World Report 2003 in English  هيومان رايتس ووتش
منظمة " مراقبة حقوق الإنسان"
التقرير السنوي لعام 2003
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يتناول الفترة من نوفمبر2001 إلىنوفمبر 2002
  HRW World Report 2003
التطورات في مجال حقوق الإنسان || المدافعون عن حقوق الإنسان || عمل منظمة هيومن رايتس ووتش || دور المجتمع الدولي
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
نظرة شاملة إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
العناوين المتضمنة بهذا الجزء
  • التطورات في مجال حقوق الإنسان
  • السير في طريق المساءلة والعدالة: مزيج من النجاح والفشل
  • استمرار استهداف المدنيين في الجزائر
  • النضال في سبيل المساواة بين الجنسين
  • حقوق الأطفال
  • تعرض العمال الأجانب للمخاطر
  • أخيراً في المملكة العربية السعودية.
  • هيمنت ثلاث قضايا على اهتمام الرأي العام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدار العام كله، وهي تأثير الحرب ضد الإرهاب، التي ترفع الولايات المتحدة لواءها، في الحقوق الإنسانية للأفراد، وما أعلنته إدارة الرئيس بوش من أهدافٍ تتمثل في إزاحة الرئيس عرفات وإسقاط حكم صدام حسين، وما يلوح في الأفق من خطر الحرب ضد العراق. وكانت الاعتداءات على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات لا تزال تمثل مشكلات خطيرة واشتدت حدّتها بصفةٍ خاصة في مصر وإيران وسورية، إذ وجد من يمارسون النقد سلمياً والمصلحون الديمقراطيون أنفسهم محاصرين، فهم يُقدمون للمحاكمة، وتصدر عليهم أحياناً أحكام بالسجن مدداً طويلة، أو يتعرضون للتهميش فيُحرمون من إيصال أصواتهم إلى أجهزة الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. وواصلت الحكومات مضايقة نشطاء حقوق الإنسان واعتقالهم ومحاكمتهم في ظل نظمٍ قانونية تفتقر إلى الاستقلال. وأما أزمة حقوق الإنسان الناجمة عن استمرار احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، والمقاومة الفلسطينية المسلحة لذلك الاحتلال، فقد كانتا تمثلان نقطة مرجعية أليمة موجعة للحكومات والمواطنين العاديين معاً في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
    وساد الجزع العميق المنطقة كلها من الرباط إلى طهران بسبب خرق إدارة بوش للقانون الدولي فيما يتعلق بحقوق السجناء المحتجزين في القاعدة العسكرية الأمريكية في غوانتانامو، في كوبا، وباستمرار المعاملة القاسية في الولايات المتحدة للمسلمين من الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، بما في ذلك الفرز العنصري، والاعتقالات التعسفية، والاعترافات القسرية، والاحتجاز سراً والترحيل. وأعرب الدعاة المحليون لحقوق الإنسان وغيرهم عن القلق من أن تكون هذه الأفعال إنذاراً قوياً بأن الحقوق والضمانات الأساسية قد تتعرض للتجاهل في أوقات الأزمات أو حالات الطوارئ، وذلك على وجه الدقة هو الذريعة التي تذرعت بها حكومات الإقليم كله وما زالت تتذرع بها منذ أمد بعيد لتبرير ارتكاب انتهاكات على نطاق واسع.

    التطورات في مجال حقوق الإنسان

    لطالما أحس المقيمون في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالقلق إزاء طابع التسلط الذي تتسم به حكوماتهم، وبالغضب إزاء ما يرون أنه الكيل بمكيالين من جانب زعماء الغرب في شؤون منطقتهم، دون أن يجدوا منافذ تذكر للتعبير السياسي الموضوعي والمستمر، ولا الآليات السلمية اللازمة لتغيير حكامهم أو الهياكل السياسية القائمة، إذ ظلت السلطة السياسية وراثية بموجب القانون في الأردن، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، والدول الصغرى في الخليج العربي، كما تفرد بزمام السلطة زعماء الأحزاب السياسية التي طال أمد حكمها في بلدان أخرى مثل تونس، وسورية، والعراق، وليبيا، ومصر، واليمن. وفي فبراير/شباط، أصدر الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة، أمير البحرين، مراسيم من طرف واحد تعلن العمل بدستور جديد، وتغير لقبه إلى ملك البحرين.

    وكانت قوانين الطوارئ أو القوانين الاستثنائية، وهي التي لا يسمح القانون الدولي بها إلا في حالات الضرورة القصوى ولفترات محدودة، ما زالت سارية وتمثل قيوداً على الحقوق الأساسية في إسرائيل وإيران والجزائر والعراق ومصر، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، وكذلك في سورية، وكانت محاكم الأمن الخاصة، والمحاكم العسكرية التي يُحاكم المدنيون فيها، ولا تفي إجراءاتها بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، لا تزال تعمل في الأردن وإيران وتونس وسورية ولبنان ومصر، والضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما إسرائيل، والمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية. وواصلت المحكمة العسكرية في لبنان محاكمتها الجائرة للمدنيين بتهمة ارتكابهم جرائم سياسية. وقامت محكمة أمن الدولة في سورية بمحاكمة النشطاء السياسيين وإدانتهم بتهمة ارتكاب جرائم سياسية ذات صياغة غامضة، دون أن يُسمح باستئناف أحكامها، وأما المحاكم الثورية الإسلامية في إيران ومحكمة رجال الدين الخاصة، فقد اتسمت بالجور البالغ، ولم تكن تراعي إطلاقاً ضمانات الإجراءات السليمة، كما كانت تعقد جلسات مغلقة في العادة.

    وكان إجراء العدالة في بلدان أخرى تشوبه عيوب خطيرة، فلم تكن السلطة القضائية في تونس والجزائر تتمتع باستقلال يذكر، أو لم تكن تتمتع بالاستقلال إطلاقاً، عند التصدي للقضايا ذات المضمون السياسي. وكانت المحاكم الجنائية في المملكة العربية السعودية كثيراً ما تُعقد دون حضور المحامين، وكانت الاعترافات تُنتزع تحت وطأة التعذيب. والغريب أن معظم هذه الدول قد صادقت على "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وعلى "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة"، ومع ذلك كانت تنتهك حقوقاً أساسية مما تعتبره هاتان المعاهدتان الدوليتان غير قابل للتنصّل منه، حتى في أوقات الطوارئ الوطنية. وأفادت مجموعات حقوق الإنسان المحلية بأن إسرائيل عادت تدريجياً إلى استعمال التعذيب، إلى جانب زيادة حادة في سوء معاملة المحتجزين.

    وكانت مؤسسات المجتمع المدني المستقلة تتسم بالضعف أو لم يكن لها وجود أصلاً في معظم البلدان، كما تعرضت الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من الهيئات إلى الهجوم من جانب الحكومات في شتى أرجاء الإقليم، أو كانت تتعثر لأن القوانين لا تسمح لها بالقيام بصورة قانونية، كما ظلت مؤسسات رجال الدين المحافظة ثابتة وطيدة الأركان في إيران والمملكة العربية السعودية، فكانت تبطئ من مسيرة التقدم وتعرقل نشأة مؤسسات وطنية فعالة مستقلة.
    وأما الحكومات التي أتاحت مساحةً ما لسياسات المعارضة فقد واصلت حظر جماعات سياسية معينة - كثيراً ما كانت إسلامية الفكر - ومحاكمة أعضائها، إذ أبقت السلطات الجزائرية حظرها المفروض على "حزب الوفاء" استناداً إلى قربه الشديد من "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، التي فُرض عليها الحظر عام 1992 بعد أن أبلت بلاءً حسناً في الانتخابات. وواصلت تونس حبس من تتهمهم بالانتماء إلى "حزب النهضة" المحظور، وفي بعض البلدان الأخرى، مثل سورية والمملكة العربية السعودية، لم تكن هناك قوانين رسمية لتمكين جماعات المعارضة السياسية السلمية من الحصول على التصريح من الدولة بالعمل بحرية والمشاركة العلنية في النشاط السياسي، كما ظل الحظر المفروض على الأحزاب السياسية قائماً في البحرين، ولو أن الملك قد ألغى النص الوارد في القانون الانتخابي الجديد والذي كان يقضي بمنع الجمعيات والاتحادات القائمة من القيام بحملات انتخابية لصالح المرشحين.

    وكانت البرلمانات المنتخبة أو مجالس الشورى الوطنية المعيّنة تقوم بمهمة المصادقة التلقائية على ما تقرره السلطة التنفيذية، وكان بعضها يفتقر إلى السلطة اللازمة قانوناً للطعن في سياسات الدولة أو تقديم إصلاحات يُعتدّ بها. وأما الانتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها في عام 2002 في الأردن وفي اليمن فقد تأجلت حتى عام 2003، وكان سبب التأجيل الذي ذكرته الحكومة هو أن "الظروف غير مناسبة". وأجرت البحرين انتخابات المجالس البلدية في مايو/أيار، والانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول لانتخاب مجلس النواب الذي يتكون من أربعين مقعداً، في إطار المجلس الوطني الذي أعيد تشكيله؛ وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات تزيد على 53 في المائة، على الرغم من مقاطعة الانتخابات علناً من جانب أربع جمعيات سياسية مرتبطة باليسار الوطني والمعارضة الإسلامية.

    وكان أول سبب لذلك الاحتجاج على الانتخابات هو أن تقسيم الدوائر الانتخابية يحابي الأقلية السنية من السكان، مما أخل بالتناسب اللازم، وأما السبب الثاني فكان قرار الأسرة الحاكمة في الدستور الجديد الصادر في فبراير/شباط بأن يُمنح مجلس الشورى المعين عدداً مساوياً من المقاعد، وأن يشارك في العمل التشريعي. وعلى الرغم من عدم السماح بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، فقد عقدت "جمعية الوفاق"، وهي أهم جمعية إسلامية شيعية وأكبر الجماعات التي قامت بالمقاطعة، اجتماعاً جماهيرياً يُعتبر أكبر وأضخم اجتماع عُقد في إطار هذه الحملة، وكان اجتماعاً سلمياً قيل إن عدد من حضروه زاد على عشرين ألف شخص.
    وقامت حكومات مختلفة بحبس النقاد المسالمين البارزين، ونشطاء المجتمع المدني، ودعاة الإصلاح الديمقراطي. ففي مصر، حُكم على سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع، في يوليو/تموز، بالسجن سبع سنوات، وحُكم على سبعة وعشرين من زملائه بالسجن مدداً تتفاوت بين سنة واحدة وخمس سنوات. وفي ديسمبر/كانون الأول، قضت محكمة النقض بإلغاء الحكم وقررت إعادة محاكمته في يناير/كانون الثاني 2003. وفي سورية، حُكم على عارف دليله، أستاذ الاقتصاد، وعلى تسعة آخرين، بالسجن مدداً وصل بعضها إلى عشر سنوات. وفي المملكة العربية السعودية، لا يزال سعيد بن زوير، الأستاذ الجامعي وعميد إحدى الكليات، محتجزاً دون تهمة منذ القبض عليه في مارس/آذار 1995. وفي إيران تعرض كبار دعاة الإصلاح والمعارضين للاضطهاد من جديد بسبب التعبير السلمي عن آرائهم. ففي نوفمبر/تشرين الثاني، حُكم بالإعدام على هاشم أغاجاري، وهو محاضر من دعاة الإصلاح، بتهمة التجديف بعد أن طعن في السلطة المطلقة التي يتمتع بها الزعماء الدينيون. (وتذكرنا قضيته بقضية رجل الدين المتحرر حسن يوسفي راشقوري الذي قُبض عليه في أغسطس/آب 2000 بعد المشاركة في مؤتمر للإصلاح في برلين، كان مثار خلاف وجدل، ثم حكم عليه بالإعدام بعدها بتهمة الرّدّة، وعلى الرغم من أن الحكم قد ألغته محكمة الاستئناف، فقد ظل يوسفي عشقواري في السجن ولا يزال مسجوناً حتى وقت كتابة هذا التقرير، لقضاء الحكم بالسجن سبع سنوات). لكنه رغم التهديدات والمحاكمات والزج في السجون، وهو ما تفعله السلطة القضائية المتشددة، فقد شهدت إيران حركةً متوهجة من النقد للحكومة، وإن كان التقدم نحو الإصلاح لا يزال بعيد المنال.

    وكانت قوانين الصحافة والمطبوعات تفرض القيود وتمنح المسؤولين في العديد من البلدان سلطاتٍ واسعة لتوجيه التهم إلى الصحفيين، والرقابة على المعلومات وحجبها، وحظر بعض الصحف والمجلات أو إغلاقها. فقانون الصحافة الجديد في البحرين، الصادر بموجب المرسوم رقم 47/2002 في نوفمبر/تشرين الثاني، لا يزال يلزم المطبوعات الجديدة بالحصول على تراخيص يوافق عليها مجلس الوزراء من خلال وزارة الإعلام، كما أنه يسمح بمصادرة وحظر المطبوعات "من خلال القنوات الشرعية المناسبة". وبعض الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون تتسم بغموض الصياغة، مثل سب الدين الرسمي للدولة، وبعضها الآخر ينتهك الحق في حرية التعبير انتهاكاً واضحاً، مثل انتقاد الملك بسبب سياسات الحكومة، أو نشر أخبار تضر بقيمة العملة الوطنية.

    وفي لبنان أصدرت إحدى المحاكم أمراً في 4 سبتمبر/أيلول يقضي بإغلاق محطة تليفزيون "إم تي في" إلى أجلٍ غير مسمى، وهي محطة تنتمي إلى القطاع الخاص، وكذلك محطة الإذاعة التابعة لها، وهي "إذاعة جبل لبنان"، الأمر الذي أحدث ضجة سياسية كبرى، واعتُبر نكسة هائلة لحرية التعبير. وقضى قرار محكمة المطبوعات التي أصدرت ذلك الحكم بأن محطة "إم تي في" التي انتقدت علناً الوجود السوري في لبنان، قد خرقت مادة من قانون انتخاب أعضاء المجلس النيابي بإذاعتها "دعاية سياسية غير مصرحٍ بها" أثناء حملة الانتخابات الفرعية في يونيو/حزيران 2002 لشغل مقعد خلا من مقاعد المجلس النيابي، وكان صاحب المحطة غبريال المر، السياسي المعارض، مرشحاً في تلك الدائرة الانتخابية، وقامت وزارة الداخلية في أعقاب إغلاق المحطة بحظر أي مظاهرة أو اعتصام مما اعتزمه البعض، كما قامت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين بالقوة في بيروت يوم 7 سبتمبر/أيلول. وصدر حكم يؤيد قرار محكمة المطبوعات يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول، الأمر الذي حرم أربعمائة عامل من وظائفهم. وعلق العماد ميشال عون، زعيم المعارضة المقيم في المنفى، على ذلك قائلاً إن مثل هذه الإجراءات من شأنها تحويل لبنان إلى "صورة قبيحة طبق الأصل من سورية".

    السير في طريق المساءلة والعدالة: مزيج من النجاح والفشل

    استمر المسؤولون الحكوميون، الحاليون والسابقون، كما استمرت قوات الأمن التي سبق لها ارتكاب انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، في التمتع بالإفلات من العقاب، وكانت النتيجة المحتومة هي استمرار أنماط الاعتقال مدة طويلة بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب، وغير ذلك من الانتهاكات. وكان ضحايا التعذيب على أيدي أجهزة الأمن الداخلي المتميزة في شتى وزارات الداخلية - مثل جهاز مباحث أمن الدولة في مصر، أو جهاز المباحث العامة في المملكة العربية السعودية - لا يمكنهم التمتع بإجراء تحقيقات مستقلة أو التطلع إلى عدالة حقيقية.

    فلقد شهدت الجزائر حالات فردية حوكم فيها بعض رجال الشرطة، والدرك وأفراد جماعات الدفاع الذاتي، ولكن جهاز الأمن العسكري الرهيب ظل بمنأى عن المساس به. وكذلك فإن أعضاء الجماعات المسلحة الذين استفادوا من العرض الذي تقدمت به الحكومة الجزائرية للعفو عنهم، أفلتوا، في الأغلب والأعم، من التحقيق القضائي معهم بشأن أفعالهم السابقة، بما في ذلك جرائم القتل العمد.
    وفي سورية والعراق، ظلت المساءلة مستبعدة تماماً، في ظل حكم البعث في كلا البلدين، عن الانتهاكات السابقة البشعة لحقوق الإنسان، مثل أعمال القتل الجماعي خارج نطاق القضاء، و"الاختفاء"، والاعتداءات العسكرية دون تمييز على السكان المدنيين. وفي البحرين أصدر الملك عدة مراسيم بقوانين، ولم يكن بمقدور المجلس الوطني أن يعيد النظر فيها بأثر رجعي. فالمرسوم بقانون رقم 56/2002 يقضي فعلياً بعدم رفع أية دعاوى مدنية على أي مسؤول يُزعم أنه كان ضالعاً في أي انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان سبق ارتكابها قبل صدور العفو العام في إطار برنامج الإصلاح السياسي الذي بدأه الملك في فبراير/شباط 2001.
    وفي خضم هذه الصورة المدلهمة، لاحت بوارق مبادرات مهمة للتحقيق مع مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ومساءلتهم عنها - ومنها التعذيب، وحالات الإعدام الفوري، و"الاختفاء" - واستمرت هذه المبادرات في عدة بلدان، وكانت تحمل في طيَّاتها الوعد المأمول بأن تتمكن تقاليد المساءلة من أن تضرب بجذورها في هذه البلدان، ولو ببطء؛ إذ أُحيل إلى المحاكمة في المحاكم المحلية بعض من زعم ارتكابهم للانتهاكات في بعض الحالات؛ مثلما حدث في مصر، حيث حكم بالحبس ثلاث سنوات على أربعة من ضباط الشرطة في قضيتين منفصلتين في أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول، بسبب وفاة اثنين من المحتجزين. ويبدو أن هاتين الضحيتين قد تعرضتا للصدمات الكهربائية وغيرها من أشكال التعذيب. وفي حالات أخرى حاول البعض تحقيق العدالة خارج البلاد بموجب مبدأ "الولاية القضائية العالمية"؛ وهكذا شهدت فرنسا لجوء ضحايا التعذيب من الجزائريين إلى طلب محاكمة خالد نزار الذي كان وزيراً للدفاع في الجزائر من عام 1990 إلى عام 1993 قائلين إنه يتحمل مسؤولية القيادة فيما يتعلق بالتعذيب الذي تعرضوا له على أيدي مرؤوسيه، على حد قولهم. وقد نظرت المحاكم قضايا منفصلة حكمت فيها برفض هذه الشكاوى استناداً إلى أن الأدلة التي تربط الوزير السابق بأحداث التعذيب ليست أدلة مفحمة إلى الحد اللازم، وفي مقابل ذلك تمكنت إحدى ضحايا التعذيب، وهي تونسية مقيمة بالمنفى، من إقناع قاضٍ فرنسي بإصدار إذن دولي بالقبض على خالد بن سعيد، في فبراير/شباط، وهو دبلوماسي في ستراسبورغ، وزعمت الشاكية في عريضة الدعوى أن بن سعيد كان يشغل في عام 1996 وظيفة ضابط الشرطة الذي يتولى الإشراف عندما قام المحققون في جندوبة بربط كاحليها ومعصميها معاً وضربوها بالعصي وقبضات أيديهم، ولكن بن سعيد ما لبث أن اختفى بعد إصدار الإذن المذكور.

    كما حدثت تطورات في القضية المنظورة في بلجيكا، والتي رفعها ثلاثة وعشرون من الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر/أيلول 1982، من بين ما لا يقل عن تسعمائة مدني كانوا يقيمون في مخيمات صبرا وشاتيلا في بيروت؛ وكانوا قد رفعوا هذه القضية في يونيو/حزيران 2001 ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، وضد اللواء (احتياط) عاموس يارون مدير عام وزارة الدفاع، ويتهمون فيها شارون، الذي كان وزيراً للدفاع آنئذ، ويارون الذي كان عميداً في جيش الدفاع الإسرائيلي وقائداً للفرقة آنذاك، وغيرهما من الإسرائيليين واللبنانيين الذين لم تُذكر أسماؤهم، بأنهم يتحملون المسؤولية الجنائية عن قتل واغتصاب و"اختفاء" المدنيين؛ وقال المدّعون إن هذه الأفعال مجتمعة تشكل جريمة الإبادة الجماعية وجريمة ضد الإنسانية، وجرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف، وأنها تستوجب العقاب وفق القانون البلجيكي، ولكن إحدى محاكم الاستئناف البلجيكية حكمت في 26 يونيو/حزيران 2002 بأنه على الرغم من تمتع المحاكم البلجيكية بالولاية القضائية، فإن القضية مرفوضة شكلاً لأن المتهمين غير موجودين في الأراضي البلجيكية. وقام محامو المدعين بالطعن في الحكم أمام محكمة النقض في 3 يوليو/تموز قائلين إن ذلك الحكم يتناقض نصاً وروحاً مع قانون الولاية القضائية العالمية في بلجيكا لعام 1993 (الخاص بجرائم الحرب) وتعديل ذلك القانون الصادر عام 1999 والذي يوسع من نطاقه ويجعله ينطبق على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية.

    وكانت هذه الجهود الوليدة لتأكيد المسؤولية عن انتهاكات الماضي تتناقض مع الفتور الذي أبدته حكومات المنطقة إزاء المحكمة الجنائية الدولية، إذ إن هذه المحكمة التي سوف تنظر جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، إذا ما تقاعست المحاكم الوطنية عن التصدي لها، لم تلق في البداية إلا استقبالاً فاتراً من جانب حكومات المنطقة، فلم يوقع عليها في عام 1998 إلا الأردن، وكانت إسرائيل والعراق من بين الدول السبع التي صوّتت ضدها، وانتهى الأمر بأن وقعت اثنتا عشرة دولة من دول المنطقة على المعاهدة؛ وقد وقّع معظمها في الأسابيع الأخيرة من عام 2000، أي قبيل انتهاء المهلة يوم 31 ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام. وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2002 لم يكن قد صادق على المعاهدة إلا بلد واحد هو الأردن، وعلى العكس من ذلك كان زعيم حزب الليكود الإسرائيلي قد أعد مشروعاً بقانون يجرّم التعاون مع المحكمة المذكورة، وكان المقرر أن يتقدم به وقت كتابة هذا التقرير. وقد أجرت منظمة العفو الدولية مسحاً للقوانين المحلية القائمة ذات الصلة بالمحاكمة في ظل الولاية القضائية العالمية، وهو المسح الذي كشف عن نتائج مهمة، إذ انتهى إلى أن القوانين الوطنية في الأردن، وإسرائيل، وإيران، والجزائر، وسورية، ولبنان، ومصر، واليمن - أي في ثمانية بلدان على الأقل - يمكن أن تسمح بالمحاكمات الجنائية للانتهاكات الخطيرة لاتفاقات جنيف، وغيرها من جرائم الحرب، أو الجرائم الأقل خطورة التي يرتكبها في الخارج أجانب من المقيمين في تلك البلدان.

    الخسائر المتزايدة: الضحايا المدنيون في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني تكثفت وازدادت وحشية المصادمات بين القوات العسكرية الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة، كما فشل الطرفان والمجتمع الدولي فشلاً ذريعاً في ضمان الحماية للمدنيين، الأمر الذي ألقى بظلاله الكثيفة على الجهود الرامية لتحقيق المزيد من الاحترام للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في شتى أرجاء المنطقة، وقد صدرت في عام 2002 ثلاثة تقارير عن منظمة هيومن رايتس ووتش تتناول تدهور الأوضاع وهي ملخصة في آخر هذا العرض الشامل.
    وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2002، كان قد قتل نحو 2500 فلسطيني وما يربو على 650 إسرائيلياً، كثير منهم من المدنيين، منذ اندلاع العنف في سبتمبر/أيلول 2000، كما جُرح ما لا يقل عن واحد وعشرين ألف فلسطيني وألفي إسرائيلي، ومن بينهم أفراد أصيبوا بعاهاتٍ مستديمة، وارتكبت قوات الأمن الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة انتهاكات خطيرة لقواعد الحرب إما بتعمد الاعتداء على المدنيين أو بالاستهانة بأرواح المدنيين الأبرياء استهانة خطيرة وبصورة منظمة. وإذا كانت الانتهاكات القديمة قد استمرت وتعمقت فقد ظهرت صور جديدة من الانتهاكات.
    فلقد حدث أثناء عمليات الاجتياح العسكرية المتكررة في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وإعادة احتلال معظم هذه المناطق في النهاية، أن تطرف جيش الدفاع الإسرائيلي في استخدام القوة المفضية إلى الموت؛ وقتل المدنيين الفلسطينيين عمداً ودون وجه حق؛ وإحداث أضرار لا مبرر لها بمنازل المدنيين وممتلكاتهم، والنهب والسرقة أثناء حملات التفتيش إلى درجة لم تشهدها السنوات السابقة؛ واحتجاز ما لا يقل عن 4500 من الفلسطينيين الذكور. ومن التطورات الجديدة قيام السلطات الإسرائيلية أحياناً بتعمد منع المراقبين الأجانب من دخول البلد، وكان من بينهم الصحفيون ودعاة حقوق الإنسان، ومبعوثو الأمم المتحدة لتقصي الحقائق. كما أعاقت السلطات الإسرائيلية مراراً وتكراراً وصول سيارات الإسعاف إلى المصابين، وأعاقت فرق الطوارئ الطبية، بل واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وكان من بين الانتهاكات الأخرى لمبدأ حصانة المدنيين إنزال العقوبات الجماعية التي اتخذت صورة تكثيف وزيادة نطاق القيود المفروضة على التنقل، وفرض حظر التجول فترات طويلة على الفلسطينيين في المدن والقرى، واحتجاز الرهائن من المدنيين، وإرغامهم - ومن بينهم أطفال - على القيام بأعمال تعرض حياتهم للخطر، لمساعدة جيش الدفاع الإسرائيلي في عملياته، واستخدامهم "دروعاً بشرية". وأما الهجمات الانتحارية التي شنتها الجماعات الفلسطينية المسلحة على المدنيين فقد ازدادت معدلات وقوعها في الشطر الأول من عام 2002 زيادة لم يسبق لها مثيل، فكانت أمثال هذه الهجمات تقتصر في الأعوام السابقة على حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، ولكن مطلع عام 2002 شهد انضمام "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"كتائب شهداء الأقصى" إلى القائمين بها. إلا إن السلطة الفلسطينية، رغم إدانتها المتكررة لهذه الهجمات، لم تتخذ خطوات حاسمة ضد هذه الجماعات في الوقت الذي كانت لا تزال فيه قادرة على كبحها؛ وما أن انتصف العام حتى كانت قدرة السلطة الفلسطينية على الحفاظ على القانون والنظام قد قاربت الانعدام.

    وانتهى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام الذي كانت السلطة الفلسطينية تلتزم به، في يوم 6 يونيو/حزيران، وهو اليوم الذي أُعدم فيه رجلان رمياً بالرصاص في أعقاب محاكمة لم تستغرق سوى ثلاث ساعات في محكمة أمن الدولة في غزة. وقد أصدرت محاكم أمن الدولة الفلسطينية أحكاماً بالإعدام على ثلاثة عشر شخصاً على الأقل بعد محاكماتٍ سريعة لم تتحقق فيها المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، كما قام الفلسطينيون المسلحون بقتل ما لا يقل عن اثنين وعشرين شخصاً ممن زُعم تعاونهم مع إسرائيل، وذلك في هجمات بالشوارع قاموا بها على سبيل الاقتصاص الفوري.
    وكان من أهم ما يدعو للقلق ثبات ظاهرة الإفلات من العقاب ورسوخها؛ إذ تكرر تقاعس السلطات الإسرائيلية عن إجراء التحقيقات في الوقت المناسب، أو إجرائها على نحو مقنع، في المخالفات العديدة التي ارتكبها أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي، وكان من بينها قتل المدنيين الفلسطينيين عمداً أو دون وجه حق؛ وأما إذا أجرت مثل هذه التحقيقات، فنادراً ما كانت تعلن نتائجها. كما امتنعت السلطة الفلسطينية هي الأخرى عن محاكمة المسؤولين عن تخطيط وتنفيذ هجمات التفجير الانتحارية وغيرها من الهجمات على المدنيين الإسرائيليين عندما كان بيدها أن تفعل ذلك؛ وكان كل من الطرفين يبرر انتهاكات القانون الدولي بالإشارة إلى تكرار انتهاك الطرف الآخر للمواثيق الدولية نفسها.

    استمرار استهداف المدنيين في الجزائر

    ويمكننا أن نرى تجاهلاً مماثلاً لمبدأ حصانة المدنيين في الجزائر، فرغم الهبوط العام في مستوى العنف السياسي، كان المتوسط الشهري لعدد القتلى يبلغ 125، نتيجة هذا العنف، ومعظمهم من المدنيين. وإذا كانت حكومة الرئيس بوتفليقة تستطيع أن تقول إنها قد أعادت درجة ما من الأمن إلى المدن الكبرى، فإن جماعات المتمردين بما في ذلك "الجماعة الإسلامية المسلحة"، قد واصلت اعتداءاتها على المدنيين دون تمييز في الريف والمدن الصغيرة.

    واستمرت قوات الأمن، هي الأخرى، في التمتع بالإفلات من العقاب تقريباً في مناهضتها للجماعات المسلحة، وأحياناً في تعدِّيها على السكان المدنيين؛ فكانت تلجأ إما إلى قتل من تشتبه في انتمائهم إلى الجماعات المسلحة، وأحياناً ما كان ذلك في ظروفٍ مريبة، أو إلى احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لفترة أطول مما يسمح به القانون، الأمر الذي كان يعرضهم لخطر التعذيب أو سوء المعاملة. وعلى الرغم من الانتهاكات التي دأبت قوات الأمن على ارتكابها أثناء قمعها مظاهرات البربر عام 2001، لم يُقدم للعدالة من أفراد تلك القوات سوى اثنين أو ثلاثة، واستمرت قوات الأمن في القيام بعملياتها في منطقة القبائل عام 2002، وهي العمليات التي قامت في غضونها بنهب وسلب المنازل والمتاجر، بل وضرب المارة من المدنيين في الشوارع.

    النضال في سبيل المساواة بين الجنسين

    على الرغم من بعض التقدم الذي تحقق في مجال السياسات الانتخابية، فقد كانت المرأة تواجه التمييز بين الجنسين بصورة منتظمة، وخصوصاً في الدول التي تطبق قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الدين، وحيث قوانين الأسرة التي تتسم بالتمييز الصارخ والتي تمنح الزوج حقوقاً أكبر من حقوق الزوجة من حيث الطلاق والوصاية على الأطفال والميراث. وقد سمحت المملكة العربية السعودية للمرأة باستصدار بطاقة هوية خاصة بها لأول مرة، ولكنها لم تقم بإزالة العقبات الكأداء التي تحول دون المساواة بين الجنسين، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التنقل، على الرغم من توقيعها على "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" في عام 2000. وكانت المرأة في سورية تواجه التمييز في القانون الجنائي وغيره من قوانين الأحوال الشخصية القائمة على الدين، فكان من حق الزوج أن يطلب من وزارة الداخلية منع زوجته من مغادرة البلاد، كما كانت القوانين التمييزية في مصر ودول أخرى كثيرة لا تسمح للمرأة المتزوجة من أجنبي أو من رجل بلا جنسية من نقل جنسيتها إلى أطفالهما، وأما الأردن فقد خالفت ذلك مخالفة لقيت الترحيب، إذ أصدرت في نوفمبر/تشرين الثاني قانوناً يسمح للمواطنة المتزوجة من أجنبي بنقل جنسيتها إلى أطفالهما، ويسمح لها باستصدار جواز سفر دون إذن كتابي من زوجها.

    وقد أدى الوضع الثانوي للمرأة في الأسرة والمجتمع، وتهميشها وانخفاض مستوى تمثيلها في الحياة العامة، إلى زيادة تعريضها للعنف المنزلي، دون أن يجري الإبلاغ عن جميع أحداث العنف المذكورة؛ وحين يجري الإبلاغ عن حادثة، كانت المرأة تواجه تحقيقات قاصرة ومتحيزة، إلى جانب نقص الانتصاف القانوني لها، ونقص خدمات المحامين والملاجئ الوقائية التي تفتقر إلى التمويل الكافي. وقد استمر وقوع المرأة - في الأردن وبعض البلدان الأخرى - ضحية لما يسمى بجرائم العرض والشرف، وهي الجرائم التي يقوم فيها أفراد الأسرة الذكور بقتل الإناث حتى "يغسلوا شرف" العائلة - وكان مرتكبو هذه الجرائم يفلتون عادة من العقاب. ومن الأمثلة على ذلك ما نشرته صحيفة "جوردان تايمز" اليومية بتاريخ 19 مايو/أيار، إذ قام جمال محمود في يونيو/حزيران 2001 بقتل ابنة عمه طعناً بسبب حملها قبل الزواج من خطيبها والد الجنين، فأدانته محكمة الجنايات بارتكاب جنحة، لا جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، استناداً إلى المادة 98 من قانون العقوبات الأردني، قائلة إنه فعل ذلك في سورة غضب جامح، وشرحت المحكمة في حيثيات الحكم أن ما فعلته القتيلة - وهو الحمل دون زواج - جلب العار على أسرتها وثَلَم شرفها، الأمر الذي دفع جمال محمود "إلى أن فقد أعصابه فطعنها حتى لفظت أنفاسها دون أن يدرك عواقب ما يفعل" - حسبما ورد في الصحيفة المذكورة. كما أصدرت المحكمة حكماً بالبراءة على محمود من تهمة الإجهاض "لأن نواياه كانت موجهة إلى قتل ابنة عمه التي جلبت له العار لا إلى قتل الجنين في بطنها".

    وقامت مظاهرات سلمية متنافسة في البحرين، في أكتوبر/تشرين الأول، وكانت تنافس بعضها بعضاً، في أعقاب اقتراح الحكومة سنّ قانون جديد للأحوال الشخصية يتضمن تحديد حد أدنى لسنّ الزواج، وهو و16 سنة للإناث و18 سنة للذكور، ويلزم الرجل بإعالة زوجته بعد الطلاق وأطفاله القصّر منها. فكانت مظاهرات النساء تطالب بسنّ قانون موحد بدلاً من إصدار قانونين مستقلين لكل من طائفتي الشيعة والسنّة، حسبما تقترح الحكومة، وكانت مظاهرات الزعماء الدينيين وطلابهم، ومن بينهم إناث، تعارض إجراء أي تغيير في القانون القائم حالياً، وهو الذي يمنح سلطة البت في قضايا الأحوال الشخصية للمحاكم الشرعية، ويسمح لها بتطبيق تفسيراتها الخاصة للشريعة الإسلامية.

    وزادت بعض الانتخابات التي عُقدت أثناء العام من الفرص المتاحة للمرأة إما بالتصويت أو بترشيح نفسها لمقاعد نيابية؛ فلقد فازت المرأة بخمسة وثلاثين مقعداً من مقاعد مجلس النواب المغربي الذي يبلغ عدد أعضائه 325 عضواً، في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر/أيلول، مما بوَّأ المغرب مكان الصدارة بين الدول العربية من حيث التمثيل السياسي للمرأة؛ وجاءت سورية بعد المغرب، إذ تشغل المرأة خمسة وعشرين مقعداً من مقاعد البرلمان الذي يبلغ أعضاؤه 250 عضواً، وتليها تونس حيث تشغل المرأة 16 مقعداً من بين 175 عضواً بالبرلمان، ثم مصر حيث تشغل المرأة أحد عشر مقعداً في مجلس الشعب. وكانت الحكومة المغربية الجديدة التي كلفها الملك محمد السادس تضم اثنين وعشرين يدخلون الوزارة لأول مرة، من بينهم امرأتان، ولكن الحكومة الجزائرية الجديدة تضم خمس وزيرات. ولحقت البحرين بقطر وعمان، فأصبحت بلدان الخليج العربي الثلاثة التي تتيح للمرأة حق التصويت والترشيح في الانتخابات، وفي البحرين عُقدت الانتخابات البلدية في مايو/أيار والانتخابات التشريعية الوطنية في أكتوبر/تشرين الأول، وقد ورد في الأنباء أن عدد الذين أدلوا بأصواتهم من الرجال كان يقل في الحالتين عن عدد النساء اللاتي صوتن فيهما؛ ورغم عدم انتخاب أي امرأة، فقد وصلت اثنتان إلى المرحلة الثانية - أي مرحلة الإعادة - في الانتخابات التشريعية وأحرزتا نتائج طيبة.

    حقوق الأطفال

    كان الأطفال يُحرمون من الجنسية في البلد الذي ولدوا فيه، في معظم بلدان المنطقة، إذا لم يكن آباؤهم من حاملي جنسية ذلك البلد، الأمر الذي ينتقص من حقوق الأطفال ويؤدي بالبعض إلى عدم حمل أي جنسية على الإطلاق. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية الصادرة في إبريل/نيسان إلى أن 15 في المائة من أطفال المنطقة، بين سن الخامسة والرابعة عشر، يعملون؛ وينطوي عملهم في حالات كثيرة على أخطار أو يتسم بالاستغلال وينتهك الحق في التعليم وفي الصحة. وكان من الأرجح أن تتعرض الفتيات للتمييز ضدهن في التعليم، شأنهن شأن أطفال الفقراء والريفيين والأقليات؛ ولم تكن نظم الرعاية الاجتماعية ونظم العدالة الخاصة بالأحداث توفر الحماية اللازمة للأطفال الذين يواجهون ظروفاً عسيرة، وكان الأطفال من الفقراء أو ممن تعرضوا للإيذاء ويعيشون أو يعملون في الشوارع يقعون أحياناً في حلقة مفرغة من القبض التعسفي عليهم، وسوء معاملتهم في الحجز، ثم إطلاق سراحهم ليعودوا إلى الشوارع مرة أخرى.

    ولم ترصد حكومة المغرب بانتظام حالة آلاف الأطفال المغاربة الذين يدخلون إسبانيا كل عام دون مرافق ودون الحصول على الوثائق اللازمة، بل ولم تسهِّل الحكومة إعادة الأطفال إلى بلدهم حين يكون ذلك لصالح الطفل. وقد انتهت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في مايو/أيار 2002 بعنوان "هل من ملاذ؟" إلى أن شرطة الحدود دأبت على ضرب الأطفال الذين تطردهم إسبانيا، وسرقة ممتلكاتهم، واحتجازهم في زنزانات مكتظة مع الكبار. وكان الأطفال الذين قد لا يتجاوزون العاشرة من عمرهم يُحتجزون ساعات طويلة، محرومين من الطعام والماء والمراحيض قبل أن تفرج الشرطة عنهم، وأحياناً ما كان ذلك في وقت متأخر من الليل. وعلى الرغم من وجود أعداد كبيرة من الأطفال دون مُرافقين في البلدان المغربية في المدن الحدودية والمرافئ المغربية، فلم تفعل الحكومة شيئاً يُذكر لضمان رعايتهم وإعادة تأهيلهم، بل اقتصرت في العادة على توفير المأوى للأطفال المدانين بارتكاب بعض الجرائم، فكانت تودعهم معتقلات الأحداث التي لا تتحقق فيها المعايير الدولية.

    تعرض العمال الأجانب للمخاطر

    ظل العمال المهاجرون في شتى أرجاء الإقليم، وخصوصاً النساء اللائي يقمن بأعمال منخفضة الأجر، عرضةً للتضرر من الاستغلال الاقتصادي وغيره من ألوان الإساءة. ففي بعض البلدان، مثل المملكة العربية السعودية حيث يحتفظ الكفيل بجوازات سفر العاملين لديه وغيرها من وثائق الهوية المهمة، كان مئات الآلاف من الأشخاص يكابدون ظروف العمل الشاقة، والقيود الصارمة المفروضة على حرية التنقل، وضيق الاختيارات المتاحة لطلب الانتصاف لأنفسهم بموجب القانون. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، يمثل العمال الأجانب نحو 75 في المائة من السكان، ومع ذلك فمن غير المسموح لهم تنظيم نقابات خاصة، كما حُظر على العمال المهاجرين الانضمام إلى النقابات في اليمن أو إلى "لجان العمل" التي سُمح بها

    أخيراً في المملكة العربية السعودية.

    وقام الاتحاد الدولي للنقابات الحرة، ومقره في بروكسل، بفحص الظروف في هذه المنطقة، في المسح السنوي لانتهاكات حقوق النقابات المنشور في 18 يونيو/حزيران، وأشار ذلك التقدير إلى "انتشار" الإساءة إلى العمال المهاجرين في المملكة العربية السعودية، وقال إن ذلك يدل على "الظروف البشعة التي ما زال معظم العمال المهاجرين يعانون منها في جميع دول الخليج" وأشار إلى أن العاملين بالمنازل يعملون، بصفة خاصة "في ظروف تقترب من العبودية" ويكابدون الإساءات البدنية والجنسية، ونقص الطعام، وضآلة الأجور أو عدم دفع أجور لهم على الإطلاق، وأبرز الاتحاد الدولي المذكور حالة لبنان قائلاً إن العاملين والعاملات بالمنازل فيه، وخصوصاً الإثيوبيات، "يعانين مر المعاناة من الافتقار إلى الحماية القانونية" وإن كثيراً منهم "محتجزون في ظروف تقارب الاسترقاق" وأشار أيضاً إلى أن العمال الأجانب في الأردن الذين يبلغ عددهم مليون شخص، محظور عليهم الانضمام إلى النقابات، أو الدخول في مساومات جماعية أو القيام بإضرابات، وإلى أن مظلة الحماية التي يوفرها قانون العمل لا تمتد إلى العمال الزراعيين.
     
    الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • البيان الصحفي
  • نظرة على الشرق الأوسط
  • الجزائر
  • مصر
  • إيران
  • العراق وكردستان العراق
  • إسرائيل والسلطة الفلسطينية
  • سوريا
  • السعودية
  • تونس
  • 2002
    2001
    2000
    1999
    التقارير السنوية السابقة >> الجزء السابق  Arabic Home الجزء التالي