارضة للتحريض على التدخل العسكري الغربي.

ولقد واصل وزير الخارجية سيرغي لاﭭروﭪالأسبوع الماضي في دمشق دعواه بأن قضية هجوم 21 أغسطس/آب الغامض كانت أمراً مصطنعاً بصورة واضحة. كذلك أعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوﭪأن روسيا ستشرع في تحليل أدلة جديدة وردت إليها من الحكومة السورية تبرئ قواتها من أي صلة بالهجوم.

إن قوات المعارضة مسئولة  بالفعل عن ارتكاب جرائم خطيرة في سياق إدارتها للحرب من بينها مهاجمة المدنيين والإعدام بإجراءات موجزة وأخذ الرهائن والتعذيب وغيرها من الانتهاكات ومن بين من وقعت منهم تلك الانتهاكات عناصر إسلامية متشددة يجب أخذ وجودها في الحسبان. إلا أنها ليست هي المسؤولة عن الهجوم بالأسلحة الكيماوية يوم 21 أغسطس/آب. وهذا هو ما تكشف عنه مراجعة الأدلة.

وحتى الآن، فإن فريق تفتيش الأمم المتحدة هو الجماعة المستقلة الوحيدة التي كان بوسعها الدخول إلى موقع الهجوم. وعندما باتت الضربات العسكرية الأمريكية ضد سوريا وشيكة الوقوع شرع الدبلوماسيون الروس في حث العالم على الانتظار لحين صدور تقرير مفتشي الأمم المتحدة. والآن وحيث يشير التقرير بوضوح إلى مسؤولية الحكومة السورية عن الهجوم، نجد نفس المسؤولين يرفضونه ناعتين إياه بالمُسَيس والمنحاز وأحادي الجانب.

كان بمقدور مفتشي الأمم المتحدة زيارة المواقع وإجراء مقابلات مع الضحايا وشهود العيان غير أنه لم يكن ضمن تفويضهم التصريح بوضوح عمن يكون في اعتقادهم المسؤول. غير أنهم قد وفروا دليلاً قوياً على مسؤولية الحكومة السورية،و يدعم ذلك الدليل تقرير بحثي من 21 صفحة أعدته هيومن رايتس ووتش، وهي منظمة مستقلة غير حكومية.

قمنا بتحليل روايات الشهود حول الهجمات الصاروخية، والمعلومات بشأن مصدر الهجمات المحتمل، والبقايا المادية لمنظومة التسليح المستخدم، والأعراض الطبية التي بدت على الضحايا كما وثقتها الهيئة الطبية. وباستخدام تلك المعلومات فإن فريق خبراء الأسلحة بمنظمة هيومن رايتس ووتش المتخصص في تحديد هوية الأسلحة والذخائر المستخدمة في النزاعات حول العالم أعاد تفصيلياً تركيب الأسلحة المستخدمة، كما استشرنا خبراء يحظون باحترام دولي لتحليل الأعراض التي بدت على من أصابهم التوعك أثناء الهجوم.

يقع المركز الرئيسي لمنظمة هيومن رايتس ووتش في نيويورك، إلا أن زيارة موقعنا الإلكتروني وعنوانه www.hrw.org  تكشف بسهولة عن أننا كثيراً ما نكون ناقدين شديدين لسياسة الولايات المتحدة الخارجية ولدينا سجل تتبع يمتد لأكثر من 30 سنة من التوثيق والانتقاد لانتهاكات حكومة الولايات المتحدة لحقوق الإنسان في الداخل. وعلى النقيض من بعض التقارير الإعلامية الروسية، فنحن لم نتخذ موقفاً محابياً للضربات العسكرية الأمريكية في سوريا. غير أننا نشرنا العشرات من التقارير وبيانات الإحاطة الموجزة والبيانات الصحفية المطولة على مدي العامين ونصف منذ امتدت الانتفاضات العربية إلى سوريا، حيث بدأت كحركة احتجاجية ضد الحكومة السلطوية فيما تتحول الآن باتجاه حرب أهلية مدمرة. وقد أصدرنا تقارير حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل طرفي الصراع كليهما.

ويتفق الكافة على أن هجمات 21 أغسطس/آب شنت على موقعين يبعد أحدهما عن الآخر مسافة 16 كيلومتر. وقد نجمت عن صواريخ أرض - أرض، لا عن تفجيرات على سطح الأرض.

لقد تمكن مفتشو الأمم المتحدة، وكذلك هيومن رايتس ووتش من تحديد هوية منظومتين أطلقت بواسطتهما صواريخ تحمل مركب السارين باتجاه الغوطة. ومن المعروف أن ترسانة القوات المسلحة السورية تضم كلتا المنظومتين. إحدى المنظومتين تطلق صواريخ عيار 330مم، أغلب الظن أنها سورية الصنع، من منصات إطلاق محمولة على شاحنات، ويحمل كل صاروخ عبوات سعة 50- 60 لتر من مركب السارين، أما المنظومة الثانية فإنها تستخدم صواريخ 140مم سوﭭييتية الصنع مزودة برؤوس أصغر حجماً تحمل السارين. وجدير بالذكر أن منظومات الإطلاق تلك فضلاً عن صواريخها لم تكن أبداً في حوزة المتمردين.

وفي ذات الوقت فإن كمية مركب السارين المستخدمة في الهجوم والتي تبلغ طبقاً لحسابات هيومن رايتس ووتش عدة مئات من الكيلو غرامات تكشف بدورها عن مسئولية الحكومة عن الهجوم. إذ أنه لم يعرف عن قوات المعارضة حيازتها لمثل تلك الكمية الكبيرة من السارين، إن كانت قد حازت أي قدر منها.

يذكر أنه قد سبق اتهام بعض أعضاء جماعة "جبهة النصرة" الإسلامية من قبل تركيا بمحاولة الحصول على مواد كيماوية بنية إنتاج مركب السارين. وهذا وإن كان بحق تطوراً مثيراً للقلق، إلا أنه غير ذي صلة بموضوع المسؤولية عن هجوم 21 أغسطس/آب، الذي ينطوي على استخدام مئات اللترات من السارين من الدرجة المخصصة للاستخدام الحربي، لا كميات صغيرة من السارين منزلي الصنع. إذ أن ما وقع لم يكن بالهجوم الكيماوي الذي يتم التحضير له من قبل قوات معارضة في غرفة طهي سرية ما.

في الملحق رقم 5 من تقرير الأمم المتحدة، وبعد شرح المنظومتين الصاروخيتين المستخدمتين في الهجوم يخطو المفتشون خطوة أبعد من ذلك فيكشفون فعلاً عن مسار بعض الصواريخ. وباستخدام الأساليب الفنية القياسية للتحقيق الميداني، وكذلك بفحص الأنقاض الميدانية والمساحة المتأثرة في نطاق ضربات الصواريخ، يقدم لنا التقرير حسابات دقيقة للسمت، أي قياسات زوايا المسارات، مما يتيح لنا استنباط المسارات الفعلية للصواريخ.

يقع موضعا إطلاق الصواريخ بحيث تفصل بينهما مسافة 16 كيلومترا. ووفقاً لأدلة مرجعية مرفوعة عنها السرية، فإن مدى الصواريخ المدفعية عيار 140 مم التي أطلقت إلى قلب معضمية الشام (التي تصفها الأمم المتحدة بموقع التأثير رقم 1) يبلغ 3.8 كيلومترات في حده الأدنى ويصل إلى 9.8 كيلومترات كحد أقصى، في حين أن واحدة من القواعد العسكرية المعروفة وتخص اللواء 104 من قوات الحرس الجمهوري تقع على بعد 9.5 كيلومتر تقريباً من المعضمية.

غير أننا لا نعلم مدى نيران النوع الثاني من الصواريخ المستخدمة، أى الصاروخ عيار 330 مم الذي أصاب عين ترما (موقع التأثير رقم 4). إلا أن ذلك الموقع يبعد 9.6 كيلومترات من قاعدة الحرس الجمهوري الرئيسية في دمشق، أي أنه يقع تماماً داخل المدى المؤثر لمعظم منظومات الصواريخ.   

وما هو الدليل إذاً على أن قوات المعارضة هي المسؤولة عن الهجوم؟ لقد أثار  الدبلوماسيون الروس الشكوك بشأن توقيت رسائل الـفيديو المصورة للهجمات، حيث قال ألكسندر لوكاشـﭭيتش إن نشطاء المعارضة قاموا بتحميل أولى لقطات الـﭭيديو التي تصور الضحايا إلى موقع يوتيوب يوم 20 أغسطس/آب قبل يوم على ما وصفه بـ"الهجوم المزعوم". ولكنه أغفل حقيقة أن كل لقطات الفيديو التي تحمل إلى يوتيوب تؤرخ طبقاً لتوقيت الباسيفيكي الذي يتخلف عن توقيت سوريا بعشر ساعات. وبالتالي فإن أية لقطات تم تحميلها قبل الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت سوريا كانت ستظهر حاملة تاريخ 20 أغسطس/آب، وقد وقعت الهجمات في الساعات المبكرة من صباح يوم 21 أغسطس/آب.

يستشهد الدبلوماسيون الروس بخبراء لا يتصفون بالخبرة على الإطلاق. فقد عول لاﭭروﭪعلى "إحدى الراهبات بدير محلي" هي الأم أغنس- مريم دي لا كروا من دير القديس جيمس في مدينة "قارة" السورية. وكان قد سبق أن أذاعت روايات زائفة سعياً لتحويل اللوم عن الحكومة بشأن جرائم سابقة كمجزرة الحولة، التي تم التحقيق فيها من قبل العديد من المراقبين المستقلين (من بينهم لجنة التحقيق من قبل الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش). إلا أنه ليست لدي الأم أغنس معرفة مباشرة بالهجوم على الغوطة، فديرها يقع على بعد 100 كيلومتر تقريباً من موقع الهجوم، كما وأنها تفتقر للخبرة العسكرية وهي لم تزر الموقع أو تقوم بفحص البقايا.

كما استشهد لاﭭروﭪ كذلك باثني عشر من الضباط المتقاعدين من وزارة الدفاع الأمريكية زعموا أن هجوم الغوطة كان مصطنعاً. وقد تقدمت مجموعتهم بنظرية تقول بأن "بعض العليبات المحتوية على العامل الكيماوي قد جلبت إلى إحدى ضواحي دمشق حيث تم فتحها". إلا أن السارين ليس بغاز معبأ في عليبة  يمكن أن تنفجر عرضاً أو أن ينتشر فورياً. إذ أن السارين عبارة عن سائل يجب أن يتبخر كي يؤدي دوره على نحو فعال باعتباره العامل المؤثر ضمن سلاح كيماوي (على الرغم من أن التعرض للسارين المسال هو أيضاً أمر مميت بكل تأكيد، إلا أن السارين المتبخر ينتشر على مساحة كبيرة). ويرفض هؤلاء الضباط المتقاعدون فكرة استخدام الصواريخ في ذلك الهجوم، إلا أنهم لا يقدمون دليلاً سوى الاقتباس عن "المصادر الاستخباراتية الأكثر موثوقية." وهو ما لا يمكن المزايدة به على تقرير فريق الأمم المتحدة المستقل الذي قام بزيارة الموقع.

هناك قدر كبير من الأدلة المصطنعة بصورة واضحة. مثال ذلك سلسلة من لقطات الفيديو القصيرة التي تكسو صورتها الحبيبات، ظهرت فجائياً يوم صدور تقرير الأمم المتحدة، وذلك عبر حساب جديد لم يسبق له تحميل مثل تلك اللقطات من قبل (إذ أننا نراقب كل تلك الحسابات بانتباه). وتزعم تلك السلسلة أنها تظهر مقاتلين إسلاميين من جماعة لواء الإسلام يطلقون نفس الصواريخ التي حدد هويتها كل من هيومن رايتس ووتش  وخبراء الأمم المتحدة. وتحمل لقطات الفيديو تلك كافة السمات المميزة لمحاولة هواة تهدف لحرف المسؤولية بعيداً عن الحكومة السورية، فالصواريخ تكتسي بصورة ملائمة بالأعلام الإسلامية والشعارات المميزة لجماعة لواء الإسلام، وهي أشياء لم تسبق رؤيتها في لقطات الفيديو الأخرى التي تروجها الجماعة. غير أن أكثر الأمور دلالة هو أن الأسلحة المصورة في لقطات الفيديو لا يربطها رابط بالهجوم بالأسلحة الكيماوية إذ أنها عبارة عن مدافع هاوتزر دي - 30، وهو ليس بالسلاح القادر على إطلاق الصواريخ عيار 140مم أو 330مم.

تعاني الولايات المتحدة ووكالاتها الاستخباراتية من فجوة خطيرة في مصداقيتها عندما يتعلق الأمر بإعداد التقارير حول أسلحة الدمار الشامل، ويرجع ذلك للدعاوي الزائفة والمضللة التي اختلقت في عام 2003 بشأن حجم برامج صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، حين تبين أن تلك المعلومات التي استخدمت لتبرير غزو العراق عام 2003 كانت معلومات خاطئة.

ولا يعني هذا أن حكومة الولايات المتحدة تكون بالضرورة مخطئة حين تتهم الحكومة السورية بالقيام بتلك الهجمات. فالأدلة يجب أن تفحص بعناية وأن توزن بميزانها. ويجب أن تدار الدبلوماسية الروسية في تلك اللحظة الحاسمة على أساس الأدلة المحققة.

يمكن للدبلوماسية الروسية التي تتسم بالنشاط والاعتماد على الوقائع أن تسهم بشكل إيجابي في شأن الأزمة السورية. والخطوة الأولى هي الإقرار بأن القوات الحكومية السورية قد قامت بشن الهجمات بالأسلحة الكيماوية يوم 21 أغسطس/آب، وإعادة تركيز الجهود الدولية لضمان أن يكون مخزون الأسلحة الكيماوية تحت السيطرة الدولية وأن يتم تدميره.

  يجب على روسيا أيضاً أن تطالب بوضع الجناة موضع المساءلة. إن أي هجوم بالأسلحة الكيماوية هو جريمة حرب وقد تشكل جريمة ضد الإنسانية، ومن الواجب ألا تمر مثل تلك الجرائم دون عقاب. ويجب على روسيا أن تتمسك بإحالة مجلس الأمن لسوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وسيكون للمحكمة الجنائية الدولية سلطة التحقيق في الجرائم الخطيرة المرتكبة من قبل طرفي النزاع. وبأخذ الأدلة الماحقة على مسؤولية الحكومة في الحسبان، فإنه يتعين ألا يكون لدى روسيا ذرة من شك عمن ارتكب هجوم يوم 21 أغسطس/آب. ولكن إذا كان مازال لديها ذلك الشك، فلماذا إذن لا تدع السلطات القانونية الدولية تنح باللائمة على من يستحقها؟

كارول بوغارت هي نائبة المدير التنفيذي للعلاقات الخارجية في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة