في 2022، واجه جنوب السودان عاما آخر من العنف والجوع والتحديات القاسية. استمر النزاع. أسفر العنف بين الجماعات المسلحة في ولاية أعالي النيل، وجنوب ولايتي وسط الاستوائية والوحدة، عن عمليات تهجير وانتهاكات جسيمة، قد يرقى بعضها إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. استمر العنف الجنسي المرتبط بالنزاع. استمر العنف الأهلي والمتعدد الجوانب في معظم أنحاء البلاد، مع أعمال قتل، وتهجير، ونهب، وتدمير للممتلكات.
في الوقت نفسه، هدّدت السلطات النقاد، والصحفيين، والمحتجين، والنشطاء الحقوقيين وضايقتهم واحتجزتهم تعسفا لفترات طويلة دون محاكمة.
شهدت البلاد أسوأ أزمة إنسانية منذ الاستقلال، حيث أفاد "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (’أوتشا‘) أن 7.7 مليون شخص على الأقل يعانون من انعدام الأمن الغذائي. عزت الوكالة ذلك إلى النزاع، ونقص التنمية المزمن، والظروف الجوية القاسية. نزح أكثر من 2.2 مليون شخص داخليا، بالإضافة إلى أكثر من 2.3 مليون فروا خارج البلاد.
وافقت الأطراف في "اتفاقية 2018 المعاد تفعيلها بشأن حل النزاع في جنوب السودان" على تمديد الفترة الانتقالية لمدة 24 شهرا اعتبارا من فبراير/شباط 2023 عندما كان من المفترض أن تنتهي.
الهجمات ضد المدنيين وعمليات الإغاثة
بين فبراير/شباط ومايو/أيار، هاجم شباب مسلحون تدعمهم القوات الحكومية المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة "الجناح المعارض في الجيش الشعبي لتحرير السودان" في مقاطعات لير، وكوش، وماينديت. في سبتمبر/أيلول، أصدرت "بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان" تقريرا خلُص إلى أن 44 ألف شخص على الأقل نزحوا، و173 مدنيا أعزل قتلوا، و131 امرأة اغتُصبن بشكل فردي أو جماعي، وأن 12 شخصا على الأقل أصيبوا بجروح خطيرة.
اتسقت نتائج بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان مع بحث هيومن رايتس ووتش حول الهجمات في مقاطعة لير، والتي وجدت أنماطا مماثلة من الانتهاكات، بما فيها الهجمات على الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة. أدى نهب وتدمير مخزون الغذاء، والماشية، والمساعدات الإنسانية بشكل خاص إلى تفاقم الوضع الغذائي المزري، ما ترك المدنيين عرضة لخطر المجاعة.
وثّق مراقبو وقف إطلاق النار في جنوب السودان أنماطا مماثلة من الانتهاكات بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار، ما يشير إلى تورط "قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان" التي تدعمها مليشيات الشباب المسلحة في هجمات ضد مدنيين عُزّل في مناطق سيطرة الجناح المعارض في الجيش الشعبي لتحرير السودان في أعالي النيل مثل مابان لونغتشك ومايووت.
في فبراير/شباط، وقّع الرئيس سلفا كير اتفاقيات سلام منفصلة مع الفصائل المنشقة عن الجناح المعارض في الجيش الشعبي لتحرير السودان والمعروفة بـ"كيتغوانغ" بقيادة الجنرال جونسون أولوني والجنرال سايمون غاتويش دويل، والتي ضمنت لهم، من بين أمور أخرى، العفو والسماح لقواتهم بالاندماج في الجيش الوطني.
في يوليو/تموز، اندلعت أعمال عنف بين كيتغوانغ، بدعم من القوات الحكومية، والجناح المعارض في الجيش الشعبي لتحرير السودان في ولاية أعالي النيل، ما تسبب في أزمة إنسانية في المنطقة. في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، أدى العنف داخل فصيل كيتغوانغ ومع الجناح المعارض في الجيش الشعبي لتحرير السودان في تونغا وبانيكانغ إلى انتهاكات حقوقية خطيرة وتهجير آلاف الأشخاص.
استمرت حملة الحكومة لمكافحة التمرد ضد متمردي "جبهة الخلاص الوطني" في ولايتي وسط وغرب الاستوائية. ارتكب الطرفان انتهاكات، بما فيها العنف الجنسي والقتل غير القانوني واختطاف المدنيين.
استمرت هجمات الجماعات المسلحة والقوات الحكومية ضد عمليات الإغاثة دون تحقيقات أو محاكمات معروفة للجناة، وجميعهم من جنوب السودان، قُتلوا على أيدي الجماعات المسلحة في 2022.
الأطفال والنزاع المسلح
استمر تجنيد واستخدام الأطفال من قبل الجماعات المسلحة. في مارس/آذار، وثّق تقرير صادر عن مراقبي وقف إطلاق النار التجنيد الإجباري لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 13 عاما من قبل قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان في ولايتي الوحدة والبحيرات. أشار تقرير مماثل في يوليو/تموز إلى تورط النقيب فيليب خميس في تجنيد الأطفال في "جهاز الأمن الوطني" في تمبورا بولاية غرب الاستوائية.
أكد تقرير لـ "الأمم المتحدة" بشأن الأطفال والنزاع المسلح تجنيد واستخدام 129 طفلا، 30٪ منهم دون سن الـ 15، كمقاتلين وحراس شخصيين وطهاة من قبل مجموعات مختلفة، بينهم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، والجناح المعارض في الجيش الشعبي لتحرير السودان، و"جهاز الشرطة الوطنية لجنوب السودان"، و"تحالف المعارضة في جنوب السودان"، وجبهة الخلاص الوطني، والقوات الموالية للجنرال جيمس ناندو، والقوات الموالية للجنرال موزس لوكوجو.
العنف الأهلي
في يوليو/تموز، عزا تقرير للأمم المتحدة أكثر من 60٪ من وفيات المدنيين في جنوب السودان إلى العنف الأهلي والميليشيات الشعبية.
بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران، وثّقت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان 117 قتيلا مدنيا و35 جريحا نتيجة تجدد القتال الأهلي بين قبائل الدينكا تويك مايارديت والدينكا نغوك في منطقة أبيي الإدارية، واشتباكات بين القبائل في منطقة تونج الكبرى، فضلا عن هجمات شنها الشباب المسلحون من قبيلتي الدينكا والنوير على القبائل في مقاطعة تونج الشمالية.
الحيز المدني وسيادة القانون
واصلت السلطات تقييد حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والتجمع. احتجزت السلطات تعسفا منتقدين ومدافعين حقوقيين وصحفيين.
في أكتوبر/تشرين الأول، بدأت الحكومة محاكمة رجل الدين أبراهام شول ماكيث الذي اعتُقل في يوليو/تموز 2021 لتوقعه الإطاحة بحكومة جنوب السودان في ذلك الشهر، واعتُقل السياسي كويل أغوير كويل في أغسطس/آب 2021 لصلاته بـ "حركة مناهضة للحكومة". دعت هيومن رايتس ووتش إلى احترام استقلالية القضاء.
يُعد احتجازهم ومحاكمتهم جزءا من نمط أكبر من الاحتجازات غير القانونية، ما يكشف عن نقاط الضعف والتحديات المستمرة في نظام العدالة الجنائية، بما فيها التدخل السياسي من قبل فروع أخرى من الحكومة.
في 7 أغسطس/آب، اعتقلت الشرطة وجهاز الأمن الوطني سبعة أشخاص في سوق كونيوكونيو في جوبا. كانوا يحتجون على ارتفاع تكاليف المعيشة. أطلق رجال الأمن النار على المحتجين، فأصابوا شخصا في ساقه، وضربوا آخرين بالعصي وكعوب البنادق. اعتقلت الشرطة ديينق ماقوت، مراسلة مستقلة لدى إذاعة "صوت أمريكا"، والتي كانت تجري مقابلات مع المحتجين في كونيوكونيو، واحتجزتها ثمانية أيام بشكل غير قانوني في مركز شرطة الملكية.
التطورات التشريعية
في مايو/أيار، أقر البرلمان تعديل قانون الأحزاب السياسية لعام 2012، رغم مقاطعة الجناح المعارض في الحركة الشعبية لتحرير السودان. يشمل القانون بندا مقيِّدا يتطلب من الحزب السياسي أن يكون لديه على الأقل 500 عضو في ثماني ولايات على الأقل من ولايات الدولة العشر.
في سبتمبر/أيلول، أطلقت وزارة العدل والشؤون الدستورية محكمة متخصصة في التعامل مع جرائم الالكترونية وعينت نائبا خاصا للتحقيق في الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت ومقاضاتها وفقا لـ"الأمر المؤقت الخاص بالجرائم الإلكترونية وإساءة استخدام التكنولوجيا" الصادر عن الرئيس كير في ديسمبر/كانون الأول 2021. الأمر الذي يمنح النيابة العامة صلاحيات واسعة للاعتقال والتفتيش والمصادرة يتضمن تعريفات مبهمة للغاية لمصطلحات "إساءة استخدام التكنولوجيا"، و"الإرهاب"، و"المحتوى غير اللائق"، و"الاتصال الهجومي"؛ ويمكن استخدامها لاستهداف وإسكات النقاد السياسيين والمعارضين وتقييد حقوق الخصوصية، وحرية التعبير، والوصول إلى المعلومات.
في سبتمبر/أيلول، أقرت حكومة ولاية البحيرات القانون العرفي ومشروع قانون النظام العام 2022 الذي يحظر زواج الأطفال والزواج القسري في الولاية.
حتـي وقت كتابة هذا التقرير، كانت مراجعة تعديل قانون جهاز الأمن الوطني معلقة. يحد مشروع القانون، لكن لا يلغي، سلطات الجهاز في الاعتقال والاحتجاز. أُحيل مشروع القانون إلى الرئاسة في أبريل/نيسان 2021 لإقراره، لكن في أغسطس/آب 2022 أحالته الرئاسة إلى وزارة العدل للحصول على مزيد من التوجيه.
يُجرّم جنوب السودان العلاقات المثلية بالتراضي بالسجن حتى عشر سنوات وأشكال التعبير الجندري حتى عام واحد.
الأطراف الدولية الرئيسية
في مارس/آذار، جدد "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" ولاية بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان لعام آخر. في الشهر نفسه، جدد "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، بعد تصويت متقارب، ولاية "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في جنوب السودان" لعام آخر.
في مارس/آذار، أمر الرئيس كير بإصدار تقرير كتبه جهاز الأمن الوطني وشركة المحاماة "بي آر 9 تشامبرز"، ومقرها بريطانيا، بشأن اندلاع النزاع في 2013 و2016. أيّد التقرير الادعاء بأن محاولة الانقلاب التي قام بها ريك مشار وسياسيون آخرون كانت سبب نزاعات 2013 و2016 رغم عدم عثور "لجنة التحقيق التابعة للاتحاد الأفريقي" وهيئات الأمم المتحدة على أي دليل على ذلك.
في مايو/أيار، جدد مجلس الأمن الأممي حظر الأسلحة وحظر السفر وتجميد الأصول المفروض على جنوب السودان لعام آخر، ومدّد ولاية لجنة الخبراء حتى يوليو/تموز 2023. يطالب القرار جنوب السودان بإحراز تقدم رئيسي في خمسة محاور محددة في القرار 2577 (2021)، والتي سيستعرض على أساسها تدابير حظر الأسلحة.
في 15 يوليو/تموز، قطعت الولايات المتحدة التمويل عن آلية مراقبة عملية السلام في جنوب السودان، متذرعة بالافتقار للتقدم والإرادة السياسية لتنفيذ إصلاحات حاسمة. أيضا، ولأول مرة، لم تمنح الولايات المتحدة إعفاء لجنوب السودان بموجب قانون منع تجنيد الأطفال؛ نتج عن ذلك قيام الولايات المتحدة بحجب 18 مليون دولار أمريكي لقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
استمر انتشار الإفلات من العقاب على نطاق واسع، حيث لم يصل إلى المحاكم العسكرية أو المدنية سوى عدد قليل من قضايا قوات الأمن المتعلقة بجرائم ضد المدنيين.
تتحمل "مفوضية الاتحاد الأفريقي" المسؤولية بموجب اتفاقية السلام لعام 2018 لإنشاء المحكمة المختلطة لجنوب السودان، لكنها تقاعست عن المضي قدما في إنشاء المحكمة أو الضغط من أجل اتخاذ المزيد من الإجراءات من قبل سلطات جنوب السودان لإنشاء المحكمة مع مفوضية الاتحاد الأفريقي.