Skip to main content

 

 

 

 

ملخص

 

يتناول هذا التقرير بالتحليل مشروع قانون مكافحة الإرهاب التونسي، ويُقيّم مدى تناسبه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وكان مشروع القانون قد عُرض على المجلس الوطني التأسيسي، وهو البرلمان التونسي، من قبل مجلس الوزراء في يناير/كانون الثاني 2014، وهو الآن قيد المراجعة.

 

تضمّن نص المشروع أوجه تحسن كثيرة مقارنة بقانون الإرهاب لسنة 2003، وورد فيه قسم خاص بجبر ضحايا الإرهاب، بما في ذلك تمكينهم من الرعاية الصحية المجانية في المستشفيات العمومية ومن المساعدة القضائية. كما ينص على إنشاء لجنة تتكون من ممثلين عن وزارات معينة، يترأسها قاض، تُشرف على رسم استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب؛ بهدف تجفيف منابعه عبر التعليم وغيره من الوسائل.

 

ولكن مشروع القانون ابقى على تعريف فضفاض وغامض لما يُعتبر نشاطًا إرهابيًا، وهو ما قد يسمح للحكومة بقمع العديد من الحريات المكفولة دوليًا. كما ورد في المشروع أعمال تُعتبر جرائم إرهابية، مثل "الإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة" أو "بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو المرافق العمومية" التي قد ينجر عنها تجريم المعارضة السياسية، أو حتى أعمال العنف الصغرى التي تحدث أثناء الاحتجاجات الاجتماعية. كما يحتوي المشروع على تعريف مبهم للتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، وهو ما يعني إمكانية مقاضاة الأشخاص بسبب استخدام مصطلح أو رمز يُعتبر مساندًا للإرهاب، بغض النظر عما إذا كان سينتج عنه أي تصرف ملموس.

سيعطي مشروع القانون للقضاة سلطة تقديرية واسعة في عقد الجلسات المغلقة والاستماع إلى شهود مجهولي الهوية، وتقويض الحق في دفاع فعال من خلال إجبار محاميي المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب بالكشف عن معلومات تتعلق بموكليهم. إضافة إلى ذلك، لا ينص مشروع القانون على مراقبة قضائية كافية على السلطة الاستثنائية التي تتمتع بها الشرطة لخرق خصوصية الأشخاص أثناء عمليات مكافحة الإرهاب.

 

خلفية

 

في 2003، أثناء حكم زين العابدين بن علي، تبنت تونس قانونًا لمكافحة الإرهاب كثيرًا ما كان محل انتقاد لأنه تضمن تعريفًا فضفاضًا لمفهوم الإرهاب، وشمل أعمالا من قبيل "تعكير صفو النظام العام"، ونتج عن ذلك محاكمة المعارضة السلمية. كما انتهك القانون حق المشتبه فيه بإعداد دفاع قانوني جيّد لأنه يُجرّم عدم قيام المحامي بإعلام السلطات بـ "معلومات تتعلق بأي نشاط إرهابي".

 

كما قامت السلطات في فترة حكم بن علي بمحاكمة أكثر من ثلاثة آلاف شخص بموجب قانون الإرهاب. قال مارتن شاينن، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، إن قانون 2003 "لم يمنح للتونسيين مزيدًا من الأمن، ولكنه أستخدم بشكل واسع كأداة لقمع جميع أشكال المعارضة السياسية".

 

في يناير/كانون الثاني 2014، قدّم رئيس الحكومة مشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب، وهو الآن محل نقاش لجنة التشريع العام في المجلس الوطني التأسيسي، قبل أن يتم التصويت عليه في الجلسة العامة.

 

في الأشهر الماضية، نفذت مجموعات مسلحة عددًا من الهجمات على قوات الأمن والجيش في تونس. وأعلنت السلطات القضائية أنها وجهت تهمًا للأشخاص الذين اعتقلوا في عمليات مكافحة الإرهاب بموجب قانون سنة 2003.

 

منذ خلع بن علي، تسببت المجموعات المسلحة في قتل أكثر من 37 عنصرًا من قوات الأمن والقوات المسلحة التونسية، وإصابة 148 آخرين. وفي واحدة من أحدث العمليات، قتل أربعة عناصر أمن في هجوم على منزل وزير الداخلية في مدينة القصرين القريبة من الحدود الجزائرية.

 

التوصيات

 

يتعين على المجلس الوطني التأسيسي:

 

  • تعديل الفصل 13 بالتأكيد على أن الأعمال المذكورة في القانون تُعتبر جرائم كما تنص عليها وتُعرّفها الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب التي صادقت عليها تونس. وفي إطار الممارسات الحميدة التي اقترحها المقرر الخاص، يجب إعادة تعريف الإرهاب بما يلبي المعاييرالثلاثة التالية بصورة تراكمية:اولا ان يتمثل العمل الارهابي في استخدام وسائل مميتة أو العنف الجسيم ضدّ الجمهور، أو ضدّ فئة منه، أو اتخاذ رهائن، ثانيا وجود نية لترهيب السكان أو تقويض النظام العام، أو حمل حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به، ثالثا ان يكون الهدف هو السعي إلى تعزيز هدف سياسي أو إيديولوجي.
  • تعديل الفصل 28 بتجنب تقييد حرية التعبير، ويُمكن تحقيق ذلك باستخدام التعريف الذي اقترحه المقرر الخاص، والإشارة إلى أن التحريض على الإرهاب يعني نشر أو توزيع رسالة للجمهور، عمدًا وبشكل غير قانوني، قصد التحريض على ارتكاب عمل إرهابي، وينتج عن ذلك خطر ارتكاب هذا العمل، بغض النظر عما إذا كان في الرسالة دفاع صريح عن الأعمال الإرهابية.
  • تعديل الفصل 33بالنص على أن محاميي المشتبه بضلوعهم في الإرهاب مُلزمون فقط بكشف المعلومات التي هي "ضرورية" لمنع حدوث أعمال إرهابية.
  • تعديل الفصل 67 بالنص على ضرورة أن تكون جلسات محاكمة الإرهاب علنية، وأنه لا يحق للقاضي الأمر بإجراء جلسات مغلقة أو مقيّدة إلا في ظروف استثنائية يفرضها احترام إجراءات المحكمة، والضحايا، والشهود، وعندما يوجد خطر حقيقي ناجم عن المحاكمة العلنية. ويجب اللجوء إلى الجلسات المغلقة لأقصر مدة زمنية ممكنة، على أن لا يضرّ ذلك بحق المتهمين في الطعن في صحة شهادات الشهود والطعن على غير ذلك من الأدلة المستخدمة ضدّهم.
  • النصّ في الفصلين 67 و69 على أنه لا يُمكن استخدام المعلومات التي يوفرها شهود مجهولو الهوية كأدلة إلا في ظروف استثنائية، شرط أن لا تكون تلك الشهادة هي الدليل  الوحيد أو الحاسم في إدانة المشتبه فيهم.
  • تعديل الفصلين 51 و58 بالنصّ على عدم الإذن بإجراءات تحقيق فيها تدخل في حياة الأشخاص مثل "الاعتراض على الاتصالات" و"المراقبة" إلا في حالات استثنائية يتوفر فيها خطر ذا مصداقية باحتمال ارتكاب عمل إرهابي. وتبقى هذه الإجراءات من صلاحيات القضاة دون سواهم.        

 

النقاط المثيرة للقلق

تعريف فضفاض للإرهاب والإرهابيين

 

يُعرّف مشروع القانون العمل الإرهابي بـ: "أولا: قتل شخص أو عدة أشخاص أو إلحاق أضرار بدنية بهم، ثانيا: الإضرار بمقرات البعثات الدبلوماسية والقنصلية أو المنظمات الدولية، ثالثًا: إلحاق أضرار جسيمة بالبيئة بما يُعرّض حياة المتساكنين أو صحتهم للخطر، رابعًا: الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية أو بوسائل النقل أو الاتصالات أو بالمنظومات المعلوماتية أو بالمرافق العمومية، وكان الفعل المجرم قد وقع تنفيذا لمشروع فردي أو جماعي ويهدف، بحكم طبيعته أو في سياقه، إلى بث الرعب بين السكان أو حمل دولة أو منظمة دولية على القيام بعمل أو الامتناع عن القيام به".

 

على الرغم من أن هذا التعريف أفضل من التعريف الوارد في قانون سنة 2003، والذين تضمّن مفاهيم فضفاضة ومبهمة مثل "الإخلال بالنظام العام أو السلم أو الأمن الدوليين"، إلا أنه ذكر أعمالا لا تتوفر فيها نية استخدام العنف أو إلحاق الأذى بالناس، مثل جرائم الملكية وتعطيل المرافق العامة.

 

قد يُستخدم التعريف الفضفاض والمبهم للأعمال الإرهابية الواردة في مشروع القانون لتجريم أعمال المعارضة السلمية التي قد تتسبب في تعطيل النقل العمومي والمرافق العامة، وهو ما يحدث أثناء الاحتجاجات. ولذلك يُمكن اعتبار مسيرة غير عنيفة تتسبب في تعطيل حركة المرور عملا إرهابيًا، وينتج عنها الحكم على متظاهرين بالسجن عدة سنوات.

 

قد يسمح مشروع القانون أيضًا بإجراء محاكمات لأشخاص بتهمة الإرهاب بسبب ارتكاب أعمال عنف صغيرة في إطار القيام بنشاط سياسي. وعلى سبيل المثال، يُمكن ملاحقة أحد المشاركين في احتجاج معيّن بسبب الإضرار بسيارة شرطة أو تكسير نافذة إحدى البنايات الحكومية. إضافة إلى ذلك، يكفي أن يُهدد شخص ما بارتكاب أي من الأعمال المذكورة، بما في ذلك الاعتداء على الأملاك أو تعطيل النقل العمومي أو غيره من المرافق العامة حتى تتم محاكمته على أنه إرهابي، ويُعاقب بالسجن لفترة لا تقل عن ست سنوات.

 

ينصّ قرار مجلس الأمن 1566 على ضرورة توفر العناصر التالية في تعريف الأعمال الإرهابية:

 

الأعمال الإجرامية، بما في ذلك تلك التي ترتكب ضد المدنيين بقصد إلحاق الموت بهم أو إصابتهم بإصابات جسمانية خطيرة، أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، أو لتخويف جماعة من السكان، أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به، التي تشكل جرائم في نطاق الاتفاقيات والبرتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب ووفقاً للتعريف الوارد فيها، لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف تبريرها بأي اعتبارات ذات طابع سياسي أو فلسفي أو عقائدي أو عنصري أو عرقي أو ديني أو أي طابع آخر من هذا القبيل.

 

تناول المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب مسألة تعريف السلوك الذي هو ذا طابع إرهابي بحت:

 

تعريف الإرهاب يتوقف تحديدًا على توفر الشروط التراكمية الثلاثة: (1) الوسيلة المستخدمة، التي يمكن وصفها بأنها فتاكة، أو ممارسة عنف خطير ضد أفراد عامة السكان أو شرائح منه، أو أخذ الرهائن، و (2) القصد، وهو إشاعة الخوف بين السكان أو هدم النظام العام أو إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو عدم القيام به، و (3) الهدف، وهو تحقيق هدف سياسي أو عقائدي مستتر. ولا ينبغي تجريم عمل ما بأنه إرهابي ما لم تتوفر فيه هذه الشروط الثلاثة، وإلا فقد القوة التي تميزه بالنسبة للجريمة العادية.

 

في هذا الإطار، حاول المقرر الخاص تقديم تعريف نموذجي للإرهاب. وهو يعتبر أن:

 

الإرهاب عمل أو محاولة للقيام بعمل، حيث:

 

1. العمل:

‌أ-       يتمثل في احتجاز متعمد للرهائن، أو

‌ب-   يهدف إلى التسبب في وفاة أو في إصابات بدنية خطيرة لواحد أو أكثر من عامة السكان أو من شرائح منهم، أو

‌ج-    ينطوي على عنف جسدي مميت أو خطير ضدّ واحد أو أكثر من عامة السكان أو من شرائح منهم، و

 

2. يُنفذ العمل أو تجري محاولة تنفيذه بهدف:

‌أ-       إثارة حالة من الرعب بين عامة الناس أو جزء منهم، أو

‌ب-   إرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بفعل ما أو الامتناع عن فعل ما، و

 

3. يتوافق العمل مع:

‌أ-       تعريف الجريمة الخطيرة في القانون الوطني، الذي سُن لغاية الامتثال للاتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة بالإرهاب أو لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالإرهاب، أو

‌ب-   جميع عناصر الجريمة الخطيرة كما حددها القانون الوطني.

 

يتضمن مشروع القانون قائمة من الاعتداءات الأخرى التي يعتبرها أعمالا إرهابية. واستُلهمت هذه القائمة من الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس، بالتركيز على جوانب مختلفة لمحاربة الإرهاب، ومنها الاتفاقية بشأن منع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضدّ الأشخاص المتمتعين بحماية دولية، والاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن، والاتفاقية الدولية للقضاء على تمويل الإرهاب، وغيرها من الاتفاقيات.

 

يعتبر مشروع القانون العديد من الأعمال أعمالا إجرامية، بما في ذلك الجرائم المرتكبة على متن الطائرات، والجرائم ضدّ السلامة في المطارات المدنية، والجرائم المتعلقة بالملاحة البحرية والمنصات الثابتة، واستخدام وتصريف الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو النووية، وغيرها من المواد المسرّبة من سفينة أو منصة ثابتة، ونقل الأسلحة وغيرها من المواد على متن سفينة، والجرائم ضدّ الأشخاص المحميين دوليًا، وأخذ الرهائن.

 

تبرز الصياغة الواردة في مشروع القانون أن الجرائم المذكورة غير مرتبطة بالتعريف العام للإرهاب، وأنها تمثل نوعًا مختلفًا من الأعمال الإرهابية. ورغم أن القائمة مستوحاة من اتفاقيات دولية صادقت عليها تونس، إلا أنها لم تتقيد بشكل جيّد بتعريف الأعمال الإرهابية. ويجب أن تستجيب هذه الجرائم، على وجه التحديد، للاختبار المتكون من ثلاثة عناصر المذكور سابقًا: أن تكون الأداة المستخدمة قاتلة، وأن تكون النية بث الرعب بين الناس وإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام به، وأن يكون الهدف من ذلك ترسيخ هدف إيديولوجي.

 

ولكن عديد الجرائم المذكورة في مشروع القانون لا تستجيب لهذا الاختبار. وعلى سبيل المثال، ينص الفصل 17 على أن يُعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عامًا من يتعمد السيطرة أو الاستيلاء على سفينة مدنية بأي وسيلة كانت. قد يتسبب هذا التعريف في إدانة نشطاء بيئيين سلميين إذا حاولوا منع سفينة من الصيد غير المشروع أو القيام بأي نشاط مضرّ بالبيئة.

 

كما يتضمن مشروع القانون قسمًا للتعريف بالانتماء إلى منظمة إرهابية أو مساعدة ودعم إرهابيين. وينصّ الفصلان 29 و32 على عقوبة بالسجن لمدة تتراوح بين 6 و12 سنة في حق:

 

                                -       كل من انظم عمدًا، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجه، إلى تنظيم إرهابي بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بالقانون،

                                -       كل من تلقى تدريبات، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجه، بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بالقانون،

                                -       كل من استعمل تراب الجمهورية أو تراب دولة أجنبية لانتداب أو تدريب شخص أو مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون،

                                -       كل من وفّر، بأي وسيلة كانت، أسلحة أو متفجرات أو ذخيرة وغيرها من المواد أو المعدات أو وسائل النقل أو التجهيزات أو المؤونة لفائدة تنظيم إرهابي أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون،

                                -       كل من وضع كفاءات أو خبرات على ذمة تنظيم إرهابي أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون،

                                -       كل من أفشى أو وفر معلومات لفائدة تنظيم إرهابي أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بالجرائم المنصوص عليها بهذا القانون،

                                -        كل من افتعل أو زوّر وثائق لتنظيم إرهابي أو أشخاص لهم علاقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون،

                                -       كل من تبرّع بأموال مع العلم أن الغرض منها تمويل أشخاص أو تنظيمات أو أنشطة لها علاقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.

 

تُعتبر هذه الشروط السابقة لتوجيه تهمة إلى شخص ما بالمشاركة في مشروع إرهابي تحسنًا مقارنة بقانون سنة 2003 الذي كان ينص على تعريف فضفاض لمفهوم الانتماء إلى منظمة إرهابية. فالفصل 13 من قانون 2003 يجرّم "... الانضمام، بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية، إلى تنظيم أو وفاق، مهما كان شكله أو عدد أعضائه، اتخذ، ولو صدفة أو بصفة ظرفية، من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه". لم يكن القانون يشترط علم الشخص بالطبيعة الإرهابية للتنظيم، أو نيته الانضمام إلى تنظيم ضالع في الإرهاب.

 

كان قانون 2003 يشمل عددًا أكبر من الأشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط و/أو الأشخاص المنتمين إلى تنظيمات استخدمت الإرهاب، "ولو صدفة أو بصفة ظرفية". وفي كلتا الحالتين، قد يواجه الأشخاص عقوبات بالسجن لفترات طويلة حتى إن لم يثبت أنهم لعبوا دورًا ما في عمل إرهابي. تُعتبر التعريفات الجديدة أدق، وتضمنت عنصري العلم بوقوع العمل ونية ارتكابه، وهما عنصران ضروريان لتحديد المسؤولية الجنائية.

 

تعريف فضفاض لمفهوم "الإشادة" بالإرهاب

 

يجوز للحكومات، وفقًا للقيود المعترف بها والتي يمكن فرضها على حرية التعبير، محاكمة نشاط التعبير عن الرأي الذي فيه تحريض على أعمال إجرامية، أي التعبير الذي يشجع بشكل مباشر على ارتكاب جريمة، أو الذي فيه نيّة القيام بعمل إجرامي، أو الذي قد ينجر عنه عمل جنائي، بغض النظر عن حدوثه من عدمه. وقد تتسبب القوانين التي تفرض عقوبة جنائية على ما يُسمى "التحريض غير المباشر"، مثل الإشادة بالإرهاب، في التضييق على حرية التعبير التي تكفلها القوانين الدولية لحقوق الإنسان.

 

يتضمن مشروع القانون فصلين متعلقين بالتحريض والإشادة بالإرهاب. فالفصل 5 ينص على أنه "يُعدّ مرتكبًا للجرائم الإرهابية، ويُعاقب بنصف العقوبات المقررة لها، كل من يُحرّض علنًا، بأي وسيلة كانت على ارتكاب الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون، عندما يولّد هذا الفعل، بحكم طبيعته أو في سياقه، خطرًا باحتمال ارتكابها". يتماشى هذا الفصل مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان لأنه يربط تجريم التعبير بوجود تهديد حقيقي بارتكاب عمل إرهابي.

 

ويفرض الفصل 28 عقوبة بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وخمس سنوات وغرامة مالية بين 5 آلاف و10 آلاف دينار (بين 2960 و5920 دولاراً أمريكياً) في حق "كل من يتعمد الإشادة علنًا، بأي وسيلة كانت، بجريمة إرهابية أو بمرتكبها أو بتنظيم أو وفاق له علاقة بجرائم إرهابية أو بأعضائه أو بنشاطه".

 

يُثير هذا الفصل مخاوف من احتمال التسبب في تعديات على حرية التعبير، فقد جاء في صياغة فضفاضة تجاوزت ما كان عليه الحال في قانون 2003. كان الفصل 12 من ذلك القانون يفرض عقوبات بالسجن تتراوح بين 5 و12 سنة وغرامة مالية على " كل من يدعو، بأي وسيلة كانت، إلى ارتكاب جرائم إرهابية أو إلى الانضمام لتنظيم أو وفاق له علاقة بجرائم إرهابية أو يستعمل اسما أو كلمة أو رمزا أو غير ذلك من الإشارات قصد التعريف بتنظيم إرهابي أو بأعضائه أو بنشاطه".

 

قد يُستخدم الفصل 28 لمعاقبة أشخاص أو منظمات بسبب حرية التعبير المشروعة. وعلى سبيل المثال، قد يواجه الشخص عقوبة السجن إذا استخدم كلمة أو رمزًا يُفهم على أنه مساند للإرهاب، بغض النظر عما إذا كان احتمال ان يتسبب فعلا في أي أعمال إرهابية ملموسة.

 

تنص الفقرة 3 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه يُمكن فرض قيود على حرية التعبير شريطة أن تكون محددة بالقانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

 

قالت لجة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تعليقها العام على المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:  

 

وينبغي للدول الأطراف أن تضمن أن تكون تدابير مكافحة الإرهاب متمشية مع الفقرة 3 [من المادة 19]. وينبغي وضع تعريفات واضحة لجرائم مثل "التشجيع على الإرهاب" و"النشاط المتطرف"  فضلاً عن جرائم "الإشادة بالإرهاب" أو "تمجيده" أو "تبريره" لضمان ألا تؤدي إلى تداخل غير ضروري أو غير متناسب مع حرية التعبير.

 

قال المقرر الخاص السابق إنه لا يجب تبرير فرض قيود على حرية التعبير بهدف حماية الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب إلا إذا أثبتت الحكومة أن:

 

                 -                    القصد من التعبير هو التحريض على عنف وشيك،

                 -                    التعبير قد يُحرّض على ممارسة العنف،

                 -                    وجود علاقة مباشرة بين التعبير وإمكانية حدوث عنف.

 

كما قال المقرر الخاص إنه يجب أن يكون نشاط التعبير عن الرأي قادرًا على خلق خطر موضوعي لوقوع عمل إرهابي، بغض النظر عما إذا كان يدعو "صراحة" إلى ذلك.

 

ولذلك اقترح المقرر الخاص التعريف التالي للتحريض على الإرهاب:

 

يعتبر جريمةً توزيعُ أي رسالة إلى الجمهور بشكل متعمد وغير قانوني أو توجيه أي رسالة للجمهور بأي طريقة أخرى، بقصد التحريض على ارتكاب جريمة إرهابية، حيث يتسبب هذا السلوك، سواء دعا بطريقة صريحة أو غير صريحة إلى ارتكاب جرائم إرهابية، في نشوء خطر ارتكاب جريمة أو أكثر.

 

إن تحديد معايير خاصة وواضحة لتعريف "التحريض" على الإرهاب أو "الإشادة" به يكتسي أهمية خاصة في ضوء التعليقات العامة الصادرة عن سياسيين وزعماء نقابيين في تونس يحاولون وسم المحامين الذين يدافعون عن "إرهابيين مزعومين"، أو النشطاء الذين ينتقدون قوات الأمن لأنها تنتهك حقوق الإنسان أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، يحاولون وسم هؤلاء بـ "الإرهابيين".

 

وعلى سبيل المثال، قال الاتحاد العام لنقابات الشرطة في مؤتمر صحفي في ديسمبر/كانون الأول 2013 إن إيمان الطريقي، ناشطة حقوقية ورئيسة منظمة "حرية وإنصاف" غير الحكومية، توفر غطاءً وحماية للإرهابيين. وكانت إيمان الطريقي قد أصدرت في وقت سابق من نفس الشهر تقريرًا يوثق انتهاكات الشرطة أثناء عمليات مكافحة الإرهاب. ويُمكن استخدام التعريف الفضفاض لـ "الإشادة بالإرهاب" لوصف شخص ما بالإرهابي لأنه يدافع عن حق المتهمين بالإرهاب في المعاملة الإنسانية.

 

ضمانات المحاكمة العادلة وسلامة الإجراءات القانونية

 

يتضمن مشروع القانون العديد من النصوص التي ربما تكون لها انعكاسات خطيرة على الحق في الدفاع. كان قانون 2003 يفرض عقوبة بالسجن لفترة تتراوح بين سنة واحدة وخمس سنوات وغرامة مالية على كل شخص "ولو كان خاضعًا للسر المهني، يمتنع عن إشعار السلط ذات النظر فورا بما أمكن له الإطلاع عليه من أفعال وما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية"، باستثناء أفراد العائلة. ويشمل هذا الفصل الأطراف الملزمة بالسرية، مثل محاميي الدفاع، والعاملين في المجال الطبي، ورجال الدين. وفيه تهديد للحق في سرية العلاقة بين المحامي وموكله، وهو جزء من الحق في المحاكمة العادلة المكفول دوليًا.

 

وخلافًا لقانون 2003، وسّع الفصل 33 من مشروع القانون الجديد من هامش الاستثناء الذي صار يشمل المحامين، رغم أنه يتراجع عن ذلك عندما تكون "المعلومات التي يطلعون عليها يُؤدي إشعار السلط بها إلى تفادي ارتكاب جرائم إرهابية في المستقبل". وقد تشمل هذه الصياغة الفضفاضة جميع أنواع المعلومات، وقد تجرّم علم المحامي بمجموعة واسعة من المعلومات التي لا علاقة لها بمنع حدوث أعمال إرهابية.

 

إجراءات وقائية خاصة

 

يوفر مشروع القانون حماية خاصة لبعض الأشخاص، بمن فيهم الأعوان المكلفين بإنفاذ القانون لمقاومة الإرهاب، والضحايا، والشهود، والمخبرين وعائلاتهم عند الاقتضاء.    

 

الجلسات المغلقة

 

ينصّ الفصل 67 على أنه يُمكن لقاضي التحقيق أو رئيس المحكمة الأمر، عند وجود خطر محدق، بإجراء تحقيقات أولية أو جلسة خارج الإطار العادي مع حماية حق المتهمين في المحاكمة العادلة. كما يستطيع القاضي الأمر بجلسة مغلقة.

 

تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق كل شخص "لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه، أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون". ويستطيع القاضي أن يأمر بجلسة مغلقة، ولكن وفق شروط خاصة تحددها المادة 14: "يجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي، أو لمقتضيات حرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى، أو في أدنى الحدود التي تراها المحكمة ضرورية حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة".

 

يجب أن ينص مشروع القانون، لتفادي منح القضاة سلطات واسعة لإغلاق الجلسات، على أنه لا يمكن اللجوء إلى هذه الإجراءات إلا في ظروف استثنائية، وبالقدر الذي تكون فيه ضرورية، وفقط في الحالات التي ستمنع حدوث تهديد أو خطر على سلامة وأمن الشهود أو الضحايا أو القضاة.

 

شهود مجهولو الهوية

 

ينص الفصل 67 على أن قاضي التحقيق أو رئيس المحكمة يستطيع "استعمال وسائل الاتصال المرئية والمسموعة الملائمة دون ضرورة لحضور المعني بالأمر شخصيًا". وفي هذه الحالة، على مسؤولي المحكمة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية حتى لا يُكشف عن هوية الشخص المستمع إليه.

 

أما الفصل 69 فينص على أنه "يُمكن في حالات الخطر الملم، وإن اقتضت الضرورة ذلك، تضمين جميع المعطيات التي من شأنها الكشف عن هوية المتضرّر والشهود وكلّ من تكفل، بأي وجه من الأوجه، بواجب إشعار السلط ذات النظر بالجريمة، بمحاضر منفصلة تحفظ بملف منفصل عن الملف الأصلي". ويستطيع المتهم أو محاميه مطالبة الجهة القضائية المعنية بالكشف عن هوية الأشخاص المذكورين في الفصل 69 في مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الاطلاع على محتوى الشهادات.

 

يجوز للسلطة القضائية الأمر بالكشف عن المعلومات عندما يكون الطلب مُبرّرًا، وعندما لا يوجد تهديد جدّي لحياة الشخص موضوع الحماية وعائلته. ويُمكن استئناف هذا القرار أمام دائرة الاتهام. إضافة إلى ذلك، لا يجب لإجراءات الحماية بأي حال من الأحوال أن تمنع المتهم أو محاميه من الاطلاع على محتوى الشهادة والتصريحات الأخرى.

 

قد يتسبب استخدام شهود مجهولي الهوية، كما ينص على ذلك الفصلان 67 و69، في تهديد حق المتهم في إعداد دفاع جيّد، ويحرمه من إمكانية الطعن في الشهود المستخدمين ضدّه. وتنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق المتهم في التعرف على الشهود المستخدمين ضدّه.

 

تنصّ المبادئ والتوجيهات المتعلقة بالحق في محاكمة عادلة في  أفريقيا، التي اعتمدتها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، على أنه يحق للمتهم التعرف على المتهمين المستخدمين ضدّه، وحضور الشهود الذين سيشهدون لصالحه في ظروف مماثلة. كما تنص المبادئ على أنه لا يُسمح بحضور شهود مجهولي الهوية أثناء محاكمة ما إلا في ظروف استثنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار بطبيعة وملابسات الجريمة، وحماية سلامة الشهود، وعندما يكون ذلك في صالح العدالة.

 

قالت لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان، في تقريرها حول الإرهاب وحقوق الإنسان لعام 2002:

 

يُمكن، من حيث المبدأ،  إخضاع حق المتهم في التعرف على الشهود المستخدمين ضدّه إلى قيود في حالات محددة. وفي هذا الإطار، يجب الاعتراف بأن جهود التحقيق في الجرائم ومحاكمتها، بما في ذلك الجرائم المتعلقة بالإرهاب، ربما تهدد الشهود في بعض الحالات في حياتهم وسلامتهم، ولذلك تطرح مسائل صعبة تتعلق بتحديد هويتهم أثناء الإجراءات الجنائية.

 

لا يُمكن لهذه الاعتبارات أن تكون على حساب الضمانات غير القابلة للتقييد التي يتمتع بها المتهم، ويجب تقييم كلّ حالة بعناية وفقًا لحيثياتها في إطار نظام قضائي معيّن. ولمراعاة هذه المحاذير، يُمكن اتخاذ إجراءات بعدم الكشف عن هوية الشهود دون المساس بحق المتهم في محاكمة عادلة. ومن العوامل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم إمكانية السماح باتخاذ هذه الإجراءات وجود أسباب كافية لعدم الكشف عن هوية أحد الشهود، ومدى قدرة الدفاع على الطعن في الأدلة التي يقدمها الشهود، والتشكيك في مصداقيتها، من خلال استجوابهم من قبل محام على سبيل المثال.

 

ومن الاعتبارات الهامة الأخرى ما إذا كانت المحكمة نفسها مطلعة على هوية الشاهد وقادرة على تقييم مصداقية الأدلة التي سيقدمها، وأهمية هذه الأدلة في القضية المرفوعة ضدّ المتهم، وخاصة إذا كانت الإدانة ستُبنى فقط، أو بشكل كبير، على هذه الأدلة.

 

نظرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مسألة الشهود مجهولي الهوية وتأثيرها على ضمانات المحاكمة العادلة في عدد من القضايا. وكان حكم المحكمة دائمًا مرتبطًا بملابسات كل قضية. وعلى سبيل المثال، في قضية إليس وسيمز ومارتن ضدّ المملكة المتحدة، رأت المحكمة أنه يجب توفر المعايير الثلاثة التالية حتى لا تكون شهادات الشهود على حساب الحق في محاكمة عادلة: أولا: ما إذا كانت توجد أسباب كافية لعدم الكشف عن هويتهم، وثانيًا: ما إذا كانت الأدلة التي سيقدمها الشهود الذين لن يُكشف عن هويتهم الدليل الوحيد، أو أهم دليل، سيتم اعتمادها في الإدانة، وثالثًا: ما إذا كانت توجد عوامل موازية كافية، بما في ذلك وجود ضمانات إجرائية قوية، للقيام بتقييم عادل وسليم لمصداقية الأدلة.

 

وفي قضية فان ميشلان ضدّ هولندا، نظرت المحكمة الأوروبية في إدانة في قضية محاولة قتل وسرقة اعتمدت على أدلة قدمها رجال شرطة لم يُكشف عن هويتهم. وعبرت المحكمة عن بالغ قلقها، وأكدت على وجود مخاطر تتعلق بعدم الكشف عن هوية الشهود عندما يكونون أعوان للدولة:

 

تُثير الموازنة بين مصالح الدفاع والحجج التي تدعم عدم الكشف عن هوية الشهود إشكاليات عندما يكون الشهود عناصر أمن تابعين للدولة. ورغم أنه يجب حماية مصالحهم، ومصالح عائلاتهم، يجب أيضًا الاعتراف أن وضعهم يختلف قليلا عن وضع شاهد أو ضحية ليس له أي مصلحة. فهم محكومون بواجب الطاعة للسلطات التنفيذية، وكثيرًا ما تربطهم علاقات بجهاز الادعاء. لهذه الأسباب، لا يجب استخدامهم كشهود مجهولي الهوية إلا في حالات استثنائية.

 

اعتبر المجلس الأوروبي، في التوصية رقم (97) 13 إلى الدول الأعضاء في ما يتعلق بترهيب الشهود والحق في الدفاع أنه:

 

يجب أن يكون عدم الكشف عن هوية الأشخاص الذين يقدمون أدلة، حيثما كان ذلك متاحًا ووفقا للقانون المحلي، إجراءً استثنائيًا. وعندما يكون طلب عدم الكشف عن الهوية مقدمًا من قبل الأشخاص المعنيين، أو هو ممنوح بشكل مؤقت من قبل السلطات المختصة، يجب أن يضمن قانون الإجراءات الجزائية توازنًا بين الحاجة إليه كإجراء قضائي وحقوق الدفاع. كما يجب أن يتمتع الدفاع، عبر هذا الإجراء، بفرصة الاعتراض على الحاجة المزعومة لعدم الكشف عن هوية الشاهد، ومدى مصداقيته، ومصدر معلوماته.

 

كما أكّد المجلس على أن لا تعتمد الإدانة بشكل كامل، عند عدم الكشف عن الهوية، على الأدلة التي يقدمها هؤلاء الأشخاص.

 

إجراءات خاصة بالتحقيق

 

يتضمن مشروع القانون قسمًا يتعلق بإجراءات خاصة بالتحقيق في عمليات مكافحة الإرهاب، مثل المراقبة. وينص على أنه يحق للنيابة العمومية أو قاضي التحقيق إصدار أمر كتابي يلتمس مراقبة الاتصالات الشخصية لشخص ما لمدة زمنية لا تتجاوز أربعة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك بالتنصت على الهاتف أو بـ "وضع عُدّة تقنية تهدف إلى التقاط وتثبيت ونقل وتسجيل كلام وصورة شخص أو عدة أشخاص بصفة سرية ودون علمهم بأغراضهم الشخصية أو بأماكن أو عربات خاصة أو عمومية". كما ينص مشروع القانون على حماية المعلومات التي يتم جمعها، إذا لم تؤدي إلى إجراءات أو عقوبات جنائية، عملا بقانون المعلومات والبيانات الشخصية المعمول به في تونس.

 

قد يكون لهذه الأحكام القانونية انعكاسات هامة على الحق في الخصوصية كما هو مكفول في المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أوصى المقرر الخاص السابق في أحد تقاريره إلى مجلس حقوق الإنسان بـ:

 

أنه ينبغي فيما يخص أي تدخل في الحق في الخصوصية أو الأسرة أو المراسلات أن تأذن به أحكام القانون التي تتاح للجميع، وتكون على وجه الخصوص دقيقة ومتناسبة مع التهديد الأمني، وأن تقدم ضمانات فعالة ضدّ التجاوزات. وينبغي أن تضمن الدول استخدام السلطات المختصة لأساليب تحقيق أقل تطفلا إذا كانت هذه الأساليب تمكن من كشف جريمة إرهابية أو منعها أو ملاحقتها بفاعلية كافية. وينبغي هيكلة سلطة صنع القرار بحيث كلما زاد حجم التعدي على الخصوصية، ارتفع مستوى الإذن المطلوب.

 

كما قال أيضًا:

 

يجب إنشاء ولايات رقابة قوية ومستقلة لاستعراض السياسات والممارسات من أجل ضمان وجود رقابة قوية على استخدام تقنيات المراقبة المتطفلة ومعالجة المعلومات الشخصية. ولذلك يجب أن لا يكون هناك نظام سري للمراقبة لا يخضع لاستعراض هيئة رقابية، ويجب الحصول على إذن من هيئة مستقلة في جميع التدخلات.

 

يبدو أن الفصول المتعلقة بإجراءات التحري الخاصة لا تتوافق مع هذا الشرط بطريقتين اثنتين. أولا: لا يحدد مشروع القانون الظروف التي يُسمح فيها بالمراقبة، ويكتفي بالعبارة الفضفاضة "في الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث...". ويُعتبر هذا انزياح عن شرط السماح بالتدخل في الخصوصية فقط في ظروف استثنائية، وفي الحالات التي توجد فيها شُبهة ذات مصداقية بإمكانية وقوع هجمات إرهابية.

 

ثانيًا، يمنح مشروع القانون للنيابة العمومية وقاضي التحقيق ولاية الإشراف على التنصت، والمراقبة، وغيرها من تقنيات التحري. وعملا بالقانون التونسي، تخضع النيابة العمومية لإشراف السلطة التنفيذية. وينص الفصل 22 من مجلة الإجراءات الجزائية في تونس على أن "الوكيل العام للجهورية مكلف تحت إشراف كاتب الدولة للعدل بالسهر على تطبيق القانون الجنائي بكامل تراب الجمهورية". ولذلك لا يُمكن اعتبار النيابة العمومية سلطة مستقلة بشكل كامل لمراقبة الشرطة.

 

أوجه التحسن مقارنة بقانون 2003 والنسخ السابقة من مشروع القانون

 

تضمّن مشروع القانون أوجه تحسن مقارنة بقانون 2003 وبنسخ سابقة منه.

 

عدم الإعادة القسرية: كانت نسخة سابقة من مشروع القانون تنص على طرد كل أجنبي تمت محاكمته وإدانته بأعمال إرهابية على التراب التونسي بمجرد انقضاء عقوبته في السجن. أثار هذا النص القانوني قلقًا من احتمال ترحيل أشخاص إلى بلدان قد يتعرضون فيها إلى التعذيب أو معاملة أو عقوبة لاإنسانية أو مهينة. أما في مشروع القانون الجديد، فينص الفصل 82 على عدم الطرد أو الترحيل "إذا توفرت أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأن الشخص موضوع طلب التسليم سيكون في خطر التعرض للتعذيب أو أن طلب التسليم يرمي إلى تتبع أو عقاب شخص بسبب عنصره أو لونه أو أصله أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية".

 

التعويض للضحايا: ستقوم اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب بالتنسيق مع السلطات المعنية لتوفير الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية اللازمة لضحايا الإرهاب الذين سيتمتعون برعاية صحية مجانية في المستشفيات، وسيتلقون مساعدة قانونية خاصة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة