Skip to main content

متحولو الجنس في الكويت.. "الإطار المثقوب هو أكبر مخاوفي"

نُشر في: Muftah

ذات مساء دافئ في أواخر أبريل/نيسان 2013، كنت أجلس بأحد فروع "ستاربكس" في مدينة الكويت على مائدة واحدة مع سيدة في الحادية والثلاثين. على الرغم من خضوع "ريم" لجراحة التحول من ذكر إلى أنثى منذ عشر سنوات، إلا أن العقبات القانونية ما زالت تمنعها من استكمال تحولها الأنثوي.

كانت ريم ما زالت ترتدي حلة كاملة وربطة عنق يومياً للذهاب إلى مكتبها لإخفاء كونها الآن من النساء. وحينما تخرج بشخصيتها الحقيقية فإنها كانت تضطر لاستعارة تحقيق الشخصية الخاص بأختها، التي تشبهها لحسن الحظ.

في ذلك الوقت كنت أزور الكويت نيابة عن هيومن رايتس ووتش لتبين ما إذا كانت الحكومة الكويتية قد اتخذت خطوات لإنهاء الانتهاكات التي يتعرض لها مجتمع المتحولين جنسياً، والتي كانت هيومن رايتس ووتش قد وثقتها في تقريرها بعنوان "يصطادوننا لمتعتهم"الصادر عام 2012.

ركز التقرير على انتهاكات الشرطة بحق المتحولات جنسياً. ورغم أن وسائل الإعلام الكويتية نشرت تقارير عن اعتقال عدد محدود من الرجال المتحولين جنسياً، فإن هيومن رايتس ووتش وجدت أن تلك الاعتقالات تقع بوتيرة تقل كثيراً عن اعتقال المتحولات.

بحسب [أقوال] العديد من المحامين والمتحولات والمتحولين الذين أجريت معهم المقابلات، يفلت الرجال المتحولون و"البويات" ـ وهو المصطلح الشائع في الخليج لوصف النساء المسترجلات ـ من رقابة الشرطة عامة لخوف الشرطة من اتهامات التحرش الجنسي بالنساء، وهي الاتهامات التي تؤخذ بجدية شديدة في الكويت.

تتمتع النساء بصفة عامة بمرونة أكبر في الملبس والهيئة، وصعوبة تحديد الملبس المتعدي للجندر لدى السيدات عما لدى الرجال.

ولكي يكون الكويت متسقا مع التزاماته الدولية، فإنه يجب تحسين الوضع الذي يواجه النساء المتحولات جنسيا في البلد، والقانون هو أول نقطة للبدء في ذلك.

قانون العقوبات الكويتي: القانون وتعديلاته

نصحتني ريم بـ"التحدث مع البرلمان ـ فهم الذين يتعين عليهم إصلاح القانون".

والقانون الذي كانت تشير إليه ريم ـ وهو السبب الرئيسي في شعورها بالإكراه على حياة من التحايل المستمر ـ هو المادة 198 من قانون العقوبات الكويتي، التي تم تعديلها في 2007 بحيث تجرّم "تقليد الجنس الآخر". بموجب هذا القانون، فإن الأفراد المتحولين جنسيا يعتبرون بالأساس محتالين خارجين على القانون.

اتضح التأثير الفعلي لتعديل عام 2007 على نحو مؤلم حين انضمت إلينا "داليا"، أعز صديقات ريم، ووصفت لنا تجربة تعرضت لها مؤخراً.

تعرضت داليا، بينما كانت تقود سيارتها إلى منزلها ذات ليلة، إلى مشكلة في السيارة واضطرت للتوقف. فتوقف خلفها شرطي وطلب الاطلاع على أوراقها. تثبت الأوراق الرسمية أن داليا رجل – في الكويت - شأنها شأن ريم، فليس للمتحولين جنسياً مسار قانوني لتغيير الهوية الجندرية في بطاقات تحقيق الشخصية. اعتقل الشرطي داليا لارتدائها ملابس نسائية، وفي نهاية الأمر قضت 8 أيام في السجن، بجريمة تقليد الجنس الآخر. وعقب الإفراج عنها كان على داليا دفع غرامة، كما منعت من السفر إلى الخارج لمدة 7 أشهر. قالت لي داليا، "إن أكبر مخاوفي الآن هو انثقاب إطار بسيارتي".

ولا تنفرد الصديقتان بهذا، ففي الكويت تعاني الكثيرات من المتحولات جنسياً، المولودات كذكور بينما تعرّفن أنفسهن كإناث، من الانتهاك الجنسي والبدني على أيدي رجال الشرطة. يطلق تعديل 2007 للشرطة العنان في تحديد ما إذا كانت هيئة الشخص تمثل "تقليداً للجنس الآخر" من عدمه، دون تحديد أية معايير للجريمة. أشارت بعض المتحولات جنسياً إلى أن الشرطة اعتقلتهن لأسباب مختلفة، في بعض الحالات لتمتعهن بـ"صوت ناعم" أو "بشرة غضة" في حالات أخرى.

بحسب "غدير"، وهي سيدة متحولة عمرها 22 عاماً، كان الوضع في الكويت أفضل قبل تعديل 2007:

قبل القانون لم تكن هناك مشاكل، كان بوسعنا الرواح والمجي كما نشاء والتمتع بالأمن في الأماكن العامة... عندما كانت الشرطة توقفنا في نقطة تفتيش وتطلب إبراز تحقيق الشخصية وترى أننا ذكور كانوا يكتفون بالابتسام وربما يستملحوننا ويدعوننا نمر. في أسوأ الحالات كانوا يحاولون أخذ أرقامنا لترتيب موعد. كان هناك تحرش، لكنه نادراً ما كان عنيفاً كما هو الحال الآن. بعد صدور القانون بدأت أسمع أن فلانة في السجن، وعلانة في السجن. كنت أعيش في خوف ورعب. شعرت بأنني غير قادرة على التحرك، لكن من حقي أن أخرج، أن أذهب إلى السوق، أن أذهب إلى الطبيب.

قالت 39 من المتحولات جنسياً اللواتي أجرت معهن هيومن رايتس ووتش مقابلات من أجل تقريرها، إنهن تعرضن للاعتقال، حتى تسع مرات في حالة بعضهن. وفي معظم الحالات كانت محكمة الجنايات تبريء الأفراد أو تخفق في التوصل إلى حكم. ومع ذلك، فقد زعم العديد من هؤلاء المتحولات جنسياً بأن الشرطة أجبرتهن، بالتهديد أو الانخراط في العنف البدني، على توقيع إقرارات بأنهن "لن تعدن ثانية لتقليد الجنس الآخر" قبل الإفراج عنهن. في حالتين فقط من الـ62 صدرت أحكام بالإدانة تراوحت بين السجن لمدة ستة أشهر إلى سنة. كثيراً ما تحتجز الشرطة الأفراد المدانين لمدد تتجاوز المدة التي يسمح بها القانون الكويتي على ذمة المحاكمة، وتخفق عادة في إبلاغ العائلات بمكان ذويهم و/أو لا تسمح للأفراد المدانين بمقابلة محاميهم.

في بعض تلك الحالات كانت الشرطة تعتقل المتحولات جنسياً وهن في ثياب الرجال، ثم تجبرهن على ارتداء ثياب نسائية، وتزعم أنهن اعتقلن وهن في ثياب نسائية.

أجمعت كافة السيدات اللواتي أجريت معهن المقابلات على وصف شكل من أشكال الانتهاك على يد الشرطة، يرقى في بعض الأحيان إلى مصاف التعذيب أو المعاملة المهينة، والاعتداء أو التحرش الجنسي، رغم أن الشرطة أنكرت إساءة معاملتهن. ثمة مزاعم بأن الشرطة جعلت بعضهن تتجردن من ثيابهن وتتجولن في قسم الشرطة عاريات، وأرغمتهن على الرقص للضباط، وعرضتهن للسباب اللفظي والترهيب، ووضعتهن في الحبس الانفرادي.

أفادت سيدة متحولة بأن الشرطة بعد أن اعتقلتها ومعها اثنتان من صديقاتها، أخذت صفيحة قمامة مليئة بالأوساخ وأعقاب السجائر وأفرغتها فوق رأس صديقتها. كما تم إرغام صديقتها الأخرى على ممارسة تمرين الضغط وعلى ظهرها مدفأة كهربية. في حالة أخرى أفادت سيدة متحولة تم اعتقالها مع شخص آخر بأن الشرطة لكمتها وركلتها بوحشية وضربت صديقتها بدباسة ثقيلة.

في بعض الحالات، أفادت السيدات بأن ضباط الشرطة استغلوا التهديد بالاعتقال لإرغامهن على ممارسة الجنس. وقالت كثيرات إنهن لم تبلغن عن انتهاكات الشرطة مخافة التنكيل وإعادة الاعتقال.

تنظر السلطات الكويتية إلى المتحولين جنسياً على أنهم مرضى يعانون من "اضطراب" حقيقي ـ وهو الموقف المتسم بعدم الاتساق، كأقل ما يقال. فرغم أن وزارة الصحة في البلاد تعترف بحالة طبية أطلقت عليها اسم "اضطراب الهوية الجندرية"، إلا أن القانون الذي يجرم "تقليد الجنس الآخر" لا يستثني الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم باضطراب الهوية الجندرية. وقد وصفت المتحولات جنسياً اعتقالهن على أيدي رجال شرطة رفضوا الاعتراف بالتقارير الطبية وتشخيص اضطراب الهوية الجندرية التي تقدمها لهم السيدات، بل كانوا أحياناً يمزقونها. حين أظهرت داليا أوراقها الطبية لرجل الشرطة، ما كان منه إلا أن ضحك وتجاهلها.

لقد تعللت السلطات الكويتية بالمواقف المحلية من المتحولات جنسياً كعذر لـ[تبني] قوانين وسياسات قمعية. وأفادت سيدات متحولات جنسياً بأن المواطنين العاديين يبلغون عنهن الشرطة، بتشجيع من حملة تشويه لا هوادة فيها في وسائل الإعلام الكويتية، تصور الأشخاص المتحولين جنسيا كقوة مخربة وتهديد لنسيج المجتمع الكويتي.

كذلك قالت سيدات متحولات جنسيا إن أطباء المستشفيات أبلغوا عنهن الشرطة بعد ملاحظة أن الهوية الجندرية المدونة في بطاقات تحقيق شخصيتهن الحكومية، والتي يلزمهن القانون بتقديمها في مقابلة الكشف الطبي، لا تطابق هيئتهن ـ مما يحد فعلياً من وصولهن إلى الرعاية الصحية.

إن هذا التمييز والاضطهاد ليس أقل انتهاكاً لحقوق الإنسان فقط لمجرد أنه يتمتع بدعم غالبية الكويتيين. وسياسات الكويت تتجاوز التزامه في مجال حقوق الإنسان بحماية المقيمين على ترابه من الاعتقال والاحتجاز التعسفي. كما أن القوانين الكويتية المجرّمة لتعبير الشخص عن هويته الجندرية تنتهك الحقوق في عدم التمييز، وفي المساواة أمام القانون، وفي حرية التعبير، وفي الاستقلال الذاتي، وفي السلامة الجسدية، وفي الخصوصية. أما العنف الجنسي الذي يرتكبه ضباط شرطة يتصرفون بصفتهم الرسمية فهو ضرب من ضروب التعذيب.

ختام

يتعين على الحكومة الكويتية أن تقوم على الفور بإلغاء تعديل 2007 للمادة 198 من قانون العقوبات. كما يتعين على الحكومة وضع آليات لحماية المتحولين جنسياً، وهم جماعة مستضعفة بوجه خاص، من إساءات الشرطة وعنفها. ويجب على الحكومة التحقيق في كافة مزاعم وحشية الشرطة على نحو مستقل وشفاف وسريع.

إن مجرد الانتماء إلى فئة المتحولين، كما تبين تجربة داليا، هو جريمة في الكويت اليوم. ويتعين على البرلمان التحرك فوراً لإنهاء هذا الوضع.

*بلقيس واللي هي باحثة اليمن والكويت في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة