Egypt


مصر
Egypt

  • ملخص
  • السياق العام
  • نظرة عامة
  • القبض على الأطفال وترحيلهم
  • مقار الاحتجاز
  • قانون الطفل
  • عوائق مؤسّسية
  • المعايير الدولية
  • توصيات
    الملاحق :
  • الملحق الأول
  • الملحق الثاني
  • الملحق الثالث
  • الملحق الرابع
  •  

    متهمون بأنهم أطفال

    إساءة معاملة الشرطة المصرية للأطفال المحتاجين للحماية

    5 مقار الاحتجاز في أقسام الشرطة

    "الحكومة كافرة , العساكر يشتمونا ويبهدلونا . من حوالي أربع أو خمس أيام مسكوني العساكر , وقضيت ليلة بقسم الشرطة بتاع الكُبار ومش [بقسم الأحداث] في الأزبكية . وبالقسم ضربني ضابط بالبُنيّة [بقبضة يده] على ظهري , وما قالشِ حاجة . وبعدها عملولي محضر تحرّي وخدوني الحجز . الحجز موجود تحت , غرفة صغيرة يمكن 2 في 4 متر . كنّا كُتار , بنات وستات . ما كانشِ في أكل , والستات إللي جالهم زوّار , أعطونا أكل . ومشّوني تاني يوم . وما حدّش جا خدني . مشيت بعد العشا ."
    - هدى ل. , أربعة عشر عاماً . القاهرة , مصر , 17 تموز (يوليو) 2002 .

    تتطلب تعليمات وزارة الداخلية بأن يُحتجز الطفل "المعرّض للانحراف" في حجز مخصص للأحداث في إدارات رعاية الأحداث في المحافظات المختلفة , وذلك حتى النظر في قضيته من قبل النيابة العامة . ووفقاً لمسئولين في وزارة الداخلية , يمكن احتجاز الأطفال لفترات قصيرة جداً في مقار احتجاز البالغين في أقسام الشرطة , ويجب فصلهم عن المحتجزين البالغين , وذلك حتى نقلهم إلى مقر احتجاز خاص بالأحداث . وأخبر اللواء سيّد محمدين , مدير الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث , منظمة هيومان رايتس ووتش "حسب القاعدة , يجب ألاّ ينام الأطفال في أقسام الشرطة [الخاصة بالبالغين] , ويجب نقل الأحداث إلى [حجز الأحداث في] الأزبكية بسرعة , لأنه لا يوجد مكان لنوم الأحداث في أقسام الشرطة ." وفي اعتراف واضح بأن هذه القاعدة لا تُتبع دائماً , أضاف اللواء سيّد محمدين بأن إدارته قد أصدرت تعليمات مشدّدة لكافة ضباط الشرطة بأنه "حالما يُنهي أفراد الشرطة , الذين ألقوا القبض على الطفل , إعداد محضر التحرّي , يجب ترحيل الطفل إلى مقر احتجاز للأحداث , ويجب أن يتم ذلك في اليوم التالي من إلقاء القبض على الطفل , وأن لا يستغرق ذلك أكثر من أربعة وعشرين ساعة تحت أي ظرف ... [ولكن] من الممكن أن يكون هناك مشاكل في أقسام الشرطة الخاصة بالبالغين بسبب الضغط الناجم عن ارتفاع عدد المقبوض عليهم أثناء حملات القبض على الأطفال 'المعرضين للانحراف' ." ووفقاً لما قاله اللواء سيّد محمدين , ففي الظروف الطبيعية , وعند إرسال طفل إلى حجز خاص بالبالغين , يفترض أن إنهاء الإجراءات والبدء بعملية ترحيل الطفل إلى حجز الأحداث تتم خلال "ساعة أو ساعتين" [100] .

    وبالمقارنة مع المزاعم الحكومية , قال الأطفال الذين قابلناهم , بأنهم عادة ما يمضون في الحجز ليلة واحدة على الأقل , وأحياناً عدة ليال , مع محتجزين جنائيين بالغين في مقار احتجاز في أقسام الشرطة , وذلك قبل نقلهم لمقار احتجاز الأحداث . وفي العديد من الحالات , قال الأطفال أنه تم القبض عليهم ومن ثم أُطلق سراحهم , دون أن يُنقلوا إلى مقار احتجاز الأحداث على الإطلاق . إن احتجاز الأطفال في مقار احتجاز البالغين , يُعرّضهم لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان على يد المحتجزين الجنائيين البالغين , وعلى يد الشرطة , ومن ضمن ذلك الإيذاء والعنف الجنسيين , والضرب من قبل الشرطة , والعنف من قبل المحتجزين الآخرين . إن الظروف شديدة السوء في مقار الاحتجاز المخصصة للبالغين , والتي تتضمن الازدحام , والحرمان من المتطلبات الأساسية , مثل الطعام والعناية الطبية والفراش , عادة ما تكون من الشدة بحيث أنها تعرض صحة الأطفال وصالحهم للخطر , وفي العديد من الحالات فإنها تساهم بصورة مباشرة باحتمالية تعرض الأطفال للابتزاز والاستغلال والعنف من قبل الشرطة أو المحتجزين الآخرين .

    يعاني الأطفال المحتجزين في حجز الأزبكية التابع لإدارة رعاية الأحداث في مديرية أمن القاهرة , من انتهاكات خطيرة لحقوقهم الإنسانية , على يد أفراد الشرطة والمحتجزين الآخرين . وكان جميع الأطفال التسعة عشر , الذين قابلتهم منظمة هيومان رايتس ووتش , وممن كانوا قد احتجزوا لمرة واحدة على الأقل في حجز الأحداث في الأزبكية , قد أوردوا أن افراد الشرطة هناك قد ضربوهم و/أو تحرّشوا بهم جنسياً . كما أن الشرطة في الأزبكية عادة ما تخلط في الحجز الأطفال صغار السن مع الأكبر سنّاً , والاطفال المعتبرين "معرضين للانحراف" مع الأطفال المتهمين أو المدانين بارتكاب جرائم خطيرة , مما يعرض الأطفال إلى خطر العنف والابتزاز , وخطر أن يُجندوا في نشاطات منافية للقانون . إن وضع تزويد الأطفال بالطعام والعناية الطبية والفراش والمتطلبات الأخرى , لهو أفضل في حجز الأحداث في الأزبكية , مما هو عليه الحال في مقار الاحتجاز في أقسام الشرطة المخصصة للبالغين , ولكنه مع ذلك يشكل انتهاكاً للمعايير الدولية الخاصة بالتعامل مع الأطفال المجردين من حريتهم .

    الضرب من قبل الشرطة

    يقوم أفراد الشرطة في مقار الاحتجاز الخاصة بالبالغين , وفي حجز الأحداث في الأزبكية , وبصورة معتادة , بضرب الأطفال "المعرضين للانحراف" باستخدام الأيدي والعصي . وإضافة إلى ذلك , أحياناً ما يقوم أفراد الشرطة في مقار احتجاز البالغين , بضرب الأطفال مستخدمين خراطيم مطاطية أو سياط , بينما كثيراً ما يستخدم أفراد الشرطة في الأزبكية الأحزمة في ضرب الأطفال . إن استخدام الشرطة للضرب لهو من الشيوع بحيث أن الأطفال الذين قابلناهم , قد وصفوا تعرضهم للضرب بأنه ما هو إلا مرحلة يمرون بها , ما بين إلقاء القبض عليهم وإطلاق سراحهم . وقالت سميرة ي. , خمسة عشر عاماً , " أول حاجة يعملوها إنهم يخدونا القسم علشان يحرروا محضر التسوّل , وبعد كده يخدونا مديرية الأمن [للتأكد من عدم وجود أوامر معلقة بالقبض عليهم] , وبعد كده يرجعونا القسم . ولمّا ما يلاقوش [أوامر معلقة بالقبض عليهم] , يضربونا ويمشّونا" [101] .

    عادة ما تقوم الشرطة المصرية بتعذيب المحتجزين وإساءة معاملتهم , من أجل الحصول على معلومات [102] . ومع هذا لم يتعرض أي من الأطفال الذين قابلناهم للضرب من أجل انتزاع معلومات . ووصف سيف س. , أربعة عشر عاماً , الضرب الذي حدث في قسم شرطة الجيزة , أثناء حملة لإلقاء القبض على الأطفال جرت قبل بضعة أشهر من مقابلتنا معه , وقال "كنا موجودين في زنزانة كبيرة مع الكبار , وكان أصغر عيّل شفته هناك , عنده حوالي حداشر سنة . أنا وصحابي الستة كلنا عندنا تلاتاشر أو اربعتاشر أو خمستاشر سنة . وجُم العساكر وضربونا بشومة [عصا غليظة] وخرطوم [مطاطي] . وما قالوش ليه , ما قالوش أي حاجة" [103] . وقال طارق أ. , ستة عشر عاماً , "قبل حوالي شهرين كنت بالمترو مع واحد صاحبي والعساكر مسكونا . خدوني [إلى حجز البالغين في قسم شرطة الأزبكية] وضربوني . ما قالوش أي حاجة . هم بس يضربوك بالعصاية . وبقيت هناك حوالي خمس أيام وبعدين روحوّني البيت" [104] .

    من الظاهر أن ضرب الشرطة للأطفال "المعرضين للخطر" يحدث , وإلى حد بعيد , لمعاقبتهم , وتُتعمّد معاقبتهم إمّا من غير سبب واضح , أو بسبب مخالفات بسيطة يرتكبها الأطفال وهم محتجزين . وقد أخبرنا أمين شرطة متوسط الرتبة من قسم شرطة بولاق الدكرور , بأنه يقوم بضرب الأطفال من أجل أن يثنيهم عن البقاء في الشوارع , بالرغم من أنه يشك بأن الضرب هو رادع فعّال , وقال " أضربهم ويرجعوا , أخنقهم ويرجعوا . العيال دوول قضية ضايعين" . كما أعرب أمين الشرطة ذاته عن تذمره من أن الأطفال لا يعاملون بشدة كافية في مؤسسات الرعاية الاجتماعية الحكومية , وعبّر عن رغبته بسلطات أوسع لمعاقبة الأطفال , وقال " أروح [إلى مؤسسة دور التربية للرعاية الاجتماعية] علشان أسلّم طفل , والاقي الباب مفتوح والعيال بيلعبوا الكورة برّا . المعاملة دي مش صحيحة . دا مش إصلاح . العيال دوول عايزين نظام شديد يجازيهم لمّا يعملوا حاجة غلط , وعشان يتعوّدوا السلوك الصحيح . زيّ الجيش . لو ادّيتني عيّل لتلات شهور , حاعلّمه السلوك السليم وأنه ما يعملش حاجة غلط تاني" [105] . ووصفت إمرأة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً , حالة ضرب مُهينة بصورة خاصة , تعرضت لها عندما أعادت الشرطة القبض عليها بمعية صديقات أصغر منها سناً , وذلك خلال حملة لإلقاء القبض على الأطفال جرت بعد يوم واحد فقط على خروجهن من الاحتجاز , وقالت "الضابط ضربني بالجزمة على دماغي وعلى رجليّا . وقال لي 'مش انا لسه ممشيكي؟ ما تجيش هنا تاني , ولو شُفتك مرّة تانية حاعملّك قضية علشان أتأكّد , إنُك مش حتشوفي الشمس تاني' ." [106]

    أخبَرَنا الأطفال الذين كانوا قد احتجزوا في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , بأن أكثر الإساءات في ذلك المكان تُرتكب من قبل أصحاب رُتبة المخبر (وجمعها مخبرين) , والعسكري (وجمعها عساكر) , وهي رتب متدنية يقوم حاملوها على مساعدة الضباط الأعلى رتبة أوعلى الحراس . وقال طارق أ. , ستة عشر عاماً , "أوحش حاجة في الأزبكية هُم المخبرين , وتملّي نازلين يضربوا فينا . أنا ما اعرفش هُمَّ بيضربونا ليه . والضباط الكبير ما بيمنعهُمش . المخبرين أوحش حتى من الكبار في الزنزانة [الموجودة في قسم الشرطة الخاص بالبالغين] " [107] . أمّا ناصر ي. فقد حدّد بالاسم إمرأة موظفة قال أنها "بتضربنا بالحزام" , ولكنه لم يكن يعلم إذا ما كانت تلك المرأة ضابط شرطة أم باحثة اجتماعية في الشرطة [108] . وقد قال أحد الخبراء ذو اطلاع جيد على الأوضاع في الأزبكية , لمنظمة هيومان رايتس ووتش , أن أشد مصادر الخطر على الأطفال في تلك المؤسسة , هم الموظفون ذوي التدريب السيء . وقال "منذ العام 1996 جرت تحسينات كبيرة على البنية التحتية في الأزبكية , ولكن يجب أن يكون هناك تدريب لأفراد الشرطة وللاخصائيين الاجتماعين . وليس المهم ترميم المبنى بل المهم هو تدريب العاملين على التعامل مع الأطفال . المخبرين هم من يلقي القبض على الأطفال أولاً , وهم من يتعامل مع الأطفال لاحقاً في أقسام الشرطة . وهم بحاجة إلى تدريب ." [109]

    روى الأطفال وباستمرار , بأن الحراس في حجز الأزبكية للأحداث يضربونهم باستخدام الأحزمة , أذا تشاجروا فيما بينهم أو أصدروا ضجّة أو بسبب مخالفات بسيطة أخرى . وفي بعض الحالات يقوم الحراس بضرب جميع الأطفال في إحدى الزنازين لأن أحد الأطفال قد أساء التصرّف . وقال مروان أ. , ثلاثة عشر عاماً , "كل شويّة يضربونا . بيضربونا بالحزام . ولماّ يجوا الصبح يصحّونا , يصحّونا بالحزام . وإذا حد قال أي حاجة , يروحوا ضاربينّا كلّنا ." [110] وقال يحيى أ. , أحد عشر عاماً , "شفت العسكري إللي بيجيب الشاي , ضرب عيّل لأنّنا كنّا بنهزّر , ضربه على دماغه وكتافه بالحزام" [111] . وأخبَرَنا عبدالله أ. , أربعة عشر عاماً , "المخبرين الكويسين يحيبولنا أكل , والوحشين بيضربونا . أنا ما اضّربتش , بس شفتهم بيضربوا التانيين , بيضربوهم بالحزام , بيقلعوا الحزام ويضربونا بالحتّة الجلد ." [112] أمّا منصور ن. خمسة عشر عاماً , والذي قدِمت عائلته إلى القاهرة قبل بضعة سنوات , فقد أخبَرَنا بأن أفراد الشرطة في الأزبكية قد ضربوه قبل بضعة أيام , لأنه رفض أن يقول أنه من منطقة أخرى , بعد أن قبضوا عليه بقرب محطة رمسيس للقطار . "المخبر قال لي إن انا من عين الصيرة , وبعد كده ضربني بالحزام . ولسّه فيه علامات ضرب على ظهري ." [113] وقالت وداد ت. , ستة عشر عاماً , "بيضربونا بالحزمة , وأهم حاجة أنهم يبطّلوا يضربونا ." [114]

    في حالات قليلة , وصف الأطفال تعرضهم للضرب لفترات طويلة , مما تركهم غير قادرين على الوقوف . ووصف ربيع س. , ثلاثة عشر عاماً , الضرب الشديد الذي تلقاه في حجز محرّم بك للأحداث في الاسكندرية , وقال "وقفوني جنب عامود , وبعدين مسكوا رجليّا وضربوني بالفلكة على رجليّا بخرطوم تخين زي بتاع السقاية ." ولدى سؤاله عن سبب تعرضه للضرب , أجاب "عشان كنت بكحّ " . ولدى سؤاله عمّا إذا كان رجال شرطة آخرون قد رأوه يُضرَب , أجاب "جه الكابتن وسأل العسكري , 'انت بتضربه ليه؟' والعسكري قال 'لأنه نشّال' ." [115]

    الإيذاء والعنف الجنسيان ضد البنات

    "العسكري بقا يقوللي ' إنتِ مرة ' وفِضل يقول لي كده . وانا فضِلت اقول له 'لأ , أنا بنت' . وامبارح قال ' إن كنتِ بنت بصحيح , اقلعي هدومك عشان نكشف عليكي .' وبعدين مسك صدري , لكن انا ضربته ."
    _ وردة ن. , ستة عشر عاماً , القاهرة , مصر , 27 تموز (يوليو) 2002 .
    إن الإيذاء والعنف الجنسيان من الحراس والضباط الذكور المشرفين على الأطفال , هما مشكلة خطيرة يواجهها الأطفال في كلا من مقار احتجاز البالغين في أقسام الشرطة , وفي حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية . [116] وكثيراً ما يستخدم أفراد الشرطة لغة فاحشة ومهينة , لإذلال الأطفال المحتجزين لديهم وإخافتهم . وخلال مقابلاتنا مع الإطفال , كانوا باستمرار يدرجون هذه الألفاظ بوصفها واحدة من شكاويهم الرئيسية , إضافة إلى الضرب من قبل الشرطة والاحتجاز التعسفي لفترات طويلة . وبينما ذكر كلا من الأولاد والبنات عن تعرضهم لأنواع محددة من الألفاظ الجارحة - أوجزتها إحدى الطفلات بِ " يشتموا دينّا وأمهاتنا وأبهاتنا" - , إلاّ أن أفراد الشرطة عادة ما يخصّون البنات اللاتي يُقبض عليهن بسبب الدعارة أو لكونهن "معرضات للانحراف" بتحرّش جنسي شديد . وأحياناً ما يكون هذا الإذلال اللفظي مقدمة لأنواع أخرى من الإيذاء الجنسي أو العنف الجنسي , إذ يتضح أن أفراد الشرطة يفترضون أن البنات اللاتي يُقبض عليهن بسبب هذه التهم , هنّ مُتاحات جنسياً , وأنهن قد أسقطن حقهن برفض الإتصال الجنسي . أمّا البنات اللاتي يُعرف بأنهن يقمن علاقات جنسية مع إفراد من الشرطة , مقابل حمايتهم من الرجال الآخرين (راجع الابتزاز من قبل الشرطة , فيما سلف) , فهن أيضاً معرّضات أكثر من غيرهن للإيذاء والعنف الجنسيين من قبل الشرطة .

    وكما هو الحال مع الضرب الذي يقوم به أفراد الشرطة , أخبَرَنا الأطفال بأن أكثر حالات الإيذاء والعنف الجنسيين تُرتكب من قبل أفراد شرطة من ذوي الرتب المتدنية , وممن بإمكانهم الوصول إلى الأطفال بصورة منتظمة ومن غير وجود رقابة . وكثيراً ما يقوم الضباط من ذوي الرتب العالية بالتغاضي عن الإيذاء والعنف الجنسيين , والامتناع عن معاقبة مرتكبيها , كما أن البنات اللاتي يقمن برفع شكاوى بخصوص الإيذاء والعنف الجنسيين , عادة ما يواجهن الانتقام من قبل من أساء إليهن أو من قبل الضباط الأعلى رتبة . ووصفت نورا ن. , تسعة عشر عاماً , الإيذاء الجنسي الذي يحدث بصورة معتادة للبنات و النساء المحتجزات في قسم شرطة قصر النيل , من قبل إفراد الشرطة الذكور الذين يحرسون الزنازين , وقالت "فيه عساكر وحشين , بيمسكوا صدور البنات أو يقولوا حاجات وسخة . الضباط ما بيعملوش كده . فيه ضباط بيسيبوا العساكر يعملوا زي ما هُمَّ عايزين , وفيه ضباط يجازوهم ." [117] وأخبَرتنا سميرة ي. , خمسة عشر عاماً أن "قسم روض الفرج مشهور بوساخة العساكر هناك . بيقولوا حاجات وسخة وحاجات عيب للبنات. " وبحسب ما قالته سميرة , فإن البنات اللاتي يرفعن شكاوى , عادة ما يتعرضن للعقاب من قبل ضباط ذوي رتب عالية , أو أنهن يُحتجزن لفترات أطول . وقالت , "فيه بنات بيضحكوا معاهم علشان الشرطة تسيبهم بحالهم . وفيه بنات بيتحمّلوا وبيكتموا في قلبهم . وفي آخر مرّة [تعرضنا للاحتجاز] كنّا دايماً ساكتين , لأننا كنّا محجوزين بقالنا مدّة طويلة , وما كُنّاش عايزين نفضل محجوزين أكتر من كده ." [118] أخبَرتنا آمال أ. , ستة عشر عاماً , بأن أحد الضباط في قسم شرطة الساحل قد قام بضربها حتى انهارت على الأرض , وذلك لأنها ردت شتيمة على حراس ذوي رتب متدنية كانوا قد استخدموا ألفاظاً جنسية مهينة في شتم أمها . وقالت : "عساكر المركز بيشتمونا بأمهاتنا, وساعات بيضربونا . أنا أمي ميّتة , وعشان كده ما بخليش حد يشتمها , ولما العساكر يشتموني برُدّ عليهم وبشتمهم . وساعات يروحوا يقولوا للضابط , وساعتها يجي الضابط ويضربني . هو عمل كده مرتين - هو نفس الضابط , شتمني وخلاّني أقف وبقى يضربني بالعصاية , ولما كنت أقع على الأرض كان يوقفني تاني . ضربني على جسمي كلّه - من راسي لرجليّا ." [119]

    من الصعب تقدير مدى انتشار ظاهرة الإيذاء والعنف الجنسيين , من قبل أفراد الشرطة ضد البنات المحتجزات . ولكن كان من الواضح أن البنات اللاتي قابلناهن كنّا يخشين الإيذاء والعنف الجنسيين من قبل الشرطة . وأخبرتنا عدة بنات بأن الإيذاء والعنف الجنسييان , هما من الأمور الشائعة في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , حتى أنهن أشرنَ إلى شرطي بعينه , بوصفه معروف باغتصاب البنات , ولكنهن امتنعن عن مناقشة حالات محددة . وقالت وداد ت. , ستة عشر عاماً , "أنا سمعت عن الكابتن [س] في الأزبكية , سمعت أنّه بيعمل حاجات وِحشه للبنات ." [120] وتحدثت البنات عن حالات أخرى , حيث أنهن أو بنات أُخريات قد تجنبن التعرض للاغتصاب , فقط لأن البنات الأخريات انضممن للمساعدة في ضرب الحارس الذي كان يهاجمهن .

    وبالإضافة إلى امتناع السلطات عن إجراء تحقيقات بخصوص الإيذاء والعنف الجنسييين من قبل الحراس , ومعاقبة مرتكبيها , فإن سوء تصميم المبنى وقلة عدد ضابطات الشرطة من النساء , يساهمان بشكل كبير بتعرّض البنات للإيذاء والعنف الجنسيين , على يد الحراس الذكور في حجز إدارة رعاية الأحداث في الزبكية . ووفقاً لما قاله مدير هذه المؤسسة , لا تعمل ضابطات الشرطة في المبنى بعد الساعة العاشرة ليلاً , ولا تتواجد باحثات الشرطة في المبنى إلاّ ما بين الساعة التاسعة صباحاً والواحدة والنصف من بعد الظهر [121] . وعندما قام باحثوا منظمة هيومان رايتس ووتش بإجراء جولة في المبني في وقت ما بعد الظهر من يوم 27 تموز (يوليو) 2002 , لم يشاهدوا أي ضابطة شرطة أو حارسة أو باحثة شرطة , في أي وقت خلال جولتهم التي استغرقت ثلاث ساعات [122] . يقع كلا من زنزانة البنات وحمام البنات , إلى جوار مقر الحراس مباشرة , مما يسهّل من إمكانية وصول الحراس الذكور إلى إلى البنات المحتجزات , وفي كل الأوقات . وعلى البنات في حالة ذهابهن إلى الحمام أن يغادرن الزنزانة , وخلال هذا الوقت يسهل فصلهن عن حماية رفيقات الزنزانة الأخريات.

    قامت باحثة من منظمة هيومان رايتس ووتش بإجراء مقابلات مع ثلاث من البنات الأربعة اللاتي كن محتجزات في حجز إدارة رعاية الإحداث في الأزبكية , في يوم زيارتنا للمبنى [123] . وقالت اثنتان من البنات أن حارساً قد قام بإيذاءهما جنسياً بعد فتره وجيزة من وصولهما للحجز ؛ وقالت البنت الثالثة انها كانت قد تعرضت للإيذاء الجنسي على يد حارس , قبيل وصولها إلى الأزبكية , وأثناء وجودها في سيارة الترحيلات التابعة للشرطة [124] . وتوضّح التجربة التي مرّت بها وردة ن. والتي استشهدنا فيها في مطلع هذا الفصل الفرعي من التقرير , إحدى الطرق التي يستخدم فيها الحراس في حجز الأزبكية الألفاظ الجنسية لإخافة البنات وإكراههن على الاتصال الجنسي . وأخبرتنا وردة البالغة من العمر ستة عشر عاماً أنها تركت منْزل عائلتها قبل حوالي سنة ونصف , بعد أن حاولت زوجة أبيها أن تجبرها على العمل كعاهرة . ومنذ هربها تعرضت للاغتصاب مرتين . وكان قد قُبض على وردة في إحدى مدن القناة , وذلك عندما التجأت للشرطة من أجل حمايتها من مجموعة من الأولاد كانوا يلاحقونها . وقالت "سلّمت نفسي لأنّي كنت خايفة من الأولاد , بس العساكر ما صدقونيش , وقالوا عني شرموطة ." وكما أشرنا أعلاه , يقوم أحد الحراس بالإساءة إليها لفظياً , وبصورة مستمرة تقريباً , منذ وصولها إلى الأزبكية , كما أنه قد هاجمها جسدياً في إحدى المرات [125] .

    أخبَرَتنا هاله س. , خمسة عشر عاماً , أن الشرطة قبضت عليها في اليوم السابق , وذلك على أثر شجارها مع مجموعة من الأولاد , وقد أخبروا الشرطة فيما بعد أنها سرقت منهم 5 جنيه (1.1 دولار) . وكما حصل لوردة , فحالما وصلت أخذ الحراس بالتحرّش بها مستخدمين ألفاظاً جنسية . وقالت "العساكر هنا بيشتمونا بكلام وسخ . يقولولنا 'شراميط' , وحاجات زي كده" . وأخبرت هاله منظمة هيومان رايتس ووتش أن حارساً حاول اغتصابها في الزنزانة في أول ليلة تمضيها في الأزبكية , "بسّ احنا ضربناه , فقام هوّ ضربنا وخرج" . وأخبرتها بنت أخرى عن اعتداء مماثل حصل في الليلة السابقة لوصولها , وكانت هي والبنات الأخريات يخشين من تعرضهن للاعتداء من جديد . وكإجراء احترازي , لا تغادر البنات الزنزانة ليلاً من أجل الذهاب إلى الحمام المجاور , حتى وإن كان ذلك يعني انه "ساعات بنعملها على روحنا , بدال من نطلع في الليل " . وتوقعت هاله أن تقضي ثلاث ليال أخرى في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , قبل أن تُرحّل إلى محافظتها الأصلية [126] .

    الاحتجاز مع محتجزين جنائيين بالغين

    "كنت في قسم شرطة الجيزة لمدة أسبوع قبل ما يبعتوني الأزبكية . وفي قسم الجيزة كنا مع حرامية , ضربونا وخلّونا نقعد بالحمام . الزنزانة كانت كبيرة قوي , وكان فيها كبار وصغار . أصغر عيل كان هناك عنده تسع سنين , اسمه سليمان . كان الكبار يضربونا ويقولوا لنا ' ورا , ورا ' , ويخلونا نقعد في الحمّام . كان فيه تلات حمامات , كلّهم مليانين بالميّة والقرف . خلونا نقعد هناك . "
    _ أنور ر. , خمسة عشر عاماً , القاهرة , مصر , 9 تموز 2002 .
    إن احتجاز الأطفال مع بالغين من غير أقاربهم يضعهم في خطر كبير لأن يتعرضوا إلى الإيذاء , كما أنه محظور بموجب اتفاقية حقوق الطفل وبموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية [127] . ومع ذلك , كان خمسة عشر طفلاً من الأطفال الخمسة وثلاثين الذين قابلتهم منظمة هيومان رايتس ووتش , وممن قُبض عليهم في السابق , قد احتجزوا مع محتجزين جنائيين بالغين لمرة واحدة على الأقل . وأورد أولئك الأطفال أنهم احتجزوا مع بالغين ليسوا من أقاربهم , في مقار احتجاز أقسام الشرطة المخصصة للبالغين , ولفترات تراوحت ما بين يوم واحد إلى ثلاثة أيام , وتمتد أحياناً لمدة أسبوعين . كما أوردت البنات عن احتجازهن مع نساء محتجزات بالغات , بينما كان من المعتاد حجز الأولاد مع رجال [128] .

    كان الأطفال الذين أجرت معهم منظمة هيومان رايتس ووتش مقابلات , قد احتجزوا في واحد أو أكثر من إثني عشر من أقسام الشرطة الخاصة بالبالغين في منطقة القاهرة الكبرى [129] . وتحدثوا عن زنازين كبيرة ومزدحمة وغير صحية , الإشراف عليها قليل ويشيع فيها العنف . وكان الوصف الذي قدمه ياسر أ. , أربعة عشر عاماً , نموذجاً لتجارب العديد من الأطفال , إذ يقول " آخِر مرة اتقبض عليّ فيها , كانت الشهر اللي فات . العساكر مسكوني مع عيلين تانيين , بسّ لما رحنا للقسم كان فيه عيال كتير . وفضِلت هناك حوالي أسبوع . كنّا في قسم السيدة زينب . وانا كنت في زنزانة كبيرة قوي , كان فيها ناس كتير كبار وصغار ... وكان فيه اتنين كبار اتخانقوا وتعوّروا , واحد منهم اتعوّر في رقبته , والتاني اتعوّر بسكينة في كتفه . العساكر ما عملوش أي حاجة ." [130] ووصف طارق أ. , ستة عشر عاماً , حادثة احتجازه في الحجز المخصص للبالغين في قسم شرطة الأزبكية , قبل شهرين , وقال "كنت في زنزانة كبيرة , تيجي قد تلات غرف , وكان معايا واحد صاحبي . وكان فيه معانا عيال اكبر مننا وعيال اصغر مننا , واصغر واحد فيهم كان عنده عشر سنين . وكان معانا كبار برضُه , وكانوا يضربونا , وانا اتضربت كتير . فِضلنا هناك حوالي خمس أيام , وبعدين روحوني البيت ." [131]

    عادة ما تكون مقار احتجاز النساء والبنات في أقسام الشرطة , أصغر من مقار احتجاز الرجال والأولاد , ولكنها جميعاً تشترك بمشاكل الازدحام والأوضاع غير الصحية , وقلة الأشراف والعنف . وقالت إلهام ن. , خمسة عشر عاماً , "في حجز نقطة شرطة أحمد حلمي , كانت الريحة ما تطاقشِ من الوساخة اللي هناك . أول ما وصلت هناك , كان فيه وحدة ست [محتجزة] في الحجز , وخلّتني انظف الحجز كُلّه . كان فيه حمام صغير في الحجز وجبت الميّه منّه . ما كانشِ في حد إلاّ احنا , أنا والست الكبيرة . وتاني يوم جه بنتين وولد , وكانوا يتخانقوا ويقطّعوا هدوم بعض , بعدين جه الضابط وضربهم كلهم بأيده , ضرب جامد ." [132] وقالت آمال أ. , ستة عشر عاماً , "ساعات يكون في الحجز ستات وحشين بيشتمونا ويضربونا , بسّ أكتر المرّات الستات يكونوا كويسين ." [133]
    لا تقوم الشرطة المصرية بتوفير الطعام والفراش أو العناية الطبية المنتظمة للمحتجزين في مقار احتجاز أقسام الشرطة الخاصة ببالغين , وهكذا فإمّا أن يأتي للمحتجزين زوّار ويحضرون لهم الطعام والبطانيات والأدوية , وإمّا أن يقوموا برشوة الحراس من أجل شراء هذه المواد لهم . وفي حالة الأطفال الذين يُقبض عليهم في الشوارع بتهمة كونهم "معرضين للانحراف" , فنادراً ما يزورهم أحد , ففي العادة لا يعلم أولياء أمرهم بأنهم محتجزون حتى صدور قرار بإعادتهم إلى بيوتهم , وفي بعض الحالات لا يتم إخطار أولياء الأمر على الإطلاق . وحتى لو علِم أولياء الأمر بمكان احتجاز الأطفال , فإن بعد المسافة والفقر والغضب من الأطفال أو الخوف من الشرطة , قد يمنعهم من زيارة قسم الشرطة . ووفقاً لما قاله أحد موظفي منظمة غير حكومية تعمل على لم شمل أطفال الشوارع مع عائلاتهم , "إن معاملة الشرطة لأهالي الأطفال يزيد الوضع سوءاً " , لأن الأهل الذين يُجبرون على الحضور إلى أقسام الشرطة لأخذ طفل إلى رعايتهم , عادة ما يتعرضون للشتائم وللانتظار فترات طويلة , وفي بعض الأحيان يُجبرون على دفع غرامات . "يشعر الأهل بالإهانة , ويقتصّون من الطفل بسبب ذلك" وهذا بدورة يشجع الأطفال على إعطاء الشرطة اسماء وعناوين وهمية . [134]

    وعند انعدام قدوم الزوار , يكون على الأطفال ممن لا يملكون نقوداً لرشوة الحراس , أن يتسوّلوا الحصول على الطعام والأغطية من المحتجزين الجنائيين البالغين . وقالت سميرة ي. , خمسة عشر عاماً , "في قسم روض الفَرَج , الستات والبنات يكونوا موجودين في غرفة قد نُص الغرفة دي [أي نصف مساحة غرفة 3.5 متر × 3.5 متر] . وننام على الأرض من غير بطانيات . وما فيش أكل ؛ وبناكل من الأكل اللي يجيبوه زوار الستات التانيين ." [135] ووصف يوسف ح. , ستة عشر عاماً , ثلاثة أيام أمضاها في قسم شرطة عابدين قبل شهر من حديثنا معه , وقال "الكبار يكونوا مخلوطين مع الصغار في نفس الزنزانة في عابدين , أصغر عيّل كان هناك , كان عنده خمس سنين , وبعدُه كان في عيّل عنده سبع سنين ... وما فيش بطانيات ؛ ونمنا على البلاط . ساعات يكون فيه وسَع عشان الواحد يمد طوله وساعات ما مفيش . وما كنتش باخد أكل من البوليس , كنت باخد أكل من المحجوزين التانيين ." وعند سؤاله عن معاملة المحتجزين البالغين للأطفال , أنكر يوسف في البداية وجود مشاكل كبيرة , وبعد ذلك قال , "على أي حال العيال متعودين على كده ." [136]

    وبينما يتردد الأطفال في مناقشة تفاصيل علاقاتهم , مع المحتجزين البالغين الذين يزودونهم بالطعام , إلاّ ان اعتمادهم على المحتجزين الجنائيين البالغين في الحصول على المتطلبات الأساسية , من شأنه فقط أن يزيد من إمكانية تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي في داخل الحجز , وتجنيدهم في نشاطات إجرامية بعد خروجهم . وفي دراسة مسحية لعيّنة عشوائية مكونة من 104 أطفال , ممن كانوا قد احتجزوا في مقار احتجاز في القاهرة الكبرى والاسكندرية والمنيا , أورد أربعة وعشرون طفلاً أنهم شهدوا حالات عنف جنسي تعرض لها أطفال صغار بينما هم محتجزون , كما قال اثنا عشر طفلاً أنهم هم أنفسهم تعرضوا لاعتداءات جنسية . وقد تكون هذه الدراسة قد أظهرت عدداً منخفضاً من حالات الإيذاء والعنف الجنسيين من قبل البالغين , لأن بعض الأطفال المشمولين في العينة , محتجزون في مؤسسات عقابية لفترات قصيرة , أو في دور الملاحظة , حيث لا يوجد محتجزين بالغين . [137]

    أخبَرَنا بدر أ. , البالغ من العمر سبعة عشر عاما , إنه يتجنب قضاء الليل في الحجز من خلال علاقاته مع رجال الشرطة في قسم السيدة زينب , ولكنه سمع من أطفال آخرين عن العنف الجنسي من قبل البالغين هناك . وقال , "العسكري ما بيكونشِ دايماً شايف كل حاجة , وعشان كده ساعات بيحصل اغتصاب . وما حدِّش بيعمل حاجة [لمنع الاغتصاب] . يمكن مرّات يكون واحد عند الباب [باب الزنزانة] عشان يعرف انّه ما حدش يندَه على العسكري . عيل صُغيّر ما بين خمسين أو ستين واحد من الكبار - يقدر يعمل ايه ؟ العيّل اللي عنده عشرة والاّ حداشر سنة ما عندهوش أيّ فكرة يدافع عن نفسه ازاي ." [138]

    الامتناع عن فصل الأطفال بالشكل المناسب بحسب الفئة العمريه والتهم الموجهة إليهم

    "واحد من الأولاد التانيين ضربني على وشّي قبل نُصّ ساعة , كنّا بنتخانق . العساكر ما عَملوش أي حاجة."
    _ عبدالله أ. , أربعة عشر عاماً , حجز إدارة رعاية الأحداث في قسم الأزبكية , 27 تموز (يوليو) 2002 .
    يتعرّض الأطفال غير المحتجزين مع بالغين , أيضاً إلى خطر العنف وإساءة المعاملة , أو للتجنيد في نشاطات منافية للقانون من قبل أطفال آخرين , إذا لم يتم تصنيفهم وفصلهم بطريقة مناسبة , بحسب الحاجات والأوضاع الخاصة لكل طفل . قال المسئول عن مباحث رعاية الأحداث في وزارة الداخلية لمنظمة هيومان رايتس ووتش , أنه يوجد في حجز الأحداث في كل مديرية من مديريات الأمن , يتكونون من أثنتان أو ثلاثة باحثات وضابطات شرطة من النساء , ومن المسئوليات المناطة بهن , إعداد "بحث اجتماعي" عن أوضاع كل طفل , لكي يستخدم في تحديد التعامل مع كل طفل [139] . ومع ذلك , كان واحد فقط من الأطفال الذين قابلناهم , يتذكر أنه قد قابل إمرأة في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , وهي إمرأة قال الطفل أنها "بتضربنا بالحزام ." [140]

    على الرغم من أن حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , يحتوي على ست غرف مكتوب عليها زنازين الأطفال - خمس منها مكتوب عليها زنازين الأولاد لفئات عمرية متنوعة , وواحدة مكتوب عليها زنزانة البنات - إلاّ أننا وجدنا يوم زيارتنا للمبنى في تموز (يوليو) 2002 , أن ثلاثة فقط من الزنازين تستخدم بصورة منتظمة . كانت واحدة منها تحتوي على أربع بنات , والثانية تحتوي على تسعة أولاد كبار السن , والثالثة تحتوي على ثمانية أولاد صغار . [141] ووصف مدير حجز الأزبكية , العميد ياسر أبو شهدي , الأولاد الصغار بأنهم من "المعرضين للانحراف" , والأولاد الأكبر سناً بأنهم قد ارتكبوا جُنحاً . وكانت غرفتان أخريتان من الغرف المكتوب عليها أنها زنازين للأولاد , تستخدمان كمخزنين (راجع المادة اللاحقة) , وغرفة أخرى كانت فارغة سوى من سرير متعدد الأدوار وحيد . ووفقاً لما قاله المدير ياسر أبو شهدي , فالغرفتان المستخدمتان كمخزنين لم تستخدما قط لإيواء الأطفال , أما الغرفة التي تحتوي على سرير وحيد متعدد الأدوار , فأنها تستخدم فقط في وقت الضرورة , لعزل الأطفال المصابين بأمراض معدية . [142]

    أخبر المدير ياسر أبو شهدي منظمة هيومان رايتس ووتش , أنه يقوم بفصل الأطفال الذين يودعون الحجز , "اعتماداً على عدد الإطفال القادمين و أعمارهم . فإذا كان عندي عدد كبير من الأطفال وفئات عمرية عديدة , عندها سيكون علي و"غصباً عني" , أن اضع العديد منهم مع بعضهم برغم اختلاف فئاتهم العمرية , إذ لا يتوفر لديّ سوى اربع زنازين ." وأضاف المدير أنه , ومع محدودية المكان المتوفر لديه , فهناك أشياء لا يسمح بحدوثها : "لا أقبل دخول طفل لم يتجاوز سن الثلاث سنوات , ولا أضع فتاة قادمة بسبب قضية دعارة مع أيتام مثلاً ."[143] ومع ذلك , أعلَمنا أحد الخبراء وهو على دراية بالأوضاع في ذلك الحجز , أنه في الأحوال المعتادة , ألاّ تستخدم زنزانة "العزل" على الإطلاق , وأن الأطفال يصنفون فقط بناءً على الفئات العمرية , فهناك "زنزانة واحدة للبنات من جميع الأعمار , وواحدة للأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين اثني عشر عاماً وخمسة عشر عاماً , وواحدة للأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمسة عشر عاماً وثمانية عشر عاماً ." [144]

    إن هذا المستوى من التصنيف غير كافي على الإطلاق للإيفاء بالمتطلبات الشخصية المحددة لكل طفل , ولضمان حمايتهم من التأثيرات السيئة والأوضاع الخطرة . ومما يثير القلق بشكل خاص , هو توفير زنزانة واحدة فقط للبنات , وذلك لأن البنات اللاتي تتم إدانتهن بارتكاب جرائم خطيرة في المحافظات الأخرى , عادة ما يُحتجزن لفترة ما في حجز إدارة رعاية مباحث الإحداث في الأزبكية , قبل وصولهن إلى المكان التي سيقضين بها مدة محكوميتهن . [145] ومن شأن هذا فعلياً أن يضمن بأن البنات اللاتي يحتجزن بسبب التغييب عن المدرسة أو التسوّل أو الهروب من المنْزل أو التشرّد , سيحتجزن مع بنات أكبر عمراً منهن بكثير ممن ارتكبن جرائم خطيرة .

    وقد أخبَرَنا الأولاد والبنات الذين كانوا قد احتجزوا في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , أنهم عادة ما كانوا يحتجزوا مع أطفال يكبرونهم أو يصغرونهم سناً بكثير , واشتكى الأولاد من أن الحراس نادراً ما كانوا يتدخلون عندما يقوم الأولاد الأكبر سناً أو حجماً , بضرب الأولاد الأصغر سناً أو حجماً . وعندما قمنا بمقابلة الأطفال المحتجزين في الأزبكية في شهر تموز (يوليو) 2002 , كان خد أحد الأطفال محمرّاً بصورة ملحوظة , وعندما سألناه عن سبب ذلك , أجاب عبدالله أ. , البالغ من العمر أربعة عشر عاماً , "واحد من الأولاد التانيين ضربني على وشّي قبل نُصّ ساعة , كنّا بنتخانق . العساكر ما عَملوش أي حاجة." [146] وأخبَرَنا أيمن م. البالغ 9 سنوات ، بأن الحراس كانوا يتدخلون عندما كان الأطفال يتشاجرون , أثناء فترة الخمس ليالي التي قضاها في في الأزبكية في بدايات شهر تموز (يوليو) , ولكنهم كانوا يتدخلون فقط لضرب الأولاد . وقال , "اتحجزت مع الأولاد , وكان اكبر واحد فيهم عندة اتناشر سنة , الأولاد الكبار شتموني وضربوا عيال تانيين , بسّ ما ضربونيش . كان في عيّل من عمري ضربني , وعشان كده ضربته . بعدين جه المخبر و ضربني وشتمني . كان الضابط ييجي ويضربنا كُلّنا لمّا يكون فيه خناقة بالزنزانة ." [147]

    العناية الطبية

    عادة ما يكون الأطفال الذين يُقبَض عليهم بتهمة أنهم "معرضين للانحراف" , يعانون من مشاكل صحية خطيرة قبل القبض عليهم . وكان أكثر الأطفال الذين قابلتهم منظمة هيومان رايتس ووتش , قد عاشوا في الشوارع لفترات زمنية طويلة , وهذا بدوره عامل يزيد بحدة خطر تعرضهم لمشاكل صحية مزمنة , ومن ضمنها أمراض الجلد , وفقر الدم , والالتهابات المعوية الطفيلية , والتهابات من جروح لم تُعالج , والإدمان على المخدرات , وسوء التغذية . [148] ويبدو أن لا أحد منهم مؤهّل للاستفادة من العناية الطبية الممولة من الحكومة للأطفال الذين في سن الدراسة , لأنهم غير مُلتحقين في المدارس في الوقت الحاضر . وأخبَرَنا الأطفال أنهم , ونتيجة لذلك , لا يسعون إلى الحصول على العناية الطبية إلاّ إذا أُصيبوا بإصابات خطيرة . [149] وقالت عزّة س. , أربعة عشر عاماً , "الروحة على مستشفى الحكومة تكلّف 3 جنيه , وزيادة عليهم حق الدوا . ساعات اكون عيّانة قوي , بسّ انا بضغط على نفسي ." [150]

    أمّا البنات اللاتي يعشن في الشوارع فعادة ما يعانين من مشاكل صحية إضافية , متعلقة بالخطورة الكبيرة في تعرضهن للاغتصاب , والحمل المبكّر , والافتقار العام للعناية بالصحة الإنجابية . وأخبَرَنا أخصائيون اجتماعيون يعملون في إحدى المنظمات غير الحكومية المهتمة بالبنات اللاتي يعشن بالشوارع , أن العديد من البنات قد تعرضن للاغتصاب , وأن جميع البنات يفتقرن للمعلومات عن الدورة الشهرية والحمل والعناية بالحمل . وقال مدير مركز الاستقبال المخصص لأطفال الشوارع , "علينا أن نعلمهم حتى الأشياء الأساسية , وأكثرهن لا يعرفن شيئاً عن النظافة الشخصية والدورة الشهرية . وعلينا أن نخبرهن ماذا عليهن أن يأكلن عند الحمل , وأن يتوقفن عن ممارسة شمّ الصمغ الصناعي لأن ذلك يؤذي الطفل في الرحم ." [151]

    ومن المعتاد أن تقوم الشرطة في مقار احتجاز البالغين بحرمان الأطفال من العناية الطبية , فيما عدا الحالات الشديدة التي تكون فيها حياة الطفل مهددة . وأوضحت آمال أ. , ستة عشر عاماً , "إذا مرضت , تروح تدّي العسكري فلوس عشان يروح يشتريلك دوا ." [152] وأخبَرَنا زياد ن. بأنه أمضى ثلاثة أيام في قسم شرطة السيدة زينب , من دون أن يتلقّى عناية طبية لمداواة الجروح التي أصيب بها عندما قام أفراد الشرطة بضربه أثناء إلقاء القبض عليه . وقال , "كنت بنْزِف بسّ ما شفتش دكتور لغاية ما خرجت من الحجز ." [153] وقالت سميرة ي. , خمسة عشر عاماً , "لمّا تقول لهُم انُك عيّان ما يصدقوكش , وإذا شافوا إنّك عيّان خالص وكان باين عليك انّك حتموت , بيسيبوك تخرج ." وأخبَرَنا الأطفال أنهم لم يروا أبداً طبيباً يزور المحتجزين في مقار الاحتجاز في اقسام الشرطة , ولكن سميرة ي. أوردت أنها شهدت حالة تم فيها نقل مصاب إلى المستشفى . وقالت , "كانت وحدَة ست كانت جاية تزور راجل محجوز في قسم روض الفرَج , وحاولت تهرّبله شوية دوا مسّكن . الست دي كانت حامل بس ما كانشِ باين عليها , عشان هي تخينة ولابسه هدوم واسعة . العساكر مسكوها وضربوها ورموها في الزنزانة معانا . نزفت دم كتير قوي . قعدنا نخبّط على الباب وجه الضابط وخدها المستشفى . وبعد أربع أيام رجعوها الحجز تاني , بس كانت طرحت المولود ." [154] وكانت نوال أ. , تسعة عشر عاماً , هي الوحيدة بالإضافة لسميرة , التي قالت أنها رأت أحد المحتجزين في قسم شرطة للبالغين يُنقل للمستشفى . وقالت , "شفت وحدة ست كان عندها سكّر وكانت تعبانة خالص . إذا عييّت في الحجز , العساكر يسيبوك لحد ما تموت . هُمّ استنوا لآخر لحظة وبعدين اتّصلوا بالإسعاف ." [155]

    أمّا توفّر الرعاية الطبية للأطفال في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , فهو أفضل بقليل , مما هو عليه الحال في مقار الأحتجاز لبالغين في أقسام الشرطة . فمن الأطفال التسعة عشر الذين كانوا قد احتجزوا في الأزبكية , أورد طفل واحد فقط يبلغ من العمر ستة عشر عاماً , عن تلقيه للعناية وذلك الطبية لإصابة أصيب بها على يد طفل آخر في الحجز, فقد قال طارق أ. , "آخر مرة اتحجزت فيها , رحت المستشفى , كان واحد من العيال الكبار ضربني على جنبي , كنت بصرّخ من الوجع , فقاموا ودّوني المستشفى . ما كانشِ فيه تأخير , ادّاني الدكتور دوا , وبعد كده رجعت الأزبكية والعساكر ودّوني البيت ." ورغم أنه أصيب بذلك قبل شهرين , إلاّ ان طارق لا يزال يعاني من الألم عندما يتحرّك , وقال "ما فيش علامة من برّه , بسّ هيّ لسّه بتوجعني من جوّا ." [156]

    والحالة الأكثر نمطية كانت الحالة التي أوردتها وداد ت. البالغة من العمر ستة عشر عاماً , إذ قالت أن الشرطة في حجز إدارة رعاية الإحداث في الأزبكية قد امتنعت عن تقديم العناية الطبية لإحدى الفتيات الثماني عشرة المحتجزات في الزنزانة معها في أوائل شهر تموز (يوليو) 2002 . وقالت "كان فيه وحدَه مريضة قوي , و حرارتها طلعت , بسّ العساكر ما عملوش أي حاجة . إحنا بقينا نحط عليها ميّه علشان نبردها ." [157] أما منصور ن. , فحينما قابلناه بعد بضعة أيام من خروجه من الحجز في أوائل شهر تموز (يوليو) 2002 , كان لا يزال يتنفّس بصعوبة , وكان هناك سائل شفاف يقطر من أذنه , وقال "انا كنت عيّان لمّا وصلت هناك , من كتر تدخين السجاير . الزحمة وقلّة التهوية خلوني أعيّا زيادة . ما كانشِ فيه أكل كفاية وما كانشِ فيه دكتور . بعد ما طلعت رحت الدكتور وادّاني روشتّه ." [158]

    أخبَرَ اللواء سيّد محمدين , منظمة هيومان رايتس ووتش , أنه ليس من سياسة إدارته توفير العناية الطبية للأطفال المحتجزين , وقال "إن الفترة التي يمضيها الأطفال معنا قصيرة , ولهذا فنحن لا نقدم خدمات صحية في الأزبكية . هناك إسعافات أولية , أو أن الطفل يُنقَل إلى المستشفى , ولكن لا يوجد طبيب في الأزبكية ." [159] كما أخبَرَنا العميد ياسر أبو شهدي , مدير إدراة رعاية الأحداث في الأزبكية , بأن "مفتش صحة يأتي من وزارة الصحة مرة كل يومين ," ولكنه , وبوصفه المدير , هو الشخص المسئول عن تحديد حاجة الأطفال للعناية الطبية . وقال العميد ياسر أبو شهدي أنه يفعل ذلك بتفحّص الأطفال من خلال النظر إليهم في وقت إدخالهم إلى الحجز , رغم أنه ليس ضابط في الخدمات الطبية , وأنه قال أنه نُقل حديثاً إلى إدارة رعاية الأحداث بعد أن أمضى أكثر مدة خدمته في وحدة مكافحة المخدرات التابعة للشرطة . "عندما يأتي طفل , أنظر اليه من أجل أن أرى إذا كان لديه مشاكل صحيّة , وإذا كان لدي شك أنه مصاب بمرض معدي , أقوم بإرساله إلى المستشفى ." ومن غير المرجح أن هذا المستوى المتدنّي من التشخيص الطبي والتحويل إلى المستشفى , يجري في الواقع , إذ أن العميد ياسر أبو شهدي قد ناقض لاحقاً أقواله الأولى , إذ ذكر أنه قام بوضع أطفال في الحجز كان يعتقد أنهم مصابون بأمراض معدية , وأنه يقوم بالإشراف على حجز الأحداث باستخدام الهاتف الجوال (الموبايل) لأنه "تقريباً" لا يبقى في المبنى "إطلاقاً" . [160]

    حتى لو قام الطبيب بزيارة حجز الأزبكية مرتين في الأسبوع , فإنه لن يجد إلا وسائل قليلة لعلاج الأطفال . فعندما طلبت منظمة هيومان رايتس ووتش رؤية "العيادة" , أطلعونا على غرفة صغيرة وضيقة وفيها طاولتان ومكتب صغير , وسرير لفحص المرضى وكرسي واحد وحوض . وكحال بقية المبنى , كان يبدو أن الأرض شُطفت بالماء منذ فترة وجيزة , ولكن الأثاث كان مغبرّاً وموضوعاً فوق بعضه إلىجوار الجداران . وبالرغم من الحرار الشديدة , كان المصدر الوحيد للتهوية , نافذة وحيدة مزودة بشبك معدني , وكانت مغطاة ببطانية تراكمت عليها طبقات كثيفة من الغبار , ويبدوا أنها لم تُزحزح من هناك منذ أسابيع . ولم تكن الغرفة تحتوي على أي مستلزمات طبية , أو أجهزة طبية , أو حتى صابون .

    الغذاء

    من أهم شواغل الأطفال المحتجزين في مقار احتجاز الأحداث والبالغين , هو توفّر الغذاء الكافي . والشرطة المصرية لا توفّر الغذاء للمحتجزين في أقسام الشرطة , حيث يحتجز العديد من الأطفال بعد إلقاء القبض عليهم , كما يحتجزون فيها ثانية قبل إطلاق سراحهم . ومن المعتاد أن يمضي الأطفال ما بين يوم واحد وثلاثة أيام في مقار الاحتجاز تلك , وأثناء ذلك الوقت يحصل الأطفال على الطعام من خلال رشوة الحراس من أجل شراء الطعام لهم , أو من خلال تسوّل الطعام من المحتجزين الجنائيين البالغين . [161] وصفت آمال أ. , ستة عشر عاماً , المرات الست التي احتجزت بها , والمرّة التي أمضت فيها يومين في قسم شرطة الساحل في حي شبرا في أوائل شهر تموز (يوليو) 2002 , وقالت "العساكر ما بيدّوناش أكل , وإذا كان معانا فلوس , بنبعت العسكري يشتريلنا أكل . وبياخد منّنا جنيه (0.22 دولار) عشان يعمل كده . وان ما كانشِ معانا فلوس , نوقف علىالحوض[تحت الشباك الذي يطل على زنزانة الرجال] وبنطلب من الرجّاله اللي بالزنزانة جنبنا يدّونا أكل . الواحد يحتاج 5 جنيه (1.1 دولار) باليوم عشان ياكل كويّس - أكل وشاي ." [162] وكان مروان ع. , ثلاثة عشر عاماً , قد أمضى ليلة في قسم شرطة شبرا الخيمة قبل ترحيله إلى حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية في أواخر شهر تموز (يوليو) 2002 . وقال , "ما فيش أكل بشبرا , العساكر هناك ضربوني وخدوا منّي 3 جنيه (0.66 دولار) . العسكري خد منّي الفلوس بسّ ما جابليش الأكل [الذي دفعت ثمنه] ." [163] إن المقدرة على منح الطعام ومنعه عن الأطفال المحتجزين , يعطي الحراس والمحتجزين البالغين سلطة كبيرة على الأطفال , مما يزيد من ضعف موقفهم في مواجهة الاستغلال . [164]

    أخبَرَنا الأطفال الذين كانوا قد احتجزوا في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , بأنهم كانوا في العادة يتلقّون وجبتين أو ثلاث في اليوم , ولكن نوعية الطعام رديئة وكانوا دائماً يشعرون بالجوع بعد تناوله . وقالت نجلاء ر. , سبعة عشر عاماً أنها احتجزت بالأزبكية ثلاث مرّات , وفي كل مرّة كانت تتلقّى وجبتين فقط في اليوم , وقالت "بيدّوك رغيف عيش وجبنة للفطور , وخبز ومربّى للعشا , وما فيش غدا ." [165] وقال محسن م. , ثلاثة عشر عاماً , أنه أنفق كل نقوده على رشوة الحراس في الأزبكية من أجل أن يحضروا له المزيد من الطعام , وقال "أول ما وصلت هنا [قبل سبعة أيام من لقاءنا معه] كان معايا فلوس وكنت ابعت العسكري يجيب لي أكل . العسكري بياخد جنيه أو جنيه ونُصّ (0.22 إلى 0.33 دولار) [بالإضافة إلى ثمن الطعام] . بسّ دلوقت ما فضلشِ معايا فلوس ." [166] وتحدث منصور ن. , خمسة عشر عاماً , عن تلقيه وجبتين من الخبز والجبن , ووجبة من الخبز والمربّى , وبعد ذلك قال ببساطة , "الأكل دا ما يكفّيش ." [167]

    أخبَرَتنا ريم ج. , سبعة عشر عاماً , انها مقتنعة بأن نقص الطعام المناسب قد ساهم في وفاة إبنها الذي كان يبلغ من العمر ثمانية أشهر , وأصيب بمرض أثناء احتجازها في الأزبكية لمدة خمسة عشر يوماً في أوائل العام 2002 . وقالت , "كانوا العساكر يِأكّلونا رغيف عيش مع قطعة جبن 'نستو' [جبنة معلبة على شكل مثلثات صغيرة ملفوفة بشريحة معدينية رقيقة] للفطار ؛ والغدا كان رغيف عيشوعلبة جبنة كُنّا نقسمها بين خمستاشر أو عشرين نفر ؛ والعشا كان رغيف عيشمع مربّى . واعطوني رغيف عيشللولد , بس ما رضيش ياكلها . كان صغيّر قوي . كُنّا جعانين قوي وكُنّا ناكل غصب عنّنا , بسّ الأكل كان مقرف . المربى كان طعمها زي الدوا , سايحة وطعمها وحِش ." [168]

    وفقاً لما قاله اللواء سيّد محمدين , فإن الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث التابعة لوزارة الداخلية , قد أصدرت تعليمات ثابتة , لكافة أقسام الشرطة التي تقوم باحتجاز الأطفال , بإطعام الأطفال "كمية من الطعام مساوية لما يُقدم للمجندين في القسم ." [169] وأخبَرَنا العميد ياسر ابو شهدي بأنه يقدم لجميع الأطفال المحتجزين في الأزبكية "الوجبة الجافة ذاتها التي يحصل عليها المجندون" , والتي قال أنها تتكون من قطعتين من جبنة "نستو" وقطعة من الخبز للإفطار , و 110 جرام من الجبنة البيضاء وقطعتين من الخبز للغداء , و 75 غرام من المربّى وقطعة من الخبز في وقت الليل . [170] وقال ابو شهدي أنه لا يطلب وجبات الطعام بناءً على عدد الأطفال المحتجزين في اليوم المحدد , بل يطلب "متوسط تقريبي من الوجبات يكفي المجندين والأطفال ." [171] وعندما قمنا بزيارة "المطبخ" في الأزبكية , وهو غرفة صغيرة مع غرفة مخزن ملاصقة لها , ولكن لم يكن هناك ثلاجة أو أدوات طبخ . وشاهدنا بضعة صناديق من جبنة "نستو" ووعاء للمربّى , ولكن لم نشاهد خبزاً أو جبنة بيضاء .

    أخبَرَ العميد ابو شهدي منظمة هيومان رايتس ووتش , بأن سبب تقديم وجبات باردة للأطفال , هو عدم توفر المرافق اللازمة لإعداد الوجبات الساخنة , وانه يُفضّل الوجبات الباردة على أية حال , لأنها لا تترك لمقاولي التوريد وللموظفين الفاسدين سوى فرص ضئيلة للغش , وهكذا فإن الوجبات الباردة تسهّل علية ضمان جودة الطعام . وأضاف بأن المنظمات الخيرية تتبرع أحياناً بتقديم طعام للحجز , وكان "يفحصه من خلال إعطاء بعضه للحراس" قبل توزيع المتبقّي على الأطفال . [172] وكان أحد الخبراء يعرف المرفق جيداً , قد أكّد لنا بأنه "كان هناك مؤسسة غير حكومية تزوّد الأطفال بالكُشري [وجبة تتكون من العدس والمكرونة والرز , وتقدّم مع صلصة الطماطم] , إلى جانب مؤسسة أخرى كانت تقدم اللحم في بعض الأعياد , ولكن ليس كل يوم ." وقال أن هذا لم يعد يحدث بصورة منتظمة . "المفروض أن تقوم وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية بتقديم الطعام , ولكنها لا تفعل ذلك , ولهذا تقوم وزارة الداخلية بتوفير الطعام , ولكن ليس لديها ميزانية لعمل ذلك ." [173]

    الازدحام

    عادة ما تقوم الشرطة باحتجاز الأطفال في زنازين شديدة الازدحام , من غير أن توفر لهم الفراش أو بتوفير فراش غير كافي . ان ازحام الزنازين وقذارة الفراش يسهلان انتشار العديد من الأمراض , وعلى الأخصّ الأمراض الجلدية والطفيليات المعوية , الشائعة بين أطفال الشوارع . كما أن الازدحام يتسبب بالقذارة ويخلق تنافساً على أمكنة النوم المحدودة , وعلى الطعام والأغطية , وكل هذا بدورة يُفاقم من التوتر الناتج عن الازدحام . وفي مواسم الصيف الحارّة في القاهرة , يتسبب الازدحام أيضاً بزيادة حرارة هواء الغرفة بدرجة كبيرة في الزنازين سيئة التهوية . وبينما لم تتمكن منظمة هيومان رايتس ووتش من زيارة مقار الاحتجاز في أقسام الشرطة , إلاّ أن الوصف الذي قدمة الأطفال عن أوضاع بعض مقار الاحتجاز , يثير قلقاً شديداً بسبب الأوضاع الصحية لتلك المقار . وعندما قمنا بزيارة حجز الأزبكية , لاحظنا أن الزنازين هناك لا تحتوي على مراوح , وليس فيها سوى تيار ضئيل من الهواء الجاري عندما يكون باب الزنزانة مغلقاً . ورغم أن القليل من الأطفال تذمروا من شدة الحرارة , إلاّ أن الحرارة كانت خانقة في الغرفة التي قابلنا فيها الأطفال في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , ولا بد أن الوضع يزداد سوءاً عند إغلاق أبواب الزنازين المزدحمة .

    وأخبَرَنا الأطفال أن الشرطة في مقار احتجاز البالغين عادة ما تحتجزهم في زنازين مزدحمة , حيث كانوا يضطرون للنوم على البلاط أو على الأرض الإسمنتية , إلا إذا وافق أحد البالغين سواء الرجال أو النساء , بمشاركة الطفل الغطاء . كان يوسف ع. , ستة عشر عاماً , قد أمضى ثلاث ليال في قسم شرطة عابدين في بدايات شهر حزيران (يونيو) 2002 , وقال "ما كانشِ فيه بطانيات , ونمنا على البلاط . وساعات يكون فيه وسَع عشان الواحد يمد طوله , وساعات مفيش ." [174] أما عزّة س. , أربعة عشر عاماً , فقد أمضت ليلتين في زنزانة النساء في قسم شرطة الدقّي في أواخر شهر حزيران (يونيو) 2002 . وقالت "فيه جوّا الزنزانة حمام ومصطبة جنب الحيطة وشباك مغطّى بشبك . واحنا كنّا حوالي سبعة , وما قدرناش ننام كُلّنا على المصطبة , وعشان كدة فيه ناس ناموا على الأرض . وما كانشِ فيه بطانيات ." [175] وقالت آمال أ. , ستة عشر عاماً , "بننام على الأرض إلاّ إذا وحدة من الستات الكبار بعتت تجيب بطانية من بيتها ." [176]

    إن الأطفال الذين يُرحلون إلى حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , يُبعدون عن الخطر المباشر الناجم عن حجزهم مع بالغين , ولكنهم عادة ما يجدون الأوضاع في حجز الأحداث , شبيهة من حيث الازدحام , حتى أن الفراش أقل توفّراً هناك . وقال العميد ياسر ابو شهدي , مدير إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , لمنظمة هيومان رايتس ووتش , أن مشكلة الازدحام ناتجة عن كثرة عدد السكان في محافظة القاهرة , ولأن المبنى يستقبل الأطفال المُرحلين من محافظة إلى أخرى . وقال , "إن أي طفل ذاهب إلى مؤسسة عقابية يأتي هنا أولاً , لأن كافة المؤسسات العقابية موجودة في القاهرة . وأي طفل يقبض عليه في أقسام الشرطة [في القاهرة] يأتي هنا أيضاً . كما يبقى الأطفال هنا لانتظار موعد القطار الذي سينقلهم إلى محافظات أخرى ." كما قدّر ابو شهدي ان "ما بين خمسة آلاف إلى ستة آلاف طفل يمرون عبر الأزبكية في كل شهر" وأن 3500 من هؤلاء الأطفال هم "زبائن دائمين" , ممن تم القبض عليهم عدة مرات , ومعروفين للشرطة . [177] وإذا كان هذا التقدير صحيحاً , فهذا سيعني أنه حتى وإن لم يبق أي طفل في الأزبكية لأكثر من ليلة واحدة , فسيظل هناك على الأقل واحد وأربعين طفلاً محتجزين في كل زنزانة في أي يوم من أيام الشهر , أو على الأقل 2.6 طفل لكل متر مربّع . [178]

    وقال الأطفال الذين تحدثنا إليهم أنهم عادة ما يمضون عدة أيام في حجز رعاية الأحداث في الأزبكية , مما يفاقم من مشكلة الازدحام . أمّا الأطفال الذين يُقرَر إعادتهم إلى أسرهم , وهو الإجراء الأكثر شيوعاً في حالة الأطفال "المعرضين للانحراف" , فمن الممكن أن يمضوا اسبوعاً أو أكثر في الأزبكية . وفي بعض الحالات , يكون سبب ذلك أن الأطفال لا يستطيعون أو يمتنعون عن تزويد الشرطة بالعنوان الصحيح لمنازل أسرهم . وأخبَرَنا مدير الأزبكية , العميد ياسر ابو شهدي "من الممكن أن أمضي عشرة أيام باحثاً عن عنوان طفل , إذا إعطانا عنواناً خاطئاً ." [179] وفي حالات أخرى , كان الأطفال يحتجزون لعدة أيام بانتظار ترحيلهم إلى مؤسسة أخرى أو إلى قسم شرطة . عندما قابلنا منصور م. في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , كان قد أمضى سبع ليال هناك , وقال "اتصلوا بعمتي في [مدينة في الدلتا] وحيودّوني البيت , بسّ معاد القطر اللي رايح [إلى محافظته] ما جاش لسّه ." [180] أمّا هاله س. , والتي قابلناها في اليوم ذاته , فقالت أنها تتوقع أن تمضي خمسة أيام في الأزبكية , قبل أن يحين موعد ترحيلها إلى محافظتها الأصلية . [181]

    وفي حالات أخرى , لم يكن سبب التأخير واضحاً , ولكن تأثيره على الأطفال كان واضحاً تماماً . أمضت وفاء ر. أسبوعاً في الأزبكية في بدايات شهر تموز (يوليو) 2002 . وقالت , "كُنّا ننام على البلاط , وما كانشِ فيه بطانيات ." [182] وقالت وداد ت. , ستة عشر عاماً , "كانت الغرفة أصغر من الغرفة دي [أي أصغر من 3×3 متر] , وكان فيه تمنتاشر واحده مننا بالغرفة , وما كانشِ فيه بطانيات , ونمنا عَ البلاط ." [183] وقالت نجلاء ر. , سبعة عشر عاماً , "آخر مرة اتقبض عليّا , كان فيه عشرة أو حداشر وحدة في غرفة صغيّرة ." [184] وكان أيمن م. , تسع سنوات , قد أمضى خمسة ليال في الأزبكية في بدايات شهر تموز (يوليو) 2002 , وقال "كان فيه حصيرة على البلاط , بسّ ما كانشِ فيه بطانيات ." [185] وأمضى ناصر ي. , خمسة عشر عاماً , ثلاث ليال في الأزبكية في بدايات شهر تموز (يوليو) 2002 . وقال "كانت الزنزانة زحمة , ما قدرناش نتمدد وننام , وانا نمت ثلاث أيام وانا قاعد ." [186]

    عندما قام باحثوا منظمة هيومان رايتس بإجراء جولة في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية في شهر تموز (يوليو) 2002 , كانت جميع الزنازين الثلاثة مليئة بالأطفال بعدد الأسرة التي يمكن لها أن تستوعبها , مما لم يترك للأطفال مكان للوقوف تقريباً , وبدت البطانيات مُغبّرة وكان لها رائحة نتنة يمكن تمييزها بسهولة من باب الزنزانة . كانت الزنزانة الصغرى , والتي كانت تضم ثمانية أولاد صغار , بالكاد تتسع للأسرة الثلاثة متعددة الأدوار , التي تم صفها متلاصقة جنباً إلى جنب , بينما كانت رؤوس الأسرة تمس أحد الجدران . ولم يُترك للأطفال سوى مساحة ضيقة وصغيرة ويقارب عرضها عرض الباب, من أرض الغرفة لكي يقفوا فيها , وهي مساحة امتلأت بهم تماماً عندما أُمروا أن يصطفوا عند الجدار الوحيد المتاح الوقوف بجانبه . الزنزانة الثانية كانت تحتوي على تسعة أولاد أكبر سناً , وكانت أعرض قليلاً , وفيها أربعة أسرة متعددة الأدوار , ومرتبة بالطريقة ذاتها التي رُتبت فيها الأسرة في زنزانة الأطفال الأصغر سناً . أمّا الزنزانة الثالثة فقد كان فيها أربع بنات وتحتوي على أربعة أسرة متعددة الأدوار , وضع كل واحد منها إلى جوار جدار , وتراكبت نهايات الأسرة مما ترك مساحة ضيقة في مركز الغرفة . وبالرغم من الازدحام , كانت هناك زنزانة رابعة وفارغة سوى من سرير وحيد متعدد الأدوار . وأخبَرَنا الأطفال بأن عدد أكبر منهم كانوا موجودين في الصباح , ولكن عدد كبير منهم كانوا قد رحّلوا من المبنى في ذلك الصباح . وقال عبدالله أ. , أربعة عشر عاماً , والذي كان محتجزاً في الزنزانة الصغرى , "امبارح كان فيه أكثر من اربعين عيّل في الزنازين , أودتي كان فيها خمستاشر ." [187]

    وأخبَرَنا المدير ابوشهدي بأنه أحياناً كان يجد صعوبة في التعامل مع تدفق الأعداد الكبيرة من الأطفال . وقال "يوجد لدينا أسرّة , ولكن أحياناً ما تكون الزنازين ممتلئة . لدينا غرفة مخزن للأسرة والمفروشات , ولكن الأطفال الذين يأتون إلى هنا غير متعودين على الأسرة ويقومون بتحطيمها . وإن لم يكن هناك ما يكفي من الأسرّة فإنني أُخرِج الأسرة خارجاً وأدَع الأطفال ينامون على الأرض ." وأضاف أنه لا تتوفر لديهم وسائل للغسيل من أجل المحافظة على أغطية الأطفال نظيفة . "كل أسبوع أقوم بغسل بطانيتين أو ثلاث من البطانيات التي ينام فيها الأطفال وأقوم بنشرها على سطح البناية . وهذا أكثر ما أستطيع عمله . عليّ أن أتصل بأصدقاء ليرسلوا إليّ صابوناً من أجل الغسيل ." [188] أثناء زيارتنا شاهدنا غرفتين مكتوب عليهما أنهما زنزانتي أولاد , ووصفهما ابو شهدي بأنهما "غرفتا تخزين " , كانت أصغرهما تحتوي على مجموعة كبيرة من المفروشات مغطاة بقماش يبدو انها لم تستخدم بعد , بالإضافة إلى عدد من البطانيات المغطاة بالغبار وبعض المخدات يبدو أنها جديدة أو شبه جديدة . أما الغرفة الثانية , وهي أكبر بكثير من الأولى فكان فيها أجزاء أسرّة غير مُجمّعة , وبضعةمراتب إسفنجية ممزقة وشديدة الاتساخ .

    الماء والنظافة

    اشتكى الأطفال الذين كانوا قد احتجزوا في مقار احتجاز أقسام الشرطة أو الخاصة بالإحداث , من عدم توفّر حمامات نظيفة , قلة مياه الشرب النظيفة , وعدم وجود مرافق للاستحمام والغسيل . هذه القيود على المياه والنظافة , هي تقييدات مهينة وتساهم بانتشار الأمراض , وخصوصاً في ظروف الازدحام . والحراس هم من يتحكم بتوفّر المياه واستخدام الحمام , في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , كما اشتكى الأولاد من أن الحراس يمنعونهم من استخدام الحمام والمياه ليلاً . وقال عبداللة أ. , أربعة عشر عاماً , "بالليل , إذا كنّا عاوزين نروح الحمام , العسكري يقول 'لأ , في الصبح' , مرّة استنيت يوم كامل ." [189] وقال محسن م. , ثلاثة عشر عاماً , "لمّا نكون عاوزين نروح الحمام أو نشرب ميّه في الليل , يقولوا لنا 'في الصبح' " [190]

    قالت البنات المحتجزات في الأزبكية أن أمكانية استخدام المياه والوصول إلى الحمام , تختلف وفقاً للأفراد الشرطة الموجودين والمناوبين . وقالت ريم ج. , سبعة عشر عاماً , "هُمّ مش عاوزين يخلّونا نروح الحمّام , كُل حاجة على مزاجهم . فيه بنات عملوها على أرض الزنزانة ." [191] وأخبَرتنا البنات اللاتي تعرضن للإيذاء الجنسي على يد الحراس , أو اللاتي شاهدن بنات أخريات يتعرضن لذلك في الأزبكية , أن الذهاب إلى الحمام في الليل غير آمن .[192]

    اشتكى الأولاد والبنات من عدم تمكنهم من تنظيف أنفسهم أو غسل ملابسهم , أثناء وجودهم في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية . وعندما سألنا محسن م. عمّا إذا كان هناك ما يشتكي منه في المبنى , قال أن أكبر مشكلة لديه أنه "ما فيش مكان نستحمى فيه" , وكان طوال وقت مقابلتنا معه يحك ذراعيه . [193] وأعربت ريم ج. عن اعتقادها بأن نقص المياه النظيفة من أجل الاغتسال قد ساهم في وفاة ابنها الذي كان يبلغ من العمر ثمانية أشهر , بعد أن أمضيا خمسة عشر يوماً في حجز إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية في بدايات العام 2002 . وقالت , "الولد كان يشخ دم , بسّ العساكر ما كانوش يعطونا ميّه دايماً . ولمّا كنّا نطلب ميّه علشان نشرب , كانوا يجيبوها أو ما يجيبوهاش حسب مزاجهم . وكان نادر قوي أنهم يدّوني ميّه علشان اغسل هدوم الولد . كنت احُط الهدوم على شبك الشباك عشان تِنشَف , بسّ العسكري كان يخلّيني انزلهم . أعمل ايه انا ؟ ما كانشِ عندي غيارات للولد . كانوا البنات يقلعوا هدومهم ويدّوها لي علشان اغيّر للولد , ادّوني بلوزاتهم وبطانة الجونيلّه وكل حاجة عندهم ." وكان ابن ريم قد توفّى بعد يومين من إطلاق سراحها . [194]

    يتوفر للأطفال الذين يحتجزوا في اقسام الشرطة المخصصة للبالغين , إمكانية استخدام مياه الشرب واستخدام الحمام في داخل الزنزانة , ولكن لا تتوفر لهم مرافق للاستحمام . وعادة ما تكون منطقة الحمام هي الأكثر اتساخاً داخل الزنازين المزدحمة والقذرة . وقالت سميرة ي. , خمسة عشر عاماً , "فيه حمام واحد [في قسم شرطة روض الفَرَج] بسّ معفّن" [195] وقالت إلهام ن. , خمسة عشر عاماً , "الميّه في الحجز طعمها وحِش قوي , وما كُنتش بشربها لأنها وحشة خالص" [196] وقال أنور ر. , خمسة عشر عاماً , أنه عندما أمضى اسبوعاً في قسم شرطة الجيزة , بمعية أطفال آخرين , كانت الزنزانة مزدحمة بشدّة , وقام المحتجزين الجنائيين البالغين بإجبارهم على البقاء في منطقة الحمام القذرة . وقال , "كان الكبار يضربونا ويقولوا لنا ' ورا ، ورا ' ويخلّونا نقعد في الحمام . كان فيه ثلاث حمامات وكلّهم مليانين بالميّه والقرف , خلّونا نقعد هناك ." [197]

    التعليم والترفيه والعمل

    لا توفر الشرطة في إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , أية تدابير من أجل السماح للأطفال المحتجزين هناك , بالقيام بنشاطات تعليمة أو رياضية أو ترفيهية , كما أنهم عادة ما يقومون بمصادرة مقتنيات الأطفال التي قد تستخدم للتسلية أثناء الحجز . [198] وكثيراً ما يمضي الأطفال أياماً متواصلة في زنازين مزدحمة , لا يغادرونها إلا إذا سُمح لهم باستخدام الحمام . وقال مروان ع. , ثلاثة عشر عاماً , "عاوزين تلفزيون وراديو ومروحة ." [199] ويظهر أن الاستثناء الوحيد لهذا الروتين القاتل , يحدث عندما يؤمر الأطفال بتنظيف الحجز . وأخبَرَتنا الفتيات اللاتي كنّ قد احتجزن في إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية أن الشرطة عادة ما تعطيهم ماءً وخِرَقاً وتأمرهم بتنظيف القسم , كما قال محامون عارفون بوضع القسم انه من الشائع أن ترى بناتاً يقمن بتنظيف السلّم هناك . كانت وفاء ر. , خمسة عشر عاماً , قد أمضت إسبوعاً في الأزبكية في بدايات العام 2002 , بينما كانت تنتظر ترحيلها إلى محافظتها الأصلية , وقالت "العساكر غصبونا ننظف القسم كُلّه , ولو كُنّا نوقف كانوا يضربونا بالكرباج ." [200] وأخبَرَتنا نجلاء ر. "الصبح خلّونا ننظف القسم كلّه - السلم والحيطان , وكل حاجة ." [201]

    وأوضح شخص عارف بأوضاع إدارة رعاية الأحداث في الأزبكية , "يعتقد أفراد الشرطة أن الوظيفة الطبيعية للبنات هي التنظيف , ولهذا السبب فهم يجعلوهن يقمن بالتنظيف , وكثيراً ما كنت أراهُنّ ينظفن السلّم والزنازين في ذلك الطابق . وإن لم يكن هناك بنات , يُجبر الأولاد على التنظيف . إنها قسم شرطة ؛ وليس للأطفال أي خيار ." [202] وأكّد اثنان من الأولاد الأربعة الذين كانوا محتجزين في الأزبكية يوم زيارتنا , على حدوث ذلك , وقالا أنهما أيضاً كانا قد أجبرا على تنظيف المبنى لأنه "في زوّار جايين" . وقال عبداللة أ. , أربعة عشر عاماً , "إحنا نظفنا النهار ده , ادّونا خِرَق عشان ننظف الأرضية . نظفنا كل المكان اللي إحنا قاعدين فيه ." [203]
    هوامش الفصل الخامس
    عودة للمحتويات