Skip to main content

تونس: "سؤال وجواب" حول محاكمة بن علي وآخرين بتهمة قتل المتظاهرين

1. ما هي حيثيات محاكمة بن علي؟

2. من هم المتهمون؟

3. ما هي التهم الموجهة إليهم؟

4. ما هي أوجه القصور في المحاكمة؟

5. هل توجد محاكمات أخرى متعلقة بانتفاضة ديسمبر/كانون الأول 2010؟

6. هل ستسمح هذه المحاكمة بالتأسيس لثقافة المساءلةعن انتهاكات حقوق الإنسان؟

7. لماذا تجري محاكمات بن علي في محاكم عسكرية؟

8. هل يمكن للمحاكم العسكرية ضمان محاكمات عادلة وتحقيق العدالة بشكل فعال؟

9. هل يحق للضحايا المشاركة في الإجراءات؟

10. ما هي أهم مراحل محاكمة الكاف؟ وما هو عدد جلساتها إلى الآن؟

11. ما هي الأدلة المستعملة ضدّ بن علي والمتهمين الآخرين؟

12. هل احترمت المحاكمة حقوق المتهمين؟

13. لماذا يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية البحتة؟

14. ما هو موقف هيومن رايتس ووتش من عقوبة الإعدام؟

15. كيف ينظر الرأي العام في تونس إلى هذه المحاكمات؟

16. ما هي الإجراءات والتهم والأحكام الأخرى ضدّ بن علي؟

17. ما هي أشكال التعويض المُتاحة للضحايا؟

18. لماذا تتم محاكمة بن علي غيابيًا؟ وما موقف هيومن رايتس ووتش من المحاكمات الغيابية؟

19. هل توجد طرق أخرى لتقصي الحقائق حول الجرائم التي تم ارتكابها في حقبة بن علي؟


1. ما هي حيثياتمحاكمة بن علي؟

تعتمد محاكمة الرئيس السابق زين العابدين بن علي، واثنان من وزراء الداخلية الذين عملوا معه، وأربعة مديرين عامين لقوات الأمن، و16 ضابطًا ساميًا وضباطًا آخرين من جهاز الأمن، على تهم قتل ومحاولة قتل المتظاهرين أثناء الانتفاضة الشعبية في تونس. وتشمل المحاكمة الأحداث التي جدّت بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 يناير/كانون الثاني 2011، تاريخ فرار بن علي إلى المملكة العربية السعودية. وبدأت المحاكمة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في المحكمة العسكرية الدائمة في ولاية الكاف، وتشمل عمليات القتل التي وقعت في ولايات الكاف، وجندوبة، وباجة، وسليانة، والقصرين، والقيروان. وصارت المحاكمة تُعرف بـ "محاكمة الكاف".

واستنادًا إلى التقرير النهائي الذي أصدرته "اللجنة الوطنية لاستقصاء التجاوزات المسجلة خلال الفترة الممتدة من 17 ديسمبر 2010 إلى حين زوال موجبها" في 24 مايو/أيار، التي أنشأتها الحكومة الانتقالية الأولى، تسببت الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى خلع بن علي في وفاة 132 شخصًا وجرح 1452 آخرين أثناء الفترة التي تُعنى بها المحاكمة. وجدّت أعنف الأحداث أيام 8 و9 و12 يناير/كانون الثاني في مدن القصرين وتالة والرقاب، وتسببت في وفاة 23 شخصًا وجرح أكثر من 600 آخرين. وسقط أغلب الضحايا نتيجة استعمال قوات الأمن للرصاص الحي.


2. من هم المتهمون؟

المتهمون هم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ووزراء الداخلية السابقين رفيق الحاج قاسم وأحمد فريعة، وعادل الطويري، المدير العام السابق لقوات الأمن الوطني ، وجلال بودريقة، المدير العام السابق لشرطة مكافحة الشغب (قوات النظام العام)، وعلي السرياطي، المدير العام السابق للأمن الرئاسي ، ولطفي الزواوي، المدير العام السابق لقوات الأمن العام . كما تم توجيه نفس التهمة إلى 14 ضابطًا ساميًا وضباطا آخرين من ذوي الرتب الدنيا. ومن بين 22 متهمًا، يوجد تسعة متهمين رهن الاحتجاز منذ أبريل/نيسان 2011، و12 متهمًا في حالة سراح شرطي، ومتهم واحد ـ بن علي ـ في حالة فرار.


3. ما هي التهم الموجهة إليهم؟

يواجه بن علي، ووزيرا الداخلية السابقان، وأربعة مديرين عامين لأجهزة الأمن تهم المشاركة في القتل العمد ومحاولة القتل اعتمادًا على الفصل 32 من المجلة الجزائية. ويُعرّف هذا الفصل  "المشاركة" بتسهيل ارتكاب الجريمة بتقديم المساعدة أو التحريض على ارتكابها أو إصدار تعليمات أو التآمر مع آخرين لأهداف إجرامية. ويواجه المتهمون الآخرون تهمة القتل العمد اعتمادًا على الفصول 201 و202 و59 من المجلة الجزائية.

ينص الفصل 201 على عقوبة الإعدام في جرائم القتل العمد رغم أن الفصل 53 يعطي القضاة صلاحية تطبيق عقوبات أخف بالاعتماد على ملابسات القضية. وينص الفصل 33 على تطبيق نفس العقوبات على مرتكبي الجرائم ومن ساعدهم في ذلك، وهو ما يعني أن جميع من تتم إدانتهم اعتمادًا على الفصل 32 بالمشاركة في القتل العمد يُمكن أن تصدر في حقهم عقوبة الإعدام.


4. ما هي أوجه القصور في المحاكمة؟

رغم أن هيومن رايتس ووتش لم تلاحظ انتهاكات جسيمة للحق في المحاكمة العادلة، إلا أن عدم وجود "تهمة مسؤولية القيادة" في القانون حال دون تمكن السلطات من مقاضاة المتهمين بشكل فعال في أعمال قد ترقى إلى جرائم في القانون الدولي. إضافة إلى ذلك، فان ترقية عديد المتهمين بعد التحريض على ارتكاب جرائم خطيرة يوحي بأن بعض العناصر داخل جهاز الأمن مازالت فوق المساءلة.

عدم كفاية القوانين الجنائية المتعلقة بمسؤولية القيادة

ترتكز محاكمة الكاف على مزاعم حول مسؤولية المتهمين عن سلوك قوات الأمن العاملة تحت إمرتهم، ولكن لا يوجد في القانون التونسي ما يسمح بالمحاكمة على مسؤولية القيادة. وينص هذا القانون على أن يتحمل الشخص مسؤولية جنائية عندما يرتكب عملا إجراميا بشكل مباشر أو يشارك في ارتكابه، كما يبيّن ذلك الفصل 32 من المجلة الجزائية. ولا يشمل هذا النوع من المسؤولية "مسؤولية القيادة العليا" التي ينص عليها القانون الدولي والتي تحمّل القادة وأصحاب المناصب المدنية العليا مسؤولية الجرائم التي يرتكبها أعوان القوات المسلحة والأشخاص المؤتمرين بأمرهم.

وعملا بهذا المبدأ، يمكن تحميل القيادة مسؤولية جنائية حتى في الحالات التي لم تقم فيها بإصدار أوامر بارتكاب جرائم شرط وجود أدلة على توفر ثلاثة شروط: وهي وجود علاقة بين شخص قيادي وشخص مرؤوسيخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، وأن الشخص القيادي كان على علم بأن الشخص المرؤوس كان يرتكب جريمة، وأنه فشل في منع حدوث الجريمة أو معاقبة من ارتكبها. ولذلك فإن هذا النوع من المسؤولية يشمل أيضًا مسؤولية عدم التدخل. ولكن الحكومات التونسية فشلت في إدخال هذا المبدأ إلى القانون التونسي، الذي بقي ينص على ضرورة وجود أدلة على قيام المتهم بعمل مباشر كي يتم اتهامه بالمشاركة في ارتكاب جريمة.

وتبرز قضية علي السرياطي، أحد المتهمين في محاكمة الكاف، الصعوبات الناتجة عن اعتماد المحكمة فقط على جريمة "التواطؤ" أثناء محاكمته. وكان السرياطي قد شغل منصب المدير العام للأمن الرئاسي من 1 سبتمبر/أيلول 2001 إلى 14 يناير/كانون الثاني 2011، عندما قامت السلطات باعتقاله بعد هروب بن علي. وبصفته مديرًا عامًا، يُفترض أن يكون لـ علي السرياطي رقابة كاملة على قوات الأمن الرئاسي، وقوامها 2500 عنصر من القوات الخاصة. ولكن قاضي التحقيق لم يقدّم أدلة على مشاركة القوات التابعة للسرياطي في قمع الاحتجاجات. إضافة إلى ذلك، قدم محامو الدفاع أدلة من تحقيق أجرته وزارة الداخلية خلُص إلى أنه لم يتم استعمال الذخيرة الخاصة بالحرس الرئاسي في مواجهة الاحتجاجات، دون أن يعترض الادعاء على ذلك.

ولكن الادعاء قال إنه لا بد أن يكون السرياطي متواطئًا في القتل العمد عملا بالفصل 59، وبرر المسؤولية التي يتحملها بمشاركته في اجتماعات خليّة الأزمات بين 8 و10 يناير/كانون الثاني بصفته عضوًا  في دائرة صنع القرار التي كانت تحدد كيفية التعامل مع الانتفاضة. ورغم أن القاضي لم يعثر على أي أدلّة على وجود أوامر بإطلاق النار لقتل المتظاهرين، أو بإطلاق الذخيرة الحية عليهم، إلا أنه خلُص إلى أن علي السرياطي يتحمل مسؤولية استنادًا إلى إفادات شهود حول دوره المؤثر على قوات الأمن. إن المسؤولية التي تم تحميلها لعلي السرياطي في هذه القضية شبيهة بالمسؤولية الجماعية، التي يبدو أنها لا تستجيب إلى معايير المسؤولية الجنائية الفردية.

كما قال محامو الدفاع إن الادعاء لم يقدم أي أدلة على تحمل المتهمين الذين كانوا يتولون مناصب قيادية عليا مسؤولية إصدار أوامر لإخماد الاحتجاجات باستعمال القوة المميتة أو مسؤولية قتل المتظاهرين بأي شكل من الأشكال. وأضافوا أن الادعاء كان يوجه الاتهامات فقط بالاعتماد على المسؤولية السياسية التي كان يتحملها المتهمون دون إثبات أدلة على تواطئهم في ارتكاب الجرائم. كما قال محامو الدفاع إن عمليات القتل كانت ناتجة عن تصرفات فردية لأعوان الشرطة الذين لم يُحسنوا التعامل في فترة شهدت احتجاجات عنيفة. إضافة إلى ذلك، قال بعض محامو الدفاع إنهم قدموا أدلة على أن موكليهم أصدروا أوامر إلى الشرطة للالتزام بضبط النفس في مواجهة المتظاهرين، ولكن المحكمة لم تولي تلك الأدلة اهتمامًا كبيرًا.

ترقية بعض المتهمين إلى مناصب أعلى

قام وزراء الحكومة الانتقالية بترقية بعض المتهمين في محاكمة الكاف إلى مراتب أعلى في جهاز الأمن رغم التهم الموجهة إليهم، وهو ما يثير شكوكًا حول عزم السلطات الانتقالية على تحقيق المحاسبة.

على سبيل المثال، قامت الحكومة الانتقالية الثانية ـ التي حكمت من مارس/آذار إلى أكتوبر/تشرين الأول 2011 ـ في شهر مارس/آذار بتعيين منصف كريفة، وهو أحد المتهمين وكان المدير الجهوي لشرطة مكافحة الشغب في القصرين، مديرًا في الحرس الرئاسي.

كما قامت نفس الحكومة بترقية منصف العجيمي، وهو أحد المتهمين وكان مديرًا لشرطة مكافحة الشغب في تالة، إلى مدير عام لشرطة مكافحة الشغب. وفي 10 يناير/كانون الثاني 2012، قام علي العريض، وزير الداخلية الجديد، بعزل منصف العجيمي من منصبه. ولكن نقابة شرطة مكافحة الشغب مارست ضغطًا، وهددت بالإضراب، فتراجع الوزير عن قراره وعيّن منصف العجيمي نائبًا لمدير ديوان وزارة الداخلية.


5. هل توجد محاكمات أخرى متعلقة بانتفاضة ديسمبر/كانون الأول 2010؟

توجد محاكمتان جماعيتان. ويواجه في "محاكمة تونس"، وهي محاكمة أخرى في المحكمة العسكرية الدائمة في تونس العاصمة، 43 شخصًا تهم قتل متظاهرين في ولايات تونس، وأريانة، ومنوبة، وبن عروس، وبنزرت، ونابل، وزغوان، وسوسة، والمنستير. وكما هو الحال في محاكمة الكاف، فإن قائمة المتهمين في محاكمة تونس تشمل بن علي، واثنان من وزراء الداخلية السابقين، وأربعة مديرين عامين في أجهزة الأمن سابقًا. كما تشمل قائمة المتهمين محمد العربي الكريمي، مدير غرفة العمليات المركزية في وزارة الداخلية، وعلي بن منصور، المتفقد العام لقوات الأمن، ورشيد بن عبيد، مدير المصالح المختصة، وقادة وضباطًا آخرين.

إضافة إلى ذلك، تجري محاكمة أخرى في المحكمة العسكرية الدائمة في تونس العاصمة ضد أربعة عناصر أمن متهمين بقتل ستة أشخاص عندما فتحت الشرطة النار على أعضاء لجان الدفاع عن الأحياء في 15 يناير/كانون الثاني 2011 في الوردانين، وهي مدينة تقع حوالي 120 كيلومترًا جنوب تونس العاصمة.

وأخيرًا، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في صفاقس، في 30 أبريل/نيسان 2012، حكمًا بسجن الشرطيين عمران عبدلالي ومحمد سعيد خلودة لمدة 20 سنة وخطية (غرامة) مالية بـ 80 ألف دينار (49230 دولاراً أمريكياً) بسبب قتل سليم حضري الذي قتل بطلق ناري في 14 يناير/كانون الثاني 2011 بينما كان يشارك في مظاهرة في صفاقس ، حوالي 270 كلم جنوب العاصمة تونس.


6. هل ستسمح هذه المحاكمة بالتأسيس لثقافة المساءلةعن انتهاكات حقوق الإنسان؟

 بشرط أن تكون المحاكمات في الجرائم التي تم ارتكابها أثناء الثورة شفافة وعادلة، توفر هذه المحاكمات فرصة للقطيعة مع ثقافة إفلات قوات الأمن من العقاب في انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تحصل على نطاق واسع خلال 23 سنة هي فترة حُكم بن علي. كما تساعد هذه المحاكمات على وضع سجلّ للأحداث التي وقعت بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 يناير/كانون الثاني 2011، وتحديد المسؤولين عن قتل وجرح المتظاهرين خلال تلك الفترة، بما في ذلك مسؤولية القادة الذين أشرفوا على استعمال القوة المميتة من طرف قوات الأمن.

ولكن محاكمات الكاف وتونس اقتصرت على مدى زمني محدود، والدولة مُلزمة بالتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وضمان محاسبة المسؤولين على ارتكابها خلال 23 سنة من حكم بن علي وليس فقط أثناء الثورة التي دامت شهرًا واحدًا وأنهت فترة حكمه. وشملت هذه الانتهاكات التعذيب والاعتقال التعسفي بشكل مطوّل بسبب التعبير السلمي عن الرأي.


7. لماذا تجري محاكمات بن علي في محاكم عسكرية؟

عملا بالفصل 22 من القانون عدد 70 الصادر في أغسطس/آب 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي، تتمتع المحاكم العسكرية بصلاحية النظر في جميع الجرائم المتهم فيها أعوان قوات الأمن وذلك بغض النظر عن هوية الضحايا أو الإطار الذي تم فيه ارتكاب الجرائم. في البداية، قام ضحايا العنف الذي مارسته الحكومة أثناء الانتفاضة الشعبية برفع دعاوى في محاكم مدنية في محال إقامتهم. وتم فتح أول تحقيق في 24 فبراير/شباط 2011 من طرف النيابة العامة في المحكمة الابتدائية في القصرين، حوالي 218 كلم جنوب غربي تونس العاصمة. ولكن قضاة التحقيق في المحاكم الابتدائية في القصرين والقيروان والكاف قاموا بإحالة القضايا إلى القضاء العسكري.

وينص الفصل 22 على أن "تحال على المحاكم العسكرية ذات النظر القضايا التي يكون أعوان قوات الأمن الداخلي طرفا فيها من أجل واقعة جدت في نطاق مباشرة العمل ولها مساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بحفظ النظام في الطريق العام وبالمحلات العمومية والمؤسسات العمومية والخاصة وذلك أثناء أو إثر الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر".


8. هل يمكن للمحاكم العسكرية ضمان محاكمات عادلة وتحقيق العدالة بشكل فعال؟

عززت الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة الانتقالية على المنظومة القضائية العسكرية ضمانات المحاكمة العادلة وتحقيق العدالة للضحايا. وأصبحت الإصلاحات تسمح للضحايا برفع دعاوى، والمطالبة بتعويضات، والحق في توكيل من ينوبهم في المحاكم العسكرية. ولكن الإصلاحات فشلت في ضمان استقلالية المحاكم العسكرية عن السلطة التنفيذية.

صدرت مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية في 10 يناير/كانون الثاني 1957. وبعد سقوط حكومة بن علي، قامت الحكومة الانتقالية بإصلاح المنظومة القضائية العسكرية وعززت ضمانات المحاكمة العادلة، وشمل ذلك ضمانات لبعض حقوق المتهمين. وبعد صدور المرسوم رقم 69 الصادر في 29 يوليو/تموز 2011، المتعلق بتنقيح وإتمام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، والمرسوم عدد 70 الصادر في 29 يوليو/تموز 2011، المتعلق بتنظيم القضاء العسكري وضبط النظام الأساسي الخاص بالقضاة العسكريين، أصبحت هذه المراسيم تمثل الإطار القانوني المُعتمد في النظام القضائي العسكري. أدخلت هذه القوانين الجديدة ثلاثة إصلاحات أساسية:

  • تعزيز استقلالية المنظومة القضائية العسكرية عن سلطة الحكومة التنفيذية من خلال التخلي عن إلزام النيابة العمومية بإعلام وزير الدفاع قبل بداية الإجراءات الجزائية، والحصول على موافقته على ذلك، وإلغاء سلطة وزير الدفاع لتعليق تنفيذ أحكام القضاء العسكري.
  • إحداث محكمة استئناف عسكرية لها صلاحيات مراجعة الأحكام الجنائية الصادرة عن المحكمة العسكرية الابتدائية. إضافة إلى ذلك، أصبح يتعين وجود دوائر استئناف تتكون من قاض عسكري واحد وقاضيين مدنيين اثنين لمراجعة وتأكيد لوائح الاتهام الصادرة عن قضاة التحقيق العسكريين.
  • إلزام المحاكم العسكرية بتطبيق مجلة الإجراءات الجزائية العادية في جميع مراحل التقاضي. كما دعمت الإصلاحات التركيبة المختلطة للمحاكم العسكرية وأصبح فيها قضاة عسكريون وآخرون مدنيون. وأصبح قضاة المحاكم المدنية يشغلون مناصب رؤساء محاكم الاستئناف العسكرية ورؤساء المحاكم العسكرية الدائمة في تونس والكاف وصفاقس أوقات السلم.

