Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
عدوان الحكومة العراقية على عرب الأهوار
دراسة للإحاطة
أعدتها منظمة هيومن رايتس ووتش
يناير/كانون الثاني 2003

تقاعس الأمم المتحدة عن اتخاذ أي إجراء

كانت لأنباء حملة الإرهاب الحكومية ضد شعب المعدان، وهي الأنباء التي استمرت واتسمت بالاتساق في عام 1992، قوة تراكمية دفعت المقرر الخاص المعني بالعراق إلى الإعراب عن بواعث قلقه مباشرة لمجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة للمرة الأولى. فقد تدخل في أغسطس/آب 1992 فور وقوع عدد من أعنف الاعتداءات الجوية التي شهدتها منطقة الأهوار حتى ذلك التاريخ (36). وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه في "أواخر يوليو/تموز، بعد عدة أيام من إطلاق النار من الجو على القرى جنوبي العمارة، وخصوصاً بالقرب من بلدة سلام،

واتفقت أقوال عشرات اللاجئين الذين فروا طلباً للسلامة في إيران، والذين أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية في عام 1993، عن الأساليب التي كانت القوات الحكومية تستخدمها، فذكروا أنها تتضمن ما يلي (44): · الهجمات المكثفة، بما في ذلك القصف جواً وبراً ودون تمييز للمناطق السكنية في المدن والقرى القريبة من البصرة والناصرية والعمارة. · الاعتقالات الجماعية من خلال تفتيش المنازل في أعقاب قصف القرى بمدافع الميدان ومدافع الهاون، واستخدام القوات المسلحة النظامية والقوات الخاصة وقوات الحرس الجمهوري في هذه العمليات.
المحتويات :
  • ملخص
  • "خطة العمل" الحكومية
  • تقاعس الأمم المتحدة عن اتخاذ أي إجراء
  • النزوح بأعداد هائلة
  • الهوامش
    البيان الصحفي
    العراق: القضاء على عرب الأهوار
    ايضا
    بيان منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بشأن العراق
  • قال المراقبون الدوليون في تقاريرهم إن المستشفى الرئيسي في العمارة قد تكدس حتى غُصّ "بالمئات" من الجرحى، وكانت أعنف الهجمات التي استخدمت فيها أشد الأسلحة فتكاً ضد القرى، قد استمرت من 20 إلى 27 يوليو/تموز" (37). وفي يوم 27 أغسطس/آب، قامت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية بعملية أُطلق عليها اسم "عملية مراقبة الجنوب"، حيث فرضت منطقة "يُحظر فيها الطيران" جنوب خط العرض رقم 32 (38). أما رد الحكومة العراقية على ذلك فلم يزد على تغيير في التكتيك، وكانت النتيجة أن ازدادت الحالة سوءاً بصفة عامة.

    وعلى الرغم من استمرار رفض الحكومة العراقية التعاون مع آليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فقد طلب المقرر الخاص في فبراير/شباط 1992 "إرسال فريق من مراقبي حقوق الإنسان إلى العراق، وأن يظل هذا الفريق في العراق حتى تتحسن حالة حقوق الإنسان تحسناً جذرياً" (39). وقد برر توصيته تلك قائلاً إن "هذه الحالة الخطيرة بصورة غير عادية تتطلب رداً غير عادي - رداً كان يمكن أن يُعتبر أكبر من المعتاد في معظم الحالات الأخرى لانتهاكات حقوق الإنسان" (40). وأوصى، في فبراير/شباط 1993، بإقامة مراقبين "في المواقع التي من شأنها تيسير الارتقاء بتدفق المعلومات وتقدير الحالة، والمساعدة في التحقق بصورة مستقلة من الأنباء الخاصة بحالة حقوق الإنسان في العراق". (41) وكان من بين تلك المواقع أماكن في البلدان المتاخمة للعراق والتي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين العراقيين، وخصوصاً إيران وتركيا.

    وظل المقرر الخاص يكرر الإعراب عن تلك التوصية كل سنة حتى استقال في عام 1999، دون أن يتم العمل بها قط على الرغم من إقرارها في القرارات السنوية التي تصدرها لجنة حقوق الإنسان والجمعية العامة. وكانت هذه القرارات قد طلبت إلى الأمين العام للأمم المتحدة "أن يقدم إلى المقرر الخاص كل المساعدة الضرورية لتنفيذ مهمته، وأن يوافق على تخصيص ما يكفي من الأموال والموارد المادية لإرسال مراقبي حقوق الإنسان" إلى العراق وغيرها من المواقع المتصلة بهذا الشأن (42). وتعبيراً عن شعوره بالإحباط، لجأ المقرر الخاص إلى خطوة غير عادية، وهي انتقاد الأمم المتحدة في التقرير الذي قدمه عام 1994 إلى اللجنة، حيث ذكر أن الجهود التي يبذلها في مراقبة حالة حقوق الإنسان في العراق تمثل "الحد الأدنى فحسب". وقال "لم يكن من اليسير إنجاز هذه الأنشطة المتواضعة بسبب ندرة الموارد المخصصة لهذا الغرض، وللبطء الشديد في إجراءات اتخاذ القرارات داخل الأمم المتحدة. ومن ثم فإن المقرر الخاص لا يجد مناصاً من تسجيل إحساسه بخيبة الأمل، لأنه لم يتم حتى الآن تكليف أي عاملين بالقيام تحديداً بمهمة المراقبة، ولم تخصص، في حدود علمه، أية ميزانية واضحة ومضمونة لهذه المهمة" (43). كما أن ما قاله المقرر الخاص من أن استمرار الحكومة العراقية في قمع السكان المدنيين في البلاد "يمثل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 688 (1991) الذي يُلزم العراق 'بوضع حد فوري لهذا القمع، إسهاماً في درء الخطر على السلام والأمن الدوليين في المنطقة'" لم يلق إلا آذاناً صماء في مجلس الأمن.

