لم يشهد السودان أي تقدّم في سجلّه الحقوقي المروّع في عام 2014، وبدلاً من ذلك، أسفرت فصول جديدة من الصراع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق عن أعداد كبيرة من القتلى المدنيين والنازحين، وقامت قوات الأمن مراراً بقمع مظاهرات ضد سياسات الحكومة، وواصلت السلطات خنق المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة.
كما ظل حزب المؤتمر الوطني الحاكم واثنان من أحزاب المعارضة، التي تحالف اثنان منها في أغسطس/آب، في طريق مسدود بسبب عملية الحوار الوطني التي كان يفترض أن تمهد لانتخابات ودستور جديد. ولم يتبن السودان دستوراً حتى الآن بعد انتهاء فترة انتقالية طولها ست سنوات منصوص عليها في اتفاقية السلام الشاملة، وحصول جنوب السودان على الاستقلال.
الصراع والانتهاكات في دارفور
يتوا القتال بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة، وبين جماعات مسلحة أخرى غالباً ما تستخدم عتاد الحكومة وأسلحتها، في عدة أجزاء من دارفور، كما قتل الصراع بين جماعات الرزيقات والمعالية في جنوب دارفور المئات، وفرّ أكثر من 450 ألف شخص من العنف في دارفور منذ بداية 2014، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وبدءاً من فبراير/شباط دخلت قوات الدعم السريع، وهي قوة حكومية سودانية تتكون إلى حد كبير من الميليشيات السابقة، إلى منطقة كردفان في دارفور حيث تمّ نشرها لمقاتلة المتمردين في جنوب كردفان. نفّذت القوات التي يقودها اللواء محمد حمدان دقلو (حميتي) زعيم الميليشيا السابق في دارفور، هجمات برية واسعة النطاق في عشرات القرى في جنوب وشمال دارفور، واستهدفت المناطق التي اتُهِم سكانها بالتعاطف مع المتمردين، فأحرقت المنازل والمحلات التجارية ونهبت الماشية وقتلت المدنيين وسرقتهم، وأجبرت عشرات الآلاف من السكان إلى الفرار إلى مدن ومخيمات للنازحين.
قامت القوات الحكومية بشن غارات في مخيمات للنازحين، ما أسفر عن مقتل أربعة من المقيمين في مخيم كالما. وكانت الغارات ظاهرياً للبحث عن أسلحة وكحول وممنوعات أخرى كجزء من استجابة المحافظ الطارئة لتصاعد الجريمة.
ودخلت أعداد كبيرة من القوات السودانية منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول بلدة تابت في شمال دارفور، فضربت الرجال واغتصبت النساء والفتيات على مدار يومين. رفض السودان في البداية السماح لبعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المختلطة في دارفور (يوناميد) الوصول إلى المدينة. وحين توصلت قوة حفظ السلام إلى دخول المدينة كانت قوات الأمن السودانية حاضرة أثناء زيارتها، مما قوض مصداقية تحقيقها.
اتسمت بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) في عامها بانعدام الفعالية إلى حد كبير في حماية المدنيين من العنف كما توقفت تقريباً عن نشر تقارير علنية بشأن قضايا حقوق الإنسان، وأعاقت قيود الحكومية السودانية بشكل خطير الوصول إلى مناطق النزاع، بما في ذلك إلى معقل المتمردين جبل مارا. كما قوّضت التهديدات الأمنية المزمنة أيضاً فعاليتها حيث قتلت الهجمات على قوات حفظ السلام 207 على الأقل منذ 2008.
الصراع والانتهاكات في جنوب كردفان والنيل الأزرق
كثفت الحكومة في أبريل عام 2014 من الهجمات البرية والجوية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في جبال النوبة وجنوب كردفان، ونشرت قوات دعم سريع وقوات أمن أخرى في عدة مناطق. وأضرّ القصف الحكومي في مايو/أيار ويونيو/حزيران بالمدارس والمساجد والكنائس ومصادر المياه والمراكز الصحية، بما في ذلك عيادة منظمة أطباء بلا حدود، وقتل عشرات المدنيين أو أصابهم بجروح.
أجبرت الهجمات التي استمرت على مدار السنة عشرات الآلاف من الناس وبعضهم بالفعل من النازحين، على التخلي عن منازلهم وحقولهم، واعتقلت القوات الحكومية في المناطق التي تسيطر عليها عشرات من المدنيين النازحين بسبب آرائهم السياسية الظاهرية.
واستمرت الهجمات البريّة والقصف الحكومي أيضاً في ولاية النيل الأزرق، رغم فرار عديد من الناس إلى مخيمات اللاجئين في جنوب السودان. هاجمت القوات الحكومية في سبتمبر/أيلول قرى أخرى وارتكبت عديداً من حالات العنف الجنسي في محلّة باو.
وامتدّ الصراع في جنوب السودان إلى مخيمات اللاجئين في أغسطس/آب، عندما قامت مجموعة ميليشيا محلية، عقب اشتباكات بين القوات الحكومية وقوات المعارضة المؤلفة من عرق النوير، باستهداف عرقي لعمال الإغاثة من النوير، ما أسفر عن مقتل خمسة في مدينة بينج. ولا يزال أكثر من 220 ألف لاجئاً من جنوب كردفان والنيل الأزرق في مخيمات في ولايتي الوحدة وأعالي النيل في دولة جنوب السودان.
حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والتعبير
واصل مسؤولو إنفاذ القانون السوداني تفريق الاحتجاجات بالقوة والاعتقال والاحتجاز التعسفيين للمتظاهرين والناشطين. واستخدمت القوات الحكومية القوة المفرطة في سبتمبر/أيلول 2013، بما في ذلك الذخيرة الحية لتفريق موجة من الاحتجاجات على إجراءات التقشف. تورطت القوات في أكثر من 170 حالة وفاة ومئات الإصابات والاعتقالات. واحتجز كثير من الناس لأسابيع أو أشهر دون تهمة أو تواصل مع عائلاتهم أو محاميهم، وتعرضوا للضرب والاعتداء اللفظي والحرمان من النوم، واحتجزوا لفترات طويلة في الحبس الانفرادي.
وأخفقت الحكومة في التحقيق مع المسؤولين عن القتل والانتهاكات المصاحبة أو ملاحقتهم في 2013. وفي سبتمبر/أيلول 2014 قام خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بالسودان بإبلاغ مجلس حقوق الإنسان أنّ الحكومة لم تجرِ تحقيقات شاملة ومستقلة. ومن بين عشرات من الشكاوى المقدمة، مضت واحدة فقط إلى مرحلة المحاكمة، وإن دون نجاح.
واستخدمت قوات الأمن الحكومية وميليشيات طلابية موالية للحكومة في 11 مارس/آذار، الذخيرة الحية مرة أخرى لتفريق مظاهرة طلابية احتجاجاً على تصاعد العنف في جنوب دارفور، ما أدى إلى وفاة علي موسى أبكر إدريس وهو طالب من دارفور.
وفي سبتمبر/أيلول فرّقت القوات الحكومية احتفالات إحياء الذكرى السنوية الأولى لمقتل المتظاهرين، وألقت القبض على أكثر من 80 من أفراد المعارضة السياسية والنشطاء وأعضاء أسرهم.
أغلقت السلطات في شهر يونيو/حزيران، مركز سالمة لدراسات وبحوث المرأة، وهي منظمة لحقوق المرأة في الخرطوم، وكانت عملية الإغلاق هي الأحدث ضمن جملة عمليات في السنوات الأخيرة، ما أثار المخاوف من أن الحكومة سوف تضيّق الخناق أكثر على المجتمع المدني وتحديداً الناشطين في مجال حقوق المرأة. قامت قوات الأمن في أغسطس/آب بعمليات تفتيش لمنظمة مجتمع مدني آخر في الخرطوم لكنها لم تغلقها.
وواصلت السلطات فرض رقابة على وسائل الاعلام ووضع الصحفيين على القوائم السوداء. ورغم أن المحكمة الدستورية السودانية أبطلت أمراً بتعليق صحيفة الطيار ألا أنها واصلت الرقابة بعد النشر، فصادر رجال الأمن النسخ المطبوعة من الصحف في عشرات من المناسبات، واعتقل جهاز الأمن والمخابرات في يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ثلاثة صحفيين على الأقل لأسباب غير معروفة.
الاحتجاز التعسفي وإساءة المعاملة والتعذيب
ألقى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وغيره من قوات الأمن، القبض على أعضاء أحزاب المعارضة والناشطين على مدار السنة، رغم وعود الرئيس عمر البشير بإطلاق سراح جميع "المعتقلين السياسيين".
فاعتقل مسؤولو الأمن الوطني يوم 12 مايو/أيار، محمد صلاح (25 عاماً) وتاج السر جعفر (26 عاماً) ومعمر موسى محمد (27) عاماً، بالقرب من جامعة الخرطوم، واحتجزتهم السلطات دون تهمة في إحدى منشآت جهاز الأمن والمخابرات في ضاحية بحري. وتعرّض النشطاء الذين شاركوا في حملات احتجاج على مقتل الطالب علي أبكر موسى إدريس من دارفور في جامعة الخرطوم في 11 مارس/آذار، لسوء المعاملة وربما التعذيب من قبل قوات الأمن الحكومية وتم الإفراج عنهم في يوليو/تموز.
تمّ اعتقال الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، في 17 مايو/أيار بعد توجيه انتقادات علنية لانتهاكات قوات الدعم السريع في دارفور، وأطلق سراحه بعد شهر في الاعتقال. واعتقل إبراهيم الشيخ، رئيس حزب المؤتمر السوداني، في حي النهود شمال كردفان، واحتجز في الفترة من 8 يونيو/حزيران وحتى منتصف سبتمبر/أيلول دون تواصل مع عائلته أو المحامين، أو وصول إلى الرعاية الطبية اللازمة، مع عديد من أعضاء الحزب الآخرين.
ومارست المحاكم العسكرية السودانية اختصاصها الجديدة بمحاكمة المدنيين خلافاً للمعايير الدولية. برأت المحاكم صحفيا واحداً ولكن أدانت ثمانية مدنيين على الأقل في دارفور، تمّ اتهامهم بأنهم أعضاء في قوات المعارضة. وعدّل البرلمان السوداني في يوليو/تموز 2013، قانون القوات المسلحة السودانية لعام 2007 للسماح للمحاكم العسكرية بممارسة اختصاص على المدنيين في مجموعة من الجرائم فضفاضة التعريف، مثل تقويض الدستور ونشر "أخبار كاذبة".
الإصلاح القانوني
يخالف قانون الأمن الوطني لسنة 2010، والذي يعطي قوات الأمن سلطات واسعة للاعتقال والاحتجاز، وعديد من القوانين الأخرى المعايير الأساسية لحقوق الإنسان. كما أخفقت الحكومة أيضاً في تنفيذ مختلف الإصلاحات في العدالة الجنائية، بما في ذلك الإصلاحات القانونية التي أوصت بها هيئة وساطة الاتحاد الافريقي، أو الهيئة رفيعة المستوى بشأن دارفور، في عام 2009.
وواصلت السلطات تطبيق عقوبات الشريعة التي تنتهك الحظر الدولي على العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. يتم تطبيق العقوبات بشكل غير متناسب على النساء والفتيات، عادة في "جرائم" تشمل المعتقدات الخاصة وقرارات الزواج أو التوجه الجنسي أو الملبس.
ففي مايو/أيار حكم قاضٍ في الخرطوم على مريم يحيى إبراهيم الحامل والتي تبلغ 27 من العمر، بالإعدام على جريمة "الردة"، و100 جلدة على جريمة "الزنا". اعتقلت مريم لعدة أشهر واتُهمِت في البداية بالزنا لأنها متزوجة من شخص غير مسلم من جنوب السودان ـ وهي الزيجة التي لم تعترف بها المحكمة. وأضافت المحكمة تهمة الردة بعد أن قالت مريم إنها مسيحية، وبعد ضغوط دولية مكثفة، أطلِق سراح مريم في يونيو/حزيران.
الأطراف الدولية الرئيسية
تدهورت العلاقات مع دولة جنوب السودان مع اندلاع الحرب هناك في ديسمبر/كانون الأول عام 2013 وتجدّدت الاتهامات بدعم السودان للمعارضة المسلحة في جنوب السودان. لم تحقق الحكومتان أي تقدم في القضايا العالقة الأخرى، مثل ترسيم الحدود والأمن ووضع منطقة أبيي المتنازع عليها، كما اشترط اتفاق التعاون لعام 2012.
وواصلت هيئة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بالسودان وجنوب السودان، برئاسة رئيس جنوب إفريقيا السابق تابو مبيكي، التوسط في محادثات السلام في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وبدأت وساطة متزامنة حول دارفور، فضلاً عن محادثات بشأن عملية الحوار الوطني.
ومدّد مجلس الأمن الدولي في أغسطس/آب تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) لمدة 10 أشهر، حيث ينتظر تغيير تفويضها بحلول ذلك الوقت. كما مدّد مجلس الأمن لقوة أمن الأمم المتحدة المؤقتة لأبيي إلى فبراير/شباط عام 2015، ومدّد مجلس حقوق الإنسان تفويض الخبير المستقل لسنة واحدة. وأدان قرار مجلس حقوق الإنسان انتهاكات القانون الإنساني الدولي في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وانتقد السودان لإطلاق النار على المتظاهرين. ودعا إلى إجراء تحقيق علني مستقل في مقتل المتظاهرين وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ومع ذلك أجّل مجلس حقوق الإنسان تعيين خبير مستقل جديد لعدة أشهر.
كما أن المحكمة الجنائية الدولية لديها اتّهامات معلقة ضد خمسة أفراد، بينهم الرئيس السوداني عمر البشير، بتهمة ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية على خلفية فظائع في دارفور. وترفض الخرطوم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية كما عرقلت عملها. وفي سبتمبرأيلول أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال وأبطلت الموعد المحدد في نوفمبر/تشرين الثاني لبدء محاكمة عبد الله بندا، قائد المتمردين في دارفور المتهم بالاعتداء على إحدى قواعد الأمم المتحدة في 2007.