Skip to main content

الجزائر ـ استخدام حيل بيروقراطية لتقييد الجمعيات

رغم وصفه بالإصلاحي، قانون 2012 يعيق تكوين المنظمات المستقلة

(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن السلطات الجزائرية تستخدم قانون سنة 2012 المتعلق بالجمعيات، وأحيانًا تتجاوزه، لخنق تكوين الجمعيات. وترفض السلطات بشكل تعسفي القيام بعمليات تسجيل الجمعيات، فتضع المنظمات المستقلة الجديدة والقديمة في مأزق قانوني، وتحدّ من قدرتها على الحصول على تمويل أجنبي أو عقد اجتماعات عامة.

وبعد دراسة القانون رقم 12ـ06 المتعلق بالجمعيات وإجراء مقابلات مع أكثر من 20 ناشطًا في منظمات غير حكومية، خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن الجمعيات التي تسعى إلى الحصول على تسجيل تجد نفسها في متاهة بيروقراطية، وأحيانًا تعجز عن تقديم طلباتها فتضطرّ إلى العمل على هامش القانون.

وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يتعين على السلطات الجزائرية أن تفتح نقاشًا حيويًا وعامًا قبل الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 17 أبريل/نيسان. ويجب على الحكومة بذل الكثير لتهيئ مناخًا صالحًا لإجراء انتخابات ذات مصداقية، وتتمثل إحدى هذه الخطوات في السماح للجزائريين بتكوين الجمعيات، وعقد الاجتماعات، وتنظيم الفعاليات دون عوائق".

في 15 أبريل/نيسان 2011، بعد أن أطاحت الاحتجاجات الشعبية بالحكام المستبدين في مصر وتونس، وبدأت بذلك في ليبيا، وعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحزمة من الإصلاحات السياسية والتشريعية. ولكن القانون الجديد المتعلق بالجمعيات، الذي تمت المصادقة عليه في يناير/كانون الثاني 2012، يفرض قيودًا بأشكال متعددة أكثر من القانون الذي جاء بدلا منه.

وينصّ القانون رقم 12ـ06 على أن تحصل الجمعيات على وصل تسجيل من السلطات قبل الشروع في العمل بشكل قانوني. ويُمكن للسلطات أن ترفض تسجيل جمعية ما إذا قررت أن محتوى وأهداف أنشطتها تتعارض مع "الثوابت والقيم الوطنية والنظام العام والآداب العامة وأحكام القوانين والتنظيمات المعمول بها". وتوفر هذه المعايير للسلطات هامشًا كبيرًا لعرقلة الاعتراف بأية جمعية.

وكان القانون السابق ينص على أن ترفع الإدارة دعوى لدى المحكمة الإدارية للبت في عدم شرعية تأسيس جمعية بعينها، أما القانون الجديد فيسمح للإدارة ان ترفض تسجيل الجمعية  بصورة احادية، بينما للجمعية المعنية الحق  في الطعن في قرار الرفض لدى المحكمة الإدارية.

وعلى أرض الواقع، تخالف السلطات القانون وترفض تقديم وصل الإيداع عندما يقوم مؤسسو الجمعيات بتقديم وثائق التسجيل. ويُعتبر إصدار ذلك الوصل بداية شروع السلطات في مراجعة التسجيل. وإذا لم يوجد أي اعتراض في تلك الفترة، يُمكن للجمعية أن تشرع في العمل بشكل قانوني. ولكن الجمعيات التي لها أجندات قد لا تروق للسلطات، مثل المنظمات المستقلة لحقوق الإنسان أو مكافحة الفساد، قالت إن السلطات لم تمدها بوصول الإيداع، وحرمتها من قرينة فيها دليل على تاريخ القيام بمتطلبات التسجيل.

وعلى ذلك واصلت بعض الجمعيات التي تعاني من هذه الوضعية عملها، ولكن فقط على هامش القانون، ولم تتمكن من فتح حسابات أو اكتراء مكاتب باسمها، أو استئجار قاعات عامة لعقد اجتماعات. إضافة إلى ذلك، يواجه أعضاء كل جمعية غير معترف بها أو تم تجميدها أو حلها خطر السجن لمدة تصل إلى ستة أشهر بسبب القيام بأنشطة باسمها.

وقال إريك غولدستين: "يبدو أن السلطات الجزائرية لا تقوم بسحق الجمعيات المستقلة التي تقلقها بشكل مباشر، بل تفضل إضعافها وتهميشها بوضع صعوبات قانونية كبيرة أمامها".

يعطي القانون 12ـ06 للحكومة صلاحية تجميد جمعية ما "في حالة التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد أو المساس بالسيادة الوطنية". كما يشترط القانون أن يحصل كل "تعاون في اطار الشراكة" بين جمعية جزائرية ومنظمات دولية على موافقة الحكومة بشكل مسبق. وكان القانون السابق ينص على الحصول على هذه الموافقة فقط إذا رغبت جمعية جزائرية في أن تنخرط في منظمة دولية. وهذا ما يعطي للسلطات صلاحيات واسعة لمنع عديد أشكال التعاون بين الجمعيات الوطنية والدولية.

يُلزم القانون الجمعيات التي تم تسجيلها بموجب القانون القديم بتقديم طلبات جديدة أو سيتم حلها بشكل تلقائي. وواجهت ما لا يقل عن أربع منظمات مستقلة حاولت التقيد بالقانون الجديد عراقيل إدارية، مثل رفض السلطات تمكينهم من قاعات عامة لعقد جمعية عامة أو عدم تسليمها وصلا لتسجيل وثائقها.

وقال عبد الوهاب فرساوي، الكاتب العام لجمعية تجمع عمل شبيبة ـ راج، التي تأسست في 1992، ونور الدين بن يسعد، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي تأسست منتصف الثمانينات، إنهما حاولا في يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2013 تقديم تصاريحهما لوزارة الداخلية، لكنهما لم ينجحا في الحصول على موعد. وقام كل منهما بإرسال وثائقه عبر البريد المسجل ولكنهما لم يحصلا على وصل ايداع، فلم يتمكنا من الحصول على أي دليل على أنهما قدما مطالبهما في الآجال المحددة. وكانت الجمعيتان مسجلتين بموجب القانون السابق.

حافظ القانون الجديد على ضرورة أن تحصل كل جمعية جزائرية على ترخيص مسبق من السلطات قصد الحصول على تمويل أجنبي، بل أضاف على ذلك ضرورة وجود اتفاق تعاون بشكل مسبق. وقال أعضاء العديد من المنظمات لـ هيومن رايتس ووتش إن الإدارة تفرض عليهم إجراءات مرهقة للحصول على ترخيص، وهو ما يجبرهم إما على العمل في هامش القانون أو التخلي عن المنح الأجنبية التي يحتاجونها للعمل بشكل فعال.

وعلى سبيل المثال، حاولت رابطة حماية الشبيبة والطفولة، ومقرها مدينة تيزي وزو، الحصول على ترخيص لتسلم منحة من الوكالة الكتالونية للتعاون والتنمية ومن الاتحاد الأوروبي لإنجاز مشاريع للحد من العنف ضدّ الأطفال والنساء في أبريل/نيسان 2012 ويناير/كانون الثاني 2013، ولكن دون جدوى. وقالت كباس، الأمينة العامة للرابطة، إن عدم الحصول على ترخيص أجبر المنظمة على تقليص أنشطتها إلى المستوى الأدنى.

عمدت السلطات الجزائرية منذ وقت طويل إلى عدم تمكين بعض المنظمات التي لها أهداف لا تتناسب مع الخطاب الرسمي من الحصول على اعتراف قانوني، ومنها جمعية أس أو أس مختفين التي حاولت الحصول على اعتراف بشكل متكرر منذ سنة 2002. وتطالب هذه المنظمة الحكومة بالكشف عن مصير وأماكن آلاف الجزائريين الذين اختفوا بشكل قسري أثناء الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في التسعينات.

وفي وقت غير بعيد، في أكتوبر/تشرين الأول 2012، رفضت السلطات تسجيل الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد دون تقديم أي تبرير لقرارها، بحسب ما قال حليم فضال، نائب الأمين العام للجمعية.

وقال إريك غولدستين: "يوجد تناقض واضح بين قانون الجمعيات والطريقة التي تعتمدها السلطات الجزائرية في تنفيذه من جهة وبين الالتزامات الدولية للجزائر في ما يتعلق بضمان حرية تكوين الجمعيات من جهة أخرى. ويتعين على الحكومة مراجعة هذا القانون بجعله متناسبًا مع المعايير الدولية، وتوجيه تعليمات إلى السلطات التنفيذية بالكف عن عرقلة عمل الجمعيات بشكل تعسفي".

 

القانون الجديد والقانون القديم
تقول وزارة الداخلية في موقعها على شبكة الانترنت إنه توجد 1027 جمعية وطنية و92627 جمعية محلية مسجلة بشكل قانوني في الجزائر. ولكن عديد الجمعيات التي لها أهداف أو نشاطات لا تروق للسلطات قالت إنها تعرضت إلى إجراءات إدارية تعسفية تهدف إلى عرقلة عملها.

تضمن المادة 41 من الدستور الجزائري حرية تكوين الجمعيات، وتنص المادة 43 على أن "تشجع الدولة ازدهار الحركة الجمعوية". وفي 1989، انضمت الجزائر إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص في المادة 22 منه على أن "لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء نقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه". كما تنص المادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والجزائر طرف فيه، على أنه "يحق لكل فرد أن يكوّن وبحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون".

وفي أعقاب الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح التي شهدتها دول عربية، وعد الرئيس بوتفليقة في أبريل/نيسان 2011 بتنفيذ إصلاحات شاملة، بما في ذلك إدخال تعديلات على الدستور، والقوانين المتعلقة بالانتخابات والأحزاب السياسية والجمعيات والإعلام. ولكن قانون الجمعيات الجديد، الذي تبناه البرلمان في يناير/كانون الثاني 2012، يُعتبر خطوة إلى الوراء بالنسبة إلى حرية تكوين الجمعيات.

حافظ القانون الجديد على شرط الحصول على ترخيص مسبق، بل شدّد عليه، وهو ما يعني أن الجمعيات لا تستطيع الشروع في العمل بمجرد إعلام السلطات بتأسيسها. كما يعطي القانون الجديد للإدارة صلاحية رفض تسجيل جمعية معينة، بينما كان القانون القديم ينص على ان رفض تكوين جمعية لا يمكن ان يصدر الا عن المحكمة الإدارية. أما الآن، وقد أصبح هذا القرار من مشمولات الإدارة، صار القانون يسمح للجمعيات التي تم رفضها بأن تستأنف القرار في المحاكم.

كان القانون القديم ينصّ على أن يقدّم مؤسسو الجمعية وثائق التأسيس فتقوم السلطات المعنية بإصدار وصل يحمل تاريخ التسلّم، ثم لها مهلة 60 يومًا للاعتراض على منحها الاعتراف القانوني لدى المحكمة الإدارية. وان لم تفعل، تكون الجمعية قد تأسست بشكل قانوني.

