لم يشهد عام 2014 أي تحسن إجمالي في أوضاع الجزائر الحقوقية، على الرغم من الوعود التي قدمتها الحكومة منذ 2011 لإدخال إصلاحات. قلصت السلطات حرية التعبير والحق في حرية تكوين الجمعيات والتجمع والاحتجاج السلمي، واعتقلت وحاكمت نشطاء سياسيين ونقابيين.
وأعيد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس منذ عام 1999، للمرة الرابعة في 17 أبريل/نيسان عام 2014، على الرغم من تقارير اعتلال صحته. وقاطعت عدة أحزاب معارضة الانتخابات، ودعت بدلا من ذلك إجراء إصلاحات ديمقراطية وانتخابات تعددية حقيقية.
صرحت الحكومة لـ هيومن رايتس ووتش بأن تقوم بزيارة رسمية للبلاد، في أكتوبر/تشرين الأول لعام 2014، للمرة الأولى منذ عام 2005، فعقدت المنظمة مؤتمرا صحفيا حول أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف للاجئين. ومع ذلك واصلت الحكومة منع التسجيل القانوني لمنظمات حقوق الإنسان الجزائرية غير الحكومية، واستمرت في عدم التعاون مع الخبراء والآليات الحقوقية الأممية.
حرية التجمع
واصلت السلطات سياسة القمع الاستباقي للاحتجاجات السلمية باعتقال واحتجاز منظمي الاحتجاج مسبقاً، ثم استخدام الشرطة لمنع الوصول إلى أماكن التظاهر. وضمت صفوف الذين ألقي القبض عليهم وتمت محاكمتهم بتهمة التجمع بشكل غير قانوني نشطاء حقوق إنسان وزعماء نقابات عمالية.
في أبريل/نيسان، فرقت السلطات بالقوة متظاهرين كانوا يعارضون إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كما اعتقلت واحتجزت المئات، بما في ذلك العديد من أنصار حركة "بركات" (كفى). احتجزت الشرطة من ألقي القبض عليهم لساعات في مراكز الشرطة، قبل الإفراج عن بعضهم ومحاكمة آخرين. وشملت مجموعة المعتقلين، محند القاضي، وهو ناشط شاب، ومعز بنصر، وهو مواطن تونسي مقيم بالجزائر. وفي 18 مايو/أيار، أدانت المحكمة كلا الرجلين بالمشاركة في "تجمع غير مسلح وغير قانوني ويؤذي النظام العام"، بموجب المادتين 97 و98 من قانون العقوبات، وحكم عليهما بالسجن لستة أشهر مع إيقاف التنفيذ.
وفي قضية أخرى، في 18 يونيو/حزيران، قضت المحكمة الابتدائية في الأغواط بالسجن فترة تتراوح ما بين ستة أشهر إلى سنتين على 26 متهما، بعد إدانتهم في تهم شملت "التجمع المسلح" والعنف ضد الشرطة؛ بناء على شهادات الشرطة، التي لم تجرم المتهمين بصفة فردية. وشملت مجموعة الـ26 نحو 17 من نشطاء حقوق الإنسان المحليين، الذين أدانتهم المحكمة غيابيا. وقد سلم هؤلاء أنفسهم للسلطات، فحصلوا على محاكمة جديدة؛ تم خلالها تبرئتهم.
حرية تكوين الجمعيات
واصلت السلطات إحباطها الجهود التي تبذلها منظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات من أجل الحصول على التسجيل الرسمي، وفقا لقانون12-06 لعام 2012. ويتطلب هذا القانون من جميع الجمعيات، بما في ذلك التي سبق تسجيلها، الحصول على وثيقة تسجيل من وزارة الداخلية، قبل أن يتمكنوا من العمل بصورة قانونية. كما يخول القانون للوزارة إمكانية رفض تسجيل الجمعية إذا ما رأت أن أنشطة الجمعية تتعارض مع "المبادئ الأساسية (الثوابت الوطنية) والقيم والنظام العام والأخلاق العامة والقوانين واللوائح المعمول بها" في الجزائر.
تمنح هذه المعايير الغامضة السلطات فسحة واسعة لرفض التسجيل، والذي بدونه لا يمكن أن تعقد المنظمات بشكل قانوني أي اجتماعات عامة أو أن تقبل أي أموال من الخارج. كما قلصت السلطات من أنشطة بعض المنظمات، التي حصلت على تسجيل مسبق لقانون 2012 من خلال الوسائل الإدارية، من قبيل حجب التصاريح الرسمية التي كانت قد منحت لهم، ورفض إتاحة الأماكن العامة حتى تعقد المنظمات اجتماعاتها العمومية السنوية، التي يلزمها القانون بعقدها.
كما يخول قانون 12-06 لوزارة الداخلية إمكانية إيقاف أو حل أي منظمة يعتبرها "تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة أو تنتهك السيادة الوطنية"، ويجعل أي "اتفاق تعاون" بين الجزائر ومنظمة دولية مشروط بضرورة موافقة مسبقة للحكومة عليه. وقد عمل هذا الشرط الأخير على تشديد القيود السابقة التي يتعين على المنظمات الجزائرية بموجبها أن تحصل على موافقة الحكومة المسبقة على "عضويتها" في أية منظمة دولية.
ويحافظ قانون 2012 على الشرط السابق الذي يتوجب من خلاله على المنظمات الجزائرية أن تحصل على موافقة الحكومة قبل أن تتمكن من الحصول على تمويل أجنبي، لكنه أضاف اشتراطاً إضافياً بضرورة وجود "اتفاق تعاون" مسبق. وتمنح هذه الشروط الحكومة صلاحيات مفرطة على التأسيس القانوني وسير عمل تلك المنظمات المستقلة؛ مما يجعل أفرادها عرضة للمحاكمة بتهمة جمع أموال بطريقة غير شرعية، ويجعل هذه المنظمات عرضة للتدخل الحكومي المفرط. وتعد القواعد الحاكمة للتمويل الأجنبي، وهو شريان حياة لبعض المنظمات الحقوقية المستقلة، إشكالية بوجه خاص.
حقوق النقابات
استمرت الحكومة في منع أو عرقلة جهود العمال في تشكيل نقابات مستقلة، وتضييق الخناق على الاحتجاجات السلمية والإضرابات. واستخدمت السلطات الحيل الإدارية لحجب الوضع القانوني للنقابات المستقلة التي تسعى للعمل خارج الاتحاد العام للعمال الجزائريين، وهو اتحاد النقابات العمالية الوطني الذي يعتبره الكثيرون مفرط القرب من الحكومة.
بموجب القانون، يحق للعمال تكوين النقابات بمجرد تقديم إخطار كتابي للسلطات، وبعد ذلك يتعين على وزارة الداخلية إصدار إيصال يؤكد تسجيل النقابة. إلا أن الوزارة في كثير من الحالات إما أخفقت في إصدار الإيصال، وبذا تركت النقابة عاجزة عن إثبات تسجيلها، أو طلبت معلومات إضافية من المتقدمين، أو أصدرت تعليمات للنقابات بتعديل نظامها الأساسي قبل أن تصدر لهم إيصال التسجيل. وفي بعض الحالات أخفقت الوزارة في إصدار الإيصال حتى بعد امتثال النقابات لتعديلاتها. وبدون الإيصال لا يمكن للنقابة أن تمثل العمال قانوناً.
ويواجه المنظمون والعمال في النقابات المستقلة الاعتقال التعسفي والملاحقة القضائية وغيرها من أشكال المضايقات، مثل الفصل من العمل في الخدمة العامة؛ بسبب سعيهم السلمي في الأنشطة النقاببية والتظاهر لدعم تحسين الحقوق العمالية. ففي 16 أبريل/نيسان عام 2014، على سبيل المثال، قضت محكمة استئناف ورقلة بتوقيع عقوبة السجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ على الناشط النقابي "هواري جولولي" وتغريمه؛ لتوزيع "منشورات من المرجح أن تقوض المصلحة الوطنية". اعتقلت الشرطة جولولي في 8 أبريل/نيسان 2013 في وسط مدينة ورقلة، بينما كان يستعد لتوزيع منشورات لحساب "اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق البطالي" كانت تدعو إلى اعتصام واحتجاج سلمي خارج الولاية (المقر الإقليمي) لورقلة لدعم الحق في العمل.
حرية التعبير
على الرغم من اعتماد قانون جديد للمعلومات في 2012، ألغى الحبس كعقوبة على جرائم التعبير عن الرأي، مثل التشهير أو ما يعرف بـ"إزدراء" الرئيس ومؤسسات الدولة أو المحاكم؛ إلا أن السلطات واصلت ملاحقة وسجن المنتقدين السلميين باستخدام مواد من قانون الإجراءات الجزائية.
وفي 1 سبتمبر/أيلول، أيدت محكمة الاستئناف في غرداية في جنوب الجزائر، حكما بالسجن لمدة عامين وغرامة، التي كانت قد فرضتها المحكمة الابتدائية في يونيو/حزيران على يوسف ولد دادا؛ بعد إدانته بتهمة "إهانة مؤسسات الدولة"، و"نشر مواد تهدد الصالح العام"، بموجب المادتين 146 و96 من قانون العقوبات. تم توجيه تلك الاتهامات، بعد نشر دادا مقطع فيديو عبر صفحة الفيسبوك الخاصة به تزعم ظهور ضباط شرطة يسرقون متجر في القرارة، على بعد 115 كيلومترا شمال شرقي غرداية، خلال الاضطرابات العنيفة في البلدة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013.
المحاسبة على جرائم الماضي
استمر قانون السلم والمصالحة الوطنية، الذي تم اعتماده في 2006، في تقديم الحصانة القانونية لمرتكبي جرائم التعذيب والإخفاء القسري وعمليات القتل غير المشروعة، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، خلال النزاع الداخلي المسلح في التسعينات. كما يجرم القانون أي تعبير تعتقد السلطات أنه يشوه سمعة مؤسسات الدولة أو قوات الأمن لمسلكهم أثناء ذلك النزاع. ومع ذلك، على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تكن هناك أي ملاحقات قضائية على أساس هذا القانون حتى الآن. على الرغم من تلك المضايقات الرسمية والمستمرة، فإن الجمعيات التي تمثل حقوق المختفين واصلت المطالبة بالحقيقة والعدالة.
مكافحة الإرهاب
رفعت الجزائر من التعاون الأمني والعمليات العسكرية المشتركة مع تونس؛ بعد عدة هجمات من قبل مسلحين على الجيش التونسي والحرس الوطني على طول الحدود مع الجزائر. وقال عدة ممثلين رفيعي المستوى من الدول الغربية الذين زاروا الجزائر، مثل وزير الدفاع الفرنسي ووزير الخارجية الأمريكي؛ إن حكوماتهم ترغب في تعزيز التعاون الأمني مع الجزائر لمكافحة الإرهاب في المنطقة.
وفي 24 سبتمبر/أيلول قام مقاتلون ممن بايعوا تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، المعروف أيضاً باسم "داعش"، بقطع رأس مواطن فرنسي في الجزائر، ونشروا مقطع فيديو يظهر عملية القتل. وقد اختطفوه بعدما دعت داعش مؤيديها في جميع أنحاء العالم إلى الانتقام من مشاركة الجيش الفرنسي في الضربات الجوية العسكرية في العراق.
مخيمات اللاجئين الصحراويين التي تديرها جبهة البوليساريو
تسيطر جبهة البوليساريو على معسكرات في جنوب غرب الجزائر منذ أواخر السبعينات، وهي مخصصة للاجئين الذين فروا من الصحراء الغربية بعد غزو المغرب لها. وقد تمكن منتقدو جبهة البوليساريو من مواصلة تنظيم مظاهرات عامة صغيرة ومتفرقة في عام 2014، ولم يتعرض أحدهم للسجن بسبب آرائهم السياسية تلك، على حد علم هيومن رايتس ووتش، لكن بعضهم على الأقل واجهوا مضايقات بسبب انتقاد البوليساريو العلني.
وقد تمتع اللاجئون إلى حد كبير بالحرية في مغادرة المخيمات إلى موريتانيا أو للعودة بصورة دائمة أو مؤقتة لمنطقة الصحراء الغربية التي تسيطر عليها المغرب. وتعرضت سيدة صحراوية، هي محجوبة محمد حمديداف، التي كانت قد هاجرت إلى إسبانيا، وكانت في زيارة لعائلتها في مخيمات اللاجئين، للاحتجاز القسري بيد عائلتها لأكثر من شهرين، بعد أن سعت للرحيل في أغسطس/أب كما كانت تنوي. ولم تفعل جبهة البوليساريو ما يذكر لإنهاء احتجازها، وحماية حريتها في الحركة؛ حتى وقعت تحت ضغط دولي قوي. وفي توقيت كتابة هذا التقرير، كانت هناك حالات أخرى لسيدات صحراويات لديهن إقامة قانونية في أوروبا وتحتجزهن عائلاتهن قسرا أثناء زيارتهن المخيمات.
كما لم تعترف الحكومة الجزائرية صراحة، وبقدر علم هيومن رايتس ووتش، بمسؤوليتها عن حماية الحقوق الإنسانية للصحراويين المقيمين في المخيمات التي تديرها البوليساريو على التراب الجزائري.
الأطراف الدولية
في إطار سياسة الجوار الأوروبي، يشارك الاتحاد الأوروبي في مفاوضات مع الجزائر حول خطة عمل. من المفترض أن تبرهن خطط عمل سياسة الجوار الأوروبية على التزام البلدان المتشاركة بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والحكم الرشيد، ضمن أمور أخرى.
ولم تمنح حكومة الجزائر تصريحا لدخول آليات الأمم المتحدة الحقوقية إلى البلاد منذ 2011. وتشمل طلبات الدخول المعلقة طلبات المقررين الخواص المعنيين بالتعذيب وحرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وفرق الأمم المتحدة العاملة المعنية بحالات الاختفاء القسري والمعنية بالاحتجاز التعسفي.