قالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة "إس أو إس هابيتات" الأنغولية في تقريرٍ صَدر اليوم إن الحكومة الأنغولية قامت بطرد آلاف السكان الفقراء بالقوة من ديارهم في العاصمة لواندا، وذلك خلال الطفرة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية عام 2002، ويتم ذلك غالباً باستخدام العنف، ودون تعويضٍ في كل الحالات تقريباً
ويوثق التقرير الذي يقع في 103 صفحات، بعنوان "لقد هدموا البيوت: طرد قسري وانعدام الثقة باستقرار السكن لدى فقراء الحضر في لواندا"، 18 حالة من حالات الطرد الجماعي التي نفذتها الحكومة الأنغولية في لواندا بين عامي 2002 و2006. وفي عمليات الطرد تلك، التي أضرّت بنحو 20000 شخصاً، قامت قوات الأمن بتدمير أكثر من 3000 منزل، كما استولت الحكومة على كثيرٍ من قطع الأرض الصغيرة المزروعة، وتُعد عمليات الطرد واسعة النطاق هذه خرقاً لكلٍّ من القانون الأنغولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ وقد خلفت كثيراً من الأنغوليين مشردين وحرمتهم من أي سبيلٍ إلى التعويض القانوني.
وقال بيتر تاكيرامبودي، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "جرى تشريد ملايين الأنغوليين خلال الحرب الأهلية، إلا أن الحكومة تقوم منذ ذلك الوقت بطرد آلافٍ غيرهم من ديارهم في العاصمة"، وأضاف: "أفضت سياسات الحكومة بعد الحرب إلى تدمير آلاف المنازل وإلى انتهاكاتٍ متكررة لحقوق الإنسان".
وما يزال آلاف الأنغوليين مُعرضين للطرد القسري بفعل امتناع الحكومة عن معالجة تفشي انعدام الثقة باستقرار حيازة الأرض؛ فمعظم سكان لواندا المُقدر عددهم بأربعة ملايين، لا يحملون صكوك حيازة رسمية لبيوتهم أو أراضيهم؛ ويؤدي قصور القوانين الخاصة بالأرض، وضعف الإدارة الحضرية بفعل نقص التعليمات التنفيذية، وغياب الأحكام التي تحمي من الطرد القسري، وكذلك ضعف إنفاذ القوانين وعدم كفاءة إجراءات تسجيل العقارات، إلى تعريض آلاف الأشخاص للمخاطر.
وقالت لويز آروجو، مديرة "إس أو إس هابيتات"، وهي منظمةٌ أنغولية غير حكومية تركز على الحقوق الخاصة بالإسكان: "معظم من جرى طردهم هم من الأنغوليين الفقراء الضعفاء، وقد تم هدم منازلهم ولم ينج كثيرٌ منهم سوى بالملابس التي يرتديها"، وتابعت تقول: "وسوف يظل ملايين من سكان لواندا معرضين إلى الطرد القسري ما لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لوضع حدٍّ نهائي للطرد القسري ومعالجة انعدام أمن الثقة باستقرار الملكية في هذه المدينة".
ويورد التقرير أدلةً على أن حالات الطرد القسري في لواندا لم تكن حوادث متفرقةً ولا معزولةً، بل هي تمثل نمطاً من السلوك المسيء من جانب حكومة أنغولا التي لم تشهد تغييرات تذكر. وحتى اليوم، لم تتخذ السلطات الخطوات الضرورية لوضع حدٍّ للطرد القسري، ولا وفرت إمكانية المحاسبة على الإساءات المتصلة بحالات الطرد هذه، كما تمتنع عن تعويض الغالبية العظمى ممن يجري طردهم، رغم أنها ملزمةٌ بالتعويض بموجب القانون الأنغولي والقانون الدولي معاً.
وقال عددٌ ممن جرى طردهم لـ هيومن رايتس ووتش إن رجال الشرطة وموظفي الحكومة المحلية ينفذون عمليات الطرد بعنفٍ وحشي واستخدامٍ مفرطٍ للقوة؛ إذ يعمد رجال الشرطة، الذين يرافقهم أحياناً عناصر من الشركات الأمنية الخاصة، إلى إطلاق النار في الهواء أو على الأرض لتخويف السكان العُزل. وكثيراً ما تعتقل الشرطة هؤلاء الناس تعسفاً، وقال كثيرٌ ممن تعرضوا للاعتقال لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تعرضوا إلى إساءاتٍ بدنية أثناء احتجازهم لدى الشرطة، وأما المدافعون عن حقوق الإنسان الحاضرون أثناء عمليات الطرد هذه فهم يتعرضون للمضايقات وأحياناً للاعتقال التعسفي.
ولم تقدم الحكومة الأنغولية للجماعات المتضررة معلومات وافية عن سبب الطرد ؛ كما ترفض التشاور معهم حول حلولٍ ممكنةٍ تكون بديلاً عن إخراجهم من بيوتهم بالقوة؛ ففي "المستوطنات غير الرسمية"، حيث يعيش معظم سكان لواندا في عقارات غير مُسجلة، يجري إشعار السكان بالطرد قبل فترةٍ قصيرة جداً، أو لا يجري إشعارهم أصلاً. ولا تقوم الحكومة قبل الطرد بالتأكد من حقوق للأشخاص في ملكية الأراضي.
ولم تقدم الحكومة أيضاً معلوماتٍ دقيقة حول الجهة التي تصدر أوامر الطرد، وحول الأساس القانوني لهذه الأوامر، وكذلك حول الجهة المختصة بتلقي الاعتراضات على هذه القرارات. وقد نفذت الحكومة عمليات الطرد القسري هذه دون إجراءاتٍ ملائمةٍ موحدة من أجل تحديد صيغة ومقدار التعويض المُستحق لكل شخص يتعرض للطرد.
وتبرر الحكومة الأنغولية عمليات الطرد بالقول بأنها بحاجةٍ إلى الأرض لبناء مشاريع تنموية ذات نفع عام، أو إنها تقوم بطرد المزعوم بأنهم معتدين على أراضي الدولة. وفي الوقت الذي تزعم الحكومة بأنها تحاول تحسين شروط المعيشة في لواندا، فإنها في الواقع تزيد هذه الشروط تردياً بالنسبة للأشخاص الأضعف اقتصادياً، وذلك عبر طرد آلافٍ منهم وعبر حرمانهم من المساعدة الضرورية لاستقرارهم في أماكن أخرى.
وقالت لويز آروجو: "يعيش كثيرٌ من الناس في هذه الأراضي ويزرعونها منذ عقود، كما استوطن غيرهم فيها بإذنٍ من كبار السن وفقاً للعادات"، وتابعت تقول: "ولم تقم الحكومة أبداً، رسمياً وعلى نحوٍ قانوني، باستملاك الأرض التي يشغلها هؤلاء الناس، ولم تمنحهم فرصةً لإثبات حقوقهم فيها".
وقد جرت حالات الطرد التي يوثقها التقرير على نحوٍ يخالف القانون الأنغولي والقانون الدولي على السواء، وأنغولا طرفٌ في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ وهي مُلزمةٌ بحماية كل شخص من التدخل التعسفي غير القانوني في منزله وأسرته، إضافةً إلى أنها ملزمةٌ باتخاذ خطواتٍ لإحقاق الحق في السكن الكافي. والطرد القسري خرقٌ لهذين الالتزامين الأساسيين، وهو يفضي إلى كثيرٍ من انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال بيتر تاكيرامبودي: "ليس للحكومة الأنغولية أن تستملك الأراضي الخاصة وأن تطرد السكان عنوةً إلا في أشد الحالات استثنائيةً"، مضيفاً بأنه "لا يمكن تبرير حالات الطرد إلا إذا قامت من أجل منفعةٍ عامة محددة تحديداً واضحاً، على أن يتم تنفيذها وفقاً للقانون وبتوفر حماية واضحة لحقوق الجماعات المتضررة، بما في ذلك التشاور معها، وحقها في الاعتراض على الاستملاك، فضلاً عن نيلها تعويضاً كافياً".
وما لم تقم الحكومة الأنغولية حقاً بإيقاف الطرد القسري عبر التشاور مع الجماعات المتضررة من حالات الطرد المخطط لها، وعبر الحرص على التقيد بجميع الإجراءات الاحتياطية، فإن فقراء مدينة لواندا يظلون معرضين للتشريد ولانتهاك حقوقهم الإنسانية.
وقد حثّت هيومن رايتس ووتش و"إس أو إس هابيتات" الحكومة الأنغولية على اتباع "إرشادات الأمم المتحدة الشاملة بشأن حقوق الإنسان حول نقل الأشخاص من مساكنهم لأسبابٍ تنموية" أثناء تنفيذ أية مشاريع تنموية في المستقبل، وعلى تطبيق الحمايات القانونية والإجرائية التي تشمل توجيه إنذارٍ قبل فترةٍ كافيةٍ معقولة من تاريخ الطرد، وذلك في كل عمليات الطرد المستقبلية. وعلى الحكومة تزويد جميع الأشخاص المتضررين بالمعلومات في الوقت الملائم، بما فيها الغاية التي سيتم استخدام الأرض من أجلها، والتعريف الملائم بشخصية الموظفين الذين ينفذون الطرد، فضلاً عن توفير فرصة التعويض القانوني.
ودعت هيومن رايتس ووتش و"إس أو إس هابيتات الحكومة أيضاً إلى التحقيق في جميع مزاعم الاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة ومسؤولي الحكومة، إضافةً إلى غير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان ذات الصلة بالطرد القسري، ثم تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. وطالبتا الحكومة بالإسراع في توفير المساعدة، بما فيها السكن البديل، لجميع المتضررين، فضلاً عن التعويض الكافي لجميع ضحايا حالات الطرد السابقة ممن لم يتلقوا تعويضاً.
من أقوال الأشخاص الذين تعرضوا للطرد:
وصلوا إلى المكان ولم يكلموا أحداً... وراحوا يهدمون المنازل.... لم يكن هناك وقتٌ لأي شيء.... ولم نستطع إخراج شيءٍ من بيتنا. لقد حطموا سريري، وحطموا الفرن. وداسوا على كل شيء. حاولت أن أفعل شيئاً لكنهم أخذوني. كنت أحاول إخراج أغراضي فألقوا بي في سيارة الشرطة.
- سي إيه، امرأة في الخامسة والثلاثين من العمر، أخليت من منزلها بحي كامبامبا 2.
جئت إلى هنا مع مجيء إل إم. وقد هدموا بيتي يوم 26 سبتمبر/أيلول 2005. ولم أستطع إنقاذ شيء من محتوياته. كانت مساحته 14 × 9 متراً. وكنت قد فرغت من إصلاحه وطلائه. ولو بقي فيه شيء صالح، كالأبواب أو النوافذ، لأخذوه. هذا كل ما بقي لي [قبضة الباب].
- إف جي، رجلٌ في التسعين من العمر أخلي من حي بايرو دا سيدادانيا.
ركضت من أجل زوجتي وطفلي، وأخرجتهما من المنزل. لقد خرجنا ممسكين بعضنا بعضاً، فضربونا بالهراوات. بقينا متشبثين ببعضنا، فواصلوا ضربنا ودفعونا وألقوا بنا أرضاً. وفي النهاية، راح ثمانية رجال شرطة يضربونني ويضربون زوجتي التي تمسك بطفلنا ذي العام الواحد من العمر. ثم ألقوا بي في سيارة الشرطة... وفي القسم، ضربوني بعصي المكانس... وقالوا إنهم سيضربون كلاً منا ثلاثين مرة بصفحة منجل القصب: 15 ضربة على الراحتين، و15 على الظهر.
- إتش جي، رجل في الثانية والعشرين من العمر جرى إخلاؤه من حي كامبامبا 2.
نريد أن نعرض وضعنا. إذا كانت الدولة تريد الأرض فلتعطنا تعويضاً يعادل ثمنها والتكاليف التي تحملناها؛ أو فلتقدم لنا مكاناً لائقاً للعيش توجد فيه مدارس ومستشفيات. لسنا نطالب بهذه الأرض تحديداً، لكننا نريد استعادة ما وضعناه فيها، فهذا حقنا.
- جي تي، رجلٌ في الرابعة والخمسين من العمر جرى إخلاؤه من حي بايرو دا سيدادانيا.