Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
عدوان الحكومة العراقية على عرب الأهوار
دراسة للإحاطة
أعدتها منظمة هيومن رايتس ووتش
يناير/كانون الثاني 2003

النزوح بأعداد هائلة

حتى بدايات عام 1993 كانت الحكومة العراقية تتقدم تقدماً حثيثاً في تنفيذ أشغال الصرف الواسعة النطاق، والتي لم يكن يمثل شق "النهر الثالث" إلا جانباً واحداً من جوانبها. وإمعاناً في قطع تدفع مياه دجلة والفرات وروافدهما إلى الأهوار، أكملت الحكومة إنشاء أربع قنوات صرف رئيسية على الأقل في عام 1993 و1994، وأطلقت عليها الأسماء التالية: نهر القادسية، ونهر أم المعارك، ونهر العِزّ، ونهر تاج المعارك (52).

وجد "أدلة قاطعة على انتشار الخراب والمعاناة البشرية التي أدت إلى نزوح أعداد كبيرة، وتدفق اللاجئين المعدمين في جمهورية إيران الإسلامية، وفقدان شعب الأهوار العربي لأسلوب حياته التقليدي"
المحتويات :
  • ملخص
  • "خطة العمل" الحكومية
  • تقاعس الأمم المتحدة عن اتخاذ أي إجراء
  • النزوح بأعداد هائلة
  • الهوامش
    البيان الصحفي
    العراق: القضاء على عرب الأهوار
    ايضا
    بيان منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بشأن العراق
  • كما أنشأت عدة سدود لمنع عودة المياه، ورفعت من مستوى الشواطئ أو أعيد بناء بعضها على ارتفاعات كافية لمنع مياه الفيضان من التدفق إلى الأهوار. كما قامت - بالإضافة إلى ذلك - بالتركيز على مساحات معينة من أهوار الحمار والعمارة "فقسمتها إلى أراضٍ واطئة مستصلحة من البحر باستخدام السدود، وأنشأت عندها قنوات تتراوح أطوالها بين 20 و30 كيلومتراً لتصريف المياه من تلك الأراضي، وهي القنوات التي قسمت الأراضي المستصلحة إلى مساحات أصغر، وتركت المياه الراكدة الباقية حتى تتبخر وتجف" (53).

    وحتى تلك اللحظة، كانت الحكومة العراقية لا تزال تقول إن "هذه الأنهار والمشروعات سوف تعزز النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمنطقة"، أي من خلال زيادة نطاق الأراضي المستصلحة وما يعقبها من توسع في زراعة المحاصيل الأساسية؛ وتحسين الأحوال المعيشية للمزارعين؛ وتوفير "أماكن مناسبة لصيد الأسماك"؛ وتخفيف الفيضانات أو تلافيها؛ وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية؛ وتوطين "بعض القبائل الرُّحّل في المنطقة بعد إتاحة مصادر رزق مناسبة لأفرادها" (54).

    ولكـن اللاجئـين الذيـن فرّوا مـن الأهـوار إلى إيران كانوا يقولون بغيـر ذلك، وكان الكثيرون الذي أجرى المقرر الخاص للأمم المتحدة مقابلات شخصيـة معهم في صيف عام 1994 يقولون إن تجفيف الأهوار وما ترتب على ذلـك يمثـل السبـب الرئيسي لفرارهم (55). كما أن التقارير التي قدمتها أطراف مستقلـة أشارت إلى أن الأهوار المجففة، والتي استُصلحت بتكاليف باهظة، قد تُركت دون استخدام، مما يتناقض مع ما تزعم الحكومة من أنه المبرر المنطقي للمشروع، إذ كانت أشغال الصرف قد أدت بالفعل إلى تخريب اقتصاد المنطقة، وهو ما تجلى في النقص الكبير في الإمدادات السمكية، وانخفاض الإنتاج الزراعي وتربية الحيوان (56). كما أن تجفيف أحواض البوص حرم السكان المحليين من المادة الأولية الرئيسية المستعملة في بناء القوارب، والظُّلل، وشتى الأدوات المنزلية، وأدى إلى اختفاء صناعة المنتجات الحرَفية المحلية من الخيزران، فلم يعد من الممكن استعمال القوارب كوسيلة رئيسية للنقل في مناطق شاسعة من الأهوار، وأما المسطحات المائية الباقية فقد أصبحت راكدة، إلى جانب الانخفاض الشديد في إمدادات مياه الشرب (57). وقال المقرر الخاص إنه لم يجد إلا "أدلة بالغة الضآلة" على نجاح استصلاح الأراضي، بل وجد "أدلة قاطعة على انتشار الخراب والمعاناة البشرية التي أدت إلى نزوح أعداد كبيرة، وتدفق اللاجئين المعدمين في جمهورية إيران الإسلامية، وفقدان شعب الأهوار العربي لأسلوب حياته التقليدي" (58). وأشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقريره لعام 2001 إلى أن "معظم الأراضي المستصلحة التي تظهر في الصورة التي التقطها القمر الاصطناعي "لاندسات" عام 2000، قد ظلت قاحلة منذ اكتمال الأشغال في 1993/1994 ولا يكاد يوجد دليل على زراعات جديدة" (59).
      وفي مارس/آذار 1995، دعت لجنة حقوق الإنسان العراق إلى أن يقوم على وجه السرعة بتنفيذ توصيات المقرر الخاص بشأن الأهوار "وخصوصاً بإيقاف تجفيفها للأهوار وبإعادة المياه إليها، وباستقبال بعثة من الخبراء الدوليين المعترف بهم للبت في الآثار الناجمة عن مشروعات الصرف المذكور على السكان وعلى البيئة" (60). وتجاهلت الحكومة العراقية هذه الدعوة وواصلت أشغال الصرف، واكتمل شق قناة الصرف الكبرى الأخيرة، وتسمى نهر الوفاء للقائد، في ديسمبر/كانون الأول 1997. كما استمرت العمليات العسكرية في الفترة من 1995 إلى 1997، بحثاً عمن يشتبه في معارضتهم للحكومة ويختبئون في الأهوار، ولم تتوقف كذلك الاعتداءات دون تمييز على الأهداف المدنية. وورد أن القوات الحكومية استخدمت فرقاً من المدفعية وفرقاً مدرعة في الهجوم على عدد من القرى عام 1996 (61). كما قدم المقرر الخاص أيضـاً تقريراً بشأن استمرار العمل بنظام البطاقات التموينية باعتباره وسيلة لإرغام السكان علـى "الولاء" للسلطات (62)، أو باعتباره أداة لإنزال العقوبة الجماعية بقبائل الأهوار التي كانت تُعتبر "معادية" (63).
    وفي النصف الثاني من عام 1998، شنت الحكومة هجوماً جديداً لسحق قوات المعارضة المسلحة في الأهوار. فقامت القوات البرية، ما بين أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني، بصفة خاصة، تساندها الدبابات والمدفعية، بهجمات ضارية على أهداف بالقرب من البصرة والعمارة والناصرية. وقال نشطاء المعارضة العراقية إن هذه العمليات كان يشرف عليها، إلى حد ما، قُصيّ صدام حسين، الابن الأصغر للرئيس، وعلي حسن المجيد، أحد أبناء عمومة الرئيس، الذي كان ينهض بالمسؤولية الشاملة عن حملة الأنفال ضد الأكراد قبل عقد كامل من الزمان. وجاء الهجوم الجديد في أعقاب الاضطرابات التي وقعت في أماكن أخرى في جنوب العراق بعد اغتيال اثنين من كبار أئمة الشيعة في كربلاء والنجف في إبريل/نيسان ويونيو/حزيران 1998 (64). وتلا الهجمات بالمدفعية الميدانية ومدافع الهاون قيام القوات البرية بإحراق المساكن أو تدميرها بالجرافات، بما في ذلك بلدة القرنة (65). وورد أن القوات ألقت القبض على المئات من السكان المحليين، وكان من بينهم نساء وأطفال وشيوخ. وطبقاً لمصادر الحكومة الأمريكية، بلغ عدد المساكن التي سويت بالأرض، فيما ورد، 160 منزلاً يوم 29 يونيو/حزيران 1998 في قرية المشا (66).
      وجاء في الأحاديث التي أدلى بها اللاجئون للمقرر الخاص أنه قد قُبض على العشرات من أبناء القبائل المستهدفة، أو أن منازلهم قد هُدمت، وأن الجيش قد استولى على قرى بأكملها وعلى الأراضي المحيطة بها لاستعمالها مواقع عسكرية متقدمة، وأن الطاقة الكهربائية قد قُطعت عمداً عن مناطق معينة (67). وقيل إن عدداً يقدر بنحو 150 شخصاً قد أُعدموا في العمارة، كما وقعت اعتداءات أخرى في الأهوار في الشهور التي أعقبت اغتيال إمام شيعي بارز ثالث، هو آية الله محمد صادق الصدر في النجف، في فبراير/شباط 1999 (68)، وهو الحادث الذي أدى إلى اندلاع مظاهرات احتجاج واضطرابات في شتى أنحاء جنوبي العراق. وفي أحد الاعتداءات التي وقعت في منتصف مايو/أيار 2001، هاجمت القوات الحكومية قريتين في منطقة الشبايش بعد اتهامها أهالي المنطقة، فيما ورد، بإيواء الفارين السياسيين. ولم يعرف أحد عدد الأشخاص الذين قُتلوا في الاشتباكات اللاحقة، وإن ورد أن رئيس إحدى القرى، وهي قرية العمارة، قد قُبض عليه وأُعدم فيما بعد.
    وكان معظم أبناء "شعب المعدان" الذين سعوا للجوء إلى إيران قد فروا إليها في الفترة من 1991 إلى 1994 عندما كان التنقل عبر الحدود ما زال ممكناً وإن كانت تكتنفه مخاطر شديدة. وأدى اكتمال جانب كبير من أشغال الصرف في أوائل عام 1995 إلى تمكين الحكومة العراقية من إغلاق وعزل مساحاتٍ شاسعة من الأهوار المتاخمة للحدود مع إيران، ومن ثَمَّ تضاءلت كثيراً أعداد اللاجئين، الذين كانوا يعبرون الحدود، لهذا السبب. ويُقدر عدد اللاجئين الشيعة من جنوبي العراق والموجودين حالياً في إيران بنحو 95000 شخص، من بينهم نحو 40000 من الأهوار (69). ومن بين هؤلاء 15000 شخص موزعين على أحد عشر مخيماً للاجئين (أساساً في محافظتي خوزستان وفارس) ويوصف الباقون - وعددهم 25000 لاجئ - بأنهم لاجئون "خارج المخيمات"، أي إنهم يقيمون في مستوطنات مؤقتة (في خوزستان وغيرها) (70)، ولا تتوافر أرقام موثوق بها عن عدد النازحين داخلياً في العراق، فلا الحكومة تنشر بياناتها ولا هي تسمح للمنظمات غير الحكومية الدولية بدخول الأهوار. وطبقاً لشتى التقديرات المتفاوتة، لا يقل عدد النازحين عن 100 ألف ولكنه قد يصل إلى 190 ألفاً (71).