ورغم هذه الإصلاحات، مازالت توجد شكوك حول استقلالية المنظومة القضائية العسكرية. ورغم أن القانون ينصّ على استقلالية القضاة العسكريين عن التسلسل القيادي العسكري في ممارسة مهامهم، إلا أنهم مازالوا رسميًا غير مستقلين عن وزير الدفاع الذي يترأس المجلس الأعلى للقضاء العسكري الذي يُشرف على تعيين وترقية وتأديب وفصل القضاة العسكريين. إضافة إلى ذلك، يُعين الرئيس التونسي قضاة مدنيين في محاكم عسكرية بإصدار مراسيم بعد استشارة وزيرا العدل والدفاع.

وكنتيجة لذلك، فإن المنظومة القضائية العسكرية لا تتمتع بالاستقلالية المتسقة مع المعايير الدولية. إذ ينص المبدأ 13 من مشروع مبادئ تُنظم إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية، الذي صاغته لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في 2006، وهي اللجنة التي انبثق عنها مجلس حقوق الإنسان، على أن "القانون المنظم للقضاة العسكريين يجب أن يكفل استقلالهم وحيادهم، لا سيما تجاه الإدارة العسكرية العليا". كما ينصّ نفس المبدأ على أنه "يجب حماية الاستقلال القانوني للقضاة من حيث علاقتهم بالتسلسل القيادي العسكري، حماية كاملة وتجنب أي تبعية مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان الأمر يتعلق بتنظيم وسير نظام العدالة، أو يتعلق بمجريات الحياة المهنية للقضاة العسكريين".


9. هل يحق للضحايا المشاركة في الإجراءات؟

عملا بالمرسوم الجديد عدد 69، أصبح يحق للضحايا رفع دعاوى في المحاكم العسكرية وتعيين من ينوبهم فيها. وينص الفصل 7 على أنه "يمكن إثارة الدعوى العمومية على المسؤولية الشخصية والقيام بالحق الشخصي أمام المحاكم العسكرية أو قضاة التحقيق طبق القواعد والإجراءات المنصوص عليها بمجلة الإجراءات الجزائية". وتسمح مجلة الإجراءات الجزائية لجميع الأشخاص الذين عانوا من ضرر ناتج بشكل مباشر عن جريمة برفع دعوى في الغرض. إضافة إلى ذلك، أصبح يحق للضحايا المطالبة بالتعويض كما تنص عليه مجلة الإجراءات الجزائية.


10. ما هي أهم مراحل محاكمة الكاف؟ وما هو عدد جلساتها إلى الآن؟

بعد إحالة القضايا التي تم رفعها في البداية في المحاكم الابتدائية في القصرين والقيروان والكاف إلى القضاء العسكري، قام فوزي العياري، قاضي التحقيق العسكري في محكمة الكاف، بإصدار لوائح اتهام ضد 22 متهمًا في 17 أغسطس/آب 2011. وفي 6 سبتمبر/أيلول 2011، قامت الدائرة الجنائية في محكمة الاستئناف العسكري في الكاف بمراجعة وتأكيد لائحة التهم. وبدأت المحاكمة في المحكمة العسكرية هناك في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وعقدت إلى الآن عشر جلسات قامت خلالها بفحص الأدلة واستجواب المتهمين والشهود. وبدأت المرافعات يوم 21 مايو/أيار، وشارك فيها محامو الضحايا والنيابة العمومية ومحامو المتهمين.


11. ما هي الأدلة المستعملة ضدّ بن علي والمتهمين الآخرين؟

اعتمدت لائحة الاتهام على شهادات مئات الشهود الذين قالوا إن الشرطة قامت بإطلاق النار عليهم أو شاهدوها تطلق النار على آخرين كانوا يشاركون في المظاهرات. وفي أغلب الأحيان، لم يتمكن الشهود من تحديد الأشخاص الذين قاموا فعلا بإطلاق النار، وقالوا إنهم شاهدوا أعوان شرطة محليين وقوات أمن أخري جاءت لتعزيزها في مواجهة الاحتجاجات. وفي بعض الحالات القليلة، قال شهود إنهم شاهدوا الشخص الذي أطلق عليهم النار وتمكنوا من تحديد اسمه. وبالاعتماد على ما قيل في المحكمة وعلى ملفات القضية، يبدو أن الأدلة المتوفرة لا تحتوي على تحليل باليستي مفصّل ولا تعتمد كثيرًا على فحوص الطب الشرعي.

وقام قاضي التحقيق في هذه المحاكمة باستجواب عدد من ضباط الشرطة الذين كانوا حاضرين أثناء الأحداث. ولم يعترف أيّ منهم بتلقي أوامر باستعمال الذخيرة الحية، وقالوا إنهم أطلقوا النار دفاعًا عن النفس. ولتحليل الأوامر التي صدرت إلى قوات الشرطة لمواجهة الاحتجاجات، عاد قاضي التحقيق إلى سجلات غرفة العمليات المركزية في وزارة الداخلية بين ديسمبر/كانون الأول 2010 ويناير/كانون الثاني 2011. وكانت هذه الغرفة تشرف على مراقبة التطورات الأمنية في البلاد، ويعلم بها وزير الداخلية والمديرين العامين لأجهزة الأمن، وتصدر التعليمات إلى الوحدات الأمنية. وكانت جميع المحادثات الهاتفية الصادرة عن غرفة العمليات تُسجل بشكل مباشر على القرص الصلب للإدارة المركزية.

وقال قاضي التحقيق إنه لم يعثر في التسجيلات على أوامر باستعمال الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين. ولكنه لاحظ أن المديرين العامين ربما كانوا يستعملون هواتفهم الخلوية لإسداء تعليمات إلى مراكز الشرطة الجهوية دون أن تُسجل المكالمة في نظام تسجيل الوحدة المركزية.

وفي غياب أدلة مباشرة على وجود تعليمات بالقتل ونظراً لعدم التعرف على الأشخاص المتورطين تورطاً مباشراً في قتل وجرح المتظاهرين؛ اعتمد قاضي التحقيق على الاستدلال المنطقي والأدلة الظرفية لإثبات وجود مخطط لقتل المتظاهرين من قبل أكبر المسؤولين في الحكومة.


12. هل احترمت المحاكمة حقوق المتهمين؟

بشكل عام، احترمت المحكمة حقوق المتهمين في المحاكمة العادلة. وتمكن المتهمون من الاتصال بمحامين من اختيارهم، والإعداد لدفاع كاف، ومن الإطلاع على الأدلة المستعملة ضدهم، ومواجهة الشهود، وتقديم أدلة تبرئة.

وتنص جميع مواثيق حقوق الإنسان الإقليمية والدولية على أن تضمن الدولة الحق في محاكمة عادلة أمام هيئة قضائية مختصة قانونيًا ومستقلة ومحايدة. ويشمل هذا الحق، من جملة ما يشمل، حق المتهم في الإعداد الجيد للقضية، وتقديم الحجج والأدلة، والإطلاع والاعتراض على الحجج والأدلة المقدمة ضده، والحق في الاستشارة والتمثيل القانوني، والحق في المحاكمة دون تأخير لا مبرر له، والاستئناف أمام هيئة قضائية أعلى درجة. 

في محاكمة الكاف، تمتع جميع المتهمين بحق اختيار ممثليهم القانونيين. وأكد محامو الدفاع أنهم تمكنوا من الاطلاع على ملفات القضية والحصول على وثائق من هذه الملفات، بما في ذلك لوائح الاتهام، وشهادات الضحايا والشهود، والأدلة الأخرى التي تم استعمالها في جميع الإجراءات. كما تمكن المحامون من القيام بفحوص مضادة، واستدعاء الشهود، وتقديم الأدلة.

ولكن محامي الدفاع قالوا أيضًا إن المحكمة رفضت أحيانًا بعض المطالب التي كانوا يعتبرونها مهمة ضمن خطة الدفاع. وعلى سبيل المثال، لم تمتثل المحكمة لطلب تقدم به محامو الدفاع للحصول على قائمة بجميع المكالمات الهاتفية الخلوية التي أجراها موكلوهم بين 24 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 يناير/كانون الثاني 2011، وكانوا في حاجة إلى ذلك للتأكد مما إذا كان موكلوهم قد اتصلوا بمرؤوسيهم كما تزعم النيابة العمومية. وبينما كان محامو الدفاع في انتظار الرد على مطالبهم بشأن تقديم أدلة إضافية والإطلاع على وثائق يعتبرونها مهمة، قام قضاة محاكمة الكاف بإصدار أمر مفاجئ بإعلان المرافعات الختامية.


13. لماذا يجب أن يقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية البحتة؟

تعارض هيومن رايتس ووتش من حيث المبدأ محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية، حيث لا يُحترم الحق في إجراءات التقاضي السليمة ولا تتوفر متطلبات القضاء المستقل والنزيه.

وحتى في محاكمات القوات العسكرية أو قوات الأمن، يوجد معيار دقيق في القانون الدولي ينصّ على أن تنحصر صلاحية المحاكم العسكرية علي الجرائم ذات الصبغة العسكرية البحتة. وتشجع هيومن رايتس ووتش على اللجوء إلى المحاكم المدنية في جميع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في حق المدنيين، بغض النظر عما إذا كان المتهمون مدنيين أو عسكريين.

كما تحث لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة جميع الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، على محاكمة العسكريين المتهمين بانتهاكات لحقوق الإنسان، أمام محاكم مدنية. وفي 1999، أكدت اللجنة في ملاحظاتها الختامية حول تقرير مقدم من شيلي أنه "من شأن الاختصاص الواسع الذي تتمتع به المحاكم العسكرية في نظر جميع القضايا التي يوجه فيها اتهام لأفراد عسكريين... أن يساهم في التهرب من المسؤولية التي يتمتع بها هؤلاء الأفراد والتي تمنع عقابهم على انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة".

وأكدت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في قضية "سُليمان ضدّ السودان" في مايو/أيار 2003، أنه يجب على المحاكم العسكرية أن لا يتاح لها سوى "النظر في الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة" و"يجب ألا تتعامل مع الجرائم التي تُعتبر خاضعة للقضاء الطبيعي". إضافة إلى ذلك، تنصّ المبادئ المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا كما أعلنت عنها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على "ضرورة أن يكون الهدف الوحيد للمحاكم العسكرية تحديد الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة التي يرتكبها أفراد عسكريون".


14. ما هو موقف هيومن رايتس ووتش من عقوبة الإعدام؟

طالبت النيابة العسكرية أثناء المرافعات الأخيرة في محاكمة الكاف يوم 23 مايو/أيار 2012 بإصدار حكم الإعدام في حق الرئيس السابق زين العابدين بن علي وعقوبات قاسية في حق جميع المتهمين الآخرين. وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع الظروف ومن حيث المبدأ لما تنطوي عليه من قسوة وعدم إمكانية التراجع عنها بعد تنفيذها. إضافة إلى ذلك، يبقى الإعدام عقوبة تتسم بالتعسف والتحامل واحتمالات الخطأ.


15. كيف ينظر الرأي العام في تونس إلى هذه المحاكمات؟

قامت وسائل الإعلام التونسية بتغطية المحاكمة بشكل مكثف، وتمكن الصحفيون من متابعة المحاكمة ومن تغطيتها في الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. كما قام ممثلو الضحايا ومحامو الدفاع بالتشكيك في قدرة الجهاز القضائي التونسي في تحقيق محاكمات فعلية، وتم الحديث عن هذه الشكوك في وسائل الإعلام وساهمت في انتقاد الرأي العام للمحاكمات.

كما عبّر محامو الدفاع عن قلقهم من عدم الاعتماد على أدلة الطب الشرعي التي كان يمكن أن تحدد هوية من قام بإطلاق النار على المتظاهرين. كما قال المحامون والضحايا إن وزارة الداخلية لم تكن متعاونة، والمثال على ذلك أنها لم تقدم إلى المحكمة أدلة هامة مثل السجل الذي يُزعم أن الوزارة تحتفظ به والذي يحدد الأسلحة والذخيرة التي يحملها كلّ عون أمن. إضافة إلى ذلك، كانت عائلات الضحايا تنتقد بشكل مستمر إطلاق سراح بعض المتهمين بكفالة وترقية البعض الآخر إلى مناصب أعلى.


16. ما هي الإجراءات والتهم والأحكام الأخرى ضدّ بن علي؟

أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة أحكامًا بسجن بن علي لمدة تتجاوز 66 سنة بتهم تراوحت بين اختلاس الأموال والمتاجرة بالمخدرات. وفي 20 يونيو/حزيران، أصدرت هذه المحكمة حكمًا بسجن بن علي وزوجته لمدة 35 سنة وبغرامات مالية قدرها 65.6 مليون دولار لسرقة وحيازة المال والمجوهرات بطريقة غير شرعية. كما أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة في تونس العاصمة حكمًا بسجن بن علي لمدة خمس سنوات بتهمة "استعمال العنف" ضدّ 17 ضابطًا ساميًا في الجيش في القضية المعروفة بـ "براكة الساحل"، وهي المدينة التي قالت السلطات إنها كشفت فيها عن مخطط يقوده الضباط لإسقاط بن علي وإقامة نظام حكم إسلامي سنة 1991.


17. ما هي أشكال التعويض المُتاحة للضحايا؟

في فبراير/شباط 2011، قررت الحكومة الانتقالية منح مبلغ 20 ألف دينار (12624 دولاراً أمريكياً) لعائلات الأشخاص الذين قتلوا أثناء الثورة ومبلغ 3000 دينار (1900 دولار أمريكي) للجرحى، بغض النظر عن مدى خطورة الإصابة. واستنادًا إلى أرقام رسمية، قامت السلطات بدفع تعويضات إلى 2749 جريح وإلى عائلات 347 قتيلاً. وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، قامت الحكومة بدفع قسط ثاني بنفس المبالغ للجرحى وعائلات القتلى. ولكن هذه التعويضات المحدودة لم تستجب لحاجات الجرحى للرعاية الطبية المتواصلة، ولم توفر لهم تعويضًا ماليًا كافيًا عن فقدان مرتباتهم.

وسوف تحدد محاكمات الكاف وتونس في النهاية الضرر المادي الناتج عن استعمال القوة. ويمنح الفصل 7 من المرسوم رقم 69 الصادر في 29 يوليو/تموز 2011 الضحايا حق المطالبة بالتعويض عن الضرر اعتمادًا على الأحكام القانونية الواردة في مجلة الإجراءات الجزائية.


18. لماذا تتم محاكمة بن علي غيابيًا؟ وما موقف هيومن رايتس ووتش من المحاكمات الغيابية؟

فرّ بن علي من تونس إلى المملكة العربية السعودية في 14 يناير/كانون الثاني 2011. وبالرغم من وجود مذكرة توقيف دولية ضدّه، ويتعين على تونس ممارسة مزيدًا من الضغط لتسليمه. وأعلن حمادي الجبالي منذ تعيينه رئيسًا للوزراء أن تسليم بن علي ليس من أولويات السلطات الانتقالية. وفي 17 فبراير/شباط 2012، قال الجبالي، ليلة زيارته إلى المملكة العربية السعودية، لراديو سوا إنه سوف يناقش تسليم بن علي مع السعودية، ووصف المسألة بـ "البسيطة، وليست أولوية".

قد تتسبب محاكمة متهم غيابيًا في تقويض بعض حقوقه الأساسية في محاكمة عادلة، ومنها حق الحضور أمام المحكمة، وحقه في اختيار من يدافع عنه، ومواجهة الشهود. ورغم أن القانون الدولي لا يحبذ المحاكمات الغيابية، إلا انه أيضا لا يمنعها. ويتعين على الأنظمة العدلية التي حافظت على المحاكمات الغيابية أن تفرض على الأقل ضمانات إجرائية من شأنها احترام الحقوق الأساسية للمتهم. وتشمل هذه الضمانات ضرورة إعلام المتهم بشكل مسبق بالإجراءات التي تم اتخاذها وتركه يعبّر بشكل صريح عن عدم رغبته في الحضور. كما يجب تمكين المتهم من حقه في اختيار من ينوبه في غيابه، وأن يحصل على تقرير في حيثيات الإدانة بمجرد عودته إلى تمثيل نفسه.

لا يوجد في مجلة الإجراءات الجزائية التونسية أي أحكام قانونية خاصة بالمحاكمة الغيابية. وقامت محكمة الكاف بتعيين محام للدفاع عن بن علي، ولكن المحامي لم يشارك في جميع الإجراءات. ورغم أنه كان حاضرًا في المرافعات الأخيرة إلا أنه رفض المرافعة. وتعني هذه الجزئيات أنه لم يتم احترام الضمانات الإجرائية الدنيا للمحاكمة الغيابية في هذه القضية.


19. هل توجد طرق أخرى لتقصي الحقائق حول الجرائم التي تم ارتكابها في حقبة بن علي؟

أنشأ المرسوم رقم 8 المؤرخ في 18 فبراير/شباط 2011، بُعيد خلع بن علي، "اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة خلال الفترة من 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 إلى حين زوال موجبها". وتم تعيين توفيق بودربالة، وهو شخصية معروفة في المجتمع المدني التونسي ورئيس سابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، رئيسًا للجنة واختار بنفسه باقي أعضائها الأربعة عشروينص المرسوم على أن تتعهد اللجنة بجمع المعلومات والوثائق المتعلقة بالتجاوزات عبر شهادات الضحايا وعائلات القتلى والجرحى والوثائق التي يتم جمعها من جميع الإدارات والمؤسسات المعنية. وأصدرت اللجنة تقريرها النهائي في 4 مايو/أيار 2012، وجاء تقريرها في 1040 صفحة، بما في ذلك المرفقات (مع قائمة للجرحى والموتى).

وبعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، تبنى المجلس القانون المنظم للسلطات العمومية خلال المرحلة الانتقالية. وينص الفصل 24 من هذا القانون على أن "يسن المجلس الوطني التأسيسي قانونًا أساسيًا يرسى بموجبه أسس العدالة الانتقالية". وإلى غاية هذا التاريخ، ما زال المجلس التأسيسي لم يتبنى هذا القانون بعد.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

Related content