إلا أن المادة 8 من القانون الجديد صارت تنص على أن السلطة الإدارية المعنية تقوم بإصدار "وصل إيداع تسلمه وجوبًا" بعد التثبت من الوثائق التي قدمتها الجمعية. ولا يسمح القانون للسلطات برفض قبول الوثائق أو رفض إصدار وصل الإيداع. ثم تُمنح الإدارة مدة زمنية محددة لاتخاذ قرار بشأن السماح بإجراء عملية التسجيل، وتكون هذه المدة 30 يومًا إذا كانت الجمعية محلية، و40 يومًا إذا كانت الجمعية تنشط على مستوى الولايات، و45 يومًا إذا كانت تنشط بين الولايات، و60 يومًا إذا كانت وطنية.

وينصّ القانون على أنه "عند انقضاء الآجال المنصوص عليها في المادة 8 أعلاه، يُعدّ عدم ردّ الإدارة بمثابة اعتماد للجمعية المعنية. وفي هذه الحالة، يجب على الإدارة تسليم وصل تسجيل للجمعية".

أما على أرض الواقع، فقد رفضت الإدارة القيام بواجبها في بعض الحالات، ولم تقم بإصدار وصول تسجيل،  الأمر الذي جعل المنظمات غير قادرة على إثبات أنها قدمت وثائقها أو أن مهلة الانتظار قد انتهت.

أدخل القانون الجديد تغييرًا على قائمة الوثائق التأسيسية التي يتعين على صاحب المطلب تقديمها، ورفعت في العدد الأدنى لأعضاء كل جمعية فصاروا عشرة أشخاص في الجمعيات المحلية، و15 شخصا في الجمعيات الجهوية، و25 شخصًا في الجمعيات الوطنية، بينما كان القانون القديم ينص على أنه يمكن تأسيس جمعية وطنية بعشرة أعضاء فقط. إضافة إلى ذلك، أصبح القانون ينص على ضرورة أن يكون أعضاء كل جمعية وطنية من 12 ولاية. ويتعين على ممثل الجمعية أن يقدم وثائق من بينها نسخ من النظام الأساسي وأهداف الجمعية وعنوانها، وإجراء جديد يتمثل في وثيقة في السوابق القضائية لكل عضو من الأعضاء المؤسسين.

كان القانون القديم ينصّ على أن السلطات تستطيع رفض تسجيل جمعية ما لأن أهدافها "تتعارض مع النظام العام أو الآداب العامة أو القوانين الجاري بها العمل"، ولكن القانون الجديد أضاف إلى ذلك إمكانية حلّ الجمعية من قبل السلطات إذا كانت "تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد" أو "تهدد سيادتها" عبر استلام أموال خارجية دون إذن مسبق والاضطلاع بأنشطة غير تلك التي ينص عليها نظامها الداخلي. كما ينصّ القانون على أن "يتعرض كل عضو أو عضو مسيّر في جمعية لم يتم تسجيلها أو اعتمادها، معلقة أو محلة ويستمر في النشاط باسمها، إلى عقوبة الحبس من ثلاثة إلى ستة أشهر وغرامة من مائة ألف دينار إلى ثلاثمائة دينار (من 1266 إلى 3798 دولار أمريكي)". وقلّص القانون الجديد في عقوبة السجن القصوى من سنتين كما كان ينصّ على ذلك القانون القديم.

صار القانون الجديد يعطي للحكومة رقابة أكبر على علاقات الجمعية مع الشركاء الدوليين. وكان القانون القديم ينص على ضرورة الحصول على موافقة وزارة الداخلية فقط في حالة "انضمام" جمعية جزائرية إلى منظمة دولية. أما القانون الجديد فصار ينص على أن أي اتفاق مع أية منظمة دولية صار يتطلب ترخيصًا مسبقا من السلطات المعنية. ولا يحدد القانون القاعدة التي تعتمدها السلطات لرفض أي اتفاق، ولا يلزمها بتبرير رفضها.

مسار صعب يواجه المنظمات المسجلة التي تسعى إلى إعادة التسجيل
تنص المادة 70 من قانون 2012 على أن تقوم الجمعيات المسجلة بموجب القانون القديم بإعادة تقديم قوانينها الأساسية إلى الإدارة في أجل لا يتجاوز سنتين اثنتين وإلا يتم حلها، ويجب أن تكون قوانينها الأساسية متطابقة مع قانون 2012. غير أن هذا القانون لا يحدد ما إذا كان يتعين على هذه الجمعيات انتظار الحصول على وصل تسجيل أم أنه بإمكانها مواصلة نشاطها بشكل قانوني.

تحدث عبد الوهاب فرساوي، الكاتب العام لـ تجمع عمل شبيبة، التي تأسست في 1992 لتعبئة الشباب في مسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة، عن الصعوبات التي واجهتها جمعيته عندما حاولت الامتثال للقانون الجديد:

رغم أننا كنا نعارض القانون، إلا أننا كنا نرغب في الامتثال له. قمنا بإيجار قاعة محاضرات في المركز الثقافي عزالدين مجوبي في الجزائر العاصمة لعقد اجتماعنا العام في 28 يونيو/حزيران 2013، وأرسلنا طلب ترخيص من وزارة الداخلية قبل هذا التاريخ بأسبوعين دون أن نحصل على أي ردّ. وفي 28 يونيو/حزيران، أرسلنا طلبًا ثانيًا إلى مديرية التنظيم والشؤون العامة لعقد اجتماعنا في نفس المكان في 5 يوليو/تموز.

وفي 4 يوليو/تموز، على الساعة الرابعة وأربعين دقيقة ظهرًا، استلمت مكالمة من مديرية التنظيم والشؤون العامة وأعلموني برفض الطلب دون توضيح. كما حاولنا الاتصال بقسم الجمعيات في وزارة الداخلية لكن دون جدوى. وفي الأخير قررنا عقد اجتماعنا العام في 29 سبتمبر/أيلول في مقرنا لأن ذلك لا يحتاج إلى ترخيص مسبق. وعقدنا الاجتماع بحضور عدل منفذ، كما ينص على ذلك القانون، ثم أرسلنا القانون الأساسي الجديد عبر البريد المسجل إلى وزارة الداخلية. ولكن إلى اليوم لم تمدنا الوزارة بوصل الإيداع، ولم يصلنا منها أي ردّ.  

كما واجهت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان نفس المشاكل لما حاولت الامتثال للقانون الجديد.

وفي أعقاب خلافات داخلية منذ سنة 2007، أصبح للرابطة ثلاثة مجالس إدارية مختلفة، يترأسها رئيس مختلف. وقال نورالدين بن يسعد، وهو رئيس أحد هذه المجالس، لـ هيومن رايتس ووتش:

يلزمنا القانون الجديد بعقد "جلسة عامة" لتبني نظام أساسي يتناسب معه، ولكن عقد هذه الجلسة في قاعة للمحاضرات العامة أو في فندق أو أي مكان عام آخر يتطلب إعلام السلطات بشكل مسبق. وكما حدث في الماضي، رفضت السلطات منحنا هذا الترخيص. في آخر نوفمبر/تشرين الثاني 2013، قدمنا طلبا لوزارة الداخلية لعقد جلستنا العامة في المركز الثقافي للمجاهدين في الجزائر العاصمة أيام 6 و7 ديسمبر/كانون الأول. وفي 5 ديسمبر/كانون الأول، أعلمنا قسم الوزارة المعني بالجمعيات بالرفض، ولذلك قررنا عقد اجتماعنا في مقر أحد الأحزاب السياسية، وهو حزب الحركة الديمقراطية والاجتماعية.

ومع ذلك لم نكن نعرف ما الذي علينا فعله لتقديم القانون الأساسي الجديد. أردنا أن نسلمه باليد إلى قسم الجمعيات في وزارة الداخلية، ولكن ذلك يتطلب تحديد موعد مسبق وهم لا يردون على الهاتف أبدًا. ولذلك قررنا إرساله عبر البريد المسجل، ولكن إلى اليوم لم نستلم وصل إيداع ولم يصلنا أي ردّ من الحكومة.

كما واجهت منظمة صمود، التي تدافع عن مصالح عائلات الأشخاص المخطوفين على يد مجموعات مسلحة في التسعينيات، مشاكل مماثلة تحت القانون القديم. إذ قال عدنان بوشعيب، أحد مؤسسي صمود، إن المنظمة قامت سنة 1997 بتقديم جميع الوثائق اللازمة إلى قسم الجمعيات في وزارة الداخلية، فقام أحد الموظفين بتسلمها ورفض إصدار وصل إيداع، ومنذ ذلك الوقت، لم يصل إلى صمود أي ردّ من الوزارة. وقال بوشعيب:

في ذلك الوقت، كنا في حاجة ماسة إلى وصل من الحكومة لتسجيل جمعيتنا وفتح حساب بنكي لها لأننا استلمنا منحة من السفارة الكندية التي اشترطت علينا حسابًا بنكيًا باسم الجمعية. وفي 2000، قدمنا طلبًا آخر، لكن هذه المرة لجمعية تنشط على المستوى الولاية وليس الوطني، وسلمناه إلى والي الجزائر العاصمة، فقدم لنا وصل إيداع.

ولكن بوشعيب حاول في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 تقديم قانون أساسي جديد كما ينص على ذلك القانون رقم 12ـ06، ولكن الإدارة ردّت بأن الجمعية لم تكن مسجلة بشكل قانوني:

ذهبت إلى إدارة التنظيم والشؤون العامة للتأكد من إجراءات تقديم قانون أساسي جديد، وقدمنا للموظف المسؤول وصل الإيداع الذي تحصلنا عليه سنة 2000. أخذ الموظف ذلك الوصل، وغادر مكتبه لبعض الوقت، ثم عاد وقال: "لا يوجد لدينا اسم جمعيتكم كجمعية مسجلة بشكل قانوني". قلت لهم إنهم هم من أعطونا وصل الإيداع، وأن الوصل يحمل ختم ولاية الجزائر العاصمة، وتاريخ الإيداع. ولكن الموظف قال إنه ليس لنا وجود قانوني، ولا يحق لنا تقديم قانون أساسي مطابق للقانون، وإنما علينا تقديم قانون لتأسيس جمعية جديدة. والآن أصبحنا نجهل ما إذا كان لنا وجود قانوني، وما إذا كان بوسعنا مواصلة العمل وتنظيم الفعاليات أم أن كل شيء أصبح غير قانوني.

إضافة إلى الإجراءات التي يحددها القانون رقم 12ـ06 لتسجيل الجمعيات بشكل قانوني، أضافت الإدارة الجزائرية شروط تسجيل أخرى غير مذكورة في القانون. وقامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة وثائق صادرة عن ولاة بومرداس وبجاية، وفيها فرض لهذه الشروط. وتشترط ولاية بومرداس وجود ترخيص قانوني لعقد الجلسة العامة ضمن الوثائق التي يتعين على الجمعية تقديمها، بينما تشترط بجاية على الأعضاء المؤسسين تقديم أسماء وعناوين أصحاب أعمالهم. وقال سعيد الصالحي، عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان: "هذا الشرط هو شكل آخر من أشكال مراقبة المنظمات غير الحكومية، ويمكن استخدامه من قبل الشرطة لترهيب المعنيين في الجمعيات والضغط عليهم".

رفض المطالب بشكل تعسفي وتعطيل وصل الإيداع
تقوم السلطات أحيانًا بإعلام الجمعيات الجديدة برفض الاعتراف بها، مثل الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد. وقال حليم فضال، نائب الكاتب العام للجمعية، لـ هيومن رايتس ووتش:

عقدنا اجتماعنا التأسيسي في 7 يوليو/تموز 2012، وجمعيتنا تتكون من 28 عضوًا. وفي 9 أغسطس/آب 2012، قدمنا طلب تسجيل لدى مكتب الضبط في وزارة الداخلية. التزمنا بما تنص عليه المادة 12 من القانون الجديد وقدمنا نسختين متطابقتين من القانون الأساسي للجمعية، وطلب التسجيل الرسمي موقّع من قبل رئيس الجمعية، وقائمة في أعضاء الجمعية والمعلومات اللازمة عنهم، ووثائق عن سوابقهم العدلية، ومحضر الجلسة العامة التأسيسية كما حرره العدل المنفذ، ووثائق تثبت عنوان الجمعية.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012، أرسلت لنا وزارة الداخلية إعلاما برفض تسجيلنا دون شرح الأسباب أو تقديم توصيات أو تحديد ما يجب تغييره في القانون الأساسي. قمنا باستئناف القرار لدى المحكمة الإدارية في الجزائر العاصمة، واحترمنا الأجل القانوني المحدد بـ 30 يوما. ولكن المحكمة قضت في 1 يناير/كانون الثاني بأن القضية ليست من اختصاصها، وأن مجلس الدولة [المحكمة الإدارية العليا] هي الجهة المختصة، فقمنا برفع دعوى لدى مجلس الدولة وها نحن ننتظر قراره منذ ذلك الوقت.

إضافة إلى رفض تسجيل الجمعية بشكل مباشر، تحتفظ السلطات أحيانًا بوصل الإيداع الذي يتعين عليها تسليمه بموجب القانون عندما تقدم الجمعيات مطالبها. وعلى سبيل المثال، قال صالح دبوز، الذي انشق مع آخرين عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن الرابطة عقدت جلستها العامة في 27 و28 ديسمبر/كانون الأول، وانتخبت مجلسًا جديدًا. وفي 15 يناير/كانون الثاني، ذهب دبوز إلى وزارة الداخلية لتسليم الوثائق، ولكن الموظف المسؤول أعلمه أنه لن يسلم له وصل إيداع. وعندها قرّر دبوز إرسال الوثائق عبر البريد المسجل، ولكنه لم يستلم أي وصل بعد.

تعود الممارسة المتمثلة في انتقاء الحالات التي يُرفض فيها تسليم وصل إيداع إلى ما قبل القانون الجديد كما تشهد على ذلك حالة جمعية أس أو أس مختفين. منذ تأسيسها في 2002، حاولت جمعية أس أو أس مختفين دون جدوى استيفاء الإجراءات الضرورية للحصول على اعتراف قانوني. وقالت ناصرة دوتور، والدة أمين عمروش، الذي "اختفى" قرب منزله في منطقة البراقي في ولاية الجزائر سنة 1997، إن جمعية أس أو أس مختفين عقدت جلسة عامة وقدمت الوثائق المنصوص عليها في قانون الجمعيات الذي كان ساريا في ذلك الوقت. ولكن الجمعية لم تستلم وصل إيداع عند تسليم الوثائق، ولا وصل تسجيل بعد ذلك. وحاولت جمعية أس أو أس مختفين عديد المرات الحصول على وصل من وزارة الداخلية. وقالت ناصرة دوتور:

لم أحاول تقديم طلب جديد بموجب القانون الجديد لأنني أعرف من خلال محاولاتي السابقة لتسجيل الجمعية أن ذلك لن يكون مجديا. ففي 2002، لما حاولنا تسجيل فرع الجمعية في الجزائر العاصمة في البلدية، جلس الموظفون أمامنا وقد عقدوا أذرعهم على صدورهم، ورفضوا اخذ الأوراق التي قدمناها. ولذلك لم نتمكن من الحصول على وصل يثبت أننا قدمنا الوثائق. كانوا دائما يقولون إنهم يحتاجون إلى "أوامر من فوق" كي يقبلوا ملفنا.

كما حاولنا تقديم مطلب تسجيل لفرعنا المحلي عبر البريد المسجل، ولدي الوصل الذي يثبت أنني أرسلته، ولكن لا يوجد وصل يثبت أنهم استلموه.

قمت بآخر محاولة في فبراير/شباط 2010. اتصلت بوزارة الداخلية عبر الهاتف، وكما في السابق قاموا بإحالتي على موظف اعتقد أنه يعمل في القسم الذي يعنى بالمنظمات غير الحكومية والجمعيات. قال لي الموظف: "لقد تم حلّ مشكلة الاختفاء"، فقلت له إنه ليس الشخص الذي يعود إليه القرار، وإن الأمر لا يعنيه بما أن لي الحق في تسجيل منظمة غير حكومية. ولما طلبت منه تحديد موعد قال إنه سيعاود الاتصال بي، ولكنه لم يفعل. لقد حصل ذلك مرارًا.

كما ذهبنا إلى وزارة التضامن والتمسنا مساعدتهم في التعامل مع وزارة الداخلية، فاكتفوا بنصحنا بتغيير اسم الجمعية، وقالوا إن ذلك سيسهل عملية التسجيل.

ولأنها لا تحمل وصلا رسميًا، قالت ناصرة دوتور:

لا تتمتع جمعية أس أو أس مختفين بوضع قانوني، ولا نستطيع فتح حساب بنكي باسمها أو تسجيل العاملين فيها حتى يتمكنوا من الحصول على مستحقات التأمين الاجتماعي والتقاعد. ولا نستطيع رفع دعاوى أمام المحاكم، وكلما استأجرنا مكتبًا، أو قمنا بالتسجيل في المرافق العامة، كنا نقوم بذلك باسم أحد الأشخاص.

ويُعتبر عدم التمتع بوضع قانوني عائقًا للحصول على تمويل. وقالت ناصرة دوتور: "يرغب عديد المانحين في أن يكون للجمعية وضع قانوني، ومنها المفوضية الأوروبية والسفارات في الجزائر العاصمة. عبّرت بعض السفارات عن رغبتها في تمويلنا، ولكنها تراجعت عن ذلك عندما علمت أننا جمعية غير معترف بها قانونيًا".

جمعية أس أو أس مختفين لها أجندة تتعارض مع سياسة الدولة كما صيغت في قانون 2006 حول السلم والمصالحة الوطنية. وينص القانون على تقديم تعويضات لأقارب الأشخاص المختفين، ولكنه يعفو عن أعوان الدولة المشاركين في الاختفاءات، ويُجرّم التعبير أو الأنشطة التي تتعلق بنزاع التسعينيات والتي "تهدد" مؤسسات الدولة، والسمعة الحسنة لموظفيها، وصورة الجزائر دوليًا. ودعا عديد الأعضاء في أس أو أس مختفين إلى محاسبة المسؤولين عن إخفاء الجزائريين قسرًا أثناء الحرب الأهلية في التسعينيات.

فرض قيود على تنظيم الاجتماعات العامة
تم تعديل القانون الجزائري رقم 28ـ89 المتعلق بالاجتماعات والمظاهرات العمومية، الذي سُنّ في 1989 في ذروة التحرر السياسي والقانوني، من قبل البرلمان في 1991 لما كانت البلاد تشهد تظاهرات حاشدة وأحيانًا صدامات عنيفة بين متظاهرين مناهضين للحكومة وقوات الأمن. وفي 18 يونيو/حزيران 2001، فرضت السلطات حظرًا شاملا للمظاهرات في الجزائر العاصمة، بعد أربعة أيام من مسيرة ضخمة شهدتها العاصمة حول حقوق الأمازيغ، أو البربر كأصل عرقي، جلبت متظاهرين من منطقة القبائل ذات الأغلبية الأمازيغية، فنتج عنها نهب للمحلات ومواجهات بين الشرطة والمتظاهرين وشبان محليون. ولم تقم السلطات بإلغاء هذا الحظر لما قامت برفع حالة الطوارئ في 2011 التي دامت 19 سنة.

تسبب قانون 1991 في تقييد كبير للحق في التجمع وتنظيم اجتماعات، وكذلك في قدرة الجمعيات على العمل. وينص القانون على أن تقوم كل جمعية تسعى إلى تنظيم اجتماع عام إلى إعلام الوالي قبل الاجتماع بثلاثة أيام. ويُمكن للإدارة أن تمنع التجمع وتعلم المنظمين بأنه "تبين أنه يُشكل خطرًا حقيقيا على الأمن العام أو إذا تبين جليًا أن القصد الحقيقي من الاجتماع يُشكل خطرًا على حفظ النظام العام". والسلطات ليست ملزمة بشرح القرار.

كما ينصّ القانون على أنه "يُمنع في أي اجتماع أو مظاهرة كلّ مناهضة للثوابت الوطنية، وكل مساس برموز ثورة أول نوفمبر [تاريخ بداية حرب التحرير الجزائرية ضدّ المستعمر الفرنسي] أو النظام العام والآداب العامة". ويحق للمنظمين استئناف القرار السلبي لدى المحكمة الإدارية. ويُعرّف القانون "الاجتماع العمومي" على أنه تجمع في مكان مغلق يسهل لعموم الناس الالتحاق به "قصد تبادل الأفكار أو الدفاع عن مصالح مشتركة".

قالت عديد المنظمات إن الإدارة تلجأ لممارسة قديمة كلما كانت ترغب في منع تجمع ما فتقوم بإعلام المنظمين بالرفض في آخر لحظة، دون أن تترك لهم أي وقت لاستئناف القرار لدى المحكمة الإدارية قبل انعقاد الاجتماع.

أرسلت الحكومة مؤخرًا مذكرة وزارية إلى السلطات المحلية تطالبهم فيها بالتشاور مع وزارة الداخلية قبل منح تراخيص لعقد اجتماعات لـ 19 منظمة، منها الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان. ويحمل هذا الأمر، الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، توقيع رئيس ديوان وزير الداخلية، ومؤرخ في 8 يناير/كانون الثاني 2014. وتبرر الوزارة هذا الإجراء بالنزاعات الداخلية صلب هذه المنظمات.

وقال محرز بوعيش، نائب رئيس الرابطة، لـ هيومن رايتس ووتش إنه ذهب في 7 فبراير/شباط 2013 إلى إدارة التنظيم والشؤون العامة في ولاية بجاية لطلب ترخيص لعقد اجتماع جمعياتي في قاعة المحاضرات في فندق لو روايال في بجاية في 9 فبراير/شباط. ولكنه قال إن مسؤولين في الإدارة أعلموه أنهم لم يعودوا مخولين لمنح تراخيص لاجتماعات المنظمات دون الحصول على ترخيص من الوزارة.

تعليق الجمعيات بشكل تعسفي
وفقًا لقانون الجمعيات لسنة 2012، يُمكن للسلطات أن تقوم بحلّ جمعية لم تتأسس بشكل قانوني، أو تعليق أنشطتها في حال "التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد أو المساس بالسيادة الوطنية" (المادة 39)، وهذا يتعارض مع قانون سنة 1990 الذي كان يفرض وجود قرار قضائي لتعليق نشاط جمعية ما.

تعرضت جمعية سكان كانستيل، التي تُعنى بحماية المحيط وخاصة غابة كانستيل في مدينة وهران، إلى التعليق بعد أن عارضت قرارات الوالي بالترخيص لإنشاء بناءات في غابة كانستيل. وقال نائب الكاتب العام لهذه الجمعية، عادل التايبي، لـ هيومن رايتس ووتش، إن الجمعية رفعت دعوى لدى المحكمة الإدارية في وهران في يونيو/حزيران 2013 للمطالبة بوقف عمليات البناء لأنها غير قانونية. ولكن في 24 يوليو/تموز، أرسل والي وهران إعلامًا للجمعية بتعليق أنشطتها لمدة ستة أشهر مبررا ذلك بأنها "انتهكت القانون وتدخلت في شؤون الداخلية للدولة".

وقال التايبي:

رفعنا دعوى استئناف لدى المحكمة الإدارية في وهران ضدّ قرار الوالي بتعليق أنشطة جمعيتنا. وفي 1 سبتمبر/أيلول، أصدرت المحكمة حكمًا ضدّ الوالي، وقالت إنه لم يتبع الإجراء الذي تنص عليه المادة 41 من القانون الجديد، والذي يلزمه بإصدار تحذير للجمعية قبل تعليق أنشطتها. ومنذ ذلك الوقت، لم نواجه أي مشاكل مع الوالي الجديد، وصرنا نعمل دون أن يتدخل في شؤوننا.

قيود على التمويل
كان القانون القديم يسمح للجمعيات الجزائرية بقبول المنح من منظمات أجنبية إذا وافقت السلطات على مطلبها. أما القانون رقم 12ـ06 فأضاف شرطًا آخر، ونص على أنه يُمنع على الجمعيات استلام هبات، باستثناء "تلك الناتجة عن علاقات التعاون المؤسسة قانونًا"، أو أي نوع من المساهمات من "تنظيمات أجنبية ومنظمات غير حكومية أجنبية". ولكن القانون لا يقدم تعريفًا لعلاقات التعاون، وهو ما يحدّ من تمتع الجمعيات بالدعم الأجنبي الذي يعتبر أحيانًا حاسمًا في عملها.

وقالت ويزا كباس لـ هيومن رايتس ووتش، وهي الكاتبة العامة لرابطة حماية الشبيبة والطفولة، وهي جمعية في تيزي وزو حصلت على التسجيل القانوني في 2003:

عملنا منذ 2003 في مجال الوقاية من العنف ضدّ النساء والأطفال. وشملت برامجنا خطًا ساخنًا ومركز المساعدة "روبار لاوهي" للأطفال والنساء المعنفات، حيث كان لدينا عديد الأطباء والأخصائيين النفسانيين. كنا نحصل على تمويل من الاتحاد الأوربي، ولم نطالب بالتراخيص، كنا فقط نعلن عن التمويل، ونقدم تصاريحنا المالية للسلطات وفق ما ينص عليه القانون.

مع هذا القانون الجديد، تغيرت الأمور. حصلنا على تمويل من الوكالة الكتالونية للتعاون والتنمية، فبعثنا في 3 أبريل/نيسان 2012 برسالة إلى الوالي نطلب منه ترخيصًا للحصول على المال، ولكن لم يصلنا أي ردّ. وبعد شهر، ذهبت إلى مدير إدارة التنظيم والشؤون العامة في تيزي وزو، فقال لي إن على جمعيتنا تقديم دليل على وجود اتفاق تعاون بين الجزائر وإسبانيا. طلبت من شريكي الإسباني أن يبحث عن الوثيقة لأنني لم أستطع الوصول إليها في الإدارة الجزائرية. وقام شريكنا بإرسالها لنا ووضعناها في الملف مع الوثائق الأخرى المطلوبة، وأرسلناها إلى الولاية، ووزارة الداخلية ووزارة الخارجية، ولكننا لم نستلم أي ردّ من هذه الإدارات.

وفي يناير/كانون الثاني 2013، وافق الاتحاد الأوروبي على تمويل أحد مشاريعنا وكان يحمل اسم "معًا من أجل تحرّك أفضل" لتدريب وتنمية قدرات نشطاء المجتمع المدني لمكافحة العنف ضدّ الأطفال، فحدث نفس الشيء: طلب منا مدير إدارة التنظيم والشؤون العامة تقديم اتفاق تعاون بين الجزائر والاتحاد الأوروبي. وبعد ذلك قدمنا المطلب من جديد مرفقًا بجميع الوثائق للإدارات الثلاث، وبقينا في انتظار ردّ لم يأت. وتسبب عدم الترخيص في الحصول على تمويل في حرماننا من الأموال التي منحها لنا شريكنا الكتالوني والاتحاد الأوروبي، فتراجع نشاط مركزنا بنسبة 80 بالمائة تقريبًا لأننا لم نعد قادرين على دفع رواتب العمال الاجتماعية.

القانون الدولي
تُحدد المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي انضمت إليه الجزائر في 1989، الحق في حرية التجمع، والحالات التي يُمكن أن تفرض فيها قيود عليه:

"(1) لكل فرد حق في تكوين جمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.

(2) لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق".

كما توجد بعض الشروط الضرورية الأخرى في القانون الدولي لتبرير تقييد حرية تكوين الجمعيات، بما في ذلك القيود التي تحددها المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وعلى وجه التحديد، يُمكن فرض قيود فقط إذا كانت تستجيب لمعيار "الضرورة في مجتمع ديمقراطي"، وهذا ما يعني أن كل قيد يجب أن يكون استجابة لحاجة عامة ملحة، وأن يتم التعامل معه في إطار قيم التعددية والتسامح. كما ينطوي مصطلح "ضرورية" على مبدأ التناسب، أي ضرورة خلق توازن دقيق بين محتوى إجراء تقييدي معين والأسباب الدقيقة وراء اتخاذه. وعند تطبيق أحد القيود، يتعين على الدولة أن لا تستخدم وسائل قمعية بطريقة تتجاوز تحقيق الهدف الذي وضع من أجله القيد. ويجب أن يكون حلّ جمعية ما أو منع تأسيسها، كأقصى أشكال تقييد حرية تكوين الجمعيات، كآخر عقاب، ولا يمكن فرضه إلا في الحالات التي تكون فيها القيود الأخرى غير كافية.

باستثناء القيود المذكورة سابقًا، لا تنص المادة 22(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أي قيود أخرى يُمكن فرضها. وعلى سبيل المثال، يجب أن لا تكون الشكليات الإجرائية المتعلقة بالاعتراف بالجمعيات مرهقة أو ترقى إلى القيود التي تفرض على الحق في حرية تكوين الجمعيات. وأكدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الهيأة التي تصدر تأويلات نهائية للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في تعليقاتها الختامية على إجراءات تسجيل مرهقة للمنظمات غير الحكومية في بيلاروسيا وليتوانيا.

كما تنص المادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب على أنه "يحق لكل إنسان أن يكوّن وبحرية جمعيات مع آخرين شريطة أن يلتزم بالأحكام التي حددها القانون". واعتبرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في قرارها رقم 5 (XI) 92، المتعلق بالحق في تكوين الجمعيات (1992)، أنه يتعين على السلطات المختصة أن لا تتجاوز الأحكام الدستورية أو تقوض الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور والمعايير الدولية، وأن لا تسنّ أحكامًا، عند تنظيم استخدام هذا الحق، قد تحدّ من ممارسة هذه الحرية. وانضمت الجزائر إلى الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 1987، ولذلك فهي ملزمة بتأويل اللجنة للميثاق.

وأكد المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، في تقريره لسنة 2012 الذي سلمه لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه "إجراء إنشاء جمعية ككيان قانوني يختلف بين بلد وآخر، إلا أنه من الأهمية بمكان أن يتخذ الموظفون الحكوميون الإجراءات عن حسن نية، وفي الوقت المناسب وعلى أساس غير انتقائي".

كما يرى المقرر الخاص أن "إجراء الإشعار" الخاص بالجمعيات هو أفضل امتثالا للقانون الدولي لحقوق الإنسان من "إجراء التصريح المسبق"، ويجب أن تنفذه الدولة. "وبناء على إجراء الإشعار، تمنح الجمعيات الشخصية القانونية تلقائيا حالما يخطر المؤسسون السلطات بإنشاء منظمة. وفي معظم البلدان يقدم مثل هذا الإشعار في شكل بيان مكتوب يتضمن عددا من عناصر المعلومات المحددة بوضوح في القانون، إلا أن هذا الأمر لا يعدّ شرطًا مسبقًا لوجود الجمعية بل هو بالأحرى بيان تسجيل الإدارة بواسطته إنشاء الجمعية المذكورة".

توصيات
يتعين على السلطات الجزائرية:

  • مراجعة القانون وإدخال نظام تعريفي فعال لإنشاء الجمعيات لا توجد فيه أي عقبات تعسفية تحول دون تمتع أي مجموعة من الناس بحقهم في تكوين جمعية. وعلى سبيل المثال، يجب مراجعة القانون بالتأكيد على أن تُعتبر جمعية ما قانونية بداية من التاريخ الذي تقوم فيه بإرسال وثائقها التأسيسية إلى السلطات المعنية. ويجب تمكينها من إثبات تسجيلها عبر وصل إيداع الوثائق أو ختم البريد المسجل دون الحاجة إلى وصل تسجيل حتى تصير قادرة على العمل بشكل قانوني.
  • مراجعة مقدمة القانون المتعلق بالجمعيات والمادة 39 منه لجعله متناسبًا مع المعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات (بما في ذلك المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب)، بإلغاء المعايير الغامضة والفضفاضة التي يمكن اعتمادها لتعليق جمعية ما مثل "التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد" و"تهديد سيادتها الوطنية".
  • إسداء توجيهات إلى السلطات المعنية على الفور لتسليم وصل إيداع لكل جمعية تقوم بتسليم وثائق تأسيسها أو أي وثائق أخرى ينص عليها القانون.
  • التأكد من أن لا تتخذ السلطات المحلية أي إجراء لتعطيل ممارسة الحق في حرية تكوين الجمعيات، وإلغاء جميع التوجيهات المحلية التي تقيد هذا الحق، وتجاوز القيود التي ينص عليها قانون الجمعيات.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة