Skip to main content

نضالات حقوق الإنسان في 2013

وقف الفظائع الجماعية وتنمّر الأغلبيات وسياسات مكافحة الإرهاب المسيئة

صبيان يقفان وسط مبنى مدرسة دمره القصف الحكومي في حلب بسوريا. فبراير/شباط 2013. © 2013 Nish Nalbandian/Redux

بقلم - كينيث روث

بالنظر إلى تطورات أحوال حقوق الإنسان في عام 2013 تظهر للعين قضايا بارزة. لقد أدت المذابح اللاحقة بالمدنيين في سوريا، في غياب للمحاسبة، إلى حالة من الرعب والغضب العالميين، لكن ليس بالدرجة الكافية لإقناع قادة العالم بممارسة الضغوط المطلوبة لوقف تلك المذابح. أدى هذا بالبعض إلى التحسر على مبدأ "مسؤولية الحماية" الذي طال التفاخر به، والذي تبنته حكومات العالم قبل أقل من عشر سنوات لحماية شعوب تواجه فظائع جماعية. لكن تبين أن الوقت مبكر على كتابة كلمة تأبين في حق "مسؤولية الحماية"، لأن نحو نهاية العام ظهر تجددٌ لمراعاة هذا المبدأ في عدد من دول أفريقيا التي تواجه تهديدات الفظائع الجماعية الموسعة: في جمهورية أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

لحقت بالديمقراطية ضربات قاسية في عدد من البلدان، لكن ليس لأن من في السلطة تخلوا عنها بشكل مُعلن. ما زال العديد من القادة يخشون الضغوط الكبيرة التي تدفعهم للحديث – محض حديث – عن الحُكم الديمقراطي. لكن بعض الحكومات الجديدة، ومنها مصر وبورما، استقرت على أشكال الديمقراطية الأكثر ضحالة – انتخابات فقط، أو تصورات الحكومات عن تفضيلات الأغلبية – دون مراعاة للحدود التي يجب أن تراعيها الأغلبية، واللازمة لأي نظام ديمقراطي حقيقي. مفهوم "حُكم الأغلبية" المُساء استخدامه هذا يقبع وراء جهود حكومية لقمع المعارضة السلمية، وتقييد حركة الأقليات، وفرض رؤى ضيقة حول الموروث الثقافي. لكن لم يحدث في أي من هذه الحالات أن تقبل الجمهور لي عنق الديمقراطية هذا في هدوء وإذعان.

منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 أسفرت جهود مكافحة الإرهاب عن انتهاكات لحقوق الإنسان. شهد العام المنقضي زيادة في المناقشات العامة حول برنامجين لمكافحة الإرهاب استعانت بهما الولايات المتحدة: التصنت على وسائل الاتصال الإلكترونية على مستوى العالم، والقتل المستهدف بالطائرات بدون طيار. على مدار سنوات تفادت واشنطن إبداء مبررات قانونية واضحة لهذين البرنامجين، إذ اختبأت وراء التأكيد على الحاجة لتوخي السريّة. تلك الاستراتيجية تقوضت بعد ما كشفه إدوارد سنودن حول برنامج مراقبة الاتصالات، وكذا التغطيات الميدانية للخسائر في صفوف المدنيين في برنامج القتل المستهدف. يواجه البرنامجان الآن متابعة وتدقيقاً واسعين.

في خضم كل ذلك الفوران، هناك أيضاً أوجه تقدم مهمة طرأت على الآليات الدولية التي تساعد على الدفاع عن حقوق الإنسان. بعد بداية بطيئة ومخيبة للآمال، يبدو أن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد بدأ يقف على قدميه، مع الضغوط التي بذلها مؤخراً على كل من كوريا الشمالية وسريلانكا. وهناك اتفاقيتان دوليتان جديدتان منحتا الأمل لبعض فئات سكان العالم الأكثر معاناة من التهميش: عاملات المنازل، وعمال استخراج الذهب الذين يصابون بالتسمم جراء الاستخدام غير المُنظم للزئبق في الصناعات الاستخراجية.


مسؤولية الحماية: تتلقى الضربات لكن ما زالت قوية

في عام 2005، خرجت حكومات العالم بتعهد تاريخي، بأنه إذا أخفقت حكومة وطنية ما في وقف الفظاعات الجماعية، فسوف تتدخل لمنعها. منذ ذلك الحين رفع المجتمع الدولي مبدأ "مسؤولية الحماية" لحماية الأرواح، فتحققت الحماية، وكانت من أبرز تلك الحالات ما حدث في كينيا عامي 2007 و2008، وفي ساحل العاج عام 2011. لكن العديد من الحكومات انتقدت المبدأ بعد تدخل الناتو عسكرياً عام 2011 في ليبيا، حيث نُظر على نطاق واسع إلى الناتو بأنه تجاوز ولاية حماية المدنيين إلى تغيير النظام. رد الفعل هذا سمم المناقشات الدولية حول كيفية التعامل مع الفظائع الجماعية في سوريا. إن الإخفاق الذريع في وقف المذابح اللاحقة بالمدنيين السوريين قد أدى إلى القلق، بأن مبدأ مسؤولية الحماية ربما كان في طريقه للتلاشي. لكن يجب ألا يلقي القصور في تلك الحالة بظلاله على العديد من الحالات في عام 2013 حيث ظهرت حيوية وقوة مبدأ مسؤولية الحماية. في جمهورية أفريقيا الوسطى وفي جنوب السودان تحرك الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سريعاً لنشر قوات حفظ سلام في محاولة لمنع مقتل المدنيين على خلفيات دينية أو عرقية. وفي شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية، نجحت الضغوط الدولية في إقناع رواندا بوقف دعمها العسكري لأحدث موجة من جماعات المتمردين هناك، ترتكب فظائع في تلك المنطقة التي طالت معاناتها.


سوريا

تبين أن سوريا شهدت خلال عام 2013 أكثر النزاعات المسلحة دموية وحصاداً للضحايا. هذه الانتفاضة التي تحولت إلى حرب أهلية، في عامها الثالث الآن، تبرز على السطح كنموذج على قسوة الاستراتيجية العسكرية التي تنتهجها الحكومة السورية، إذ هاجمت الحكومة عشوائياً، دون تمييز بين مقاتلين ومدنيين، سكاناً مدنيين في مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة. أحد أهدافها الظاهرة هو إبعاد أكبر قدر ممكن من المدنيين حتى لا تتمكن قوات المتمردين من الانتشار وسطهم أو الحياة على عاتق حياة اقتصادية قائمة حيث يتواجد المدنيون. كما استخدمت العقاب الجماعي في قلب الناس على المعارضة ولإرسال رسالة لجميع السوريين مفادها أن الحياة ستكون بائسة إذا تركوا المعارضة تسود حيث يعيشون.

المثال الأكثر بشاعة على هذه الاستراتيجية كان في هجوم 21 أغسطس/آب بغاز السارين على الغوطة، وهي منطقة تسيطر عليها المعارضة في ريف دمشق، حيث تشير الأدلة بقوة إلى تنفيذ الهجوم على يد قوات نظامية. قُتل مئات المدنيين تلك الليلة، ومنهم الكثير من الأطفال في ثياب النوم. أفادت جماعات مراقبة محلية بأن نحو 5 آلاف شخص يُقتلون بأسلحة تقليدية كل شهر، والكثير من تلك الوفيات بسبب انتهاكات لقوانين الحرب، إذ يشكل المدنيون نحو 35 في المائة من تلك الوفيات. كما أن على قوات المعارضة مسؤولية فظائع وأعمال وحشية، وقد تزايد القلق إزاء سلوك جماعات المعارضة، مع كسب المتطرفين الإسلامويين – وبعضهم على صلة بالقاعدة – لمزيد من الأرض في صفوف المعارضة المسلحة. لكن الأغلبية العظمى من الوفيات المدنية كانت نتيجة الهجمات الحكومية. كما استخدمت القوات السورية صواريخ باليستية وصواريخ أخرى، وقذائف مدفعية وقنابل عنقودية وأسلحة محرقة ومتفجرات نفطية وبراميل متفجرات والقصف الجوي الاعتيادي وكذا أسلحة كيماوية في هجمات عشوائية على مناطق مدنية في أراضٍ تسيطر عليها المعارضة، وأحياناً استهدفت القوات مخابز مفتوحة للجمهور ومنشآت طبية ومدارس وغيرها من الأعيان المدنية.

وقتلت القوات الحكومية مدنيين ومقاتلين في أسر تلك القوات، وظهرت قصص مرعبة عن مصير عدد لا حصر له من الأفراد، الذين تعرضوا للاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل في بعض الحالات داخل منشآت الاحتجاز السورية. مع تزايد معدلات تشرد السكان في سوريا (نحو 2.3 مليون نسمة خارج سوريا و6.5 مليون نسمة داخل سوريا) وتزايد معدلات المحتاجين (يعتمد نحو 10 ملايين نسمة على المساعدات الإنسانية)، فقد وضعت الحكومة معوقات لا حصر لها تعترض طريق تسليم المساعدات الإنسانية للمدنيين في معاقل المعارضة، رغم بيان رئاسي من مجلس الأمن صدر في أكتوبر/تشرين الأول يدعو إلى تذليل تلك العقبات.

وكان رد فعل المجتمع الدولي على تلك المذابح والمعاناة ضيقاً لدرجة مؤلمة. وسط تساؤلات حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيطبق إعلانه حول "الخط الأحمر" لدى استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وتهديده باستخدام القوة العسكرية، قامت الولايات المتحدة وروسيا بعقد اتفاق في سبتمبر/أيلول بموجبه تسلم سوريا ما لديها من تلك الأسلحة. تشير تقارير إلى أن سوريا متعاونة إلى حد بعيد. لكن الاتفاق يتصدى لبند من بنود عدة، هو السبب في مقتل نسبة ضئيلة من المدنيين في النزاع السوري. تتم ممارسة ضغوط غير كافية على سوريا من أجل وقف قتل المدنيين بالأسلحة التقليدية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى البلدات المُحاصرة وتسليم المساعدات عبر الحدود كأيسر وأضمن السبل للوصول إلى بعض من يحتاجون المساعدات في المناطق الخاضعة للمعارضة.

خلال الشهور الأخيرة ركزت الجهود الدولية الخاصة بالتصدي للنزاع السوري بالأساس على محادثات السلام المعروفة بمسمى "جنيف 2". لكن في حين أن احتمال الوصول إلى حل سياسي بين الفصائل المتقاتلة قريباً هو احتمال جد صغير، فإن الخوف من عمل أي شيء قد يؤدي بدمشق إلى العدول عن المشاركة في جنيف 2 قد أصبح أحدث المبررات لعدم فرض أي ضغوط حقيقية على سوريا لوقف قتل المدنيين بالأسلحة التقليدية، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية بحرية. كما تبين تردد الولايات المتحدة في الضغط على روسيا – داعم سوريا الأساسي والحكومة ذات التأثير الأكبر على دمشق – بسبب أولويات أخرى، أحدثها ضمان مساعدتها في تنفيذ صفقة الأسلحة الكيماوية من أجل تفادي تجدد الدعوات للعمل العسكري، التي ظهرت لهفة الرئيس أوباما على تجنبها. كما قبعت في الظل مساعدة إيران للرئيس السوري بشار الأسد، مع بروز المفاوضات على قدرات إيران النووية. التبعات تتمثل في حالة من التواطؤ الدبلوماسي مع استراتيجية الحكومة السورية القاتلة للمدنيين السوريين والتي لا يبدو أنها تواجه عقبات تُذكر.

ما الضغوط التي قد تساعد على تقليل القتل؟ حتى الآن كانت الحكومات الغربية والعربية غير مستعدة لاستخدام عقوبات مصرفية أكثر عدائية من النوع الذي ثبتت فعاليته في مناطق أخرى. تبين أن روسيا غير مستعدة للقبول بإحالة مجلس الأمن الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو فرض حظر أسلحة أو حتى إدانة الفظاعات التي ترتكبها الحكومة. في حالة المحكمة الجنائية الدولية، لم تقم واشنطن بدورها بدعم دور المحكمة علناً، على ما يبدو مدفوعة جزئياً برغبتها في تفادي تدخل المحكمة مع المسؤولين الإسرائيليين الذين قد تلاحقهم المحكمة على خلفية إحالة مجموعات من الناس إلى المستوطنات بمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. (مستوطنات الضفة الغربية الآخذة في الاتساع مسألة أخرى، لكن إحالة سوريا لن تعطي المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص في الضفة).

كما تبين أن حكومات المنطقة لا تساعد. لبنان والعراق ومصر تناقلت التقارير رفضها تطبيق عقوبات من جامعة الدول العربية، فيستمر الوقود الذي يحرك آلة القتل السورية. تناقلت التقارير أن دول الخليج، ومنها السعودية وقطر، سلّحت وموّلت جماعات متطرفة تتحمل مسؤولية فظاعات متكررة في سوريا. وهذه الدول بالإضافة إلى الكويت أغمضت عيونها عن توفير مواطنيها للتمويل لهذه الجماعات. تستمر إيران وحزب الله في دعم الحكومة السورية.

يبدو أن المجتمع الدولي على أتم الاستعداد لاستمرار قتل المدنيين في سوريا. عززت بعض الحكومات من لامبالاتها بتبني رواية أن المقاتلين الغاشمين يقتلون بعضهم البعض، سواء من جانب الجيش السوري أو حزب الله أو الجهاديين. والحكومات العربية – لا سيما في الخليج – ترى النزاع بالأساس من وراء عدسة العلاقة بين السنة والشيعة، والنزاع القائم بين السعودية وإيران على الهيمنة الإقليمية. لكن هذه الحرب – وإلى درجة مفزعة – تستهدف المدنيين. لابد أن يكون الموقف هو التحرك العاجل، لا التواطؤ.

 

جمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان

رغم هذا الإخفاق المذكور في سوريا، فإن الشهور الأخيرة من عام 2013 أظهرت أن مبدأ "مسؤولية الحماية" ما زال يحتفظ بقوة لا يُستهان بها. عندما اندلعت فظاعات جماعية بناء على أسباب دينية في جمهورية أفريقيا الوسطى، أرسلت فرنسا والاتحاد الأفريقي قوات لتعزيز قوة حفظ السلام الغالب عليها عناصر الاتحاد الأفريقي، وأسهمت الولايات المتحدة بأكثر من 100 مليون دولار، وبدأت الأمم المتحدة في تحضير بعثة حفظ السلام الخاصة بها، والمطلوبة بشدة. ما زال هناك الكثير ليُنجز حتى يتم إبعاد جمهورية أفريقيا الوسطى عن شفير هذه الهوة، لكن المجتمع الدولي أظهر قبولاً أكبر لمسؤوليته بالتحرك.

في أواسط ديسمبر/كانون الأول، في جنوب السودان المجاورة، قُتل المئات مع تحول النزاع السياسي إلى استهداف عرقي للمدنيين وحرب أهلية أوسع نطاقاً. وخلال أيام، وافق مجلس الأمن على 5500 عنصر إضافي من عناصر حفظ السلام في جنوب السودان. قد لا يكون هذا كافياً لوقف القتل الجماعي أو لبث الاستقرار في الموقف الهش القائم، لكن الرد السريع يوحي بأنه – على الأقل في الظروف المناسبة – ما زال مبدأ "مسؤولية الحماية" قادراً على أن يكون قوة يُعوَّل عليها.

يجدر بالذكر أن التدخل في كل من الحالتين المذكورتين كان من أجل وقف قتل المدنيين على يد القوات الحكومية والميليشيات وقوات المتمردين على السواء – وهو من التحديات الأكثر إثارة للجدل ضمن مبدأ "مسؤولية الحماية".

 

رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية

حشد المجتمع الدولي رداً دولياً فعالاً على ما تشهده منطقة شرق الكونغو من أحداث، حيث دأبت رواندا منذ مدة طويلة على دعم مجموعات متتالية من جماعات المتمردين، ما أسهم في الخسائر الجماعية في الأرواح على مدار السنوات العشرين الأخيرة. أفلت الرئيس بول كاغامي بهذا ببساطة بسبب مزيج من إحساس المجتمع الدولي بالذنب بسبب عدم وقف أعمال الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 والإعجاب بالتقدم الاقتصادي الذي تحرزه رواندا تحت قيادته.

بدأت الأمور تتغير في يونيو/حزيران 2012 عندما كشفت هيومن رايتس ووتش ومجموعة من خبراء الأمم المتحدة عن أدلة قوية على توفير رواندا دعماً عسكرياً كبيراً لمجموعة إم23 المتمردة شرقي الكونغو، رغم سجلها المعروف بالفظائع الجماعية. للمرة الأولى بدأت القوى الغربية – ومنها أكبر الداعمين لرواندا، الولايات المتحدة وبريطانيا، في الانتقاد العلني للحكومة بل وحتى تجميد بعض المساعدات لها. أنكرت رواندا ببساطة دعم مجموعة إم23، ما قوض من مصداقية الحكومة وأعاد التأكيد على أهمية الضغط عليها لكي تكف عن دعمها للمتمردين.

في البداية نجح الضغط في إجبار جماعة إم23 على الانسحاب من غوما، أكبر مدينة في المنطقة، لكن لم يكن هذا كافياً لمنع إم23 من الانقضاض على الناس في المنطقة. رد مجلس الأمن بدعم كبير للقدرات العسكرية لقوات حفظ السلام المنتشرة في شرق الكونغو. ثم عندما شنت جماعة إم23 هجومها في أكتوبر/تشرين الأول 2013 بدعم عسكري رواندي، اتصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ تليفونياً بكاغامي ليخبراه أن يتوقف. تلك المرة، فإن مزيج الضغوط والقوة على الأرض يبدو أنه نجح. مع حرمان المتمردين من دعم رواندا العسكري وفي مواجهة ضغوط قوية من قوة حفظ سلام الأمم المتحدة التي تم تعزيزها، انهارت إم23 خلال أيام. هناك جماعات مسلحة أخرى، وكذا الجيش الكونغولي، مسؤولة عن هجمات على المدنيين، لكن شرق الكونغو وقت كتابة هذه السطور يبدو أنها كانت تخلو من ضراوة ودموية الجماعة المسلحة المدعومة من رواندا، للمرة الأولى منذ أعوام.

 

حُكم الأغلبية المسيئ

للديمقراطية ثلاث مكونات لا غنى عنها: انتخابات دورية، سيادة القانون، احترام حقوق الإنسان الخاصة بالجميع. تخشى العديد من النظم الديكتاتورية السماح بأي شيء يشبه من بعيد الانتخابات الحرة والنزيهة. لكن الحكومات السلطوية تعلمت أنه من الممكن تبني شكل الديمقراطية دون جوهرها، فتسمح بالانتخابات – التي تسيطر عليها في أغلب الحالات – ولا تسمح بما هو أكثر منها. هذه الديمقراطية المزيفة ترفض المبادئ الأساسية، من قبيل أنه يجب أن تُحاسب الحكومات بموجب سيادة القانون، وأن تقف حدود تلك الحكومات عند حقوق الإنسان التي تحمي الأقليات، وأن تلتزم بالسماح بحالة حوار عام حُر ومستمر.

على مدار العام المنقضي سعت العديد من الحكومات الجديدة نسبياً إلى تبني نموذج حكم الأغلبية المسيئ هذا، فأظهرت حماستها لتمثيل الأغلبية – التي ترتسم أحياناً من واقع انتخابات وأحياناً من واقع تقدير الحكومات نفسها لما يشكل الأغلبية، بالشكل الذي يناسبها – أكثر من الاحترام للحقوق الأساسية التي لا غنى عنها لنظام ديمقراطي قادر على الاستمرار. كما تبين أن بعض القادة يتبنون رؤية ضيقة تناسبهم للديمقراطية، حيث كل ما يهم هو التصويت في يوم الانتخابات، وليس النقاش العام باقي أيام العام. مع امتعاض الحكومات من الأخذ والرد المألوف في السياسة العادية، حاولت قمع المظاهرات الجماهيرية والانتقادات التي توجهها الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت، التي تعد بدورها غذاءً يومياً أساسياً لأي نظام ديمقراطي حقيقي.

المثال الأوضح هو مصر. في البداية حكمت حكومة الإخوان المسلمين تحت قيادة الرئيس محمد مرسي بشكل جعل العلمانيين والأقليات في خشية من الإقصاء في حكومة يهيمن عليها الإسلامويون. ثم في أعقاب عزل الجيش لمرسي من الحُكم في يوليو/تموز، لجأت الحكومة المدعومة عسكرياً من قبل الفريق أول عبد الفتاح السيسي إلى أسوأ قمع تشهده مصر منذ عقود، بما في ذلك قتل المئات من المتظاهرين من الإخوان المسلمين.

رغم فوز مرسي بفارق ضيق في الانتخابات الرئاسية – 25 في المائة في الجولة الأولى، و51.7 في المائة في الجولة الثانية – فقد حكم وكأن حقوق الأقليات لا تهم كثيراً. عقد مجلساً لصياغة الدستور شعر معه الكثيرون بدور غير كافي لمن هم ليسوا من الإخوان المسلمين، وسارع بتفعيل دستور – تم التصديق عليه في استفتاء – خشى الكثيرون أن تسمو فيه تفسيرات إسلامية على الحقوق الأساسية، لا سيما حقوق المرأة والأقليات الدينية. أعطى لنفسه لفترة مؤقتة سلطات استثنائية تجعله فوق المراجعة القضائية "في الأمور السيادية". وفي محاولة مُضللة لكسب التأييد لنفسه لم يبذل جهداً يُذكر لإنهاء الإفلات من العقاب  الذي تمتعت به قوات الأمن، رغم سجلها الطويل في القتل والتعذيب والاحتجاز التعسفي. الحق أن الجيش نال حكماً ذاتياً أكبر لنفسه في حُكم مرسي، مما كان يتمتع به في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهو عسكري سابق.

عندما خرج الملايين من المصريين إلى الشوارع في يونيو/حزيران 2013 مطالبين بانتخابات جديدة، قرأ الجيش المظاهرات كرخصة لعزل مرسي، بدعوى أنه يتحدث بلسان الأغلبية دون حتى عقد انتخابات تحدد ذلك. ثم مضى إلى إهدار الحقوق الأساسية بشكل أوضح بكثير وأجرأ مما جرؤ عليه مرسي يوماً. تمت صياغة دستور، على ما يحمله من وعود بقدر أكبر من الحماية لحقوق المرأة والأقليات الدينية، فقد احتفظ بالمحاكمات العسكرية للمدنيين ووسع من درع حماية الجيش من الإشراف المدني. وعلى الرغم من هذا العمل الدستوري، تصرفت المؤسسة العسكرية وكأنها لا تحدها أي حدود من واقع الحقوق بالمرة.

استخدمت السلطات المدعومة عسكرياً القوة المميتة بشكل مفرط في تفريق اعتصامات للإخوان في القاهرة، فقتلت بشكل عشوائي لا يميز بين مقاتل وأعزل، وبشكل متعمد أحياناً، ما يصل إلى 1000 شخص. قامت السلطات بالقبض على الآلاف من قيادات الإخوان المسلمين وأعضاء من الجماعة وتم حبسهم، أحياناً دون الإقرار باحتجازهم، وذلك بناء على اتهامات جاهزة أو دون اتهامات بالمرة في حالات كثيرة. تم إعلان جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية رسمياً، ما عرّض أعضائها لعقوبات جنائية بل وحتى عقوبة الإعدام، ومصادرة أصولها. كما تم تجميد أصول المراكز الطبية التابعة للجماعة، مع التهديد بالسيطرة على المساجد التي يديرها الإخوان واستبدال إداراتها بأئمة حكوميين.

تبنت الحكومة قانوناً يحظر التظاهر بدون تصريح رسمي، وهي التصاريح التي لم تُظهر النية لإعطائها. تعمّق حكم الجيش ذاتياً لنفسه بشكل تجاوز ما سمح به مبارك يوماً، وبشكل أكثر استفحالاً من نهج مرسي المستسهل. ورغم أن الكثير من الليبراليين المضللين يدعمون هذه الإجراءات، فقد بدأت تلك الإجراءات القمعية في الالتفات إلى النشطاء العلمانيين الذين كانوا في الصدارة من حركة ميدان التحرير الاحتجاجية قبل ثلاث سنوات. للمرة الثانية منذ سقوط مبارك في فبراير/شباط 2011، هناك حكومة في السلطة لا يظهر لديها ميلاً لاحترام الحقوق الأساسية كحدود تفرضها على حركتها.

قدمت تونس الدليل على أن مصر كانت قادرة على أن تسير في مسار مختلف. في انتخابات 2011 للمجلس الوطني التأسيسي، وهي أول انتخابات حرة في تونس، ربح حزب النهضة الإسلامي أغلب المقاعد، وقد سبق الأطراف الأخرى المشاركة في الانتخابات بأشواط. ورغم ركود الاقتصاد والاستقطاب السياسي، فإن الأحزاب السياسية الكبرى من شتى التوجهات تفاوضت على حلول وسط حفظت حقوقاً مهمة. في مسودة الدستور أزالوا مواداً تشير إلى "تكاملية" دور المرأة، كان من شأنها تقويض المساواة بين الجنسين، وتجريم التعدي على "القيم المقدسة" وهي صياغة مبهمة كان يمكن استخدامها في تجريم التعبير السلمي عن الرأي. وهناك مشروع قانون لتحصين الثورة تم التخلي عنه تفادياً لاستبعاد الناس من الحياة السياسية، ممن ليس لديهم تاريخ جنائي لمجرد انتماءاتهم السياسية في الماضي.

يمكن العثور على أمثلة لعدوى الحديث بالنيابة عن الأغلبية – دون مراعاة للحقوق – في دول أخرى. في تركيا تكرر ربح رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للأغلبية البرلمانية، لكن أسلوبه في الحُكم تزايد استبداده مع إظهاره استعداداً أقل بشكل متزايد للإنصات لخصومه ومنتقديه ومنافسيه. كانت القشة التي قسمت ظهر البعير هي خطة أردوغان لاستبدال واحدة من الحدائق القليلة في وسط أسطنبول بمركز تجاري. أدى تفريق الشرطة العنيف لاعتصام صغير ضد المشروع في شهر مايو/أيار إلى حركة تظاهر أكبر بكثير في الحديقة، واحتجاجات جماهيرية في مدن أخرى. عامل أردوغان المظاهرات وكأنها إهانة موجهة إلى شخصه، وتكرر نشره لقوات الشرطة لتفريقها. استخدمت الشرطة القوة المفرطة، بما في ذلك إطلاق الغاز المسيل للدموع عمداً على المتظاهرين مباشرة، ما أدى إلى وفيات وإصابات خطيرة. حتى مع تراجع المظاهرات استمر أردوغان وجماعته في ممارسة ضغوط قوية على المنافذ الإعلامية التي رأوا أنها تعاطفت كثيراً مع خصومهم السياسيين. وفي حين كان أردوغان يدعم بقوة الشرطة في تعاملها مع المظاهرات، فقد سارع إلى توبيخ العديد من الضباط بل وحتى مدعى عام هددت تحقيقاتهم بالكشف عن ضلوع وزراء في حكومته ونجله في فضيحة فساد.

وفي بورما أعلنت حكومة الرئيس ثين سين وعوداً بالإصلاح، لكن ما زالت هناك أسئلة كبيرة حول استعدادها للسماح بمنافسة سياسية مفتوحة، بما في ذلك السماح لقيادية المعارضة أونغ سان سي كي بالترشح للرئاسة. تبين أن الحكومة مخيبة للآمال في ردها على أعمال العنف التي تبناها متطرفون بوذيون ضد الروهينغا ومسلمين آخرين، مع وقوف قوات الأمن في أغلب الحالات على الحياد في مقعد المتفرج أثناء هجمات جماعية، وعدم بذل أي جهود كافية لتقديم الجناة إلى العدالة. كما لم تفعل شيئاً لمقاضاة أفراد قوات الأمن على جرائم حرب ارتكبت في سياق الحروب الأهلية العرقية العديدة التي شهدتها أطراف البلاد.

وكان أداء أونغ سان سي كي بدورها مخيباً للآمال. مع العلم بأن الجيش سيحدد قدرتها على الترشح للرئاسة، امتنعت عن انتقاده على انتهاكاته. ولكون الروهينجا – المستضعفون عديمو الجنسية – مكروهون في بورما، فقد رفضت الدفاع عنهم أثناء تعرضهم لهجمات عنيفة. تدافع أونغ الحاصلة على جائزة نوبل عن موقفها بقولها إنها لطالما كانت شخصية سياسية وستبقى كذلك. كان العالم على ما يبدو مخطئاً عندما افترض أنها كضحية بارزة لانتهاكات حقوق الإنسان سوف تدافع عن حقوق الإنسان بشكل مبدأي لا يرتبط بتقديرات سياسية.

وفي تايلاند، استغلت حكومة رئيسة الوزراء ينغلوك شيناواترا الأغلبية الانتخابية في السعي لعفو عام عن المتورطين في الانتهاكات العنيفة، وعن شقيقها الأكبر، رئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناواترا، الذي كان يعيش في المنفى منذ عام 2006 لتفادي اتهامات بالفساد. هذا الاستغلال لأغلبيتها البرلمانية أشعل شرارة الاحتجاجات في الشوارع على نطاق واسع. لكن يبدو أن العديدين في المعارضة فضلوا انقلاباً عسكرياً، وعارضوا عقد انتخابات جديدة خوفاً من أن يخسروا مرة أخرى. ظهر ذلك الأمر مخالفاً لمبدأ أنه رغم أن الانتخابات ليست مبرراً للإساءة للحقوق، فهي شرط للحكم الديمقراطي.

في كينيا استخدمت حكومة الرئيس أوهورو كينياتا ونائبه ويليام روتو نصرها الانتخابي بفارق ضئيل – 50.07 في المائة من الأصوات – في استخدام جميع موارد الدولة في اتجاه وقف ملاحقة كل منهما أمام المحكمة الجنائية الدولية على أدوار قيادية في أعمال عنف ما بعد الانتخابات في 2007 و2008. روتو نفسه، وكذا داعمي كينياتا، قاوموا جهوداً لإعداد محكمة خاصة بكينيا للتصدي لأعمال العنف، مراهنين على أن المحكمة الجنائية الدولية لن تتدخل أبداً. وكان الرهان خاطئاً.

بعد أن اتهمت المحكمة الجنائية الدولية الاثنين، فقد راحا ينددان بتدخلها المزعوم في قدرتهما على الحُكم، لا سيما منذ هجوم جماعة الشباب الإسلاموية المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول على مركز تجاري في نيروبي، وما يصورانه بأنه تركيز المحكمة الحصري على المشتبهين الأفارقة دون غيرهم – وهو ما يتصادف أيضاً أنه تركيز على الضحايا الأفارقة. لكن البديل الذي عرضاه لم يكن الملاحقة القضائية داخل كينيا، بل الإفلات من العقاب. افتراضات كل منهما غير المعلنة والخاطئة هي أن النصر الانتخابي يكفي لإسكات الحق في العدالة لضحايا العنف الانتخابي وأهلهم. رغم أن جهودهم أخفقت في أن تؤدي إلى انسحاب جماعي للدول الأفريقية من المحكمة الجنائية الدولية، فقد نجحت كينيا في حشد دعم الاتحاد الأفريقي لسعيها للإفلات من العقاب. ليس لنا إلا أن نأمل في أن يعطي القادة الأفارقة الآخرون الأولوية للضحايا الأفارقة، وليس لمن في السلطة ويُسقطون هؤلاء الضحايا.

وفي روسيا، اهتز الرئيس فلاديمير بوتين بوضوح من جراء احتجاجات 2011 و2012 الجماهيرية في معارضة للنصر البرلماني لحزبه في انتخابات تناقلت التقارير أنها تشوبها أعمال تزوير، وضد عودته إلى الكريملين. منذ ذلك الحين اتخذت الحكومة عدة خطوات لمنع المعارضة من حشد المزيد من الرفض والانتقاد لها، بما في ذلك القيود على التظاهر ومعاقبة المعارضين ومحاولة إجبار منظمات المجتمع المدني الانتقادية التي تتلقى التمويل الأجنبي على أن تتصف بمسمى "العميل الأجنبي" الذي ينزع عنها المصداقية. كما سعى الكريملين إلى إرضاء قاعدته السياسية المحافظة من خلال سلسلة من الإجراءات المسيئة مثل منع "الدعاية" المثلية (بدعوى حماية الأطفال) وفرض اتهامات عقابية وغير متناسبة على ناشطات من فرقة "بوسي ريوت" الموسيقية وجماعة "غرين بيس" البيئية. على ما يبدو في محاولة لتفادي الانتقادات الدولية مع اقتراب أولمبياد سوتشي 2014 الشتوية، قام بوتين بالعفو عن العديد من أبرز السجناء الروس. لكن أثر هذا الإجراء كان إلقاء الضوء على تعسف حكمه مع استمرار حملة قمع الحكومة للمنتقدين، ووقوع ضحايا جدد في دوائر الباب الدوار لنظام العدالة الروسي المسيس.

في أوكرانيا عندما كان الرد على قرار الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بتجنب علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي هو مظاهرات جماهيرية في كييف، تركت السلطات إلى حد بعيد المظاهرات. لكن عندما أشعلت حالات لقسوة الشرطة ضد المتظاهرين والصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات شرارة مظاهرات أكبر في شتى أنحاء أوكرانيا، وعدت السلطات بمحاسبة المسؤولين عن العنف. حتى الآن، حاولوا بالأساس ترهيب المتظاهرين الذين اشتكوا من تعطل التحقيقات.

وفي فنزويلا، بعد إعلان نيكولاس مادورو الفائز بانتخابات أبريل/نيسان الرئاسية، وهي النتائج التي نازعت المعارضة في صحتها، ضربت قوات أمن الدولة واحتجزت تعسفاً مؤيدين لخصمه في الانتخابات هنريكي كابريليس، الذي تزعم مسيرات معارضة للحكومة. بعض المقبوض عليهم أفادوا بسؤالهم "من رئيسك؟" وتعرضهم للضرب إذا لم يكن ردهم "نيكولاس مادورو"، لكن النيابة العامة أخفقت في التحقيق في مزاعم قابلة للتصديق بوقوع انتهاكات. عندما طالب كابريليس بمظاهرة سلمية في العاصمة، قال مادورو إنه لن يسمح بها، متعهداً بالرد على هذه "الفاشية" بـ "يد من حديد"، وأعزى المسؤولية على العنف التالي على الانتخابات لكابريليس. بعد الانتخابات بأيام، في حين راحت المعارضة تطالب بإعادة فرز الأصوات، رفض رئيس المجلس الوطني – وينتمي إلى حزب مادورو – إعطاء أعضاء المجلس الحق في الحديث إلى أن أقروا فرداً فرداً بانتصار مادورو الانتخابي. هدد وزير إسكان مادورو بفصل أي موظف ينتقد الحكومة عن العمل. في نوفمبر/تشرين الثاني، وبالنيابة عن مادورو، مرر أعضاء حزبه تشريعاً يمنحه سلطات موسعة بالحكم بموجب القرارات الرئاسية. استمرت الحكومة في ترهيب ومعاقبة منافذ الإعلام التي تنتقد سياساته، وعرقلت المدافعين عن حقوق الإنسان بقيود على التمويل والتهديد بالملاحقة القضائية.

وفي الصين لم تقبل الحكومة حتى بالخطر الذي تمثله الانتخابات على كبار مسؤوليها، بل تزعم أنها تتحدث بلسان الأغلبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الذي عين نفسه بنفسه. فعّلت حكومة الرئيس شي جين بينغ الجديدة بعض الإصلاحات المتواضعة، فألغت نهج "التأهيل من خلال العمل" لكن ليس الأساليب الأخرى التي يخضع لها المحتجزون دون محاكمة، وإلى تخفيف بعض الشروط المفروضة على الأزواج في الصين بشأن الطفل الثاني، دون أن تقر بإنهاء الإكراه الحكومي والمراقبة الحكومية على هذه الأمور الشخصية بشكل نهائي. لكن استمرت الحكومة في عدم قبول الحكومة السابقة للمعارضة، وانتقمت من صحفيين يعملون في شركات إعلامية تحدثت عن قضايا حساسة من قبيل الثروة الكبيرة غير المفسرة لقادة الصين وعائلاتهم. ما زال ليو شياوبو الحائز على جائزة نوبل وراء القضبان، يمضي عقوبة بالسجن 11 عاماً على خلفية المطالبة بالديمقراطية، وما زالت زوجته ليو شيا رهن الاحتجاز المنزلي غير القانوني.

يبدو أن الصين قلقة للغاية من التهديد الجديد لاحتكارها للنقاشات العامة، تهديد وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت. يعد "سور الصين العازل العظيم" الذي تم إعداده لحجب الدخول إلى مواقع الإنترنت خارج الصين غير ذات نفع في منع المناقشات بين الصينيين التي تسمح بها الآن مواقع تواصل اجتماعي مثل "سينا ويبو". ومع وجود ما يُقدر بـ 400 مليون مستخدم صيني تقريباً لوسائط التواصل الاجتماعي، ومع تزايد هذا العدد، تواجه الحكومة صعوبات كبيرة في مواكبة الأمر، رغم ضخامة قدرتها على المراقبة. كما أعطت وسائط التواصل الاجتماعي للشعب الصيني فرصاً جديدة لإلقاء الضوء على مخالفات المسؤولين، وفي بعض الأحيان لم يكن لدى الحكومة من خيار سوى الاستجابة.

وبعيداً عن الانتخابات فإن حكم الأغلبية المسيئ يتخذ أيضاً أشكالاً ثقافية. في السعودية أو أفغانستان تقيد حقوق المرأة، أو في أوغندا وروسيا تقوض حقوق المثليين والمثليات، تحت غطاء حديث القادة المنتهكين للحقوق عن الثقافة الغالبة أو التقاليد والأعراف، وكأن هذا يبرر الإساءة إلى من يختلفون عن الثقافة الغالبة أو يبرر التمييز ضدهم. بشكل عام فإن هؤلاء القادة يتظاهرون بأن البدائل للتقاليد مفروضة من الخارج، وكأن كل المثليين في دولهم من تصدير العالم الخارجي، وكأن السيدات اللائي يعارضن التمييز نبت صناعي. الواقع أن ما يخالف الواقع القائم ليس إلا ما تفرضه النخب المهيمنة في تلك الدول على من يجرؤون على الاختلاف أو المطالبة بحقوقهم. لا أحد يصرّ على ضرورة أن ترفض سيدات في دول بعينها التنميط الجندري المفروض عليهن، أو أن يلتزم المثليون والمثليات بهوياتهم الجنسية بدلاً من تصورات حكوماتهم عنها. لكن إذا اختاروا التصدي لذلك، فإن الالتزامات الخاصة بعدم التمييز تفرض أن يُترك لهم الاختيار، وليس للحكومة. يبدأ نظر المجتمع الدولي إلى الأمر عندما تحرم الحكومة الناس من تلك الاختيارات، ليس أكثر، فهو لا يفرض اختيارات بعينها.

 

الأمن القومي: ذريعة لانتهاكات حقوق الإنسان

منذ بدأت فترة رئاسة أوباما الثانية في يناير/كانون الثاني 2013 لم يفعل الكثير لتغيير سجله المؤسف في قضايا الأمن القومي. يُحسب له أنه حين تولى منصبه حظر التعذيب وأغلق مراكز احتجاز وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) التي اختفى فيها المشتبهون قسراً لشهور وسنوات – وهما ممارستان من الممارسات الأكثر خزياً لإدارة بوش رداً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. غير أن أوباما رفض مقاضاة أي شخص على تلك الانتهاكات، كما قاوم جهود التحقيق معهم ومحاولات إنصاف وتعويض الضحايا.

فضلاً عن ذلك، لم يبذل أوباما جهوداً تُذكر للوفاء بوعده بإغلاق مركز احتجاز خليج غوانتانامو، واستمر في محاكمة المشتبهين أمام اللجان العسكرية المعيبة من الأساس، رغم سجلها المؤسف. وقام بالبناء على ما سبق في برنامجين بدأهما الرئيس السابق عليه، هما القتل المستهدف، عادة بطائرات بدون طيار، والمراقبة الحكومية للاتصالات الإلكترونية.

فيما يخص الطائرات بدون طيار، لم تتبع إدارة أوباما سياساتها المعلنة أو هي أوضحت الإطار القانوني الذي ترى أنه يحكم ضربات بعينها. رغم أن إدارة أوباما تجنبت بشكل رسمي "الحرب العالمية على الإرهاب" التي تبنتها إدارة بوش، فقد أكدت أنها في نزاع مسلح مع طالبان والقاعدة و"قوات تابعة" دون حدود جغرافية معينة. واشتبكت في عمليات قتل مستهدف في باكستان واليمن والصومال، قائلة بأنها في حرب مع تلك الجماعات، أو متذرعة بالدفاع عن الأمن القومي.

لكن نظراً للعنف المتفرق والمتقطع الذي تتورط فيه الولايات المتحدة في العديد من تلك الأماكن، فليس من الواضح على الإطلاق إن كانت قواعد قوانين الحرب الأكثر تساهلاً منطبقة. حتى إن كانت منطبقة، فقد قُتل مدنيون بشكل غير قانوني بموجب ذلك الإطار القانوني دون أي تحقيق من الولايات المتحدة أو تعويض مُعلن للضحايا أو أهلهم. القانون الدولي لحقوق الإنسان – وهو الإطار القانوني المنفصل والأكثر إحكاماً – يسمح باستخدام القوة المميتة أيضاً لكنه يفرض شروطاً أضيق: تستخدم القوة المميتة فقط في حال كانت لا غنى عنها للرد على تهديد مميت قائم. هذا الإطار إذا انطبق يزيد من قوة الحجة بأن الوفيات جراء ضربات الطائرات بدون طيار غير قانونية.

