20 نوفمبر/تشرين الثاني 2008
سيادة رئيس الوزراء إيهود أولمرت،
تكتب إليكم هيومن رايتس ووتش لإبداء القلق العميق إزاء استمرار إسرائيل في حصار قطاع غزة، وهو الإجراء الذي يحرم سكان غزة من الأغذية والمحروقات والخدمات الأساسية، كما ويُعد أحد أشكال العقاب الجماعي.
والإجراءات التي تم تطبيقها مؤخراً، والمتمثلة في الإغلاق الكامل لمعابر غزة الحدودية منذ 5 نوفمبر/تشرين الثاني، تُعد جزءاً من سياسة قائمة من طرف حكومتكم تسببت في منع التدفق الطبيعي للسلع والأشخاص إلى غزة ومنها منذ يناير/كانون الثاني 2006. وأسهمت في إحداث أزمة إنسانية، وعمقت من حالة الفقر والتدهور الاقتصادي. وتدعو هيومن رايتس ووتش حكومتكم إلى التراجع عن هذه السياسة.
وقد ذكرت الحكومة الإسرائيلية أن هذا الحصار الأخير جاء رداً على الهجمات الفلسطينية الصاروخية على إسرائيل، والتي تسببت في إلحاق الإصابات باثنين من المدنيين الإسرائيليين (في 14 و16 نوفمبر/تشرين الثاني)، مع تلقي أكثر من 12 شخصاً آخرين للعلاج من الصدمة. وتكررت إدانة هيومن رايتس ووتش للهجمات الصاروخية الفلسطينية المتعمدة والعشوائية التي تستهدف التجمعات السكانية الإسرائيلية لكونها تنتهك قوانين الحرب. وقد أرسلنا في الآونة الأخيرة رسالة إلى قادة حركة حماس ندعوهم فيها إلى نبذ هذه الهجمات واعتقال ومقاضاة من ينفذون هذه الهجمات بحق المدنيين أو يحرضون عليها.
إلا أن مخالفة أحد الأطراف لقوانين الحرب في النزاع لا تبرر مخالفة الطرف الآخر لهذه القوانين. ومن ثم فإن الهجمات غير القانونية من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة لا تبرر الرد الإسرائيلي غير القانوني. وحصار إسرائيل لقطاع غزة – وهي منطقة محتلة تخضع لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة – يُشكل عقاباً جماعياً وينتهك قوانين الحرب.
وفيما قامت حكومتكم بالتخفيف من القيود لمدة يوم في 17 نوفمبر/تشرين الثاني؛ فقد أصبح الوضع الإنساني في غزة حرجاً للغاية مع الاستمرار في إغلاق الحدود. واضطر برنامج توزيع الغذاء التابع للأمم المتحدة، والذي يوزع الغذاء على 750 ألف نسمة – أي نصف سكان غزة – إلى التوقف الأسبوع الماضي، وما زال البرنامج متعطلاً إلى حد كبير.
وقد سمحت إسرائيل بدخول 30 شاحنة إلى غزة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، لتسليم 8 شاحنات من المساعدات الغذائية إلى مراكز توزيع وكالة إغاثة الأمم المتحدة، وتكفي لإطعام 20 ألف شخص. وهذه الإمدادات نفدت أو كادت تنفد، على حد قول مسؤولين بالأمم المتحدة. ويجب أن تستورد الوكالة 15 حمولة شاحنة على الأقل يومياً للوفاء باحتياجات المنطقة من الغذاء. وقد نفد تقريباً كل مخزون الأغذية في ثلاثة مخازن للأمم المتحدة.
كما تحتاج محطة توليد الكهرباء الأساسية في غزة إلى 21 مليون لتر من الديزل الصناعي قبل أن تستأنف توليد الكهرباء، حسب ما قالت وكالة الإغاثة. وتعاني غزة في الوقت الحالي من انتشار انقطاع الكهرباء لمدة تصل إلى 16 ساعة يومياً. ويعاني زهاء 650 ألف شخص – أكثر من ثلث السكان – من انقطاع الكهرباء في أي لحظة معطاة، مع تفشي انقطاع الكهرباء عن سائر مناطق القطاع.
وقد أدى الانقطاع في إمدادات المحروقات والكهرباء إلى تعطيل ضخ المياه من 80 في المائة من آبار مياه غزة، حسب ما ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ويحصل عشرون في المائة من السكان على المياه مدة ست ساعات كل خمسة أيام. ويحصل أربعون في المائة على المياه مدة أربع ساعات أسبوعياً، فيما يحصل أربعون في المائة على المياه طيلة ثلاثة أيام فقط أسبوعياً.
ولم يدخل قطاع غزة أي قمح منذ 16 يوماً، مما أدى لإغلاق طاحونة الفلسطينية؛ أكبر منافذ إنتاج الطحين في القطاع، حسب ما ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وأدى النقص في وقود الطهي إلى إغلاق 28 مخبزاً من بين 47 مخبزاً في غزة، مع ترشيد استهلاك الخبز. ولا توجد مخابز تعمل في الوقت الحالي في رفح جنوبي غزة.
وقد فاقم آخر حصار من الآثار القوية بالفعل الناجمة عن الحصار المطول الذي نفذته حكومتكم لدى وصول حركة حماس للسلطة في غزة يونيو/حزيران 2007. وتوجد إجراءات تقييدية أخرى مفروضة منذ ديسمبر/كانون الأول 2005، حين ربحت حركة حماس في الانتخابات التشريعية في كل من الضفة الغربية وغزة. وعلى مدار العام الماضي عمقت هذه السياسة من حالة الفقر في غزة وقللت الإنتاج الصناعي في القطاع بنسبة 90 في المائة، حسب ما قال البنك الدولي. ويقدر اتحاد الصناعات الفلسطيني أنه نتيجة للقيود على الاستيراد وعدم القدرة على التصدير، فإن 23 من بين 3900 صناعة في غزة هي التي ما زالت تعمل، ومنها ست تخص إنتاج طحين القمح، وواحدة للثياب، والبقية متعلقة بإنتاج الأغذية.
وتؤثر هذه القيود سلباً على سكان هم بالفعل من أفقر السكان في العالم. وتقريباً فإن ما يُقدر بسبعين في المائة من سكان غزة يعيشون في فقر مدقع، حسب ما ذكرت منظمة إغاثة الأمم المتحدة، الأونروا. (وتُعرف الوكالة الفقر المدقع على أنه الحالة الخاصة بعيش أسرة من ستة أشخاص أو أكثر على دخل أقل من 467 دولاراً شهرياً). وقد شاركت مصر في الحصار بإبقاء حدودها مع غزة مُغلقة طيلة أغلب فترات العام الماضي، بالتعاون مع حكومتكم.
وقد تعهدت إسرائيل في يونيو/حزيران بالتخفيف من هذه القيود – إلا أن حركة السلع إلى غزة والأشخاص إلى غزة ومنها ما زالت تُقدر بنذر يسير من الوضع حين كانت الحدود مفتوحة لآخر مرة للتجارة الحرة. وتُقدر واردات أكتوبر/تشرين الأول بـ 21 في المائة فقط من واردات ديسمبر/كانون الأول 2005 (13430 حمولة شاحنة)، وكان هذا قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وتُقارن بـ 26 في المائة من مستوى الواردات في مايو/أيار 2007، قبل استيلاء حركة حماس مباشرة على السلطة في قطاع غزة، حسب ما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ولا تسمح حكومتكم بخروج صادرات من غزة.
وفي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول سمحت مصر وإسرائيل بمرور حوالي 6000 حاج ومريض وبعض رجال الأعمال من معبريّ رفح وإيريز الحدوديين. إلا أن الحكومتين المصرية والإسرائيلية منعتا زهاء 800 طالب من مغادرة الأراضي للدراسة بالخارج. وما زالت القيود المفروضة على حرية التنقل بحق الأغلبية العظمى من السكان مُطبقة وسارية، مما يمنع الأشخاص من الذهاب إلى أعمالهم وتلقي الرعاية الصحية وزيارة الأقارب خارج القطاع.
وحتى رغم سحب إسرائيل لقواتها العسكرية الدائمة ومستوطنيها في عام 2005، فهي ما زالت القوة المحتلة لغزة بموجب القانون الدولي، بما أنها مستمرة في ممارسة السيطرة اليومية الفعلية على مختلف مظاهر الحياة في غزة. وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فإسرائيل مُلزمة بضمان توفير الأغذية والعقاقير الطبية للسكان المدنيين بقدر المُستطاع.
وتدعو هيومن رايتس ووتش حكومتكم إلى أن تقوم فوراً برفع القيود المفروضة على تدفق الأغذية والعقاقير الطبية وغير ذلك من الإمدادات الضرورية لسلامة السكان المدنيين في غزة، وأن تكف فوراً عن فرض كافة الإجراءات التي ترقى لدرجة العقاب الجماعي للسكان المدنيين، بما في ذلك القيود على توزيع إمدادات الكهرباء والمحروقات. كما ندعو حكومتكم إلى احترام الحق في حرية التنقل، لاسيما بالنسبة لمن يبغون السفر لأسباب صحية أو تعليمية.
ونتطلع قدماً لتلقي ردكم على هذا الشأن.
مع بالغ التقدير والاحترام،
سارة ليا ويتسن
المديرة التنفيذية
قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
هيومن رايتس ووتش