”إذا مش هلأ، أيمتى؟“

الأشخاص الترانس والكوير يستردون قوتهم في الثورة اللبنانية

بقلم رشا يونس
الفيديوهات من تنفيذ أماندا بايلي

كل القذارة التي علموني إياها عن نفسي - كل شيء قيل لي حتى أكره نفسي - أستعمله الآن في هذه الثورة لأتقبل نفسي“.

—ملاك، مقتبسة مقولة جيمس بالدوين

في الموقع الرئيسي للمظاهرات في وسط بيروت، يمضي الحشد قدما مدفوعا بنداء موحّد للتغيير.

تهتف امرأة كويرية: "بدنا نسقط الطائفية؛ بدها تفلّ!"، يُردد الحشد الهتاف وراءها.

تقول: "بدنا نسقط الأبوية؛ بدها تفلّ!"، يصرخ الحشد موافقا.

تصيح الآن قائلة: "بدنا نسقط الهوموفوبيا [رهاب المثلية الجنسية]؛ بدها تفلّ!"، وتُردد أصوات المتظاهرين وراءها مزيجا من الهتاف وتأكيد الموافقة.

تستمر الهتافات المطالبة بإسقاط "الترانسفوبيا [رهاب العبور الجنسي]، الطبقية، العنصرية..."، وآلاف المتظاهرين يُرددونها.

على يمين الحشد، نُقشت على الجدار عبارة "لوطي مش مسبّة". على اليسار، كتابة على الجدار (غرافيتي) مفادها أن "رهاب المثلية جريمة" رُسِمت بالرذاذ فوق شعار "تسقط الطائفية". كلمات وصور تعلو جدران وسط بيروت احتفاء بالتنوع الجنسي والجندري.

انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول في لبنان – التي أذكاها الفساد المتفشي وأسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990 - أثارت وعيا جماعيا جديدا أصبحت فيه حقوق وهويات الفئات المهمشة جزءا لا يتجزأ من المظاهرات. حقوق المثليين/ات مزدوجي/ت التوجه الجنسي ومتغيري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم)، التي كانت في السابق من المحرمات ومستبعدة من المجال السياسي، دخلت للمرة الأولى في صلب الاحتجاجات كركيزة للمقاومة. أصبحت جزءا من ثورة لبنان.

إعادة التشغيل بالصوت
إعادة التشغيل بالصوت

منذ اليوم الأول من المظاهرات، استخدم أحرار الجنس (الكويريون/ات) ومتغيرو/ات النوع الاجتماعي (الترانس) قوة أصواتهم ووجودهم للمطالبة بحقوقهم في بلد تتحكم السلطات فيه بوجودهم باستمرار، ولقبّهم المسؤولون بالـ "الآفات المستوردة" التي "تخل بالنظام الاجتماعي". تُعاقَب العلاقات المثلية في لبنان بالسجن حتى عام واحد، ويواجه الترانس عنفا وتمييزا بنيويين في كل مكان. عبر وضع أنفسهم في مقدمة وصلب هذه الانتفاضة الوطنية، نقل أفراد مجتمع الميم حقوقهم من الهامش ودفعوا بها لكي تصبح قضية عامّة.

"كِلُّن يعني كِلُّن" هو الشعار الثوري الذي يهدف إلى محاسبة جميع السياسيين الفاسدين ويعتنق التنوع، ما يعتبر ظاهرة غير مسبوقة في بلد يضم فصائل طائفية متجذرة بعمق. جرت إعادة تشكيل هوية وطنية جديدة وتفعيلها من خلال مظاهرات الشارع. بهذه الروح ذاتها، وجد الكويريون/ات والترانس مساحة لإثبات وجودهم من خلال الهتافات الشاعرية، ورسوم الغرافيتي الجريئة، والنقاشات العامة، وعبر نقل كفاحهم إلى الشارع يوما بعد يوم.

