نكتب إليكم تعبيراً عن تأييدنا للتعديل المقترح على قانون نقابة الصحفيين الأردنيين لعام 1998، وهو التعديل الذي يلغي شرط عضوية الصحفيين الإلزامية في نقابة الصحفيين الأردنيين.
9 نوفمبر/تشرين الثاني 2005
معالي دولة الدكتور عدنان بدران
رئيس الوزراء
حكومة اaلمملكة الأردنية الهاشمية
ص . ب 80، عمان 11180 – الأردن
دولة رئيس الوزراء:
نكتب إليكم تعبيراً عن تأييدنا للتعديل المقترح على قانون نقابة الصحفيين الأردنيين لعام 1998، وهو التعديل الذي يلغي شرط عضوية الصحفيين الإلزامية في نقابة الصحفيين الأردنيين. وترى منظمة هيومن رايتس ووتش (مراقبة حقوق الإنسان) أن على أية نقابة للصحفيين أن تمارس دورها الهام استناداً إلى المشاركة الحرة، لا الإلزامية، للصحفيين.
إن القانون الحالي الذي ينص على إلزامية العضوية في نقابة الصحفيين يخرق التزامات الأردن الدولية في مجال حقوق الإنسان ويحد من حرية الاجتماع ومن حرية اختيار العمل. أما الحجج التي تساق دعماً للقانون، والقائلة بأن العضوية الإلزامية تعزز المعايير الصحفية الرفيعة وتحد من النفوذ الأجنبي وتحمي حرية الصحافة، فهي غير مقنعة.
حرية الاجتماع
تحظر المادة 16 من قانون نقابة الصحفيين الحالي على أية مؤسسةٍ إعلاميةٍ أو إخباريةٍ في المملكة استخدام أي صحفي لا يكون عضواً مسجلاً في نقابة الصحفيين الأردنيين. كما أن قانون المطبوعات والنشر لعام 1999 يعرّف الصحفي في مادته الثانية بأنه العضو في نقابة الصحفيين الأردنيين؛ وهو يمنع بوضوح في مادته العاشرة أي شخصٍ من ممارسة الصحافة أو إطلاق صفة الصحفي على نفسه إن لم يكن عضواً في النقابة.
إن العضوية الإلزامية تخرق التزامات الأردن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تعهد الأردن باحترامه كونه إحدى الدول الموقعة عليه. وينص هذا العهد في المادة 22 من القسم الأول على أن "لكل إنسان الحق بحرية الاجتماع مع الآخرين، بما في ذلك حقه في تشكيل النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه". أما اشتراط الأردن العضوية الإلزامية في النقابة فإنه يخرق حق العضوية الحرة في النقابات والاتحادات.
وعلاوةً على هذا، فإن أنظمة نقابة الصحفيين الأردنيين تحد من حرية التعبير، وتفرض العقوبات على أي خرقٍ لها. وتصرح النقابة بأن رسالتها تتمثل في الحفاظ على الحرية اللازمة لممارسة الصحافة، لكن ذلك لا يكون إلا ضمن "إطار مسؤولياتها الأخلاقية والقومية والوطنية" (قانون النقابات، المادة 4). وهي تضع مدوّنةً للأخلاق الصحفية (المادة 19)، وتطالب كل صحفي بأداء قسم الولاء للملك والوطن و"احترام المهنة" (المادة 12). وإذا خرق أي صحفيٌّ هذه القيود ذات الصياغة والمضمون الغامضين (المادة 42)، فإن للمجلس التأديبي صلاحية حرمانه من الكتابة أو طرده نهائياً من النقابة (المادة 46). ويملك الصحفي حق استئناف القرار أمام المحكمة العليا في الأردن (المادة 50) لكن المحكمة قصرت النظر في هذا الأمر على التأكد مما إذا كانت النقابة قد تقيّدت بالإجراءات السليمة أم لا.
ما برح النقد لشرط العضوية الإلزامية يتزايد باستمرار. ففي المنتدى الصحفي الذي رعته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في عمّان عام 2000، دعا أكثر من 130 من الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان العالميين إلى إلغاء شرط العضوية الإلزامية. وفي سبتمبر/أيلول 2005، أيّد مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن (وهو منظمةٌ مستقلة) إلغاء هذا الشرط أيضاً.
ويرى كثيرون أن النقابة تُستخدم لفرض آراء الحكومة، أو آراء قيادة النقابة، على جميع الصحفيين في الأردن؛ مثلما تُستخدَم لمعاقبة من يشذّ عن هذه الآراء. إن الصحفيين العاملين في مؤسسات الإعلام الحكومية (جزئياً على الأقل)، مثل يوميتي الرأي والدستور، ووكالة الأنباء الأردنية "بترا"، يمثلون الأغلبية في النقابة، وهم من ينتخب قيادتها.
وقد عملت النقابة بالفعل على إسكات الصحفيين الذين لم تحظ أحاديثهم أو كتاباتهم أو سلوكهم برضاها. ففي سبتمبر/أيلول 2000، قامت النقابة بطرد الصحفي نضال منصور، رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن، عندما كان يشغل منصب أمين سرها. وفي أكتوبر/تشرين الأول 1999، قرر المجلس التأديبي في النقابة طرد ثلاثة صحفيين وهم عبد الله حسنات وسلطان حطاب وجهاد المومني، وذلك بسبب زيارتهم لإسرائيل التي اعتبرت نوعاً من "تطبيع" العلاقات معها. وفي عام 1998، رفضت النقابة طلب العضوية الذي تقدم به شاكر الجوهري الذي كان رئيس تحرير "العرب اليوم" آنذاك، دون تقديم تبرير لذلك الرفض، طبقاً لما قاله الجوهري. ورغم أن الأخير ربح الاستئناف الذي قدمه لهذا القرار أمام المحكمة العليا في ديسمبر/كانون الأول 1999، فإن مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تسيطر عليها الحكومة أجبرته على ترك الصحيفة بعد أن اشترت غالبية أسهمها في فبراير/شباط 2000.
حق الاختيار الحر للعمل
مازال القانون الأردني يضع عقباتٍ كبيرة أمام دخول مهنة الصحافة. إذ أن الشركات الإعلامية لا تستطيع توظيف الناس إلا إذا كانوا يحملون شهادات جامعية معينة وإذا أتموا التدريب ضمن العمل. وتقرر النقابة نوع التدريب المقبول، كما تجري اختباراً نهائياً يتطلب موافقة وزارية.
قد يكون تنظيم العضوية في المهن التي تتطلب تدريباً وشهاداتٍ جامعية أمراً ضرورياً في حالاتٍ قليلةٍ ومحددة، مثل ممارسة القانون أو الطب، إذ أن شرطي التدريب والدراسة هما: 1) شرطان حتميان لممارسة المهنة، 2) شرطان محدَّدان بدقة ووضوح من ناحية المعايير الدنيا اللازمة لممارسة المهنة، 3) شرطان ضروريان لحماية حقوق الأشخاص الذين يتكلون على هؤلاء المهنيين لأداء خدمات يمكن أن يكون لها أثر هام على حقوقهم أو على صحتهم. يتطلب كلٌّ من القانون والطب منظومةً محددة من المعارف، والخطأ المهني في كليهما قد يكون صعب التصحيح. أما الصحفيين فلا يواجهون ظروفاً كهذه عند ممارسة مهنتهم. بل أنهم، وفي واقع الأمر، يمارسون فيها حقهم الأساسي بالتعبير الحر عن آرائهم، وهو ما تضمنه المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على أنه: "يجب أن يكون لكل شخص الحق في التعبير الحر. ويشمل هذا الحق حرية تلقي ونقل جميع أنواع المعلومات والأفكار، وكذلك البحث عنها، بصرف النظر عن حدود الدول، سواءٌ كانت شفهيةً أو كتابيةً أو مطبوعةً أو في صيغة عملٍ فني أو عبر أية وسيلة يريدها".
نحن نعلم أن قانون المطبوعات والنشر الأردني لعام 1999 يستثني كتّاب الأعمدة الصحفية من تعريف الصحفيين (قانون المطبوعات والنشر، المادة 10)، وذلك إقراراً بالمعضلة القائمة بين ضرورة حرية نشر المعلومات والأفكار وبين رغبة الحكومة بأن تقدم الصحافة أعلى سوية من المعلومات إلى الجمهور. لكن الحقيقة هي أن معياري الشهادة الجامعية والتدريب ليسا بالمعيارين الأساسيين لممارسة مهنة الصحافة، ولا علاقة لهما بالخدمات التي يمكن أن يكون لها أثرٌ خطير على حقوق السكان أو صحتهم أو حياتهم.
ومع تزايد المادة الصحفية التي يتم إنتاجها واستهلاكها عن طريق الإنترنت، تصبح حدود مهنة الصحافة، وبالتالي معقولية وجود هيئة تنظم الدخول إليها، أمراً أقل وضوحاً. وقد قال طارق المومني نقيب الصحفين لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن قانون المطبوعات والنشر لا ينظم الصحافة الخاصة على الإنترنت حالياً، لأنه ينظم فقط مواقع الإنترنت العائدة للمؤسسات الإعلامية الأردنية التي تصدر صحفاً مطبوعةً. إن العقبات الكبيرة التي يضعها القانون في وجه من يريد أن يصبح صحفياً، إضافةً إلى عدم إمكانية العمل كصحفي من خارج النقابة تمثل وضعاً غير معقول يحد من حق الاختيار الحر للعمل.
عدم الالتزام بالسوية المطلوبة، والتسلل الأجنبي، والحريات الصحفية
يطرح أنصار القانون الحالي ثلاث حجج للإبقاء على شرط العضوية الإلزامية.
الخوف من عدم الالتزام بالسوية المطلوبة
يمثل أحد العناصر الأساسية لهذا الخوف رأياً (غالباً ما يحمله المسؤولون الحكوميون) مفاده أن ثمة كثيرٌ من المادة الصحفية متدنية الجودة، وهي تضرّ أحياناً بسمعة بعض الأشخاص والجهات والدول. إن من شأن العضوية الإلزامية، وما يلازمها من معايير الحد الأدنى من التعليم والتدريب، ضمان النوعية الرفيعة من الصحفيين الذين يتجنبون الكتابة التشهيرية والأخبار المسيئة.
وتلقي النقابة باللائمة في هذا الأمر على الصحفيين غير المرخصين. ويُعتقد أن هناك قرابة مئة صحفي أردني يعملون من غير أن يكونوا أعضاء في النقابة، أي بشكلٍ غير قانوني. وطبقاً لما قالته صحيفة جوردان تايمز في 20 سبتمبر/أيلول فإن "الحكومة قد أصدرت مذكرةً [في أغسطس/آب] موجهةً إلى جميع الدوائر الحكومية تحظّر عليها الإدلاء بأية معلومات، أو تقديم أية مساعدة، إلى غير أعضاء نقابة الصحفيين الأردنيين. وجاء هذا الإجراء بناءً على طلب النقابة، وذلك ما اعتبره رئيس النقابة طارق المومني جزءاً من المساعي الرامية إلى تنظيم المهنة ومنع الصحفيين غير الشرعيين من خرق القانون ومدوّنة أخلاق المهنة".
لكن من غير الواضح ما إذا كانت العضوية الإلزامية في نقابة للصحفيين تمثل آليةً ملائمة لضمان عدم إضرار الصحفيين بسمعة الناس أو ممارسة التشهير والقذف بحقهم. فالقوانين الجزائية الأردنية تتضمن نصوصاً شديدة العمومية ضد التشهير والقذف و"الإضرار بسمعة" الآخرين. ويعود للمحاكم تقرير حدود عمل هذه القوانين وتحديد ما إذا كان الصحفي قد خرقها. وليس للأردن أن يعتمد على نقابة الصحفيين لاتخاذ القرار بشأن ما إذا كان الصحفي قد خرق تلك القوانين، ولمنعه من العمل الصحفي استناداً إلى قرارها.
كما أن على الحكومة أن تترك الجمهور حراً في تحديد نوعية الصحافة التي يريدها. فالصحفي الضعيف وغير المحترف سيخسر قرّاءه ودعمهم إذا كانت المشكلة متعلقةً بجودة كتابته.
الخوف من التسلل الأجنبي
الحجة الثانية التي تساق من أجل الإبقاء على السلطات الحصرية لنقابة الصحفيين في ضبط الصحفيين، هي حماية الصحافة الأردنية من التدخل الأجنبي. وقد قال إبراهيم عز الدين، رئيس المجلس الأعلى للصحافة في الأردن، لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن النقابة لعبت دوراً ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً هاماً في الأردن لمدة خمسين عاماً. وهو يخشى أن يؤدي التخلي عن شرط العضوية الإلزامية إلى وجود نوادٍ صحفية تمثل امتداداً لمن يمولها من خارج البلاد.
لكن عدداً من منظمات المجتمع المدني في الأردن تموَّل من الخارج، جزئياً على الأقل، ومن بينها نقابة الصحفيين الأردنيين التي سعت للحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي. ولم يزعم أحدٌ قط بأن هذا التمويل قد أدى إلى تدني السوية أو إلى منع الأردنيين من التمتع بحرياتهم بأي شكلٍ من الأشكال. ولا يجوز الخلط بين تمويل منظمات المجتمع المدني من الخارج وبين الملكية الأجنبية للمؤسسات الإعلامية، وهي الملكية التي يعود أمر اتخاذ القرار بشأن تنظيمها إلى المشرّع الأردني. وعلى أية حال، فإن قانون المطبوعات والنشر الأردني يمنع الدوريات الأردنية والمنشورات المتخصصة من تلقي أي تمويل أجنبي (قانون المطبوعات، المادة 20). وهكذا فإن من غير الواضح كيف تكون للعضوية الإلزامية في النقابة صلة بالتسلل الأجنبي إلى الصحافة الأردنية. لكن من الواضح أن العضوية الإلزامية في نقابة الصحفيين ليست بالآلية المناسبة لتنظيم مسألة الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام الأردني.
من واجب النقابة أن تدافع عن الحريات الصحفية؟
وأخيراً، يشير أنصار الوضع الراهن إلى الضعف النسبي في الحريات الصحفية وإلى ما يستتبعه ذلك من ضرورة وجود نقابة قوية للدفاع عن حقوق الصحفيين وحرية الكلام. وهم يقولون أن النقابة ستفقد أعضاءها إذا غدت العضوية فيها طوعيةً، كما ستفقد معهم قدرتها على القتال من أجل حرية الصحافة.
لكن ما من سببٍ يدعو للاعتقاد بأن أعضاء النقابة يمكن أن يتخلوا عن عضويتهم فيها إذا أثبتت لهم أنها مفيدةٌ للصحفيين ولمصالحهم. وفي هذا الصدد، قال طارق المومني، الرئيس الحالي للنقابة، لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن النقابة ستصبح أكثر قوة في جميع الحالات لأن الصحفيين باتوا يقدّرون "خدماتها" تقديراً أعلى. فعلى سبيل المثال، تدعم نقابة الصحفيين الأردنيين مشروع قانون الصحافة والنشر الذي حُدِّد موعدٌ أولي لعرضه على البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2005. وهو قانون من شأنه أن يلغي الصفة الجرمية عن خرق قانون المطبوعات والنشر بحيث يُحلّ الغرامات محل أحكام الحبس، إضافةً إلى عددٍ من التحسينات الأخرى.
ومن الواضح أن لدى أعضاء النقابة أسئلة جدية بشأن فائدة وجودها، وأن كثيراً منهم يعارض شرط العضوية الإلزامية فيها. وفي استطلاعٍ لآراء الصحفيين بشأن الحريات الصحفية في الأردن أجراه مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن عام 2004، اعتبر أكثر من نصف المشاركين أن "دور النقابة [...] ضعيف أو مقبول، فيما يخص الدفاع عن حرية الصحافة". وأثناء مؤتمرٍ نظمه في عمان المنتدى الدولي لتطوير الإعلام، تم تداول عرائض تعارض العضوية الإلزامية. وتبعاً لتصريح صحفي صدر عن "إنترنيوز" في 14 أكتوبر/تشرين الأول، فإن "معارضي العضوية الإلزامية [قالوا بأنها] أمرٌ شائعٌ في النقابات الصحفية من أجل التحكم بالصحافة في العالم العربي، حيث يمكن أن ينتهي الصحفيون الذين لا تروق كتاباتهم للنقابة إلى خسارة عضويتهم فيها، وبالتالي خسارة عملهم الصحفي". وقد انتقد كثيرٌ من الحاضرين النقابة بوصفها "أداة لقمع الصحافة الحرة".
ليست العضوية الإلزامية في نقابة الصحفيين الأردنية إلا أحد المستويات المتعددة لتقييد حرية التعبير في الأردن. إذ أن كثيراً من أحكام قانون نقابة الصحفيين الأردني، وقانون المطبوعات والنشر، وجملةً من المواد الواردة في قانون العقوبات، تقيّد محتوى المادة الصحفية أيضاً. إن شرط العضوية قيدٌ فاضحٌ على وجه الخصوص، فهو ينتهك عدداً من حقوق الإنسان الأساسية: حرية التجمع والتعبير، وحق الاختيار الحر للعمل.
إن من شأن إلغاء شرط العضوية الإلزامية أن يخطو بالأردن خطوةً هامة باتجاه الإصلاح الخاص بحرية الكلام. ونحن نأمل دعمكم المتواصل لإزالة هذا القيد والوفاء بالتزامات الأردن الدولية في مجال حقوق الإنسان.
مع فائق الاحترام،
سارة ليا ويتسون