Skip to main content

ليبيا: يجب إحياء ذكرى الثورة بمراعاة الحقوق

40 عاماً على ثورة الفاتح والليبيون ما زالوا لا يتمتعون بالحريات الأساسية

(نيويورك، 31 أغسطس/آب 2009) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن العقيد معمر القذافي بحاجة للاحتفال بالذكرى الأربعين لوصوله إلى الحُكم بأن يُلغي القوانين القمعية ويطلق سراح السجناء السياسيين. ورغم وجود تحركات نحو الإصلاح في السنوات الخمس الماضية، فإن القوانين والسياسات التي تقيد الحريات والحقوق الأساسية للمواطن الليبي ما زالت نافذة، وما زال الليبيون غير قادرين على انتقاد الحكومة أو تشكيل جمعيات أو كيانات سياسية.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان التي أعدها القذافي وعدت بـ"مجتمع كل الناس الأحرار المتساوين فى السلطة"، وتابعت قائلة: "ولكن بعد أربعين عاماً، ما زال الليبيون ينتظرون حقوقهم".

والخطوات المحدودة التي تم خطوها نحو المزيد من حرية الصحافة والإصلاحات القانونية وزيادة التسامح مع الانتقادات، تشير إلى أن ثمة - على الأقل - بعض العناصر، في الحكومة يقرون بالحاجة للإصلاح. وقد أدى ظهور صحيفتين مستقلتين جديدتين والإنترنت، إلى خلق مساحة محدودة من حرية التعبير، ووقعت بعض المظاهرات العامة، وهو ما لم يكن مسموحاً به من قبل.

وأعلنت وزارة العدل عن خططها لإصلاح الأحكام الأكثر قمعية في قانون العقوبات، لكنها لم تقدم بعد المراجعات المقترحة علناً. ونظام القضاء في بعض الأحيان يتخذ قرارات مستقلة، فيأمر الحكومة بدفع التعويض لمن انتهكت حقوقهم. لكن الكثير من المحاكمات، لا سيما التي تنظرها محكمة أمن الدولة، ما زالت لا تفي بالمعايير الدولية لإجراءات التقاضي السليمة. وإجمالاً، فإن ثمة حدود غير مبررة مفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وما زالت هي المعيار السائد، ومنها أحكام في قانون العقوبات تُجرّم "إهانة المسؤولين العامين" أو "معارضة عقيدة الثورة".

وقالت سارة ليا ويتسن: "صفقات الأعمال مع الدول الأخرى لن تُحسِّن من سمعة ليبيا في مجال حقوق الإنسان". وتابعت: "ولن تتحسن السمعة حتى تُقدم ليبيا على إلغاء القوانين التي تقيد من حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وحتى تخلي سبيل السجناء السياسيين وتقاضي المسؤولين الحكوميين المسؤولين عن جرائم الماضي".

وقد ذهبت هيومن رايتس ووتش إلى ليبيا في مهمة بحثية في أبريل/نيسان 2009، والتقت بأمين اللجنة الشعبية العامة للعدل، وزير العدل، وأمين اللجنة الشعبية العامة للأمن العام، وزير الداخلية، وكذلك مسؤولين آخرين. ومن المقرر إصدار تقريرين يعرضان تفصيلاً النتائج التي تم التوصل إليها قبل نهاية العام.

حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات

حرية التعبير مقيدة للغاية في قانون العقوبات الليبي، الذي يُجرم أعمالاً مثل "إهانة مسؤولين عامين" و"الترويج لنظريات معادية للدولة". إلا أن على مدار السنوات الخمس الماضية، بدأ انفتاح تدريجي في الظهور، متيحاً هامشاً من حرية التعبير، وإن كان هذا الهامش ما زال ضعيفاً. وأصبح متاحاً لليبيين الحصول على المزيد من المعلومات بإنشاء صحيفتين مستقلتين جديدتين ومحطة فضائية، بالإضافة إلى المحطات الفضائية الكثيرة المتاحة لهم ومواقع الأخبار الليبية في الخارج. وهذا الانفتاح التدريجي واكبه زيادة في انتقاد السياسات الحكومية في الصحف، وكذلك زيادة في مقاضاة الصحفيين، رغم أنه لم يُحكم على صحفي بالسجن حتى الآن.

كما تقيد القوانين الليبية كثيراً من حرية تكوين الجمعيات. قانون  71 يحظر أي نشاط جماعي يُعارض عقيدة ثورة 1969، وقانون العقوبات يفرض عقوبة الإعدام على من ينضمون إلى هذه التنظيمات. وقانون الجمعيات الليبي (قانون 19) يقيد أيضاً من حرية تكوين الجمعيات، بمطالبته أي منظمة جديدة بأن يكون لديها 50 عضواً مؤسساً وأن تتقدم بطلب الحصول على التصريح، مع اللجنة الشعبية العامة كامل التصريح برفض طلبات التقديم دون إبداء مبرر أو الطعن في القرار. على سبيل المثال، قام الأمن الداخلي الليبي بإحباط محاولة في صيف 2008 من مجموعة من المحامين والصحفيين لإنشاء منظمة مستقلة لحقوق الإنسان.

وفي خطوة أخرى إلى الخلف، في 29 يونيو/حزيران، أصدرت لجنة الشعب العامة قراراً (312 لعام 2009) يطالب بالموافقة مسبقاً قبل 30 يوماً، من لجنة حكومية مشكلة حديثاً، قبل عقد أي فعالية أو ملتقى، مع المطالبة بأن تقدم الجهات المُنظمة لهذه الفعاليات والاجتماعات قائمة بجميع المشاركين والقضايا المطروحة للنقاش في الفعالية. وبموجب القانون الدولي فإن هذه المتطلبات لا تفي بمعيار الضرورة أو التناسب، وهما المعياران اللذان يمكن في ظلهما الحد من حرية التجمع وتكوين الجمعيات.

وقالت سارة ليا ويتسن: "على السلطات الليبية أن تُصلح قانون العقوبات وقانون الجمعيات، لكي يصبحان على اتساق مع المعايير الدولية لحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات". وأضافت: "إصدار قرار فيه المزيد من الإعاقة لحرية التجمع ليس  بالإشارة  المُبشرة، ويجب التراجع عنه".

الاحتجاز لأجل غير مسمى

على حد قول وزارة العدل، فإن نحو 200 سجين بين من انقضت مدد أحكامهم ومن برأتهم المحاكم الليبية ما زالوا رهن الاحتجاز بموجب أوامر من الأمن الداخلي. الأمن الداخلي - الخاضع لإشراف وزارة الداخلية - يدير سجنين، هما عين زارة وبوسليم، حيث يتم احتجاز المحتجزين "الأمنيين". وقد رفض الأمن الداخلي تنفيذ الأوامر القضائية بالإفراج عن هؤلاء السجناء، رغم دعوات من وزارة العدل بإطلاق سراحهم.

على سبيل المثال، محمود أبوشيمة المواطن الليبي البريطاني ، ما زال محتجزاً في بوسليم، رغم حُكم من المحكمة العليا في 30 مارس/آذار 2008 بالإفراج عنه. أبوشيمة، الذي يعيش في المملكة المتحدة منذ عام 1981، عاد إلى ليبيا في 17 يوليو/تموز 2005. وبعد 11 يوماً من عودته، اعتقله عناصر من الأمن الداخلي، ونسب إليه ادعاء محكمة أمن الدولة الاتهام بالعضوية في تنظيم محظور. برأته محكمة في 18 مارس/آذار 2005، وأيدت محكمة النقض الحُكم في 20 فبراير/شباط 2007. ثم أحيلت قضيته إلى المحكمة العليا التي أيدت تبرأته في حُكم منها صدر عام 2008. وطلبت هيومن رايتس ووتش مقابلته في أبريل/نيسان لدى زيارتها لسجن بوسليم، لكن سلطات السجن رفضت إتاحة مقابلته.

السجناء السياسيون

السجون الليبية ما زالت تؤوي العشرات من السجناء الذين حُكم عليهم بعد محاكمات غير منصفة جراء إبداء آرائهم السياسية. لكن على مدار العامين الماضيين، تم إخلاء سبيل بعض السجناء السياسيين. وفي بداية هذا العام، أفرجت ليبيا عن أخر  اثنين من مجموعة قوامها 14 سجيناً، تم اعتقالهم في 2007 جراء تنظيم مظاهرة.

ومن السجناء الذين لم يصادفوا إلا أقل الاهتمام: عبد الناصر الرباصي. وقابلته هيومن رايتس ووتش في سجن بوسليم في طرابلس شهر أبريل/نيسان الماضي. يُمضي الرباصي حُكماً بالسجن لمدة 15 عاماً جراء كتابة رواية عن الفساد وحقوق الإنسان. وفي 5 يناير/كانون الثاني 2003، اعتقله ضباط أمن في ثياب مدنية من منزله، واحتجزوه بمعزل عن العالم الخارجي لمدة ستة أشهر. وفي 18 أغسطس/آب 2003، أنزلت به محكمة الشعب حُكماً بالسجن بتهمة "إهانة قائد الثورة" (لقب القذافي) بموجب المادة 164 من قانون العقوبات.

وقال الرباصي لـ هيومن رايتس ووتش: "أنا لست عضواً في أي تنظيم أو ما شابه ذلك"، وأضاف أن ضباط الشرطة وجدوا في بيته بعض كتاباته.

وقالت سارة ليا ويتسن: "ينبغي على الحكومة الليبية إخلاء سبيل جميع السجناء المحتجزين جراء التعبير سلمياً عن آرائهم". وأضافت: "وعليها أن تحرص على احترام أحكام المحاكم الليبية وتنفيذ أوامر المحاكم بإخلاء سبيل السجناء من سجني بوسليم وعين زارة".

إحقاق العدالة عن وقائع القتل في سجن بوسليم عام 1996

قُتل نحو 1200 سجين في 29 يونيو/حزيران 1996 في سجن بوسليم، لكن السلطات الليبية لم تُعلن عن نتائج التحقيق في الحادث ولم تُُحمِّل أي شخص المسؤولية عنها. منذ عام 1996 وحتى أواخر 2008، راحت الأغلبية العظمى من أسر السجناء المقتولين تلتمس الأخبار عن مصائر أقاربهم لكن لم يحصلوا على معلومات تُذكر عنهم. وفي عام 2007 لجأت بعض الأسر للمحكمة كي تنظر في القضية، وفي يونيو/حزيران 2008 أمرت محكمة شمال بنغازي الحكومة بالكشف عن مصير الموتى.

وبالنتيجة، بدأت السلطات الليبية في إصدار شهادات وفاة للأسر في ديسمبر/كانون الأول، دون أن تُقر بأن هذه الوفيات نتيجة لحادث 1996، وقدمت تعويضات بمبلغ 200 ألف دينار ليبي (162300 دولار أميركي) تعويضاً للأسرة التي توافق على التنازل عن اللجوء للقضاء. لكن أغلب الأسر في بنغازي رفضت قبول التعويض بهذه الشروط.

محمد حامل فرجاني، المتحدث باسم الأسر وهو في الولايات المتحدة حالياً، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن "النقود لا تهمنا" وأضاف: "أسرتي أمضت سنوات من المعاناة، لا تعرف مصير أشقائي، ثم يعطونهم قطعة ورق بعد 15 عاماً يقولون فيها إنهم ماتوا وكفى. إننا نريد العدالة".

بعض الأسر التي أصرّت على مساءلة الحكومة نظمت احتجاجات في بنغازي على مدار الشهور الماضية. وشكلوا لجنة لتمثيل مطالبهم، وتشمل الكشف عن حقائق ما جرى ذلك اليوم، من أعمال قتل، ومحاكمة المسؤولين عنها. وفي بادرة إيجابية، سمحت الحكومة في أغلب الحالات للأسر بالتظاهر، وفي بعض الأحيان غطت الصحافة الليبية أنشطتهم ومطالبهم. إلا أن الأسر واجهت أيضاً المضايقات من قوات الأمن، والاعتقال في بعض الأحيان.

وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإن الحق في الحياة والحصول على تعويض مناسب يشمل واجب التحقيق في الانتهاكات وإخطار أقارب الضحايا بملابسات الوفاة. وإذا وقعت أية جريمة فيها وفاة وكانت السلطات طرفاً فيها، فيجب تحديد الجُناة ومقاضاتهم.

وقالت سارة ليا ويتسن: "لا يكفي إصدار شهادات وفاة ودفع مبلغ من النقود لأقارب الضحايا في هذا الحادث المروع". وأضافت: "على الحكومة أن تكفل المساءلة الكاملة عمّا حدث، وأن تعاقب المسؤولين عن الأخطاء".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع

الأكثر مشاهدة