    وأدى افتقار المجتمع الدولي إلى العزم والحسم إلى إطلاق يد الحكومة العراقية وتمكينها في الواقع الفعلي من ممارسة القمع بحرية وعلى نطاق واسع، فواصلت ذلك بأساليب شتى أصبحت النمط السائد في الأعوام القليلة التالية؛ وترك المجتمع الدولي العراق يقوم بالعمليات الحربية البرية التي تساندها الطائرات المروحية (التي لم يحظرها اتفاق وقف إطلاق النار) بمنجاة من العقاب في الأغلب الأعم، إلا إذا خرقت شروط اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1990 باستخدام الطائرات ذات الأجنحة الثابتة داخل منطقة الحظر، واتفقت أقوال عشرات اللاجئين الذين فروا طلباً للسلامة في إيران، والذين أجرت معهم منظمة هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية في عام 1993، عن الأساليب التي كانت القوات الحكومية تستخدمها، فذكروا أنها تتضمن ما يلي (44):
  • الهجمات المكثفة، بما في ذلك القصف جواً وبراً ودون تمييز للمناطق السكنية في المدن والقرى القريبة من البصرة والناصرية والعمارة.
  • الاعتقالات الجماعية من خلال تفتيش المنازل في أعقاب قصف القرى بمدافع الميدان ومدافع الهاون، واستخدام القوات المسلحة النظامية والقوات الخاصة وقوات الحرس الجمهوري في هذه العمليات. وكان المعتقلون في معظم الحالات يُساقون معصوبي العينين إلى أماكن غير محددة، ثم لا يرجعون، بينما كان آخرون يُحتجزون بضعة أيام ثم يُطلق سراحهم بعد التحقيق معهم وتعذيبهم. وكان القصد من ذلك فيما يبدو هو بث الرعب في قلوب أهالي المنطقة وإظهار أن الحكومة العراقية بمظهر القوة التي مازالت تسيطر على المنطقة برغم فرض حظر الطيران في أجواء المنطقة المذكورة.
  • تدمير المساكن والممتلكات عمداً وعلى نطاقٍ واسعٍ بهدمها بالجرافات أو بإحراقها (45). وكان ذلك يُنفذ بصورة منهجية بعد القصف الأرضي أو الجوي للقرى المستهدفة، لغرضين هما منع ساكنيها من العودة إليها وحرمانهم من ممتلكاتهم. وعلى غرار ذلك كانت القوات الحكومية تشعل النار في المحاصيل وغيرها من المزروعات، وتقتل حيوانات الفلاحين عمداً.
  • غرس الألغام دون تمييز في البر والمسطحات المائية، وكان استعمال الألغام التي لا تدل عليها أي علامات قد وردت أنباؤه في مطلع عام 1992 ولكنه استمر بعد فرض "منطقة حظر الطيران". ومعظم ألغام المسطحات المائية وُضعت في أهوار الحمار والعمارة، وكان يجري إخفاؤها في مداخل الأنهار وحول مداخلها في الأهوار، وذلك، فيما يظهر لقتل الداخلين إلى هذه المناطق أو الخارجين منها، أو ولإصابتهم بالعجز (46). وكانت الألغام البحرية توضع أيضاً في المسطحات الضحلة التي يستعملها أهالي المنطقة، قبل إقامة أشغال الصرف التي جعلت من المحال استعمال القوارب كوسيلة رئيسية للنقل في الأهوار، وورد أنها تسببت في قتل وإصابة العشرات من المدنيين، إلى جانب أعداد كبيرة من الجاموس والأبقار التي يعتمد عليها جانب كبير من الاقتصاد المحلي. أما الألغام البرية فكانت تُستعمل بصفة أساسية في المناطق التي يجري إخلاؤها للصرف، بما في ذلك القرى المخربة - داخلها وحولها - لمنع السكان من الرجوع إليها، وكانت تُغرس أيضاً على امتداد الشواطئ وذلك، فيما يبدو، لحمايتها من هجمات قوات المعارضة المسلحة.
  • حرمان الجرحى المدنيين من العلاج، وخصوصاً من ينتمون منهم إلى قبائل تُعتبر "معاديـة" للحكومة، أو لمن تقع مساكنهم في "المناطق المحظورة" (أي التي أُخليـت تمهيداً لأشغـال الصرف أو لأغراض عسكرية). وكان الذي يسعى للعلاج في عيادات أو مستشفيات حكومية يعرض نفسه لخطر القبض عليه، ولذلك كان المصابون يجري تهريبهم إلى إيران، حيثما أمكن ذلك، طلباً للعلاج، وإن كانت الرحلة محفوفة بالمخاطر، وكان البعض يقضون نحبهم أثناءها، بل إن المدنيين الذين يمرضون أو يحتاجون إلى العلاج من العلل العادية كانوا يواجهون مشكلات مماثلة، خصوصاً عندما بدأت الحكومة في إزالة المخزونات الطبية من المستشفيات والمدن الكبرى الواقعة بالقرب من الأهوار (بما فيها البصرة والناصرية والعمارة) ونقلها إلى المناطق الشمالية فيما وراء خط العرض 32.
  • إحكام تطبيق الحصار الاقتصادي الذي فرضته الحكومة على المنطقة (بموجب "خطة العمل" الخاصة بالأهوار)، وهو الذي استتبع حظراً تاماً على نقل المواد الغذائية، ومنتجات تكرير النفط والأدوية إلى الأهوار، وورد أن دوريات الجيش كانت تقوم بتفتيش المسافرين إلى داخل المنطقة، وكانت تصادر أي أغذية ترى أنها تزيد عن حاجة الأسرة فتستولي عليها أو تعدمها. وكان مهربو الأغذية، إذا قُبض عليهم، يعاملون معاملة سيئة في حالات كثيرة، وقد يصل ذلك إلى الإعدام الفوري (47). ويقول المقرر الخاص للأمم المتحدة، مستشهداً بما ذكره لاجئو الأهوار الذين وصلوا إلى إيران، إن السلطات قد حرمت الأسر التي رفضت الانتقال إلى المساكن الحكومية، من المؤونة الغذائية الشهرية التي يجري توزيعها بنظام بطاقات الحصص التموينية الذي بدأ العمل به بعد فرض عقوبات الأمم المتحدة (48). وأدى ذلك إلى تفاقم الحالة التي كانت قد بلغت درجة عظمى من السوء، إذ إن عزلة الأهوار وتعذر الوصول إليها أدى إلى عدم تسجيل بعض أفراد شعب المعدان رسمياً في السجلات الحكومية، وعدم حصولهم على بطاقات الهوية اللازمة للتسجيل ابتغاء تلقى الحصص الغذائية.
      وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1993، قام خبراء بعثة الأمم المتحدة في العراق بزيارة إيران والعراق للتحقيق في مزاعم استخدام القوات العراقية للأسلحة الكيماوية في الاعتداءات التي شنتها على مقربة من قرية علوي، الواقعة على الطرف الشرقي من أهوار الحمار. وطبقاً لما ذكره أهالي المنطقة الذين فروا إلى إيران، قامت القوات العراقية التي ترتدي أقنعة الحماية من الغازات بقصف القرية يوم 26 سبتمبر/أيلول بقذائف تنبعث منها "سحابة غازية بيضاء كثيفة كروية الشكل، ظلت معلقة في الهواء على ارتفاع أمتار معدودة من الأرض لمدة ساعة تقريباً، وأدت إلى صعوبات في التنفس" (49) وورد أن هجمات مماثلة وقعت في الأيام التالية، طبقاً لما ذكره المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي أضاف أن الوثائق العسكرية العراقية التي استولت عليها قوات "المجلس" في معركة أهوار الحمار في آخر سبتمبر/أيلول كانت تتضمن تعليمات للجنود والضباط باتخاذ تدابير احتياطية ضد غاز الفوسجين (50). وقام فريق من بعثة الأمم المتحدة في العراق بإجراء مقابلات مع اللاجئين الذين فروا إلى إيران، وبتفقد الموقع الذي زعم وقوع الهجمات بالأسلحة الكيماوية فيه في أهوار الحمار، وأخذ عينات من التربة والماء والنبات والحيوان في المنطقة لتحليلها، ولكن الفريق لم يعثر على أدلة تؤيد صحة تلك المزاعم (51).