تدهورت حالة حقوق الإنسان في مالي بشكل خطير في 2018 بسبب ازدياد هجمات الجماعات الإسلامية المسلحة ضد المدنيين، وارتكاب الجيش فظائع خلال عمليات مكافحة الإرهاب. كما تسبب العنف الأهلي في مقتل المئات وأزمة إنسانية.
لم تحرز عملية السلام، المصمَّمة لإنهاء أزمة 2012-2013 السياسية والعسكرية في الشمال، تقدما كافيا، بما في ذلك ما يتعلق بنزع السلاح واستعادة سلطة الدولة. واستمر تفشي أعمال السطو في ظل اتساع الفراغ الأمني.
في وسط مالي، ارتفعت هجمات الجماعات الإسلامية، التي شملت استعمال المتفجرات المزروعة على الطرق، مُقارنة مع 2017، ما أسفر عن مقتل العديد من القرويين. وأسفرت عمليات مكافحة الإرهاب الحكومية عن عشرات الإعدامات بإجراءات موجزة وسوء المعاملة.
خلال 2018، قُتل على الأقل 300 مدني في أكثر من 100 حادثة عنف طائفي وسط وشمال مالي. حرض العنف جماعات الدفاع الذاتي المتحالفة على أساس عرقي ضد المجتمعات المحلية المتهمة بدعم الجماعات الإسلامية المسلحة، ما أدى إلى نهب وتدمير عشرات القرى وتهجير عشرات الآلاف.
في سبتمبر/أيلول، أدى الرئيس إبراهيم بوبكر كايتا اليمين الدستورية لولاية ثانية بعد فوزه في الانتخابات التي شابها انعدام الأمن، ومزاعم بمخالفات، وبعض انتهاكات حقوق الإنسان، منها حظر المظاهرات وإغلاق محطة إذاعية محلية.
لم يُبذل سوى القليل من الجهد لتوفير العدالة لضحايا الانتهاكات، وظلت مؤسسات سيادة القانون ضعيفة. ورغم ذلك، فتح الجيش تحقيقات في مزاعم القتل خارج نطاق القضاء من قبل قواته. عانت الوكالات الإنسانية من عشرات الهجمات، معظمها من قبل قطاع الطرق، ما قوّض قدرتها على تقديم المساعدات.
خلال 2018، ركز شركاء مالي الدوليون على احتواء الانتشار الإقليمي لهجمات الجماعات الإسلامية وضمان إجراء انتخابات رئاسية شرعية. أظهر هؤلاء الفاعلون رغبة متزايدة في إدانة انتهاكات قوات الأمن المالية.
انتهاكات الجماعات المسلحة في شمال ووسط مالي
زادت الجماعات الإسلامية المسلحة المتحالفة مع "تنظيم القاعدة"، وبدرجة أقل "الدولة الإسلامية"، بشكل كبير جدا هجماتها على الأجهزة الأمنية المالية، وقوات حفظ السلام، والقوات الدولية في شمال ووسط مالي طوال 2018.
قُتل عشرات المدنيين في هذه الهجمات، في المقام الأول عن طريق الاستخدام العشوائي للمتفجرات المزروعة على الطرق الرئيسية، منها هجوم في منطقة موبتي أسفر عن مقتل 26 شخصا. وحتى كتابة هذا الملخص، قُتل 11 فردا من حفظة السلام التابعين للأمم المتحدة في "بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لنشر الاستقرار في مالي" (مينوسما) خلال 2018. بذلك، وصل العدد الإجمالي إلى 103 قتلى منذ إنشاء البعثة في 2013.
واصلت الجماعات الإسلامية المسلحة تهديد، وأحيانا قتل، قرويين تعتبرهم يتعاونون مع السلطات، وضربت الذين ينخرطون في ممارسات ثقافية تحظرها. كما فرضت نسختها من الشريعة الإسلامية عن طريق محاكم لا تلتزم بمعايير المحاكمة العادلة.
خلال الانتخابات، أحرقت مراكز الاقتراع والمواد الانتخابية، وقتلت على الأقل 3 من موظفي الانتخابات، وهددت الناخبين، ما أدى الى إغلاق مئات مراكز الاقتراع في شمال ووسط مالي.
انتهاكات قوات أمن الدولة
ازداد عدد الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي من قبل قوات أمن الدولة، في سياق عمليات مكافحة الإرهاب بشكل ملحوظ في عام 2018، لا سيما في النصف الأول من العام.
خلال 2018، زُعم أن جنودا ماليين قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية 60 رجلا يشتبه في دعمهم إسلاميين مسلحين، في حين تعرض آخرون عديدون للاختفاء القسري أو التعذيب أثناء الاستجواب. واعتقلت وكالة الاستخبارات الوطنية العديد من الرجال المتهمين بجرائم ذات صلة بالإرهاب دون احترام للإجراءات القانونية الواجبة.
فتح الجيش تحقيقات في 3 حوادث على الأقل، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء لـ 12 مشتبه بهم بالقرب من ديورا في أبريل/نيسان، و12 رجلا في بوليكسي في مايو/أيار، و25 مشتبه بهم بالقرب من نانتاكا في يونيو/حزيران.
كان التقدم في إضفاء الطابع المهني على قوات الأمن واضحا أيضا في زيادة حضور الشرطة العسكرية المسؤولة عن ضمان الانضباط أثناء العمليات العسكرية، ودوريات لحماية المدنيين، وتفعيل "مديرية القضاء العسكري" في باماكو.
حقوق الطفل
قُتل أكثر من 25 طفلا في وسط وشمال مالي وأصيب آخرون بسبب المتفجرات، وخلال تبادل إطلاق النار والاشتباكات الطائفية. لا يزال العديد من الأطفال الذين فروا من قراهم، خلال الهجمات التي شنتها الميليشيات العرقية، بما في ذلك قريتي بومبو وغورو، في عداد المفقودين. عانى آلاف الأطفال من سوء التغذية نتيجة للنزاع والعنف الأهلي.
في فبراير/شباط، اعتمدت مالي "الإعلان العالمي للمدارس الآمنة"، وهو التزام سياسي للحد من الهجمات على المدارس. ومع ذلك، ظلت أكثر من 735 مدرسة مغلقة وحرم 225 ألف طفل من الحق في التعليم بسبب انعدام الأمن والنزوح. تم تهديد العديد من المعلمين، وخُربت أو دُمرت أو احتُلت مدارس من قبل الجماعات المسلحة.
المساءلة عن الانتهاكات
أحرزت السلطات القضائية تقدما ضئيلا في التحقيق في أكثر من 100 شكوى قدمها ضحايا الانتهاكات المزعومة خلال النزاع المسلح في فترة 2012 – 2013، ولم تُفتح سوى تحقيقات قليلة في أفعال العنف الأهلي وانتهاكات قوات الأمن الأخيرة.
في يونيو/حزيران، أقرت الحكومة قانون "التوافق الوطني" الذي يمنح العفو لأعضاء الجماعات المسلحة المشاركين في أعمال 2012 – 2013 العدائية والذين لم يُتهموا بجرائم عنيفة. دعت منظمات حقوق الإنسان إلى تأجيل إقرار القانون في انتظار إجراء تحقيقات نزيهة في الانتهاكات المرتكبة منذ 2012.
أُوقفت في ديسمبر/كانون الأول 2016 محاكمة قائد الانقلاب السابق الجنرال أمادو هايا سانوغو و17 من عنصرا آخر من الأجهزة الأمنية المالية لقتل 21 من جنود النخبة، "القبعات الحمر".
القضاء والإطار القانوني لحقوق الإنسان
عانى القضاء المالي من الإهمال وسوء الإدارة، وأدى انعدام الأمن إلى تخلي العديد من الموظفين القضائيين عن وظائفهم في شمال ووسط مالي. احتُجز مئات المعتقلين في الحبس الاحتياطي لفترة طويلة لعدم قدرة المحاكم على معالجة القضايا على النحو الملائم.
مع ذلك، بذلت السلطة القضائية جهودا لتحسين نظام إدارتها للقضايا، وزيادة عدد جلسات الاستماع في المناطق المُعرضة للنزاع، وتحسين أوضاع السجون. شهدت "الوحدة القضائية المتخصصة المعنية بالإرهاب والجريمة المنظمة"، التي أنشئت بموجب قانون عام 2013، أول قضية تُعرض للمحاكمة. حتى كتابة هذا الملخص، نظرت الوحدة في 6 قضايا على الأقل.
في أكتوبر/تشرين الأول، مددت الحكومة حالة الطوارئ، التي أعلن عنها أول مرة في عام 2015، لمدة سنة.
لجنة حقوق الإنسان المستقلة وآلية الحقيقة والمصالحة
حققت "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" تقدما ملموسا في الاضطلاع بولايتها. وبفضل تعزيز التمويل والموظفين، حققت اللجنة في الانتهاكات، وأصدرت العديد من البيانات، وزارت مراكز احتجاز للترافع نيابة عن الضحايا.
أحرزت "لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة"، التي أنشئت في 2014 بولاية للتحقيق في الجرائم والأسباب الجذرية للعنف الذي يعود تاريخه إلى 1960، تقدما ملموسا. حصلت اللجنة المكونة من 25 عضوا على أكثر من 9,300 إفادة من الضحايا والشهود، غير أن مصداقيتها تقوضت بسبب إدراج 9 أعضاء من الجماعات المسلحة واستبعاد ممثلي الضحايا.
الأطراف الدولية الرئيسية
وضعت الأمم المتحدة، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة احترام حقوق الإنسان في مالي بشكل أكثر وضوحا على أجندتها في 2018. جاء ذلك من خلال التصريحات العلنية العديدة التي تستنكر الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية والجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، والدعوة إلى محاسبة المسؤولين.
تولت فرنسا، إلى جانب الولايات المتحدة، قيادة المسائل العسكرية، بينما قاد الاتحاد الأوروبي التدريب وإصلاح قطاع الأمن، وقادت الأمم المتحدة سيادة القانون والاستقرار السياسي.
عانى تفعيل "القوة العسكرية المتعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل" (قوة الساحل الخماسية) لعام 2017، التي تتألف من قوات من مالي، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد، من التأخير، ودُمر مقر القوة الرئيسي من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة في يونيو/حزيران. في 2017 و2018، تعهد المانحون الدوليون بتقديم أكثر من 500 مليون دولار لهذه القوة، بما في ذلك 116 مليون يورو (حوالي 132 مليون دولار) من الاتحاد الأوروبي.
نفذت "عملية بارخان"، القوة الفرنسية الإقليمية لمكافحة الإرهاب التي يبلغ قوامها 4 آلاف جندي، عمليات عديدة في مالي. في مايو/أيار، تم توسيع ولاية "بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي" في مالي و"بعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات" لتشمل تدريب قوة الساحل الخماسية.
دعمت مينوسما بشكل ملموس تنظيم الانتخابات الرئاسية، وتدريب القوات الحكومية والموظفين القضائيين، وجهود المصالحة المجتمعية. في الوقت الذي زادت فيه القوات من الدوريات، كافحت البعثة لتنفيذ ولايتها الأهم في مجال حماية المدنيين لعام 2016، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الهجمات المستمرة ضد قوات حفظ السلام ونقص المعدات.
في يناير/كانون الثاني، أنشأ الأمين العام للأمم المتحدة "لجنة تحقيق دولية"، التي يتوخاها اتفاق السلام لعام 2015، للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي بين 2012 ويناير/كانون الثاني 2018.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، وافق "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" (مجلس الأمن) على قرار يُمكن مينوسما من تقديم بعض الدعم العملاني واللوجستي لقوة الساحل الخماسية. كما أن تنفيذ "سياسة الأمم المتحدة لبذل العناية الواجبة في مراعاة حقوق الإنسان"، بدعم من "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان"، يتقدم في هذا السياق. ويمكن لهذا الدعم أن يجعل من مينوسما طرفا في النزاع في مالي وأن يُفقد حَفَظة السلام الحماية لكونهم غير مقاتلين.
في يناير/كانون الثاني، خضعت مالي للاستعراض الثالث في إطار آلية "الاستعراض الدوري الشامل" في الأمم المتحدة. في مارس/آذار، قرر "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" تمديد تفويض خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بمالي لعام آخر. وقد زار الخبير المستقل البلد قبل الانتخابات الرئاسية وبعدها، في يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول.
في أغسطس/آب، جدد مجلس الأمن لمدة سنة قراره لعام 2017 بتجميد الأصول وحظر السفر ضد الذين يعرقلون اتفاق السلام لعام 2015 وينتهكون حقوق الإنسان. وأدان تقرير فريق الخبراء، في أغسطس/آب، بشدة انتهاكات الحقوق الإنسان التي ترتكبها الجهات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء، لكن مجلس الأمن لم يعاقب أي شخص بسبب الانتهاكات والتجاوزات الحقوقية المزعومة من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية.
واصل مكتب المدعية العامة لدى "المحكمة الجنائية الدولية" تحقيقاته في مالي، وأصدر في مارس/آذار أمرا بالقبض على الزعيم السابق لـ "جماعة أنصار الدين"، الحسن آغ عبد العزيز آغ محمد آغ محمود، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في تمبكتو عامي 2012 و2013. ومع ذلك، وحتى كتابة هذا الملخص، لم يسعَ المكتب بعد إلى إصدار مذكرات توقيف بحق أي من المسؤولين الحكوميين.