Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
  
لحظة واحدة تمحو كل شيء:
التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين

محتويات التقرير :-
  • ملخص
  • التوصيات
    الفصل الثالث
  • التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين
  • الهجمات
  • هوامش الفصل الثالث
    الفصل الرابع
  • المعايير القانونية
  • الانتقام وأعمال الردع
  • هوامش الفصل الرابع
    الفصل الخامس
  • هياكل واستراتيجيات المنظمات المنفذة للعمليات
  • "كتائب شهداء الأقصى"
  • هوامش الفصل الخامس
    الفصل السابع
  • دور السلطة الفلسطينية
  • مدفوعات السلطة الفلسطينية للمسلحين
  • خلاصة
  • ملحق
  • هوامش الفصل السابع
    اقرأ ايضا
  • مركز العاصفة:
    دراسة حالة لانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الخليل
  • الأمم المتحدة: تقرير "معيب" عن الأحداث في جنين
  • لا بد من التحقيق في جرائم الحرب في جنين
  • هياكل واستراتيجيات المنظمات المنفذة للعمليات


    هناك أربع منظمات فلسطينية مسلحة كانت مسؤولة عن جميع ما نُفذ تقريباً من هجمات تفجير انتحارية ضد مدنيين إسرائيليين خلال الانتفاضة الحالية، وهي حركة "المقاومة الإسلامية" ("حماس") وحركة "الجهاد الإسلامي"، و"كتائب شهداء الأقصى"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". وقد استمرت حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي" في شن هجمات تفجير انتحارية ضد المدنيين منذ التسعينات، أما "كتائب شهداء الأقصى" فبدأت شن مثل هذه الهجمات في عام 2002.

    وكانت هذه الجماعات نفسها مسؤولة عن شن هجماتٍ ضد المدنيين بوسائل أخرى، مثل إطلاق النار بشكلٍ متعمد دون تمييز، وهو ما يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الإنساني الدولي، وكذلك شن هجماتٍ على أهدافٍ عسكرية إسرائيلية. ويناقش هذا الفصل هياكل تلك الجماعات ومواقفها العلنية.

    وتلاحظ منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن قادة كلٍ من هذه الجماعات قد أظهروا قدراً كبيراً من الوعي بالمعايير الأساسية للقانون الإنساني الدولي. ويبدو أن ثلاثاً من هذه الجماعات، وهي حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، على درجةٍ كافية من التنظيم الجيد بما يمكنها من تطبيق سياساتٍ مركزية تشمل الالتزام بتلك المعايير الأساسية. ولهذا، ووفقاً للقانون الدولي، ولا سيما مبدأ المسؤولية القيادية (الذي يتناوله الفصل الرابع الوارد آنفاً)، فإن من الممكن، بل ومن الواجب، محاسبة قادة هذه الجماعات ومن يشغلون مواقع المسؤولية فيها عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها أفراد هذه المنظمات. ولا توجد، على ما يبدو، نفس الدرجة من الاتساق والانضباط التنظيميين في العلاقة بين "كتائب شهداء الأقصى" وحركة "فتح". وإذا كان القادة المحليون في "كتائب شهداء الأقصى" مسؤولين جنائياً عن الجرائم التي أمروا بارتكابها أو أشرفوا على تنفيذها، فقد يكون من الأنسب القول بأن مسؤولي حركة "فتح" يتحملون قدراً كبيراً من المسؤولية السياسية عن الجرائم التي ارتُكبت باسم تنظيمهم.

    وقد سعت اثنتان من هذه الجماعات على وجه الخصوص، وهما حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، إلى التمييز بين الزعماء السياسيين أو الروحيين لهما وقادة الجناحين العسكريين التابعين لهما، وهما "كتائب عز الدين القسام" التابعة لحركة "حماس" و"سرايا القدس" التابعة لحركة "الجهاد الإسلامي". وتذهب هاتان الجماعتان إلى القول بأن القرارات الخاصة بتخطيط الهجمات وتنفيذها يتخذها قادة الجناحين العسكريين، وإن القيادة السياسية بأكملها لا تطلع على هذه القرارات. إلا إن مبدأ الاشتراك الجنائي من خلال المسؤولية القيادية لا يقتصر على التسلسل القيادي العسكري، بل ينطبق أيضاً على القادة السياسيين، إذا ما ثبت أنهم يمارسون سيطرة فعالة على التابعين لهم ممن يرتكبون جرائم بمقتضى القانون الدولي. ويبين هذا الفصل أن القادة السياسيين لهاتين الجماعتين قد أيدوا علناً في بعض الأحيان تلك الهجمات الانتحارية ضد المدنيين، أو أجازوها أو شجعوا على تنفيذها أو وافقوا عليها، ويبدو أن لديهم السلطة لشن الهجمات أو وقفها، باعتبار ذلك أحد السياسات، حتى وإن لم يلعبوا دوراً في اختيار أهدافٍ بعينها.

    فعلى سبيل المثال، أعلن رمضان عبد الله شلَّح، الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" والمقيم في دمشق، مراراً وجهاراً عن تمسك المنظمة بجميع أشكال المقاومة، بما في ذلك العمليات الانتحارية. وخلال الفترة الممتدة منذ سبتمبر/أيلول 2000، رفضت حركة "الجهاد الإسلامي" عموماً أن تلتزم علناً بقرارات وقف إطلاق النار التي أعلنتها السلطة الفلسطينية، ولكنها أحجمت عن شن هجماتٍ ضد المدنيين داخل إسرائيل عدة مراتٍ خلال تلك الفترة، مما يوحي بأن قيادة المنظمة تمارس قدراً كبيراً من السيطرة على المجموعات المحلية. وفيما يتعلق بحركة "حماس"، فإن ثمة أدلة وافرة على أن الجناح العسكري يخضع للمساءلة أمام لجنة توجيه سياسية تضم الشيخ أحمد ياسين، الزعيم "الروحي" المعترف به للحركة، والمتحدثين باسمها من أمثال إسماعيل أبو شنب، وعبد العزيز الرنتيسي، ومحمود الزهار. وقد أكد الشيخ ياسين نفسه، وكذلك صلاح شحادة، مؤسس "كتائب عز الدين القاسم" وقائدها الراحل، أن الجناح العسكري ينفذ سياساتٍ يضعها الجناح السياسي. وبالمثل، تتسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بوجود هيكلٍ للقيادة السياسية المركزية. ولم تذكر الجبهة في أي وقتٍ أن جناحها العسكري، المسمى "كتائب الشهيد أبو علي مصطفى"، يعمل بشكلٍ مستقلٍ عن القيادة السياسية.

    وعلى العكس من ذلك، فقد ظهرت "كتائب شهداء الأقصى" في أواخر عام 2000 ومطلع عام 2001، في مخيمات اللاجئين بين أوساط عددٍ من العناصر المسلحة التي تدعي الانتماء إلى حركة "فتح"، كبرى المنظمات الفلسطينية. وتشير الأدلة والشهادات العلنية المتاحة إلى أن مقاتلي "كتائب شهداء الأقصى" يتخذون قراراتٍ في ظل هياكل قيادية محلية فضفاضة تعتمد على الثقل الشخصي لعناصرها، مع قدرٍ من الإدارة الذاتية والعفوية لا تتسم بها أية منظمة أخرى.

    ومع أن قادة حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي" ربما لا يكونون قد أمروا أو أجازوا، بصورةٍ مباشرة، تنفيذ عملياتٍ بعينها من عمليات التفجير الانتحارية ضد المدنيين، فإن الطابع المستمر والمتكرر لهذه الهجمات وإعلان هاتين الجماعتين المسؤولية عنها لا يدعان مجالاً للشك في أن قادة هاتين الجماعتين على علمٍ بأن أتباعهم قد نفذوا تلك الهجمات. وبالرغم من أن التفجيرات الانتحارية التي نفذتها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أقل كثيراً مما نفذته الجماعات الأخرى، فليس هناك أي أساسٍ للاعتقاد بأن قيادة الجبهة لا تكون على علمٍ عندما ينفذ أفرادها مثل هذه الهجمات ضد المدنيين. ومن ثم، فمن الواجب على أولئك القادة، في حالة هذه الجماعات الثلاث، استخدام كل الوسائل المتاحة لمحاولة وقف أتباعهم عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، وهو واجب تقاعس هؤلاء القادة عن القيام به، كما يتضح تفصيلاً فيما بعد. وبالمثل، تقاعست قيادة حركة "فتح" عن استخدام نفوذها السياسي لوقف الهجمات التي شنتها "كتائب شهداء الأقصى".

    حركة "حماس" (حركة المقاومة الإسلامية)

    منذ سبتمبر/أيلول 2000، نفذت حركة "حماس" عدداً من هجمات التفجير الانتحارية يفوق ما نفذته أية جماعةٍ فلسطينية أخرى. وقد تأسست حركة "حماس" مع بدء "الانتفاضة الأولى" ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي، في ديسمبر/كانون الأول 1987. وانبثقت الحركة كفصيلٍ جهادي ذي نشاطٍ مسلح منشقٍ عن الفرع الفلسطيني لجماعة "الإخوان المسلمون"، والتي درجت على النأي بنفسها عن الأنشطة المسلحة وأعمال العنف السياسي التي اتبعتها حركة "فتح" وغيرها من المنظمات الفلسطينية القومية العلمانية.

    وكانت التفجيرات التي نفذتها حركة "حماس" أكثر العمليات تدميراً، من حيث الخسائر البشرية، حيث أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 168 شخصاً، بينهم 153 من المدنيين، وإصابة ما يزيد عن 949 شخصاً. ومن بين التفجيرات الانتحارية التي نفذتها حركة "حماس" عدد من أبشع الهجمات الشهيرة، مثل الهجوم على ملهى ليلي في تل أبيب في 1 يونيو/حزيران 2001، والذي أدى إلى مصرع 21 شخصاً، معظمهم من الشبان؛ وتفجير مطعم سبارو في القدس في 9 أغسطس/آب 2001، والذي أسفر عن مصرع 15 شخصاً؛ وتفجير مركزٍ تجاري في ناتانيا في 27 مارس/آذار 2002، والذي أدى إلى مقتل 28 شخصاً؛ وتفجير حافلةٍ مزدحمةٍ للركاب في جنوبي القدس، في 18 يونيو/حزيران 2002، مما أسفر عن مصرع 19 شخصاً.

    خلفية

    كثيراً ما تُوصف حركة "حماس" بأنها حركة قومية إسلامية اجتماعية؛ وللحركة جذور قوية في أوساط الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى الفلسطينية، وكذلك في أوساط المثقفين الفلسطينيين. وهناك ثلاث جوانب لنشاط الحركة، وهي الجانب السياسي، والجانب العسكري، والجانب الاجتماعي. فباعتبارها حركة سياسية متميزة، تعارض حركة "حماس" صراحةً كثيراً من سياسات السلطة الفلسطينية وحركة "فتح". وقد وصف محلل إسرائيلي مرموق حركة "حماس" بأنها "نتاج أكثر أصالة للمجتمع الفلسطيني في ظل الحكم الإسرائيلي من السلطة الفلسطينية." ومما يعزز مكانة حركة "حماس" وشعبيتها بشكلٍ ملحوظ شبكتها الواسعة من الجمعيات الخيرية وجمعيات الخدمة الاجتماعية التي تعمل على مستوى الأحياء، ويقدم بعضها خدماتٍ أساسية لا تستطيع السلطة الفلسطينية تقديمها. أما جناحها العسكري، وهو "كتائب عز الدين القسام"، فيمارس نشاطه منذ عام 1991. وقد ذكر تقرير صحفي إسرائيلي، يستند فيما يبدو إلى تقارير الاستخبارات، أن الجناح العسكري لحركة "حماس" كان يضم قرابة 150 فرداً في غزة وما بين 60 إلى 90 فرداً في الضفة الغربية في منتصف عام 2001. أما مؤيدو حركة "حماس" فيُعتقد عموماً أن عددهم يُقدر بعشرات الألوف.

    وقد عرَّفت حركة "حماس" نفسها في ميثاقها بأنها امتداد لجماعة "الإخوان المسلمون" في فلسطين، وبأنها "حركة فلسطينية متميزة، تؤمن بالله، وتستمد من الإسلام منهجها في الحياة، وتجاهد من أجل أن تعلو راية الله فوق كل شبرٍ من أرض فلسطين." وجاء في المادة 12: ما من شيء أسمى ولا أعمق في النزعة القومية من الجهاد ضد العدو ومواجهته إذا ما وطئت قدمه ديار المسلمين... وبينما تستند النزعات القومية الأخرى إلى مقوماتٍ مادية أو بشرية أو إقليمية، فإن القومية التي تتبناها حركة المقاومة الإسلامية تجمع هذه العناصر كلها بالإضافة إلى العنصر العقائدي الأكثر أهمية.

    ويرى ميثاق حركة "حماس" من الناحية الفعلية أن النزعة القومية الفلسطينية، والتي كانت تمثل ضرباً من الوثنية في نظر بعض الحركات الإسلامية التقليدية مثل "الإخوان المسلمون"، هي جزء من الإيمان الديني. كما أنه من قبيل الأهداف السياسية، وليست الدينية، سعي "حماس" إلى أن تحل محل حركة "فتح" باعتبارها القوة السياسية والاجتماعية القيادية في الأراضي الفلسطينية.

    الضلوع في التفجيرات الانتحارية

    في 6 إبريل/نيسان 1994، نفذ عضو من حركة "حماس" أول تفجيرٍ انتحاري ضد مدنيين إسرائيليين. وأسفر هذا الهجوم، الذي وقع في مدينة العفولة في شمال البلاد، عن مصرع ثمانية أشخاصٍ وإصابة 34 آخرين. وجاء هذا الهجوم في نهاية فترة الحداد على 28 فلسطينياً قُتلوا، وهم يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي في الخليل، برصاص مستوطن إسرائيلي يُدعى باروخ غولدشتاين. كما قُصد من توقيت الهجوم، إلى ما يبدو، إفشال المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول تطبيق "إعلان المبادئ الصادر في أوسلو". وخلال الفترة من عام 1994 إلى عام 1998، نفذت "حماس" مزيداً من الهجمات من أجل إفشال المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وتعزيز موقفها في مواجهة الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتقويض السلطة الفلسطينية.
    وعندما استُؤنفت هجمات التفجير الانتحارية ضد المدنيين في الشهور الأولى من عام 2001، كانت "حماس" في المقدمة. فخلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2001 إلى 31 يوليو/تموز 2002، أعلنت "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، مسؤوليتها عن 18 تفجيراً انتحارياً ضد مدنيين إسرائيليين، وهو ما يفوق عدد الهجمات التي نفذتها أية جماعة أخرى. وقال صحفي فلسطيني في الضفة الغربية لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" "إنهم لم يجدوا كثيراً من المجندين في التسعينات، عندما بادرت حماس بشن هذه الهجمات، ولكن الانتفاضة والحصار الإسرائيلي غيرا كل شيء." وقد اشتكى قادة السلطة الفلسطينية، بينما أقر قادة "حماس"، بأن التفجيرات الانتحارية لحركة "حماس" وغيرها من الهجمات قد تُعتبر بمثابة أعمال انتقامية، ولكنها تهدف أيضاً إلى التأثير على المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية الفعلية أو المحتملة. ومن الأمثلة على ذلك الهجوم الذي وقع في 27 مارس/آذار 2002 على فندق بارك في نتانيا، والذي أسفر عن مقتل 29 شخصاً وإصابة ما يزيد عن 100. فقد جاء في بيان "حماس" بشأن العملية "إن عمليتنا هذه تأتي في وقت انعقاد القمة العربية في بيروت، فهي بمثابة رسالة واضحة المعالم تقول لجميع حكامنا العرب إن شعبنا المجاهد عرف طريقه وكيف يسترجع أرضه وحقوقه كاملةً، متوكلاً على الله وحده."
    وفي مقابلةٍ مع صحيفة "نيويورك تايمز"، أشار المتحدث باسم الحركة، محمود الزهار، إلى المفاوضات التي جرت في أواخر مارس/آذار 2002 برعاية الجنرال أنطوني زيني، المستشار الخاص لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول، من أجل ضمان وقف إطلاق النار. إذ قال الزهار "إن مهمة زيني ضارة بالنسبة لنا،" وأشار إلى أن من الشروط المقترحة نزع سلاح جماعاتٍ مثل "حماس" واعتقال قادتها. كما يلعب التنافس بين "حماس" والسلطة الفلسطينية دوراً في هذا الصدد. فقد قال إسماعيل أبو شنب لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن "هدفنا ليس استهداف الإسرائيليين فحسب، بل أبو عمار أيضاً"، في إشارةٍ للرئيس ياسر عرفات.

    وفي حوارٍ مع صحيفة "واشنطن بوست" في أواخر مايو/أيار 2002، سلَّط حسن يوسف، وهو متحدث باسم "حماس" في الضفة الغربية، الأضواء على منظور تكتيكي آخر، حيث قال "[العمليات الانتحارية] ليست هدفاً، ولكنها وسيلة. وهي ليست أمراً مقدساً، بل يمكن إعادة النظر فيها، ولكن ما هو المقابل؟ هل هو إنهاء العدوان الإسرائيلي ضدنا… يتعين عليك أن تناقش أصول المشكلة. وأصول المشكلة تكمن في الاحتلال."

    وخلال نفس الفترة، سُئل الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحركة "حماس"، عما إذا كانت قيادة الحركة قد ناقشت مسألة وقف هذه الهجمات، فرد قائلاً، في حوار مع صحيفة "الحياة"، "لا يوجد أي موضوع لا يُناقش في الحركة. فكل تطور يخضع للنقاش، وفي النهاية نتوصل إلى قرارات عامة." وتبين هذه التعليقات وغيرها أن قيادة "حماس" تواصل شن الهجمات ضد المدنيين كسياسةٍ واعية. والجماعة التي تواصل شن هجماتٍ متكررة ومتعمدة ضد المدنيين باعتبار ذلك أحد سياساتها هي جماعة مسؤولة عن جرائم ضد الإنسانية. ومن الممكن أن يُحمل كل من القادة السياسيين والعسكريين لحركة "حماس" المسؤولية الجنائية عن هذه الأفعال بسبب ضلوعهم المباشر. ونظراً لقدرتهم على التحكم في استخدام هجمات التفجير الانتحارية ضد المدنيين بمعناها الواسع، فمن الممكن أيضاً تحميلهم المسؤولية الجنائية بموجب مبدأ المسؤولية القيادية.

    الهيكل

    تتمركز قيادة "حماس" داخل وخارج الأراضي المحتلة. وتتألف القيادة "الداخلية" من لجنة توجيهٍ في غزة تضم، بالإضافة إلى الشيخ ياسين، كلاً من إسماعيل أبو شنب، ومحمود الزهار، وعبد العزيز الرنتيسي. وترتبط هذه القيادة بالضفة الغربية، حسبما ورد، من خلال لجنة تنسيق. وكان للقيادة "الخارجية"، المتمثلة في "المكتب السياسي" للحركة، دور محوري على وجه الخصوص في تحديد السياسات الاجتماعية والسياسية والعسكرية حتى أواخر التسعينات. إلا إن التوازن بين القيادتين الداخلية والخارجية تغير ورجحت كفة القيادة الداخلية، حسبما ورد، بعد أن أفرجت إسرائيل عن الشيخ ياسين في عام 1997، ثم بعد الحملة التي قامت بها الحكومة الأردنية لاحقاً على نشطاء "حماس" في الأردن في أغسطس/آب 1999. وساهم تعاظم نفوذ القيادة "الداخلية" المتمركزة في غزة، إضافة إلى تحسين فعالية التعاون الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية، في توقف الهجمات الانتحارية التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين في الفترة بين عامي 1999 و2000.

    ومن بين أعضاء القيادة "الخارجية"، أي "المكتب السياسي"، رئيس المكتب خالد مشعل ونائب الرئيس موسى أبو مرزوق، وهي تعمل الآن انطلاقاً من دمشق. وقد اتضح استمرار نفوذ "المكتب السياسي" الخارجي من خلال الأنباء التي ترددت عن أنه "ينظر باستنكار"، هو والكوادر العسكرية للحركة، إلى المفاوضات التي جرت في الآونة الأخيرة في غزة بين جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك "حماس"، للوصول إلى برنامج مشترك من شأنه، إضافة إلى بنوده الأخرى، إخضاع كل الجماعات لقيادة وسياسات موحدة وقصر "أنشطة المقاومة" على الضفة الغربية وقطاع غزة.

    وتتركز أنشطة حركة "حماس" في الضفة الغربية عادة في منطقة نابلس في الشمال، بما في ذلك جامعة النجاح، ومنطقة الخليل في الجنوب. وقالت عدة مصادر خلال مقابلات مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إنه لا توجد قيادة واحدة لحركة "حماس" في الضفة الغربية بمجملها، بل لكل منطقة صلات مستقلة بغزة ودمشق، كما تسبغ عليها الشرعية علناً مرجعيات دينية مقيمة في الخارج مثل الشيخ يوسف القرضاوي، وهو رجل دين مصري الأصل واسع النفوذ يقيم في قطر. وللحركة أيضاً روابط مع إيران وجماعة "حزب الله" في لبنان ترجع إلى قيام إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 1992 بطرد زهاء 415 من النشطاء الإسلاميين الفلسطينيين، أغلبهم من المرتبطين "بحماس"، إلى جنوب لبنان.

    وعلى الرغم من التباعد الجغرافي بين قيادات "حماس"، فهي تتمتع على ما يبدو بتنظيم محكم وفعالية، كما أنها قادرة على اتباع سياسات منسجمة وعلى فرض الالتزام بالأوامر. وقد أكد الشيخ ياسين وغيره من زعماء "حماس" أن مسؤولية اتخاذ القرار في حماس تقع في أيدي القيادة السياسية. ففي مقابلة يوم 6 يونيو/حزيران 2001، مثلاً، نفى الشيخ ياسين أنباء أفادت بأن "كتائب عز الدين القسام" أعلنت وقف العمليات العسكرية قائلاً إن الجناح السياسي لا الجناح العسكري هو الذي يضع سياسات "حماس"، مضيفاً أن الجناح العسكري ينفذ السياسات التي يضعها الجناح السياسي. وحاول الشيخ ياسين في المقابلة نفسها التنصل من أية مسؤولية شخصية عن هجمات التفجير الانتحاري بدعوى أنه لم يكن ضالعاً في "التخطيط لها". وقال إن إسرائيل تعرف قبل غيرها أن الشيخ أحمد ياسين لا علاقة له بالتخطيط للعمليات الانتحارية. وأضاف أن العمل العسكري يحتاج إلى خبراء، وأنه يقضي يومه في اجتماعات ومقابلات مع الناس فكيف له أن يخطط لعمليات انتحارية وبيته مليء على الدوام بالمواطنين والناس الذين يأتونه طالبين حل مشاكلهم. إلا إن الشيخ ياسين لم ينف أنه يجيز شن الهجمات.

    كما أكد القائد الراحل "لكتائب عز الدين القسام" ومؤسسها، صلاح شحادة، أن لجنة التوجيه الخاصة "بحماس" هي صاحبة الكلمة فيما يخص الإذن بشن هجمات على المدنيين لا الجناح العسكري. وفي نقاش عبر الإنترنت من خلال موقع "عز الدين القسام" على الشبكة قبل اغتياله في 23 يوليو/تموز 2002 قال شحادة:
      نحن جنود الجهاز العسكري، والجهاز السياسي لا يقول لنا افعل كذا أو كذا ونفذ هذه العملية أو تلك، إنما رؤية الجهاز السياسي سيادية بالنسبة للجهاز العسكري، والقرار السياسي سيادي على القرار العسكري. وفي المناقشة نفسها قال شحادة إن الأجنحة العسكرية في المناطق ترشح "الشهداء" للقيادة الرئيسية التي تتخذ القرار النهائي.
    وفي إبريل/نيسان 2002، اعتقل جيش الدفاع الإسرائيلي سالم حيجا الذي وصفته السلطات الإسرائيلية بأنه من "كبار نشطاء حماس في الضفة الغربية". ونشر جيش الدفاع الإسرائيلي مقتطفات مما يقول إنه استجواب حيجا، وفيه يرد وصف هيكل "حماس" بأنه "فرق صغيرة في صورة أجنحة" تتلقى التعليمات من زعماء "حماس" في الضفة الغربية والخارج. وأبلغ صحفي فلسطيني مطلع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن المصادمات الحالية عززت، على الأقل في البداية، دور بعض زعماء "حماس" المحليين. وقال إن جمال منصور الذي كان زعيم "حماس" في نابلس حتى اغتياله في يوليو/تموز 2001 "كان أهم من [خالد] مشعل" المقيم في دمشق، ولكنه أشار إلى أن "القرارات المحلية تُحال إلى مستوى أعلى" قبل تنفيذها. وقال خضورة موسى، وهو من زعماء "فتح" في جنين، لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" "كنا عندما نحتاج إلى قرارات سياسية من "حماس" نسأل جمال منصور وجمال سالم."
    وتصدر "حماس" مجلة شهرية باسم "فلسطين المستقلة" في لندن، ولها مواقع على الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية.

    حركة "الجهاد الإسلامي"

    خرجت "حركة الجهاد الإسلامي"، مثلها مثل "حماس"، من عباءة جماعة "الإخوان المسلمين"، إلا إنها سبقتها بسنوات. وقد أُنشئت "حركة الجهاد الإسلامي" عام 1982 على أيدي بعض الطلاب في "الجامعة الإسلامية" في غزة لكنها لم تتخذ هذا الاسم رسمياً إلا في عام 1987. وخلافاً لحركة "حماس" التي يدعو برنامجها إلى "تحرير" كل فلسطين التاريخية، ترى حركة "الجهاد الإسلامي" النضال من أجل فلسطين عاملاً مساعداً لقيام ثورة إسلامية في شتى أنحاء العالم العربي. وكان أكثر مؤسسيها تأثيراً فتحي عبد العزيز الشقاقي، وهو طبيب من منطقة رفح في قطاع غزة، والشيخ عبد العزيز عودة، وهو من مخيم جباليا للاجئين في غزة.

    خلفية

    تأثرت "حركة الجهاد الإسلامي" ببعض الإسلاميين الراديكاليين المصريين في الثمانينات وتفاعلت معهم، وكان كثير من هؤلاء قد استلهموا نموذج الثورة الإسلامية في إيران. وتتألف الحركة في معظمها من شبان، أغلبهم يحمل درجات جامعية أو مهنية عالية، وينظرون إلى أنفسهم على أنهم يشكلون نخبة طليعية، وليس كحركة واسعة تستند إلى المجتمع على غرار "حماس"، رغم أن المنظمة لها أيضاً امتداد في المجتمع المدني في قطاع غزة. وقامت الجهاد كذلك بتجنيد نشطاء سابقين من "فتح" و"جيش التحرير الفلسطيني" التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ كما اجتذب طلاب "الجهاد الإسلامي" القادمون من غزة أنصاراً في مدن الضفة الغربية التي توجد بها جامعات مثل نابلس ورام الله والخليل. وفضلاً عن ذلك كانت السجون مجالاً مهماً للتجنيد. وأقامت المنظمة في وقت مبكر خلايا سرية صغيرة لتنفيذ هجمات مسلحة على الأهداف الإسرائيلية، سواء العسكرية أم المدنية. وتعرضت علاقات "الجهاد الإسلامي" التكتيكية مع "فتح" في الضفة الغربية للتوتر الشديد بعد القرار الذي أصدره "المجلس الوطني الفلسطيني" في نوفمبر/تشرين الثاني 1988 بقبول "حل الدولتين" الذي رفضته "الجهاد الإسلامي" على أنه "سلام ملوث" من شأنه أن "يقسم الوطن، وطن الإيمان".

    ويفيد "التعريف بالحركة" الصادر عن "الجهاد الإسلامي" بأن من بين مبادئها العامة: "فلسطين ـ من النهر إلى البحر ـ أرض إسلامية عربية يُحرم شرعاً التفريط في أي شبر منها." وتضع الوثيقة نفسها من بين أهداف الحركة "تعبئة الجماهير الفلسطينية وإعدادها إعداداً جهادياً، عسكرياً وسياسياً، بكل الوسائل التربوية، والتثقيفية، والتنظيمية الممكنة، لتأهيلها للقيام بواجبها الجهادي تجاه فلسطين." وكتب رمضان شلح، الأمين العام للحركة، في مساهمة منشورة في إطار "مناقشة داخلية" أن "هدف الحركة الإسلامية في فلسطين" هو "تحرير فلسطين، كل فلسطين، والقضاء على الدولة الصهيونية فيها." وفي مقابلة أُجريت في مايو/أيار 2002 في بيروت أكد شلح أن "بالنسبة لنا كل فلسطين أرض محتلة"، لكنه أضاف "غير أنه في الانتفاضة الحالية كل الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك الجهاد الإسلامي، متفقة على أن هدف المقاومة الفلسطينية اليوم هو دحر الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة دون شروط." وأدى قيام حكومة رابين، في ديسمبر/كانون الأول 1992، بإبعاد قرابة 50 من نشطاء "الجهاد الإسلامي" إلى جنوب لبنان، ضمن زهاء 415 متشدداً إسلامياً فلسطينياً أغلبهم من أنصار "حماس"، إلى تعزيز ارتباط "الجهاد الإسلامي" القوي مع الطبيعة الثورية لجمهورية إيران الإسلامية. وهناك "أدى قرب الحركة من حزب الله إلى تحولها إلى منظمة شبه عسكرية" و"نفذت الجهاد الإسلامي هجمات على القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، بما في ذلك بعض الهجمات المشتركة مع حزب الله. ورسخت تلك السنوات، على ما يبدو، نمط الرعاية الإيرانية للحركة التي تردد أنها مستمرة حتى الآن.

    الضلوع في التفجيرات الانتحارية

    في أعقاب اتفاقات أوسلو استأنفت "الجهاد الإسلامي" حملة الهجمات على الأهداف الإسرائيلية، بما في ذلك بعض التفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين إضافة إلى الأهداف العسكرية. وتؤكد "الجهاد الإسلامي" في إفادة منشورة في موقعها على الإنترنت بخصوص جناحها العسكري "سرايا القدس" أن تشكيل جناح عسكري يرجع إلى عام 1992 عندما "أسس الشهيد محمود الخواجة هيئة عسكرية منظمة" لتحل محل المجموعات الفردية المختلفة غير المنظمة. وتزعم هذه الإفادة أيضاً أن "الجناح العسكري للجهاد كان أول من استخدم هذه الأساليب"، مشيرة إلى التفجيرات الانتحارية أو "العمليات الاستشهادية" وأسفر هجوم وقع في يناير/كانون الثاني 1995 عن مقتل 20 من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي في تقاطع بيت لد قرب نتانيا. وشدد الشقاقي في مقابلة في مارس/آذار 1995 على ضرورة استخدام وسائل "غير تقليدية" لخلق "توازن رعب" من شأنه أن يساعد في موازنة القوة العسكرية التقليدية لإسرائيل. وأعقب اغتيال إسرائيل للشقاقي في مالطا في أكتوبر/تشرين الأول 1995 هجومان انتحاريان على قوات جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة. ثم بدأت "الجهاد الإسلامي" بعدئذ مهاجمة المدنيين. وأدى هجوم وقع في تل أبيب في مارس/آذار 1996 إلى مقتل 12 من المدنيين وإصابة زهاء مائة آخرين. وخلف رمضان شلح، وهو كذلك من الأعضاء المؤسسين "للجهاد الإسلامي" من غزة، الشقاقي وما زال إلى الآن الأمين العام للحركة ويقيم في دمشق.

    وأعلنت "سرايا القدس" التابعة "للجهاد الإسلامي" المسؤولية عن أول هجوم على هدف عسكري باستخدام أسلوب التفجير الانتحاري في أعقاب تفجر المصادمات الحالية. ففي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2000 صدم نبيل فراج العرير، الذي كان طالباً يدرس الشريعة، دراجته بموقع لجيش الدفاع الإسرائيلي قرب مجمع جوش قطيف الاستيطاني فنسف نفسه وأصاب جندياً بجروح طفيفة. وكان هذا التاريخ يوافق الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال مؤسس "الجهاد الإسلامي" فتحي عبد العزيز الشقاقي. وفي بيان بثه تلفزيون المنار التابع "لحزب الله" في لبنان قال الأمين العام "للجهاد الإسلامي" رمضان شلح إن استهداف المجاهد للجيش الإسرائيلي في موقعه الحصين ذلك الصباح يؤكد أن خيار الحركة هو الجهاد، وأنها تستهدف الجيش الصهيوني دائماً، ولو كانت تريد قتل المدنيين كما يفعل هذا العدو لكان ذلك أسهل لها.

    وكشفت هجمات "الجهاد الإسلامي" التالية عن أن تعهد شلح بعدم مهاجمة المدنيين تعهد أجوف. ففي الفترة من مايو/أيار 2001 إلى يوليو/تموز 2002 نفذت "الجهاد الإسلامي" ما لا يقل عن عشرة من الهجمات الانتحارية التي تستهدف المدنيين، أو التي نُفذت في ظروف كان من المستحيل التمييز فيها بين المدنيين والأهداف العسكرية المشروعة. ولقي ما لا يقل عن 28 مدنياً حتفهم في هذه الهجمات وجُرح زهاء 326 آخرين. ويتمثل المنطق الذي تستند إليه "الجهاد الإسلامي" في شن الهجمات داخل إسرائيل، كما عرضه رمضان شلح، في أن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 تمثل القاعدة التي ينطلق منها الكيان الإسرائيلي. فمن هناك تأتي الدبابات والطائرات "لتقصف قرانا ومدننا وتقتل أهلنا". وهذا المنطق كما أشرنا آنفاً ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي.

    الهيكل

    تتشابه "حركة الجهاد الإسلامي" مع "حماس" في كثير من الجوانب، بما في ذلك معارضتها لاتفاقات أوسلو وهيكلها السري المنضبط. ويقول صحفي فلسطيني مطلع في شمال الضفة الغربية "في حماس والجهاد [الإسلامي] لا يتم شيء دون قرار رفيع المستوى من أعلى المستويات، ومن خارج [الضفة الغربية]، حتى لو كانت المبادرة محلية." ويضيف "الأمين العام للجهاد الإسلامي وغيره من كبار الشخصيات يقيمون في دمشق. ورغم أن الجهاد الإسلامي شديدة الانتقاد لسياسات السلطة الفلسطينية فهي، خلافاً لحماس، لا تسعى لمنافسة عرفات وحركة "فتح" على وضع القوة السياسية المهيمنة على الساحة الفلسطينية. فحركة "الجهاد الإسلامي"، من الناحية الشكلية على الأقل، عضو في منظمة التحرير الفلسطينية وممثلة في المجلس المركزي للمنظمة الذي يتألف من 124 عضواً." ومن الصعب تقدير حجم تنظيم "الجهاد الإسلامي" بسبب الطبيعة السرية لهيكله الذي يقوم على نظام الخلايا. وكتب المحلل الفلسطيني زياد أبو عمرو، متحدثاً عن سنوات الانتفاضة الأولى، أن أنصار الحركة "كانوا موجودين في شتى أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، على الرغم من قلة أعدادهم مقارنة بحماس." أما المحلل الإسرائيلي روفن باز فقدر العدد الإجمالي لأعضاء "الجهاد الإسلامي" في الأراضي المحتلة خلال المصادمات الحالية بما يتراوح 300 و400 على الأرجح. ويبدو وجود الحركة الآن أقوى ما يكون في غزة وفي منطقة جنين في شمال الضفة الغربية.

    وكان من بين هجمات "الجهاد الإسلامي" التي تستهدف المدنيين بعض الهجمات المشتركة مع "حماس" (تفجير مطعم سبارو في 9 أغسطس/آب 2001) ومع "كتائب شهداء الأقصى" (هجوم بالأسلحة النارية وقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2001). ووفقاً لوثائق المخابرات الفلسطينية التي أتاح جيش الدفاع الإسرائيلي الاطلاع عليها، يتمتع أعضاء "الجهاد الإسلامي" و"كتائب شهداء الأقصى" في جنين بعلاقة وثيقة على غير المعتاد تقوم في إطارها "الجهاد الإسلامي" أحياناً بعمليات مشتركة مع أعضاء "كتائب شهداء الأقصى" وتقدم لهم الدعم المالي، حسبما زُعم.

    ومن بين القادة الذين وجهوا هجمات "الجهاد الإسلامي" انطلاقاً من جنين محمود الطوالبة الذي كان عمره 24 عاماً حين قُتل في 8 إبريل/نيسان خلال هجوم الجيش الإسرائيلي على مخيم جنين للاجئين. وأبلغت والدته منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن منفذي التفجيرات كانوا يتوجهون إليه وأنه كان في موقع القيادة لمدة تزيد على العام بعد بدء الانتفاضة. وأفادت والدة الطوالبة بأنه ترك المدرسة بعد المرحلة الإعدادية وعمل في تركيب الأنابيب والملاط. وعمل في أواخر التسعينات عدة سنوات في إسرائيل. وقالت إنه ازداد تديناً قبل خمس سنوات، وفتح متجراً لبيع التسجيلات الدينية في مدينة جنين. وأضافت "حتى قبل الانتفاضة كان يفكر في الجنة كان يفكر في عملية استشهادية." وقالت والدة الطوالبة إنه هو الذي سعى إلى "حركة الجهاد الإسلامي" وليست هي التي جندته. وقد تلقى بعض المال من الحركة، لكنها أعربت عن اعتقادها أنه لم يكن مبلغاً كبيراً. وتابعت "تلقى بعض المال من الجهاد الإسلامي لكنه استمر في العمل. وكان يتبرع بمال الحركة للفقراء. لم يكن في جيبه يوماً ما يزيد على مائة شيقل. كان قنوعاً ولا يفكر إلا في الاستشهاد." وقالت إنها حثته في البداية على التعبير عن تدينه بطرق أخرى ـ "أن يبني مسجداً" ـ لكنها اقتنعت بعد ذلك بالتأييد الكامل "للعمليات الاستشهادية". ولها ابن آخر يُدعى مراد يقضي حالياً عقوبة السجن 13 عاماً في سجن إسرائيلي بعد أن ضبطته أجهزة الأمن الإسرائيلية وهو في طريقه لتنفيذ "عملية استشهادية" قالت إن محمود أرسله للقيام بها.

    وقد أشار رمضان شلح، الأمين العام "للجهاد الإسلامي"، عدة مرات إلى أن مهاجمة المدنيين تمثل سياسة الحركة كما حددتها قيادتها. وقال في مقابلة في مايو/أيار 2002 "عرضنا بالفعل عدة مرات إعادة النظر في سياسة استهداف المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل نفسها مقابل رجوع إسرائيل عن سياسة قتل المدنيين الفلسطينيين التي تتبعها." وأكد شلح من جديد أن الحركة عازمة على مواصلة التفجيرات الانتحارية في خطاب ألقاه في طهران بعد بضعة أسابيع. ووفقاً للملخص الذي نشرته صحيفة الحياة لتصريحات شلح، قال زعيم "الجهاد الإسلامي" إن مصدر العمليات "الاستشهادية" هو دمشق، حيث يقيم شلح، إلا إن كل أعمال التخطيط والتدبير تتم في الداخل.