خارج مبنى البيضة، وهو دار سينما غير مكتملة بُنيت عام 1965، وتُعتبر معلما من معالم وسط مدينة بيروت. "لا للهوموفوبيا، لا للعنصرية، لا! نريد السلام فقط." "مشروع ليلى للوطن". "أخذتم كلّ شيء، أين إنسانيتكم؟". 22 ديسمبر/كانون الأول 2019. ©مروان طحطح لـ هيومن رايتس ووتش

عنصر أمن في موقع التظاهر في وسط مدينة بيروت. "حقوق مجتمع الميم". "ثورة الشعب على خوفه. 17 أكتوبر". 11 فبراير/شباط 2019. Ad Achkar
داخل مبنى البيضة. "مثلي/ة. متغيّر/ة النوع الاجتماعي. مزدوج/ة التوجه الجنسي. مجتمع الميم. صوت الكويرز ثورة". 25 أكتوبر/تشرين الأول 2019. Ad Achkar

قبل أقل من شهر من بدء المظاهرات، نُقِل مؤتمر حول الجندر والجنسانية كان يُعقد سنويا في لبنان منذ 2013 إلى خارج البلاد لأول مرة، عقب محاولة "الأمن العام" إيقاف دورة 2018. منع الأمن العام أيضا نشطاء مجتمع الميم غير اللبنانيين الذين حضروا مؤتمر 2018 من دخول البلاد مرة أخرى لأجل غير مسمى.

لكن هذه المرة، لم يحتَج أفراد مجتمع الميم إلى طلب إذن لرفع صوتهم في الشارع. استعادوا مساحتهم الخاصة ومنحوا هذا الإذن لأنفسهم.

تكاد لا توجد في لبنان مساحات عامة يلتقي فيها الناس - لا حدائق عامة يمكن دخولها، ولا مواصلات عامة يمكن الاعتماد عليها، ولا حتى شاطئ عام. عزّز هذا النقص في الأماكن العامة النظام السائد ورسّخ اللامساواة الاجتماعية على أساس طبقي وطائفي. هذه اللامساواة هي أحد أسباب خروج الناس إلى الشوارع للتظاهر.

بالنسبة إلى سكان لبنان، الشوارع موجودة لتصل إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه: مركز التسوق المحلي، أو البنك الموجود عند الدوار المزدحم، أو ندرةالمواقف الخالية لسيارتك. ثورة 17 أكتوبر/تشرين الثاني غيّرت علاقة الناس بالشوارع - أصبحت مساحات عامة. بالنسبة إلى الأشخاص الكويريين/ات والترانس، لطالما كان الشارع مقرونا بالقلق، والخوف، وإمكانية التعرّض للعنف. شوارع لبنان التي لا توحي بأي حرية، تُشكّل في معظمها تذكيرا حيا بالرقابة الذاتية - حيث يُجبر الكويريون/ات والترانس على إخفاء هوياتهم/ن في الحياة اليومية.

تقول ملاك (26 عاما): "كانت الرقابة الذاتية جزءا من حياتي بأكملها - كنت أعتقد أن توجهي الجنسي وأنوثتي، وهي أمور خاصة بنظر المجتمع، ينبغي قمعها. أنا مثلية، أُعبّر عن توجهي الجنسي بشكل عام، وعن رغباتي الجنسية بقوة. الثورة كانت المرة الأولى التي لا أمارس فيها الرقابة الذاتية، لأنني شعرت أنني لست وحدي في معاناتي".

 

لم أتوقع أن أكون في بيروت وأشعر أنها قد تكون مدينتي، وأن هذا الشارع قد يكون شارعي".

—ملاك

مروان طحطح لـ هيومن رايتس ووتش

في جميع أنحاء البلاد، يجري تحويل المساحات وإحياء العامة منها. في بيروت، استعاد المتظاهرون "سوليدير" كموقع للمقاومة الرمزية والسياسية، وهي المنطقة التي سُمّيت باسم الشركة العقارية الخاصة المسؤولة جزئيا عن اقتلاع وتشريد الآلاف من سكان وسط بيروت بعد الحرب. عبر احتلال وسط بيروت جسديا، استعاد اللبنانيون القوة المكانية والسياسية والاقتصادية.

بالنسبة إلى بلد منقسم طائفيا وديموغرافيا، تُمثل استعادة الشوارع في إطار مقاومة موحدة ضد نظام لا يخدم أيا من مصالح الناس فرصة لكي يجتمع الناس من جميع مناحي الحياة، أحيانا للمرة الأولى. في المظاهرات، وقف شبان من مدينة طرابلس الشمالية الفقيرة جنبا إلى جنب مع رجال ونساء كويريين، يحمل كل منهم معاناته الفردية، لكنهم توحدوا تحت نفس المطالب - الكرامة والمساواة، والشفافية والمحاسبة. الناس الذين لُقنوا الخوف من أفراد مجتمع الميم وكراهية اللاجئين، هتفوا ورقصوا إلى جانب الرجال والنساء الترانس الذين هربوا ذات يوم من عنف المتصل بالترانسفوبيا في بلدانهم وبحثوا عن ملاذ في لبنان.

كانت ساحة الشهداء في وسط بيروت مركز التظاهرات في العاصمة. "أُضربي كالمثليات". "من بيروت إلى اليمن وسوريا وفلسطين والعراق والأمازون والإكوادور والبرازيل". "آملون في التغيير". 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019. ©أد الأشقر

بالنسبة إلى بعض الأشخاص الكوير والترانس، كان التواجد في المظاهرات المرة الأولى التي يجدون فيها مكانا للتواجد دون مساءلة، مع شعور جديد بالأمان والانتماء. بالنسبة إلى الأشخاص الترانس تحديدا، يدل النزول إلى الشوارع ورفع أصواتهم في بلد يحرمهم من حقوقهم الأساسية، وحيث تُشكّل كل نقطة تفتيش موقعا محتملا للعنف، على كيفية تحدي ثورة لبنان للنظام السائد.

وصفت مايا (38 عاما)، المقيمة في لبنان كلاجئة ترانس، كيف تغيرت بيروت بالنسبة إليها بعد بدء المظاهرات في 17 أكتوبر/تشرين الأول. "قبل الثورة، كان من المستحيل أن أبقى خارج المنزل بعد الساعة 9 مساء. كانت بيروت بالنسبة لي مدينة الحذر والخوف. عندما بدأت الثورة، خرجت إلى الشارع، رأيت التنوع، وشعرت أن هذا المكان سيكون آمنا بالنسبة لي لأنه بغض النظر عما قد يحدث، وجود الناس سيحميني".

 

جمعت الثورة بين ناس كثيرين ما كانوا شاركوا في الماضي لو علموا بوجود متغيّري النوع الاجتماعي (الترانس) بينهم. لكن اليوم، يمكنهم القول: "وقفنا معها وغنّينا سويا“.

—مايا

أماندا بايلي لـ هيومن رايتس ووتش

لم تُنه الثورة الوصم والتمييز ضد أفراد مجتمع الميم، لكنهم يشعرون بالأمان الآن ضمن الحشود، والتضامن مع المتظاهرين. وسط إعادة تصوّر هوية البلد، تَشكّل بين الناس عقد اجتماعي صامت، يتضمن إمكانية بناء مجتمع يفسح فيه الأفراد المجال لبعضهم البعض، وفي هذه العملية، لأنفسهم.

نادراً ما نرى نضال (33 عاما)، بدون مكبّر صوت (ميغافون) في المظاهرات. اشتهرت في ساحات التظاهر بصفتها كاتبة ومُطلِقة هتافات. "عندما نهتف في الساحات، نهتف نيابة عن جميع الذين لم يتمكنوا من الانضمام إلينا، أولئك الذين لا يمكنهم رفع صوتهم". تعتبر أن مشاركتها في التظاهرات تُلقي الضوء على قضايا الفئات الأكثر تهميشا، ومنها حقوق اللاجئين وحقوق مجتمع الميم.

من هتافاتها "كرمال المثليين، مش رح نضل ساكتين؛ كرمال العابرات رح نبقى في الساحات". بصفتها حليفة لمجتمع الميم، تسأل المتظاهرين، "يلّي بيحرّض عاللاجئين وبخاف من المثليين، شو منقلّوا؟؟" فيجيبون "ساقط، ساقط".

 

الغرافيتي والهتافات هي لغة الشارع! لمّا أريد تغيير أي شيء أبدأ من الشارع“.

—نضال

أماندا بايلي لـ هيومن رايتس ووتش

الهتاف لحقوق مجتمع الميم في ساحة عامة في بيروت أمام جمهور مجهول الهوية هو عمل جريء. سماع آلاف الحناجر تردد الهتافات أمربارز. هذا الترداد لا يزيد من قوة أفراد مجتمع الميم وحسب إنما يُضفي شرعية عامة على حقوقهم واعترافا بنضالهم.

إعادة التشغيل بالصوت
إعادة التشغيل بالصوت

انتقلت الهتافات والتظاهرات إلى جميع أنحاء البلاد. قد يُطلَق هتافا للدفاع عن حقوق مجتمع الميم في ساحة رياض الصلح، في وسط بيروت، ويُردَّد في إحدى قرى سهل البقاع. سارت النساء، ومن ضمنهنّ الكويريات والنساء الترانس، ضد التحرش الجنسي في بيروت ثم تكرر المشهد في صيدا وطرابلس.

الغرافيتي – مثل الهتافات – كان إحدى قنوات المقاومة التي تخلّد ذكرى مطالب الناس في مكان ثابت. عبارة "حقوق مجتمع الميم" تعلو الجدران وواجهات المتاجر في وسط بيروت، بين كتابات مثل ’17 تشرين ثورة الناس على خوفهم‘، وكتابات تشتم السياسيين الفاسدين. واللائحة تطول... ’ألغوا المادة 534‘، ’حقوق ثنائيي/ات الجنس‘، ’تعبت كون بالخزانة‘، ’حقوق مجتمع الميم من حقوق الإنسان‘...

وسط مدينة بيروت حيث رُسم الغرافيتي على جدران المباني خلال التظاهرات. "هذه ثورة طبقية". "حقي حبّ مين ما بدّي". "شلاح طايفتك عَ باب بيروت وفوت". "معا للبنان أفضل". 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. ©أد الأشقر

انتشار الأغاني، والكتابات، والرسوم التي تتناول التنوع الجنسي والجندري تساهم في رفع صوت مجتمع الميم في وجه دولة عازمة على إسكاتهم. أشكال التعبير هذه هي أرشيف علني، ووسيلة يتحدث فيها الناس فيما بينهم، ويكملون أفكار بعضهم البعض على جدار، ما يشكّل عملية خلق خطاب جماعي معارض.

الفرح عند سماع هتاف أو قراءة جملة على جدار والقول ’هذا يمثلني‘ يقدّم تطمينات ملموسة للمهمشين/ات بأن حقوقهم/ن ليست منسية. والأهم أن هذه الرسائل تصل إلى جمهور واسع، وفي بعض الأحيان تصل إلى أشخاص غير معنيين بالموضوع، فتنبههم عبر ترداد هتاف أو معاينة غرافيتي إلى أهمية دعم حقوق الأقليات الجنسية والجندرية. بهذا نجحت الثورة بخلق احتمال سياسي جديد في الشارع.

تقول لور (28 عاما): "من المهم أن هذا الغرافيتي سيبقى. إدراك أن بإمكاننا تغيير مظهر المدينة مصدر قوة. في نفس الوقت، نجد القوة في حمل بخّاخة التلوين والكتابة على الجدران. نحمل هذه الذكريات والاحتمالات معنا".

 

”لم يكُن لوجودنا في الشارع أي حدود. لم يُفصل أحرار الجنس (الكويريون) عن الآخرين. كنّا معا في ساحات التظاهر، في عملية تعافي جماعي“.

—لور

أماندا بايلي لـ هيومن رايتس ووتش

لم يرضَ الجميع عن الظهور المستجد لمجتمع الميم. قالت رنا (32 عاما): "كان هناك بعض ردود الفعل السلبية من أشخاص قالوا ’[حقوق مجتمع الميم] هذه ليست جزءا من الثورة‘ أو ’الآن يريدون [مجتمع الميم] نشر أجندتهم‘. نحن نرحب بكل من يريد أو تريد الانضمام إلينا، والذين لا يريدون يمكنهم انتقادنا ما أرادوا، لأننا موجودون بدون الحاجة لإذنهم".

أطلق المتظاهرون هتافات ورسموا غرافيتي ردّا على الخطاب المعادي لمجتمع الميم الذي ظهر في الشارع. في الأيام الأولى للتظاهرات، كان المتظاهرون ينعتون السياسيين "باللوطيين" في هتافاتهم كوسيلة لإهانتهم، فيجيبهم متظاهرون آخرون فورا، بهتاف "لوطي مش مسبة". لاحقا، اكتسب هذا الرد على هتافات معادية للمثليين انتشارا أوسع وأصبح خطابا معاكسا فعالا ووسيلة لتصحيح الخطاب العام وفضح الذين ينشرون الهوموفوبيا والترانسفوبيا. زعزعة القمع الذي كان سائدا ضد الكويريين/ات والعابرين/ات تسمح لهم/ن ببناء علاقة جديدة مع الفضاءات المعتادة التي يسكنوها ولكن غير المرحبة بهم/ن.


التنوع الجنسي والجندري خلال تظاهرات لبنان جزء من التمثيل الحقيقي للمجتمع اللبناني. ليس مفاجئا حضور أفراد مجتمع الميم في جميع التظاهرات وقطع الطرقات للاعتراض على نفس أوجُه الظلم التي يثور الجميع ضدها – كانوا وكنّ حاضرين/ات منذ البداية.

يدّعي البعض أن هذه الثورة ليست الوقت المناسب للتكلم عن حقوق مجتمع الميم، أو حقوق المرأة، أو حقوق اللاجئين أو حقوق أي فئة مهمشة. تردّ رنا (32 عاما): " إن لم يكن الوقت مناسبا الآن فلن يكون هناك أي وقت لاحقا. على الثورة أن تدافع عن حقوق المقموعين، ومن ضمنهم مجتمع الميم. لذا علينا أن نرفع صوتنا الآن، ليس لاحقا، علينا ألا ننتظر أبدا".

إعادة التشغيل بالصوت
إعادة التشغيل بالصوت

سمحت الثورة اللبنانية للناس ببناء تحالفات في الشارع، والتجمّع لتخطي الخوف، والتعبير عن التضامن مع المهمشين، فوسّعت ممارسات السماح للذات، حيث كان المهمشون يحشدون قوتهم السياسية ضد النظام الذي يقمعهم، حتى صارت ممارسات اجتماعية متجذرة في علاقة تبادلية – جبهة متحدة ضد جميع أشكال الإقصاء.

رغم الأمل والتفاؤل الذي زرعته الثورة في الناس، سيستمر أفراد مجتمع الميم بالعيش على الهامش إن لم تعتمد الحكومة اللبنانية قوانين لحمايتهم/ن ضد التمييز واحترام حقوقهم/ن الأساسية وكرامتهم/ن، واستقلاليتهم/ن الجسدية، وحراكهم/ن الاقتصادي والاجتماعي، وحريتهم/ن بالتعبير، والتجمع وتكوين الجمعيات.

الوضع الاقتصادي المزري في لبنان واتساع الفروقات الاجتماعية كانت الأكثر ضررا بالنسبة للفئات المهمشة أصلا قبل الأزمة، ومنها مجتمع الميم. انهيار سعر الليرة اللبنانية بنحو 50% والتضخم غير المقيد وانخفاض فرص العمل وتردي الرعاية الصحية أثرّت على الأكثر ضعفا بطريقة غير متناسبة. الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس "كورونا" المستجد (Covid-19) وتدابير الإغلاق والحجر فاقمت الأزمة الاقتصادية، وكان أفراد مجتمع الميم الذين عادة ما يواجهن/ون تمييزا في الحصول على الرعاية الصحية ويعانون/ين من التهميش الاقتصادي، الأكثر تضررا منها.

ينبغي أن تكون القوة التحوّلية للتضامن والمقاومة التي تجلّت في المظاهرات إنذارا للنظام السياسي في البلاد: في غياب الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تدعم أصوات وحقوق المجموعات المهمشة، سيواجه لبنان فترات اضطرابات اجتماعية متجددة.

 

” الثورة نقطة تحول. لا رجوع إلى الوراء. ما بدأ لا يمكن إيقافه ولا يجب أن يتوقف“.

–رنا

مروان طحطح لـ هيومن رايتس ووتش

بالفعل، ينبغي ألا نعود إلى الوراء – لكن حتى لو استمر لبنان بحرمان مجتمع الميم من حقوقهم/ن الأساسية وإقصائهم/ن عن الخطاب العام، لن تنساها شوارع وجدران بيروت.

قالت ملاك (26 عاما): "قُبيل الثورة، غرّدت أنني أنتمي إلى جيل ليس لدينا ما نستيقظ من أجله ولا أحدا نعود إلى بيوتنا من أجله/ا. في 17 أكتوبر/تشرين الأول، شعرت للمرة الأولى أن لدينا ما نتطلع إليه، وأننا عائدون إلى الناس الجميلة التي نلتقيها في الشارع. أريد أن أنظر إلى الفتاتين المثليتين التين طلبتا مني، بخجل، أن أصوّرهما خلال التظاهرة، لأقول لهما إننا قمنا بما في وسعنا كي يعيشا حياة أفضل من التي عشناها".

اقرؤوا البيان الصحفي »
للمزيد من تغطية هيومن رايتس ووتش لحقوق مجتمع الميم »
للمزيد من تغطية هيومن رايتس ووتش للبنان »