Skip to main content

شهادة من ماريا ماكفرلاند إلى لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان حول أزمة حقوق الانسان في سوريا

السيد الرئيس، السيدات والسادة أعضاء اللجنة،

أشكركم على عقد هذه الجلسة للتطرق إلى أزمة حقوق الإنسان في سوريا. منذ أن بدأت الاحتجاجات السلمية في سوريا السنة الماضية، شنت الحكومة حملة قمعية شرسة ضد المواطنين، وصعّدت من وتيرة هذه الحملة في الأشهر القليلة الماضية، بدايةً من إطلاق قوات الأمن للنار على المتظاهرين ووصولا إلى هجوم عسكري موسع، بما في ذلك قصف المدن السورية الكبرى. ولا توجد بوادر لانفراج الأزمة في المستقبل القريب لأن الحكومة تبدو عاقدة العزم على إخماد صوت معارضيها مهما كلفها ذلك من جرائم، بينما تبدو المعارضة على نفس القدر من العزم المواصلة مهما كلفها ذلك من ثمن. وفي الوقت الحالي، توجد نتيجة لا يمكن تفاديها، ولكن لا يمكن الإقرار بأن حكومة الأسد سوف تسقط مثلما سقطت حكومات دول الربيع العربي الأخرى. ولذلك، ربما تواصل القوات الحكومية عمليات القتل حتى القضاء على المعارضة، وهو أسلوب استعملته حكومات أخرى في الماضي القريب، مثل سريلانكا، وله تكلفة مروعة من الأرواح البشرية.

لقد أكد كل من مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ولجنة تقصي الحقائق التي أنشأها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على حدوث جرائم ضد الإنسانية في سوريا. كما تدعم التحقيقات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، بما في ذلك أدلة تم جمعها من مئات الضحايا والشهود، تدعم النتائج التي توصلت إليها لجنة تقصي الحقائق بأن "قوات الأمن [الحكومية] ارتكبت انتهاكات خطيرة وممنهجة لحقوق الإنسان على نطاق واسع، ترقى إلى جرائم ضدّ الإنسانية، وتعلم بها وتوافق عليها أعلى مستويات السلطة". وشملت هذه الانتهاكات لجوء القناصة لاستهداف المدنيين، وإخفاء المدنيين بشكل قسري، وممارسة التعذيب على نطاق واسع، وتنفيذ اعتقالات تعسفية شاملة. إن القصف العنيف الذي تنفذه الحكومة على المدن السورية، بما في ذلك حمص وإدلب، والدمار الذي لحق بالمدنيين في هذه المدن، يرفع هذه الانتهاكات إلى مستوى جديد. كما تسببت الأزمة في نزوح عدد كبير من المدنيين الذي فروا من منازلهم، وفي الكثير من الأحيان بحثوا عن ملجأ في دول مجاورة.

هذه الوضعية تتطلب ردا دوليًا منسّقا وعاجلا، بما في ذلك تحقيق الإجماع داخل مجلس الأمن، وممارسة ضغوط من الفاعلين الإقليميين في جامعة الدول العربية والدول المجاورة التي اتفقت من حيث المبدأ على اتخاذ جملة من الخطوات، والتزام الأمم المتحدة، وتوفير مساعدة دولية هامة إذا ما تم التوصل إلى تسوية سياسية. ويجب على الولايات المتحدة العمل مع دول أخرى في هذه المسألة، ولكن أيضًا توجد حاجة ماسة إلى أن تلعب دورًا قياديًا لضمان ردّ مناسب.

تصاعد وتيرة انتهاكات الحكومة السورية

بدأت الأزمة السورية منذ أكثر من سنة بعدما اندلعت احتجاجات في 18 مارس/آذار في مدينة درعا في الجنوب ردًا على اعتقال وتعذيب 15 طفلا من طلاب المدارس على يد الأمن السياسي، وهي واحدة من أجهزة الاستخبارات السورية. وعندما حاولت إخماد الاحتجاجات، قامت قوات الأمن بإطلاق النار على المتظاهرين فقتلت ما لا يقل عن أربعة أشخاص. وفي غضون أيام معدودة، تطورت الاحتجاجات إلى تجمعات شارك فيها آلاف الأشخاص وانتشرت في جميع أنحاء البلاد تضامنًا مع المتظاهرين في درعا. وفي الأشهر التالية، جاء رد قوات الأمن بقتل المدنيين، واعتقال آلاف الأشخاص بشكل تعسفي، بما في ذلك الأطفال، واحتجاز أغلبهم بمعزل عن العالم الخارجي، وممارسة التعذيب في حق آخرين.

كما نفذت قوات الأمن عمليات عسكرية واسعة النطاق في المدن المضطربة في كامل أنحاء البلاد، وتسببت في قتل أعداد كبيرة من الأشخاص، وقامت بعمليات اعتقال، واحتجاز، ونهب، وتدمير للممتلكات، وتهجير أعداد كبيرة من المدنيين، ومارست التعذيب مع عناصر مسلحة مساندة للحكومة تُسمى الشبيحة. وفي يوليو/تموز 2011، أغارت قوات الأمن على حماة التي كانت تشهد أوسع احتجاجات ضد الحكومة حتى ذلك الوقت، وقتلت ما لا يقل عن مائتي مواطن في أربعة أيام، بحسب نشطاء محليين. كما شنت قوات الأمن هجمات على أحياء باب السباع، وبابا عمرو، والبياضة في حمص بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول من السنة الماضية.

وزعمت السلطات السورية بشكل متكرر أن قوات الأمن كانت تتصدى لهجمات تنفذها عصابات إرهابية. ولكن في أغلب الحالات التي قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيقها، أكد شهود أن الأشخاص الذين قتلوا وجرحوا لم يكونوا مسلحين ولم يشكلوا تهديدًا قاتلا. كما تبرز النتائج التي توصلنا إليها أن الحركة الاحتجاجية في سوريا كانت في معظمها سلمية حتى سبتمبر/أيلول 2011. وكان عدد الحالات التي استعمل فيها المتظاهرون القوة القاتلة ضد قوات الأمن محدودا جدًا، وجاء أغلبها كردّ على استعمال قوات الأمن للقوة القاتلة.

ومنذ ذلك الوقت، تصاعد عدد المنشقين العسكريين والمواطنين الذين قرروا اللجوء إلى السلاح، وقالوا إنهم يدافعون عن أنفسهم ضد غارات قوات الأمن أو يهاجمون نقاط التفتيش والمنشآت الأمنية في مدنهم.

ومنذ بداية فبراير/شباط، صعّدت الحكومة بشكل كبير من انتهاكاتها في العديد من المناطق.

أود التأكيد على أن هيومن رايتس ووتش لا تستطيع دخول سوريا بشكل مباشر اليوم. وبينما كنا في وقت سابق من الأزمة قادرين على الاتصال بشكل منتظم مع نشطاء وصحافيين في الداخل، صرنا اليوم نواجه صعوبات في المحافظة على اتصالنا بهؤلاء الأشخاص لأنه تم قطع الاتصالات الهاتفية وأصبح الوضع، بسبب العنف، أكثر خطورة ولا يمكن التنبؤ به. كما أجبر الصحافيون على البقاء خارج سوريا بسبب المخاطر الكبيرة التي قد يواجهونها، وخاصة بعدما تأكد أن ماري كولفن، وريمي أوشليك، وجيل جاكييه توفوا جميعًا بسبب القصف.

ونتيجة لذلك، أصبح من الصعب جدًا جمع معلومات حول ما يحدث في سوريا هذه الأيام. أما الوضع الذي تمكنا من توثيقه، فهو يبعث على القلق الشديد، ولكننا أيضًا نشعر بنفس القدر من القلق مما لم نتمكن من تأكيده تماما مثل ما تمكنا من تأكيده.

لقد شجعنا الولايات المتحدة الأمريكية على نشر صور بالأقمار الصناعية عن سوريا كوسيلة لإعلام السلطات السورية بأنها حتى لو قيّدت الدخول إلى أراضيها وطردت جميع الصحافيين، فثمة طرق أخرى لتسجيل بعض ما تقوم به.

ما تمكنا التأكد منه هو أن الجيش السوري صار منذ فبراير/شباط يشن حملة قصف عشوائي على العديد من البلدات والمدن في كامل أنحاء البلاد متسببًا في أعداد مرتفعة من حالات وفاة المدنيين. كما قمنا مؤخرًا بتوثيق استعمال القوات الحكومية السورية لألغام مضادة للأفراد، واستعمال السكان كدروع بشرية وإجبارهم على السير أمام قوات الجيش أثناء عمليات اعتقال جرت مؤخرًا، وأثناء تحركات لقوات الأمن، وأثناء هجمات على مدن وقرى شمال سوريا.

ولكننا نعبر أيضًا على نفس القدر من القلق حيال ما يحدث بعد انتهاء القصف وانتقال القوات السورية إلى مدن أو أحياء كانت تسيطر عليها المعارضة. في السنة المنقضية، استعملت القوات السورية نمطًا واضحًا في تنفيذ عدد كبير من الاعتقالات وممارسة التعذيب على نطاق واسع، ومن دواعي مخاوفنا ما يمكن أن يحدث للمواطنين في مراكز الاحتجاز السورية. كما علمنا، من شهود فروا إلى تركيا، أن القوات الحكومية قامت بإعدام مقاتلي المعارضة الجرحى الذين قبضت عليهم في إدلب يومي 10 و11 مارس/آذار، وفي خربة الجوز في 18 مارس/آذار، ونحن نعمل جاهدين للتحقيق في تقارير مماثلة مثيرة للقلق تحصلنا عليها وتتعلق بعمليات إعدام في حق مقاتلين ومدنيين.

القصف العشوائي في حمص وإدلب والقصير

أفادت مصادر داخل سوريا بأنه تم قتل قرابة 700 مدني وجرح آلاف الآخرين في الشهر الموالي للقصف العسكري لحمص في 3 فبراير/شباط. وأبرزت مقاطع فيديو من حمص قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعتها أن الجيش استعمل أنظمة قذائف هاون روسية الصنع من عيار 240 ملليمتر أثناء القصف. وتُستعمل هذه الأنظمة لتفجير أقوى قنبلة هاون في العالم، وتهدف إلى "تدمير التحصينات والتجهيزات الميدانية"، والمرجع في ذلك هوفهرس تجارة الأسلحة الروسية. ولا نعلم متى حصلت سوريا على هذه الأسلحة.

وقالت ماري كولفن، واحدة من الصحافيين الغربيين الاثنين الذين قتلا في بابا عمرو أثناء قصف نفذه الجيش السوري في 22 فبراير/شباط، قالت قبل وفاتها بيوم إنها شاهدت 14 قذيفة تسقط على الحي في حيز زمني لم يتجاوز 30 ثانية، وشاهدت رضيعًا يموت بسبب عدم توفر الرعاية الطبية اللازمة بعد أن أصابته شظية. كما قال صحافي آخر لـ هيومن رايتس ووتش، وكان في بابا عمرو بين 15 و17 فبراير/شباط: "إذا كان اليوم جيدًا، تسقط على الحي قذيفة واحدة كل أربع أو خمس دقائق، أما إذا كان سيئًا، فذلك يعني أنهم يسمعون 55 قذيفة كل 15 دقيقة".

وفي الأسابيع الموالية للعملية العسكرية الواسعة في حمص، بدأ الجيش ينفذ عمليات مماثلة في مدن أخرى، بما في ذلك إدلب، والقصير، والأخيرة مدينة يسكنها قرابة 40 ألف شخص في محافظة حمص قرب الحدود مع لبنان.

وفي إدلب، واحدة من آخر معاقل المعارضة التي تهاجمها قوات الأمن السورية، أعدّ نشطاء سوريون قائمة تضم أسماء 41 مدنيًا قُتلوا خلال الأيام الخمسة الأولى من الهجوم العسكري الذي بدأ في 12 مارس/آذار. وقدّم خمسة شهود، ومنهم ثلاثة مراسلين أجانب، إفادات بشكل منفصل لـ هيومن رايتس ووتش بأن القوات الحكومية استعملت المدافع الرشاشة من العيار الثقيل، والدبابات، وقذائف الهاون لقصف المباني والمواطنين في الشوارع بشكل عشوائي. كما قال شهود إن القوات الحكومية قامت، بعد أن دخلت ادلب، باعتقال أشخاص في عمليات مداهمة من منزل لآخر، ونهبت مباني، وأحرقت منازل.

كما قامت القوات الحكومية باعتقال عدد كبير من الأشخاص أثناء الهجوم على إدلب والبلدات المجاورة. وبينما تم إطلاق سراح البعض منهم، مازال آخرون رهن الاحتجاز.

وقال شهود من مدن الجنودية، وكفر نبل، وكفر روما، وعين لاروز في محافظة إدلب لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شاهدوا الجيش ورجالا مسلحين في ملابس مدنية يستعملون المدنيين كدروع بشرية بإجبارهم على السير أمام الجيش أثناء تقدمه، في الهجوم الذي شنه في مارس/آذار لإعادة السيطرة على المناطق التي سقطت في يد المعارضة. ومن خلال ملابسات هذه الأحداث، كان واضحًا للشهود أن الهدف من وراء هذه الأعمال هو حماية الجيش من التعرض لهجمات.

كما قال الشهود الذين التقت بهم هيومن رايتس ووتش ‘نه كان يصعب على المواطنين مغادرة المدينة لأن الجيش السوري يسيطر على الطريق السريع المحيط بـ إدلب ويُشكل حزامًا حولها. وزادت الألغام التي زرعتها القوات الحكومية على الحدود مع تركيا من صعوبة فرار المواطنين. وقدّر أحد الشهود نسبة السكان الذين لم يغادروا إدلب بـ 85 بالمائة من مجموع سكان المدينة.

أما في القصير، فقد تحدث شهود لـ هيومن رايتس ووتش عن ظروف سيئة مماثلة، بما في ذلك قصف المناطق السكنية بشكل كثيف، وهجمات على المواطنين الفارين، ومنهم أطفال. كما قال شهود، والعديد منهم ممن جرحوا في الهجمات، إن الجيش بدأ منذ أواخر فبراير/شباط في إطلاق عشرات القذائف من عيار 81 ملليمتر و121 ملليمتر على المدينة بشكل يومي. وتشير بعض التقارير إلى أن المقاتلين المنسحبين من حمص انتقلوا إلى القصير بعد انسحاب الجيش الوطني الحر من حي بابا عمرو في 1 مارس/آذار.

المساعدات الإنسانية وأزمة اللاجئين

ساهم الهجوم على حمص، وإدلب، ومدن أخرى في تأزم الوضع الإنساني السيئ، وخاصة مع اكتظاظ المستشفيات بشكل سريع.

لم تسمح السلطات السورية بوصول قدر كبير من المساعدات الإنسانية. وفي 19 مارس/آذار، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها لم تستطع إرسال 12 شاحنة من المستلزمات الإنسانية إلى مناطق حلب وحمص، وأنه لم تتم الاستجابة لطلبها بهدنة تدوم ساعتين كل يوم لإيصال المساعدات رغم وجود إشارات على مساندة وزير الخارجية الروسي لهذا الطلب. وقال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إنه يوجد نقص في الماء والغذاء، وتم قطع الاتصالات، وأن المساعدة الطبية غائبة بشكل كامل، وهو ما تسبب في ارتفاع نسبة الوفاة لأن الأطباء صاروا عاجزين عن معالجة الجرحى. وقالت ممرضة من القُصير لـ هيومن رايتس ووتش إن مستشفى القصير الذي كانت تعمل فيه أغلق منذ ستة أشهر وسيطر عليه الجيش. وأكد شهود آخرون هذه الشهادة.

وفي بيان صدر في 15 مارس/آذار، جددت فاليري آموس، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإغاثة الطارئة، نداء مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لتسهيل دخول المنظمات الإنسانية إلى سوريا لتقييم الاحتياجات وتقديم المساعدة. وحتى 19 مارس/آذار، قالت تقارير إن الحكومة بصدد القيام  بتقييم للحاجات الإنسانية في حمص، وحماة، وطرطوس، واللاذقية، وحلب، ودير الزور، وريف دمشق، ودرعا.

لقد تسبب العنف في نزوح عدد كبير من اللاجئين السوريين. وبينما لا يزال المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة يقيّم عدد اللاجئين بشكل دقيق، أشارت تقاريره الأخيرة إلى أن عدد اللاجئين في تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق ربما بلغ 40 ألفًا. كما يوجد عدد كبير من السورين المشردين داخليًا. ولسوء الحظ، قمنا أيضًا بتوثيق استعمال القوات السورية لألغام مضادة للأفراد على الحدود مع تركيا ولبنان، وهو مثال صارخ آخر على عدم الاكتراث بالحياة البشرية، وقد تسبب ذلك في سقوط ضحايا من المدنيين.

انتهاكات مجموعات المعارضة السورية

قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق انتهاكات ارتكبها عناصر من المعارضة المسلحة شملت عمليات اختطاف واحتجاز وتعذيب لعناصر من قوات الأمن ومؤيدين للحكومة وأشخاص يُنظر إليهم على أنهم من أعضاء الميليشيات الموالية للحكومة المعروفين بمسمى الشبيحة. كما وصلتنا تقارير عن ارتكاب مجموعات المعارضة المسلحة لعمليات إعدام لعناصر من قوات الأمن وأشخاص مدنيين. وتشير بعض البيانات التي تم جمعها إلى أن بعض الهجمات المسلحة التي نفذتها مجموعات المعارضة كانت بدافع الشعور بمعاداة الشيعة والعلويين القائم على الربط بين هاتين الفئتين وسياسات الحكومة.

ويبدو أن العديد من المجموعات المناوئة للحكومة، والتي قالت تقارير أنها ترتكب انتهاكات، لا تنتمي إلى أية قيادة منظمة ولا تخضع لأوامر المجلس الوطني السوري. وفي 11 مارس/آذار، أنشأ المجلس الوطني السوري مكتبًا عسكريًا لتوحيد المجموعات المسلحة والإشراف عليها، بما في ذلك الجيش الوطني الحر. ودعت هيومن رايتس ووتش عناصر المعارضة السورية، بما في ذلك المجلس الوطني السوري والجيش الوطني الحر، إلى التعهد باحترام حقوق الإنسان في المناطق التي يسيطرون عليها والتنديد بأي انتهاكات قد تكون المجموعات المسلحة مسؤولة عنها، وخاصة الهجمات التي تستهدف الأقليات. ويتعين على المعارضة السورية التأكيد على أنها تطمح إلى دولة تتسع للجميع دون تمييز.

ورحبت هيومن رايتس ووتش بتقارير صدرت في 22 مارس/آذار تشير إلى أن المجلس الوطني السوري بصدد إعداد مدونة سلوك لمجموعات المعارضة المسلحة تندد بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها هذه المجموعات في سوريا.

هذه الانتهاكات التي ارتكبتها قوات المعارضة خطيرة، ويتعين على المجموعة الدولية أن لا تغض الطرف عنها. وفي نفس الوقت، يجب الإقرار بأن الأدلة المتوفرة لا تشير إلى أن الانتهاكات المرتكبة كانت ممنهجة. ثم إن هذه الانتهاكات لا تبرر بأي شكل من الأشكال وحشية ما تقوم به الحكومة.

وبناءً على ذلك، يجب على المجموعة الدولية أن لا تتعامل مع انتهاكات قوات المعارضة كذريعة لعدم التحرك، بل يجب أن تتخذ منها سببًا لدعوة هذه القوات إلى التحقيق فيها، ومدعاةً للقلق بشأن مخاطر عدم التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في سوريا.

التحرك الدولي

ناقشت العديد من الدول والولايات المتحدة سُبل الردّ المناسب على ما يحدث في سوريا، ويبقى استعمال القوة العسكرية واحدًا من هذه السبل. ولا تستطيع هيومن رايتس ووتش تقديم النصح في هذه الحالة وما إذا كان الحل العسكري سوف يساهم في إيجاد حلّ أو في تعقيد المسألة.

ولكن بوسعنا الإشارة إلى إجراءات أخرى قد تكون مفيدة. وبينما يبقى من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت هذه الإجراءات وحدها كافية لإنهاء أزمة حقوق الإنسان، يجب على الجميع، بغض النظر عن موقفهم من مسألة التدخل المباشر، أن يعملوا قدر المُستطاع على تفعيل العقوبات والعمل الدبلوماسي أو أي خطوات أخرى وافقت عليها المجموعة الدولية من حيث المبدأ ولكنها لم تُنفذ على أرض الواقع.

في 21 مارس/آذار، اتخذ مجلس الأمن قرارًا بالإجماع، كما جاء في بيان صادر عن رئيس المجلس، لمساندة البعثة الدبلوماسية التي يترأسها المبعوث الخاص كوفي أنان. كما طالب البيان الحكومة السورية بـ "التوقف عن استعمال الأسلحة الثقيلة في التجمعات السكانية" بشكل فوري، و"ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق التي تشهد قتالا بشكل سريع". كما طالب المجلس الحكومة السورية بـ "الإسراع في نسق وحجم إطلاق سراح الأشخاص الذين تم اعتقالهم بشكل تعسفي"، و"ضمان حرية تنقل الصحافيين داخل البلاد". ورغم أن البيان يُعتبر خطوة ايجابية أولى، وله أهمية لأن روسيا دعمته، إلا أنه يبقى بيانًا غير مُلزم، وليس من المعلوم ما إذا كان كافيًا لإقناع حكومة الأسد بالتوقف عن الانتهاكات التي لم تتوقف حتى أثناء لقاء كوفي أنان بالأسد.

هيومن رايتس ووتش تدعو مجلس الأمن إلى مواصلة العمل واتخاذ قرار:

  • يفرض عقوبات مركزة، بما في ذلك حظر سفر وتجميد أموال المسؤولين المتورطين في الانتهاكات المتواصلة.
  • يطالب بدخول عمال الإغاثة الإنسانية والصحافيين ومراقبي حقوق الإنسان.
  • يطالب بالتعاون مع لجنة تقصي الحقائق التي أنشأها مجلس الأمن.
  • يحيل الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.

لسوء الحظ، قامت روسيا والصين بالتصدي للتحرك الدولي على مستوى مجلس الأمن باستعمال حق الفيتو لإسقاط قرارين أساسيين لإدانة الانتهاكات الحاصلة في سوريا. ولكن مساندتهما لبيان رئيس مجلس الأمن مؤخرًا يُعتبر تحسنًا في مواقفهم السابقة، رغم أن هذا التحسن يبقى غير واضح. وتتمثل المهمة الأساسية للولايات المتحدة والفاعلين الدوليين الآخرين في إيجاد سُبل لممارسة ضغوط على روسيا والصين كي تساند تحركًا دوليًا فعالاً.

وبغض النظر عن شكل التحرك الذي قد يتخذه مجلس الأمن، يجب على جميع الدول العمل بشكل منسق والضغط لتحقيق الأهداف المذكورة سابقًا. ويجب على جامعة الدول العربية بشكل خاص، وقد أعلنت فرض عقوبات على سوريا، ضمان أن تقوم جميع الدول الأعضاء فيها بتفعيل هذه العقوبات. وكذلك يتعين على الدول أعضاء مجلس الأمن وجامعة الدول العربية أن تدعم بشكل علني إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية بصفتها الجهة الأكثر قدرة على التحقيق مع الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الأكبر في حدوث انتهاكات في سوريا ومحاكمتهم. وقد قامت فرنسا بذلك فعلا كما صدر في بيان لوزير خارجيتها في 27 فبراير/شباط، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية مازالت لم تقم بنفس الخطوة.

كما يجب على جميع الدول اتخاذ إجراءات فورية لتوفير حماية مؤقتة على الأقل للمدنيين السوريين والمقيمين بشكل اعتيادي في سوريا (مثل الفلسطينيين المقيمين هناك) الفارين من القتال وأحيانًا من الاضطهاد. لقد اتخذت الولايات المتحدة خطوة ايجابية في هذا الاتجاه من خلال توفير وضع حماية مؤقت للمواطنين السوريين الموجودين حاليًا في الولايات المتحدة، ومنحهم حق البقاء هناك إلى أن تقرر السلطات أن الوضع الأمني في سوريا قد تحسن.

إن حماية الفارين من الصراع الدائر في سوريا يجب أن تقع بشكل خاص على عاتق أعضاء جامعة الدول العربية. وبينما حافظت الدول المجاورة إلى الآن على فتح الحدود أمام السوريين، فإننا نعبر عن قلقنا العميق من إقدام الإمارات العربية المتحدة على إلغاء تصاريح إقامة مواطنين سوريين بسبب مشاركتهم في مظاهرات ضد الحكومة السورية في دبي. كما نعبر أيضا عن قلقنا مما أفادت به بعض التقارير بأن الأردن قام بمنع دخول مواطن سوري يرغب في اللجوء عند وصوله إلى المطار، ووجهت إلى مواطن سوري آخر في محكمة أمن الدولة تهمة الدخول بطريقة غير شرعية. إضافة إلى ذلك، قام لبنان باعتقال بعض السوريين الفارين إلى هناك فقط لأنهم تجاوزوا الحدود بطريقة غير شرعية أيضًا. وبينما تم إطلاق سراح أغلب هؤلاء الأشخاص، ما زال لاجئ آخر على الأقل رهن الاحتجاز بسبب الدخول غير الشرعي. يُذكر أن القانون الدولي يمنع تجريم طالبي اللجوء واللاجئين بسبب كيفية دخولهم إلى دولة لجوء.

ويتعين على الولايات المتحدة والدول المعنية الأخرى اتخاذ خطوات كفيلة بمنع وصول الأسلحة إلى الحكومة السورية. وتشير مصادر إعلامية عامة إلى أن شركة روزوبورون إكسبورت التابعة للحكومة الروسية هي أهم مزودي السلاح لسوريا. وهيومن رايتس ووتش بصدد مراسلة هذه الشركة لدعوتها إلى تجميد صفقاتها مع سوريا وتحذيرها من أن مواصلة تعاملها مع الحكومة السورية، في ظل الأدلة القوية المتوفرة، قد تعني أنها شريكة للنظام السوري في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبالنظر إلى إطار الجرائم ضد الإنسانية، يجب على الحكومات والشركات في كافة أنحاء العالم أن تعلن أنها لن تبرم أي عقود تجارية جديدة مع شركات مثل روزوبورون إكسبورت إلى أن تتوقف عن بيع الأسلحة إلى سوريا. كما يتعين على الشركات والدول أيضًا النظر في امكانية تعليق أي صفقات مع هذه الشركات إلى أن تتم مراجعة شاملة للدور الذي لعبه المزودون في توفير الدعم المباشر وغير المباشر لانتهاكات الجيش السوري، والتحقق من شراكتها في هذه الأعمال. ويمكن أن يشمل ذلك جميع العقود التجارية من قبيل صفقات الأسلحة، وحضورها في معارض تجارة الأسلحة، ونشر الإعلانات في المطبوعات الخاصة بهذه الصناعة.

وفي النهاية، يجدر التذكير بأنه بينما الولايات المتحدة تنظر في السُبل المتاحة، فأنه لا يمكنها تجنب اتخاذ قرار بشأن الأزمة السورية. هذا وضع معقد جدًا، وسوف يختلف العقلاء الذين يهتمون لمحنة الشعب السوري حول المنهج الأمثل للقيام بذلك. ولكن الفشل في اتخاذ قرار بشأن أي شكل يمكن أن يكون عليه التحرك إنما هو يساوي عدم التحرك أصلا. ولذلك، يتعين على الولايات المتحدة التوقف عن التفكير بالتمني أو اتخاذ موقف لم تفكر فيه مليًا. بل يجب عليها تقدير تكلفة جميع أشكال التحرك الممكنة والمخاطر التي قد تنجر عنها، ثم الوقوف على إستراتيجية واضحة لمجابهة انتهاكات حقوق الإنسان والسعي إلى تطبيقها سعياً حثيثاً.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة