World Report 2003 in English  هيومان رايتس ووتش
منظمة " مراقبة حقوق الإنسان"
التقرير السنوي لعام 2003
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يتناول الفترة من نوفمبر2001 إلىنوفمبر 2002
  HRW World Report 2003
التطورات في مجال حقوق الإنسان || الدفاع عن حقوق الإنسان || دور المجتمع الدولي
إسرائيل، والضفة الغربية وقطاع غزة المحتلان، ومناطق السلطة الفلسطينية
التطورات في مجال حقوق الإنسان
استمرت أحداث العنف التي تفجرت في سبتمبر/أيلول 2000 وازدادت كثافتها في عام 2002، وازدادت أعداد المدنيين الذين يدفعون ثمن الانتهاكات الصارخة المتكررة للقانون الإنساني الدولي، والتي ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة، فكان عدد القتلى لا يقل عن 1949 فلسطينياً و637 إسرائيلياً في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2000 وأواخر أكتوبر/تشرين الثاني 2002، معظمهم من المدنيين، وكان من بينهم 292 طفلاً فلسطينياً و79 طفلاً إسرائيلياً؛ كما نشأت أنماط جديدة من الانتهاكات، وازدادت كثافة الأنماط القديمة، وازداد ارتكاب بعض الممارسات الآثمة بعد أن كانت معدلاتها قد انخفضت.

إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة المحتلان ظلت الحكومة الائتلافية التي يرأسها أرييل شارون تعتبر السلطة الفلسطينية، على ما أصابها من ضعف شديد، مسؤولة عن جميع الهجمات المسلحة التي قام بها الفلسطينيون. وفي أعقاب تدمير مركز التجارة العالمي في سبتمبر/أيلول 2001، بدأ الوزراء الإسرائيليون يحاكون عمداً لغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فوصفت السلطات الإسرائيلية جميع الأنشطة الفلسطينية المسلحة بأنها أعمال إرهابية، وبررت الأعمال العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة قائلة بأنها جزء من "الحرب العالمية ضد الإرهاب".

وعادت الحكومة الإسرائيلية في فبراير/شباط إلى طرح "قانون المقاتلين دون وجه حق" على الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، وهو القانون الذي كان يقصد به أصلاً إضفاء المشروعية، بأثر رجعي، على استمرار احتجاز المواطنين اللبنانيين الشيخ عبدالكريم عبيد (الذي اختُطف من لبنان في يوليو/تموز 1989) ومصطفى الديراني (الذي اختُطف من لبنان في مايو/أيار 1994)، اللذين تحتجزهما إسرائيل كرهينتين. وفي 7 مارس/آذار 2002، أقر الكنيست القانون الذي يبيح للجيش احتجاز الأفراد بصورة تعسفية وإلى أجل غير مسمى استناداً إلى افتراض ارتكاب جريمةٍ ما لا إلى ثبوت ارتكابها.

وبتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2001 تصاعد عدد وخطورة الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الجيش الإسرائيلي. وأخذت "حملات الاعتقال" العسكرية المتكررة في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية تزداد نطاقاً وكثافة حتى قامت قوات الجيش الإسرائيلي، في مارس/آذار 2002، بتعبئة نحو 30 ألف جندي، في "عملية الدرع الواقي" التي ورد أنها أضخم عملية عسكرية قامت بها إسرائيل منذ غزو لبنان في عام 1982. وقد تطرف الجنود الإسرائيليون في استعمال القوة دون تمييز، مراراً وتكراراً، في إطار هذه العملية، فقتلوا المدنيين عمداً ودون وجه حق، بل كانوا يستخدمون المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرياً، كما أحدث جنود الجيش الإسرائيلي أضراراً بالمنازل والمتاجر والمكاتب الحكومية، ولجأوا إلى النهب والسلب في غضون عمليات التفتيش، وكانوا يرغمون المدنيين على المعاونة في العمليات العسكرية، بل إنهم احتجزوا ما لا يقل عن 4500 رجل وصبي فلسطيني، وورد أن الكثيرين منهم أسيئت معاملتهم إبان القبض عليهم والتحقيق معهم. وفي الفترة من 29 مارس/آذار إلى 19 أبريل/نيسان وضعت السلطات الإسرائيلية العراقيل في وجه من يريد الدخول من المراقبين الأجانب، وكان من بينهم الصحفيون، ونشطاء حقوق الإنسان، وممثلو الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد تجلت في هذه الانتهاكات أنماط الاعتداء التي ازدادت سوءاً باطراد منذ سبتمبر/أيلول 2000، وكانت تدل، إلى حد ما، على ما يتمتع به الجنود الإسرائيليون من حصانة فعلية تجعلهم بمأمن من المساءلة والعقاب.

واستمر لجوء قوات الأمن الإسرائيلية إلى الإفراط في استعمال القوة المفضية إلى الموت دون تمييز، مما أدى إلى مصرع الكثيرين من المدنيين وإصابة العديد بجروح خطيرة. ففي مدينة جنين سجلت منظمة هيومن رايتس ووتش مقتل اثنين وعشرين مدنياً خلال العمليات العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في أبريل/نيسان، وقد قتل الكثيرون من هؤلاء عمداً أو دون وجه حق، وكان مقتلهم في بعض الحالات يمثل جرائم حرب؛ فقد أطلقت النار على كمال صغير، البالغ من العمر 57 عاماً، وهو مُقعد لا يبارح كرسيه المتحرك، ثم داسته دبابات الجيش الإسرائيلي يوم 10 أبريل/نيسان، أثناء سيره بكرسيه رافعاً راية بيضاء في طريق رئيسي من طرق جنين. كما تعرض جمال فايد، الذي كان في السابعة والثلاثين من عمره، وهو مصاب بشلل كامل، للسحق حتى الموت وسط حطام منزله يوم 7 أبريل/نيسان عندما رفض جنود الجيش الإسرائيلي السماح لأسرته بإخراجه من المنزل قبل أن تقوم جرافة بتدمير المنزل. وكان على السلطات الإسرائيلية، بموجب القانون الدولي، أن تجري تحقيقاً جنائياً في هذين الحادثين وغيرهما من أحداث القتل لتحديد المسؤولية الفردية عن كل منها، ولكن الجيش الإسرائيلي لم يستجب، حتى وقت كتابة هذا التقرير، للطلبات المتكررة التي قدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش، والتي تستفسر فيها عما إذا كان الجيش الإسرائيلي قد قام بالتحقيق المطلوب في أعمال القتل المذكورة.

وفي أعقاب خمس هجمات انتحارية بالقنابل في غضون أربعة أسابيع (انظر ما يلي)، أعلن رئيس الوزراء أرييل شارون يوم 18 يونيو/حزيران أن الجيش الإسرائيلي سوف يعيد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة "مادام الإرهاب مستمراً"، فعادت القوات الإسرائيلية إلى احتلال جميع المراكز السكانية الكبرى، باستثناء أريحا، وفرضت أقسى القيود وأشدها حتى الآن على تنقل المدنيين في الأراضي المحتلة. وأعلنت السلطات الإسرائيلية في 7 أغسطس/آب استعدادها للانسحاب من بيت لحم في مقابل تدابير أمنية فلسطينية صارمة ضد أعضاء الجماعات المسلحة. وانسحبت القوات الإسرائيلية من وسط مدينة بيت لحم في آخر أغسطس/آب، لكنها عادت إليها في 22 نوفمبر/تشرين الثاني.

وواصل الجيش الإسرائيلي قتل المدنيين العزل من الفلسطينيين على مدار العام كله، وقد تفاقم عدد القتلى والجرحى بسبب السياسات الإسرائيلية، التي اتسمت بقلة الاكتراث بحياة المدنيين، وكان من بينها سياسة استخدام القوة المفضية إلى الموت ضد المدنيين لفرض حظر التجول فترات طويلة، وأحياناً ما كان يجري تنفيذ هذا الحظر بصورة عشوائية؛ ففي يوم 21 يونيو/حزيران لقى أربعة من المدنيين مصرعهم، وكان من بينهم ثلاثة أطفال، أثناء محاولتهم شراء الطعام في سوق جنين، وانتهت التحريات العسكرية المبدئية إلى أن الجنود في ذلك الموقع قد "أخطأوا". كما لقي أحمد القريني مصرعه، وهو سائق يعمل في المجلس البلدي، برصاص الجنود الإسرائيليين يوم 10 أغسطس/آب، على الرغم من أنه كان يحمل تصريحاً بقيادة سيارته أثناء حظر التجول. وأجرى الجيش الإسرائيلي تحقيقاً انتهى إلى أن سيارته لم يكن بها مصباح الإشارة اللازم لسيارات البلدية، ولكن الصور التليفزيونية التي التقطتها وكالة الأسوشيتد برس للحادثة أوضحت أن السيارة كان بها ذلك المصباح.

وكثفت السلطات الإسرائيلية من سياسة "التصفية" التي تتبعها، بقتل الأفراد الذين اتهمتهم بتخطيط أو تنفيذ الهجمات على الأهداف العسكرية الإسرائيلية أو المدنيين الإسرائيليين، واستخدمت القوات الإسرائيلية القناصة والصواريخ التي تطلقها المروحيات، والدبابات، والعُبوّات الناسفة، في قتل الأشخاص، وقد وقع الكثير من أحداث القتل المذكورة في ظروف كانت تسمح - فيما يبدو - بالقبض على الشخص المطلوب. وطبقاً لما ذكرته منظمة "القانون" - وهي الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة - بلغ عدد القتلى في عمليات التصفية المذكورة نحو 148 شخصاً، وذلك في الفترة من 9 نوفمبر/تشرين الثاني 200 و31 أغسطس/آب 2002، كما قُتل ما لا يقل عن ستة وأربعين شخصاً من السابلة المدنيين؛ ففي يوم 23 يوليو/تموز 2002 لقي أربعة عشر مدنياً مصرعهم وأصيب نحو 140 آخرين في عملية "تصفية" صلاح شحادة القائد العسكري لحماس، وكان بين القتلى ثمانية أطفال. وكان السلطات السياسية والعسكرية الإسرائيلية قد وافقت على تلك العملية التي تضمنت إلقاء قنبلة وزنها طن في منطقة سكنية مدنية مزدحمة، مما يمثل انتهاكاً للالتزام الواقع على عاتق إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي، الذي يستوجب تقليل الضحايا المدنيين إلى أدنى حد ممكن. وقرر التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي أن الوسيلة المستخدمة في الهجوم كانت "غير ملائمة"، ولكن رئيس الوزراء شارون وصف العملية بأنها أحرزت "نجاحاً عظيماً".

وفي 24 يناير/كانون الثاني، قدمت منظمة "القانون" بالاشتراك مع اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل التماساً إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية بالحكم بعدم مشروعية سياسة "التصفية"، وأمهلت المحكمة الدولة أربعين يوماً للرد على مجموعة من الأسئلة عن الوضع القانوني لتلك السياسة، ولكن السلطات الإسرائيلية لم تكن قد ردت عليها حتى وقت كتابة هذا التقرير. واستمرت أحداث القتل المذكورة بعد شهر يوليو/تموز، حتى في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي سيطرة مباشرة، ولديه من ثَمّ قدرة أكبر على اعتقال الأفراد.

ولقد اعتاد الجنود الإسرائيليون أثناء العمليات العسكرية إرغام المدنيين الفلسطينيين، حتى الأطفال منهم، على القيام بأعمال تعرض حياتهم للخطر، للمعاونة في إنجاح تلك العمليات، أو ما يسمى "أسلوب (استخدام) الجار"، مما يمثل انتهاكاً لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الإنساني الدولي، أي مبدأ حصانة المدنيين، وخرقاً للعديد من نصوص اتفاقية جنيف الرابعة، كما يعرض المدنيين تعريضاً طائشاً للأخطار. وبحلول أبريل/نيسان انتشرت الحالات الموثقة التي لجأ فيها الجنود الإسرائيليون صراحة إلى استخدام المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية يحتمون وراءها من نيران الفلسطينيين، وقد سجلت منظمة هيومن رايتس ووتش إحدى هذه الحالات، حيث أرغم الجنود الإسرائيليون سبعة رجال وغلاماً في الرابعة عشرة من عمره على الوقوف في شرفة منزل بمخيم اللاجئين في جنين لمنع المسلحين الفلسطينيين من إطلاق النار على جنود الجيش الإسرائيلي؛ إذ أُرغم هؤلاء الثمانية على الوقوف أمام الجنود أثناء إطلاق النار على المسلحين الفلسطينيين، بل إن الجنود كانوا يسندون بنادقهم على أكتاف المدنيين. وقد وقعت حالة أخرى أرغم فيها فيصل أبو سرية، وهو معلم في الثانية والأربعين من عمره، على حماية جنود الجيش الإسرائيلي ومعاونتهم في الفترة من 4-6 أبريل/نيسان في مخيم جنين للاجئين، ثم قتلته القوات الإسرائيلية.

وفي 7 مايو/أيار قام الجيش الإسرائيلي، استجابة لالتماس رفعته سبع منظمات محلية لحقوق الإنسان، بإبلاغ محكمة العدل العليا أنه سوف يحظر فوراً على قواته استخدام المدنيين رهائن أو دروعاً بشرية. كما أعرب الجيش الإسرائيلي أيضاً عن التزامه بالتحقيق في الحالات التي يلجأ فيها الجنود "لأسلوب (استخدام) الجار" وإخطار القادة بوضوح بأنه لا يجوز استخدام هذا الأسلوب في الأحوال التي قد تعرض المدنيين لأخطار جسمانية. ولكن الجيش الإسرائيلي رفض تقديم نسخة من الأمر الذي أصدره للقادة أو نسخة من نتائج التحقيق إلى منظمات حقوق الإنسان، رغم تكرار مطالبة هذه المنظمات بها. وبعد مقتل أحمد أبو محسن أثناء إرغامه على مساعدة جنود الجيش الإسرائيلي في العملية العسكرية التي قام بها في طوباس يوم 14 أغسطس/آب، قدمت المنظمات السبع نفسها التماساً إلى المحكمة العليا بحظر اللجوء إلى الأسلوب المذكور، فأصدرت المحكمة العليا أمراً مؤقتاً بمنع اللجوء إلى "أسلوب (استخدام) الجار" ريثما يصدر قرار نهائي بهذا الشأن؛ ولكن أنباء استمرار العمل بهذا الأسلوب لم تتوقف حتى وقت كتابة هذا التقرير.

وألحقت عمليات الجيش الإسرائيلي أضراراً واسعة، ومتكررة في كثير من الأحيان، بالمباني وهياكل البنية الأساسية المدنية في مناطق السلطة الفلسطينية، بما في ذلك التدمير الكامل أو الجزئي للطرق، وشبكات الصرف الصحي، وإمدادات المياه، وشبكات الكهرباء. وكانت الأضرار الشديدة في ثلاث بلدان على الأقل، هي جنين ونابلس ورام الله، تتجاوز فيما يبدو ما تقتضيه الضرورة العسكرية. وطبقاً لما ذكره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، أدت العمليات العسكرية في الفترة من مارس/آذار إلى مايو/أيار إلى وقوع أضرار تقدر قيمتها بنحو 342 مليون دولار أمريكي في البنية الأساسية المادية والإنسانية في الضفة الغربية. وفي 24 يوليو/تموز 2002 وافق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، قبيل انفضاضه لعطلة الصيف، على تعديل "قانون الفصل في الدعاوى المتعلقة بنشاط الجيش الإسرائيلي في جوديا وسماريا"، وهو التعديل الذي ينتقص انتقاصاً حاداً من قدرة المدنيين على تلقى التعويضات عن الأضرار أو الإصابات الناجمة عن إهمال قوات الأمن الإسرائيلية أو أعمالها غير المشروعة. واستمرت مقاومة الجيش الإسرائيلي للمناشدات المرفوعة إليه بالتحقيق في حالات القتل دون وجه حق وغير ذلك من الانتهاكات التي يرتكبها الجنود الإسرائيليون. ونشرت الصحيفة الإسرائيلية "هآرتس" بتاريخ 15 أغسطس/آب نبأ يقول إن الشرطة العسكرية بدأت التحقيقات في نحو 220 حالة منذ سبتمبر/أيلول 2001، وورد أن ثلاثين منها فقط يتعلق بتهم خاصة باستعمال الأسلحة؛ ولم تكن التحقيقات تجري وفق المعايير الدولية أي في الوقت المناسب وبالدقة اللازمة والحياد الواجب. وزادت السلطات الإسرائيلية كذلك من صرامة القيود التي فرضتها منذ وقت طويل على حرية التنقل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي القيود التي بلغ من شدتها واتساع نطاقها أن أصبحت تمثل عقوبة جماعية، إذ إنها حظرت تنقل الفلسطينيين على الطرق الرئيسية ومعظم الطرق الفرعية في جزء كبير من عام 2002، ونُفِّذ هذا الحظر عن طريق إقامة الكتل الخرسانية، والصخور، والمتاريس الترابية، وعدد يتراوح بين 150 و180 من نقاط التفتيش العسكرية. وقد بدأ في منتصف العام العمل ببرنامج وضعه الجيش الإسرائيلي لتخفيف حدة المضايقات عند نقاط التفتيش الرئيسية.

وقد صاحب هذه القيود التي تشل الحركة قيام الجيش الإسرائيلي بفرض حظر التجول على نطاق واسع اعتباراً من أواخر يونيو/حزيران 2002، وكان حظر التجول يتركز في البداية في منطقة الخليل، وبلغ عدد الفلسطينيين الخاضعين له في الأسبوع الأول من يوليو/تموز 850 ألفاً؛ وفي أواخر سبتمبر/أيلول كان هذا العدد قد انخفض إلى 550 ألف فلسطيني يتركزون أساساً شماليّ الضفة الغربية. وكثيراً ما كان الإخطار بفرض حظر التجول أو رفع الحظر يصدر بصورة غير متسقة ويجري تنفيذه بصورة غير منتظمة. وعلى مدار العام حالت قوات الجيش الإسرائيلي دون وصول الإسعافات الطبية في حالات الطوارئ، في مناسبات عديدة ولفترات طويلة، وفي ظروف توحي، في حالات كثيرة، بانتهاك إسرائيل لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي؛ كما قام الجنود الإسرائيليون بمهاجمة سيارات الإسعاف، ومضايقة أو إساءة معاملة أعضاء فرق الإسعاف الطبي في حالات الطوارئ، بزعم أن الجماعات الفلسطينية المسلحة كانت تستخدم سيارات الإسعاف لنقل الأسلحة والأفراد. ولكن الجيش الإسرائيلي لم يقدم أدلة علنية على ذلك إلا في حالة واحدة حتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني، إذ قال إن سيارة إسعاف فلسطينية كانت تحمل متفجرات بالقرب من رام الله. وتدهورت الأوضاع، من الناحية الإنسانية، تدهوراً كبيراً في الأراضي المحتلة بسبب التأثير التراكمي للأضرار التي لحقت بهياكل البنية التحتية المدنية، والقيود المفروضة على حرية التنقل، والعنف المستمر. وقد زار المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ووصف الأوضاع الإنسانية فيها بأنها "أسوأ ما شهدته منذ عام 1967".

أما النشاط الاقتصادي، الذي كان قد تقلص بشدة، فقد توقف تقريباً، فزادت مسؤولية وكالات الغوث الإنسانية عن توفير الأغذية، والأدوية، وغير ذلك من السلع والخدمات الأساسية في الضفة الغربية وغزة. وطبقاً لما ذكره المنسق الخاص للأمم المتحدة في الأراضي المحتلة، كانت نسبة البطالة تبلغ 50 في المائة في الضفة الغربية وغزة في نهاية شهر أغسطس/آب، وكان أكثر من 55 في المائة من سكان الضفة الغربية و70 في المائة من سكان غزة يعيشون تحت مستوى الفقر، وهو معدل الاستهلاك اليومي المقدر بدولارين. وبحلول أول نوفمبر/تشرين الثاني كانت السلطات الإسرائيلية قد حولت مبلغاً مقداره 42 مليون دولار، من مجموع الضرائب المحولة المجمدة الذي يقدر بنحو 681 مليون دولار، وهو ما تدين به إسرائيل للسلطة الفلسطينية.

وقد اشتكت المنظمات الإنسانية، إلى جانب مواجهتها لتحديات النقل والتموين التي تفرضها القيود الشديدة على التنقل، من زيادة المضايقات التي يتعرض لها العاملون بها من جانب جنود الجيش الإسرائيلي، وازدياد الصعوبة التي يواجهها العاملون المغتربون في الحصول على تصريح بدخول إسرائيل. وواصلت القوات الإسرائيلية تطبيق عقوبة هدم منازل الأسر التي يُزعم أن أحد أفرادها قام بهجوم انتحاري بالقنابل، أو أنه كان من الأعضاء الآخرين في الجماعات الفلسطينية المسلحة. وطبقاً لما قالته منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، كان عدد المنازل التي دمرت على سبيل العقاب يزيد عن اثنين وخمسين منزلاً في الفترة من أول يناير/كانون الثاني إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2002، الأمر الذي يمثل انتهاكاً لنصوص القانون الإنساني الدولي التي تحظر العقوبة الجماعية. كما دمرت مساكن أخرى لأغراض أمنية مزعومة؛ وطبقاً للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، بلغ عدد المساكن التي هدمتها قوات الجيش الفلسطيني في غزة 613 مسكناً، في الفترة من سبتمبر/أيلول 2000 إلى 25 سبتمبر/أيلول 2002، مما أدى إلى تشريد أكثر من 4000 فرد. وقال المركز إن مساحة من الأرض الزراعية تبلغ نحو 17 ألف دونم قد أُخليت بالقوة في الفترة نفسها. كما قامت السلطات الإسرائيلية بمصادرة الأراضي الفلسطينية اللازمة لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، ولشق طرق بديلة. وفي 20 مايو/أيار ذكرت مجموعة "السلام الآن" الإسرائيلية أنه قد أنشئ خمسة عشر موقعاً لمستوطنات جديدة منذ انتخاب أرييل شارون رئيساً للوزراء في فبراير/شباط 2002، انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. وذكرت المجموعة نفسها في أغسطس/آب أن ثماني مستوطنات جديدة قد أنشئت في ذلك الشهر وحده. وفي 19 سبتمبر/أيلول عُيّن إيفي عيتام، الذي يعلن صراحة عن تأييده للمستوطنات، وزيراً للبنية التحتية الوطنية. وبعد أسبوعين، أصدر وزير الدفاع وزعيم حزب العمل آنذاك بنيامين بن إليعازر أمراً بإزالة نحو 18 من المواقع الاستيطانية غير المرخص بها، وكان معظمها خالياً من السكان، ثم استقال من الوزارة في 28 أكتوبر/تشرين الأول.

وقامت إسرائيل بمصادرة المزيد من الأراضي وإعادة ترسيم الحدود على أسس الواقع الجديد، كما بدأت في بناء "سور أمني" على طول مسافة 116 كيلومتراً من شماليّ الضفة الغربية، وهو يوازي دون أن يجاور الحدود الإسرائيلية. وكان من المتوقع أن تكون له آثاره على ما يربو على 10 آلاف من السكان الفلسطينيين الذين تقع قراهم داخل نطاق السور المقترح.

وفي 3 سبتمبر/أيلول أيّدت المحكمة العليا قرار الترحيل القسري لاثنين من أفراد أسرة فلسطيني زُعم أنه نفذ هجوماً انتحارياً، من الضفة الغربية إلى قطاع غزة لمدة عامين. وقصر قرار المحكمة تطبيق هذه العقوبة على الأشخاص الذين يشكلون خطراً أمنياً على الدولة، واتبعت المحكمة إجراءات إدارية في التوصل إلى هذا الحكم، استناداً إلى أدلة سرية لم تقدمها إلى المتهمين أو محاميهم. وعلى غرار ذلك حرمت السلطات نهاد أبو كشك من حق المحاكمة، بعد أن قرر وزير الداخلية تجريده من الجنسية الإسرائيلية استناداً إلى ما زُعم من مشاركته في هجمات شنتها حركة حماس على المدنيين.

وتقول منظمة "بتسيلم" إن المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة قاموا بقتل ما لا يقل عن اثني عشر فلسطينياً من المدنيين في الفترة من يناير/كانون الثاني حتى أكتوبر/تشرين الأول 2002، وإصابة عشرات آخرين. وقد هاجم المستوطنون منازل الفلسطينيين وحقولهم وسياراتهم وغير ذلك من ممتلكاتهم، وعاقوا المرور في الطرق الرئيسية بإقامة حواجز غير رسمية. وفي 28 يوليو/تموز قتل المستوطنون في كريات أربع بالخليل طفلين فلسطينيين وأصابوا ما لا يقل عن خمسة عشر آخرين أثناء مهاجمة المستوطنين للمنازل في الخليل وإحراقها، في أعقاب تشييع جنازة اثنين من المستوطنين قتلهما مسلحون فلسطينيون قبل ذلك بيومين. ونادراً ما كانت السلطات الإسرائيلية تتدخل لمنع هجمات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين والممتلكات المدنية أو إيقاف تلك الهجمات التي اشتدت حدتها بوجه خاص إبان موسم حصاد الزيتون في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى نوفمبر/تشرين الثاني.

وقد تكدست السجون والمعتقلات الإسرائيلية حتى فاضت، بسبب حملات الاعتقال الجماعية في مارس/آذار وأبريل/نيسان. وتشير تقديرات المنظمات المحلية إلى أنه قد اعتُقل ما لا يقل عن 4500 من المدنيين الفلسطينيين، ومن بينهم أطفال، بغرض استجوابهم، في غضون "عملية الدرع الواقي"، وإلى أن تيار الاعتقالات استمر باطراد على مدار العام كله. وتواترت أنباء سوء المعاملة التي تضمنت الركل بالأرجل، والضرب، والاحتجاز في أماكن بالغة القذارة، والحرمان من الطعام والشراب. وذكرت اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل يوم 4 سبتمبر/أيلول أن هناك، فيما يبدو، "عودة تدريجية إلى استعمال التعذيب" على الرغم من صدور قرار المحكمة العليا الذي يحظر استعماله في سبتمبر/أيلول 1999. وإذا كان مدى استعمال وسائل التعذيب التي حظرتها المحكمة يكتنفه الغموض، فلقد ورد أن من أساليب التعذيب التي استُخدمت في التحقيق تعريض الأشخاص لأقصى درجات البرد والحر، والحرمان من النوم، وإجبار الشخص على البقاء في وضع مرهق فترات مديدة، والضغوط النفسية الشديدة. وقد نقلت أجهزة الإعلام أنباء تفيد بأن نحو 1600 فلسطيني قد اعتقلوا لأسباب تتعلق بالأمن في نهاية العام؛ وكان تسعمائة من بينهم رهن الاحتجاز الإداري، دون تهمة أو محاكمة.

وفي يوم 5 يونيو/حزيران 2002 وافق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي على قانون يقضي بخصم 24 في المائة من العلاوات التي تمنح على مستوى الدولة لإعالة الأطفال، إذا كان آباء هؤلاء الأطفال لم يخدموا في الجيش الإسرائيلي. وكان من جرّاء هذا التخفيض الإضرار، بصورة غير متوازنة، بالمواطنين الفلسطينيين العرب، إذ إن معظمهم معفىً من الخدمة العسكرية، وأطفالهم أفقر الأطفال في إسرائيل. كما أدت التخفيضات الجديدة في إعانة الأطفال إلى تفاقم أوجه التفاوت في الإنفاق على التعليم، وهو التفاوت الذي سجلته منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2001 بعنوان "درجة ثانية". وأصدرت المحكمة العليا أمراً مؤقتاً بإلغاء التخفيضات في إعانة الأطفال يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول، ريثما تعقد جلسة خاصة تناقش فيها هذه القضايا مناقشة مستفيضة، وتقرر عقدها في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول انسحب حزب العمل الإسرائيلي من الائتلاف الحاكم، وحددت حكومة الأقلية التي يرأسها شارون موعداً مبكراً لإجراء انتخابات عامة هو يوم 28 يناير/كانون الثاني 2003. مناطق السلطة الفلسطينية
بازدياد العمليات العسكرية الإسرائيلية ازدادت عمليات الجماعات الفلسطينية المسلحة فشنت أفتك هجماتها وأكثرها إزهاقاً للأرواح ضد المدنيين الإسرائيليين منذ عقود طويلة. ففي أول ديسمبر/كانون الأول 2001 وقعت سلسلة من الهجمات على مركز تجاري في منطقة مخصصة للمشاة في القدس، وأعقبها في اليوم التالي هجوم من حركة حماس على حافلة مدنية في حيفا. وكانت هذه الحوادث مجتمعة تمثل أسوأ أربع وعشرين ساعة من الهجمات على المدنيين في إسرائيل منذ عام 1996، وإن كانت قد تلتها فترة امتدت نحو ستة أسابيع، لم تقع فيها هجمات، بعد أن نجح الرئيس عرفات في الضغط على الجماعات المسلحة حتى تلتزم بوقف إطلاق النار.

وفي 27 يناير/كانون الثاني نفذت منظمة كتائب شهداء الأقصى - وهي شبكة من الجماعات المسلحة المرتبطة بحركة فتح - أول هجوم انتحاري لها ضد المدنيين الإسرائيليين، وهو الأسلوب الذي لجأت إليه منظمات أخرى مراراً من قبل، مثل حماس، والجهاد الإسلامي، كما لجأت إليه اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول 2001 الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ووصل العنف المرتكب ضد المدنيين الإسرائيليين إلى ذروته في مارس/آذار، إذ وقع في ذلك الشهر 12 هجوماً منفصلاً قتل فيها ثمانون مدنياً وجرح نحو 400 آخرين، وكان أشدها فتكاً الهجوم الذي وقع يوم 27 مارس/آذار، وهو تفجير فندق "بارك هوتيل" في نتانيا، الذي قُتل فيه 29 وجرح مائة.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس عرفات وغيره من مسؤولي السلطة الفلسطينية مراراً وتكراراً عن إدانة الهجمات الانتحارية وغيرها من الهجمات المتعمدة على المدنيين، فإنهم لم يتخذوا إجراءات حاسمة ضد الذين يأمرون بهذه الهجمات أو ينظمونها؛ فترتب على ذلك نشوء واستقرار الإحساس بالإفلات من العقاب. فبينما استمر كبار أعضاء حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الإقرار بمسؤوليتهم عن الأمر بتنفيذ هذه الهجمات، أنكر كبار مسؤولي منظمة فتح صلتهم بالهجمات التي قامت بها كتائب شهداء الأقصى - دون أن يقطعوا بوضوح الصلات التي تربط بين فتح والكتائب. وازدادت حدة النقاش الدائر في المجتمع الفلسطيني حول مشروعية الهجمات الانتحارية منذ مايو/أيار، وهو الشهر الذي نشرت فيه مجموعة من المفكرين يبلغ عددهم نحو 150، التماساً في صحيفة القدس التي تصدر في القدس الشرقية يعارضون فيه تلك الهجمات. وانخفض معدل هذه الهجمات بعد شهر مايو/أيار، ولكنها لم تتوقف تماماً.

وإلى جانب الهجمات على الأهداف العسكرية، استمر الفلسطينيون المسلحون في إطلاق النار على المستوطنات الإسرائيلية واستعمال الأسلحة النارية وتفجير القنابل في الطرق ضد المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة. ففي 15 يناير/كانون الثاني قام بعض المسلحين التابعين لكتائب شهداء الأقصى باختطاف مهندس معماري يدعى آفي بواز، الذي كان في الحادية والسبعين من عمره، من سيارته عند نقطة تفتيش للشرطة بالقرب من بيت لحم، وأطلقوا عليه 13 رصاصة. وعلى الرغم من أن بعض المقاتلين الفلسطينيين قد برروا مثل هذه الهجمات قائلين إن سكان المستوطنات غير المشروعة يعتبرون أهدافاً عسكرية مشروعة، فإن مثل هذه الهجمات تمثل انتهاكاً مباشراً للقانون الإنساني الدولي الذي ينص على ضرورة حماية المدنيين إلا إذا شاركوا مشاركة مباشرة في العمليات العسكرية المسلحة. وقد استجاب المجلس التشريعي الفلسطيني للقلق المتزايد في المجتمع في أعقاب عدة أحداث وقعت في غزة، وقتل فيها صبية من الفلسطينيين دون السادسة عشرة عندما حاولوا مهاجمة المستوطنات، فأصدر بياناً في 24 أبريل/نيسان ينتقد فيه مشاركة الأطفال في الأنشطة المسلحة. ونشرت حركتا حماس والجهاد الإسلامي بيانات تطلبان فيها علناً من الأطفال الامتناع عن المشاركة في مثل هذه الأنشطة، ولكنهما لم تحددا ما تعتبرانه سناً مشروعاً للمشاركة في الأنشطة العسكرية. وعلى النقيض من هذا الموقف قامت كتائب شهداء الأقصى بتجنيد ما لا يقل عن ثلاثة أطفال للقيام بهجمات انتحارية على المدنيين الإسرائيليين. وحاول اتحاد الصحفيين الفلسطينيين في سبتمبر/أيلول حظر التغطية الإعلامية للأطفال الذين يشاركون في المظاهرات السياسية.

وقام مسلحون فلسطينيون بقتل ما لا يقل عن اثنين وعشرين شخصاً ممن زُعم تعاونهم مع إسرائيل، وقد أعلن مسؤولو السلطة الفلسطينية يوم 10 يوليو/ تموز عفواً عاماً لمدة شهر عن أمثال هؤلاء المتعاونين، ووعدت السلطة من يسلمون أنفسهم باستعمال الرأفة معهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة، وفي اليوم نفسه أطلقت سلطات سجن غزة المركزي النار على حسام حسيّ، الذي كان قد أدين بتهمة 'التعاون'، "أثناء محاولته الهرب". وقد نشرت أجهزة الإعلام أنباء تقول إن الأفراد الذين يشتبه في تعاونهم يطلب منهم أحياناً إثبات ولائهم من خلال القيام بهجمات على الأهداف العسكرية الإسرائيلية أو وعلى المدنيين الإسرائيليين؛ كما تفيد وثائق نشرتها قوات الأمن الإسرائيلية، ولم تتأكد صحتها، أنه من المحتمل أن يكون مسؤولو جهاز المخابرات العامة الفلسطيني قد أمروا بقتل المتعاونين خارج نطاق القضاء أو قاموا بقتلهم، وقد تقاعست السلطة الفلسطينية عن إحالة المسؤولين عن أعمال القتل هذه إلى العدالة. ازداد ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية على المناطق الخاصة بها على مدار العام، وهي السيطرة التي خولتها لها اتفاقيات أوسلو، وذلك لأن تدمير إسرائيل لهياكل البنية التحتية في تلك المناطق قوض قدرة السلطة الفلسطينية على القيام بالخدمات المدنية والأمنية؛ وعلى مدار العام ازدادت الضغوط الداخلية والخارجية على الرئيس عرفات بصورة مطردة من أجل إصلاح هياكل السلطة الفلسطينية، حتى وقّع أخيراً، في 28 مايو/أيار، عدة قوانين طالما طالب بها دعاة حقوق الإنسان، من بينها القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، ثم أعلن في يونيو/حزيران أن الانتخابات البرلمانية سوف تجري في يناير/كانون الثاني 2003. وبذلت الجماعات الفلسطينية جهوداً كبيرة لتحديد خطوات الإصلاح العملية ومؤشرات النجاح، بينما شارك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في جهود اليابان والمؤسسات المالية الدولية لضمان الدعم الدولي لهذه الجهود من خلال فريق عمل فلسطيني دولي معني بالإصلاح. وكانت الاستعدادات المبدئية لإجراء الانتخابات، المقرر عقدها في 20 يناير/كانون الثاني، قد بدأت فعلاً وقت كتابة هذا التقرير.

أما نظام العدالة الخاص بالسلطة الفلسطينية فقد ازداد تدهوره بسبب التصدع الناجم عن المناخ السياسي، واستمرار العمليات العسكرية، وتدمير سجلات المحاكم وتخريب هياكل البنية التحتية. وكادت الإجراءات القضائية في المحاكم المدنية أن تتوقف تماماً؛ بل إن جهاز أمن الدولة والمحاكم العسكرية، وهي التي لم تكن تفي بالحد الأدنى من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بل واغتصبت العديد من اختصاصات المحاكم المدنية، لم تكن تعمل إلا بصورة متقطعة في أحسن الأحوال على مدار العام؛ فقد حُكم بالإعدام على ما لا يقل عن ثلاثة عشر شخصاً بعد محاكمات مقتضبة، وأصدرت محكمة أمن الدولة في 4 أبريل/نيسان أحكاماً بالإعدام على خمسة رجال وصبيّ واحد بتهمة التعاون مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي؛ كما صدر الحكم بالسجن 15 سنة مع الأشغال الشاقة على رجل آخر؛ وقد خُفف حكم الإعدام الصادر على الصبيّ إلى السجن المؤبد. وفي 5 يونيو/حزيران، أي بعد شهر من توقيع عرفات على قانون السلطة القضائية، أصدرت محكمة أمن الدولة في غزة الحكم بالإعدام على فيصل أبو تيلاخ، البالغ من العمر 26 عاماً، وسعيد النجار، البالغ من العمر 29 عاماً، بتهمة اغتصاب وقتل طفل في السابعة يدعى إسلام محمود الخطيب. وقد أدين الرجلان وصدرت عليهما العقوبة بعد جلسة استغرقت ثلاث ساعات؛ ونفذ فيهما حكم الإعدام في اليوم التالي. كما حكم بالإعدام في 28 أكتوبر/تشرين الأول على حيدر غانم، وهو باحث ميداني في منظمة "بتسيلم"، ويعمل في غزة، بتهمة التعاون. ولم تكن أحكام محكمة أمن الدولة قابلة للاستئناف.

وزادت الأضرار التراكمية التي لحقت بمرافق سجون السلطة الفلسطينية وغيرها من المعتقلات من تفاقم الفوضى والأحوال التعسفية التي يعاني منها المحتجزون لدى السلطة الفلسطينية. إذ استمر احتجاز الأفراد في معتقلات مؤقتة، وكثيراً ما كان ذلك دون تهمة أو محاكمة؛ إذ استمرت السلطة الفلسطينية في احتجاز أحمد سعدات، رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيره من أعضاء الجماعات الفلسطينية المسلحة دون تهمة أو محاكمة. وفي مايو/أيار، أثناء الفترة التي قام فيها الجيش الإسرائيلي بتحديد إقامة عرفات في مقره لمدة أربعة وثلاثين يوماً، أدانت السلطة الفلسطينية أربعة رجال من بين خمسة زُعم أنهم نظموا أو نفذوا قتل وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، في محاكمة صورية. ونقل الرجال الخمسة، إلى جانب مستشار عرفات، وهو فؤاد الشوبكي، إلى سجن أريحا يوم أول مايو/أيار تحت الإشراف الدولي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وأصدرت المحكمة الفلسطينية العليا أمراً بالإفراج عن سعدات يوم 3 يونيو/حزيران لعدم كفاية الأدلة ضده، ولكن مسؤولي السلطة الفلسطينية رفضوا الانصياع لأمر المحكمة.

وازدادت مظاهر التوتر داخل السلطة الفلسطينية، وفيما بين السلطة الفلسطينية وأعضاء الجماعات الفلسطينية المسلحة، وتجلى ذلك في زيادة أحداث العنف الداخلية القائمة على دوافع سياسية، إلى جانب زيادة اللجوء إلى استعمال القوة المفضية إلى الموت من جانب الشرطة الفلسطينية؛ ففي يوم 14 مايو/أيار تعرض حسن عصفور، وزير شؤون المنظمات الأهلية في السلطة الفلسطينية، لاعتداء تطلب تلقيه العلاج في المستشفى، إذ قام بعض الملثمين بضربه ضرباً مبرحاً، وقيل إن ذلك بسبب المنافسات السياسية الداخلية. وفي يوم 22 سبتمبر/أيلول تعرض منزل نبيل عمرو، عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وأحد دعاة الإصلاح، لإطلاق الرصاص عليه من مجهولين في سيارة مسرعة. وبعد أسبوع نشرت الصحف العربية نبأً يقول إن محمود عباس (أبو مازن) أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، تلقي تهديدات بالقتل في أعقاب الشائعات التي رشحته لرئاسة الوزارة، وهو المنصب الذي كان بعض أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني ينادون بإنشائه باعتباره من الآليات التي يمكن الاستعانة بها في إصلاح السلطة التنفيذية. وقد تم التخلي رسمياً عن هذا الاقتراح بعد الحصار الذي ضربته إسرائيل لمدة عشرة أيام حول مقر السلطة الفلسطينية في رام الله. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول ورد أن بعض أعضاء حركة حماس قبضوا على رئيس شرطة مكافحة الشغب، العقيد رجاه أبو لحية، وقتلوه انتقاماً لمقتل اثنين من المتظاهرين الفلسطينيين قبل عام واحد تماماً.

 
إسرائيل والسلطة الفلسطينية
  • البيان الصحفي
  • نظرة على الشرق الأوسط
  • الجزائر
  • مصر
  • إيران
  • العراق وكردستان العراق
  • إسرائيل والسلطة الفلسطينية
  • سوريا
  • السعودية
  • تونس
  • 2002
    2001
    2000
    1999
    التقارير السنوية السابقة >> الجزء السابق  Arabic Home الجزء التالي