العراق وكردستان العراق
Iraq and Iraqi Kurdistan
مقدمة المحتويات

تشيد منظمة هيومن رايتس ووتش بما أعلن عنه مجلس الحكم العراقي من تمسكه بالمحاسبة عن الجرائم الخطيرة التي اقترفتها القيادة العراقية السابقة، إذ تعتقد المنظمة أن إقامة العدل في الجرائم الخطيرة التي ارتكبت في الماضي أمر ضروري للضحايا الذين ارتكبت الجرائم بحقهم ولأسر هؤلاء الضحايا، إلى جانب كونها ضرورية لتوطيد أركان الاحترام الواجب لسيادة القانون في العراق.
وقد ظلت منظمة هيومن رايتس ووتش على مر السنين تعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وتطالب بإقامة العدل بشأن هذه الجرائم. وقد أجرينا العديد من المقابلات الشخصية، وجمعنا روايات الشهود، وشاركنا في استخراج الجثث لإجراء الفحوص الطبية الشرعية عليها، وأوفدنا بعثات لإجراء البحوث، ونشرنا تقارير مستفيضة عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، كما قمنا بدور نشط بوجه خاص في توثيق الجرائم المرتكبة في إطار حملة الأنفال التي وقعت عام 1988؛ وفي عام 1992، حصلنا على أطنان من الوثائق الرسمية العراقية، وعكفنا على تحليلها؛ وفي عامي 1994 و1995، دعونا مختلف الدول إلى رفع دعوى على العراق أمام محكمة العدل الدولية بسبب جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد الأكراد

. وفي المحادثات التي أجريناها في بغداد مؤخراً، أوضح الكثير من العراقيين أن إقامة العدل بشأن جرائم الماضي الخطيرة أمر ذو أهمية قصوى لإطلاع العالم على الأفعال التي ارتكبت أثناء حكم صدام حسين. وأعرب معظم العراقيين الذين تحدثنا معهم عن اعتقادهم الجازم بوجوب محاسبة المسؤولين عن أسوأ الجرائم على ما تسببوا فيه من معاناة للشعب العراقي على مدى عدة عقود.
وتحقيقاً لهذه الأهداف، فمن الضرورة بمكان أن تحترم المحاكمات الخاصة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المعايير الراسخة والمستقرة للقانون الدولي، وأن تتم على نحو من الكفاءة والفعالية، الأمر الذي يسهم في إضفاء المشروعية والمصداقية على هذه المحاكمات في العراق، وفي المنطقة ، بل وفي العالم بأسره. وإننا لنعتقد أن عملية المحاسبة المتمشية مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة من شأنها أن تساعد أيضا على إرساء الاحترام الواجب لسيادة القانون في العراق.
وقد اكتسب المجتمع الدولي خبرة كبيرة في مجال الخيارات العديدة التي يمكن الالتجاء إليها لمقاضاة المشتبه في ارتكابهم جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومن ضمنها الخبرة التي اكتسبها من خلال ما بذل من جهود لتقديم المسؤولين عن أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان للعدالة في يوغوسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون. وقد اقترحت منظمة هيومن رايتس ووتش تكوين مجموعة مختلطة من الخبراء، تتألف من مختصين عراقيين ودوليين، للتوصية بالآليات الملائمة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الأكثر خطورة والأقل خطورة، وتيسير عملية جمع الأدلة والحفاظ عليها. وإننا لنعتقد أن هذه الآلية ستسمح للقضاة العراقيين بالاستعانة بالخبرات الدولية المتوافرة لضمان أقصى قدر من الفعالية في الإجراءات القضائية.
وفي هذا الصدد نقر بأن مجلس الحكم العراقي قد أصدر قانونا أساسيا لإنشاء "محكمة جنائية عراقية مختصة بالجرائم ضد الإنسانية" (وسنشير إليها من الآن فصاعداً بـ"المحكمة خاصة") للتحقيق في جرائم الماضي الخطيرة وتحريك الدعاوى القضائية بشأنها بدون الاستعانة بمجموعة مختلطة من الخبراء، إلا أننا لا نعتقد أن هذا المسار هو أنسب الإجراءات الممكنة لضمان إقامة العدل.

إننا نشعر بالقلق الشديد بشأن عدم التشاور في صياغة هذا القانون؛ إذ لم توضع أي آلية ذات شفافية لتلقي التعليقات عليه، أو للاستعانة بالخبرات الموجودة في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن منظمة هيومن رايتس ووتش طلبت غير مرة التعليق على مسودة القانون، فقد امتنعت سلطة التحالف المؤقتة ومجلس الحكم العراقي عن تقديم نسخة منه للمنظمة؛ ونحن نرى أن عدم الشفافية في صياغة القانون قد تكون سببا من الأسباب التي تفسر وجود ثغرات خطيرة في ضمانات حماية حقوق الإنسان الواردة في نص القانون، كما سيرد تفصيله لاحقا.
كما أن ثمة تساؤلات هامة حول شرعية إنشاء محكمة محلية مثل هذه المحكمة أثناء الاحتلال من منظور القانون الدولي، فقد تثار قضايا هامة حول إقامة العدل في ظل الظروف الحالية، وما إذا كان حكم القضاء سوف يُعتبر عادلاً في مثل هذه الظروف. كما يساورنا القلق بشأن إمكانية المضي قدماً في تحقيق العدالة من خلال محكمة مقرها في العراق في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة، كما سنشرح فيما يلي.
ومع استبقاء تحفظاتنا في هذا الصدد، فسوف نحاول مناقشة "قانون المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الإنسانية" (القانون) مناقشة بناءة. ونشير بادئ ذي بدء إلى أن الطبيعة الفادحة للجرائم المرتكبة، ومشاركتنا التاريخية في المطالبة بأن تأخذ العدالة مجراها إزاء هذه الجرائم، وأهمية المحاكمات للمرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق بعد الصراع، كلها أمور تعزز من التزام هيومن رايتس ووتش باتخاذ كل الخطوات المتاحة لضمان إجراء محاكمات تتسم بأعلى درجات المصداقية.

وإننا لنعتقد أن القانون وقواعد الإجراءات وجمع الأدلة التي تتسق مع المعايير الدولية، ومنها الأحكام الرامية لإكساب المحكمة الخاصة أقصى قدر من الفعالية والكفاءة، هي أمور ضرورية لا غنى عنها؛ بيد أن هذه لا تعدو أن تكون الخطوة الأولى لإجراء محاكمات تتمتع بالمشروعية والمصداقية؛ أما المحك الحقيقي فهو التطبيق العادل والفعال لهذه الأدوات في الواقع الفعلي، وهو ما قد يؤدي إلى خلق تحديات أصعب بكثير؛ فمن خلال تطبيق هذه الأدوات يتحقق الالتزام بالعدل والمحاسبة في العراق.
ويتضمن القانون عددا من الأحكام المهمة لإجراء المحاكمات على نحو يتسم بالكفاءة والفعالية وفقا للقانون الإنساني والجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي؛ إلا أن هناك أحكاما أخرى قاصرة عن تلبية هذه المعايير. وسوف نلقي بالضوء في تعليقاتنا على تلك الجوانب التي نشعر حيالها بأكبر قدر من القلق، ونطرح بعض التوصيات بشأن تعديل القانون لمعالجة بواعث القلق المشار إليها. وتنقسم المناقشة في هذه المذكرة إلى العناصر التالية التي تضم قضايا مختلفة وهي:
(أ) القضاة وهيئة الادعاء؛
(ب) المتهمون والمحتجزون
(ج) الجرائم الفادحة؛
(د) الضحايا والشهود؛
(هـ) التحري والأمن.
وليس المقصود من هذه المذكرة تقديم تحليل وافٍ لهذه المحكمة التي أنشئت للنظر في الجرائم الخطيرة الماضية في العراق، وهي لا تناقش مشروعية إنشائها أثناء الاحتلال من منظور القانون الدولي.

مقدمة
أ. القضاة وهيئة الادعاء
ب. حقوق المتهم
ج. الجرائم الفادحة
د. الشهود والضحايا
هـ. التحري والأمن
خاتمة

عودة للعراق