في خطبة ألقاها أوباما في مايو/أيار أشار إلى أن استخدام قواعد قوانين الحرب سوف ينتهي في موعد غير محدد، وتحدث عن سياسات حاكمة لغارات الطائرات بدون طيار بهدف الحد من الخسائر في صفوف المدنيين، بما يوحي بأن تلك السياسات الجديدة قريبة من عدة أوجه لقانون حقوق الإنسان عنها لقواعد قوانين الحرب التي تزعم وكالة الاستخبارات المركزية والجيش الأمريكي أنها تتبعها. لكن ليس من الواضح على الإطلاق إن كانت تلك السياسات المعلنة ستُتبع. يستمر قتل المدنيين، وترفض إدارة أوباما إعلان المسؤولية عن تنفيذ أغلب تلك الغارات.

يبدو أن الحكومة الأمريكية لا تشعر بضرورة إظهار قانونية استخدامها لغارات الطائرات بدون طيار لأنها في الوقت الحالي تكاد تكون الجهة الوحيدة التي تستخدمها. لكن ذلك الأمر سيتغير بلا شك، وسوف تندم واشنطن بلا ريب على السوابق التي ارتكبتها، من تمكين للحكومات بأن تصف أي طرف تراه يهددها بوصف "المقاتل" الذي يمكن استهدافه بموجب قوانين الحرب، بدلاً من الالتزام بمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان الأكثر كفالة للحماية.

وبسبب ما كشف عنه إدوارد سنودن من معلومات، أصبح العالم يعرف بوجود مراقبة لوسائل الاتصال الإلكترونية بلا حسيب ولا رقيب، تلجأ إليها الحكومة الأمريكية وبعض حليفاتها، منها بريطانيا. لا يشكك أحد في أن الأمن القومي أحياناً يتطلب من الحكومات اللجوء لأعمال مراقبة محددة الهدف، بعد إظهار الدليل على ضرورة المراقبة. لكن المراقبة الجماعية التي تلجأ إليها الحكومة الأمريكية دون أي قيود من هذا النوع أدت إلى تآكل الحق في الخصوصية في العالم المعاصر الذي لا غنى فيه عن الاتصالات الإلكترونية.

لتبرير هذا المسلك، تذرعت الحكومة الأمريكية بسلسلة من الافتراضات القانونية المتهافتة، رغم أن أغلب تلك الافتراضات القانونية قد صدقت عليها محكمة سرية معنية بالمراقبة الاستخباراتية في الخارج، تتولى النظر في حجج الحكومة القانونية. على سبيل المثال تشعر الحكومة أنها حرة في جمع البيانات العالمية حول كل الاتصالات الهاتفية في الولايات المتحدة تقريباً، لأنه بموجب قواعد عفى عليها الزمن، لا يتوقع أحد حفظ خصوصية تلك الاتصالات بما أنه يشرك فيها شركة الاتصالات. ورغم أن نسبة كبيرة من اتصالات الإنترنت والاتصالات الهاتفية العالمية تمر بالولايات المتحدة، فقد تبنت الحكومة سياسة مفادها أن غير الأمريكيين خارج أمريكا لا خصوصية معترف بها لهم حتى في سياق اتصالاتهم فيما بينهم. وتزعم الحكومة – زعماً مريحاً لها – أن الحق في الخصوصية لا وجود له فيما يتعلق بجمع الاتصالات إلا في حال فحصها، وكأنه لا بأس بأن تجمع الحكومة وتخزّن تسجيلات فيديو من حجرات نوم الناس طالما هي تزعم أنها لا تشاهد تلك التسجيلات إلى أن يظهر سبب يضطرها إلى المشاهدة.

يظهر من الغضب العالمي على هذا الاعتداء السافر على الحق في الخصوصية ما يشير إلى القدرة على التغيير. البرازيل وألمانيا على سبيل المثال قامتا برعاية قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة تم تبنيه بالإجماع، يطالب بمزيد من الدراسة لانتهاكات الخصوصية "في سياق المراقبات الداخلية والخارجية... بما في ذلك على النطاق الجماعي" – وهو تطور يستحق الترحيب، إذ لا تتوفر شفافية أو معلومات كافية حول طبيعة المراقبات التي تقوم بها الحكومات الأخرى غير الولايات المتحدة وحليفاتها المقربة. لكن على كل مظاهر الاحتجاج، هناك استعداد ضئيل بشكل مقلق من الحكومات التي تراعي الحقوق لإيواء سنودن الذي فضح عملية التنصت العالمية، من جهود أمريكا لملاحقته قضائياً بموجب قانون التجسس الأمريكي. المؤسف أن هذا الأمر سمح لروسيا – التي منحت سنودن حق اللجوء المؤقت – أن تصور نفسها كبطل يسعى لحماية حقوق الخصوصية.

ومما يُحسب لأوباما أنه عيّن لجنة إصلاح أوصت بـ 46 تعديلاً في السياسة المتبعة – وهي نقطة بدء قوية للإصلاحات. دعت اللجنة إلى إنهاء جمع الحكومة للبيانات والمعلومات على النطاق العريض الذي تنتهجه، وبتدابير حماية للخصوصية أكثر لغير الأمريكيين، وزيادة في الشفافية، من بين توصيات أخرى. لكن ليس من الواضح إن كانت أي من هذه التوصيات ستُنفذ. كما أن ثمة خطر يتمثل في أنه في معرض الرد على تطاول الحكومة الأمريكية في المراقبة، أن تلجأ حكومات أخرى ذات سجل سيئ في حماية حقوق الإنسان إلى إجراءات للإبقاء على بيانات مستخدميها داخل حدودها، وهو الأمر الذي قد يستتبعه زيادة في مراقبة الإنترنت.

 

تحسن آليات حقوق الإنسان

يعتمد الدفاع عن حقوق الإنسان على عدد من العوامل: حركة مزدهرة من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني، ورأي عام يؤمن بأهمية الحقوق الأساسية، وحكومات ملتزمة بحماية هذه المبادئ. فضلاً عن ذلك فقد ظهرت بنى دولية تكفل هذا الدفاع عن الحقوق. هناك تطوران عززا من البنى الدولية على مدار العام الماضي: مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف يتزايد التزامه بوعده كهيئة رائدة متعددة الأطراف تكرس جهودها لحماية الحقوق، واتفاقيتان جديدتان تم إقرارهما من شأنهما المساعدة في حماية بعض فئات المجتمع الأكثر استضعافاً.

 

أمل أكبر لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة

على مدار العام الماضي استمر المجلس في إظهار إمكاناته الجيدة بعد بداية مؤسفة لأعماله. تم إنشاء المجلس عام 2006 خلفاً للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي فقدت مصداقيتها مع تدفق الحكومات القمعية عليها في محاولة لاستخدام أصواتها – الدول – في اللجنة لتفادي الانتقاد. للمجلس معايير أدق للعضوية، لكن خلال السنوات الأولى بعد سابقه لم يكن أفضل منه بكثير في الأداء.

غير أنه في السنوات الأخيرة، بدأ المجلس يحسن من أدائه. من العوامل المهمة قرار إدارة أوباما الانضمام إليه بعد أن قاطعته إدارة بوش. كما لعبت حكومات أخرى دوراً مهماً، منها المكسيك وسويسرا وتشيلي وبوتسوانا والبرازيل والأرجنتين وموريشيوس وبنين والمالديف وكوستاريكا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي. نجحت هذه الدول معاً في تجاوز الانقسامات السياسية والتغلب على حالة اللامبالاة التي كانت تحول دون التحرك الفعال. حتى الدول الأكثر تردداً في العادة – مثل نيجيريا وتايلاند – فقد تم إقناعها بلعب أدوار بناءة في المجلس.

ظهرت النتائج الإيجابية بوضوح في حالة سريلانكا. في عام 2009 عندما قُتل نحو 40 ألف مدني في الشهور الأخيرة من النزاع مع نمور التاميل، كان رد فعل المجلس الأوّلي هو تهنئة الحكومة على انتصارها. لكن على مدار العامين الماضيين، ضغط المجلس على سريلانكا كي تفي بعهدها بالتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الطرفان وتحميل الجناة المسؤولية. وبالمثل، في مارس/آذار 2013، من بين خطوات أخرى إيجابية، أنشأ المجلس لجنة تقصي حقائق لجمع الأدلة على جرائم كوريا الشمالية ضد الإنسانية – وهي أول خطوة نحو فرصة محتملة للملاحقة القضائية للمسؤولين عن تلك الجرائم. هذه الخطوات وخطوات أخرى مشابهة تُظهر وجود أغلبية داعمة للحقوق في المجلس، رغم انتخاب عدة بلدان في أواخر 2013 مثل الصين وكوبا وروسيا والسعودية، هي تاريخياً معادية لإنفاذ حقوق الإنسان. مع بذل جهود دبلوماسية ملائمة، فإن بإمكان هذه الأغلبية حشد الردود على أزمات حقوق الإنسان الأكثر حدة وجسامة.



اتفاقيتان جديدتان لحماية الحقوق

تعد عشرات الملايين من السيدات والفتيات اللاتي يعملن كعاملات نظافة ورعاية للصغار والمرضى في بيوت الناس، من بين فئات العمال الأكثر استضعافاً في العالم. العمل في عزلة ثبت أنه يحول دون كفالة تدابير الحماية الأساسية لأغلب العاملات في ظل القوانين الوطنية للعمل، وتعاني هذه الفئة من العمال من خطر الاستغلال الاقتصادي بمعدلات عالية، ومن خطر التعرض للأذى البدني والجنسي، والإتجار بالبشر. ترددت العديد من الحكومات في وضع تشريعات تحكم ظروف العمل في المنازل، وكثيراً ما دفع أصحاب العمل في اتجاه "أسطورة" أن العاملات يُعاملن كأفراد الأسرة.

حري بهذا الوضع أن يبدأ في التغير مع سنّ منظمة العمل الدولية لاتفاقية العمال المنزليين التي بدأ سريانها في سبتمبر/أيلول. تمنح الاتفاقية لعاملات المنازل الحماية من الإساءات والمضايقات وكذلك حقوق عمالية أساسية مثل يوم عطلة أسبوعية، وقيود على عدد ساعات العمل، وحد أدنى للأجر. ولقد سعت عاملات المنازل والنقابات ومنظمات حقوق المهاجرين ونشطاء حقوق الإنسان إلى دعم الاتفاقية مطالبين بإصلاحات وطنية. خلال العامين المنقضيين منذ تبني الاتفاقية، تبنت عشرات الدول إصلاحات مهمة، منها تشريع متكامل في الفلبين وفي الأرجنتين، وتدابير حماية جديدة في الدستور البرازيلي. ما زال الطريق طويلاً، لكن وبشكل مطرد يتضح أن اعتبار عاملات المنازل عمال فرز ثاني في القوانين الوطنية هو وضع يوشك على الانتهاء.

كما اتخذ العالم خطوات نحو كفالة الحق في الحصول على أعلى مستوى ممكن من الصحة من خلال التصدي لمخاطر التسمم بالزئبق. أغلب صُناع استخراج الذهب بالطرق التقليدية في العالم يستخدمون الزئبق في استخراج الذهب. الزئبق مادة سامة، وضارة بشكل خاص بالأطفال. التعرض للزئبق قد يؤدي إلى إعاقات بدنية وذهنية دائمة. تم إقرار معاهدة في أكتوبر/تشرين الأول تطالب الحكومات بالقضاء على استخدامات الزئبق الخطرة في صناعات استخراج الذهب، مع الترويج لبدائل لصناعة استخراج الذهب لا تتطلب استخدام معدن الزئبق.
 

وختاماً

رغم الأحوال المضطربة في عام 2013، مع وقوع فظائع كبرى في العديد من البلدان وتعمق القمع في بلدان أخرى، فقد شهد عام 2013 أيضاً حركة مقاومة قوية. وفي العديد من الحالات شهدنا انتصارات تستحق الفخر. لكن في حالات أكثر رأينا نضالات وإن لم تسفر عن انتصارات، فهي على الأقل رفعت ثمن الانتهاكات، وهي استراتيجية كفيلة على امتداد الزمن بالتخفيف من حدة انتهاكات حقوق الإنسان.

لقد تعرض مبدأ "مسؤولية القيادة" بلا شك للتقييد، وتحمل الشعب السوري ثمناً باهظاً لا يتصوره أحد جراء ذلك التقييد، لكن احتفظ المبدأ بحيوية كافية لتوفير حد أدنى من المساعدات لشعوب تواجه فظاعات جماعية وشيكة في عدة دول أفريقية. هناك عدد من القادة ركنوا إلى الحُكم بناء على تقييم يلائمهم حول ما تفضله الأغلبية، دون مراعاة للحقوق بما يسمح لجميع عناصر المجتمع بالمشاركة في العملية السياسية أو بالعيش في أمان من الانتهاكات الحكومية. لكن مع احتجاج الجمهور، لم تجلب هذه الرؤية للقادة المشروعية التي سعوا إليها. ومع تركز مشكلة انتهاك حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب – وهي مشكلة مزمنة – على التصنت على وسائل الاتصال الإلكترونية وعلى القتل المستهدف بطائرات بدون طيار، تبين بوضوح فشل الجهود المبذولة لتفادي الطعن على الشرعية القانونية لهذه الأعمال بالاختباء وراء حائط اعتبارات السرية المرتبطة بالأمن القومي. من ثم، بينما شهد العام المنقضي أكثر مما قد يحتمل من المعاناة، فقد تبين خلاله أيضاً وجود خطوات تم اتخاذها للسيطرة على تلك الانتهاكات لحقوق الإنسان.


كينيث روث هو المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش