Skip to main content

المغرب- محاكمة مُشينة لمدنيين صحراويين

المحكمة العسكرية تقضي استناداً لصدامات وقعت في 2010 في الصحراء الغربية

(الرباط) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن محكمة عسكرية مغربية قضت بالسجن في حق 25 صحراويا، من بينهم تسعة بعقوبة السجن المؤبد، دون النظر إلى ادعاءاتهم بانتزاع الاعترافات منهم تحت وطأة التعذيب وأشكال أخرى من الإكراه. من بين المتهمين عدد من مناصري حقوق الإنسان واستقلال الصحراء الغربية. وكانت الاعترافات على ما يبدو الدليل الأساسي، إن لم يكن الوحيد، ضدهم، حسبما يوضح نص حكم المحكمة الذي نشر في 18 مارس/آذار 2013.

أصدرت محكمة الرباط العسكرية حكمها في حق الرجال الـ 25 ، وجميعهم من المدنيين، في 17 فبراير/شباط في تهم تتعلق بمقاومتهم العنيفة لقوات الأمن، خلال قيامها في 8 نوفبر/تشرين الثاني 2010، بتفكيك مخيم احتجاجي أقامه الصحراويون قبل ذلك بشهر في أكديم إزيك، خارج مدينة العيون، في الصحراء الغربية. لقي أحد عشر فرداً من قوات الأمن واثنان من المدنيين الصحراويين مصرعهم خلال وبعد تلك العملية.

قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "على الرغم من أن الخسائر في الأرواح في أكديم إزيك تبعث على الأسى، إلا أن الادعاء فشل، بعد 26 شهرا من الاعتقال الاحتياطي لمعظم المتهمين، في إقامة قضية ذات مصداقية على أنهم كانوا مسؤولين عن العنف. لقد رأينا، مرارا وتكرارا، النيابة العامة المغربية تظهر في محاكمات حساسة سياسيا بدون أدلة مادية أو شهادات لإثبات إدانة المتهمين، ولكن مجرد اعترافات تم الحصول عليها في ظروف تثير الشك".

وقالت هيومن رايتس ووتش، إنه ينبغي على المغرب الإفراج عن الصحراويين الذين أدينوا أو منحهم محاكمة جديدة وعادلة أمام محكمة مدنية. وينبغي على المغرب أيضا أن ينفذ التوصية الأخيرة لمجلسه الوطني لحقوق الإنسان لإنهاء مقاضاة المحكمة العسكرية للمدنيين في زمن السلم، خاصة وأن الملك محمد السادس "رحب" في 2 مارس/آذار بهذه التوصية.

بدأت المحاكمة في 1 فبراير/شباط، بعد أن أمضى 21 من المعتقلين أكثر من عامين رهن الاعتقال الاحتياطي الذي أمرت به المحكمة. وعقدت المحكمة جلسات علنية بحضور عشرات المراقبين المحليين والدوليين، وسمحت للمتهمين في الأغلب بمخاطبة المحكمة دون مقاطعة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن قرار محاكمة مدنيين أمام محكمة عسكرية انتهك رغم ذلك المعايير الدولية الأساسية للمحاكمة العادلة.

قد يطعن المتهمون في أحكام المحكمة العسكرية فقط أمام محكمة النقض، التي تنظرفي الإجراءات، والاختصاص، والشطط في استعمال السلطة، وتطبيق القانون، ولكن ليس في الموضوع. في المقابل، يُسمح لمحاكم الاستئناف في نظام المحاكم المدنية بالنظر في الوقائع.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن المحكمة أقرت، على ما يبدو، الاعترافات كدليل دون تحقيق في ادعاءات المتهمين بأن الاعترافات كانت نتاج التعذيب. وقال المتهمون إنهم أبرياء من كل التهم. ينبغي على السلطات منح المتهمين محاكمة جديدة أمام محكمة مدنية والإفراج مؤقتا عنهم ما لم تحدد أسبابا وجيهة للاعتقال الاحتياطي، بحسب هيومن رايتس ووتش.

وحكمت المحكمة العسكرية على تسعة متهمين بالمؤبد، وعلى 14 بأحكام نافذة بالسجن لمدد تتراوح بين 20 و 30 عاما، وعلى متهمين اثنين بالسجن سنتين قضياها فعلا. وكانوا كلهم يواجهون احتمالية الحكم عليهم بالإعدام. اتهمت السلطات هؤلاء جميعا بـ "تكوين عصابة إجرامية"، كما وجهت الاتهام إلى معظمهم بالاعتداء العمدي المميت ضد الشرطة، في ما اتهمت آخرين بالمشاركة في هذه الجرائم. وواجه اثنان من المتهمين تهمة إضافية بـ "التمثيل بـ أو تشويه" جثة. واستأنف المتهمون هذه الأحكام.

لا يذكر حكم المحكمة المكتوب بالتفصيل الأدلة على أن كل المدعى عليهم مذنبون. ولأن الحكم لا يذكر أدلة اتهام مهمة أخرى، فإنه يبدو مستندا إلى اعترافات المتهمين المشكوك فيها للشرطة. رفضت المحكمة مطالب الدفاع بالتحقيق في مزاعم المدعى عليهم بأن الشرطة عذبتهم وأجبرتهم على التوقيع على تصريحاتهم دون أن يطلعوا عليها. بدلا من ذلك، قبلت المحكمة دفوع النيابة العامة بأن المتهمين لم يطلبوا إجراء كشف طبي عندما مثلوا للمرة الأولى أمام قاضي التحقيق، ولأن وقتا طويلا قد انقضى منذ ذلك الحين.

ورغم أن المتهمين لم يطلبوا إجراء كشف طبي عندما مثلوا أمام قاضي التحقيق، فإن معظمهم أخبروه أن الشرطة عذبتهم أثناء احتجازهم. وقال له أيضا العديد منهم إن الشرطة أجبرتهم على توقيع أو وضع بصماتهم على تصريحات لم يقرأوها. وتعكس التقارير الرسمية لهذه الجلسات هذه الادعاءات ولكن لا يحتوي ملف القضية على أي دليل على أن الطبيب فحص أيا من المتهمين، أو أن المحكمة حققت في هذه المسألة، لتقييم مصداقية ادعاءاتهم.

خلال المحاكمة، لم يستطع أي من شهود الادعاء التعرف على أي من المتهمين بكونه مسؤولا عن أعمال العنف. وعرضت النيابة العامة أسلحة يُزعم أنها ضُبطت من قبل الشرطة في مخيم أكديم إزيك، لكنها لم تربطهم عن طريق فحص الطب الشرعي بالمتهمين. الرابط الوحيد بين المتهمين والأسلحة هو اعترافاتهم المتنازع عليها.

لم تعرض النيابة إلا قليلا من الأدلة الأخرى، إن وجدت،  غير اعترافات المتهمين المتنازع عليها للربط بين وفاة أفراد قوات الأمن وأي مدعى عليه. ولم يذكر الحكم الكتابي كيف تم تجريم المتهمين فرديا عبر الأدلة الفوتوغرافية والفيديو التي عرضت في المحكمة، والتي تظهر مشاهد عنف ولكن لا يبدو أنها تُحدد المتهمين بارتكاب جرائم.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على المحكمة، أن تحقق في محاكمة جديدة في مزاعم المتهمين بتعرضهم للتعذيب، وأن تضمن، بموجب القانون الدولي والمغربي، ألا يتم قبول أي اعترافات انتزعت عن طريق العنف أو الإكراه كأدلة. وإذا قررت المحكمة قبول اعترافات المتهمين  للشرطة كدليل، التي يدعي أي من المتهمين أنها انتزعت منه تحت التعذيب، فينبغي عليها أن تفسر في حكمها الكتابي لماذا قررت أن ادعاءات التعذيب أو الإكراه لم تكن ذات مصداقية.

قالت سارة ليا ويتسن: "لقد تسبب القضاء المغربي في تقويض مصداقية محاكماته  من خلال محاكمة هؤلاء المتهمين المدنيين أمام محاكم عسكرية، فضرب عرض الحائط بالمعايير الدولية، وحرمهم من الحق الكامل في الاستئناف. وحتى المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب يوصي بأن لا يحاكم المدنيون أمام المحاكم العسكرية".

خلفية

سيطر المغرب على معظم الصحراء الغربية في عام 1975 معانسحاب إسبانيا من مستعمرتها السابقة. وافقت جبهة البوليساريو، والتي تسعى إلى استقلال تلك المنطقة، والمغرب، على خطة تدعمها الأمم المتحدة في عام 1991 للسماح بإجراء استفتاء لتقرير المصير. مع ذلك، فالتصويت لم يحدث ويدير المغرب معظم الصحراء الغربية كما لو كانت جزءا من المغرب، على الرغم من أن الأمم المتحدة لا تعترف بالسيادة المغربية وتصنف الصحراء الغربية على أنها "إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي".

في أكتوبر/تشرين الأول 2010، أقام صحراويون بلدة مؤقتة تتكون من حوالي 6500 خيمة في الصحراء في أكديم إزيك، خارج العيون، احتجاجا على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية في الصحراء الغربية الخاضعة للمغرب. ودخلت السلطات المغربية في مفاوضات مع قادة حركة الاحتجاج.

في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، انتقلت قوات الأمن لتفكيك المخيم. رحل بعض سكان المخيم بسهولة في حين قاوم آخرون قوات الأمن. وخلق ذلك مواجهات عنيفة بين الصحراويين وقوات الأمن في المخيم امتدت إلى مدينة العيون، حيث تضررت العديد من المباني العامة والخاصة والسيارات، وانضم السكان المغاربة غير الصحراويين إلى الهجوم على السكان الصحراويين وممتلكاتهم. قتل أحد عشر ضابط أمن واثنان من المدنيين، حسب الأرقام الرسمية؛ وأصيب عشرات آخرون من الجانبين. وجاء في "كتاب أبيض حول أحداث أكديم إزيك" الذي أصدرته الحكومة المغربية في فبراير/شباط 2013، أن من بين القتلى أربعة أفراد من الدرك، وأربعة من القوات المساعدة، وواحد من القوات المسلحة، وواحد من الأمن الوطني، وواحد من الوقاية المدنية.

وتقول السلطات إن نشطاء صحراويين مؤيدين للاستقلال، في تحالف مع عناصر إجرامية، سيطر على مخيم أكديم إزيك وقامت بعسكرته، ومنعت سكانه من المغادرة، وعارضت مفاوضات مع السلطات على مطالب اجتماعية واقتصادية، وخزنت أحجارا وزجاجات وقنينات غاز، وغيرها من الأسلحة (باستثناء أسلحة نارية) لمقاومة قوات الأمن التي تدخلت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني لإجلاء الناس الذين يعيشون في مخيم مؤقت.

اعتقلت قوات الأمن، أثناء وبعد الأحداث، المئات من الصحراويين في ارتباط بالاشتباكات. بالإضافة إلى الـ 25 المحالين على المحكمة العسكرية، أحالت السلطات أكثر من 120 صحراويا إلى المحاكمة أمام محكمة العيون، وهي محكمة مدنية لديها الاختصاص القضائي لأن التهم المنسوبة إليهم لم تشمل التسبب في وفاة رجال الأمن. أفرجت المحكمة مؤقتا عن هؤلاء المتهمين ولم تحاكمهم بعد.

وحضر مراقب من هيومن رايتس ووتش ما يقرب من نصف جلسات المحاكمة أمام المحكمة العسكرية. وبالنسبة للتواريخ التي غاب فيها، فإن محامي الدفاع ومراقبين آخرين للمحاكمة وفروا تقارير عن المحاكمة. فحصت هيومن رايتس ووتش ملف القضية وقابلت عددا من أعضاء فريق الدفاع في القضية.

المدعى عليهم
قال جميع المدعى عليهم الـ 25 إنهم أبرياء من التهم المنسوبة إليهم. وتضم المجموعة عدة أشخاص استهدفتهم السلطات سابقا وسجنتهم لمناصرتهم السلمية لتقرير المصير في الصحراء الغربية وحقوق الإنسان، بمن فيهم النعمة أصفاري، ومحمد التهليل، وأحمد السباعي. وقال أصفاري، الذي يعيش بالقرب من مدينة باريس، عندما قدم شهادته في المحاكمة في 9 فبراير/شباط 2013، إن نشاطه هو السبب الحقيقي وراء محاكمته.

اعتقلت الشرطة أصفاري في العيون في اليوم السابق على تدخلهم لتفكيك المخيم وبداية أعمال العنف. وادعت النيابة العامة أن أصفاري نظم مقاومة عنيفة في المخيم، ولكنها لم تدع أنه شارك مباشرة فيها. واعتقلت السلطات 21 من المتهمين الآخرين، بمن فيهم التهليل والسباعي، بين 8 نوفمبر/تشرين الثاني ونهاية ديسمبر/كانون الأول 2010. وألقي القبض على اثنين من المتهمين، وهما محمد خونا بوبيت والعربي البكاي، في أغسطس/آب 2011 وسبتمبر/أيلول 2012 على التوالي. وحوكم أحد المتهمين، وهو حسنا عليا، غيابيا.

حكمت المحكمة العسكرية بالسجن مدى الحياةعلى تسعة متهمين، بمن فيهم السباعي وعليا، وعلى أربعة، بمن فيهم أصفاري، بـ 30 عاما سجنا نافذا، وعلى ثمانية، بمن فيهم التهليل، بـ 25 عاما سجنا نافذا، وعلى اثنين بـ 20 عاما سجنا نافذا (بمن فيهم محمد الأيوبي، أفرجت عنه المحكمة مؤقتا في انتظار صدور حكم نهائي عن محكمة النقض). وحكمت على اثنين من المتهمين بما قضيا وأطلق سراحهما. ويوجد الـ 21 متهما في سجن سلا، حيث يقضون محكوميتهم. (حكم عدد: 313/2013 الصادر بتاريخ 17 فبراير/شباط 2013، في القضايا الجنائية عدد: 3063/2746/10 ع ع، و 3063/2746/10 ع ع إضافي من 1 إلى 10 و 3125/369/10 ق س إضافي و 3125/369/10 ق س إضافي 1 و 2. للاطلاع على قائمة بالمدعى عليهم وبأحكامهم، يُرجى الاطلاع على "مواد ذات صلة(..

واتهمت السلطات كل المتهمين بتكوين عصابة إجرامية، يعاقب عليها بـ خمس إلى عشر سنوات سجنا نافذا، بموجب الفصلين 293 و 294 من القانون الجنائي. كما واجه معظمهم تهمة ارتكاب فعل العنف ضد أفراد قوات الأمن، و "إذا ترتب عن العنف موت مع نية إحداثه"،  تعاقب بالإعدام، بموجب الفصل 267 من القانون الجنائي. واتهمت السلطات أولئك الذين لم تتهمهم بالعنف ضد قوات الأمن بـ "المشاركة" في مثل هذا العنف، والتي تحمل نفس العقوبات كما لو أنهم شاركوا مباشرة في ذلك، بموجب الفصلين 129-130 من القانون الجنائي. وأضافت السلطات تهمة في حق اثنين من المتهمين، محمد بونتكيزة وسيدي عبد الله أبهاه، هي "التمثيل بـ أو تدنيس" جثة، التي يعاقب عليها بـ سنتين إلى خمس سنوات سجنا نافذا وغرامة مالية، وفقا للفصل 271 من القانون الجنائي.

أوجه قصور المحاكمة
بدأت المحاكمة في يوم 1 فبراير/شباط، واستؤنفت في يوم 8 فبراير/شباط، ثم تواصلت يوميا حتى 16 فبراير/شباط. تلت المحكمة حكمها حوالي الساعة 2 صباحا من يوم 17 فبراير/شباط.

وكان القاضي الذي ترأس الجلسة، نور الدين زحاف، المدني الوحيد في الهيئة المتكونة من من خمسة قضاة. وضمنت المحكمة العسكرية أن تكون جلسات المحاكمة، في قاعة محكمة يمكنها أن تستضيف أكثر من 200 شخص، وعلنية وأن يسمح لعشرات المراقبين المحليين والدوليين والصحفيين بالدخول. سمح القضاة للمتهمين، الذين مثلوا بملابس مدنية وغير مقيدي الأيدي، بالحديث دون انقطاع، بدون استثناء تقريبا.

ومع ذلك، هناك جوانب عديدة من المحاكمة تجعل نزاهتها موضع شك:

  • محاكمة مدنيين أمام محكمة عسكرية، في انتهاك للمعايير الدولية؛
  • الفترة طويلة من الاعتقال الاحتياطي - 26 شهرا بالنسبة لمعظم المتهمين - دون مراجعات دورية وأحكام مكتوبة للمحكمة تُعلل رفضها منحهم الإفراج المؤقت؛
  •  فشل المحكمة في التحقيق في مزاعم قدمها المتهمون في مرحلة مبكرة من الإجراءات بأن الشرطة عذبتهم أو أكرهتهم على توقيع تصريحات كاذبة؛ و
  • اعتماد المحكمة، الظاهر، على تصريحات المتهمين المتنازع عليها للشرطة باعتبارها الأساس الرئيسي - إن لم يكن الوحيد - لإدانتهم.

محاكمة المدنيين عسكريا
اعتبر الدفاع، في افتتاح المحاكمة يوم 1 فبراير/شباط، أن إحالة القضية إلى محكمة عسكرية تتعارض مع دستور المغرب لعام 2011، الذي يحظر "المحاكم الخاصة" في الفصل 127. كما قال الدفاع إن المحاكمة تنتهك مبدأ المساواة الدستوري بين المواطنين، حيث أن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية تتضمن حقا محدودا إلى حد أبعد بكثير في الاستئناف مما لو تمت محاكمتهم أمام محكمة مدنية. وفي8  فبراير/شباط، رفضت المحكمة هذه الحجج، قائلة إنه وعلى الرغم من دستور 2011، فالحكومة لم تعدل بعد القوانين التي تعطي الاختصاص القضائي للمحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وإن هذه القوانين لازالت سارية المفعول. وعلاوة على ذلك، قال القاضي إن المحكمة العسكرية هي "مُختصة" وليست "محكمة خاصة".

وبموجب قانون العدل العسكري المغربي، فإن المحاكم العسكرية لها الاختصاص القضائي في محاكمة المدنيين الذين وجهت إليهم تهمة التسبب في ضرر لأفراد القوات المسلحة أو القوات المرتبطة بها (الفصل 3).

بناء على الفصلين 7 و76 من هذا القانون، أحال قضاة التحقيق، المتهمين إلى المحكمة العسكرية لمحاكمتهم في 22 ديسمبر/كانون الأول 2011. ينص الفصل 7 على أنه "إذا توبع في آن واحد أحد الأشخاص ... بأن ارتكب جناية أو جنحة من اختصاص المحكمة العسكرية وجناية أخرى أو جنحة أخرى من اختصاص المحاكم العادية فإنه يحال أولا على المحكمة التي لها حق النظر فيما يعاقب عليه بأشد عقوبة ثم يحال على محكمة لها حق النظر في غير ما ذكر إن اقتضى الحال ذلك". وفي حالة  ما إذا صدر حكمان بعقوبتين فإن أشد العقوبة هي التي يجري مفعولها على المحكوم عليه". وينص الفصل 76، الفقرة 4، على أنه "إذا استقر رأي قاضي التحقيق العسكري على أن الجريمة تتصف بجناية أو جنحة من اختصاصات المحكمة العسكرية فيعلن عن إحالة المتهم على هذه المحكمة [المحكمة العسكرية]".

إن الإحالة على محكمة عسكرية تخالف معيارا أساسيا في القانون الدولي، والذي يطالب بمحاكمة المدنيين أمام محاكم مدنية. في قضية سليمان ضد السودان، أكدت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أنه يجب على المحاكم العسكرية فقط"تحديد الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة التي يرتكبها أفراد عسكريون" و "ألا تتعامل مع الجرائم التي تُعتبر خاضعة للقضاء الطبيعي". وإضافة إلى ذلك، تنصّ المبادئ المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا كما أعلنت عنها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على "ضرورة أن يكون الهدف الوحيد للمحاكم العسكرية تحديد الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة التي يرتكبها أفراد عسكريون".

في المغرب، يوجد المتهمون أمام محكمة عسكرية في وضع غير موات بسبب عدم وجود درجة محكمة الاستئناف. وتقتصر فرصتهم في استئناف حكم الدرجة الأولى على تقديم مذكرة طلب النقض إلى محكمة النقض، التي ستبت فقط في إجراءات المحاكمة، والاختصاص القضائي، والشطط في استعمال السلطة، وتطبيق القانون، في حين أن المتهم الذي أدين من قبل محكمة جنائية مدنية لديه الحق في الاستئناف، حاليا، سواء في هذه أو في الموضوع.

قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان في فبراير/شباط للملك محمد السادس مجموعة من التوصيات لإصلاح القضاء، بما في ذلك واحدة حول إصلاح القضاء العسكري. واقترح المجلس، مستشهدا بدستور 2011 والمعاهدات الدولية، عدة تعديلات على قانون القضاء العسكري، بما في ذلك إنهاء اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين وقت السلم. ورحب الملك، في يوم 2 مارس/آذار، بهذه التوصيات.

فترات طويلة من الاعتقال الاحتياطي
أمضى 21 من المتهمين على الأقل 26 شهرا رهن الاعتقال الاحتياطي في سجن سلا، تبعد عن مدينة العيون، حيث يعيش معظم أسرهم، بـ 1200 كيلومتر. وسجن سلا هو الأقرب للمحكمة العسكرية بالرباط، التي أحيلت عليها قضيتهم.

وينص قانون المسطرة الجنائية المغربي في الفصل 159 على أن يكون الاعتقال الاحتياطي تدبيرا "استثنائيا". ويحدد الفصل 177 من نفس القانون الاعتقال الاحتياطي في مدة شهرين في جرائم خطيرة، قابلة للتجديد خمس مرات لمدة شهرين إضافية بناء على أمر من قاضي التحقيق، ليصبح المجموع 12 شهرا.

مع ذلك، فإن المهلة تنطبق فقط على مرحلة التحقيق: بمجرد أن يحيل قاضي التحقيق القضية على المحاكمة، لا يحدد القانون المغربي الفترة التي سيظل فيها المدعى عليه رهن الاحتجاز؛ ولا يتطلب مراجعة دورية للاعتقال بعد أن يحيل قاضي التحقيق القضية على المحاكمة.

يعطي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدق عليه المغرب في عام 1979، في المادة 14، كل المتهمين الذين يواجهون اتهامات الحق في أن يحاكم "دون تأخير لا مبرر له". وتقول المادة 9 إنه يحق لأي شخص رهن الاعتقال الاحتياطي أن يقدم للمحاكمة خلال مهلة معقولة أو أن يُفرج عنه. ويضمن دستور المغرب لعام 2011 في الفصل 120 الحق في "في حكم يصدر داخل أجل معقول".

لا يحدد، لا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولا القانون المغربي، أقصى فترة للاعتقال الاحتياطي أو ما يشكل إفراطا في مدة الاعتقال الاحتياطي. هناك عوامل مختلفة تستحق الاعتبار، بما في ذلك تعقيد القضية وعدد المتهمين. ومع ذلك، للمشتبه فيه الذي وضع رهن الاعتقال الاحتياطي الحق في محاكمة سريعة أو الإفراج عنه، وله الحق في مراجعة دورية من قبل قاض، والذي يجب أن ينظر في ما إذا كان الاعتقال لا يزال قانونيا، مع الأخذ في الاعتبار أن الاعتقال الاحتياطي يجب أن يكون استثناء وليس قاعدة، وأنه يجب أن تكون إجراءات المحاكمة سريعة.

في قضية أكديم إزيك، لا يبدو أن اعتقال المتهمين احتياطيا لفترة تزيد عن السنتين خضع لمراجعة دورية وشفافة. لم يكن للمتهمين وسيلة انتصاف فعالة للطعن في استمرار اعتقالهم، وكنتيجة لذلك أصبح الاعتقال الاحتياطي لفترة طويلة تعسفيا، مما يشكل انتهاكا للحظر المفروض على الاعتقال التعسفي في المادة 9  من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

أمر قاضي التحقيق، العقيد محمد البقالي، بعد مثول المتهمين أمامه أول مرة بعد الحراسة النظرية، بإيداعهم رهن الاعتقال الاحتياطي، في انتظار محاكمتهم، بذريعة خطورة الأفعال التي اتهموا بارتكابها.
أنهى قاضي التحقيق تحقيقاته في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ضمن مهلة الـ 12 شهرا. ومع ذلك، كان على المدعى عليهم انتظار 15 شهرا آخرين رهن الاعتقال الاحتياطي قبل انطلاق المحاكمة.

خلال تلك الفترة، لم تقم المحكمة العسكرية، حسبما تمكنت هيومن رايتس ووتش من تحديده، بالإجابة على طلبات الدفاع المكتوبة بالإفراج عن المتهمين في انتظار المحاكمة. ووجهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى الحكومة المغربية حول هذه القضية في يوم 7 يوليو/تموز 2012، تسأل فيها عما إذا كان القانون المغربي يضمن للمتهمين مراجعة قضائية منتظمة وتلقائية لاعتقالهم احتياطيا وعما إذا كان من حقهم الحصول على إطلاق السراح إن لم تتم محاكمتهم في غضون فترة معينة من الزمن. ولم تتلق هيومن رايتس ووتش أي رد.

في البداية، حددت المحكمة العسكرية بالرباط اتاريخ 13 يناير/كانون الثاني 2012، لبداية المحاكمة، بعد 14 شهرا من الأحداث. ومع ذلك، وفي 12 يناير/كانون الثاني، قال فريق الدفاع إنه تم اخطاره عن طريق مكالمة هاتفية أن المحكمة العسكرية أجلت بدء المحاكمة، دون تحديد موعد جديد.

في أغسطس/آب، أعلنت المحكمة العسكرية أن المحاكمة ستبدأ في 24 أكتوبر/تشرين الأول. ومع ذلك، أعلنت المحكمة في 23 أكتوبر/تشرين الأول، عن تأجيل آخر لأجل غير مسمى، بسبب أن البكاي، حسب ما ورد، اعتقل في سبتمبر/أيلول وأضيف كمتهم في القضية، مما تتطلب وقتا إضافيا لمراجعة ملف القضية.

في 31 ديسمبر/كانون الأول، تم إبلاغ المدعى عليهم أن المحاكمة ستبدأ يوم 1 فبراير/شباط. هذه المرة انطلقت المحاكمة كما هو مقرر واختتمت بعد أسبوعين.

فشل المحكمة في التحقيق في مزاعم التعذيب
صدق المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. في عام 2006، أصدر المغرب تعديلات على القانون الجنائي الذي يحظر التعذيب وقربت تعريف التعذيب إلى التعريف الموجود في الاتفاقية. يشير الفصل 1-231:

يقصد بالتعذيب بمفهوم هذا الفرع، كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو نفسي يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، في حق شخص لتخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص آخر، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه.

وينص قانون المسطرة الجنائية المغربي، الفصل 293، على أن المحكمة لا تعتد بكل "اعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو الإكراه". ويضيف الفصل أنه: "علاوة على ذلك، يتعرض مرتكب العنف أو الإكراه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي". ويعكس هذا الحكم المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب، التي تنص على أنه ينبغي  للدول الأطراف في الاتفاقية ضمان "عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال".

ذكر المغرب في تقريره لعام 2009 إلى لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب [مترجم عن الإنجليزية]:

لا قيمة لأي اعتراف تم الحصول عليه من خلال استخدام العنف أو الإكراه أو التعذيب. يجب استبعاد أي اعتراف حيث توجد علاقة سببية بين الحصول عليه واستخدام مثل هذه الأساليب. يجب على المحكمة النظر في مثل هذه العلاقة للتوصل إلى قرار بشأن عدم جواز الاعتراف... والمقصود به حماية المصلحة العامة وليس مصلحة الفرد فقط. تذهب التشريعات إلى أبعد من ذلك عن طريق تجريم أولئك الذين يلجئون للإكراه للحصول على اعترافات كرادع لارتكاب أفعال تنتهك حقوق الإنسان.

في محاكمة أكديم إزيك، تنصل المتهمون، الواحد تلو الآخر، عندما أتيحت لهم فرصة الحديث، من تصريحاتهم للشرطة. وقال المتهمون إن قوات الأمن عذبتهم وأجبرتهم على توقيع تصريحات لم يقرأوها. وقالوا إنهم اكتشفوا لاحقا إن الصريحات لا تعكس ما صرحوا به في الواقع. في افتتاح المحاكمة، طلب الدفاع من المحكمة التحقيق في هذه المزاعم.

في 14فبراير/شباط، حث ممثل النيابة العامة القاضي على رفض هذا الطلب، معتبرا أنه كان يجب على الدفاع أن يقدم هذا الطلب في وقت سابق، في مرحلة التحقيق في القضية. في حين يبدو أن المتهمين لم يطلبوا من  قاضي التحقيق على وجه التحديد أن يأمر بإجراء فحص طبي للتأكد من آثار التعذيب، قال له معظمهم في أول جلسة التحقيق التفصيلي إن الشرطة عذبتهم.

وفقا للإجراءات بموجب القانون المغربي، يمثل المشتبه بهم، بعد نهاية فترة الحراسة النظرية، أمام قاضي التحقيق خلال جلسة قصيرة الهدف منها هو تحديد هويتهم، واطلاعهم على التهم الموجهة إليهم، وتمكينهم من تقديم التماسات. مثل جميع المتهمين تقريبا في هذه القضية في الجلسة الأولى دون محام. وتليها جلسة أخرى أطول يسأل خلالها قاضي التحقيق المتهمين لمزيد من التفاصيل حول هذه الاتهامات، والتي عادة ما يحصل المتهمون على مساعدة من قبل محامين.

توضح تقارير المحكمة عن تلك الجلسات أنه على الأقل 17 متهما أبلغوا المحكمة، في هذه المرحلة، ما يقرب من عامين قبل بدء المحاكمة، عن التعذيب المزعوم وسوء المعاملة، والتي قال معظمهم إنها دفعتهم إلى التوقيع على اعترافات كاذبة. لا يُظهر ملف القضية أي دليل على أن المحكمة أجرت فحصا طبيا على أي متهم في أي وقت للتحقق من أدلة على سوء المعاملة؛ وأكد محامو الدفاع ذلك لـ هيومن رايتس ووتش.

يمكن أن يكون المتهمون قد أثاروا مزاعم التعذيب بتفصيل أكبر حتى قبل ما هو مذكور في تقارير المحكمة. على سبيل المثال، قال أحد المتهمين، وهو سيد أحمد لمجيد، للمحكمة إنه قال فعلا لقاضي التحقيق خلال أول مثول له، في 28 ديسمبر/كانون الأول، إن الشرطة قامت بتعذيبه، والتي أجاب عنها القاضي، حسب الزعم، بأنه ليس طبيبا. لا تشير محاضر تلك الجلسة لمزاعم لمجيد بالتعذيب.

يشير الحكم المكتوب إلى أن المحكمةقبلت حجة ممثل النيابة العامة لرفض مطالب الدفاع بالتحقيق في مزاعم التعذيب على أساس أن الوقت قد فات على إجراء مثل هذا التحقيق. لم يأمر القاضي زحاف بإجراء تحقيق ولم يجر بنفسه تحقيقا، ولكنه طرح فقط، بدلا من ذلك، بضعة أسئلة قصيرة على المتهمين عن التعذيب الذي قالوا إنهم تعرضوا له.

ومع ذلك، يبدو هذا الرفض من قبل المحكمة بدون أساس سليم. في حين أن توقيت تقديم مطلب حول التعذيب قد يكون مهما لتقييم دوافعه ومصداقيته، يجب أن لا يكون رفعه في وقت متأخر من المسار أساسا لرفضه اعتباطيا. الواجب على السلطات المغربية، وبشكل خاص المحكمة وقضاة التحقيق، هو رفض الأدلة التي تم الحصول عليها عن طريق التعذيب مطلقا، وينشأ كلما كان لديهم أسباب تؤدي إلى الاعتقاد بأن الأدلة تم الحصول عليها عن طريق التعذيب.

قد تكون هناك في الواقع أسباب تجعل المتهم ينتظر لرفع دعوى حول التعذيب. وفي حالات أخرى في المغرب، قال متهمون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يثيروا التعذيب في أول مثول لهم أمام المحكمة بعد أن كانوا في عهدة الشرطة ، لأن الجلسة تنتهي قبل أن يعرفوا، تستمر لمدة دقيقة أو اثنتين، أمام وكيل النيابة أو القاضي الذي ينظر بالكاد إلى ملف الشرطة على مكتبه. قال معتقلون آخرون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لم يثيروا التعذيب لأنهم خرجوا لتوهم من عهدة الشرطة، ويخشون انتقام الشرطة.

ليس في القانون الدولي أو المغربي أي شيء يمنع المدعى عليه من تقديم حجج جديدة في أي مرحلة من مراحل المحاكمة، بما في ذلك على مستوى الاستئناف. كما أنه ليس هناك أي موعد نهائي، بموجب القانون المغربي، لممارسة الحق في طلب إجراء فحص طبي للتحقيق في علامات التعذيب، بموجب المادة 88.4 من قانون المسطرة الجنائية. يمكن لقاض أن يرفض طلبا، مع توفير أسباب رفض إصدار أمر بإجراء فحص طبي، ولكن لا شيء في القانون ينص على أنه ينبغي للقضاة أو يجب عليهم رفض طلب لمجرد أنه قدم "في وقت متأخر".

قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خوان مينديز، في تقريره عن المغرب، نشر في 28 فبراير/شباط [مترجم عن الإنجليزية]:

علم المقرر الخاص أن المحاكم وممثلي النيابة العامة لا يمتثلون لالتزاماتهم بالشروع في التحقيق بحكم منصبهم كلما كانت هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأنه تم الحصول على اعتراف عبر استخدام التعذيب وسوء المعاملة، أو الأمر بفحص طبي فوري ومستقل (انظر الفصول 74 (8) و 135 (5) من قانون المسطرة الجنائية) إذا كانوا يشتبهون في أن المعتقل تعرض لسوء المعاملة. يبدو أن القضاة على استعداد لقبول اعترافات دون محاولة مقارنة الاعتراف مع أدلة أخرى، حتى لو أن الشخص ينفي أمام القاضي ويدعي أنه تعرض للتعذيب. وبالإضافة إلى ذلك، تُشير الشهادات التي تم تلقيها إلى أن كثيرا من القضايا التي تم إحالتها على المحاكم تستند فقط على اعترافات المتهم، في غياب وجود أي دليل مادي. وهذا يخلق ظروفا تُشجع على التعذيب وسوء المعاملة ضد المشتبه بهم.

وعلم المقرر الخاص أنه في كثير من الأحيان، عندما يحاول المتهمون إثبات إصاباتهم خلال المحكمة، يرد القاضي بالتشكيك في مصداقية المتهمين الذين لم يثيروا المسألة في أول فرصة ممكنة – وهم يخرجون من الحراسة النظرية  ويمثلون لأول مرة أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق.

فيما يتعلق بالصحراء الغربية:

تبين للمقرر الخاص أن التعذيب وسوء المعاملة استخدمت لانتزاع الاعترافات، وأن المتظاهرين تعرضوا لاستخدام مفرط للقوة من جانب الموظفين المغاربة المكلفين بإنفاذ القانون. تُشير الشهادات الواردة إلى أن أفرادا، من السكان الصحراويين على وجه التحديد، ولكن ليس على سبيل الحصر، هم ضحايا هذه الانتهاكات.

إدانات بناء على اعترافات مثار خلاف
قال ممثل النيابة العامة العقيد عبد الكريم حكيمي، في دفوعه الشفوية في 14 فبراير/شباط، إن الأدلة الأولية ضد المتهمين هي تصريحات للشرطة تجرمهم أنفسهم وآخرين. وقال إن الشرطة لم تحصل على هذه التصريحات عبر الإكراه، وأن المتهمين اعترفوا بجرائمهم تلقائيا. واعتبر أنه في حين أن المتهمين يحكون الآن أمام المحكمة عن التعذيب، فإنهم لم يفعلوا ذلك أمام قاضي التحقيق.

وقع المتهمون، أو وضعوا بصمة على آخر جزء من تصريحاتهم للشرطة، كما لو أنها تؤكد صحة محتوياتها. ولكن صيغة محاضر الشرطة المنسوبة لهؤلاء المتهمين، والذين قالوا لقاضي التحقيق إن الشرطة عذبتهم، تُثير تساؤلات حول الطابع الطوعي لتلك التصريحات. تم توفير تصريحات النعمة أصفاري ومحمد لمين هدي على سبيل المثال.

تنسب تصريحات أصفار للشرطة، والذي قال لقاضي التحقيق في 12 يناير/كانون الثاني 2011، إن الشرطة عذبته، أقوالا على النحو التالي: على أن الغرض من إقامة مخيم احتجاجي كان "خلق الرعب مع الإخلال بالنظام العام وزعزعة الاستقرار والهدوء الذي يسود هذه المدينة [العيون] ونواحيها ... " ومن أجل هذه الغاية "بادرت، بحكم نشاطي في بعض المنظمات غير حكومية، إلى جلب وجمع وادخار مبالغ مالية مهمة، حصلت عليها من طرف منخرطين في العمل الجمعوي من الخارج، اعتقادا منهم بأنني سأوظفها في مشاريع خيرية، في حين كان المخطط يرمي إلى تمويل خطةالمخيم وأداء واجبات المتطوعين من أبناء الإقليم وتوظيفهم هم الآخرين في أعمال من شأنها المس بالأمن العام والحريات العامة في التنقل للمحتجزين بالمخيم وإعطاء صورة معاكسة للرأي العام على الأمن والطمأنينة اللذان يسودان المدينة".

وقال هدي لقاضي التحقيق في 25 مارس/آذار 2011، إن الشرطة عذبته؛ وقال للقاضي خلال مثوله في 25نوفمبر/تشرين الأول 2011، إنه وضع بصمته على تصريحه للشرطة بينما هو معصوب العينين. ونُقل من تصريحه للشرطة أن هدي قال إن أصفاري ومحمد بوريال، زعماء مزعومين للثورة، تم تحريضهم "بإيعاز ووحي من جهات أجنبية همها الوحيد وهدفها الأسمى هو زعزعة الاستقرار الأمني بالمناطق الصحراوية والمس بالأمن الداخلي بالبلاد". وتواصل تصريحات هدي للشرطة:

قامت [السلطات المحلية] بجهود حثيثة من أجل فض المخيم بشكل سلمي حيث انصاعت لمطالب المواطنين ومكنت جزءا منهم مما كان يطمح إليه من مطالب، مما دفع كثيرا من المواطنين إلى إبداء رغبتهم في مغادرة المخيم. وأمام هذه الإشكالية قرر النعمة أصفاري ومعاونوه ... [إعطاء] أوامر صارمة تقضي بمنع المواطنين من مغادرة المخيم عن طريق الترهيب والوعيد واحتجازهم إن اقتضى الأمر ذلك.

عرضت النيابة العامة أدلة قليلة فوق تصريحات المتهمين للشرطة؛ ويوضح حكم المحكمة المكتوب أن أحكام الإدانة استقرت عليهم. واستمعت المحكمة لشاهد إثبات واحد، رضوان لحلاوي، وهو رجل إطفاء، والذي أدلى بشهاداته في 13 فبراير/شباط بأنه في يوم الاشتباكات ساعد في إجلاء جرحى من رجال الأمن. وقال إنه أصيب في كتفه وإن مجموعة من المدنيين احتجزوه لفترة. ومع ذلك، قال للمحكمة إنه لا يستطيع التعرف على أي من المتهمين.

وأظهرت النيابة العامة مقاطع فيديو في المحكمة، في 14 فبراير/شباط، تم تصويرها في الغالب من طائرات هليكوبتر كانت تحلق فوق المخيم. أظهرت مدنيين يرشقون بالحجارة، أغلبهم مُلثم. وفي مشهد، يظهر شخص يلقي بالحجارة على رجل أمن مُلقى على الأرض؛ وفي مشهد آخر، يظهر شخص مُلثم وهو يتبول على رجل أمن مُلقى على الأرض.

أحد المتهمين المدانين بالتمثيل بجثة هو محمد البشير بوتنكيزة. في تصريحه للشرطة، يعترف أنه رشق الشرطة بالحجارة وتبول على جثة. ولكن بوتنكيزة ببراءته أمام قاضي التحقيق في أول مثول له، وفي مثوله الثاني، قال للقاضي إن الشرطة قاموا بتعذيبه للتوقيع على تصريح لم يقرأه. وفي المحاكمة، في 11 فبراير/شباط، كرر بوتنكيزة هذه الادعاءات، وقال إنه ليس هو الشخص الذي أظهره الشريط يمثل بجثة. وطلب من المحكمة تعيين خبير لتحديد إن كان هو الشخص الذي يظهر في الشريط. لم تقم المحكمة بذلك. لم تشر المحكمة، في حكمها الكتابي، إلى أن مقاطع الفيديو تشكل في رأيها دليلا ضد أي من المتهمين.

كما قدم ممثل النيابة العامة أسلحة بيضاء في المحكمة في 8 فبراير/شباط ، والتي تم، حسب الزعم، ضبطها في المخيم، بما في ذلك سيوفا ولكن ليست هناك أسلحة نارية. ومع ذلك، لم يقدم ممثل النيابة العامة أي دليل يربط بين الأسلحة والمتهمين غير "اعترافات" يُقرون فيها حوزتها واستخدامها. طلب الدفاع من المحكمة أن تأمر باختبارات الحمض النووي على الأسلحة لمعرفة ما إذا كانت تربطهم بالمتهمين. لم تقم المحكمة بذلك.

لم يشهد ولو فرد واحد من الشرطة أثناء المحاكمة. ورفضت المحكمة دفوعات الدفاع باستدعاء رجال الشرطة الذين حرروا تصريحات المتهمين المتنازع عليها.

وعلاوة على ذلك، لم يتم تقديم أي تشريح طبي في المحاكمة لتوضيح كيف ومتى توفي كل فرد من قوة الأمن. لم تُثبت المحكمة أن كل فرد من الشرطة توفي نتيجة عنف المتظاهرين، ولم تثبت أيا من المتهمين تسبب في وفاة فرد إنفاذ القانون محدد.

التوصيات

  • يجب على السلطات المغربية المعنية إخلاء سبيل المدعى عليهم أو إعادة محاكمتهم على وجه السرعة أمام محكمة مدنية.
  • قبيل إعادة المحاكمات، يجب أن يكون الافتراض الأساسي هو أن يكون جميع المدعى عليهم مطلقي السراح حتى محاكمتهم. أي مدعى عليه ترغب سلطات الادعاء في احتجازه يحق له جلسة سريعة أمام قاضٍ ليبت في قانونية احتجازه، مع افتراض أن الأساس هو أن يكون طليقاً. يجب أن يكون القرار القضائي باحتجاز المدعى عليه على ذمة المحاكمة يستند إلى أسس سليمة، مثل أن المدعى عليه خطر أو يُرجح أن يكرر مخالفاته، أو يتلاعب بالأدلة أو يهرب.
  • دى إعادة محاكمة المدعى عليهم، يجب على المحكمة أن تفحص مزاعمهم الخاصة بالتعرض للتعذيب وأن تتثبت بالالتزام مع القانونين الدولي والمغربي، من عدم استخدام أدلة عبارة عن أقوال منتزعة من خلال العنف أو الإكراه. يجب أن تجري المحكمة تحقيقاً حتى في حال تلاشي الآثار المادية والبدنية على احتمال وقوع التعذيب. يجب أن يلتزم التحقيق بالمعايير الدولية للتحقيق في شكاوى تعذيب الأفراد، لا سيما تلك المعايير الواردة في دليل التحقيق والتوثيق الفعال للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو المهينة ("بروتوكول إسطنبول").
  • إذا قررت المحكمة أخذ أقوال الشرطة بأن مزاعم المدعى عليهم منتزعة تحت تأثير التعذيب كأدلة، فيجب أن توضح في الحكم الكتابي لماذا قررت اعتبار مزاعم وقوع التعذيب أو الإكراه غير ذات مصداقية.
  • يجب أن ينفذ المشرع توصيات مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية، الواردة بتقريره بتاريخ 28 فبراير/شباط المنشور عن المغرب، فيما يخص تعديل قانون المسطرة الجنائية ليشير إلى أنه في حال وجود مزاعم بالتعذيب أو المعاملة السيئة، فإن عبء الإثبات يقع على كاهل الادعاء، أن يثبت أن أي اعترافات مقدمة لم تنتزع بسبل غير قانونية.
  • يجب على المشرع تعديل قانون العدل العسكري بحيث يُحاكم المدعى عليهم المدنيون دائماً أمام المحاكم المدنية وليس العسكرية، كما ورد مؤخراً في توصيات المجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.