شهدت الجزائر في 2019 أكبر وأطول مظاهرات مناوئة للحكومة منذ استقلالها في 1962. منذ 22 فبراير/شباط، دأب الجزائريون على النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة في الجزائر العاصمة وغيرها من المدن. كانوا في البداية يحتجون على محاولة إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أمضى أربع ولايات في السلطة، والذي لم يكن يظهر للعلن إلا نادرا منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013. بعد استقالته في 2 أبريل/نيسان، صار الجزائريون يطالبون بالانتقال إلى حكم أكثر ديمقراطية.
بعد استقالة بوتفليقة، أصبح رئيس "مجلس الأمة" عبد القادر بن صالح رئيسا بالنيابة، بينما تسلم الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع، زمام السلطة الفعلية. حدد قايد صالح يوم 4 يوليو/تموز موعدا جديدا للانتخابات الرئاسية، قبل أن يؤجَّل إلى 12 ديسمبر/كانون الأول.
ردّا على الاحتجاجات المستمرة، عمدت السلطات إلى تفريق المظاهرات السلمية، واعتقال المتظاهرين تعسفا، ومنع الاجتماعات التي تنظمها المجموعات السياسية والحقوقية، وحبس المنتقدين.
حرية التجمع
في الوقت الذي انتظمت فيه احتجاجات أسبوعية كبيرة مناوئة للحكومة، انتشرت قوات الشرطة بشكل مكثف في شوارع العاصمة وساحاتها وعند نقاط التفتيش، مما حدّ فعليا من أعداد الناس الذين تمكنوا من الالتحاق بالمسيرات، وسيطرت بشكل كبير على كل الذين نجحوا في ذلك. اعتقلت السلطات مئات المتظاهرين السلميين، ثم أفرجت عن أغلبهم دون تهم بعد ساعات قليلة، لكنها في نفس الوقت حاكمت وحبست العشرات.
بحسب "اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين"، اعتقلت السلطات ووجهت تهما إلى 86 شخصا بين يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول. واجهوا جميعا تهمة "المساس بسلامة وحدة الوطن"، بما في ذلك بسبب رفع الراية التي ترمز إلى سكان القبائل، أو البربر. بموجب المادة 79 من قانون العقوبات، يمكن أن تؤدي هذه التهمة إلى الحبس عشر سنوات. حتى أكتوبر/تشرين الأول، تمت محاكمة وتبرئة ستة منهم، وأٌفرِج عن أحدهم في انتظار المحاكمة، بينما مازال الـ 79 الآخرون في السجن بانتظار المحاكمة.
حرية التعبير
في 7 فبراير/شباط، حُكم على الناشط الحقوقي حاج غرمول (37 عاما) بالحبس عشرة أشهر بتهمة "إهانة مؤسسات الدولة" بعد أن نشر صورة لنفسه وهو يحمل لافتة قرب مدينة معسكر شمال غرب البلاد تعبيرا عن معارضته للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة. قالت السلطات المحلية إنه كان مخمورا لما اعتُقل، وأهان قوات الشرطة.
في 9 يوليو/تموز، حكمت محكمة ابتدائية بالقرب من الجزائر على موفق سردوك (40 عاما)، وهو مشجّع للمنتخب الجزائري لكرة القدم، بالحبس لمدة عام بتهمة "عرض أوراق على أنظار الجمهور من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية". قبل محاكمته وإصدار العقوبة بحقه، كان قد رُحّل من مصر لوقوفه بالقرب من ملعب كرة قدم في القاهرة كان يلعب فيه الفريق الجزائري حاملا لافتة تطالب برحيل المسؤولين في الجزائر.
في 30 يونيو/حزيران، اعتقلت الشرطة لخضر بورقعة (87 عاما)، وهو محارب قديم بارز في حرب الاستقلال الجزائرية، من منزله بالجزائر العاصمة، بعد أربعة أيام من قوله في اجتماع عام، بُث لاحقا على يوتيوب، بأن الجيش الجزائري عبارة عن مجموعة من " الميليشيات". فتح قاضي التحقيق تحقيقا ضدّه بتهمة "إضعاف معنويات الجيش"، التي قد تؤدي إلى الحبس لمدة تصل إلى عشر سنوات.
في 11 سبتمبر/أيلول، اعتقلت السلطات كريم طابو، المتحدث باسم "حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي" المعارض، أمام منزله في الدويرة، ووجهت له تهمة "المشاركة في إضعاف معنويات الجيش" بعد أن وجه انتقادات علنية لقايد صالح. أفرجت عنه السلطات في 25 سبتمبر/أيلول، ثم أعادت اعتقاله صباح اليوم التالي. في 2 أكتوبر/تشرين الأول، فتح قاضي تحقيق في العاصمة تحقيقا ضد طابو بتهم "التحريض على العنف" و"المساس بسلامة وحدة الوطن عبر نشر بيانات وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي". إذا ما أدين، سيواجه الحبس والحرمان من حقوقه المدنية، بما في ذلك حق الترشح.
في 25 سبتمبر/أيلول، حكمت محكمة عسكرية في البليدة على لويزة حنون، زعيمة "حزب العمال"، بالحبس 15 سنة بتهمة "المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضد سلطة الدولة". حوكمت إلى جانب سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الأسبق، والفريق محمد "توفيق" مدين، الرئيس السابق لأقوى جهاز استخبارات جزائري. تحظر المعايير الدولية لحقوق الإنسان محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
وجهت السلطات لصلاح دبوز، الرئيس الأسبق لـ "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" تهمة "إهانة" القضاء بسبب تعليقات نشرها على "فيسبوك" انتقد فيها محاكمة أعضاء من أقلية الميزابيين العرقية. أطلق سراح دبوز مؤقتا يوم 7 أبريل/نيسان، لكنه ألزم بتسجيل حضوره ثلاث مرات في الأسبوع لدى السلطات في غرداية، التي تبعد 600 كيلومتر عن منزله في الجزائر العاصمة. ألغت السلطات هذا الشرط يوم 24 يوليو/تموز، وهو ينتظر المحاكمة حتى كتابة هذا الملخص. في 9 سبتمبر/أيلول، هاجمه رجل مجهول بسكين في غرداية، فأصابه بجروح في كلتا ذراعيه.
في 28 مايو/أيار، توفي كمال الدين فخار، ناشط بارز مدافع عن حقوق أقلية الميزابيين في الجزائر، بعد إضراب مطول عن الطعام في السجن. كانت السلطات قد اعتقلته يوم 31 مارس/آذار ووضعته في الحبس الاحتياطي بتهمة "تقويض" مؤسسات الدولة. قبل ذلك، كان فخار قد أنهى عقوبة بتهم شملت العنف ضدّ مسؤولي الدولة، والتحريض على العنف، والكراهية والتمييز، وتوزيع مواد من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية، والتشهير بمؤسسات الدولة، على إثر صدامات عرقية بين الميزابيين والعرب في غرداية وجوارها بين 2013 و2015.
حرية الدين
يعاقب قانون العقوبات الجزائري بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات و/أو بغرامة كل من "أساء إلى الرسول (صلى االله عليه وسلم) أو بقية الأنبياء أو استهزأ بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الإسلام عن طريق الكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية وسيلة أخرى". استخدمت السلطات هذه المادة لفرض عقوبات على أعضاء الطائفة الأحمدية، التي تمارس شعائر إسلامية مختلفة عن الشعائر المتعارف عليها رسميا.
صدر عام 2006 مرسوم يميّز ضدّ غير المسلمين من خلال إخضاعهم لقيود لا تنطبق على المسلمين. لا يمكن تنظيم عبادة جماعية لغير المسلمين إلا من طرف منظمات دينية مرخّصة من الحكومة. قالت الكنيسة البروتستانتية الجزائرية إن السلطات أغلقت حتى السنة المنتهية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 تسعا من كنائسها بسبب عدم حصولها على تراخيص أو عدم جاهزيتها لاستقبال الجمهور.
المهاجرون
منذ ديسمبر/كانون الأول 2016 على الأقل، اعتقلت الجزائر وطردت آلاف المهاجرين من جنوب الصحراء بشكل جماعي، منهم نساء وأطفال. ذكرت تقارير أن السلطات الجزائرية طردت خمسة آلاف شخص تقريبا في النصف الأول من 2019، أغلبهم من نيجيريا.
حقوق النساء والتوجّه الجنسي
رغم أن القانون الجزائري بشأن العنف الأسري لسنة 2015 جرّم بعض أشكال العنف الأسري، إلا أنه تضمّن ثغرات تسمح بإسقاط الإدانات أو تخفيف العقوبات في حال سامحت الضحية الجاني. كما أن القانون لم يحدد أي اجراءات أخرى لمنع الاعتداءات وحماية الناجيات. تسمح المادة 326 من قانون العقوبات لكل من يختطف قاصرا بالإفلات من المحاكمة إذا تزوج من ضحيته.
يسمح "قانون الأسرة" للرجال بالطلاق من جهة واحدة دون تفسير، بينما يفرض على النساء تقديم طلب طلاق إلى المحاكم لأسباب محددة.
بموجب المادة 338 من قانون العقوبات، تُعاقب العلاقات الجنسية المثلية بالحبس لفترة تصل إلى عامين.
الإجراءات ضدّ منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية
في 19 أغسطس/آب، رحلت السلطات أحمد بن شمسي، المسؤول في "هيومن رايتس ووتش". صادرت السلطات جوازي سفر بن شمسي لمدة عشرة أيام بعد أن اعتقلته يوم 9 أغسطس/آب قرب مظاهرة في الجزائر، واحتجزته عشر ساعات. صادرت السلطات هاتفه الخلوي وحاسوبه المحمول، وأعادتهما له عند ترحيله. كان بن شمسي في زيارة للجزائر لرصد أوضاع حقوق الإنسان.
طردت السلطات العديد من الصحفيين الدوليين الذين كانوا يغطون الاحتجاجات. في 31 مارس/آذار، طرد طارق عمارة، صحفي في "رويترز" يحمل الجنسية التونسية، بعد أن احتُجز بسبب تغطيته لاحتجاجات 29 مارس/آذار ضدّ بوتفليقة. كما أُجبر آيمريك فانسينو، مدير مكتب "وكالة فرانس برس"، على مغادرة البلاد يوم 9 أبريل/نيسان، بعد أن رفضت السلطات تجديد أوراق اعتماده.
مخيمات اللاجئين الصحراويين التي تديرها "البوليساريو"
اعتقلت حكومة "جبهة البوليساريو" في المنفى التي تدير مخيمات اللاجئين في الصحراء جنوب الجزائر ثلاثة معارضين للاشتباه بارتكابهم أعمال خيانة، والاعتداء على "الدولة الصحراوية"، والتحريض على العصيان والتشهير، على ما يبدو بسبب تعليقات نشروها على فيسبوك ورسائل خاصة تبادلوها على تطبيقات التواصل الاجتماعي. اعتُقل النشطاء مولاي آب بوزيد، والفاضل محمد ابريكة، والصحفي محمود زيدان، بين 17 و19 يونيو/حزيران. أمضوا خمسة أشهر في الحبس، وهي الفترة التي زعموا فيها أنهم تعرضوا لاستجوابات قاسية، شملت التعذيب والتهديد لإجبارهم على الاعتراف. في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، تمت تبرئتهم من جميع التهم وأطلق سراحهم.
الأطراف الدولية الرئيسية
في 2 أكتوبر/تشرين الأول، رحلت السلطات البرلمانية الفرنسية ماتيلد بانو وثلاثة مواطنين فرنسيين آخرين بعد أن قدموا إلى بجاية للتعبير عن مساندتهم للمتظاهرين. أدانت السلطات "التدخل الأجنبي والتعدي على السيادة الجزائرية".
في 13 سبتمبر/أيلول، أدانت ماري أرينا، رئيسة "اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي" "الاعتقالات التعسفية"، وطالبت بالإفراج عن "السجناء السياسيين" في الجزائر. وفي 30 سبتمبر/أيلول، أصدر البرلمان الأوروبي بيانا سلط فيه الضوء على "أهمية ضمان حرية التعبير والتجمع" للجزائريين، دون أن يدين موجة الاعتقالات وقمع المعارضين بصفة عامة.