العراق وكردستان العراق
Iraq and Iraqi Kurdistan
ب. حقوق المتهم المحتويات

نعترف في هذا الإطار بأن المادة 20 من القانون تنطوي على العديد من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة حمايةً للمتهمين، كما تقضي بذلك المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. إلا أن العديد من الضمانات الأساسية لحماية حقوق الإنسان غائبة عن القانون، وخصوصا الضمانات المتعلقة بالمراحل المبكرة من إجراءات المحاكمة.
ونظرا لطبيعة الجرائم التي يعنى بها القانون، فمن المرجح أن تتسم المحاكمات بجو مشحون بالانفعالات والمشاعر الجارفة، وعليه فلا بد أن تتخذ المحكمة الخاصة كافة الاحتياطات الممكنة ضمانا لحماية حقوق المتهمين منذ اللحظة الأولى. ونعتقد هنا أن المحكمة الخاصة عليها أن تتبنى أرفع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وأن تطبقها في معاملة المتهمين، بما في ذلك المعايير الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عام 1957، ومجموعة مبادئ الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص المعرضين لأي شكل من أشكال الاعتقال أو السجن التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1988.
وجدير بالذكر أن إدراج الضمانات الواردة في هذه الصكوك إدراجا صريحا في القانون من شأنه أن يسهم إسهاما فعالا في عدالة إجراءات المحاكمة، وأن يضفي مشروعية ومصداقية على المحاكمات. وفيما يلي نورد بعض الضمانات غير الموجودة في القانون، والتي يبعث غيابها على أشد القلق.
1. ضرورة السماح للأشخاص الخاضعين للتحقيق أو الاستجواب بالتمتع بالضمانات الأساسية
لا ينص القانون إلا على مجموعة محدودة من الضمانات الصريحة لحماية حقوق الأفراد في المراحل الأولى من إجراءات المحاكمة، وخصوصا في أثناء التحقيق والاستجواب. ولذلك نوصي بتعديل القانون بحيث ينص صراحة على الحقوق الواجب مراعاتها في أثناء التحقيق وعلى حقوق المتهمين في أثناء استجوابهم. ونعتقد أن إيراد الضمانات التالية لحماية حقوق الأشخاص في أثناء التحقيق والاستجواب سوف يضمن تحقيق العدالة في المحاكمات. يجب مراعاة الضمانات التالية أثناء التحقيق:

· عدم التعرض للتوقيف أو الاعتقال بصورة تعسفية
· عدم تجريم أنفسهم أو الاعتراف بالجرم
· الحماية من أي شكل من أشكال القسر أو الإكراه أو التهديد أو التعذيب أو أي شكل من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
· استجوابهم بلغة يفهمونها، أو توفير خدمة الترجمة الدقيقة بالمجان في حالة الضرورة.
وفي هذا الصدد نشير إلى أن المادة 18(ثالثا) من القانون تنص على أنه يحق للمشتبه فيه عند استجوابه الاستعانة بملء إرادته بمحامٍ، وعلى أن له الحق في طلب المساعدة القضائية لدفع أجور المحامي في حالة عدم قدرته على الدفع. وفضلا عن هذا الضمان، وعما ناقشناه من الحقوق الواجب مراعاتها أثناء التحقيق، فإننا نوصي بضرورة السماح للمشتبه فيهم بما يلي:

· إبلاغهم قبل الاستجواب بمبررات الاعتقاد بأنهم ارتكبوا جريمة تندرج ضمن اختصاص المحكمة الخاصة
· التزام الصمت بدون اعتبار هذا الصمت مؤشرا على كونهم مذنبين
· حضور محام عنهم أثناء الاستجواب، ما لم يتخل المشتبه فيه عن هذا الحق.
وجدير بالذكر أن هذه الأحكام مقننة أصلا في القاعدة 42 من قواعد المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة للمحكمة الخاصة بسيراليون، والمادة 9(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه "لا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا". كما أن هناك أحكاما مشابهة تنص عليها تحت المادة 55 من قانون روما الأساسي.

2. ضرورة توفير ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين عند النظر في التهم الجنائية
كما أشرنا فيما تقدم، فإننا نعترف بأن المادة 20 من القانون تدرج العديد من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة حماية للمتهمين عند النظر في تهمة جنائية، وفقا لما تقضي به المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إلا أننا نشعر بالقلق لأن القانون لا ينص على ضرورة إثبات كون المشتبه فيه مذنبا دون أي شك معقول، إذ تنص المادة 20 (ثانيا) من القانون على أن "المتهم برئ حتى تثبت إدانته أمام المحكمة وفقاً للقانون".
وإذا كان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا ينص صراحة على ضرورة إثبات الجرم دون أي شك معقول، فإن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أشارت في تعليقها العام على المادة 14(7) من العهد إلى أنه "بسبب افتراض البراءة، يقع عبء إثبات التهمة على الادعاء، ويكون الشك في صالح المتهم. ولا يجوز افتراض أي جرم إلا إذا أمكن إثبات التهمة دون أي شك معقول". وبالمثل نجد أن قانون روما ينص في المادة 66(3) على ضرورة اقتناع المحكمة "بأن المتهم مذنب دون شك معقول قبل إصدار حكمها بإدانته"، نوصي بتعديل المادة 20 من القانون بحيث تنص صراحة على ألا يُدان أي متهم إلا إذا أمكن إثبات التهمة عليه دون أي شك معقول.
وليس من الواضح من القانون ما إذا كان سيُسمح بالمحاكمة غيابيا أمام المحكمة الخاصة أم لا. ورغم أنه ليس هناك حظر مطلق في القانون الدولي على المحاكمات الغيابية، فإن هذه المحاكمات تحد من قدرة أي متهم على ممارسه حقوقه المكفولة بموجب المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومنها الحق في حضور جلسات المحاكمة، والدفاع عن نفسه بتوكيل محام بمحض اختياره، وسؤال الشهود. كما أن المادة 63 من قانون روما الأساسي تحظر حظرا صريحا المحاكمات الغيابية في المحكمة الجنائية الدولية. وإننا لنعتقد أن المحاكمات الغيابية من شأن أن تقوض شرعية المحكمة الخاصة، ولذلك نوصي بتعديل القانون بحيث يحظر المحاكمات الغيابية حظرا صريحا. إلا أن المحكمة الخاصة يجب أن تكون قادرة على اتخاذ التدابير الضرورية للحفاظ على الأدلة ضمانا لعقد محاكمة تالية بحضور المتهم.
3. ضرورة تحريم عقوبة الإعدام
لا يتضمن قانون المحكمة الخاصة أي حظر لعقوبة الإعدام؛ فالمادة 24(أولا) من القانون تنص على أن تكون "العقوبات التي تنطق بها المحكمة هي العقوبات المقررة في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969". والمعروف أن القانون العراقي يجيز فرض عقوبة الإعدام في بعض الجرائم. كما أن المادة 24(خامسا) من القانون تنص على أنه "عند تحديد المحكمة لعقوبة ... لا يوجد لها نظير في القانون العراقي، فإن المحكمة تأخذ بنظر الاعتبار عوامل معينة مثل خطورة الجريمة والظروف الشخصية للمدان استرشاداً بالتجارب والخبرة والقوانين الدولية في هذا المجال".
كما أننا ندرك أنه قد يكون هناك رأي قوي يدعو إلى تأييد عقوبة الإعدام في العراق؛ بيد أن السماح بعقوبة الإعدام من شأنه أن يقوض مصداقية المحكمة الخاصة، لأنه سوف يوحي بأن المحكمة الخاصة إنما تمارس الانتقام بدلا من أن تقيم العدالة. وتعارض منظمة هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في كافة الظروف بسبب القسوة المتأصلة في طبيعتها؛ كما أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يميل إلى إلغاء عقوبة الإعدام، على نحو ما تنص عليه المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفضلاً عن ذلك، فإن جنوح شتى دول العالم مؤخراً للإقرار من خلال ممارساتها الفعلية بأن عقوبة الإعدام تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية كان له الأثر في تعزيز حركة آخذة في النمو حول العالم للدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام. وقد أجمع العديد من البلدان، ومن بينها جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على معارضة عقوبة الإعدام في كافة الظروف. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القانون الأساسي لكل من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الخاصة بسيراليون، وقانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كلها لا تجيز توقيع عقوبة الإعدام على مجرمي الحرب، مما يعد مؤشرا آخر واضحا على رفض المجتمع الدولي لعقوبة الإعدام في كل الأحوال.
ونعتقد أن المحكمة الخاصة يجب أن تشدد بوجه خاص على حظر المعاملة القاسية واللاإنسانية مثل عقوبة الإعدام بسبب وحشية الجرائم المزعومة، وإلا انطمست الحدود الفاصلة بين حكم حزب البعث والحكم القائم على سيادة القانون وحقوق الإنسان في عراق ما بعد الصراع. ولهذه الأسباب كلها، نعتقد أنه إذا سمحت المحكمة بفرض عقوبة الإعدام، فإن ذلك سوف يضعف شرعية المحاكمات ومصداقيتها بصورة خطيرة، ولذلك نوصي بتعديل المادة 24 من القانون بحيث تحرم فرض عقوبة الإعدام تحريما صريحا.

4. ضرورة تأسيس مبادئ المحكمة الخاصة المتعلقة بالقانون الجنائي والقواعد الإجرائية على المعايير الدولية
نعتقد في هذا السياق أن المحكمة الخاصة يجب أن تطبق أرقى معايير القانون الدولي ضماناً لشرعية المحكمة ومصداقيتها. وتنص المادة 17(أولا) من القانون على أنه "في حالة وجود فراغ قانوني في نصوص هذا القانون والقواعد الصادرة عنه"، فإن المبادئ العامة للقانون الجنائي القابلة للتطبيق على اتهام ومحاكمة الأشخاص المتهمين هي المبادئ المنصوص عليها في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971. كما تنص المادة 17(ثانيا) من القانون على أن للمحكمة وللهيئة التمييزية "الاستعانة بأحكام المحاكم الجنائية الدولية عند تفسيرها لأحكام المواد11 و12 و13 من هذا القانون".
ومن الملاحظ أن القانون الجنائي العراقي لا يكفل حماية حقوق المتهم بصورة كافية؛ فمن الأحكام المثيرة للقلق في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 ما يلي:

· إجازة الاعترافات المأخوذة عن طريق الإكراه البدني إذا لم تكن هناك علاقة سببية بين الإكراه والاعتراف، أو إذا كانت هناك قرينة أخرى تدعم الاعتراف مما يقنع المحكمة بصحته أو يؤدي إلى الكشف عن حقيقة معينة[…] (فقرة 218 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)
· إمكانية منع المحامي من الحضور عند استجواب المشتبه فيه أثناء التحقيق إذا قرر القاضي أو المحقق أن المسألة موضع الاستجواب تستدعي ذلك (فقرة 57(أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية)
· إمكانية عقد جلسات مغلقة لا يسمح للجمهور بحضورها إذا رأت المحكمة ضرورة عقد جميع جلسات المحاكمة أو بعضها في سرية، بدون النص على معايير عقد الجلسات المغلقة (فقرة 152 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). إن الاعتماد على القانون الجنائي العراقي والقوانين الجنائية يجعل المادة 17 من قانون المحكمة غير كافية لضمان عقد المحاكمات وفقا لأرقى المعايير الدولية؛ إذ إن الاعتماد على هذا القانون قد يقوض من شرعية المحكمة الخاصة بأن يفتح الباب للمساس بحقوق المتهمين وانتهاكها.
ولذلك نوصي بتعديل المادة 17 من القانون بحيث تنص على ألا يكون القانون العراقي هو أساس مبادئ القانون الجنائي متى كانت أحكام القانون لا تتفق مع قانون حقوق الإنسان والقانون الجنائي والقانون الإنساني الدولي. كما نوصي بتعديل المادة 17(ثانيا) بحيث تنص على ضرورة التجاء محكمة الجنايات وهيئة التمييز إلى الفقه القانوني والقوانين وقواعد الإجراءات والأدلة المستمدة من المحاكمات الدولية والمحاكمات الدولية المختلطة، واستخدام هذه العناصر حسب مقتضى الحاجة.
وتنص المادة 15(ثانيا) من القانون على ضرورة تحديد المسؤولية القانونية على الفرد ومدى تعرضه للعقوبة وفقا "لأحكام هذا القانون ولأحكام قانون العقوبات". ولنفس الأسباب، نوصي بتعديل المادة 15(ثانيا) من القانون بحيث تنص على تحديد المسؤولية القانونية ومدى التعرض للعقاب وفقا لقانون المحكمة الخاصة والقانون الجنائي العراقي، ما لم تتعارض أحكامهما مع قانون حقوق الإنسان والقانون الجنائي والقانون الإنساني الدولي. كما نوصي بتعديل المادة 15(ثانياً) بحيث تنص على ضرورة تحديد المسؤولية القانونية على الفرد ومدى تعرضه للعقوبة وفقا للفقه القانوني والقوانين وقواعد الإجراءات والأدلة المستمدة من المحاكمات الدولية والمحاكمات الدولية المختلطة، واستخدام هذه العناصر حسب مقتضى الحاجة.
وتنص المادة 16 من القانون على أن "يتولى رئيس المحكمة إعداد قواعد للإجراءات ولجمع الأدلة ... وعليه الاسترشاد بنصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية". وحيث أن القانون الجنائي العراقي لا يضمن المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، كما أوضحنا فيما سبق، فإننا نوصي بتعديل قانون المحكمة بحيث ينص على أن تسترشد قواعد الإجراءات وجمع الأدلة بالمعايير المقبولة دوليا. وتعد القوانين وقواعد الإجراءات الخاصة بالمحاكم الدولية والمحاكم المختلطة أكثر اتساقا مع القواعد المقبولة دوليا، ومن ثم تمثل إطارا توجيهيا مناسبا لقواعد الإجراءات وجمع الأدلة بالمحكمة الخاصة.

مقدمة
أ. القضاة وهيئة الادعاء
ب. حقوق المتهم
ج. الجرائم الفادحة
د. الشهود والضحايا
هـ. التحري والأمن
خاتمة

عودة للعراق