الجزائر


الجزائر
  
الجـــــزائر
"لا بين الأحياء ولا بين الأموات"
حالات "الاختفاء" التي تُنفَّذ برضا السلطات في الجزائر



  • ملخص
  • التوصيات
  • مقدمة
  • الاطار القانوني
  • بعض حالات الاختفاء
  • بعض حالات الاختفاء المؤقتة والاعتقالات السرية
  • مقدمة
    منذ عام 1992 والصراع ناشب في الجزائر بين قوات الأمن وجماعات المعارضة المسلحة التي تسمي نفسها بالجماعات الإسلامية، مما أدى إلى مصرع ما لا يقل عن 60 ألفاً من بينهم الكثير من المدنيين. ودأب أفراد قوات الأمن، تحت قناع مكافحة "الإرهاب"، على تعذيب الأشخاص بصورة منتظمة، وإعدامهم دون محاكمة، والقبض عليهم بصورة تعسفية، وذلك دون أن يتعرض هؤلاء الأفراد للعقاب. كما قامت الجماعات المسلحة باغتيال الأفراد الذين تعتبرهم معادين لبرنامجها الديني والسياسي أو من مؤيدي الحكومة الحالية، وارتكبت سلسلة من المذابح استهدفت العزل من السلاح - رجالاً ونساءً وأطفالاً - في المناطق الريفية.

    ولم تتوقف منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، في التقارير التي أصدرتها بشأن الأزمة في الجزائر، عن إدانة انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني التي ترتكبها جميع الأطراف .
    وكان من بين المآسي الكثيرة في مجال حقوق الإنسان "اختفاء" أكثر من ألف رجل وامرأة في الجزائر منذ عام 1992، عقب قيام قوات الحكومة بالقبض عليهم.
    وكان الأقارب الذين يبحثون عن أحبائهم "المختفين" يطوفون على مخافر الشرطة والسجون والمحاكم، ويقدمون البلاغات عن المفقودين إلى الهيئات الرسمية، ويطلبون المساعدة من خلال القنوات غير الرسمية مثل السجناء المفرج عنهم أو حراس السجون. أما حين ترد السلطات على استفساراتهم، فكانت بصفة عامة تنكر احتجاز من يسألون عنه. وقد لجأ بعض أقارب "المختفين" في الآونة الأخيرة إلى الخروج إلى الطرقات، رافعين صور من اختفي من آبائهم أو أبنائهم أو إخوتهم، ومطالبين بالإجابة على استفساراتهم.
    وكان ولا يزال من الصعب التأكد من مرتكبي بعض حالات "الاختفاء" شأنها في ذلك شأن كثير من أعمال العنف في الجزائر؛ فقد كان يُقبض على الضحايا في منازلهم أو في مكان عملهم، أو في الأماكن العامة، وكان يلقي القبض عليهم رجال يرتدون الملابس المدنية ويرفضون الإفصاح عن هويتهم أو إبراز إذن من النيابة، مع أنه ثبت فيما بعد أنهم من أفراد قوات الأمن. كما كان بعض الذين يرتدون الزي الرسمي يقومون بأعمال تشبه إجراءات الشرطة، مثل إقامة نقاط التفتيش على الطرق؛ ويقول الشهود إن الشك يساورهم في أن يكون هؤلاء الرجال من أعضاء الجماعات المسلحة الذين تنكروا في زي قوات الأمن.
    وكان التثبت من مسؤولية قوات الأمن لا يتم في بعض الحالات إلا بعد فترة ما، عندما يتضح مكان وجود الشخص المقبوض عليه في أحد السجون، أو عند الإفراج عنه بعد اعتقاله مدة ما. وفي حالات أخرى، مثل حالات اختطاف النساء التي صاحبت بعض أفظع المذابح التي وقعت في القرى إلى الجنوب الشرقي من الجزائر العاصمة في عام 1997 ، أدت ظروف الاختطاف إلى استرابة أسر الضحايا في أن تكون جماعات المعارضة المسلحة ضالعة في هذه الأحداث.

    وإذا كانت عمليات الاختطاف التي ترتكبها جماعات المعارضة المسلحة تمثل إحدى المشكلات الخطيرة في مجال حقوق الإنسان بالجزائر ، فثمة أدلة مقنعة ترجح مسؤولية قوات الأمن عن المئات الكثيرة من حالات "الاختفاء" التي ما زال الغموض يكتنفها. وأبعاد هذه الظاهرة كبيرة إلى الحد الذي يقطع بأنه من المحال استمرارها دون موافقة أعلى مستويات السلطة الوطنية. وإذا كان كبار المسؤولين يقرون بأن بعض الأشخاص قد "فُقدوا" أثناء وجودهم في الحجز الحكومي، فنحن لم نسمع بأي إقرار على أي المستويات الرسمية الرفيعة بأن ظاهرة "الاختفاء" القسري متفشية ومستمرة، ولا بأي جهود قامت بها السلطات الجزائرية لإحالة المسؤولين عن ذلك إلى العدالة. وينتمي الأشخاص "المختفون" إلى مهن بالغة التنوع؛ فمنهم موظفو الحكومة والأطباء ورجال الأعمال والنشطاء السياسيون والصحفيون. وفي الحالات التي قامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بالتحقيق فيها، كان معظم المعتقلين يُقبض عليهم ليلاً؛ ويقول الشهود إن قوات مختلطة من الجيش والشرطة كانت تقوم بنقلهم في سيارات تحمل عادةً لوحات ترخيص خاصة؛ وكانت العربات المصفحة تستخدم أيضاً في بعض الأحيان. وكان بعض أفراد هذه القوات يرتدون الملابس الرسمية والآخرون يرتدون الملابس المدنية؛ أما عندما كان رجال الشرطة يرتدون الملابس المدنية، فكثيراً ما كانوا يرتدون سترات خارجية عليها شارات الشرطة المميزة. وقلما كانوا يقدمون الإذن بالقبض على أحد أو يبرزون بطاقات هويتهم الرسمية عند القبض على شخص ما في المنزل أو في الشارع. أما عندما يقبضون على شخص ما في محل عمله، فكثيراً ما كانوا يبرزون الأمر بالقبض عليه وبطاقات هويتهم.
    وكثيراً ما كان أفراد الأسرة يلجؤون، بعد القبض على أحد أقاربهم، إلى مخفر شرطة قريب للسؤال عنه هناك، وكان بعضهم يتجه باستفساراته للنيابة العامة بعد انقضاء فترة الأيام الاثني عشر المحددة "للحجز تحت النظر" (السابق للمحاكمة) ، وكانوا يحصلون على إيصال يفيد استلام الشكوى. وكان بعضهم ينجح في تحديد مكان أقاربهم المعتقلين، ثم يعجزون بعد ذلك عن معرفة مكانهم إذ يقال لهم إنهم نُقلوا إلى معتقل آخر، دون الإفصاح عن موقعه. وفي حالة احتجاز المعتقلين في أماكن مجهولة، فإنهم يحرمون دائماً من الاستعانة بمحامين، فيصبحون تحت رحمة سلطات الاعتقال، مما يجعلهم أشد تعرضاً للانتهاكات مثل التعذيب أو سوء المعاملة. فقد ذكر سجين أطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول 1996، بعد أن قضى ثلاث سنوات ونصف في السجن، لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أنه لم يستطع توكيل محامٍ إلا بعد توجيه الاتهام إليه ونقله إلى السجن، أي بعد أن قضى ثلاثة أشهر قيد الاعتقال السري في حجز الشرطة. وعندما وصل إلى سجن الحرّاش، طلب من المعتقلين الآخرين أن يطلبوا من أقاربهم أثناء الزيارة أن يخطروا أسرته بمكان وجوده. وعندما مثل ذلك السجين السابق، الذي يفضل عدم ذكر اسمه، قبل ذلك أمام قاضي التحقيق، لم يكن قد أُبلغ بحقه في توكيل محامٍ أو في الاتصال بأسرته. كما أخبرنا أنه تعرض للتعذيب لمدة ثلاثة أيام أثناء وجوده في حجز الشرطة. وكانت أساليب التعذيب تتضمن الضرب بالعصيّ الغليظة، وأسلوب "الشيفون" أو الخرقة المبللة، وهو وضع قطعة من القماش مبللة بالماء القذر والكيماويات في فمه، وتعليقه من ذراعيه لساعات طويلة.

    وقد أقرت الحكومة، كما أقرت المنظمات غير الحكومية، بمشكلة الأشخاص المفقودين أثناء وجودهم في الحجز لدى السلطات؛ إذ قال وزير الداخلية محمد آدمي لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان": "إننا نهتم بهذه الحالات [أي حالات المفقودين] اهتماماً خاصاً؛ وأحياناً نعثر على الشخص المعني، ولكننا لا نغلق ملف الحالة حتى نعثر على الشخص". وفي أواخر عام 1996 أنشأت السلطات العسكرية إدارة "للخدمات الاجتماعية"، مهمتها استقبال أقارب المفقودين الذين يرغبون في الإبلاغ عنهم، ومحاولة العثور عليهم. كما إن الهيئة الرسمية الجزائرية المختصة بمراقبة حقوق الإنسان (المرصد الوطني لحقوق الإنسان)، وهي التي أنشأتها رئاسة الجمهورية، وترفع تقاريرها إليها، أعلنت أنها تعتبر ظاهرة "الاختفاء" من كبرى القضايا التي تهتم بها. ووصف غشير بوجمعة، رئيس "الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، وهي منظمة مستقلة، ظاهرة "الاختفاء" بأنها من أخطر مشاكل حقوق الإنسان في البلاد؛ وقد جاء ذلك في مقابلة نشرتها صحيفة "الأخبار" اليومية الجزائرية يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1997.
    وقد قام أعضاء بعثة "مراقبة حقوق الإنسان" التي زارت الجزائر في مارس/آذار - إبريل/ نيسان 1997، أثناء الزيارة وبعدها، بجمع شهادات من الأسر والمحامين بشأن الأشخاص الذين "اختفوا" على أيدي قوات الأمن. وقد اقتصرنا على الحالات التي توافرت فيها الأدلة ـ وهي في العادة ما رواه شهود العيان عن وقائع الاعتقال أو الاختطاف ـ والتي تشير إلى تورط قوات الأمن. وكان الضحايا في جميع هذه الحالات من الرجال. وفي 12 سبتمبر/أيلول قدمنا هذه المعلومات إلى السلطات (انظر الملحق أ)، وسألنا في كل حالة عما إذا كان الشخص رهن الاحتجاز رسمياً، وإذا كان الأمر كذلك فأين مكانه بالتحديد، وما وضعه القانوني، وما إذا كان قد أحيل إلى سلطة قضائية، ومتى كانت تلك الإحالة؛ وسألنا كذلك عن التهم الموجهة إليه، إن كانت هناك تهم، وإذا ما كان قد زاره محاميه وأفراد أسرته. ورغم أننا تلقينا استجابة غير مباشرة، في صورة عقد جلسة عمل، لمناقشة كل حالة على حدة، مع رئيس "المرصد الوطني لحقوق الإنسان" السيد كمال رزّاق باره، يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول، فإن السلطات لم تؤكد وجود أي من الأشخاص الذين شملتهم الحالات الاثنتا عشرة في الحجز لديها أو تحدد مكان وجوده.
    وتعتقد منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن هذه الحالات تفصح عن نمط من "الاختفاء" يحظى برضا الدولة. والواقع أن تقاعس القضاة وأعضاء النيابة عن أداء وظائف الإشراف المنوطة بهم قانوناً، بما في ذلك واجبهم في ضمان التزام القوات المسؤولة عن القبض عن الأشخاص بالقوانين المحلية والصكوك القانونية الدولية الرامية إلى منع وقوع حالات الاحتجاز السري وغير المعترف به ـ هذا التقاعس يؤدي في الواقع الفعلي إلى انتفاء التدابير القضائية للقضاء على هذه الممارسات. وقد ذكرت منظمة العفو الدولية أن "قضاة التحقيق والقضاة قد درجوا على عدم الاهتمام بالتحري عن كيفية وضع المعتقلين في الحبس لدى قوات الأمن، حتى حين تتوافر أدلة كافية على أن المعتقلين قد احتجزوا في مكان سري خلافاً لما ينص عليه القانون".

    وقد ردت حكومة الجزائر على بعض الاستفسارات الكثيرة عن الحالات التي رفعها إليها الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة. وزعمت الحكومة في أحيان كثيرة أن الشخص المعني قد قُتل أثناء الاشتباك مع قوات الأمن، أو عند محاولة الهرب، أو أن الجماعات "الإرهابية" قد اغتالته. وتقول منظمة العفو الدولية إن السلطات "لم تقدم التفاصيل اللازمة [في هذه الحالات]، ولم تشرح سبب إحجامها على مدى شهور أو سنوات عن إبلاغ أسرهم ومحاميهم، وهم الذين لم يتوقفوا عن طلب المعلومات عن أماكن وجود "المختفين" من السلطات أو عما آل إليهم مصيرهم".
    وفي حدود معلومات منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، لم تتخذ السلطات الجزائرية أية إجراءات تأديبية ضد أي فرد من أفراد أو مسؤولي قوات الأمن الجزائرية بسبب تورطه في حالة من حالات "الاختفاء". أما طلب المعلومات بشأن هذه الحالات، الوارد في الخطاب المرسل إلى الرئيس اليمين زروال، والمرفق بهذا التقرير، فلم يرد أي رد عليه. وعدم اتخاذ أي إجراء تأديبي يعد بمثابة دليل آخر على أن ممارسة أسلوب الإخفاء تتم بموافقة الدولة.