Skip to main content

اليمن: انقطاع الكهرباء والمياه في عدن يهدد الحقوق

انتهاكات عديدة نتيجة تقاعس الحكومة و"المجلس الانتقالي الجنوبي"

خزانات مياه وضعها سكان حي شعب العيدروس على الشارع الرئيسي في عدن، اليمن، أغسطس/آب 2023.  © 2023 هيومن رايتس ووتش

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الحكومة اليمنية و"المجلس الانتقالي الجنوبي" لا يلبّيان حق سكان عدن في الكهرباء والمياه.

منذ بدء النزاع في اليمن، يواجه سكان عدن، أكبر مدينة في جنوب البلاد والعاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية منذ 2015، قيودا متكررة ومتزايدة على المياه والكهرباء وانقطاعات لهذين الموردين. تؤثر الانقطاعات هذه سلبا على حقوق السكان في الصحة والتعليم وغيرها من الحقوق الأساسية المتعلقة بمستوى معيشي لائق، بما فيها السكن اللائق، والمياه الآمنة والكافية، والصرف الصحي المناسب.

قالت نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الالتزام بتوفير ما يكفي من المياه والكهرباء الكافية في عدن. ومع ذلك، عندما احتج السكان على الانقطاعات، ردت قوات الأمن عليهم بإطلاق النار".

في السنوات التسع التي تلت بدء النزاع، تدهورت إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والكهرباء الكافية في المدينة. قال أحد سكان عدن لـ هيومن رايتس ووتش: "منذ 2015 ونحن نعاني، والأمر يزداد سوءا".

تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 26 شخصا، بعضهم نازحون، يعيشون في قرية صغيرة قرب وسط المدينة، ومع الحكومة والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، حول الحصول على المياه والكهرباء والدعم الحكومي. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أشخاص في أحياء مختلفة وجمعت أدلة على نقص المياه والكهرباء في مناطق مختلفة من المدينة.

قال العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إنه قبل بدء الحرب في 2014، كان سكان عدن يتمتعون بإمدادات شاملة، ومنتظمة، وبكلفة معقولة من الكهرباء والمياه. والآن، يحصل العديد من السكان على المياه من الشبكة العامة مرة واحدة فقط كل يومين أو ثلاثة أيام، أو لا يحصلون عليها إطلاقا.

في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2023، لم تتمكن شركة إنتاج الكهرباء التي تديرها الحكومة من توفير الطاقة إلا لحوالي أربع إلى ست ساعات يوميا للعديد من سكان المدينة. ومع ذلك، كان هذا تحسنا مقارنة بشهر يونيو/حزيران، عندما كانت تتوفر الكهرباء للعموم لحوالي ساعتين أو ثلاث ساعات يوميا، ما حرم العديد من الأسر من تكييف الهواء المناسب في ظل الحرارة الشديدة. يتراوح متوسط درجات الحرارة في الصيف في عدن بين 27 و36 درجة مئوية وغالبا ما تصل إلى 38 درجة مئوية، بالإضافة إلى متوسط رطوبة يبلغ 65%. وتنتج الحالة بانتظام مؤشر حرارة خطير على صحة الإنسان خاصة على الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

يشكل التعرض للحرارة الشديدة خطرا جسيما على الصحة. يمكن أن يسبب طفحا حراريا، أو تشنجات، أو إنهاكا حراريا، أو ضربة شمس، ما قد يسبب الموت أو عواقب لمدى الحياة.

في حين أن اليمن ما يزال في حالة نزاع، إلا أن عدن كانت مستقرة نسبيا والعنف في المحافظات القريبة من الخطوط الأمامية للنزاع لم تؤثر على المدينة إلى حد كبير. دخل الحوثيون، الذين يسيطرون على جزء كبير من البلاد، المدينة في ربيع 2015، لكنهم طُردوا بعد بضعة أشهر من القتال ضد الحكومة اليمنية وقوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات. لاحقا، في 2019، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات – والذي كان يجمعه تحالف غير وثيق بالحكومة اليمنية في عدن – على المحافظة.

منذ ذلك الوقت، اندلعت أعمال عنف لفترة وجيزة بين مختلف قوات التحالف والجماعات المسلحة الأخرى في المدينة، ولكن لم تحدث غارات جوية أو هجمات برية أوسع منذ 2015، وحافظ المجلس الانتقالي الجنوبي على سيطرته على المحافظة.

المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية هما جزء من ائتلاف حكومي في عدن، حيث يشكل أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي جزءا من "مجلس القيادة الرئاسي" المكون من ثمانية أعضاء والذي حل محل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي في 2022. المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، كسلطتين حاكمتين في عدن، ملزمان بحماية وإعمال حق سكان عدن في الماء والكهرباء. في أغسطس/آب، نشر مجلس النواب التابع للحكومة اليمنية تقريرا خلص إلى أن وزارة الكهرباء تعاني من استشراء الفساد.

قال أحد السكان، الذي يعيش في وسط المدينة ويمكنه استخدام الخدمات العامة بشكل أكبر نسبيا من العديد من سكان المدينة الآخرين، لـ هيومن رايتس ووتش: "أثناء الحرب، كانوا يقطعون المياه، لكن الوضع اليوم مختلف – إنه أمر لا يصدق. لا تصلنا الماء كل يوم. نحصل عليها كل يومين. هناك خمسة أشخاص في عائلتنا الصغيرة. المياه التي تصلنا بالكاد تكفي هذين اليومين".

ويحظى النازحون بفرص أقل للحصول على المياه. قال مدير أحد أكبر مخيمات النازحين في المدينة إن المخيم يعتمد على المنظمات غير الحكومية للحصول على المياه، وإن مديري المخيم يتواصلون باستمرار مع مختلف المنظمات الإنسانية وغير الحكومية لجلب المياه إلى المخيم لتلبية احتياجات السكان من المياه.

كما أن الحصول على الكهرباء في عدن كان يشكّل أيضا مشكلة كبيرة منذ بدء الحرب. قبل الحرب، كان السكان يحصلون دائما على الكهرباء باستثناء ساعة أو ساعتين يوميا في الصيف. لكن السكان قالوا إن الوضع أصبح أسوأ بكثير، خاصة في العامين الماضيين. وقال بعض الناس إن الكهرباء تتوفر فقط لحوالي أربع إلى ست ساعات في اليوم – إما ساعة واحدة كل ست ساعات أو ساعتين كل ثماني ساعات.

عدم توفر الكهرباء بشكل منتظم له تأثير سلبي على التعليم. قال معلم يعيش في عدن إن نقص الكهرباء اللازمة لتشغيل المراوح أو مكيفات الهواء خلال الحر أدى إلى "صعوبة استيعاب الطلاب للمعلومات. الأثر النفسي [على الطلاب] حقيقي جدا. فالكهرباء حاجة أساسية للتعليم، كما هو حال وجبة الغداء".

قال العديد من العاملين في الخدمات الصحية في مديرية التواهي بعدن إن الطريقة الوحيدة التي تمكنوا من خلالها من مواصلة العمل هي استخدام التمويل من المنظمات غير الحكومية لشراء الوقود لمولدات الديزل الخاصة، وكذلك ألواح الطاقة الشمسية التي حصلوا عليها كتبرعات من هذه المنظمات. تتذكر طبيبة أنها سارعت إلى إنقاذ طفل خديج في حاضنة عندما انقطعت الكهرباء عن وحدة حديثي الولادة حيث تعمل.

واندلعت احتجاجات عدة في عدن خلال فصل الصيف، حيث طالب السكان بتوفير المزيد من الكهرباء. قال "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية"، وهو مركز أبحاث يمنية، "استخدمت الشرطة [التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي] القوة لتفريق المتظاهرين ومنع مزيد من الاحتجاجات". تحققت هيومن رايتس ووتش من فيديوهات أظهرت قوات الأمن تطلق النار على المتظاهرين.

راسلت هيومن رايتس ووتش وزارتَي حقوق الإنسان في المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية. رد المجلس على الرسالة في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، قائلا إنه ليس له سلطة على الكهرباء أو الماء في عدن. ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن المجلس يتمتع بالسيطرة الفعلية على عدن، بما يشمل الكهرباء والمياه. ولم ترد الحكومة اليمنية.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي التنسيق مع بعضهما البعض بشأن التزاماتهما والاضطلاع فورا بمسؤولياتهما في احترام، وحماية، وإعمال الحقوق الإنسانية لسكان عدن.

قالت جعفرنيا: "تخذل الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الناس في جميع أنحاء عدن. أدى سوء إدارتهما إلى حرمان الأسر من مياه الشرب، ومعاناة الطلاب من أجل التعلم في المدارس بدون كهرباء، واضطرار عيادات الصحة العامة إلى ملاحقة المنظمات غير الحكومية للحصول على التمويل".

 

ضرر قطع المياه

لطالما كان اليمن أحد أكثر البلدان ندرة للمياه في العالم، وهي مشكلة تفاقمت بسبب سوء الإدارة الحكومية المتعاقبة وبسبب تصرفات وانتهاكات الأطراف المتحاربة أثناء النزاع. المخاطر الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، مثل الجفاف والفيضانات، أدت أيضا إلى تفاقم أزمة المياه في اليمن.

بينما لا تزال البلاد في حالة نزاع، كانت عدن تشهد استقرارا نسبيا ولم تتأثر إلى حد كبير بالعنف الذي أثّر على المحافظات القريبة من الخطوط الأمامية للنزاع منذ تولي المجلس الانتقالي الجنوبي السلطة في 2019.

قال أحد العاملين في "المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي" في عدن لـ هيومن رايتس ووتش إن حرب 2015 لم يكن لها تأثير يذكر على عدن، قائلا إن "المشكلة الرئيسية من 2011 إلى 2020 هي نقص الدعم والصيانة".

لا يزال سكان عدن يحصلون على المياه والكهرباء بشكل أفضل من الناس في معظم أنحاء البلاد. قال أحد العاملين في المؤسسة: "أفضل تغطية [للمياه] الآن موجودة في عدن". مع ذلك، فإن "أفضل تغطية" لا تلبي احتياجات السكان، مما يدل على تقاعس أوسع من جانب الحكومة في الوفاء بالتزاماتها بتزويد كل شخص يعيش في اليمن بالماء والكهرباء، دون تمييز، وبالقدر الكافي والموثوق والآمن والذي يسهل الوصول إليه وبأسعار معقولة.

شعب العيدروس هو حي يقع خارج وسط مدينة عدن على ارتفاع أعلى، مما يعني أن هناك حاجة إلى نظام مضخات لنقل المياه من منشأة في وسط المدينة، يقارب ارتفاعها مستوى سطح البحر. عندما لا يتم تزويد هذه المضخات بالكهرباء، لا يمكن أن تصل المياه إلى المناطق المرتفعة مثل شعب العيدروس.

قال العديد من الأشخاص الذين يعيشون هناك إن الحي كان قبل الحرب يحصل على المياه والكهرباء بشكل كافٍ. لكن منذ 2015، لم تعد إمدادات المياه العامة تصل إلى منازلهم. قال أسامة (اسم مستعار)، وهو أحد سكان الحي منذ فترة طويلة، والذي لم يرغب مثل الآخرين بذكر أسمه حفاظا على سلامته: "تراجعت شبكات المياه وقل إمداد الكهرباء وتزايد عدد السكان".

قالت حسنة، وهي امرأة مسنة تعيش في شعب العيدروس، إن المياه تصل الحي كل أربعة أيام فقط. قالت: "بالطبع هذا لا يكفي. كل شيء محدود، كل شيء مقيّد. الغسيل مقيّد، والاستحمام مقيّد. في السابق كان بإمكاننا استخدام المياه، لكننا الآن نحسب كل شيء، فنحن نحسب استهلاكنا للمياه دائما".

يعتمد الحي إلى حد كبير على الجهات المانحة من القطاع الخاص ومبادرة يقودها المجتمع المحلي لدفع ثمن المياه التي يتم توصيلها عبر شاحنات الصهاريج الخاصة مرتين في الأسبوع. قال أسامة: "اضطررنا لإحضار شاحنات المياه لأن المياه لا تصلنا من الحكومة، ثم اضطررنا بعد ذلك إلى إنزال جميع الخزانات على الأرض لأننا لم نتمكن من إيصال المياه إلى السطح".

دفع ثمن شاحنات المياه ليس في متناول الجميع. تبلغ تكلفة كل عملية توصيل حوالي 15 ألف ريال يمني (حوالي 10 دولارات أمريكية) مقابل ألفي لتر فقط في حين أن معظم الرواتب في المنطقة تتراوح بين 40 ألف إلى 50 ألف ريال يمني (حوالي 27-33 دولارا أمريكيا) شهريا. وفقا لتوجيهات "منظمة الصحة العالمية"، فإن ألفي لتر من المياه تكفي لتلبية احتياجات حوالي ثمانية أشخاص لمدة شهر.

في منطقة أخرى في عدن، التواهي، اضطر السكان أيضا إلى جمع الأموال والموارد المالية بشكل مستقل لشراء المياه لأن المياه التي توفرها الحكومة لا تتوفر إلا مرة واحدة كل ثلاثة أيام. قال معلم يعمل في المنطقة: "لقد أبرمنا اتفاقا مع عائلات وأشخاص مختلفين في المجتمع لتوفير المياه للمدرسة. نجد هذه الحلول فقط بسبب العلاقات الشخصية".

قال محمد (55 عاما) ويعيش في شعب العيدروس: "الأمر صعب للغاية بالنسبة لنا... قبل الحرب كانت المياه تصل إلى منزلي عبر الشبكة... لكن الآن يجب أن أنزل [إلى الشارع] وأملأ الغالونات. الأمر متعب للغاية... نحن كبار في السن، وعلينا أن نستيقظ في منتصف الليل لإحضار المياه من الأسفل بالغالونات".

يؤثر نقص المياه بشكل غير متناسب على النساء والأطفال، الذين غالبا ما يكونون مسؤولين عن توفير المياه لأسرهم. كثيرا ما يقضون ساعات في المشي في شوارع خطرة، حيث يكونون أكثر عرضة لخطر العنف الجنسي والعنف القائم على الجندر، وهجمات القناصة، والألغام الأرضية. يتغيب الأطفال – ومعظمهم من الفتيات – عن المدرسة للذهاب والوقوف في طوابير للحصول على المياه لأسرهم.

تدهورت أيضا جودة المياه التي يتم توفيرها منذ 2014. قال ناشط شبابي من حي كريتر وسط عدن: "لا نشرب من الماء، فهو غير صالح للشرب".

ساهم غياب مياه الشرب الآمنة والكافية والصرف الصحي المناسب في زيادة الأمراض المنقولة بالمياه في اليمن، وفقا لليونيسف، بما في ذلك تفشي وباء الكوليرا في الفترة من 2016 إلى 2021 والذي تسبب بأكثر من 2.5 مليون حالة تم الإبلاغ عنها.

قال سكان عدن إنه رغم تدهور توفر المياه الصالحة للشرب وإمكانية الوصول إليها كل عام منذ 2015، إلا أنهم لم يتلقوا أي تفسير أو مساعدة من الحكومة. قال أحد الأشخاص: "تحدثنا مع المجلس المحلي ومؤسسة المياه. لكنهم لم يقدموا أي حلول. حتى أننا التقينا بوزير المياه نفسه، لكن لا توجد حلول".

قالت حسنة: "الحكومة لا تساعد على الإطلاق".

مخيم دار سعد

حتى فبراير/شباط 2023، كانت عدن تستضيف حوالي 145,857 نازحا داخليا، وفقا لـ"الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين"، معظمهم في مخيمات النازحين الرسمية. تنتشر المخيمات في جميع أنحاء المدينة، ولا ترتبط أي منها بشبكة المياه العامة. زارت هيومن رايتس ووتش أحد أكبر المخيمات في حي دار سعد، حيث يعتمد السكان على المساعدات والمنظمات غير الحكومية، التي تقدم خدمات مياه غير منتظمة.

قال سالم (40 عاما) الذي يعيش في المخيم: "في بعض الأحيان تنقطع [المياه] لمدة تزيد عن أسبوع. في بعض الأحيان نتقاتل من أجل الماء".

سماح (24 عاما)، من سكان المخيم أيضا، تحصل على الماء لعائلتها المكونة من ستة أفراد. كلما قامت مجموعة بتوصيل المياه إلى المخيمات، والتي لا تتبع جدولا زمنيا، تصطف على الفور. قالت: "أحيانا يستغرق الأمر 30 دقيقة، وأحيانا يستغرق ساعتين. أحضر خمس غالونات، [بإجمالي] 20 لترا لستة أشخاص. لا أستطيع أن أحملها كلها بنفسي، لكن يمكن لأي شخص أن يساعدني".

وفقا لسكان المخيم وموظف في الوحدة التنفيذية، انخفضت أيضا جودة المياه التي توفرها الجهات الإنسانية منذ بداية الحرب، مما اضطر سكان المخيم إلى إنفاق دخلهم المحدود على مياه الشرب من المحلات التجارية القريبة. قالت حسنة: "في السابق، كنا نشرب من [المياه التي توفرها المنظمات غير الحكومية]، والآن يتعين علينا أن ندفع ثمن مياه الشرب، فالغالون سعة 20 لترا يبلغ سعره 300 ريال يمني [حوالي 0.2 دولار]".

قال السكان إن المياه في مخيم دار سعد في أيضا غير صالحة للشرب ولا يمكن استخدامها إلا لأغراض غير الشرب. قالت سماح: "نشتري 20 لترا من الكوثر [مياه الشرب] مقابل 200-300 ريال يمني [حوالي 0.13-0.2 دولار] من المتجر. بالنسبة لشخص لا يكسب المال، هذا المبلغ كبير". يعمل زوجها في وظائف يومية – يتلقى أحيانا حوالي خمسة إلى ستة آلاف ريال يمني [حوالي ثلاثة إلى أربعة دولارات] يوميا، وأحيانا لا يجد أي عمل.

تحدثت هيومن رايتس ووتش مع طبيبة تعمل في مخيمين للنازحين، بما في ذلك مخيم دار سعد، حول حالات المرض التي رأتها والتي قد تكون ناجمة عن المياه الملوثة أو نقص المياه. قالت: "هناك العديد من حالات التهاب المعدة والأمعاء الحاد [إنفلونزا المعدة]، أحيانا تصل إلى 55 حالة يوميا، ومن بين الـ 55 حالة عادة ما يكون أكثر من 35 منها أطفال". يضم مخيم دار سعد حوالي 1,300 طفل.

انقطاعات الكهرباء

انخفض توافر الكهرباء بشكل كبير منذ بداية الحرب. قال أحد سكان عدن إنه قبل الاحتجاجات على نقص الكهرباء خلال الصيف، كان توفر الكهرباء أسوأ. "في السابق كنا نجلس بدون كهرباء لأكثر من تسع ساعات... الآن ربما نحصل عليها لساعتين متواصلتين، ثم تنقطع ثماني ساعات".

زارت هيومن رايتس ووتش منطقة التواهي في عدن، خارج وسط المدينة مباشرة والتي تضم سكانا من ذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط، وتحدثت مع سبعة سكان، بينهم أربعة يعملون في مجال التعليم والرعاية الصحية، لفهم تأثير نقص الكهرباء على المدارس والمرافق الصحية بشكل أفضل. زارت هيومن رايتس ووتش أيضا عيادة لحالات التوليد الطارئة في المنطقة وتحدثت إلى إحدى الطبيبات التي تعمل هناك.

قال أحد المعلمين: "لا يوجد جدول زمني. تأتي الكهرباء أو لا تأتي. لا يمكنك التنبؤ بها. لا تحصل أي منطقة على الكهرباء أكثر أو أقل في عدن – الجميع يعانون بنفس الطريقة".

قال ساكن آخر: "الناس يعانون، والوضع يزداد سوءا".

يوجد في التواهي خمس عيادات صحية تحصل كل منها على الكهرباء بشكل منتظم كحال بقية المدينة – أي حوالي ست ساعات في اليوم فقط. لكن ست ساعات من الكهرباء يوميا لا تكفي لتشغيل هذه العيادات – وخاصة العيادة المخصصة لحالات الولادة الطارئة، والعيادة المفتوحة لمدة 24 ساعة يوميا.

لم يكن دعم الحكومة لمرافق الرعاية الصحية العامة كافيا للتخفيف من تأثير نقص الكهرباء. قال أحد العاملين في مجال الصحة العامة: "الحكومة تعطينا 40 لترا من الوقود شهريا. طاقة المولّد 140 كيلووات ويستهلك 40 لترا [من الوقود] في ساعتين".

لمواجهة نقص الكهرباء في العيادة، اضطرت إدارة الصحة العامة إلى جمع الأموال اللازمة للألواح الشمسية والوقود للمولدات من "رجال أعمال من القطاع الخاص" والمنظمات غير الحكومية. قال شخص يعمل في إدارة الصحة العامة: "الطاقة الشمسية ليست كافية. ينقطع التيار الكهربائي في بعض الأحيان فنضطر إلى التوقف عن العمل".

قالت طبيبة تعمل في العيادة المخصصة لحالات الولادة الطارئة إن عيادتهم تجري أحيانا عمليات قيصرية طارئة وغيرها من العمليات التي يمكن أن تصبح أكثر خطورة وحتى تهدد الحياة دون كهرباء. قالت إنه قبل أسبوع، أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى توقف الحاضنات في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة عن العمل. اضطر فريق العيادة إلى نقل أحد الأطفال بسرعة إلى مستشفى في منطقة أخرى. قالت: "كان الأمر مؤلما للغاية لأننا لم نتمكن من فعل أي شيء".

قال الموظفون إنه دون مساهمات من المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة الخاصة، لن تتمكن عيادتا الطوارئ من العمل، وسيتعين على العيادات الثلاث الأخرى أن تحدد ساعات عملها بالأوقات التي تتوفر فيها الكهرباء من الحكومة – وهو أمر لا يمكن التنبؤ به. قال شخص يعمل في إدارة الصحة العامة في التواهي: "الأمر كله يعتمد على العلاقات الشخصية. يجب على الحكومة أن تساعدنا".

نقص الكهرباء يعطل أيضا التعليم. قال أحد العاملين لصالح وزارة التربية والتعليم في التواهي، إن المدارس الحكومية في المديرية البالغ عددها 13 مدرسة قد تحصل على ساعتين من الكهرباء خلال اليوم الدراسي، بالإضافة إلى الكهرباء المحدودة التي تحصل عليها بعض المدارس من الألواح الشمسية التي وفرتها الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، والجهات المانحة الخاصة: "لا نحصل على أي مساعدة لإبقاء التيار الكهربائي. منذ 2016 لم تقدم الحكومة أي شيء على هذه الصعيد".

قال أحد المعلمين إن نقص الكهرباء يجعل البيئة في غرفة الصف صعبة للغاية. قال المعلم: "بالطبع إن نقص الكهرباء له تأثير على الطلاب. خاصة في قدرتهم على التعلم. لا يمكنهم التركيز على دراستهم، ويركزون فقط على الحرّ أو يحاولون أن يقللوا من تأثير الحرّ عليهم".

يعاني المعلمون أيضا أثناء القيام بعملهم في الجو الحار. قال أحد الأشخاص في وزارة التعليم: "لا يستطيع المعلمون التدريس بشكل جيد إذا كان الجو حارا للغاية ولا يستطيع الطلاب التركيز عندما يكون كل ما يمكنهم التفكير فيه وكل ما يمكنهم فعله هو محاولة تهوية أنفسهم. الشيء الوحيد الذي يفكر فيه أي شخص هو الحرّ".

تُرك السكان ليتدبروا أمورهم وأمور مجتمعاتهم بأنفسهم، من خلال جمع الأموال أو البحث عن مانحين خارجيين ومنظمات غير حكومية للمساعدة في دفع ثمن الوقود لمولدات الكهرباء الخاصة والألواح الشمسية.

قال أحد سكان عدن: "لا توجد كهرباء لأنه لا يوجد ديزل ولا توجد دولة – لم يساعدونا في هذه الأشياء على الإطلاق. لا يهتم أي منهم إلا بنفسه فقط".

قال أحد الأشخاص الذين يعيشون في منطقة التواهي إنه عندما انفجر صمام [فيوز] في الشبكة الخاصة بحيّهم، اضطروا إلى "جمع الأموال مع بعضهم لشراء صمام جديد"، لكن بعد ذلك بوقت قصير "تعطل مرة أخرى".

وفقا لـ"المنتدى الاقتصادي العالمي"، من بين الدول العشرين الأكثر تعرضا للإجهاد المائي في العالم، تتمتع اليمن بأعلى إمكانات للطاقة الشمسية. ذكر "مشروع بورغن"، وهو منظمة غير ربحية تعنى بمكافحة الفقر المدقع، أن التوسع في إنتاج الطاقة الشمسية في اليمن يمكن أن يلبي "حاجة اليمن الملحة إلى طاقة أكثر موثوقية وبأسعار معقولة بينما تساهم أيضا بشكل إيجابي في البيئة".

استجابة الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي

طوال صيف 2023، أثار انخفاض توفر الكهرباء والمياه، والنقص الواسع في الخدمات العامة وسط الأزمة الاقتصادية، احتجاجات واسعة النطاق في عدن.

تحققت هيومن رايتس ووتش أيضا من مقطعي فيديو نشرهما صحفيون ونشطاء يمنيون على وسائل التواصل الاجتماعي، وحددت موقعهما الجغرافي، لاحتجاج في مديرية خور مكسر في 22 أغسطس/آب. تُظهر مقاطع الفيديو قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وهي تهاجم المتظاهرين وتجرح بعضهم. وفقا لـ "شيبا إنتلجنس"، وهي منصة استخباراتية مفتوحة المصدر، أصيب ثمانية أشخاص بالذخيرة الحية التي أطلقتها قوات الأمن على المتظاهرين.

قال أحد النشطاء في عدن، الذي دعا المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة إلى تقديم المزيد من الخدمات بما في ذلك الكهرباء والماء إلى الحي الذي يقيم فيه: "إما أن تطيعهم أو يحتجزوك أو يقتلوك، لكنهم لا يريدون الاستماع إلى مخاوف الناس".

تعتبر عائدات صادرات النفط أكبر مصدر دخل للحكومة اليمنية. ألقت الحكومة باللوم على هجمات الحوثيين على موانئ النفط التي تسيطر عليها الحكومة في عدم قدرتها على تصدير الوقود، وهو مصدر مهم للإيرادات ويوفر أيضا الوقود لإمدادات الكهرباء. كما انتقد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، هجمات الحوثيين، قائلا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إن الحوثيين "نفذوا هجمات ضد محطات وموانئ النفط في محافظتي حضرموت وشبوة بهدف حرمان الحكومة اليمنية من المصدر الرئيسي لدخلها من تصدير النفط".

مع ذلك، قال موظف في وزارة الكهرباء إن الأسباب الحقيقية وراء نقص الدخل من صادرات الوقود كانت أكثر تعقيدا بكثير من هجمات الحوثيين، وتتضمن فسادا حكوميا.

في أغسطس/آب، نشر مجلس النواب التابع للحكومة اليمنية تقريرا "يوثق الانتهاكات المزعومة من قبل العديد من المؤسسات العامة"، بما في ذلك وزارة الكهرباء، وفقا لمركز صنعاء. وجد مجلس النواب أن وزارة الكهرباء "أصبحت اليوم الثقب الأسود لابتلاع المال العام نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد" وأصبحت تتطلب أموالا ضخمة "دون توفر الحد الأدنى من التيار الكهربائي".

الالتزامات القانونية

الحق في الماء يمنح الجميع، دون تمييز، الحق "في الحصول على مياه كافية وآمنة ومقبولة ويمكن الوصول إليها ماديا وبأسعار معقولة للاستخدام الشخصي والمنزلي".

الحق في الحصول على المياه، والذي يشمل الحق في الحصول على مياه الشرب الآمنة والنظيفة وخدمات الصرف الصحي، مستمد من الحق في الحياة والحق في مستوى معيشي لائق، وقد أكدته مرارا وتكرارا "الجمعية العامة للأمم المتحدة" و"مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".

بالمثل، يقع على عاتق الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي واجب ضمان حصول كل شخص ضمن أراضيهم أو ولايتهم القضائية على الكهرباء. قالت هيومن رايتس ووتش إن الحق المحمي دوليا في مستوى معيشي لائق يشمل حق كل شخص، دون تمييز، في الحصول على كهرباء كافية وموثوقة وآمنة ونظيفة ويمكن الوصول إليها وبأسعار معقولة.

يعد الحصول على الكهرباء أمرا بالغ الأهمية لضمان الحقوق الأخرى، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، الصحة والسكن والمياه والتعليم، ويجب الاعتراف به كحق متمايز من حقوق الإنسان. هذا يعني ضمان توليد وإمدادات كافية ومستدامة من الكهرباء، والتعاون الدولي لضمان توفير كهرباء موثوقة وبأسعار معقولة ومتاحة للمستخدم.

في مراجعة حديثة لامتثال اليمن لـ"العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، والذي وقعت عليه اليمن، أعربت "لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" عن قلقها إزاء التداعيات الخطيرة والطويلة الأمد للنزاع على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب اليمني. قالت اللجنة إن النزاع في اليمن لا يلغي مسؤولية اليمن التي تقتضي وفاءه بالتزاماته بموجب العهد.

أما المجلس الانتقالي الجنوبي، باعتباره كيانا مسلحا غير حكومي يمارس "السيطرة الفعلية على الأراضي والسكان"، فهو ملزم "باحترام وحماية حقوق الإنسان للأفراد والجماعات" الذين يعيشون على أراضيه، بما في ذلك الحق في الحصول على المياه والكهرباء. يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، بالإضافة إلى مناطق أخرى في جنوب اليمن، ويمارس مهام كبيرة شبيهة بالحكم. سيطرة المجلس على عدن تُلزمه بحماية حق الحصول على المياه لسكان المحافظة. هذا الالتزام لا ينفي التزام الحكومة اليمنية المستمر بإيفاء الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة