كثّفت السلطات التونسية قمع المعارضة السياسية والأصوات الناقدة الأخرى بتنفيذ اعتقالات جماعية، وسجن الصحفيين، واستهداف منظمات المجتمع المدني.
حتى نوفمبر/تشرين الثاني، اعتُقل أكثر من 80 شخصا لأسباب سياسية أو لممارسة حقوقهم الأساسية، وبينهم معارضون سياسيون، وناشطون، ومحامون، وصحفيون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي.
قوّضت السلطات نزاهة الانتخابات الرئاسية التي جرت في 6 أكتوبر/تشرين الأول لضمان إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيّد، وشمل ذلك استبعاد المنافسين المحتملين أو سجنهم وتعديل القانون الانتخابي قبل أيام قليلة من الانتخابات.
واصلت قوات الأمن التونسية الانتهاكات ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين دون عقاب. واصل "الاتحاد الأوروبي" جهوده لتعزيز التعاون في مجال الهجرة مع تونس رغم الانتهاكات المستمرة.
الانتخابات الرئاسية
في أكتوبر/تشرين الأول، أعيد انتخاب الرئيس قيس سعيّد لولاية ثانية بـ 90.69% من الأصوات، وإقبال بلغ 28.8%.
كثّفت السلطات التونسية القمع قبل الانتخابات واستهدفت عديدا من المنافسين المحتملين لسعيّد في الانتخابات الرئاسية، وأدانت أو احتجزت 10 مرشحين محتملين على الأقل، وعديدا من أعضاء فرق حملاتهم، وضايقت آخرين وأرهبتهم.
في 10 أغسطس/آب، وافقت الهيئة الانتخابية على ثلاثة مرشحين فقط للانتخابات الرئاسية ورفضت 14 آخرين. تقدم عديد من المرشحين بطعون أمام المحكمة الإدارية، وفاز ثلاثة منهم، لكن الهيئة الانتخابية تجاهلت الأحكام.
في 2 سبتمبر/أيلول، اعتقلت السلطات العياشي زمّال، أحد المرشحين الرئاسيين الثلاثة فقط المعتمدين. في 18 سبتمبر/أيلول، حكمت عليه محكمة جندوبة بالسَّجن 20 شهرا، وفي 25 سبتمبر/أيلول، حكمت عليه بستة أشهر إضافية. في 30 سبتمبر/أيلول، حكمت محكمة تونس على زمّال بالسَّجن 12 عاما ومنعه من التصويت بتهمة تزوير تواقيع التزكيات الانتخابية. حُكم على أحد أعضاء فريق حملته الانتخابية الذي اعتقل في 27 سبتمبر/أيلول بالسَّجن 12 عاما.
هيئة الانتخابات، التي أعاد سعيّد هيكلتها في 2022 ليضعها تحت سيطرته، رفضت تعسفا اعتماد مجموعتين رائدتين لمراقبة الانتخابات، "أنا يقظ" و"مراقبون"، بحجة "التمويل الأجنبي المشبوه". تواجه كلتا المجموعتين الآن التحقيق.
القمع السياسي
نفذت السلطات حملة قمع سياسية شاملة قبل انتخابات أكتوبر/تشرين الأول. في سبتمبر/أيلول، اعتقل عناصر الأمن أكثر من 100 عضو أو مؤيد لـ "حركة النهضة" المعارضة بموجب قانون مكافحة الإرهاب التونسي. أطلِق سراحهم بعد عدة أيام من الاحتجاز، باستثناء أربعة وُضعوا في الحبس الاحتياطي.
في 18 يوليو/تموز، حكمت محكمة تونسية على لطفي المرايحي، زعيم "الاتحاد الشعبي الجمهوري" والمرشح الرئاسي المحتمل، بالسَّجن ثمانية أشهر وحظرت عليه مدى الحياة الترشح لمنصب بتهمة "تقديم عطايا نقديّة أو عينيّة قصد التّأثير على النّاخب". كما أدين المدير التنفيذي لحزبه وثلاثة أعضاء آخرين وحُكم عليهم.
في 5 أغسطس/آب، حكمت محكمة في تونس العاصمة بالتهم نفسها على خمسة مرشحين محتملين آخرين للرئاسة، وهم عبد اللطيف المكي، ونزار الشعري، ومراد المسعودي، ومحمد عادل ضو، وليلى الهمامي، بالسَّجن ثمانية أشهر ومنعهم مدى الحياة من الترشح.
في اليوم نفسه، حكمت محكمة تونسية أيضا على عبير موسي، رئيسة "الحزب الدستوري الحر"، بالسَّجن عامين بموجب المرسوم بقانون 54 بشأن الجرائم الإلكترونية بتهمة "نشر أخبار كاذبة" عن الهيئة الانتخابية.
في 14 أغسطس/آب، حكمت محكمة جندوبة على مغني الراب والمرشح المحتمل كريم الغربي بالسَّجن أربع سنوات ومنعه مدى الحياة من الترشح، بتهمة شراء تواقيع تزكيات. كما حُكم على أربعة أشخاص تطوعوا في حملة الغربي بالسجن.
استقلالية القضاء
واصلت حكومة سعيّد منهجيا تقويض استقلالية القضاء، واستهداف القضاة واستخدام القضاء لخدمة أغراضه السياسية. في 3 أكتوبر/تشرين الأول، أمرت "المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" بتعليق المرسوم الرئاسي الذي يمنح الرئيس سلطة عزل القضاة والمرسوم الذي أقال بموجبه سعيّد 57 قاضيا ووكيلا للجمهورية عام 2022.
في 27 سبتمبر/أيلول، أقر مجلس نواب الشعب التونسي قانونا جديدا يجرّد المحكمة الإدارية من الاختصاص في المسائل الانتخابية، ما يمنعها من تأدية دور في ردع الانتهاكات.
حرية التعبير
واصلت السلطات استخدام القوانين القمعية لتكميم حرية التعبير، بما فيها المرسوم بقانون 54 بشأن الجرائم الإلكترونية، والذي ينتهك الحق في الخصوصية وينص على عقوبات قاسية لجرائم التعبير المحددة بشكل مبهم.
في 31 يناير/كانون الثاني، حكمت محكمة استئناف المنستير على رشاد طمبورة بالسَّجن عامين بموجب المرسوم 54 على خلفية كتابات على الجدران تُظهر صورة لسعيّد محاطة بكلمات "عنصري، تابع، جشع، فاشي".
في 7 مارس/آذار، حكمت محكمة الكاف العسكرية على نصر الدين حليمي بالسّجن سبع سنوات بموجب قانون الجرائم الإلكترونية وقانون القضاء العسكري التونسي بسبب منشورات "فيسبوك" تنتقد الرئيس والجيش. ثم خُففت العقوبة لاحقا إلى عامين وأُطلق سراح حليمي في يونيو/حزيران.
بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، حُكم على العديد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي بالسجن على خلفية محتوى اعتُبر مسيئا للآداب العامة.
حرية الإعلام
كثّفت السلطات قمع حرية الإعلام، ما أدى تدريجيا إلى القضاء على النقد والتنوع في المشهد الإعلامي. كان يقبع خمسة إعلاميين على الأقل خلف القضبان بسبب عملهم أو آرائهم حتى نوفمبر/تشرين الثاني.
بحسب "النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين"، رُفعت 39 قضية على الأقل ضد صحفيين بسبب عملهم منذ مايو/أيار 2023، بموجب قوانين شملت قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب.
في 10 يناير/كانون الثاني، حكمت محكمة تونسية على الصحفي زياد الهاني بالسَّجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة "إهانة" وزيرة التجارة آنذاك كلثوم بن رجب بعد أن انتقدها في برنامج إذاعي.
في 6 يوليو/تموز، حكمت محكمة تونسية بموجب المرسوم 54 على سنية الدهماني، المحامية والمعلقة الإعلامية التي اعتقلت في 11 مايو/أيار، بالسَّجن عاما بسبب انتقادات في برنامج تلفزيوني. خُففت عقوبتها لاحقا إلى ثمانية أشهر. في 24 أكتوبر/تشرين الأول، حُكم عليها في قضية أخرى بالسَّجن عامين بسبب تصريحاتها.
في 22 مايو/أيار، حكمت محكمة تونسية على برهان بسيّس ومراد زغيدي، وكلاهما صحفيان بارزان، بالسَّجن عاما بموجب القانون نفسها. خُففت عقوبتهما لاحقا إلى ثمانية أشهر.
في 17 أبريل/نيسان، حُكِم على الصحفي محمد بوغلّاب بالسَّجن ستة أشهر بتهمة التشهير بمسؤول بعد انتقاده وزير الشؤون الدينية، وهو محتجز منذ 22 مارس/آذار.
الهجمات على المجتمع المدني
استهدفت السلطات عديدا من جماعات المجتمع المدني والناشطين بالاعتقالات والاستجوابات وفتح تحقيقات في تمويلهم. كما شنت السلطات حملة صارمة على التضامن مع المهاجرين واعتقلت أعضاء المنظمات التي تقدم المساعدة لطالبي اللجوء واللاجئين، ما أدى إلى تفاقم الوضع السيئ أصلا.
بين 3 و13 مايو/أيار، اعتقلت قوات الأمن ستة أعضاء على الأقل من ثلاث منظمات غير حكومية مسجلة قانونا تعمل في مجال الهجرة واللجوء والعدالة العرقية: "منامتي"، و"المجلس التونسي للاجئين"، و "أرض اللجوء تونس". كما تم التحقيق مع أعضاء منظمات أخرى واستدعاؤهم خلال نفس الفترة.
اعتُقل مدير المجلس التونسي للاجئين مصطفى جمالي ومدير المشاريع في المنظمة عبد الرزاق كريمي في 2 مايو/أيار وأودعا رهن الإيقاف التحفظي (الحبس الاحتياطي) بتهمة إيواء أشخاص بشكل غير قانوني في تونس. كانت المنظمة، التي أغلقتها السلطات في ذلك الوقت، شريكا رئيسيا لـ "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" في تونس، وكانت مسؤولة بشكل رئيسي عن جمع وفحص طلبات اللجوء، وترتيب الإقامة الطارئة والمساعدة الطبية للاجئين وطالبي اللجوء.
اعتُقلت سعدية مصباح، رئيسة منظمة منامتي المناهِضة للعنصرية، في 6 مايو/أيار. ثم احتُجزت مصباح لاحقا بانتظار التحقيق في جرائم مالية مزعومة بموجب قانون مكافحة الإرهاب التونسي لعام 2015 على خلفية بتمويل منامتي وأنشطتها.
يقبع اثنان من الأعضاء الحاليين أو السابقين في أرض اللجوء تونس رهن الإيقاف التحفظي بانتظار التحقيق في تمويل المنظمة.
في 1 أغسطس/آب، احتجز قاضٍ الرئيسة السابقة لـ "هيئة الحقيقة والكرامة" سهام بن سدرين بتهمة استغلال منصبها لتحقيق منفعة غير جائزة، والاحتيال، والتزوير على خلفية التقرير النهائي للهيئة. في 8 أغسطس/آب، قال ثلاثة خبراء من الأمم المتحدة إن اعتقال بن سدرين "قد يرقى إلى مستوى المضايقة القضائية... للعمل الذي قامت به" كرئيسة للهيئة.
المهاجرون وطالبو اللجوء واللاجئون
حتى أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك أكثر من 15,600 لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في تونس، منهم أكثر من 7,400 مواطن سوداني فر العديد منهم من النزاع في السودان منذ أبريل/نيسان 2023.
أعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء "التقارير المروعة" عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين وضحايا الاتجار بالبشر. خلال العام 2024، واصلت قوات الأمن، ولا سيما "الحرس الوطني"، عمليات الطرد الجماعي غير القانوني والمسيء لمئات المهاجرين وطالبي اللجوء إلى حدود الجزائر وليبيا، ما ترك الناس في المناطق الصحراوية النائية في ظروف تهدد حياتهم، وهو نمط مستمر منذ 2023. في إحدى الحالات في أوائل مايو/أيار، بعد وقت قصير من اجتماع في روما بشأن الهجرة بين وزراء داخلية الجزائر وإيطاليا وليبيا وتونس، داهمت قوات الأمن مخيمين مؤقتين ونُزلا للشباب في تونس، وطردت مئات المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة السود. اعتُقل 80 على الأقل، وطُرد 400 أو أكثر إلى حدود البلاد، بمن فيهم طالبو لجوء سودانيون.
زعم الرئيس سعيّد في 6 مايو/أيار أن التمويل الأجنبي يتم توجيهه من خلال المنظمات الوطنية لتوطين المهاجرين في تونس بشكل غير قانوني، واصفا رؤساء المنظمات بـ "الخونة". جاء ذلك بعد هجومه عام 2023 على المهاجرين من البلدان الأفريقية، والذي أثار موجة من الهجمات العنيفة المعادية للأجانب.
واصل الاتحاد الأوروبي تعاونه في إدارة الهجرة مع تونس، بناء على مذكرة تفاهم من العام 2023 زادت تمويل الاتحاد الأوروبي للسلطات التونسية لوقف الهجرة البحرية غير النظامية إلى أوروبا، دون ضمانات كافية لحقوق الإنسان. لم يتحدث الاتحاد الأوروبي ضد انتهاكات السلطات لحقوق المهاجرين والهجمات ضد منظمات المجتمع المدني.
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
ما تزال تونس تواجه أزمة اقتصادية مع ارتفاع الدين العام والتضخم، تؤثر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. بلغ الدين العام في 2024 حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي، ووفقا لـ "المعهد الوطني للإحصاء"، بلغ التضخم 6.7% حتى سبتمبر/أيلول وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 9.2% مقارنة بعام 2023.
حتى يونيو/حزيران، كان هناك عدة مئات من الأشخاص على الأقل في السجن لمجرد كتابة شيكات لم يتمكنوا لاحقا من سدادها، وهو ما يعادل السجن بسبب الديون وينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان. سُجِن الأشخاص المعسرون أو أجبروا على العيش في الخفاء أو المنفى، ما أدى إلى تغذية حلقة من الديون ومعاناة أسر بأكملها.
في 30 يوليو/تموز، تبنى مجلس الشعب قانونا جديدا خفف عقوبات السجن والعقوبات المالية على الشيكات غير المدفوعة. نصَّ القانون على أن الملاحقة القضائية للشيكات المرتجعة لم تعد تلقائية، وألزم النيابة العامة بالنظر في إمكانية الوساطة قبل الملاحقة القضائية، وسمح للمحتجزين بطلب الإفراج. وفقا لوزارة العدل، أطلِق سراح أكثر من 500 شخص منذ دخول القانون الجديد التنفيذ في 2 أغسطس/آب.