Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
عدوان الحكومة العراقية على عرب الأهوار
دراسة للإحاطة
أعدتها منظمة هيومن رايتس ووتش
يناير/كانون الثاني 2003

"خطة العمل" الحكومية

وترجع الخطط الزراعية التي وضعتها الحكومة للأهوار إلى أوائل الخمسينيات، إذ بدأ في عام 1953 تنفيذ مشروع رئيسي يعرف باسم مشروع "النهر الثالث"، وكان يتضمن إنشاء قناة صرف ضخمة تهدف إلى إزالة ملوحة مساحات شاسعة من الأراضي الواقعة بين دجلة والفرات حتى تصبح صالحة للزراعة (20). وكان العمل في إنشاء القناة لا يزال جارياً في السبعينيات والثمانينيات، وهي التي أصبحت تعرف رسمياً باسم نهر صدّام، "ولكن التركيز بدأ يتحول تدريجياً من إنشاء نظام للصرف الزراعي إلى إصلاح أراضي الأهوار. ووضعت مقترحات هندسية عملية لصرف المياه من الأهوار نفسها" (21).

ومن شأن هذه العمليات أن تتضمن هدم المنازل أو إحراقها. · فرض حصار اقتصادي على المناطق التي يعمل فيها "المخربون"، وتنفيذه بمنع وكالات الإمداد بالأغذية من العمل، وفرض حظر على بيع الأسماك، واتخاذ "أقسى الإجراءات" ضد الذين يقومون بتهريب الأغذية إلى "الفارين من الجيش، والخارجين على القانون، والجماعات المعادية" وحظر جميع أشكال النقل التجاري إلى المناطق المعنية.
المحتويات :
  • ملخص
  • "خطة العمل" الحكومية
  • تقاعس الأمم المتحدة عن اتخاذ أي إجراء
  • النزوح بأعداد هائلة
  • الهوامش
    البيان الصحفي
    العراق: القضاء على عرب الأهوار
    ايضا
    بيان منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بشأن العراق
  • وتأجل التنفيذ طيلة اندلاع الحرب بين إيران والعراق في الفترة 1980-1988، وهي الحرب التي أكدت للحكومة أهمية التعجيل بتنفيذ مشروع الصرف، إذ أصبح جانب من الأهوار من مواقع العمليات العسكرية. وفي فبراير/شباط - مارس/آذار 1984 كانت إيران قد فتحت جبهة جديدة في أهوار الهويزة، شرقي بلدة القرنة، واستولت على جزر مجنون الغنية بالنفط (22). وفي أعقاب حرب الخليج عام 1991 والانتفاضة الجماهيرية التي أعقبتها، شرعت الحكومة في تنفيذ برنامج ضخم للهندسة المائية، بغرض تجفيف الأهوار. وبعد العمل الذي استمر ليلاً ونهاراً لما يقرب من تسعة أشهر، افتتحت الحكومة رسمياً نهر صدام في 7 ديسمبر/كانون الأول 1992" (23).

    وعندما وجهت الحكومة العراقية اهتمامها إلى الأهوار الجنوبية بصورة جادة بعد انتفاضة عام 1991، شرعت كذلك في تنفيذ الخطط التي كانت قد وضعتها قبل أربع سنوات لزيادة تغلغل قواتها العسكرية والأمنية في قلب المنطقة. وطبقاً للوثائق التي كشف عنها باحثو منظمة هيومن رايتس ووتش، الذين قاموا بفحص وتحليل وثائق الحكومة العراقية التي أُخذت أثناء انتفاضة مارس/آذار 1991، اتضح أن الخطط قد وضعت للعدوان المباشر على الأهوار منذ السنوات الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية. وتشير إحدى الوثائق التي يعود تاريخها إلى 30 يناير/كانون الثاني 1989 - وعنوانها "خطة عمل للأهوار"، وعليها إشارة تقول إنها سرية وخاصة - إلى خطة أصلية "اعتمدت في عام 1987 ووافق عليها رئيس الجمهورية والقائد العام [للقوات المسلحة]" (24) وهي تناقش الأنشطة التي يقوم بتنفيذها "المخربون" و"العناصر المعادية" في الأهوار، وخصوصاً الفارين من الجيش و"العملاء المدربين في إيران" (والتعبير الأخير يشير إلى الجناح المسلح للجماعة المعارضة المسماة "المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، واسم الجناح "قوات بدر"). وكان من بين التعليمات التي يجب تنفيذها "لوضع حد للوجود العدائي" في الأهوار، على نحو ما ورد في الوثيقة، ما يلي:
  • القيام "بعمليات أمنية استراتيجية" في المنطقة، مثل إحداث تفجيرات، وتسميم البيئة، وإحراق المنازل، بغرض تدهور الحالة الأمنية فيها.
  • عرض العفو عن الفارين من الجيش والمتهربين من التجنيد في مقابل قيامهم باغتيال "العناصر المعادية" في الأهوار.
  • القيام "بعمليات عقابية وردعية" بصفة دورية ومنتظمة ضد سكان الأهوار الذين يعتبرون من بين "المتعاونين مع المخربين". ومن شأن هذه العمليات أن تتضمن هدم المنازل أو إحراقها.
  • فرض حصار اقتصادي على المناطق التي يعمل فيها "المخربون"، وتنفيذه بمنع وكالات الإمداد بالأغذية من العمل، وفرض حظر على بيع الأسماك، واتخاذ "أقسى الإجراءات" ضد الذين يقومون بتهريب الأغذية إلى "الفارين من الجيش، والخارجين على القانون، والجماعات المعادية" وحظر جميع أشكال النقل التجاري إلى المناطق المعنية.
  • استعمال شبكة واسعة من "المتعاونين المتخفّين" لتحديد مكان وجود الفارين من الجيش وغيرهم من "الجماعات المعادية"، ومحاولة "إغرائهم" لإخراجهم من أماكن اختبائهم لتيسير اعتقالهم.
  • تكليف لجان الأمن في المحافظات المعنية بمهمة ضبط حركة مرور السيارات بين منطقة الأهوار والمراكز الحضرية الكبرى، وتنسيق جميع الأنشطة الأمنية مع القوات الجوية حتى يُتاح استخدام الطائرات المروحية والطائرات الحربية في العمليات التي تتضمن مطاردة الفارين من الجيش وغيرهم.
  • النظر في إمكانية "إعادة تجميع قرى الأهوار على الأراضي الجافة (التي يسهل التحكم فيها)" ومد الطرق إلى مسافات أعمق داخل الأهوار تيسيراً للوصول إلى تلك المناطق. وقدمت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الوثيقة إلى ماكس فان دير ستول المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بالعراق، الذي نشرها ضمن تقريره الذي قدمه في فبراير/شباط 1993 إلى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة (25).

    وخلال العام الأول للتمرد الذي وقع في 1991، ركزت الحكومة جهودها في العثور على الفارين من الجيش والقبض عليهم، إلى جانب الذين كانت تشتبه في مشاركتهم في التمرد، ولم تشرع، في البداية، في تنفيذ برنامج إعادة توطين السكان المحليين بالقوة (26). ومع ذلك فقد تحمل "شعب المعدان" منذ البداية العبء الأكبر للمناورات الحربية وكذلك مشروعات الصرف التي كانت ماضية على قدم وساق آنذاك (27). وفي أواخر 1991 وأوائل 1992 كانت الهجمات العسكرية على الأهوار قد بدأت تؤدي إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى كل شهر، وكان القصف المدفعي المنتظم والمستمر للمناطق المخصصة للصرف أو للعمليات الأمنية يجبر أبناء القرى على إخلاء مساكنهم، وعندما كانت القوات الحكومية تواجه مقاومة من جانبهم، كانت أحياناً ما تطبق سياسة إطلاق النار في مقتل، وكانت الأسر التي تُهدم منازلها بسبب إغارة الجيش أو القصف المدفعي، تنتقل في البداية إلى منطقة أخرى من الأهوار وتعيد بناء أكواخها من البوص فيها، ولكنه عندما توسعت الحكومة في تنفيذ عمليات الصرف وعمدت إلى تكثيف القصف المدفعي، لم يعد هذا الخيار متاحاً لها. ومن ثم بدأ عشرات الآلاف في الفرار إلى إيران أو الانتقال إلى مناطق أكثر أمناً خارج الأهوار. كما تواترت الأنباء التي تقول بأن القوات المسلحة كانت تستخدم النابالم أيضاً في هذه الهجمات (28).

    وفي إبريل/نيسان 1992 وافق المجلس الوطني العراقي على برنامج جديد للإسكان لشعب المعدان (في إطار الخطة التي سبقت الإشارة إليها وهي "إعادة تجميع قرى الأهوار على الأراضي الجافة"). وطبقاً لما قاله سعدي مهدي صالح، الذي كان آنذاك رئيساً للبرلمان العراقي، كان مقصد الحكومة هو إعادة إسكان عدد يتراوح بين 3000 و4000 من أبناء الأهوار في منازل تبني على الطريق السريع بين البصرة والقرنة، و"توفير الكهرباء لهم، والمياه النقية، والمدارس، والرعاية الصحية،" (29) و"أن تجعل منهم "مواطنين صالحين" (30) وقال صالح لأجهز الإعلام إن الخطة التي وافق عليها البرلمان "لا تحدد [ما إذا كانت الأسر التي سيعاد توطينها] سوف يتاح لها أن تختار بين الرحيل والبقاء ... وسواء قلنا إنها إجبارية أو اختيارية فلن يعني ذلك شيئاً لهم" (31). وقد فسر الكثيرون هذه المبادرة بأنها وسيلة تستطيع الحكومة بها إرغام الفارين السياسيين والعسكريين على الظهور من مكامنهم، وتمكين برنامج تجفيف الأهوار من السير قدماً دون عوائق، وإخضاع السكان المحليين إلى الأبد. كما كانت إعادة الإسكان قسراً وسيلة من وسائل حرمان أبناء القرى في الأهوار من جميع المصادر الاقتصادية للرزق، وهذا يماثل تماماً ما حدث للأكراد عندما أعيد إسكانهم في مخيمات إعادة التوطين في الثمانينيات، كمقدمة لحملة الأنفال.

    ولم يفت رئيس البرلمان إدراك التوازي بين الأكراد و"شعب المعدان"، ففي معرض إشارته إلى الأكراد، قال صالح لوكالة رويترز للأنباء: "قمنا في ذلك الوقت بإجلاء هؤلاء الناس وأسكنّاهم في مجمعات [سكنية] ووفرنا لهم المرافق [اللازمة] [ولكن] يثور الضجيج الآن في الغرب لأسباب سياسية. وفيما يتعلق بشعب الأهوار، يجب على الغرب أن يساعدنا في نقلهم لمساكن أخرى، وبناء مدارس لهم، وتحسين ظروفهم الصحية، بدلاً من انتقادنا. فلقد قامت أمريكا بمحو الهنود الحمر من على وجه الأرض دون أن يدهش لذلك أحد" (32).

      وصاحبت برنامج إعادة التوطين القسرية في الأهوار حملة لمناهضة التمرد، تضمنت هجمات بالمدفعية، وبالطائرات المروحية المسلحة والطائرات ثابتة الجناحين على القرى دون تمييز. وورد أن الهجمات كان يصاحبها إلقاء القبض على المدنيين وإعدامهم، بما في ذلك زعماء القبائل، وتدمير الممتلكات والثروة الحيوانية، ومحو قرى كاملة من الوجود (33)، وكان من بين المستهدفين أسر بأكملها رفضت إخلاء مساكنها، وسرعان ما أعقبت موجات الاعتقال المذكورة أنباء عن وقوع حالات إعدام جماعية فورية، إذ كان من الأنباء التي تلقتها منظمة هيومن رايتس ووتش في تلك الآونة نبأ حادثة إعدام نحو 2500 من أبناء إحدى القرى في أغسطس/آب 1992، بعد أن قام الجنود بالقبض على الضحايا، وكان من بينهم نساء وأطفال، في أهوار الشبابيش (غربي القرنة) إلى جانب الذين أُسروا من مقاتلي المعارضة من أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. وطبقاً للشهادات التي أدلى بها البعض لمنظمة هيومن رايتس ووتش، ومن بينها شهادة أحد الناجين، نُقل هؤلاء إلى معسكر حربي في شماليّ العراق، حيث أُعدموا خلال فترة بلغت نحو أسبوعين (34). وأورد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بالعراق تفاصيل الأنباء المماثلة التي تلقاها (35).