Human Rights Watch
ساهم في الدفاع عن حقوق الإنسان


1. ملخص
2. توصيات
3. سيطرة الدولة على إنتاج القطن وتحرير إنتاجه
4. الأطفال العاملون بأجر والفقر في الريف
5. الحماية القانونية للأطفال العاملين
6-الأطفال العاملون في مكافحة آفات القطن
7. خاتمة
  • الهوامش
  • شكر وتقدير
  • تقارير أخرى

  • نقض العهود
  • حماية الاطفال العاملين بالمزارع في الولايات المتحدة

  • 6. الأطفال العاملون في مكافحة آفات القطن

    شهدت أحوال مكافحة آفات القطن في مصر تحولاً كبيراً بعد العمل بما يُسمى بالنظام المتكامـل لمكافحة الآفات في عام 1991، والذي يستهدف تقليل الاعتماد على المبيدات ويتضمـن اتخاذ عدة تدابير من بينها الرقابة المنتظمة لمستويات الإصابة، ووضع الحد الأدنى الذي يبدأ عنده استخدام المبيدات على أساس مستوى الإصابة وتكاليف المكافحة معاً، وتقليل الأخطار التي تتعرض لها صحة الإنسان والبيئة إلى أدنى حد، وتقييم نتائج المكافحة(40) . وتقع مسؤولية وضع النظام وتنفيذه في مصر على عاتق الإدارة المركزية لمكافحة الآفات، التابعة لوزارة الزراعة التي كانت وما تزال تمارس سلطة مكافحة آفات القطن منذ الخمسينيات.

    ومن العناصر التي احتفظت بها الإدارة المركزية المذكورة من منهج مكافحة آفات القطن قبل عام 1991 القيام بجمع لُطع دودة ورق القطن يدوياً، وهو يتضمن إزالة بيض الدودة من الأوراق ثم إزالة الدود نفسه في مرحلة لاحقة. وقد ذكر أحد مسؤولي وزارة الزراعة في عام 1980 أن نحو مليونين من الأطفال يؤجرون سنوياً للقيام بذلك العمل (41)؛ ويشير أحد التقديرات التي وضعتها إحدى المنظمات الحكومية في الآونة الأخيرة إلى أن العدد يبلغ 1.2 مليون طفل (42)، ومن المحتمل أن يكون ذلك نتيجة الانخفاض الشامل في إنتاج مصر من القطن في العقدين الأخيرين.
    وقامت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، بدافع التحقيق في ظروف عمل هؤلاء الأطفال، بزيارة قريتين من قرى الوجه البحري في مصر، وهما زكرين والسمرا، اللتان تمارسان ما يسمى بالاقتصاد الزراعي المختلط الذي ينهض فيه القطن بدور هام ـ مثلما هو الحال في سائر أنحاء مصر ـ ولو أن أهميته قد تضاءلت. وتقع قرية زكرين في محافظة الغربية، وكانت المساحة المخصصة لزراعة القطن فيها تبلغ 36 فداناً في عام 1999؛ وكان القطن يشغل المرتبة الثالثة من حيث المساحة المخصصة له في القرية بعد الأرز والذرة (43). وتقع قرية السمرا في محافظة الدقهلية حيث خُصِّصت مساحة 130 فداناً لزراعة القطن في عام 1999، ولو أن هذه المساحة أصغر كثيراً من المساحة التي كانت مخصصة للقطن قبل سنوات معدودة وبلغت 600 فدان (44).
    وأجرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" مقابلات مع عشرة أطفال كانوا قد شاركوا قبل وقت قصير في جمع اللُّطع، ومع بعض الخولة الذين كانوا يشرفون عليهم، ومع عدد من المهندسين الزراعيين المعينين في الجمعيات التعاونية.
    كما ناقشنا موضوع تشغيل الأطفال مع عدد من المزارعين ومُلاّك الأراضي في كل مجتمع محلي؛ وعلى الرغم من أن المقابلات قد اقتصرت على عينة محدودة إلى درجة بعيدة، ومن أنها أُجريت بعد بداية العام الدراسي، فإن ما رواه الأطفال أكد إلى حد بعيد صحة النتائج التي توصلت إليها منظمة غير حكومية مصرية هي "مركز الأرض لحقوق الإنسان"، والتي نشرتها في تقرير خاص في يوليو/تموز 1999، وكانت تستند إلى البحوث الضافية التي أجرتها في بعض قرى محافظتي الغربية والدقهلية؛ إذ قام الباحثون في هذا المركز بالرصد الدقيق لظروف عمل الأطفال، وإجراء مقابلات معهم، ومع أسرهم ومع المهندسين الزراعيين. وجاء في التقرير أن الأطفال العاملين بمكافحة دودة القطن كانوا يعملون من السادسة صباحاً حتى الغروب كل يوم، مع فترات راحة في الظهيرة طولها ساعتان، وأنهم يتعرضون للضرب بصفة معتادة على أيدي الخولة، ويعملون في أجواء شديدة الحرارة، وأن الجمعيات التعاونية لم تكن توفر لهم العلاج حين يُصابون بأمراض ناجمة من شدة الحرارة(45 . وتأكدت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" كذلك من صحة ما ورد عن سوء معاملة الخولة للأطفال، وتعرض الأطفال للمبيدات المرشوشة، من خلال خبراء التنمية في مصر الذين يقومون بزيارات متعددة لمناطق زراعة القطن.
  • جمع لطع دودة ورق القطن
    تعتبر دودة ورق القطن المصري، واسمها العلمي سبودوبتيرا ليتوراليس (Spodoptera littoralis)، إحدى الآفتين الرئيسيتين اللتين يواجههـما زراع القطن في مصر (46). وتظهر الدودة اليافعة من هذا النوع في أوائل الربيع، وغالباً ما يكون ذلك ليلاً، وتضع بيضها في مجموعات تسمى لُطَعاً على أوراق أشجار القطن. وعندمـا يفقس البيض، وأفضل درجات الحرارة لذلك تتراوح بين 28 و30 درجة مئوية، تخرج اليرقات وتبدأ في التهام أوراق النبات؛ وفي مراحلهـا الأخيرة قد تُهاجم البراعم الصغيـرة ولوز القطن أيضاً، مما يضعف النبات ويعرضه لأضرار جديدة تحدثها ديدان اللوزة. ويبلغ عدد أجيال دودة ورق القطن نحو عشرة في العام تقريباً (47).
    وتقول وزارة الزراعة إن الأطفال العاملين بالمكافحة يقومون يدوياً بالتخلص من نسبة تتراوح بين 50 و80 في المائة من اللّطع (48)، وذلك في فرق يتراوح عدد أفرادها بين 15 و30 طفـلاً، ويشرف على كل منهم رئيس عمال يُعرَف محلياً باسم "الخولي" (49). ويُعهَد لكل فريق بمساحة تتراوح بين 15 و30 فداناً، يجري تقسيمها بعد ذلك إلى ثلاث مناطق، وينتقـل كل فريق من منطقة إلى أخرى، بحيث ينتهي مـن واحـدة منـها فـي يوم واحد (50). ويقوم الأطفال بقطع الأجزاء المصابة من الأوراق، والتي تعرف بلونها الأبيض أو الأصفر، ومن هنا جاءت تسميتها باللُّطَع، ثم يضعونها في أجولة. وتوضع الأوراق المصابة في حفرة وتحرق، مرتين يومياً، المرة الأولى قبل فترة الغداء والثانية في نهاية اليوم؛ وعادة ما يُختار صبي يافع للقيام بإحراق الأوراق تحت إشراف الخول(51) .
    أما موعد بداية جمع اللُّطع في كل محافظة فتحدده وزارة الزراعة، بناء على التقارير المرفوعـة عن مستويـات الإصابـة والتي يقوم بإعدادها موظفو الإرشاد الزراعي(52) . وفـي عام 1999 بدأ جمـع اللُّطع فـي قرية السمرا يوم الأول من مايو/أيار واستمر حتى أوائـل يوليـو/تمـوز، وأما في قريـة زكرين فقـد استمـر العمل من 25 مايو/أيار حتى 7 يوليو/تموز. وكان عدد الأطفال الذين استعانت بهم الجمعيات التعاونية يتفاوت من وقت إلى آخر علـى مدار الموسـم الزراعي؛ ويقـول محمد مدني، المهندس الزراعي بقرية السمرا، إن طفلاً للفدان الواحد هو المعدل الذي يكفي عادةً في الأسبوعين الأولين من موسم جمع اللُّطع، ثـم يرتفع المعدل بعد ذلك ليصبح نفرين أو ثلاثة للفدان الواحد (53). وكان نحو 70 في المائة من الأطفال المأجورين في قرية زكرين يعملون باستمرار طيلة فترة جمع اللُّطع (54).
  • التوظيف
    يزرع ما يقرب من 90 في المائة من القطن المصري، كما ذكرنا آنفاً، في مزارع لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أفدنة، ويقوم صغار المزارعين عادة بضم ما يمتلكونه أو يستأجرونه من أرض إلى أراضي غيرهم من صغار المزارعين لتشكيل مزارع أكبر تصل مساحتها إلى نحو عشرين فداناً، ومن ثم يزرعونها على أساس جماعي. وتتولى التعاونيات تنظيم جمع اللُّطع في هذه المساحات الموحدة، وأما المزارع الكبرى فكثيراً ما تعتمد على المقاولين المستقلين في استئجار عمال جمع اللُّطع (55).
    وتتوجه جهود توظيف العمال في كل من هاتين الحالتين إلى الأطفال وحدهم تقريباً، والتبرير الشائع لذلك هو الذي قدمه هشام ضيف الله، المهندس الزراعي بقرية زكرين، ألا وهو قصر شجر القطن نسبياً(50 إلى 75 سم) في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، مما يجعل الأطفال في زعمه أقدر من الكبار على جمع الأوراق المصابة؛ كما أشار إلى عاملين آخرين في حديثه مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إذ قال "إن الطفل سلس القياد ومطيع بصفة عامة، وأوفر من الناحية الاقتصادية" (56).
    والأطفال العاملون بالجمعية التعاونية في قرية زكرين يتقاضون أجراً موحداً هو ثلاثة جنيهات مصرية (0.81 دولار أمريكي) في اليوم. وتتفاوت الأجور في قرية السمرا من وقت لآخر خلال الموسم، ولكنها تبلغ في المتوسط ثلاثة جنيهات مصرية للأطفال الذين يعملون طيلة فترة جمع اللُّطع (57). وقال نبيل عبد الستار البالغ من العمر عشرة أعوام "في المرحلة الأولى يكون جذع شجرة القطن بالغ القصر مما يضطرنا إلى الانحناء بشدة، ولذلك يتقاضى كل منا ثلاثة جنيهات ونصف جنيه مصري (0.95 دولار أمريكي) في اليوم، أما بعد شهر فتكون الشجرة قد طالت فنتقاضى جنيهين ونصف جنيه مصري (0.68 دولار أمريكـي)"(58) . وإذا كان الكبار لا يستأجرون في العادة للمشاركة في جمع اللُّطع، فإن الأجور المدفوعة مقابل حصاد محصول القطن تعتبر مؤشراً على اختلاف الدخل بين العمال من الكبار والأطفال؛ ففي خلال موسم الحصاد عام 1997 كان الكبار من الرجال في محافظة الدقهلية يتقاضون ستة جنيهات في اليوم (1.63 دولار أمريكي) والكبار من النساء خمسة جنيهات مصرية (1.36 دولار أمريكي) والأطفال أربعة جنيهات مصرية (1.08 دولار أمريكي) (59).
    ويذهب الأطفال إلى الجمعية التعاونية في كل قرية من القريتين لتلقي أجورهم (مرة كل عشرة أيام في قرية زكرين ومرة كل 15 يوماً في قرية السمرا)؛ وقال معظمهم إنه يقدمون الأجر كاملاً إلى أبويهم، وأحياناً ما يتقاضون "مصروف جيب" محدود منهما (60). وقالت فتاة في العاشرة من عمرها من قرية السمرا إن أخاها الذي يعمل مشرفاً هو الذي يتسلم أجرها نيابة عنها، وأنها لم تتسلم أي نقود كسبتها في يوم من الأيام بل ولم تعرف مقدار أجرها مطلقاً(61) . ولكن الأطفال الآخرين جميعاً قالوا لنا إن إدارة الجمعية التعاونية كانت تدفع لهم أجورهم مباشرة.

    ويحدد قانون الطفل في مصر سن الثانية عشرة كحد أدنى للعمل الزراعي الموسمي، ولكن التعاونيات عادة ما تستأجر أطفالاً أصغر سناً من ذلك. وقال الأطفال العشرة الذين أجرينا اللقاءات معهم إنهم بدأوا العمل للتعاونيات قبل أن يبلغوا الثانية عشرة، وكان متوسط العمر الذي بدأوا العمل فيه هو 8.6 سنة؛ وكانت أعمار الأطفال وقت إجراء المقابلات تتراوح بين ثمانية أعوام وثلاثة عشر عاماً (62). وقال لنا المهندس الزراعي في زكرين إن الأطفال الذين كانت الجمعيات التعاونية المحلية تستأجرهم تتراوح أعمارهم بين التاسعة والرابعة عشرة؛ ولم يلبث بعد برهة أن عدّل ذلك الرقم قائلاً إنه يتراوح بين عشرة وخمسة عشر عاماً، ولو أن أي الرقمين لا يتفق مع الشروط الواردة في قانون الطفل(63) .
    وتقوم التعاونيات بتوظيف الأطفال عن طريق الإعلانات المطبوعة والشفوية في مساجـد القرى ومباني التعاونيات، وكذلك عن طريق إذاعتها عبر مكبرات الصوت (64). وقال بضعة أطفال ممن أجرت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" مقابلات معهم إنهم التحقوا بفرق جمع اللُّطع استجابة لطلب أشقائهم الكبار العاملين في تلك الفرق أو من المشرفين الذين يعرفونهم. وقال طفلان إنهما التحقا بالعمل بناء على طلب أبوي كل منهما؛ فقال سعيد عيسى أحمد مثلاً، وهـو طفـل في الثامنة من عشره من قرية زكرين: "قال لي والدي إنني أعمل حتى أحصل على ملابس المدرسة وحقيبة مدرسية" (65).
    وكانت الغالبية العظمى من الأطفال الذين التقينا بهم تنتمي إلى الأسر الفقيرة في القريتين، مما يشير إلى وجود علاقة بين الظروف الاقتصادية للأسرة واستعداد الأطفال لقبول الأعمال الموسمية. وسألنا ستة أطفال عن مصادر دخل أسرهم؛ وكانت خمس أسر منها تعتمد كليـاً أو جزئياً على الزراعة، وثلاث منها تستزرع كل منها أقل من فدان واحد، وأسرة أخـرى تستزرع فداناً ونصف؛ وقال طفل واحد إنه ينتمي إلى أسرة ريفية ميسورة الحالي نسبياً تستـزرع أربعة فدادين. وكانت إجابة طفلين آخرين تشير إلى أنهما ينتميان إلى أسرتين محدودتي الدخل للغاية، فكانت إحداهما ابنة ماسح أحذية، وكان الآخر يتيم الأب. وقال ضيـف الله، المهندس الزراعي في قرية زكرين "إن السنوات الأربع الماضية شهدت فائضاً في عـدد الأطفـال المستعدين للعمل". وفسر ذلك بقوله إن عملية جمع اللطع "تحـدث في فتـرة الانقطاع من المدرسـة، وفي وقت يتميز بالمعاناة الاقتصادية الشديدة" (66). والواقع أن اتجاه التعاونيات إلى توظيف أفقر أطفال الريف أكثر من غيرهم يعني تعريضهم بصفة خاصة لسوء المعاملة، والعمل ساعات طويلة، والمخاطر الصحية المرتبطة بعمليات مكافحة دودة القطن.
    وحتى عهد قريب، أي ما يقرب من عشر سنوات خلت، كانت التعاونيات كثيراً ما تلجأ إلى الإكراه للحصول على الأيدي العاملة اللازمة لجمع اللُّطع (67)، استناداً إلى قرار أصدرته وزارة الزراعة عام 1965 تلزم فيه مزارعي القطن بتقديم طفل واحد من أطفالهم على الأقل إلى التعاونية للعمل بأجر في جمع اللُّطع، وكانت تفرض غرامات مالية على المزارعين الذين لا يلتزمون بذلك (68). وذكر الأستاذ مدني، المهندس الزراعي بقرية السمرا ما يلي:
    كنا نقدم بلاغات ضد أي شخص لديه أرض مزروعة قطناً ولديه أطفال لم يقدمهم إلى الجمعية التعاونية. وكنا نحيل هؤلاء الأشخاص إلى النيابة، وكان على الشخص أن يدفع الغرامة ـ نحو خمسة جنيهات مصرية (1.36 دولار أمريكي)؛ وكان بمقدورنا أن نفعل ذلك [مع المزارع نفسه] كل يوم (69). وذكر أحد المزارعين في زكرين إن التعاونيات كانت أيضاً تستخدم وسائل أقسى وأشد لضمان الالتزام بتلك التعليمات، قائلاً "وكانت الشُرطة تقتاد الأطفال بالقوة [إلى التعاونيات]" (70).
    ولم تستطع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" العثور على حالات محددة في الآونة الأخيرة لتشغيل الأطفال بصورة قسرية، ولو مقابل أجر؛ ومع ذلك فربما كان استمرار الخوف من المحاكمة بموجب مرسوم 1965 يضطر بعض المزارعين إلى السماح لأطفالهم بالعمل في الجمعيات التعاونية. وقد أخبرنا المزارع المشار إليه آنفاً، من قرية زكرين، أنه يملك أربعة أفدنة ولا يحتاج من ثم إلى الدخل الذي يأتي به ابنه من العمل في جمع اللُّطع. وعندما سألناه عن السبب الذي جعل ابنه، على الرغم من ذلك، يشارك في ذلك العمل، أجاب قائلاً إن القانون يقضي بأن يقوم أحد أبنائه بذلك العمل وأنه إذا رفض السماح له بذلك، فقد يتعرض لرفع دعوى قضائية ضده (71). ولما كان جمع لُطع دودة القطع يجري في شهور الصيف، فهو عادة ما لا يتعارض مع تعليم الأطفال إلى نفس الدرجة التي تتعارض بها الأنشطة الزراعية الأخرى التي يعمل فيها الأطفال مثل حصاد المحصول. ومع ذلك فقد حدث في عام 1999 أن تأخرت امتحانات آخر العام الدراسي شهراً واحداً، فواجهت الجمعية التعاونية في قرية زكرين نقصاً في الأيدي العاملة المتاحة، ومن ثم وجهت جهودها إلى الأطفال الذين لم يلتحقوا بالمدارس (72). وكانت سلطات التعاونيات بذلك تخل بما التزمت به الحكومة، بموجب قوانين التعليم الصادرة في عام 1981 و1998، من توفير التعليم الإلزامي في المرحلة السابقة للدراسة الثانوية (73).
    وقد صادفنا حالة طفل التحق بالعمل على الرغم من معارضة والدته، وكانت تعيش دون زوج وتعتقد أنه من الأفضل لابنها تكريس وقته كله للدراسة، وقال لنا ذلك الطفل، واسمه نبيل عبدالستار، وكان في الثامنة عندما التحق بالعمل: كنت واقفاً في الشارع وجاء والي [الخولي] وقال إنه يريدني أن أنضم إلى مجموعة من خمسة عشر شخصاً في اليوم التالي، فوافقت؛ وطلبت من والدتي الموافقة ولكنها رفضت وقالت لي إنه من الأفضل لي أن أمكث في المنزل لاستذكار دروسي؛ ولكنني قلت لها إن العمل ينتهي في السادسة مساءً، وإنني أستطيع استذكار الدروس بعد ذلك. والواقع أنني كنت أريد العمل لأنها كانت أول مرة أعمل فيها وكنت سعيداً بها كل السعادة (74).
  • ظروف العمل
    يحظر قانون الطفل، على نحو ما سبق أن أشرنا، تشغيل الأطفال مدة تزيد على ست ساعات في اليوم، كما يحظر تشغيلهم في أيام الراحة الأسبوعية (75). ولكن الجمعيات التعاونية ضربت بهذه النصوص القانونية عرض الحائط في القريتين اللتين زرناهما، إذ جعلت الأطفال في زكرين والسمرا يعملون من السابعة صباحاً حتى السادسة مساءً، سبعة أيام في الأسبوع. كما ينص قانون الطفل على حق الأطفال في فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة (76)؛ وقد روعي هذا الحق في القريتين، فيما يبدو، إذ كان الأطفال في قرية زكرين يحصلون على فترة راحة من الواحدة إلى الثالثة بعد الظهر على كل يوم، وكانوا يتناولون خلالها الوجبات التي تحمل إليهم من المنزل ويلعبون. وكان الأطفال في قرية السمرا يُمنحون فترة راحة طولها ربع ساعة في العاشرة صباحاً، تتلوها فترة راحة للغداء في منتصف النهار، يتفاوت طولها بين ساعة وساعتين وفقاً لما قاله من قابلناهم (77).
    أما الخولة المشرفون على الأطفال فيعينهم المهندس الزراعي المسؤول عن القطن في كل قرية، ويتقاضون أجورهم من الجمعيات التعاونية، حيث يبلغ أجرهم ستة جنيهات مصرية (1.63 دولار أمريكي) في اليوم. وينص القانون على ألا تقل أعمارهم عن عشرين سنة، ولو أننا قابلنا في زكرين خولياً في التاسعة عشرة من عمره، وكان قد مضى عليه عامان في ذلك العمل (78).
    وقـال لنا الخولي المشار إليه من قرية زكرين إنه تلقى الأمر عند تعيينه "بأن يحسن معاملة الأطفال" (79)؛ ولكن ضرب الخولة للأطفال الذين يشرفون عليهم بات أمراً معتاداً، حتى صار الأطفال يقيسون مدى ترفق الخولي بشدة الضرب وعدد مراته؛ ويقول نبيل عبد الستار:
      الخولي المشرف علينا يترفق بنا ... فهو يضرب الغلام الذي يتعمد ترك لطعة [مجموعة بيض دودة القطن] إلا إذا أخطأ. وهكذا فهو يطلب من الغلام أن يبسط يده ويضربه بالعصا. أما إذا أجدنا العمل، فهو يريحنا ويقول إنه لن يضربنا، ثم يرمي العصا (80)
    .
      ويتفق فؤاد يونس ـ وهو في العاشرة من عمره وسبق له العمل تحت إشراف خوليين مختلفين ـ مع ما قالـه نبيل، إذ قال لنا "أكره أحدهما وأحب الآخر؛ فالذي أكرهه كان يضربني ويركلني إذا أغفلت ورقة [عليها لطعة]، أما الآخر فهو يترفق في ضربي وركلي" (81).
    فإذا زادت قسوة سوء المعاملة واشتدت، فقد يترك الطفل العمل - إذا كانت أسرته لا تعتمد على الدخل الإضافي الذي يأتي به - أو يطلب العمل تحت إشراف خولي آخر. وقال لنا والد أحد الأطفال في زكرين إن ابنه ترك العمل بعد عشرة أيام فحسب في عام 1999 بسبب تعرضه المتكرر للضرب (82). وقالت زهرة عثمان، وهي من قرية السمرا وفي التاسعة من عمرها، إن الفريق الذي تعمل فيه تناقص بصورة مطردة قائلة "إن آخر فريق عملت به بدأ باثنين وعشرين طفلاً، ولكن الأطفال لا يحبون الضرب، كما تعرف، فبدأوا ينضمون إلى فرق أخرى، حتى انخفض عدد فريقنا إلى اثني عشر طفلاً" (83). وتخضع حقول القطـن للتفتيش اليومـي مـن جانب موظفـي مكافحة الآفات بالجمعية التعاونية، وللتفتيش الدوري من جانب المهندس الزراعي (84)، ولكن معاملة الخولة للأطفـال لا تخضـع فيمـا يبـدو لأي رقابة منتظمة؛ فالهدف من الزيارة يقتصر على تقديـر مستويـات الإصابة في كـل حقل، ومحاسبـة الخولي عن أداء الفريق التابع لـه. وقال خولي فـي قرية السمرا "يقـوم مهندس زراعي بالإشراف على عملي، وهو يعاقبني إذا اكتشف أي خطأ في عمل أحد الأطفال" (85). وقال طفل من نفس القرية "هناك ملاحظون أعلى من الخولة، فهم يفتشون عملنا ويصرخون في وجوه الخولة" (86).
    والإرهاق البدني في الجو الحار يعرض العاملين لخطر الإصابة بأمراض ترجع إلى شدة الحرارة (87)، من بينها الإنهاك بسبب الحر، حيث يؤدي فقد سوائل الجسم إلى الإجهاد وانخفاض ضغط الدم وانهيار الدورة الدموية؛ ومنها ضربة الحر"الشمس" حيث يؤدي الجفاف إلى اختلال عمل جهاز تنظيم الحرارة في الجسم؛ ويمكن أن تؤدي ضربة الحر إلى الوفاة، كما يمكن أن تتسبب في إحداث تلف دائم بالمخ .(88)
    وكما سبق أن ذكرنا فإن قانون الطفل يشترط على أصحاب العمل أن يوفروا للأطفال وسائل الحماية الشخصية وأن يرشدوهم إلى سبل استخدامها، إلى جانب المياه النقية. ولكن الجمعية التعاونية في قرية السمرا لم تكن تقدم للأطفال، فيما يبدو، ما يلزمهم من ملابس واقية أو آنية حمل مياه الشرب. وقال لنا الأطفال الذين التقينا بهم في القرية إنهم اشتروا قبعات في بداية موسم جمع اللُّطع، وجمعوا المال اللازم لشراء دلو مشترك لحمل الماء، بحيث تقوم إحدى الفتيات الأكبر سناً، والتي يختارها الخولي، بملء الدلو من حين لآخر بالماء من أقرب مضخة ماء في الحقل (89).
    وكانت الموافقة على طلبات المياه تخضع فيما يبدو للسلطة التقديرية للخولي، وإن كانت الأحوال تتفاوت كثيراً من فريق لآخر؛ إذ قالت زهرة عثمان "إن من مزايا الخولي المشرف علينا هو أنه كان يحضر لنا الماء كلما طلبناه" (90). وقال لنا بعض الأطفال في زكرين إنهم لا يسمح لهم بشرب الماء إلا في فترة الاستراحة الأولى وطولها ربع ساعة، وذكر آخرون أنه كان يسمح لهم بالشراب كلما أرادوا (91).
  • التعرض للمبيدات
    كثيراً ما ترتبط حالات التسمم الحاد بالمبيدات بالتعرض للمبيدات الفوسفاتية العضوية أو الكربماتية، وتسمح وزارة الزراعة المصرية باستخدام عدة أنواع مسجلة لديها منها في منتصف الموسم لمكافحة دودة ورق القطن ودودة لوز القطن. ومن الأعراض الأولية للتسمم بهذه الكيماويات: الإرهاق، والصداع، والدوار، أو تشويش الرؤية، والتقلص العضلي، والغثيان، والقيء، والإسهال. وقد يؤدي التعرض لها أيضاً إلى تغيير في سرعة ضربات القلب وصعوبة في التنفس، كما يؤدي في الحالات المتأخرة إلى التشنجات أو الغيبوبة أو الوفاة (92). وقد يؤدي استمرار التعرض لمبيدات معينة إلى اضطرابات بالجهاز العصبي، والغدد الصماء، والجهاز التناسلي، وغير ذلك من الآثار المزمنة (93).
    وتبرز المخاطر الصحية الكامنة في التعرض للمبيدات بوضوح وجلاء في الأطفال الذين قد تصل إليهم مخلفات المبيدات في أعمالهم الزراعية، أو عن طريق انتقالها في الهواء أو المياه الجوفية الملوثة بها، أو الإنتاج الزراعي أو التربة نفسها. ويتسم الأطفال بالقابلية الشديدة للتسمم بالمبيدات، إذ إن الرقة النسبية لأدمة جلد الأطفال وبشرتهم تسهل امتصاص الكيماويات الخطرة، وتعتبر نسبة مساحة سطح الجسم إلى حجم الجسم أعلى بكثير لديهم من نسبتها لدى الكبار مما يتيح نسبة امتصاص أعلى للجلد. كما أن الأجهزة العضوية التي لم تصل إلى حد النضـج في الأطفال قد تزيد أيضـاً من امتصاص الكيماويات السامة؛ ويضاف إلى ذلك ارتفاع معدلات التمثيل الغذائي واستهلاك الأوكسجين مما يزيد من ارتفاع معدلات تدفق الهواء في الرئتين ويسهّل استنشاق المبيدات. ونلاحظ في نفس الوقت أن قدرة كليتي الطفل وكبده على تمثيل وإخراج المواد السامة من الجسم قد تقل عما هي عليه في الكبار (94).
    وقال عدة أطفال ممن أجرينا لقاءات معهم في قرية زكرين إن حقول القطن كان يجري رشها بالمبيدات أثناء قيامهم بجمع اللُّطع (95). وأكد مزارع محلي ما رواه الأطفال قائلاً إن الأطفال ينقلون إلى منطقة مجاورة للحقل الذي يعملون فيه قبل رشه بالمبيدات ثم يعادون إليه بعد الرش مباشرة (96). وأما هشام ضيف الله، المهندس الزراعي المحلي المختص بالقطن، فقد رفض أن يناقش استخدام المبيدات مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، واقتصر على القول بأن الرش يجري بعد انتهاء المكافحة اليدوية لدودة ورق القطن ووفقاً "للإجراءات المنصوص عليها قانوناً لاستخدام المبيدات" (97).
    وقد تتفاوت التدابير المتخذة لحماية العمال الزراعيين الأطفال من التعرض للمبيدات تفاوتاً كبيراً من قرية إلى قرية؛ فقد أخبرنا الأطفال في قرية السمرا أنهم ينقلون إلى خارج حقول القطن أثناء عملية الرش، ثم يعودون إليها في اليوم التالي أو اليوم الذي يليه (98). ولكن فترة تحلل المبيد تختلف باختلاف نوعه، والفترات الفاصلـة التي تتراوح بين أربع وعشرين وثمانٍ وأربعين ساعة بعد الرش قد لا تكون كافية في بعض الحالات لحماية العمال الزراعيين من التعرض لمخلفات المبيدات (99).
    وهناك عدد من الأنشطة الأخرى المتعلقة بمكافحة آفات القطن، إلى جانب جمع اللُّطع، قد يتعرض فيها الأطفال للكيماويات السامة؛ وأكثر أنواع أجهزة الرش شيوعاً في مصر حالياً هي جهاز رش بمحرك يحمله الفرد على ظهره، وجهاز تنقيط يعمل بمضخة يدوية، مما يعتبر أسلوباً فعالاً وزهيد التكاليف لرش المبيدات(100) . ومع ذلك فأحياناً ما يشارك الأطفال في استخدام نظام قديم للرش، يتكون من مضخة بمحرك، لها خرطوم ذو فُوَّهة واسعة تسمح برش محصول القطن إلى درجة التشبع بالمبيدات. وقد عادت المضخة ذات المحرك إلى الشيوع إلى حد ما، وفقاً لما قاله أحد خبراء التنمية، وهو يقيم في القاهرة ويقوم بزيارات كثيرة إلى الريف. ويساعد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة في استخدام هذه المضخة أحياناً، فقد يُستعان بنحو ستة أطفال لحمل خرطومها الذي يتراوح طوله بين 200 و300 متر، مما يتسبب في إصابتهم في التلوث الشديد بالمبيدات في غضون ذلك العمل (101). كما ورد أن الأطفال يشاركون في إعداد رشاشات المبيدات للاستخدام وتنظيفها بعد الاستخدام (102).
    ويشارك في رش الأوراق المصابة بدودة القطن العاملون في قسم مكافحة الآفات بالجمعيـات التعاونيـة والمزارعون الأفراد في الأراضي التي يزرعونها؛ فإذا تبين من الكشف أن مستوى الإصابـة قد تخطـى درجـة معينة سبـق تحديدهـا، فقد يصدر المهندس الزراعي تعليماته إلى العاملين بمكافحة الآفات برش المبيدات المسجلة لدى وزارة الزراعة للاستخدام في مكافحة دودة القطن في عام 1995 (103)، وأدرجت منظمة الصحة العالمية اثنين من هذه المبيدات في الفئة "Ib"، ومعناها مبيد "شديد الخطورة"، والثلاثة الأخرى في الفئة "II"، ومعناها "متوسط الخطورة"، استناداً إلى مستوى سُمّية العناصر الفعالة فيها عند تناولها بالفم أو ملامستها للجلد في التجارب التي اُجريت على فئران المختبرات (104).
    ويشرف هذا المهندس الزراعي أيضاً على برامج متزامنة مع برنامـج الرش المذكور لمكافحة دودة لوزة القطن. ووافقت وزارة الزراعة على تسعة وثلاثين مبيداً للاستخـدام ضد إصابات لـوزة القطـن خـلال عام 1995، من بينها تسعة من الفئة "Ib"، وخمـسة عشـر من الفئة "II"، واثنان من الفئة "III"، ومعنى الأخير هو مبيد ذو "أخطار طفيفة" (105). ولا يُسمَح للمزارعين باستخدام مبيدات دودة لوزة القطن بأنفسهم، ولكن العناصر الفعالة في العديد من مبيدات دودة اللوزة مسجلة للاستخدام مع المحاصيل الأخرى أو في مجالات الصحة العامة، كما يستخدمها المزارعون في مكافحة دودة لوزة القطن (106).
    وإذا قارنا قائمة المبيدات التي أوصت وزارة الزراعة باستخدامها عام 1995 بالمبيدات المستخدمة في مكافحة آفات القطن في مصر ما بين عامي 1971 و1992، وجدنا أن الوزارة قد خطت خُطوات كبيرة على طريق التقدم إذ أصبحت تحظر استخدام مبيد الميثيل باراثيون وغيره من المبيدات من الفئة "Ia"، ومعناها مبيد ذو "خطورة قصوى"، كما قللت كثيراً من عدد المبيدات المعتمدة من الفئة "Ib"؛ بل إن استخدام المبيدات نفسه قد انخفض بنسبة تزيد على 40 في المائة ما بين عامي 1991 و1996، وهو تطور يُعزى إلى العمل بنظام المكافحة المتكاملة للآفات، إلى جانب استخدام وسائل رش أكثر كفاءة في خلال الفترة نفسها (107). ولكن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" وجدت بعض الأدلة، في وقت زيارتها المذكورة، على تقويض بعض هذه الإنجازات وارتكاس بعضها الآخر.
    فلقد تصور مزارعو القطن الذين لم يتلقوا التوعية اللازمة بأساليب تطبيق استراتيجيات المكافحة المتكاملة للآفات، أن مستوى استخدام المبيدات قد انخفض عما ينبغي فتولوا تعويض النقص بزيادة الرش؛ فارتفع مقدار المبلغ الذي ينفقه مزارعو القطن في الفترة من 1991 إلى 1996 على المبيدات من 26 جنيهاً مصرياً (7.05 دولار أمريكي) إلى 178 جنيهاً مصرياً للفدان الواحد (48.24 دولار أمريكي) (108)؛ وكان الدعم الحكومي لأسعار المبيدات، والذي يبلغ ما لا يقل عن أربعين في المائة، من عوامل تخفيف العبء المالي، وإن كان من مفارقات هذا الدعم أنه قلل كثيراً من فاعلية برنامج المكافحة المتكاملة الذي وضعته وزارة الزراعة نفسها؛ ثم انخفض مقدار الدعم بنسبة أربعين في المائة في عام 1999، وفقاً لما ذكره أحد خبراء السموم المصريين الذي كان من المناضلين في سبيل تخفيض استخدام المبيدات (109). ومع ذلك فإن التعاونيات الزراعية ـ التي ظلت حتى عام 1997 مراكز التوزيع الوحيدة للمبيدات ـ تواصل بيع المبيدات بأسعار أقل كثيراً من قيمتها السوقية. وضرب أحد فلاحي قرية زكرين مثلاً لذلك بمبيد اسمه التجاري "دورسبان"، وتنتجه شركة داو الكيميائية، واسمه العلمي كلوربايريفوس، ويعتبر من المبيدات العضوية الفوسفاتية، قائلاً إن الجمعية التعاونية المحلية تبيعه بما لا يزيد إلا قليلاً عن نصف السعر الذي يبيعه به التجار في القطاع الخاص (110). وأما المبيدات التي لا يسمح للمزارعين باستخدامها لمكافحة آفات القطن، ومن بينها مركبات البيريثرويد وبعض المبيدات من فئة "Ib"، فيمكن الحصول عليها بسهولة من تجار القطاع الخاص (111).

    وقد بدأت وزارة الزراعة مؤخراً في التصدي لأوجه النقص المشار إليها في برنامج المكافحة المتكاملة للآفات، بإنشاء مجموعات تعليمية لتوعية مزارعي القطن بهذا البرنامج. والواقع أن هذه المجموعات تمارس عملها منذ موسم 1998-1999، طبقاً لمصدر ملم بأسلوب عملها، ويشارك فيها حالياً نحو 40000 مزارع، كما وضعت بعض الخطط للتوسع فيها على مدى فترة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أعوام، بحيث يشارك فيها جميع مزارعي القطن آخر الأمر.
    إن توافر المبيدات من فئة "Ib"، مضافاً إليه انخفاض مستوى الإشراف، واستخدام المبيدات دون داعٍ أو الإفراط في استخدامها، يؤدي إلى مخاطر صحية بالغة على العاملين الزراعيين مهما تكن أعمارهم.
    وتتوافر الأدلة أيضاً على أن بعض المبيدات من الفئة "II" تمثل خطراً شديداً على الأطفال؛ فهم أكثر قابلية من الكبار لامتصاص السموم البيئية والاحتفاظ بتركيزات أكبر في أجسامهم من هذه السموم، كما قد تكون لديهم حساسية أكبر لبعض المواد الكيميائية السامة في تركيزات معينة (112). ومن الأمثلة على ذلك المبيد كلوربيريفوس الذي أوصت باستخدامه وزارة الزراعة المصرية لمكافحة الإصابة بدودة ورق القطن ودودة لوز القطن أيضا(113). وهذا المبيد من الفئة "II"، طبقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية، بمعنى أنه مبيد "متوسط الخطر"، ولكنه مثل غيره من المبيدات العضوية الفوسفاتية من العوامل المثبطة لإنزيم كولينستراز اللازم لقيام الجهاز العصبي بوظائفه على الوجه الصحيح (114). وقد أصدرت هيئة حماية البيئة بالولايات المتحدة في 8 يونيو/حزيران دراسة تتضمن تقييماً معدلاً لمخاطر مادة الكلوربيريفوس، تقول فيها إنه قد تبين أن "الفئران الصغيرة السن أكثر حساسية من الفئران البالغة للتأثيرات السامة على الجهاز العصبي التي يسببها الكلوربيريفوس، وأن المخ في مرحلة النمو يكون شديد التأثر بالكلوربيريفوس".
    كما وجدت الدراسة، فيما يتعلق بتثبيط إنزيم الكولينستراز، أن الفارق بين استجابة الفئران صغيرة السن والبالغة لجرعة صغيـرة نسبياً مـن الكلوربيريفوس كان يتراوح بين ضعفين وخمسة أضعاف، فإذا تكررت الجرعات ازداد الفارق إلى نحو تسعة أضعاف (115). وبناءً على هذه النتائج حظرت هيئة حماية البيئة معظم استخدامات هذه المادة في غير الأغراض الزراعية، بل فرضت قيوداً على استخداماتها الزراعية، وأمرت بالالتزام بقائمة معدلة للفواصل الزمنية اللازم مراعاتها بين مرات استخدام هذا المبيد بالنسبة لجميع المحاصيل الزراعية (116).
    وعلى الرغم من أن المواد العضوية الفوسفاتية قد حظيت بدراسات أكثر من غيرها بسبب تأثيرها في صحة الأطفال، فإن هناك مجموعات أخرى من المبيدات التي قد تكون لها آثار مختلفـة في الأطفال؛ إذ بينت دراسة حديثة أن أنواعاً معينة من مواد البيروثرويد "تؤثر فـي النشاط الهرموني الذي قد يغيـر من مسار نمو الجهازين العصبي والتناسلي في مراحله المبكرة" (117).


  • الصفحة الرئيسية || حقوق الطفل || موضوعات عالمية || البريد اللإلكتروني