يمارس الرئيس رجب طيب أردوغان، وحكومته الائتلافية البرلمانية بقيادة حزبه "العدالة والتنمية"، سيطرة شديدة على وسائل الإعلام، والمحاكم، ومعظم مؤسسات الدولة، ويهمشون بانتظام منتقدي الحكومة أو يعاقبونهم. كما أدت الانقسامات السياسية، وصراعات القوة داخل المحاكم العليا في تركيا، والتقارير المتزايدة عن الفساد داخل الدولة والقضاء، إلى تقويض حقوق الإنسان وسيادة القانون. استمرت السلطات، بما فيها المحاكم، في تجاهل أو رفض أحكام "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" الملزمة، التي وجدت تركيا منتهِكة لقوانينها، ما أدى إلى استمرار الانتهاكات الخطيرة. استمرت أزمة كلفة المعيشة في 2024، حيث أفاد "معهد الإحصاء التركي" بمعدل تضخم سنوي بلغ 47% في نوفمبر/تشرين الثاني.
شهدت الانتخابات المحلية في مارس/آذار تحقيق "حزب الشعب الجمهوري"، أبرز حزب معارض، أكبر مكاسب ضد حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، منذ أكثر من عقدين، بحصوله على 37.8% من الأصوات على المستوى الوطني مقابل 35% لحزب العدالة والتنمية، واحتفظ ببلديتي إسطنبول وأنقرة.
حرية التعبير
تمتد سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام إلى محطة البث العامة "تي آر تي" وخدمة الأنباء العامة "وكالة الأناضول"؛ كما أن أغلب قنوات الأخبار التلفزيونية ووسائل الإعلام المطبوعة موالية للحكومة. تعمل وسائل الإعلام المستقلة في تركيا بشكل رئيسي عبر منصات الإنترنت.
تأمر السلطات بانتظام بحظر المواقع الإلكترونية والمنصات، أو إزالة المحتوى النقدي على الإنترنت أو التغطية الإخبارية السلبية المتعلقة بالمسؤولين الحكوميين، والشركات، والرئيس وعائلته، وأعضاء السلطة القضائية. وعادة ما يستشهدون بأسباب غير محددة مثل تهديد الأمن القومي أو النظام العام أو انتهاك الحقوق الشخصية. وجدت قرارات "المحكمة الدستورية" المنشورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 ويناير/كانون الثاني 2024 أن مادتين من قانون الإنترنت رقم 5651 الذي يسمح بحظر أو إزالة المحتوى على هذه الأسس، ينتهك الحق في حرية التعبير؛ حيث ألغى قرار يناير/كانون الثاني المادة المتعلقة بانتهاكات الحقوق الشخصية.
تُصدر المحاكم في كثير من الأحيان أوامر بحظر عدة حسابات في حُكم واحد. أعلن مشروع"إنغلي ويب"التابع لـ "جمعية حرية التعبير" أن تركيا حظرت، حتى نهاية مارس/آذار، أكثر من مليون موقع على الإنترنت منذ تطبيق قانون الإنترنت في 2007.
في 2 أغسطس/آب، حظر المسؤولون الأتراك، دون إبداء أسباب محددة، منصة إنستغرام بالكامل لثمانية أيام بعدما انتقد مدير الاتصالات في الرئاسة إزالة شركة "ميتا" لرسائل التعزية بشأن رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، إسماعيل هنية، الذي قُتل في 31 يوليو/تموز.
كما حُظرَت منصتي الإنترنت الإخباريتين "دويتشه فيله" و"فويس أوف أمريكا" إلى أجل غير مسمى في تركيا منذ يونيو/حزيران 2022 لرفضهما الحصول على تراخيص، لأن الحصول عليها قد يعرضهما لغرامات وعقوبات تعسفية تصدرها هيئة مراقبة البث في تركيا بانتظام بحق محطات البث عبر الإنترنت غير الموالية للحكومة.
