في حكم بعيد كل البعد عن الأحكام القانونية المعتادة، أيّد قسم شؤون الأسرة في المحكمة العليا البريطانية المزاعم المتعلقة بالسلوك التعسفي للأشخاص الذين يعملون لصالح حاكم دبي. هذا الحكم سلّط الضوء على تجاهل دولة الإمارات المطلق لسيادة القانون، داخل حدودها وخارجها.
المحكمة التي نظرت في قرارات متعلقة باثنين من أطفال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الصغار من زوجته السابقة الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، أقرّت المزاعم طويلة الأمد عن مسؤولية الشيخ، الذي يشغل أيضا منصب رئيس وزراء الإمارات، عن اختطاف اثنتين من بناته الأكبر سنا خارج البلاد، وأسْرِهما في الإمارات منذ ذلك الحين.
أيّدت المحكمة المزاعم بأنّ الشيخ دبّر اختطاف ابنته الشيخة شمسة بن محمد آل مكتوم (20 عاما) لما كانت في سنّ 19. خلُص حُكم تقصّي الحقائق إلى أن رجاله اختطفوا شمسة من شوارع كامبردج في المملكة المتحدة، ونقلوها بمروحية إلى فرنسا، ثم بطائرة خاصة إلى دبي، حيث لا تزال في الأسر.
ظهرت محنة شمسة للأضواء مرة أخرى العام الماضي لما حاولت شقيقتها الصغرى الشيخة لطيفة الفرار مرتين من قبضة والدها، لكن دون جدوى. بعد محاولة الهروب الأخيرة للطيفةـ التي انتهت بالقبض عليها قبالة سواحل غوا على يد قوات هندية تعمل بالتنسيق مع الإمارات، تمّ تحميل فيديو مسجل مدته 40 دقيقة على "يوتيوب" قالت فيه لطيفة "إن كنتم تشاهدون هذا... فإمّا أنا ميتة، أو أنني في وضع سيء جدا جدا جدا". تحدثت لطيفة في الفيديو عن محاولة فرارها السابقة، والحبس المستمر لشقيقتها شمسة، ورغبتها في الفرار من قبضة والدها.
عرضت المحكمة بالتفصيل حملة الترهيب والمضايقات "المرعبة جدا" التي شنها الشيخ ضدّ الأميرة هيا، بما في ذلك التهديد بأخذ طفليها منها أثناء عيشها في بريطانيا. بحسب شهادتها، قال لها في مايو/أيار "أنت وأطفالك لن تكونوا أبدا في أمان في إنغلترا".
أوضح الحكم أن قادة الإمارات مستعدون تماما لاستخدام موارد الدولة لتهديد وإساءة معاملة واضطهاد وسجن كل من يخرج عن الخطّ، عبر استغلال ثقافة الافلات من العقاب الراسخة. هذه الانتهاكات تتناقض مع استراتيجية الإمارات الطويلة الأمد في محاولة تصوير نفسها كبلد متسامح وتقدمي على الساحة العالمية.
على امتداد السنوات الـ 15 الماضية، وثقت "هيومن رايتس ووتش" بشكل متكرر الانتهاكات الخطيرة والمنهجية لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات الإماراتية. ارتكبت الإمارات أعمال إخفاء قسري، واحتجاز تعسفي، وتعذيب في حق إماراتيين ومقيمين بسبب أعمال بسيطة مثل الانتقاد والسلمي للحكام وسياساتهم على الانترنت. أعطت أيضا الضوء الأخضر لجهاز أمن الدولة سيء السمعة ليمارس الرقابة والترهيب والتهديد والمضايقات بلا هوادة في حق عائلات النشطاء السجناء والمنفيين. لا يزال أحمد منصور، الناشط الحقوقي الحائز على جوائز، يقبع خلف القضبان لقضاء عقوبة السجن لمدة عشر سنوات التي صدرت ضده في مايو/أيار 2018 بعد محاكمة جائرة.
خارج حدودها، راكمت الإمارات سجلا حافلا من الانتهاكات الخطيرة في أماكن مثل اليمن، حيث ذكرت تقارير أن قواتها ووكلائها المحليين المسلحين ارتكبوا اعتداءات جنسية وتعذيب في حق سجناء، ويديرون منشآت احتجاز غير رسمية تحبس فيها مدنيين اختفوا قسرا، دون أدنى مساءلة. في السنوات الأخيرة، استثمرت أيضا بشكل كبير في تطوير قدراتها في المراقبة الالكترونية الواسعة أصلا، والتي استخدمتها لاستهداف نشطاء حقوقيين بارزين، وصحفيين أجانب، وحتى زعماء من العالم.
قرار المحكمة البريطانية بتأييد مزاعم الاختطاف، والإعادة القسرية، والحبس لأجل غير مسمى يُعتبر غير مسبوق. لكن من غير المرجّح أن يواجه الشيخ والآخرون أي عواقب قانونية في الإمارات جرّاء هذه الأعمال.
هذه الانتهاكات لن تنتهي ما لم يحصل إصلاح حقيقي ومحاسبة. يتعين على المجتمع الدولي الضغط من أجل حرية شمسة ولطيفة، ودعوة الإمارات إلى التحقيق في عمليات الاختطاف وغيرها من مزاعم التعذيب أثناء الاحتجاز. ينبغي للدول الأخرى أيضا أن تتعامل بجدية مع التقارير المتعلقة بعمليات الاختطاف التي ترعاها الدولة على أراض أجنبية.
دون عواقب، سيستمر قادة الإمارات في ارتكاب الانتهاكات الخطيرة دون خجل. إذا كانت الأميرات عاجزات عن الفرار من قمع الإمارات الطويل والقاسي، فأي أمل بقي للإماراتيين والمقيمين العاديين؟