في سبتمبر/أيلول، قال تامير باردو، الذي ترأس "الموساد"، وكالة المخابرات الإسرائيلية، في عهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من 2011 إلى 2016، إن إسرائيل تفرض الفصل العنصري على الفلسطينيين.
في أغسطس/آب، وصف القائد السابق للمنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي الوضع في الضفة الغربية بأنه "فصل عنصري كامل". في يونيو/حزيران، سلّط بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة وماري روبنسون، مفوضة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان، في ختام رحلة إلى إسرائيل/فلسطين، الضوء على "الأدلة التي تتزايد باستمرار" التي وجدا من خلالها "أن الوضع الراهن يتوافق مع التعريف القانوني الدولي لنظام الفصل العنصري" وشدّدا على أنّهما " لم يحصلا على أي أدلة تفصيلية تدحض الفصل العنصري".
لطالما استخدم الفلسطينيون هذا المصطلح لوصف واقع حياتهم تحت الحكم الإسرائيلي. لكن التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة والقصف الإسرائيلي المكثف على غزة في أعقاب الهجوم الوحشي الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، دفعت هذا السؤال إلى الواجهة.
الفصل العنصري هو شكل شديد الخطورة من التمييز المؤسسي والقمع المنهجي على أساس العرق أو الإثنية، وهو محظور بموجب القانون الدولي. في حين ظهر مصطلح الفصل العنصري ليصف ما كان يحدث في جنوب أفريقيا، إلا أن المعاهدات الدولية، بما في ذلك "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، وقرارات الأمم المتحدة، والقوانين المحلية في العديد من البلدان، تعرفه كمصطلح قانوني عالمي ينطبق على مستوى العالم.
يُعد الفصل العنصري أيضا جريمة ضد الإنسانية، على النحو المنصوص عليه في "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" لعام 1973 و"نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" لعام 1998. ويتكون من ثلاثة عناصر أساسية:
- نية الإبقاء على هيمنة جماعة عرقية على أية جماعة عرقية أخرى؛
- سياق قمع منهجي من قبل المجموعة المهيمنة على المجموعة المهمشة؛
- الأفعال اللاإنسانية مثل "النقل القسري" و"نزع ملكية العقارات".
بموجب القانون الدولي، تم تفسير العرق والتمييز العنصري على أنه يعني أكثر من مجرد لون البشرة أو السمات الوراثية، فهو يشير أيضا إلى الفروق على أساس النسب والأصل القومي أو العرقي، والتي يتم تقييمها على أساس السياق المحدد وتفسير الجهات المحلية الفاعلة.
في أبريل/نيسان 2021، بعد سنوات من البحث والدراسات لحالات تفصيلية والمراجعة الدقيقة لوثائق التخطيط الحكومية الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين ومصادر أخرى، وجدت "هيومن رايتس ووتش" أن السلطات الإسرائيلية كانت ولا تزال ترتكب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، استنادا إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية الرامية إلى الحفاظ على الهيمنة على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وجدنا أنه في جميع أنحاء إسرائيل والأراضي المحتلة – الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة – تسعى السلطات الإسرائيلية إلى زيادة الأراضي المتاحة للمجتمعات اليهودية إلى الحد الأقصى وتقليل عدد الفلسطينيين على تلك الأراضي من خلال تركيز معظم الفلسطينيين في مراكز سكانية ذات كثافة سكانية عالية. في القدس مثلا، تشير خطة الحكومة للبلدية صراحة إلى "الحفاظ على أغلبية يهودية متينة في المدينة" وتذهب حتى إلى تحديد النسبة الديموغرافية المستهدفة في جميع أنحاء القدس الغربية والشرقية المحتلة.
حدّدت حكومة نتنياهو التي وصلت إلى السلطة قبل عام كمبدأ توجيهي أن: "للشعب اليهودي حق حصري وغير قابل للنقاش في جميع مناطق أرض إسرائيل"، والتي يشمل رئيس الوزراء الضفة الغربية من ضمنها.
تبنت السلطات الإسرائيلية أيضا سياسات للتخفيف مما وصفته علنا بـ "التهديد الديموغرافي". لأكثر من عقدين من الزمن، منعت، مع استثناءات قليلة، منح وضع قانوني طويل الأجل داخل إسرائيل للفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة الذين يتزوجون من مواطنين أو مقيمين إسرائيليين، في حين منحت مثل هذا الوضع للأزواج من كل الدول الأخرى تقريبا.
بموجب القانون الإسرائيلي، يستطيع أي مواطن يهودي من أي دولة أخرى، وإن لم يسبق له زيارة إسرائيل، الانتقال إلى هناك والحصول على الجنسية تلقائيا، في حين أن الفلسطينيين المطرودين من منازلهم فيما أصبح إسرائيل ويعيشون لأكثر من 75 عاما في مخيمات اللاجئين في غزة (حيث إن غالبية سكان غزة لاجئين)، أو في دولة مجاورة لا يستطيعون ذلك.
وجدنا أيضا أن السلطات الإسرائيلية تحافظ على نظام قانوني فيه مستويين: امتيازات منهجية للإسرائيليين، الذين يتمتعون بنفس الحقوق والامتيازات أينما يعيشون، بينما يقمع الفلسطينيين بدرجات متفاوتة أينما يعيشون. كما كتب حجاي إلعاد، المدير السابق لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان: "لا يوجد شبر مربع واحد في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل يتساوى فيه الفلسطيني واليهودي".
يكون القمع أشد في الأراضي المحتلة. في الضفة الغربية، تفرض إسرائيل حكما عسكريا قاسيا على الفلسطينيين، بينما تمنح الإسرائيليين اليهود الذين يعيشون بطريقة معزولة في نفس المنطقة حقوقهم الكاملة بموجب القانون المدني الإسرائيلي.
في حين أن العديد من الانتهاكات المنهجية تجتمع لتشكل فصلا عنصريا، إلا أن تقرير هيومن رايتس ووتش ركز في المقام الأول على خمس منها وهي: القيود الشاملة على الحركة المتمثلة في إغلاق غزة ونظام التصاريح في الضفة الغربية؛ ومصادرة أكثر من ثلث أراضي الضفة الغربية؛ والظروف القاسية في أجزاء من الضفة الغربية التي أجبرت آلاف الفلسطينيين على الخروج من منازلهم، وهو ما يرقى إلى مستوى النقل القسري؛ وحرمان مئات الآلاف من الفلسطينيين وأقاربهم من حقوق الإقامة؛ وتعليق الحقوق المدنية الأساسية لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم العسكري.
على مدى أكثر 16 عاما، فرضت السلطات الإسرائيلية حظرا عاما على السفر خارج غزة على أكثر من 2.2 مليون شخص يعيشون هناك، مع استثناءات قليلة، مما حرمهم من حرية الحركة. كما فرضت "سياسة الفصل" بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنعت بشكل منتظم حركة الفلسطينيين بين شطري الأراضي المحتلة. فرضت أيضا قيودا شاملة على دخول وخروج البضائع، مما أدى إلى تدمير الاقتصاد في غزة.
بينما تواصل السلطات الإسرائيلية توسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما ينتهك القانون الدولي، تهدم السلطات مئات المنازل الفلسطينية وغيرها من المباني كل عام لعدم وجود تصاريح بناء، والتي تجعل السلطات حصول الفلسطينيين عليها أمر شبه مستحيل. بين 2016 و2018، أصدرت السلطات الإسرائيلية أوامر هدم أكثر بـ 100 مرة من تصاريح البناء للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
يحمل الفلسطينيون في الضفة الغربية بطاقات هوية وجوازات سفر ملونة مختلفة عن تلك التي يحملها المستوطنون الإسرائيليون اليهود، والتي يرتبط بها حزم مختلفة من الحقوق والامتيازات. مثلا، يستطيع المستوطنون الإسرائيليون التنقل بحرية بين الضفة الغربية وإسرائيل، في حين يحتاج الفلسطينيون إلى تصاريح يصعب الحصول عليها لدخول أجزاء كبيرة من الضفة الغربية والقدس الشرقية وإسرائيل. يمكن لنقاط التفتيش التي يزيد عددها عن 645 وغيرها من العوائق الدائمة التي يواجهها الفلسطينيون أن تحوّل رحلة قصيرة إلى المدرسة أو العمل إلى رحلة تستغرق ساعات طويلة.
العديد من الانتهاكات، مثل رفض تراخيص البناء وهدم المنازل التي لم يستحصل أصحابها على تصاريح لبنائها، ليس لها أي مبرر أمني. هناك حالات أخرى، مثل الحرمان الشامل من الوضع القانوني طويل الأمد للفلسطينيين من الأراضي المحتلة المتزوجين من مواطنين ومقيمين إسرائيليين، تتخذ من الأمن ذريعة لتحقيق الأهداف الديموغرافية.
حتى عندما يشكل الأمن جزءا من الدافع، فإنه لا يبرر الفصل العنصري والاضطهاد العنصري والعرقي، تماما كما لا يمكن تبرير التعذيب أو غيره من الإجراءات غير القانونية باسم الأمن. في الوقت نفسه، بطبيعة الحال، لا يمكن للفصل العنصري وغيره من الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية أن يبرر جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك عمليات القتل واحتجاز الرهائن خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
تدعم النتائج التي توصلنا إليها الاستخلاص أن اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين يرقى إلى مستوى الفصل العنصري مع الأماكن الأخرى الذي وجدنا فيها ارتكاب هذه الجريمة ضد الإنسانية في سياقات أخرى، بما في ذلك في ميانمار، حيث وجدنا الفصل العنصري ضد الروهينغا، وفي الصين ضد الأويغور. ينبغي محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الجرائم، ويتعين على الحكومات والشركات الأجنبية إنهاء التواطؤ في هذه الانتهاكات الجسيمة.
لن يكون هناك سبيل لمعالجة أو حل الأزمة المستمرة في إسرائيل وفلسطين، حتى بعد تراجع الأعمال العدائية الحالية، دون تشخيص الأزمة على النحو الصحيح. ينبغي أن يرتكز الحديث عن سبل المضي قدما على واقع عقود من الحكم القمعي الإسرائيلي للفلسطينيين. وجدت كبرى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية وغيرها من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان أن السلطات الإسرائيلية تمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، كما فعل المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالأراضي الفلسطينية المحتلة وآخرون كثيرون.
حرمان ملايين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، لمجرد أنهم فلسطينيون، يشكل انتهاكا للقانون الدولي، وقد أصبح هذا الواقع أكثر وضوحا في نظر شريحة كبيرة من المجتمع الدولي.