يواجه الصحفيون بانتظام محاكمات بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وكذلك بموجب تهم التشهير الجنائية والقوانين الأخرى. يُستهدف الصحفيون الأكراد بشكل غير متناسب، في يوليو/تموز، أدانت محاكمة في أنقرة شملت 11 صحفيا كرديا ثمانية منهم بتهمة "العضوية في منظمة إرهابية"، وحُكم على كل منهم بالسجن ست سنوات وثلاثة أشهر، وقد استأنف المدانون ضد الأحكام. وما تزال محاكمة 20 صحفيا وإعلاميا كرديا في ديار بكر بنفس التهم مستمرة. في وقت كتابة هذا التقرير، كان 21 صحفيا وإعلاميا على الأقل في الحبس الاحتياطي أو يقضون أحكاما بالسجن بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية بسبب عملهم الصحفي أو صلاتهم بوسائل إعلامية.
حرية التجمع وتكوين الجمعيات
يواجه آلاف الأشخاص الاحتجاز والتحقيق والمحاكمات الجائرة بتهم الإرهاب بسبب صلاتهم المزعومة بحركة يقودها رجل الدين المتوفى فتح الله غولن، الذي كان مقيما في الولايات المتحدة، والتي تعتبرها الحكومة منظمة إرهابية مسؤولة عن محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو/تموز 2016. وقد واجه الكثيرون السجن المطول والتعسفي بدون أي سبيل انتصاف فعال بعد صرفهم الجماعي من وظائفهم الحكومية والقضائية. أعلن وزير العدل في يوليو/تموز أن 13,251 شخصا محتجزا ومدانا بزعم أنهم أعضاء في الحركة، ما زالوا في السجن.
لم تنفذ السلطات التركية حتى الآن حكما رئيسيا صادرا عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يفيد بأن إدانة المعلم السابق يوكسل يالجينكايا بتهمة "العضوية في منظمة إرهابية"، بسبب وجود تطبيق "باي لوك" على هاتفه، وهو تطبيق يُزعم أن أتباع غولن يستخدمونه، كانت تطبيقا تعسفيا للقانون ينتهك مبدأ الشرعية. كما وجد الحكم انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة، وحق حرية تكوين الجمعيات، وحَكَم بأن تركيا بحاجة إلى تنفيذ تدابير عامة لمعالجة الانتهاكات. كانت هناك حوالي 8 آلاف قضية مماثلة أمام محكمة ستراسبورغ وقت كتابة هذا التقرير. تجاهلت محكمة محلية، خلال إعادة محاكمة يالجينكايا في سبتمبر/أيلول، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأدانته مرة أخرى بنفس التهم.
تحظر السلطات الإقليمية بانتظام الاحتجاجات والتجمعات للدوائر الانتخابية المنتقدة الحكومة، وغالبا ما تنتهك أحكام المحاكم المحلية التي تخلص إلى أن هذا الحظر غير متناسب. تحتجز الشرطة بعنف المتظاهرين المرتبطين بجماعات يسارية أو كردية.
الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان
ما يزال عثمان كافالا، وجيغدم ماتر، وجان أتالاي، ومينه أوزردن، وطيفون قهرمان، المعروفون بنشاطهم في المجتمع المدني، في السجن بعد إدانتهم بتهم لا أساس لها بتنظيم احتجاجات حديقة غيزي في 2013 ومحاولة الإطاحة بالحكومة. احتجز كافالا تعسفا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، والآخرون منذ إدانتهم في أبريل/نيسان 2022. تجاهلت تركيا قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي أمر بالإفراج عن كافالا، ما دفع محاميه إلى تقديم طعن جديد أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في يناير/كانون الثاني 2024 بشأن استمرار انتهاك حقوقه.
في يناير/كانون الثاني، جُرِّد المحامي الحقوقي جان أتالاي من المقعد البرلماني الذي فاز به كعضو في "حزب العمال" التركي في انتخابات مايو/أيار 2023، رغم الأحكام النهائية التي أصدرتها المحكمة الدستورية بالإفراج عنه لتولي منصبه المنتخب. أثارت القضية أزمة كبرى في القضاء، حيث اتخذت محكمة النقض خطوة غير مسبوقة برفض قرارين للمحكمة الدستورية وطلب التحقيق الجنائي مع أعضاء المحكمة.
سحبت الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني، مشروع قانون التجسس وتعهدت بتعديله. أبدت جماعات حقوقية وصحفيون مخاوفهم من أن مشروع القانون يسعى إلى توسيع تعريف التجسس بطريقة غامضة بحيث يمكن استخدامه لتجريم العمل المشروع الذي تقوم به جماعات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.
التعذيب وسوء المعاملة في الحجز
في يوليو/تموز، استعرضت "لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" الوضع في تركيا لأول مرة منذ الارتفاع الملحوظ في التعذيب وسوء المعاملة الذي أعقب محاولة انقلاب 2016 العسكري. أثارت الملاحظات الختامية للجنة مخاوف من أن مزاعم التعذيب وسوء المعاملة تحدث "بصورة عامة، ولا سيما في مراكز الاحتجاز"، وأن أعمال التعذيب "كثيرا ما تصنف في إطار جرائم أخرى" عند مقاضاة مرتكبيها.
شملت التوصيات إنهاء ممارسة تكبيل اليدين بالأصفاد وراء الظهر، والتي تستخدمها الشرطة بشكل كبير، وإنهاء "جميع عمليات الترحيل والتسليم خارج نطاق القضاء، بما في ذلك في حالة الأفراد الذين ينتمون فعلا أو يعتق أنهم ينتمون" لحركة غولن. وأوصت اللجنة بإلغاء عقوبة السجن المؤبد بظروف مشددة، والتي تشكل "حبسا انفراديا بحكم الواقع" وعدم وجود احتمال للإفراج.
النزاع الكردي وقمع المعارضة
تركز تركيا حملتها العسكرية ضد "حزب العمال الكردستاني" المسلح بضربات جوية، وطائرات مسيّرة في شمال العراق، معقل الحزب، وفي شمال شرق سوريا ضد "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة الأكراد والتي تدعمها الولايات المتحدة. استهدفت الضربات الجوية التركية مرافق مدنية، ما عرّض سبل العيش للخطر، وحرم المجتمعات من الكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى.
تواصل تركيا خلال 2024، وفي وقت كتابة هذا التقرير، بعد انهيار حكم الرئيس السوري بشار الأسد، احتلال الأراضي في شمال سوريا بهدف معلن هو حماية نفسها ضد الإدارة الكردية السورية الفعلية والجماعات المسلحة المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني. لم تحد السلطات التركية من الانتهاكات التي يرتكبها وكلاؤها من "الجيش الوطني السوري" والشرطة العسكرية في الأراضي المحتلة. تعرض الأكراد والعرب في تلك المناطق للاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي، والمحاكمات العسكرية الجائرة. هُجِّر الآلاف قسرا، وتعرضت ممتلكاتهم وأراضيهم وأعمالهم للاستيلاء.
يقبع مئات النشطاء الأكراد وأعضاء البرلمان السابقين ورؤساء البلديات ومسؤولي الحزب في السجون التركية أو يقضون أحكاما بعد إدانتهم بجرائم إرهابية بسبب أنشطتهم السياسية المشروعة غير العنيفة وخطبهم ومنشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. من بينهم الرئيسان المشاركان السابقان لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش وفيغن يوكسكداغ، المسجونان منذ 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2016؛ وفي مايو/أيار، أدينا بالسجن لفترات طويلة رغم أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإطلاق سراحهما فورا.
في أكتوبر/تشرين الأول، دعا زعيم "حزب الحركة القومية" اليميني المتطرف، المتحالف مع حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، إلى مراجعة حكم السجن المؤبد دون إفراج مشروط الصادر بحق زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والذي قضى منه 25 عاما، وحتى إطلاق سراحه المحتمل، إن دعا أوجلان إلى تفكيك حزب العمال الكردستاني. لم يتطرق الاقتراح إلى انتهاك حقوق الأكراد، والذي يكمن في قلب الصراع المستمر منذ عقود بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني. كما أن الوضع المتطور في سوريا سيكون عاملا مهما في أي حل مستقبلي للصراع الكردي.
وبحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني، أقالت الحكومة اثنين من رؤساء البلديات من حزب الشعب الجمهوري وخمسة من "حزب اليسار الأخضر" الذين انتُخبوا في انتخابات مارس/آذار، مستشهدة بمحاكمات الإرهاب أو التحقيقات ضدهم. وكانت هذه المرة الثالثة التي استولى فيها ائتلاف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية على البلديات الكردية في الجنوب الشرقي، ولكنها المرة الأولى التي يُقال فيها رؤساء بلديات أكراد من حزب الشعب الجمهوري، أو يعتقل كما في حالة رئيس بلدية اسن يورت في إسطنبول.
اللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون
تستمر تركيا في استضافة أكبر عدد من اللاجئين في العالم. حتى ديسمبر/كانون الأول، كان 2.9 مليون سوري يتمتعون بوضع الحماية المؤقتة. تعتبر الحكومة التركية في الغالب الأشخاص القادمين من أفغانستان والعراق ودول أخرى غير أوروبية مهاجرين غير نظاميين وتفرض قيودا صارمة على السبل المتاحة لهم لتقديم طلب حماية دولية، وترحّل باستمرار مجموعات كبيرة وتنشر إحصاءات تُظهر ذلك، وتنفذ عمليات صد جماعية على الحدود بدون احترام الإجراءات الواجبة. استمرت عمليات الترحيل غير القانونية للرجال وبعض الأولاد إلى شمال سوريا، غالبا بعد إجبارهم على التوقيع على نماذج العودة الطوعية.
كما استمر العنف المعادي للأجانب ضد السوريين وسط عداء متزايد للاجئين، والذي أججته الأحزاب السياسية التي تستغل القضية بانتظام في خطابها السياسي. في يوليو/تموز، هاجمت حشود في مدينة قيصرية متاجر وسيارات السوريين وقتل حشد في أنطاليا صبيا سوريا (17 عاما).
حقوق المرأة
انعكس تأثير انسحاب تركيا في 20 مارس/آذار 2021 بموجب مرسوم رئاسي من "اتفاقية مجلس أوروبا بشأن منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي" (اتفاقية اسطنبول) في استمرار الحكومة في التقاعس عن اتخاذ تدابير كافية للحد من ارتفاع حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي وجرائم قتل النساء في تركيا. وبينما أعلن وزير الداخلية في يوليو/تموز أن 166 امرأة من ضحايا العنف قُتلن على أيدي رجال في الأشهر الستة الأولى من 2024، فإن البحث الذي أجرته منظمة "بيانيت" الإعلامية المستقلة رفع الرقم إلى 193.
التوجه الجنسي والهوية الجندرية
تستخدم حكومة أردوغان وأحزاب المعارضة المحافظة الدينية بانتظام خطابا سياسيا تمييزيا يشكل خطاب كراهية المناهض للمثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين) بحجة تعزيز القيم الأسرية، ومحاولة جذب قواعد الناخبين المحافظين وإثارة الاستقطاب المجتمعي. أدى ذلك إلى تعريض مجتمع الميم-عين لخطر كبير. حُظر مهرجان "إسطنبول برايد" للعام العاشر على التوالي وفَرضت العديد من المدن التركية حظرا مماثلا.
التغير المناخي، السياسات والآثار
رغم التصديق على "اتفاقية باريس" في 2021 والاستعداد لتحديث أهدافها الضعيفة للتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، تجعل الثغرات في سياسة المناخ والافتقار إلى خطط للانتقال العادل من غير الواضح ما إذا كانت تركيا ستتمكن من تحقيق هدفها بصافي انبعاث صفري بحلول 2053 أو الموعد النهائي لـ "الاتحاد الأوروبي" لعام 2026 لتطبيق آلية تعديل حدود الكربون.
لم تلتزم تركيا بعد بالتخلص التدريجي من الفحم ولديها خطط لتوسيع واحدة من أقدم محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وأكثرها تلويثا في البلاد في مقاطعة قهرمان مرعش في جنوب شرق البلاد. ولا تلبي لوائح مكافحة تلوث الهواء معايير "منظمة الصحة العالمية" ولا تتوافق تماما مع معايير الاتحاد الأوروبي.