(بيت فجار، الضفة الغربية) – أغلقت السلطات العسكرية الإسرائيلية نحو 35 محجرا فلسطينيا في الضفة الغربية أواخر مارس/آذار، وصادرت معدات تُقدر بملايين الدولارات. هذه الحملة التي شلّت حركة العمل بالمحاجر تعرض نحو 3500 عامل لخطر فقدان مصدر العيش، وتسلط الضوء على الطبيعة التمييزية للقوانين الإسرائيلية تجاه مقالع الحجر الفلسطينية. لم يتمكن الفلسطينيون أصحاب المقالع من استصدار تصاريح جديدة منذ أكثر من 20 عاما.
أغلقت السلطات العسكرية المقالع القريبة من قرية بيت فجار في 21 مارس/آذار بعد 4 أيام من طعن 2 من سكان القرية لجندي إسرائيلي وإصابته. توقيت الإغلاق وكثرة المقالع المغلقة يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإجراء عقابا جماعيا، وهو الأمر الذي يحظره القانون الدولي.
قالت ساري بشي، مديرة مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: "وعد الجيش الإسرائيلي بتيسير التنمية الاقتصادية الفلسطينية، لكن بدلا من ذلك ها هو يخنق صناعة يديرها الفلسطينيون في الضفة الغربية، مع دعم نفس الصناعة في المستوطنات الإسرائيلية".
تبريرا للإغلاق قال الجيش الإسرائيلي لـ هيومن رايتس ووتش – وهو يحكم الضفة الغربية المحتلة منذ نحو 50 عاما – في رسالة إن المقالع كانت تعمل دون تصاريح وتمثل تهديدا للسلامة ومخاطر بيئية. لكن منذ 1994 رفض الجيش بشكل ممنهج إصدار تصاريح للمقالع الفلسطينية، رغم تخصيصه مساحات كبيرة من الأرض في الضفة الغربية لمقالع المستوطنات الإسرائيلية في خرق للقانون الدولي.
قالت هيومن رايتس ووتش إن إصدار التصاريح للمقالع الفلسطينية ثم تطبيق معايير سلامة وبيئة معقولة هو السبيل المناسب للتصدي لأية اعتبارات بيئية أو ما يتعلق بالسلامة، وليس الحرمان التعسفي من التصاريح ثم إغلاق المقالع غير المرخصة.
يثير توقيت الإغلاق تساؤلات حول احتمال لجوء السلطات الإسرائيلية لمعاقبة سكان القرية على أعمال لم يرتكبوها. داهم الجيش المقالع الفلسطينية وصادر معدات قيمتها ملايين الدولارات بعد 4 أيام من قيام اثنين من سكان بيت فجار – وهي قرية قريبة من بيت لحم – بطعن وإصابة جندي إسرائيلي شمالي الضفة الغربية. آخر مرة داهم فيها الجيش المقالع وصادر المعدات في المنطقة كانت في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد 3 أيام من قيام أحد سكان بيت فجار بقتل امرأة إسرائيلية قرب تقاطع غوش إتسيون.
قالت هيومن رايتس ووتش إن قتل أحد المارة جريمة خطيرة يجب محاسبة المسؤولين عنها، لكن على السلطات الإسرائيلية ألا تعاقب من لا صلة لهم بهذه الجريمة.
فيما يخص التوقيت، قالت السلطات العسكرية: "تم تنفيذ العملية ما إن توفرت جميع الظروف اللازمة للتنفيذ، بما يشمل الموارد اللازمة، وبحسب الأولويات القائمة". يحظر القانون الدولي الإنساني المنطبق في الأراضي المحتلة معاقبة أفراد على أعمال لم يرتكبوها، ويطالب إسرائيل بتيسير الحياة المدنية العادية للفلسطينيين قدر الإمكان، بما يشمل التنمية الاقتصادية.
في حين سبق وأعاد الجيش المعدات المُصادرة بعد دفع ملاكها لغرامات باهظة، فهو يرفض الآن رد أغلب المعدات حتى إلى من دفعوا الغرامات. قال روني سلمان، محام يمثل بعض ملاك المقالع، لـ هيومن رايتس ووتش، إن الجيش يشترط لإعادة المعدات تسديد رسوم الاستخراج بأثر رجعي، على الأحجار المستخرجة على مدار السنوات الثلاث والنصف الماضية مع التعهد بعدم فتح المقالع مرة أخرى. أكد الجيش الإسرائيلي في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش إنه يطالب بالرسوم بأثر رجعي.
في تقرير صدر في يناير/كانون الثاني بعنوان "تجارة الاحتلال"، أوصت هيومن رايتس ووتش بأن تكف الشركات نشاطها، سواء كانت داخل المستوطنات أو معها. وثق التقرير المعاملة الإسرائيلية التفضيلية للمقالع بالمستوطنات على حساب مقالع الفلسطينيين، كمثال على كيف تؤدي السياسات التمييزية الإسرائيلية إلى تقويض التنمية الاقتصادية الفلسطينية في المنطقة ج من الضفة الغربية، حيث للجيش الإسرائيلي سيطرة أمنية وإدارية كاملة، مع التشجيع على نمو المستوطنات والنشاط الاستيطاني.
رخص الجيش لـ 11 مقلعا بإدارة إسرائيلية، توفر مجتمعة 25 بالمائة من مواد البناء المستخلصة من المقالع اللازمة للاقتصاد الإسرائيلي واقتصاد المستوطنات، وتسدد رسوم الاستخراج للإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي فرع من الجيش الإسرائيلي، والضرائب لبلديات المستوطنات. استغلال إسرائيل للموارد الطبيعية لصالح الاقتصاد الإسرائيلي يخرق التزامات إسرائيل كقوة احتلال.
قالت بشي: "للمرة الثانية خلال 4 شهور، بعد طعن سكان في بيت فجار لإسرائيليين، تغلق السلطات العسكرية الإسرائيلية المقالع الخاصة بأفراد لا علاقة لهم بالهجمات. على إسرائيل تيسير التنمية الاقتصادية الفلسطينية، لا إخضاعها لظروف تثير تساؤلات حول ارتكاب أعمال عقاب جماعي".
إغلاق المقالع الفلسطينية
قابلت هيومن رايتس ووتش ملاك مقالع فلسطينيين وعمالا، ومحاميا إسرائيليا يمثلهم وممثلين عن "اتحاد الحجر والرخام" الفلسطيني. تفقدت المقالع واطلعت على أوامر المصادرة العسكرية وإيصالات سداد الغرامات وإحصاءات مجمعة نشرتها الحكومة الإسرائيلية. كما التمست هيومن رايتس ووتش ردا من الإدارة المدنية (تتبع الجيش الإسرائيلي) ونالت الرد.
قال ملاك المقالع والعمال إن في الساعات الأولى من صباح 21 مارس/آذار داهم جنود إسرائيليون منطقة المقالع في بيت فجار، التي فيها نحو 35 مقلعا مفتوحا.
قال خليل أبو حسين (عامل مقالع عمره 23 عاما): "في السادسة صباحا ذهبت إلى العمل. أغلقت البوابة ودخلت ماكينة الحفر وشغلتها. ثم شعرت بشيء يكسر النافذة. كانوا يختبؤون داخل المقلع. كانوا 8، حطموا النافذة".
قال أبو حسين إن الجنود أمروه بإعادة تشغيل المُعدة، على ما يبدو لتيسير مصادرتها. عندما رفض ضربوه على ظهره وجذعه بأيديهم وكعوب البنادق.
قال أحد مُلاك المقالع، عابد الطويل، إن الجنود حذروهم أنهم سيصادرون معدات إضافية إذا أعيد تشغيل المقلع. قال إن الجنود أخذوا معدتي استخراج ومُعدة حفر من المقلع ومشغل الأحجار الذي يملكه، ويوظف نحو 45 شخصا وهو الآن مغلق فعليا. قال إنه فقد ثقة زبائنه الذين يطالبون بالمواد الخام التي قدموا طلبات بها.
قال شادي طقاطقة، وهو مالك مقلع آخر، إن الجنود صادروا معدة حفر وعربة مليئة بمعدات ثمينة. قبل المداهمة كان قد قلل من أنشطة العمل واقتصر استخراج الحجارة على الأيام التي يعتقد أن الجنود يُرجح ألا يداهموا فيها المقلع، بما يشمل عطلات نهاية الأسبوع. قال إنه الآن لا يمكنه العمل بالمرة. أظهر طقاطقة لـ هيومن رايتس ووتش إيصالات بمبلغ 4922 شيكل (1300 دولار) غرامات سددها منذ 21 مارس/آذار، لكن قال إن الجيش ما زال يتحفظ على أغلب معداته.
أحمد ثوابتة (62 عاما) أبعد معداته قبل مجيئ الجنود، لكنه قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه بدوره توقف عن العمل بالمقلع خشية المصادرة. ثوابتة تربطه صلة قرابة بعيدة بالشخص الذي قتل امرأة إسرائيلية في نوفمبر/تشرين الثاني، وأثناء مداهمة الجيش صادر الجنود معداته منه. اطلعت هيومن رايتس ووتش على أمر المصادرة الذي تلقاه في 25 نوفمبر/تشرين الثاني وسببه "استخراج الحجارة بشكل غير قانوني، دون ترخيص".
أفاد المُلاك بأنهم حاولوا مرارا استصدار تصاريح لاستخراج الحجارة منذ التسعينيات، لكن تجاهلت الإدارة المدنية طلباتهم أو رفضتها. جابر ثوابتة ابن أحد الملاك، قال إن أسرته لديها ترخيص محاجر صادر قبل 1994، لكن في 2012 رفضت الإدارة المدنية تجديده. قال جابر ثوابتة إن أثناء الأعوام التي كان الترخيص ساريا فيها، وكانوا يسددون مقابل الترخيص 1000 شيكل (263 دولارا) في السنة، لم تجر الإدارة المدنية أعمال تفتيش ولم تطلب إجراءات لتحسين التدابير البيئية أو تدابير السلامة.
بحسب اتحاد الحجر والرخام الفلسطيني، فمنذ 1994 لم تصدر إسرائيل تصريحا جديدا واحدا لمحاجر فلسطينية بالمنطقة ج، التي تغطي نحو 60 بالمائة من مساحة الضفة الغربية وفيها أغلب المقالع. توظف صناعة المقالع في بيت فجار 3500 شخص، بحسب صبحي ثوابتة، رئيس الاتحاد، وأغلب أنشطة العمل بالمقالع تتم دون تراخيص. بناء على معلومات من الإدارة المدنية، والبنك الدولي، وملاك المقالع ومسؤولي الاتحاد، قدرت هيومن رايتس ووتش أن هذه الصناعة في بيت فجار – وتشمل المقالع ومصانع الحجارة – تقدر بـ 25 مليون دولار سنويا.
أثناء زيارة لـ هيومن رايتس ووتش مؤخرا، لم تكن هناك أنشطة عمل بالمقالع في المنطقة ج. كان هناك مقلع، عمقه نحو 40 مترا، خاليا تماما وليس به إلا علبتين كبيرتين من المعدن وكرسي بلاستيكي مقلوب وبعض الكابلات وعربة جر يدوي نصف ممتلئة بالحجارة. كانت الشمس تسطع على جدران المقلع الخاوي، المكتوبة عليها أسماء العمال المسؤولين عن كل قسم من الأقسام.
في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قالت الإدارة المدنية الإسرائيلية إنها أغلقت المقالع لأنها تعمل دون تراخيص وتؤدي لمخاطر سلامة ومخاطر بيئية. قالت الرسالة إنه ستتم إعادة المعدات بعد تسديد ملاك المقالع لغرامات المصادرة ورسوم الاستخراج بأثر رجعي والتعهد بالكف عن العمل. لم ترد الإدارة المدنية على أسئلة تخص استخدام القوة ضد أبو حسين. أضافت إن المقالع تعمل على "أراضي الدولة".
قال كل من ثوابتة وطويل وطقاطقة إنهم حاولوا مرارا إثبات ملكية الأرض لكن الإدارة المدنية رفضت ادعاءاتهم. وثقت هيومن رايتس ووتش الآليات القانونية التي استخدمتها إسرائيل لإعلان نحو 25 بالمائة من الضفة الغربية "أراضي دولة" رغم ادعاءات موثوقة بأنها ملكية خاصة. طبقا لسجلات الإدارة المدنية، فقد خصصت 50 بالمائة من أراضي الدولة للاستخدامات المدنية و0.7 بالمائة فحسب للفلسطينيين، رغم أن القانون الدولي الإنساني يحظر استخدام الأراضي المحتلة لفائدة مواطني قوة الاحتلال.