Skip to main content

إنسحاب القاضي تهديدا خطيرا لاستقلالية المحكمة

19 سبتمبر/أيلول 2006

تعرب هيومن رايتس ووتش عن قلقها الشديد حيال التقارير المتعلقة بتنحية القاضي عبد الله العامري عن محاكمة صدام حسين وعدد من الآخرين بتهمة ارتكابهم جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتبدو هذه التنحية تدخلاً غير مقبول في استقلالية القضاء، وقد تلحق ضرراً كبيراً بالمحاكمة.

وطبقاً لتقارير تنشرت هذا المساء، فإن القاضي عبد الله العامري، رئيس الغرفة الثانية في المحكمة العراقية العليا، أزيح من منصبه بقرارٍ من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. وتفيد الأنباء أن الناطق باسم رئيس الوزراء علي الدباغ قال:

    طلبنا من المحكمة استبدال القاضي لأنه خرج عن حياديته عندما أدلى بملاحظاتٍ قال فيها أن صدام لم يكن ديكتاتوراً. وأبلغتنا المحكمة بأنه قد استبدل فعلاً. وكان هذا قراراً صادراً عن مجلس الوزراء.

تنص المادة 4 (4) من نظام المحكمة العراقية العليا على أن بوسع مجلس الرئاسة العراقي نقل القضاة والمدعين العامين من المحكمة إلى مجلس القضاء الأعلى "لأي سببٍ كان"، وذلك بناءً على توصية من مجلس الوزراء. ويحتفظ القاضي المنقول إلى مجلس القضاء الأعلى بصفته كقاضٍ، لكنه يفقد دوره في المحكمة العليا. وقد عبّر القضاة أيضاً عن قلقهم من أن يفقدوا، عند النقل، تدابير الحماية الشخصية التي تؤمنها المحكمة العليا لهم.

وكان القاضي العامري تعرض لانتقاداتٍ علنية شديدة بعد قوله في قاعة المحكمة يوم 14 سبتمبر/أيلول أن الرئيس السابق صدام حسين "لم يكن دكتاتوراً". وكانت العبارة الكاملة التي قالها العامري لصدام، حسب نيويورك تايمز، هي: "سأرد عليك: أنت لست دكتاتوراً. لست دكتاتوراً. لم تكن دكتاتوراً. والأشخاص الذين يحيطون بالمسئول هم الذين يجعلونه دكتاتوراً، والأمر لا يتعلق بك وحدك. وهذه هي الحال في العالم كله".

وإذا صدق نقل الصحيفة لتلك العبارة، فإن قرار مجلس الوزراء خرقٌ واضحٌ ومؤذٍ لاستقلالية المحكمة العليا. إن إبعاد القاضي العامري عن القضية يعكس: 1) الفشل الواضح لنظام المحكمة العليا في حماية القضاة من التدخل؛ 2) الافتقار التام لاحترام الاستقلالية القضائية من جانب الحكومة العراقية.

وتنص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة حول استقلالية القضاء على أن القانون يجب أن يضمن حمايةً كاملةً لاستقلالية القضاة. إن المادة 4 (4) من نظام المحكمة العراقية العليا تودي باستقلالية قضاة هذه المحكمة لأنها تسمح للسلطة التنفيذية بتنحية أي قاضٍ عن القضية التي ينظر فيها لأي سببٍ كان وفي أي وقت.

أما عند الادعاء بتحيز القاضي أو سوء سلوكه، فيجب أن تكون تدابير تنحيته أو تعليق عمله حياديةً ومتفقةً مع أصول عمل المحكمة. ولدى المحكمة العراقية العليا أصولاً متضمنةً في الأنظمة الخاصة بها تتعلق باتخاذ القرار في حالة الادعاء بتحيز القاضي. ويجب تقديم شكوى التحيز إلى رئيس المحكمة الذي يحيلها إلى الغرفة الاستئنافية في المحكمة، والتي تصدر قرارها خلال ثلاثة أيام (القاعدة رقم 8 من قواعد الإثبات وأصول المحاكمات).

ومن هنا فإن نقل القاضي لأسبابٍ تتعلق بالتحيز مسألةٌ تعود بأكملها إلى الغرفة الاستئنافية في المحكمة العراقية العليا، وليس إلى مجلس الوزراء. وبهذا التعدي الفظ على قواعد المحكمة وأصول عملها، لم يكتف مجلس الوزراء بالتدخل في استقلاليتها، بل ألحق ضرراً كبيراً بالحياد والموضوعية الذي يجب أن تتحلى به. إن هذه التنحية تبعث برسالةٍ مخيفة إلى جميع القضاة مفادها: إما أن تسيروا كما نريد أو أن تخاطروا بتنحيتكم.

ويمثل هذا التطور استمراراً لتوجهٍ مقلقٍ ظهر خلال المراحل الأولى من قضية الدجيل. فعندما اعتُبر القاضي الأول في تلك المحاكمة، وهو رزكار أمين، غير حازمٍ بالقدر الكافي لضبط سلوك صدام حسين في المحكمة، تعرض إلى انتقادٍ علني من جانب وزير العدل والنواب البرلمانيين آنذاك، إضافةً إلى انتقاداتٍ شديدةٍ في الصحافة. فما كان منه إلا أن استقال احتجاجاً.

لا يجوز إخضاع القضاة إلى النقد التحريضي من جانب موظفي الحكومة. ويجب أن يتم تأديب القضاة أو نقلهم بما ينسجم مع أصول استقلالية القضاء، وليس في محكمة الرأي العام.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة