Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
  
لحظة واحدة تمحو كل شيء:
التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين

محتويات التقرير :-
  • ملخص
  • التوصيات
    الفصل الثالث
  • التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين
  • الهجمات
  • هوامش الفصل الثالث
    الفصل الرابع
  • المعايير القانونية
  • الانتقام وأعمال الردع
  • هوامش الفصل الرابع
    الفصل الخامس
  • هياكل واستراتيجيات المنظمات المنفذة للعمليات
  • "كتائب شهداء الأقصى"
  • هوامش الفصل الخامس
    الفصل السابع
  • دور السلطة الفلسطينية
  • مدفوعات السلطة الفلسطينية للمسلحين
  • خلاصة
  • ملحق
  • هوامش الفصل السابع
    اقرأ ايضا
  • مركز العاصفة:
    دراسة حالة لانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الخليل
  • الأمم المتحدة: تقرير "معيب" عن الأحداث في جنين
  • لا بد من التحقيق في جرائم الحرب في جنين
  • "كتائب شهداء الأقصى"


    ظهرت "كتائب شهداء الأقصى" في أعقاب تفجر المصادمات الإسرائيلية الفلسطينية في سبتمبر/أيلول 2000 وتتألف من مجموعات محلية من النشطاء المسلحين، أغلبهم على ما يبدو من المرتبطين بحركة "فتح". وجاءت القوة الدافعة لتشكيل "كتائب شهداء الأقصى" من بعض النشطاء المقيمين في مخيم بلاطة للاجئين قرب نابلس في أواخر عام 2000 أو أوائل عام 2001. وأعلنت "كتائب شهداء الأقصى" المسؤولية عن عدة هجمات على الأهداف العسكرية الإسرائيلية، وكذلك عن عدة هجمات كبيرة أُطلق فيها الرصاص دون تمييز على المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل، بما في ذلك هجوم وقع في العفولة في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 وهجوم آخر على حفل في الخضيرة في يناير/كانون الثاني 2002، فضلاً عن العديد من هجمات إطلاق النار على المستوطنين الإسرائيليين.

    وقد أعلنت "كتائب شهداء الأقصى" المسؤولية عن 12 على الأقل من بين 38 تفجيراً انتحارياً استهدفت المدنيين الإسرائيليين في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب 2002. وخلافاً لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ترتبط "كتائب شهداء الأقصى" بالفصيل الحاكم في السلطة الفلسطينية، وليس بالجماعات السياسية المنافسة للسلطة الفلسطينية و"فتح". ويرى الكثيرون، بما في ذلك السلطات الإسرائيلية، أن هجمات "كتائب شهداء الأقصى" التي تستهدف المدنيين تعبر عن سياسة رسمية لقيادة "فتح"، والسلطة الفلسطينية بالتبعية، تؤيد الهجمات الانتحارية على المدنيين.

    والروابط بين "فتح" و"كتائب شهداء الأقصى" معقدة وغير محددة في الوقت نفسه. ويعتبر زعماء ونشطاء "كتائب شهداء الأقصى" أنفسهم عادة من "فتح". وتحمل أوراق المراسلات الرسمية "لكتائب شهداء الأقصى" شعار "فتح" وكذلك مواقعها على الإنترنت التي تتيح أيضاً الوصول إلى بيانات "فتح" ووثائقها. ويظهر كذلك على ملصقات صور الشهداء وبيانات إعلان المسؤولية الخاصة "بكتائب شهداء الأقصى" شعارا كل من الكتائب و"فتح". وتفيد الوثائق التي صادرها جيش الدفاع الإسرائيلي في إبريل/نيسان 2002 وأتاح الاطلاع عليها، أن بعض أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" طلبوا في عام 2001 أموالاً من مسؤولي "فتح" للدعم الشخصي والعسكري على السواء. (انظر الفصل السابع).

    وكثيراً ما يشدد زعماء "فتح" على أن الحركة لم تتخذ قط قراراً بإنشاء "كتائب شهداء الأقصى" أو بالاعتراف بزعمها أنها "الجناح العسكري" لفتح. ومن الناحية الأخرى لم ينف أي من زعماء "فتح" أو مجلسها الثوري هذا الزعم أو يميز علناً بين "فتح" و"كتائب شهداء الأقصى"، حسب معلومات منظمة "مراقبة حقوق الإنسان". بل في الواقع، وكما أشرنا من قبل، وصف قائد "الأمن الوقائي" في الضفة الغربية، جبريل الرجوب، "كتائب شهداء الأقصى"، في تصريحات لصحيفة محلية في مارس/آذار 2002، بأنها "أنبل ظاهرة في تاريخ فتح لأنها أعادت كرامة الحركة وعززت القيادة السياسية والأمنية للسلطة الفلسطينية." وعلى المستوى المحلي احتفظ كثير من زعماء "فتح" بعلاقة "غامضة مع "كتائب شهداء الأقصى". فلم يتبرأ أغلب زعماء "فتح" من "كتائب شهداء الأقصى" أو يتنصلوا منها، إلا أنهم زعموا عدم وجود علاقة إشراف من ناحية وتبعية من ناحية أخرى بين أعضاء "فتح" و"كتائب شهداء الأقصى"، وأنهم لم يمارسوا قط سيطرة فعالة على "كتائب شهداء الأقصى".

    وفي عدة مرات منذ فبراير/شباط 2002 قام زعماء "فتح"، حسبما ورد، بجهود لوضع نهاية للهجمات على المدنيين التي تشنها "كتائب شهداء الأقصى". (انظر أدناه). وفي وقت كتابة هذا التقرير تحدى زعماء "كتائب شهداء الأقصى" هذه الجهود صراحة. وقد يقدم زعيم "فتح"، مروان البرغوثي، أو غيره من المعتقلين الفلسطينيين، خلال محاكمتهم، إجابات أكثر تحديداً فيما يخص مقدار المسؤولية التي يتحملها زعماء فتح كقادة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها "كتائب شهداء الأقصى"، إن كانوا يتحملون أي مسؤولية.

    الضلوع في التفجيرات الانتحارية

    أبلغ كثير من المحللين الفلسطينيين المحليين وأعضاء "فتح" منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، خلال مقابلات معهم، بأن "كتائب شهداء الأقصى" لجأت إلى التفجيرات الانتحارية لمجابهة التأييد الشعبي المتزايد "لحماس" (انظر أعلاه). فرغم أن "فتح" كانت تُعتبر على الدوام أبرز فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية"، فقد تأثر مركزها وصورتها بشدة نتيجة الفساد في صفوف السلطة الفلسطينية ووجود تصور شائع يفيد بأن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" انتزعتا منها زمام المبادرة في الكفاح ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي. واستُخدم في أول تفجير انتحاري "لكتائب شهداء الأقصى" أسلوب ضمن إثارة انتباه واسع، وهو استخدام امرأة، هي وفاء إدريس، في تنفيذ الهجوم. ومنذ ذلك الحين ميزت "كتائب شهداء الأقصى" نفسها بوضوح عن "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من حيث قبولها قيام نساء بالتفجيرات الانتحارية. كما استخدمت "كتائب شهداء الأقصى" بعض الأطفال، فقد كان ثلاثة من مرتكبي هجمات "كتائب شهداء الأقصى" في عام 2002 دون سن 18 عاماً (انظر أدناه).

    وتبرر "كتائب شهداء الأقصى" علناً استخدامها للتفجيرات الانتحارية بأنها النتيجة الحتمية لمعاناة الشعب الفلسطيني. وقال إبراهيم عبيات، زعيم "كتائب شهداء الأقصى" في منطقة بيت لحم، في مقابلة إن الهجمات على المدنيين داخل إسرائيل "جاءت نتيجة للضغوط الهائلة التي تحملها الشعب الفلسطيني في الآونة الأخيرة... هذه العمليات غير مقبولة بالمرة لنا في كتائب شهداء الأقصى، لكن هذه العمليات تكتسب بعض الشرعية عندما يقتل الاحتلال الأطفال والنساء في مخيماتنا في جنين، وطولكرم، ونابلس، والدهيشة..." وعندما سُئل "إذن فهل ترفض بصفتك من زعماء كتائب شهداء الأقصى التفجيرات الانتحارية؟" كان عبيات أقل جزماً.

    وقال "في نهاية الأمر لست سوى فرد بين أبناء هذا الشعب الفلسطيني. ما يولد الرغبة في الثأر من الإسرائيليين هو صمت الشعب الإسرائيلي إزاء سياسات شارون... لا بد من توجيه رسالة إلى الشارع الإسرائيلي: ما يحدث ليس في مصلحتكم."

    الهيكل

    يصف أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" أنفسهم بأنهم استمرار لمسيرة جماعات "فتح" المسلحة الأخرى، مثل "العاصفة" و"صقور فتح". وفي إحدى الوثائق المنشورة في موقع "كتائب شهداء الأقصى" على الإنترنت يصف عضو لم يُذكر اسمه إنشاء "كتائب الأقصى" بعد زيارة أرييل شارون للحرم القدسي الشريف (جبل الهيكل) في سبتمبر/أيلول 2000 قائلاً:
      كانت دماء الشهداء الستة في باحة الحرم وهم يصلون راكعين في 29/9/2000 إيذاناً بانطلاقة، وتجدد لحركة "فتح" طال انتظاره، واستمراراً لنضالات الشعب الفلسطيني المكافح. لقد ابتدأت مرحلة جديدة تبرز على السطح مع رجال جاءوا مع الشمس كما "العاصفة" وركضوا "شبيبة" باتجاه النصر بسرعة "الفهد الأسود"
    وبقدرة "الصقور" على الارتفاع في سماء الوطن فتشكلت "كتائب شهداء الأقصى" بوحداتها المختلفة في محافظات شمال الوطن وجنوبه [الضفة الغربية وقطاع غزة]، ومنها لجان المقاومة الشعبية وكتائب العودة، تشكلت إطاراً جامعاً لطالبي الشهادة من أبناء الوطن وتنظيم حركة "فتح" أعضاء وأنصار وأصدقاء.

    وفي مقابلة نشرتها صحيفة "الانتقاد" الأسبوعية اللبنانية قال أسامة النجار الذي عُرِّف بأنه "متحدث رسمي" باسم "كتائب شهداء الأقصى" إن الكتائب أُنشئت "في الشهر الأول للانتفاضة" وإن "إنشاءها أُعلن رسمياً في 1 يناير/كانون الثاني 2001 خلال العرض العسكري في ذكرى تأسيس حركة "فتح" [1 يناير/كانون الثاني 1965]. وتعتبر "كتائب شهداء الأقصى" قتل مستوطن صهيوني قرب قرية جلمة في الضفة الغربية في بداية 2001 أول عملية لها. وينتمي معظم قادة "كتائب شهداء الأقصى" المهمين، على ما يبدو، إلى شمال الضفة الغربية، واعتقلت إسرائيل كثيرين منهم، أو اغتالتهم، أو قُتلوا في اشتباكات مع جيش الدفاع الإسرائيلي. وقد أقر كل من نصر عويس، ومحمود التيتي، ورائد الكرمي صراحة بدوره في "كتائب شهداء الأقصى" قبل اعتقاله أو قتله.

    وتشير البحوث التي أجرتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، ووثائق جيش الدفاع الإسرائيلي، والمعلقون الفلسطينيون إلى أن "كتائب شهداء الأقصى" لا تعتمد مركزية القرار مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وقال عوني المشني، وهو عضو في اللجنة العليا "لفتح" في مخيم الدهيشة للاجئين قرب بيت لحم وأحد منتقدي الجماعة، "كتائب شهداء الأقصى هم مواطنون عاديون مرتبطون بفتح ويتحركون رداً على الهجمات الإسرائيلية. بوسع أي شخص الانضمام وإطلاق النار على مستوطنة. وقد بدأ التنسيق في وقت لاحق." وقد أكد واحد على الأقل من كوادر "كتائب شهداء الأقصى" القياديين وجود ارتباط مباشر بين الميليشيا وبين قيادة "فتح". وقال مسلمة ثابت الذي عُرِّف بأنه من قادة "كتائب شهداء الأقصى" في طولكرم ويبلغ من العمر 33 عاماً "جماعتنا جزء لا يتجزأ من فتح. والحقيقة هي أننا فتح نفسها لكننا لا نعمل تحت اسم فتح. نحن الجناح المسلح للمنظمة. نحن نتلقى تعليماتنا من فتح. وقائدنا هو ياسر عرفات نفسه." وسُئل نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم عرفات، عن تصريح ثابت فشدد على أن "الرئيس لا علاقة له بهذه الأمور وليس لديه ما يقوله بخصوص هذه المسألة."

    غير أن أغلب المراقبين والمشاركين في "كتائب شهداء الأقصى" يختلفون مع وصف ثابت. وجاء في تصريح "المتحدث" أسامة النجار أن "أعضاء كتائب شهداء الأقصى مقاتلون لا يخضعون لأي قرار سياسي ولا علاقة لهم بالصف الأول للسلطة الفلسطينية، على الرغم من أن بعض أعضائها يعملون في مناصب حساسة في الوزارات المدنية للسلطة الفلسطينية أو أجهزتها الأمنية... وكتائب شهداء الأقصى تحترم المصلحة الوطنية وتختار المكان والزمان لتنفيذ عملياتها." ووصف "كتائب شهداء الأقصى" بأنها تضم "مئات الأعضاء الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية والعشرين والثانية والخمسين، ممن أُفرج عنهم من السجون الإسرائيلية أو من طلاب الجامعات الفلسطينية، والذين يعملون أحياناً بتنسيق وأحياناً دون تنسيق."

    ويتفق بعض أعضاء الجماعات المسلحة الأخرى على أن "كتائب شهداء الأقصى" ليست ذات هيكل شديد الإحكام. وقال عضو في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في جنين "كتائب شهداء الأقصى في المنطقة هنا هي أيّ خمسة أو ستة أشخاص يطلقون على أنفسهم ذلك الاسم." ويقول دبلوماسي غربي رفيع يشارك في الاتصالات الأمنية بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية "لا توجد بنية أساسية [لكتائب شهداء الأقصى]، مجرد مجموعات صغيرة تتخذ بنفسها قراراتها الصغيرة."

    ويتفق هذا الوصف أيضاً مع إفادات أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" المعتقلين، ومن بينهم عبد الكريم عويس، وهو أحد قادة الجماعة من مخيم جنين للاجئين ويبلغ من العمر 31 عاماً. وقال عويس الذي تحتجزه إسرائيل الآن في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" رتبها جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي إن هجمات "كتائب شهداء الأقصى" "تُنظم على المستوى المحلي، وتأتي في كثير من الأحيان انتقاماً من قيام إسرائيل بقتل من تشتبه في أنهم من النشطاء، ويقوم بها متطوعون ممن أفصحوا عن استعدادهم لتنفيذ تفجيرات انتحارية أو هجمات بالأسلحة النارية." كذلك أبلغ لؤي شهاب، وهو من أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" وأخوه، كمال يوسف شهاب من القادة المتوسطين في الجماعة، منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن كمال يتشاور عادة مع نصر عويس أو محمود التيتي، زعيمي "كتائب شهداء الأقصى" المقيمين في نابلس ومخيم بلاطة للاجئين، قبل شن هجوم إلا إن "بوسعه في الظروف الطارئة أن يقرر بمفرده." ويرسخ هيكل القيادة الفضفاض القائم على النفوذ والتأثير الشخصيين هذه الطبيعة المحلية لتنظيم "كتائب شهداء الأقصى" فيما يبدو. ولا توفر أي من مجموعات الوثائق الفلسطينية التي يزيد عددها على 20 مجموعة، والتي أتاح جيش الدفاع الإسرائيلي الاطلاع عليها، دليلاً مادياً على وجود أي تسلسل للقيادة العسكرية بين مجموعات "شهداء الأقصى" وعرفات أو غيره من كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية و"فتح". ويحلل تقرير "لجهاز المخابرات العامة" التابعة للسلطة الفلسطينية، أتاح جيش الدفاع الإسرائيلي الاطلاع عليه، ثلاث خلايا مسلحة مختلفة "لفتح" في طولكرم، اثنتان منها على الأقل مرتبطة بوضوح "بكتائب شهداء الأقصى". وتتألف المجموعتان الموصوفتان في التقرير من زهاء 20 فرداً على وجه الإجمال، ويبدو من التقرير أنهما أقامتا بمبادرتهما الخاصة صلة مع شخصيات رئيسية في "فتح" و"كتائب الأقصى" واختارتا من بينهم واحداً (وفي حالة إحدى المجموعتين عدة أشخاص) كراع قد تتقدم من خلاله بطلبات الدعم. وتتباين علاقات الأعضاء مع "فتح" إلى حد بعيد على ما يبدو، فبعضها وثيق ويفصح عن مشاركة عميقة في الصراعات الداخلية على السلطة، وبعضها الآخر واه.

    وقال نصير برداوي، وهو من قادة "كتائب شهداء الأقصى" من منطقة نابلس، في مقابلة في مارس/آذار 2002، إنه "لا توجد بالمرة علاقة مباشرة" بين "كتائب شهداء الأقصى" والزعماء السياسيين مثل ياسر عرفات ومروان البرغوثي. لكن برداوي قال أيضاً إنه يعتبر الكتائب ملزمة بطاعة أي أمر سياسي مباشر من قمة القيادة الفلسطينية بالامتناع عن شن هجمات مسلحة. غير أن برداوي أصر في مقابلة أخرى على أن "كتائب شهداء الأقصى لم تنشأ بقرار من القيادة ولن تُحل بقرار منها." ويأتي رد فعل الكتائب إزاء محاولات "فتح" لحلها، أو لوضع نهاية للهجمات التي تشنها على المدنيين، والموصوفة لاحقاً مصداقاً لهذا الوصف الثاني.

    ودور مروان البرغوثي، أمين سر حركة "فتح" في الضفة الغربية، من الأدوار المختلف عليها بشدة. ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أن البرغوثي كان زعيماً "لكتائب شهداء الأقصى" حتى اعتقاله في إبريل/نيسان 2002. وقد أحالته وزارة العدل الإسرائيلية في 14 أغسطس/آب 2002 إلى محكمة تل أبيب الجزئية متهمةً إياه بأنه "مؤسس كتائب شهداء الأقصى" وأنه استخدم أموالاً "من مصادر مختلفة داخل إسرائيل وخارجها"، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، "في تمويل كثير من الأنشطة التي نفذتها خلايا إرهابية في الضفة الغربية."

    ولم يقر البرغوثي بأنه قام بمثل هذا الدور، إلا إن الوثائق التي أتاح جيش الدفاع الإسرائيلي الاطلاع عليها تشير إلى أن البرغوثي كان، على الأقل، راعياً لعدد من مجموعات "كتائب شهداء الأقصى" ويحيل طلبات المساعدة المالية الفردية إلى ياسر عرفات. وأبلغ صحفي فلسطيني مطلع مقيم في نابلس منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن البرغوثي كان "يتمتع بشعبية كبيرة واحترام شديد" في المنطقة. وقال الصحفي "كان الوجه النضالي لفتح لكن وسيلته الرئيسية للاتصال مع الناس كانت المقابلات مع تلفزيون الجزيرة." وأضاف "وعندما قال 'الانتفاضة ستستمر' كان يعبر عن سياسة لا عن رأيه الشخصي فحسب. لكنه قاوم جهود كتائب شهداء الأقصى المحلية لتوريطه في المساعدة في تحديد جدول أعمالها." وستدرس منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" الأدلة على المزاعم الموجهة إلى البرغوثي وغيره من النشطاء التي سيتم إعلانها في أي محاكمة قد تُعقد.

    وقد أصر مسؤولو "فتح" مراراً على أن العناصر العسكرية المسؤولة عن الهجمات لا تخضع لسيطرة القيادة السياسية. ففي مقابلة مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان"، على سبيل المثال، قال حسين الشيخ، وهو من زعماء "فتح" السياسيين الذين طالما أيدوا "كتائب شهداء الأقصى" في حديثهم لوسائل الإعلام "أنا ضد المساس بالمدنيين... سأبلغكم بشيء مهم: لم تتم كل الأعمال العسكرية لكتائب الأقصى بموافقة الجناح السياسي."

    وأشار محمد عبد النبي، وهو من زعماء "فتح" في مخيم الدهيشة للاجئين، إلى أن إقرار كثير من أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" بالارتباط بفتح لم يكن يعني بالضرورة الامتثال لقراراتها، مثل البيان الذي دعت فيه اللجنة المركزية لفتح في أواخر مايو/أيار لوقف الهجمات داخل إسرائيل وحل الميليشيا. وأضاف عبد النبي في مقابلة مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" "ولذلك عندما يسجل شخص ما شريط كاسيت ويقول إنه من فتح ـ لا يمكننا أن نعترض على هذا. إنه بطل في المجتمع المحلي. وفي المجتمع المحلي لا تعني اللجنة المركزية الكثير." وفي مقابلة أخرى مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" استنكر حسام خضر، وهو عضو في اللجنة العليا لفتح من مخيم بلاطة للاجئين، الهجمات على المدنيين التي تُستخدم فيها التفجيرات الانتحارية، لكنه أشار إلى أن تلك الهجمات تحظى في تقديره "بتأييد يقرب من 80 في المائة." وأضاف "لكن القادة يُفترض أن يقودوا. والمشكلة هي الفجوة الكبيرة بيننا وبين القيادة التقليدية. الأجيال الجديدة لا تحترمها. لا وجود لفتح ـ بل مجرد أناس يطلقون على أنفسهم فتح." وكان الانفصال بين البيانات الرسمية "لفتح" وأنشطة "كتائب شهداء الأقصى" واضحاً على وجه الخصوص في المرات العديدة التي حاول فيها زعماء "فتح" حل الكتائب. ففي 7 فبراير/شباط 2002، مثلاً، عقدت قيادة "فتح" في رام الله، حسبما ورد، اجتماعاً سرياً قررت فيه حل الكتائب. وصدر بيان باسم الكتائب في غزة يقبل القرار، إلا أن بياناً ثانياً أُرسل بالفاكس من الضفة الغربية رفضه. وقال البيان "إننا ندين من يريدون إثارة البلبلة بإعلان حل الكتائب. سنظل مخلصين لدماء شهدائنا وسنواصل عملياتنا." ونقل الكثير من التقارير الإخبارية في المواقع العربية والإسلامية على الإنترنت عن زعماء "كتائب شهداء الأقصى" قولهم إن الكتائب لم تنشأ بقرار من أي منظمة أو جماعة رسمية ولا يمكن حلها بمثل هذا القرار أيضاً.

    وفي أواخر مارس/آذار 2002، أصدر نصر عويس، وهو كما تدل جميع الأنباء من قادة "كتائب شهداء الأقصى" في شمال الضفة الغربية، منشوراً أعلن فيه نفسه الزعيم العام "لكتائب شهداء الأقصى" وقال إن الكتائب "مستمرة على طريق... المقاومة المسلحة... سنتنافس فيما بيننا على السبق في نيل الشهادة" على الرغم من إعلان الرئيس عرفات وقف إطلاق النار. وقال عويس في مقابلة صحفية "الرئيس عرفات نفسه لا يمكنه أن يطلب منا أن نقبل أن تذبحنا إسرائيل مثل الغنم دون أن ندافع عن أنفسنا." وأضاف "إنهم يواصلون احتلالهم ولذلك فسنواصل الكفاح." وشدد عويس على أن "كتائب شهداء الأقصى" "لا تستهدف إلا جنودهم ولكن عندما يقتلون مدنيينا لا يسعنا سوى الرد."
    وأبلغ محللون فلسطينيون وإسرائيليون منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن بعض أنصار "كتائب شهداء الأقصى" في شمال الضفة الغربية قد يتلقون أيضاً بعض الدعم المالي من منير المقداح، وهو من زعماء "فتح" في مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان، مما يزيد من ضعف نفوذ عرفات في تلك المنطقة. وكان المقداح قد انشق على عرفات في عام 1993 احتجاجاً على اتفاقات أوسلو، ويشيع عنه أن له علاقات وثيقة مع "حزب الله"، وإيران، وسوريا. وفي أواخر مايو/أيار 2002 أفادت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية اليومية نقلاً عن مصادر في جهاز "شين بيت" أن زعيم "كتائب شهداء الأقصى" نصر عويس الذي اعتقلته القوات الإسرائيلية أبلغ المحققين بأن المقداح قدم له ما يتراوح بين 40 و50 ألف دولار على مدى العام السابق لتمويل شراء سلاح ومتفجرات، وأنهما كانا يتحادثان كل أسبوع. ونقلت صحيفة "جيروزالم بوست" في نبأ نشرته في أغسطس/آب 2002 عن مسؤول في "فتح" لم تذكر اسمه قوله إن المقداح استخدم أموالاً من سوريا وإيران "لتقويض القيادة المحلية لفتح وإقامة قواعد لنفوذه هناك" مشيرة على وجه التحديد إلى جنين، وطولكرم، ونابلس.

    وفي مايو/أيار 2002، أفادت صحيفة "الحياة" بأن "المجلس الثوري" لحركة "فتح" المؤلف من 130 عضواً أصدر بياناً يدين فيه "العمليات العسكرية داخل إسرائيل... لأنها في أغلب الأحوال ذات أثر سلبي على المقاومة الوطنية." لكن كوادر فتح أصروا في وقت لاحق على أن البيان لم يصدر. وتناول علي مهبول، أمين سر حركة "فتح" لمنطقة نابلس مشروع بيان مايو/أيار 2002 في مقابلة مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" قائلاً إن قيادة "فتح" "ناقشت سبل السيطرة على ردود" "كتائب شهداء الأقصى" على الهجمات الإسرائيلية. وأضاف أنه كان من بين الاقتراحات تكليف زعماء من فتح بمراقبة أعمال "كتائب شهداء الأقصى" والسيطرة عليها، "لكن القرار لم يُتخذ. ما زلنا نناقشه ـ إنه بالغ الصعوبة والحساسية." ورداً على جهود قادتها "فتح" للتفاوض على برنامج مشترك لكل الفصائل يقوم على أساس وقف الهجمات على المدنيين داخل إسرائيل وإعلان من "فتح" بوقف مثل هذه الهجمات، أعلنت "كتائب شهداء الأقصى" في 12 أغسطس/آب 2002، حسبما ورد، أنها ستواصل مثل هذه الهجمات في واقع الأمر "ما لم تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية، وتفرج عن السجناء الفلسطينيين، وتكف عن اغتيال الزعماء الفلسطينيين." وتكرر رد الفعل ذاته في منتصف سبتمبر/أيلول 2002 عندما سُرب نص بيان "لفتح" يرفض كل الهجمات على المدنيين إلى الصحافة الإسرائيلية وتعرض لانتقاد حاد من "كتائب شهداء الأقصى" في شمال الضفة الغربية. وحتى وقت كتابة هذا التقرير لم تكن "فتح" قد اتخذت بعد أي خطوة ملموسة للتمييز بينها وبين "كتائب شهداء الأقصى" أو لممارسة ضغوط سياسية لوضع نهاية لهجمات الكتائب على المدنيين. وقد قدم عوني المشني وجهة نظر كثير من زعماء "فتح" المحليين ممن انتقدوا التفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين عندما أبلغ منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن من المتعذر تطبيق أي مبادرة مثل تلك التي بحثها المجلس الثوري "لفتح" في مايو/أيار دون خطوة ما في المقابل من جانب إسرائيل. وقال "قد تقول فتح أوقفوا [الهجمات] لكن لن ينصت أحد."

    ويمكن القول إجمالاً إن هيكل القيادة في "كتائب شهداء الأقصى" يتركز فيما يبدو على المستوى المحلي لكنه فعال. وقد امتنع أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" عن تنفيذ تفجيرات انتحارية ضد المدنيين في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2000 إلى يناير/كانون الثاني 2002، أو كانوا غير قادرين على القيام بذلك. وبدءاً من يناير/كانون الثاني فما تلاه كانت أعمال "كتائب شهداء الأقصى" نذيراً بزيادة حادة في تواتر الهجمات الانتحارية. وأعضاء "كتائب شهداء الأقصى" الذين دبروا مثل هذه الهجمات أو شاركوا فيها يتحملون المسؤولية الجنائية بصفتهم الفردية عن أفعالهم، ويمكن تحميل زعمائهم المحليين المسؤولية، سواء المسؤولية المباشرة، أم المسؤولية عن الهجمات التي يرتكبها مرؤوسوهم على المستوى المحلي بموجب مبدأ مسؤولية القيادة. إلا إن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" لم تجد، وفقاً للأدلة المتاحة حالياً، أن لمسؤولي فتح علاقة الإشراف من ناحية والتبعية من ناحية أخرى مع "كتائب شهداء الأقصى" أو السيطرة الفعالة اللازمة لتحميل قيادة فتح المسؤولية الجنائية عن أفعال الكتائب.

    "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"

    تستمد "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، التي كانت يوماً تعتبر نفسها بديلاً ماركسياً للجماعات الوطنية الفلسطينية الرئيسية، أصولها من "الحركة القومية العربية". وكانت "الحركة القومية العربية" أُسست في بيروت بلبنان في عام 1948 في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وقيام دولة إسرائيل. وأسس الأمين العام الأول "للحركة القومية العربية"، جورج حبش، "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عام 1967 في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الثانية وانتُخب أول أمين عام لها. واكتسبت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" سمعة سيئة في أواخر الستينات وأوائل السبعينات لدورها في خطف بعض طائرات الركاب.

    وعارضت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عمليتي مدريد وأوسلو للسلام، وعلقت مشاركتها في "منظمة التحرير الفلسطينية" عدة سنوات بعد التوقيع عام 1993 على إعلان المبادئ بين إسرائيل و"منظمة التحرير الفلسطينية". وتنحى حبش عن منصبه في الجبهة لأسباب صحية في يوليو/تموز 2000 وخلفه أبو علي مصطفى، وهو عضو مؤسس "بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" والقائد العام السابق لقواتها العسكرية ونائب أمينها العام منذ عام 1972. وبذلت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" مساعي حتى يقيم مصطفى في المناطق التابعة للسيطرة الفلسطينية وسمحت له إسرائيل بالعودة إلى أراضي السلطة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 1999 في أعقاب مصالحة بين "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"منظمة التحرير الفلسطينية". وخلال المصادمات الحالية أعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" المسؤولية عن ثلاثة تفجيرات انتحارية تستهدف المدنيين إضافة إلى تفجير سيارات ملغومة أدت، حسبما ورد، إلى إصابة عشرات من المدنيين. وفي أغسطس/آب 2001 قُتل أبو علي مصطفى في هجوم صاروخي إسرائيلي على مكتبه في الضفة الغربية. وخلفه أحمد سعدات في منصب الأمين العام وعبد الرحيم ملوح في منصب نائب الأمين العام. واعتقلت السلطة الفلسطينية سعدات في 15 يناير/كانون الثاني 2002 بعد أن استُدرج، حسبما ورد، إلى اجتماع في أحد الفنادق مع رئيس "جهاز المخابرات العامة" الفلسطيني في الضفة الغربية توفيق الطيراوي. وهو حالياً محتجز في أريحا تحت إشراف أمريكي بريطاني. واعتقل جيش الدفاع الإسرائيلي ملوح في أواسط يونيو/حزيران 2002.

    وكانت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" تدعو في الماضي إلى "تحرير" كل فلسطين التاريخية. وقد استمر أحدث برنامج للجبهة، والذي أُعلن في مؤتمرها العام السادس في 7 يوليو/تموز 2000، في رفض اتفاقات أوسلو والاتفاقات اللاحقة بين "منظمة التحرير الفلسطينية" وإسرائيل، إلا أنه قبل بأن واقعاً جديداً نشأ منذ أوسلو ولا يمكن تجاهله، وهو قيام السلطة الفلسطينية وانسحاب الجنود الإسرائيليين من عشر مدن فلسطينية. ويدعو البرنامج إلى إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود عام 1967، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. الضلوع في التفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين في إطار المصادمات الحالية سُلطت الأضواء على "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في أكتوبر/تشرين الأول 2001 عندما اغتال جناحها العسكري "كتائب أبو علي مصطفى" وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زيئيف في 17 أكتوبر/تشرين الأول. وقبل هذا الهجوم أعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" المسؤولية عن خمسة حوادث تفجير سيارات ملغومة، منها أربعة تفجيرات وقعت في القدس خلال سبع ساعات في 4 سبتمبر/أيلول 2001 وأدت إلى إصابة تسعة أشخاص.

    وحتى نهاية أغسطس/آب 2002، كانت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" قد أعلنت المسؤولية عن ثلاثة من هجمات التفجير الانتحاري التي تستهدف المدنيين. وفي 16 فبراير/شباط 2002 نسف مفجر انتحاري نفسه في مركز تجاري في مستوطنة كارني شومرون بالضفة الغربية وقتل ثلاثة صبية وجرح زهاء 30 شخصاً. وأعلنت "كتائب أبو علي مصطفى" التابعة "للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" المسؤولية عن الهجوم في بيان جاء فيه أن المفجر صادق عبد الحافظ جاء من بلدة قلقيلية بالضفة الغربية. أما الهجوم الثاني الذي جُرح فيه 15 شخصاً فاستهدف بهو فندق في ضواحي مستوطنة أرييل يوم 7 مارس/آذار. وفي الهجوم الثالث، يوم 19 مايو/أيار، تخفى المفجر الانتحاري في هيئة جندي إسرائيلي ونسف نفسه في سوق مقامة في الهواء الطلق في نتانيا فقتل ثلاثة أشخاص وأصاب 59 آخرين. وأعلنت "حماس" أيضاً مسؤوليتها عن هذا الهجوم.

    ولم تزعم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أي فصل بين جناحها العسكري وزعمائها السياسيين. وكما هو الحال بالنسبة للجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى التي دبرت عمداً وتكراراً هجمات انتحارية على المدنيين، فإن الأشخاص الذين نفذوا هجمات على المدنيين، أعلنت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" المسؤولية عنها، يتحملون المسؤولية الجنائية عن أفعالهم بصفتهم الفردية. ويتحمل زعماء "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أيضاً المسؤولية الجنائية سواء بصورة مباشرة أم بموجب مبدأ مسؤولية القيادة.

    تجنيد الأطفال واستغلالهم

    أقرت السلطة الفلسطينية آليات دولية تحظر استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشرة في العمليات الحربية. وفي إبريل/نيسان 2001، أرسلت وفداً إلى مؤتمر إقليمي بخصوص استخدام الجنود من الأطفال؛ وأصدر المؤتمر قراراً يعلن أن "استخدام أي طفل دون سن الثامنة عشرة من العمر في العمليات الحربية من جانب أي قوة مسلحة أو جماعة مسلحة غير مقبول." وفي 9 مايو/أيار 2002، ألقى ممثل السلطة الفلسطينية كلمة أمام الدورة الخاصة للأمم المتحدة بخصوص الطفولة ونادى بتطبيق البروتوكول الاختياري الملحق "باتفاقية حقوق الطفل" الذي يحظر تجنيد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً واستخدامهم في العمليات الحربية.

    وكان أغلب مرتكبي هجمات التفجير الانتحاري شباناً تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً. إلا إن ثلاثة على الأقل من التفجيرات الانتحارية نفذها أطفال، أي أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عاماً. ونُفذ اثنان منها على الأقل انطلاقاً من منطقة بيت لحم، وأعلنت "كتائب شهداء الأقصى" المسؤولية عن الهجمات الثلاثة. فقتل محمد دراغمة، الذي كان عمره 17 عاماً، نفسه وخمسة أطفال آخرين عندما نفذ هجوماً انتحارياً "لكتائب شهداء الأقصى" في 2 مارس/آذار 2002 في حي يغلب عليه اليهود المتشددون في القدس (قُتل 11 مدنياً وجُرح ما يقرب من 50 آخرين). وفي هجوم آخر "لكتائب شهداء الأقصى" في حديقة في ريشون ليتسيون يوم 22 مايو/أيار 2002، قتل عيسى بدير الذي كان في السادسة عشرة من عمره اثنين من المدنيين وجرح ما لا يقل عن 24 آخرين. أما الطفل الثالث من المهاجمين الانتحاريين الثلاثة فهو ماجد عطا الذي كان عمره 17 عاماً عندما قتل نفسه وجرح خمسة أشخاص في هجوم على مطعم للفلافل في وسط القدس في 30 يوليو/تموز 2002.

    وفي 28 يونيو/حزيران 2002، قضت محكمة عسكرية إسرائيلية بسجن صبي في السادسة عشرة من عمره مدى الحياة بعد اعتقاله خلال محاولة لتفجير نفسه في حافلة أو على مقربة منها. وفي المحاكمة قال الصبي إن "حماس" "غررت به" ليشارك في الهجوم الفاشل. واعترفت "حركة الجهاد الإسلامي" بأنه تعين على أعضائها، من أجل تنفيذ عملية تفجير وقعت في 9 يونيو/حزيران 2002 في تقاطع مجدو، أن يدربوا منفذ الهجوم حمزة صمودي على قيادة السيارات، واختلفت الأنباء في عمره فقيل إنه 16 سنة و17 سنة و19 سنة.

    وقد استمرت مشاركة الأطفال واستخدامهم في ارتكاب التفجيرات الانتحارية، والاعتراف بذلك وقبوله، على الرغم من شيوع عدم الارتياح بين الفلسطينيين لاستخدام مثل هذا الأسلوب. واشتد هذا الشعور بعدم الارتياح في إبريل/نيسان 2002 في أعقاب وقوع ثلاثة حوادث منفصلة في قطاع غزة قُتل فيها عدة صبية فلسطينيين تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاماً وهم يهاجمون محيط مستوطنة إسرائيلية مسلحين بالسكاكين وبعض القنابل الأنبوبية البدائية.

    وأجمعت الأنباء الواردة على أن هذه المحاولات لمهاجمة المستوطنة لم تنظمها أي جماعة فلسطينية أو ترعاها. ومع ذلك فقد شعرت كل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بأنها واقعة تحت ضغوط تملي عليها الاستجابة للشعور العام بأن الترويج "للعمليات الاستشهادية" شجع الصغار على المشاركة فيها. وفي 24 إبريل/نيسان أعرب "المجلس التشريعي الفلسطيني" عن قلقه واستيائه تجاه هذه الظاهرة، وكذلك رفضه قبول استمرارها، ودعا جميع الهيئات والقطاعات المعنية بهذه الظاهرة لوقف هذا الاتجاه حمايةً للأطفال الفلسطينيين وحقهم في الحياة.

    وأنكرت كل من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في وقت لاحق استخدام الأطفال. كما أشار بيان "لحماس" صدر يوم 24 إبريل/نيسان إلى الحوادث على أنها "اتجاه خطير"، ودعا أئمة المساجد لإعطاء هذه المسألة بعض الاهتمام في خطبهم والمعلمين إلى تكريس بعض الوقت للتصدي لهذه المسألة دون التضحية بالحماس أو الروح الجهادية لدى "أشبالنا". وفي بيان صدر يوم 26 إبريل/نيسان استشهدت "حركة الجهاد الإسلامي" بالقيود الإسلامية على مشاركة الأطفال في الحرب، معلنة رفضها أي تشجيع للصغار قد يدفعهم إلى العمل منفردين أو أن يدفعهم آخرون إلى التحرك، مضيفة أنهم غير مستعدين وغير قادرين على ذلك. ودعا البيان الأمهات، والآباء، والمعلمين، والزعماء السياسيين، والرؤساء إلى العمل مع الأطفال بصورة وثيقة وتقديم النصح لهم بخصوص ما يساعدهم هم ومجتمعاتهم على تدبر أمرهم، وتشجيعهم على التركيز على دراستهم وإكمالها، وإعدادهم لمجابهة العدو عندما يكبرون. غير أن أياً من الجماعتين لم تشر إلى أنها تضع حداً أدنى لسن التجنيد ولا تستبعد التعبيرات الواردة في البيانين استخدام الأطفال الأكبر سناً في الأنشطة العسكرية.

    ولم تتصد "كتائب شهداء الأقصى" رسمياً لقضية استخدام الأطفال في العمليات المسلحة، غير أن تقارير وسائل الإعلام تشير إلى الوعي بهذه المسألة بين نشطاء الجماعة. وأفاد أحد هذه التقارير، وهو يقوم على مقابلات مع بعض النشطاء من "كتائب شهداء الأقصى" وغيرها من الجماعات المسلحة في نابلس، بأن "الفصائل تقول إنها ترفض المتطوعين للهجمات الانتحارية دون سن الثامنة عشرة." وأبلغ مقاتل من "كتائب شهداء الأقصى" يُدعى فايز جابر أحد الصحفيين بأن السن من بين المعايير التي تستخدمها الجماعة في اختيار المتطوعين. وقال جابر "ينبغي أن يكون الشخص ناضجاً تماماً، شخص بالغ وعاقل ويقل عمره بالطبع عن 18 عاماً، وأن يكون مدركاً تماماً لما هو مقدم عليه."

    ومثل هذا الإنكار يسيء تصوير استغلال الأطفال، كما لو كان القرار بتنفيذ تفجير انتحاري عملاً تطوعياً بالكامل ومستقلاً لا يحتاج إلى دعم في الانتقال، والإمدادات، والتدريب، وغير ذلك من المساعدات من منظمة ترعاه. وقد ارتُكب كل من تفجير ريشون ليتسيون في 22 مايو/أيار وتفجير مجدو في 9 يونيو/حزيران بعد هذا الإنكار من الجماعات وهذه الانتقادات لمشاركة الأطفال. ونفذ عيسى بدير هجوم 22 مايو/أيار وهو في سن السادسة عشرة، وهو أصغر مفجر انتحاري حتى الآن. وأعلنت "كتائب شهداء الأقصى" و"الجهاد الإسلامي" المسؤولية عن هذين الهجومين على الترتيب.

    وكان بعض زعماء "حماس" أكثر صراحة بخصوص استعدادهم لتجنيد الأطفال للمشاركة في العمليات العسكرية. ففي "مناقشة" منشورة في موقع "كتائب عز الدين القسام" على الإنترنت سُئل صلاح شحادة القائد الراحل للميليشيا كيف يتعامل مع "ظاهرة الشباب" الذين يسعون للاستشهاد دون اللجوء إلى أي من الهيئات العسكرية، فأجاب "إنها مؤشر على الوعي الإيجابي للمجتمع الفلسطيني وليست عيباً... إذا كان بعض الشباب غير ملتزمين بالنظم المعمول بها في الهيئة العسكرية وغير مرتبطين بها رسمياً فهذا دليل على أن أمة الإسلام قد صارت أمة جهادية ترفض الذل والقهر..." ويمضي شحادة قائلاً إن "هذا الاتجاه... قد يُساء استغلاله" وإن "هناك حاجة إلى تدريب هؤلاء الأشبال في قسم عسكري خاص يوفر لهم تعليماً عسكرياً جهادياً حتى يمكنهم التمييز بين الحق والباطل وأن يعرفوا متى يقدرون على تنفيذ عملية استشهادية ومتى ينبغي لهم ألا يفعلوا.

    ووردت عدة أنباء تفيد بإذاعة التلفزيون التابع للسلطة الفلسطينية فقرات تشجع الأطفال صراحة على المشاركة في الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية وتعدد مناقب الاستشهاد. وجرت في الأشهر الأخيرة مناقشة تتسم بالحيوية في المجتمع الفلسطيني بخصوص تأثير مثل هذه البرامج على الأطفال. وفي 26 أغسطس/آب 2002، دعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى الكف عن استخدام الأطفال، وأعلنت أنه من "المحظور تماماً" على المصورين الصحفيين التقاط صوراً لأطفال يحملون أسلحة أو يشاركون في أنشطة كفاحية. وقال البيان إن تصوير الأطفال المسلحين يخدم "مصالح إسرائيل ودعايتها ضد الشعب الفلسطيني." وقال توفيق أبو خوصة نائب رئيس النقابة "قررنا منع التقاط أي صور للأطفال المسلحين لأننا نعتبر هذا انتهاكاً سافراً لحقوق الأطفال، وبسبب التأثير السلبي لهذه الصور على الشعب الفلسطيني."

    إلا إن تشجيع الأطفال على حمل السلاح والمشاركة في أنشطة مسلحة هو الخطأ وليس التغطية الإعلامية لهذه الأنشطة. وقد أقرت السلطة الفلسطينية علناً "اتفاقية حقوق الطفل" ودعت إلى احترام بنود البروتوكول الاختياري الملحق بها والخاص بإشراك الأطفال في الصراع المسلح. وينبغي للسلطة الفلسطينية أن تتخذ خطوات لمنع تجنيد واستخدام الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً في العمليات الحربية. ويتعين أن تشمل هذه الخطوات اتخاذ إجراءات قانونية لحظر وتجريم مثل هذه الممارسات والقيام بحملة تثقيف عامة لضمان وصول هذه السياسية إلى أكبر عدد من الناس، وضمان ألا تشجع المواد المنتجة بتمويل من السلطة الفلسطينية أو وسائل الإعلام المدعومة بتمويل من السلطة الفلسطينية الأطفال على المشاركة في الأنشطة العسكرية.