Skip to main content

ردود مُفرطة

كيف تهدد تدابير مكافحة الإرهاب العالمية الجديدة حقوق الإنسان

© 2017 Brian Stauffer for Human Rights Watch

ترِد في الآونة الأخيرة أنباء قاتمة من جبهات الإرهاب ومكافحته. شنّ متطرفون العديد من الهجمات المروّعة على عامة الناس، بدعم من الجماعات المسلحة أو دونه. قتل الانتحاريون والمسلحون مئات الأشخاص وجرحوا آلافا آخرين منذ أواخر 2015. من ملعب في باريس إلى مقهى في دكا، ومن فندق في باماكو إلى شاطئ للمصطافين في ساحل العاج. من احتفال في مكتب حكومي بكاليفورنيا إلى ملهى ليلي للمثليين في فلوريدا، ومن مطاري بروكسل واسطنبول إلى حديقة في لاهور. على شاطئ البحر في مدينة نيس، دهس رجل واحد بشاحنة بضائع 85 شخصا يحتفلون بيوم الباستيل.

رغم أن تنظيم "الدولة الإسلامية"("داعش") يتراجع في ساحات القتال في الشرق الأوسط على ما يبدو، وقت كتابة هذا المقال، إلا أن آلافا من أعضائه شرعوا بالعودة إلى ديارهم في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم من يحمل خيبة أمله أو من عقد العزم ربما على تنفيذ هجمات في بلاده. ربما لم يغادر بعض أعضاء "داعش" بلادهم أساسا. تواصل جماعات مسلحة أخرى هجماتها القاتلة على المدنيين، بما فيها "حركة الشباب" في الصومال، وفروع تنظيم "القاعدة" مثل "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". لا يزال الأشخاص الذين يوصفون بـ "الذئاب المنفردة" والمتعاطفين الذين ليس لديهم دعم مباشر من المجموعات المتطرفة المسلحة، يشكلون تهديدا قويا.

تتبنى عشرات الحكومات مجموعة من قوانين مكافحة الإرهاب وتدابير منفصلة عن أي عمليات عسكرية مخطط لها أو محتملة، استجابة لهذه التحديات الهائلة. تتحمل الدول مسؤولية حماية سكانها من الأذى، ولكن عديد من هذه القوانين والتدابير الوطنية الأخيرة هي إما فضفاضة بشكل خطير أو مُبهمة أو متطفلة. بدلا من توفيرها قدر أكبر من الأمن، تعرّض هذه القوانين والتدابير الحقوق الأساسية لخطر الانتهاك، وسجن الأشخاص على وجه الخطأ، وتنفير الأقليات التي يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في المساعدة على الحد من الهجمات الإرهابية.

يبرز اليوم تطوران رئيسيان مترابطان: انتشار قوانين مكافحة الإرهاب، التي يستهدف كثير منها ما يسمى "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، وإعلان حالات الطوارئ لمكافحة التهديدات الإرهابية.

هرعت الحكومات في حالات كثيرة إلى اتخاذ هذه التدابير في أعقاب هجمات مأساوية دون نقاش يذكر، وهو الأمر الذي تبين تجربة الماضي أنه يخلق خطرا جديا من أن تصبح الإجراءات الاستثنائية هي القاعدة السائدة دون رقابة عامة كافية أو النظر في تأثيرها على المدى الطويل.

أولئك الذين يمكن أن يتحملوا جريرة التدابير الفضفاضة جدا أو المبهمة لمكافحة الإرهاب، ليسوا فقط المتهمين بالإرهاب ولكن المتظاهرين السلميين والصحفيين والمعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأعضاء الجماعات العرقية أو الدينية أيضا. كثير من الذين يتعرضون لخطر الاستهداف ظلما أو للوصم الاجتماعي هم من المسلمين، في العمليات التي تنفذ ضد جماعات إسلامية مسلحة.

تصاعدت كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الدول الغربية، والتي أثارها جزئيا شخصيات سياسية تستغل هجوم الإسلاميين المتطرفين وأزمة اللاجئين العالمية التي شردت الملايين، لا سيما من البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل سوريا وأفغانستان والصومال؛ بما يهدد بمزيد من الخلط بين المسلمين والمتطرفين المسلحين. رغم ذلك، فكثير من ضحايا الهجمات المسلحة الإسلامية مسلمون وعديد من اللاجئين يفرون من فظائع الجماعات المسلحة المتطرفة مثل داعش. هناك دليل ضعيف - إن وجد - يشير إلى أن اللاجئين أو طالبي اللجوء يشكلون خطرا أمنيا أكبر من المجموعات الأخرى، كما لاحظ المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان.

يمكن لعديد من الإجراءات الأخيرة لمكافحة الإرهاب أن تصون الأمن وتحمي القيم الأساسية، إن سُنت ونُفذت بشكل صحيح. إلا أنها غالبا ما تصاغ أو تنفذ بطرق قد تؤثر على سيادة القانون وحقوق الإنسان، بما فيه في الدول ذات الحكومات الديمقراطية، التي يجب أن تكون في طليعة حماتها.

تدابير جديدة خاصة بـ "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"

تشمل قوانين ولوائح مكافحة الإرهاب في عدد متزايد من البلدان واحدا أو أكثر من أحكام "المقاتلين الإرهابيين الأجانب". أظهرت أبحاث "هيومن رايتس ووتش" أن 47 بلدا على الأقل مرر قوانين "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" منذ عام 2013، في أكبر موجة من إجراءات مكافحة الإرهاب منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ضمّت عديد من قوانين مكافحة الإرهاب السابقة بنودا مشابهة وإشكالية بنفس القدر، مثل توسيع سلطات الشرطة والاستخبارات دون ضمانات قانونية كافية. تفاقم هذه الموجة الثانية احتمالات سوء المعاملة.

الدول التي سنّت قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب أو شددت تلك الموجودة مسبقا هي: الجزائر، النمسا، أستراليا، البحرين، بلجيكا، البوسنة والهرسك، البرازيل، بلغاريا، الكاميرون، كندا، تشاد، الصين، الدنمارك، مصر، فرنسا، ألمانيا، إندونيسيا، إيرلندا، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، كازاخستان، كينيا، كوسوفو، ليبيا، مقدونيا، ماليزيا، المغرب، هولندا، نيوزيلندا، النرويج، باكستان، بولندا، البرتغال، روسيا، السعودية، صربيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، طاجيكستان ، تونس، أوغندا، الإمارات، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، وأوزبكستان.

تسنّ عديد من الدول هذه التدابير للامتثال لقرار مجلس الأمن 2178 لعام 2014، والذي يهدف لوقف "التهديد الحاد والمتزايد" الذي يشكله "المقاتلون الإرهابيون الأجانب" في الداخل والخارج. يطلب القرار 2178 الذي عملت الولايات المتحدة على صياغته في المقام الأول، من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة محاكمة مجموعة من الأفعال على أنها "جرائم جنائية خطيرة"، مثل التدرب مع مجموعات إرهابية أجنبية أو القتال لديها، أو التجنيد في صفوف هذه المجموعات أو تمويل عملياتها.

قدّرت الولايات المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن 40 ألف مقاتل أجنبي من أكثر من 120 بلدا ذهبوا إلى سوريا خلال السنوات الخمس السابقة، رغم أنه يبدو أن هذه الموجة قد انحسرت.

يشوب القرار 2178 إغفال خطير، فهو لا يحدّ الأفعال التي يمكن أن تعتبرها الحكومات "إرهابا" أو أن شخصا ما "إرهابيا"، وهما تعبيران لا يوجد لهما تعريف قانوني عالمي. ترك هذا الإغفال للحكومات حرية صياغة قوانين مفتوحة خطيرة يمكن استخدامها لتجريم أنشطة مسموحة دوليا، من بينها الاحتجاجات السلمية وإبداء الآراء الانتقادية وحرية التنقل والدين. يعرّض هذا أيضا ضمانات المحاكمة العادلة والحق في الخصوصية وحتى الحق في الحياة للخطر.

يمكن لتدابير "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" أيضا تعريض المساعدات الإنسانية للخطر، من خلال تجريم توصيل المساعدات المحايدة والعلاج الطبي الضروري للحياة على يد المتطوعين الأجانب والمنظمات غير الحكومية.

تتعارض القوانين الفضفاضة والمبهمة مع المبدأ الأساسي في القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي ينص على وجوب صياغة القوانين بدقة وبشكل مفهوم، لضمان عدم استخدامها تعسفيا، ولكي يعرف الناس أي أفعال قد تشكل جريمة.

عدد كبير من الأجانب الذين ينضمون إلى جماعات مثل داعش هم من الأطفال في سن المراهقة، بمن فيهم بعض الذين جُندوا قسرا. تثير كيفية تطبيق الدول لقوانين "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" قلقا خاصا في مثل هذه الحالات. يعتبر تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاما جريمة حرب. على الحكومات عموما معالجة مسألة الجنود الأطفال قبل كل شيء على أنهم ضحايا يحتاجون إلى التأهيل والإدماج الاجتماعي، وليس الاعتقال والملاحقة القضائية.

ينبغي أيضا معالجة مسألة البالغين الذين لم تشمل أفعالهم في الخارج التدخل المباشر في العنف المسلح، بإدراجهم في برامج إعادة إدماج بدلا من السجن الجنائي. يمكن لهذه البرامج أن تشمل مراقبة المشتبه بهم، شريطة ألا تنتهك التدابير الخصوصية بشكل مفرط وأن تخضع لمراجعة فعالة.

تعاريف فضفاضة أو مُبهمة لـ "الإرهاب"

سنّت دول من بينها أستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، ومصر، وإسرائيل، والسعودية، وتونس قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم الأنشطة غير العنيفة التي لا ترقى إلى الدعم المادي أو المشاركة، مثل ترديد نشيد جماعة محظورة أو المشاركة في احتجاجات ضد الحكومة.

شمل تعريف الصين لـ "الإرهاب" في يناير/كانون الثاني 2016 مصطلحا يمكن أن يعطي معنى "نشر" و"مناصرة" في آن، وهو ما يمكن أن يكون أداة جديدة لتجريم الفكر أو التعبير.

يخلق قانون كندا لمكافحة الإرهاب لعام 2015 جريمة تتمثل في القيام عن علم وبيّنة بـ "الدعوة أو الترويج لارتكاب جرائم الإرهاب بشكل عام"، دون تعريف مصطلح "جرائم الإرهاب بشكل عام."

تتضمن قائمة الجرائم في القانون الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب لعام 2016 التعبير عن الدعم لجماعة مصنفة إرهابية بأعمال مثل التلويح بأعلام الجماعة أو ترديد نشيدها، وهي أعمال يعاقب عليها بما يصل إلى السجن 3 سنوات كحد أقصى.

تجرم الدول أيضا جرائم "تمجيد" الإرهاب أو هي صعّدت من استخدام هذه الجرائم، بغض النظر عما إذا كان هذا الثناء يرقى إلى التحريض. في فبراير/شباط 2016، اتهمت محكمة إسبانية محركيّ دمى اثنين بـ "تمجيد الارهاب" لتنظيمهما عرض كرنفال تضمن مشاهد عنف وعرض دمية تحمل لافتة تشير إلى "تنظيم القاعدة" و"جماعة إيتا" الباسكية المسلحة. أسقط القاضي التهم بعد 4 أشهر، ولكن سُجن المذكوران 4 أيام ومُنعا من مغادرة البلاد.

في أعقاب هجمات "تشارلي إبدو"، طبقت فرنسا قانون "تمجيد" الإرهاب الموجود مسبقا في قانون العقوبات الفرنسي، على نطاق واسع، وأدانت 385 شخصا عام 2015. في 4 حالات على الأقل، استجوب المدّعون أطفالا، بعضهم لا يتجاوز عمره 13 عاما، بسبب استخدامهم مقولات لداعش على وسائل التواصل الاجتماعي وخلال مشادات مع الشرطة.

حظر السفر

تشمل عديد من تدابير "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" فرض حظر السفر، ويُنفذ في أحيان كثيرة بتعليق صلاحية جوازات السفر وبطاقات الهوية الوطنية لأشخاص يشتبه في نيتهم السفر إلى الخارج للانضمام أو التدرب مع جماعات تعتبرها الحكومة منظمات إرهابية أجنبية. تتراوح فترة التعليق عموما بين 6 أشهر وسنتين.

لا تقيد المملكة المتحدة المغادرين فحسب، إنما أيضا عودة المواطنين والمقيمين الذين يشتبه أن سفرهم له علاقة بالإرهاب إذا رفضوا المشاركة في برنامج نزع التطرف. سنّت تونس ومصر حظر سفر شامل إلى الخارج على الذكور تحت سن 35 و40، على التوالي. استخدمت دول بما فيها مصر وكينيا مثل هذا المنع من السفر لمنع شخصيات معارضة وأكاديميين من السفر، فضلا عن أعضاء المجتمع المدني المدعوين إلى ورش تدريبية.

قد يكون لحظر السفر ما يبرره في بعض الحالات، إلا أن الحظر الشامل قد ينتهك الحق الدولي في مغادرة الإنسان لبلده أو العودة إليه، ويمكن أن يضر أفراد أسرة المشتبه به. ما يثير القلق بشكل خاص هو حقيقة أن عديدا من الدول لا تفرض موافقة قضائية مسبقة لحظر السفر أو تعليق جوازات السفر وبطاقات الهوية.

سحب الجنسية

تمرر دول أيضا قوانين تُمكّن من سحب الجنسية من مزدوجي الجنسية المدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب.

يسمح "قانون الولاء الأسترالي" الذي صدر في ديسمبر/كانون الأول 2015 لسلطات الهجرة بسحب الجنسية الأسترالية من مزدوجي الجنسية الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما، دون الحاجة إلى إدانة جنائية، إذا رأوا أن الفرد شارك في جرائم إرهاب خطيرة في الخارج. من بين الدول الأخرى التي مررت قوانين التجريد من المواطنة: النمسا، أستراليا، البحرين، بلجيكا، كندا، هولندا، والمملكة المتحدة.

يؤكد القانون الدولي على أن لكل شخص الحق في التمتع بجنسية ما. في حين تسمح معظم الدول بسحب الجنسية فقط إن كان الشخص المعني يحمل جنسية ثانية، تسمح المملكة المتحدة بسحب الجنسية من المواطنين البريطانيين المجنّسين الذين لا يحملون جنسية أخرى؛ ما يخلق مخاطر انعدام الجنسية. أفادت تقارير أن البحرين سحبت الجنسية من أكثر من 300 شخص منذ عام 2012، من بينهم نشطاء مجتمع مدني وصحفيين وشخصيات دينية عديدة، اعتمادا على تعديل عام 2014 لقانون مكافحة الإرهاب، والذي يسمح للسلطات بسحب الجنسية من البحرينيين الذين "سببوا ضررا للدولة" أو فشلوا في "واجب الولاء لها"، مخلفة العديد منهم بلا جنسية حسب التقارير.

توسيع سلطات الشرطة والاستخبارات

بلجيكا، وكندا، والصين، وفرنسا، وإسرائيل، وباكستان، وبولندا، وروسيا، وتونس هي من بين الدول التي وسعت سلطات الشرطة أو المخابرات فيما يتعلق بقضايا الإرهاب، مع عدم وجود رقابة كافية في كثير من الحالات.

يسمح قانون مكافحة الإرهاب الكندي لعام 2015 لـ"جهاز الاستخبارات الأمنية الكندية" بتعطيل الأنشطة إذا رأى أنها غير قانونية، وحتى بانتهاك ميثاق البلاد للحقوق والحريات إن حصل جهاز الاستخبارات على أمر قضائي في جلسة سرية.

يسمح القانون البولندي لمكافحة الإرهاب لعام 2016 بمراقبة الأجانب لمدة تصل إلى 3 أشهر دون أمر من المحكمة. كما يخول قائد قوات الأمن المحلية بإصدار أوامر للقناصة بإطلاق النار للقتل لمنع هجوم وشيك على حياة أو صحة الإنسان أو عند إنقاذ رهينة عندما تكون البلاد في أعلى مستوى تهديد. لا تتيح مبادئ الأمم المتحدة لأجهزة الشرطة استخدام القوة المميتة إلا كحل أخير لإنقاذ حياة الآخرين. يثير القانون البولندي القلق من أن يصدر القائد أمر القتل دون تحديد أن هناك خطر وشيك على حياة إنسان.

مررت فرنسا منذ عام 2013 عديدا من القوانين التي تشرّع السلطة الواسعة للمراقبة الرقمية، على أسس استهداف أو كإجراءات مراقبة شاملة على حد سواء. قد يضطر مزودو خدمات الإنترنت لتثبيت "صناديق سوداء" على شبكاتهم للبحث في حركة المرور بأكملها عن أنماط "مشبوهة" غير محددة. لا تفرض هذه القوانين ضمانات كافية ضد سوء استخدام تدابير المراقبة، ولا تتطلب غالبا موافقة قضائية مسبقة. كما سنّت روسيا والصين قوانين مراقبة شاملة.

تستمر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في جمع بيانات مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت في جميع أنحاء العالم كل يوم، بعد 3 سنوات من كشف المُبلّغ الأمريكي إدوارد سنودن لأول مرة عن هذه الانتهاكات الجماعية للخصوصية. لم تكن الإصلاحات في الولايات المتحدة عام 2015 كافية، ولا إصلاحات سلطات المخابرات المقترحة في المملكة المتحدة، حتى وقت كتابة المقال.

الحبس الاحتياطي وأوامر التقييد

إلى جانب التدابير التي تحظر سفر "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" إلى الخارج، سنّت دول منها أستراليا، وكندا، وفرنسا، وليبيا، والمملكة المتحدة أو استمرت في استخدام الحبس الاحتياطي أو تدابير "التقييد" تجاه المتهمين بالإرهاب والتي تقيد بشدة تحركاتهم في بلادهم.

رغم تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدى توليه منصبه عام 2009 بإغلاق السجن العسكري الأمريكي في خليج غوانتانامو، فحتى وقت كتابة هذا المقال، لا تزال الولايات المتحدة تحتجز عشرات الأفراد هناك دون تهمة، ولأجل غير مسمّى.

تحدّ تدابير الحبس الاحتياطي وأوامر التقييد حرية الناس بسبب الاشتباه بأنهم قد ينوون ارتكاب عمل إجرامي في المستقبل، وليس لأنه مشتبه بهم أو أدينوا بارتكاب جريمة في الماضي. تُفرض هذه التدابير على أساس عتبة أدنى من الأدلة من تلك المطلوبة للإدانة الجنائية، وفي بعض الحالات على أساس معلومات استخباراتية قد يصعب على المتهم الطعن فيها. قد تكون أوامر التقييد مسموحة في ظروف استثنائية دقيقة التعريف، مثل وجود دليل واضح على وجود تهديد محتمل؛ لكن استخدامها الروتيني ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان.

تشمل أوامر التقييد عادة حظر التجوال والحبس المنزلي المشدد، والنقل الداخلي القسري، والقيود المفروضة على مكان الصلاة للمستهدفين، أو من يمكنهم زيارتهم، أو المواقع الإلكترونية التي يمكنهم الاطلاع عليها، وحتى المواد الاستهلاكية التي يمكنهم استهلاكها.

الاحتجاز قبل توجيه الاتهام أو قبل المحاكمة لفترات طويلة

يتعرض المشتبه في صلتهم بالإرهاب بشكل متزايد إلى فترات احتجاز قبل توجيه الاتهام أو المحاكمة تتجاوز المنصوص عليه في المبادئ التوجيهية الدولية. يُحتجز المعتقلون في بعض الحالات بمعزل عن العالم الخارجي. تقتضي المعايير الدولية مراجعة قضائية "فورية" للاحتجاز، وعموما في غضون 48 ساعة، لأن الفترات الأطول تزيد خطر التعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

تشاد، ومصر، وفرنسا، وماليزيا، وبولندا، والسعودية، وإسبانيا، وتونس هي من بين الدول التي تستخدم الاحتجاز قبل توجيه الاتهام أو المحاكمة بشكل مفرط. تسمح تشاد بالاحتجاز قبل توجيه الاتهام لمدة 30 يوما قابلة للتجديد مرتين. يسمح "قانون منع الإرهاب" الماليزي لعام 2015 بالاحتجاز السابق للمحاكمة لمدة تصل إلى عامين، مع تمديد لمدة سنتين قابلة للتجديد إلى أجل غير مسمى.

المحاكم الخاصة وعقوبة الإعدام

يسود اتجاه آخر هو استخدام محاكم أو إجراءات خاصة للمتهمين بالإرهاب تضرب بعرض الحائط معايير سلامة إجراءات المحاكمة الدولية من خلال عقد جلسات مغلقة بمبرر ضعيف أو بلا مبرر، وتقيد حقوق المشتبه بهم باستشارة محام أو معاينة الأدلة المقدمة ضدهم، أو استجواب من أدلوا بشهادة ضدهم.

حاكمت المحاكم المصرية مئات المشتبه بهم الإسلاميين في محاكمات جماعية قال محامون إنهم حرموا من الحق في المرافعة أو استجواب شهودهم خلالها.

تجمع تشاد، ومصر، وباكستان، والسعودية، والإمارات، والولايات المتحدة بين إجراءات بتهم تتعلق بالإرهاب وعقوبة الإعدام. أعدمت باكستان والسعودية منذ أواخر 2015 عشرات الأفراد بتهم الإرهاب، بما يشمل بعد محاكمات لم تستوف المعايير الدولية الواجبة. أعدمت تشاد 10 رجال عام 2015 في يوم واحد بعد إدانتهم خلال مداولات قضائية سرية. واصلت الولايات المتحدة محاكمة المعتقلين في غوانتانامو بلجان عسكرية لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة. يواجه 6 من 7 رجال متهمين حاليا عقوبة الإعدام.

"مكافحة التطرف العنيف"

طلب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178 أيضا من الدول "تعزيز الجهود" بهدف "مكافحة التطرف العنيف" ويشار إليه أحيانا بـ "منع التطرف العنيف" في أنشطة تعليمية واجتماعية وغيرها.

يمكن للجهود المبذولة لثني الأفراد عن الانضمام إلى أو دعم الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى جهود مكافحة الإرهاب، أن تكون موضع ترحيب إذا هي نُفذّت مع مراعاة واحترام حقوق الإنسان. مع ذلك، يصنف القرار 2178 "منع التطرف" باعتباره "عنصرا أساسيا" في "مكافحة التطرف العنيف" دون اشتراط انطواء السلوك "المتطرف" على العنف أو العنف المقصود. يثير هذا مخاوف من فرض قيود صارمة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات السلميتين، بما فيها الحريات الأكاديمية والتدين.

بعد هجوم يوم الباستيل في نيس بفرنسا، استخدم رؤساء البلديات على طول شاطئ الريفييرا "مكافحة التطرف العنيف" كمبرر لحظر "البوركيني" (لباس سباحة مستوحى من "البرقع") بحجة احتمال "الانتماء للأصولية الدينية". نقضت محكمة هذا الحظر رافضة صحة أي صلة بين الملابس وتهديدات الأمن القومي، ولكن النقاش لا يزال محتدما.
انتُقد برنامج "مكافحة التطرف العنيف" القديم في المملكة المتحدة بسبب نهجه الفضفاض، والذي تضمن مراقبة الشرطة لمناطق تقطنها أغلبية من المسلمين في مدينة بريطانية. فرضت المملكة المتحدة عام 2015 واجبا على المدارس الابتدائية والجامعات ومقدمي الرعاية الصحية بـ "منع" التطرف العنيف. ظهرت تقارير تفيد بأن المدارس والجامعات تلقي الشبهات على أنشطة مشروعة؛ الأمر الذي يهدد بوجود تأثير سلبي على الحريات الأكاديمية.

توجه بعض تعليمات برامج "مكافحة التطرف العنيف" في الولايات المتحدة تعليمات للاختصاصيين الاجتماعيين والمدرسين والعاملين في مجال الصحة العقلية والشخصيات الدينية، وآخرين، بتقديم تقارير عن الشباب الذين يعتقد أنهم يتجهون نحو التطرف بناء على معايير مثل "تصور الشعور بالظلم" أو " التعبير عن اليأس، وعدم الجدوى" أو" الاتصال بمجموعة ذات هوية خاصة (العرق أو الجنسية أو الدين أو الأصل القومي)".

حالات الطوارئ

اعتمدت مصر، وإثيوبيا، وفرنسا، ومالي، وتونس، وتركيا أواخر 2015 على الإرهاب كذريعة لسنّ أو تمديد حالة الطوارئ. تزيد بعض هذه التدابير الطارئة سلطات الحكومة بشكل كبير في البحث والاعتقال ومراقبة الأفراد وإغلاق المؤسسات مثل أماكن الاجتماعات ودور العبادة وحظر التجمعات العامة وحرية التعبير.

يسمح القانون الدولي بفرض قيود على الحقوق والحريات الأساسية أثناء الأزمات الشديدة مثل تلك التي تهدد حياة الأمة. ومع ذلك، يجب أن تكون القيود مؤقتة وغير تمييزية، ومحدودة للغاية في نطاقها. بعض الحقوق غير قابلة للانتقاص، بما فيها الحق في الحياة وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو المهينة، والشرعية والمساواة أمام القانون؛ وحرية الفكر والضمير والدين. انتهكت عديد من التدابير في ظل حالات الطوارئ هذه المبادئ.

أعلنت إثيوبيا في أكتوبر/تشرين الأول 2016 حالة طوارئ شاملة لـ 6 أشهر، بعد حملة قمع شنتها الحكومة في منطقة أوروميا المضطربة التي قتل فيها 500 شخص على الأقل في احتجاجات كانت إلى حد كبير غير عنيفة خلال العام الماضي. وصفت الحكومة المحتجين بـ "الإرهابيين" أو أنهم يعملون مع "جماعات إرهابية في الخارج". اعتُقل حتى وقت كتابة هذا المقال 1600 شخص خلال حالة الطوارئ، بالإضافة إلى عشرات الآلاف الآخرين المحتجزين في مناطق احتج فيها السكان على سياسات الحكومة العام الماضي. تلقّت هيومن رايتس ووتش تقارير غير مؤكدة عن عمليات قتل غير قانونية واعتقالات جماعية، ونهب منازل وأعيان تجارية من قبل قوات الأمن.

حُجب وصول الهاتف المحمول إلى شبكة الإنترنت وتوقفت صحيفة "ستاندرد أبابا"، وهي واحدة من قلة تبقت من المنشورات المستقلة في إثيوبيا، عن نشر نسختها المطبوعة بسبب قيود حالة الطوارئ. كما واصلت إثيوبيا اعتقال عشرات من زعماء المعارضة والصحفيين والمعارضين بموجب قانونها لمكافحة الإرهاب الفضفاض لعام 2009.

ردّا على محاولة انقلاب في يوليو/تموز 2016، فرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حالة الطوارئ حتى يناير/كانون الثاني عام 2017 لسحق ما وصفه بأنه "منظمة فتح الله الإرهابية"، في إشارة إلى أنصار رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، الذي اتهِم بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة. استخدم أردوغان سلطات الطوارئ لاعتقال أكثر من 40 ألف شخص، بينهم جنود ورجال شرطة وقضاة وأعضاء في النيابة العامة وصحفيين ومعلمين، للاشتباه في تورطهم في الانقلاب أو الانتماء إلى "منظمة فتح الله الإرهابية". استخدمت حكومة أردوغان أيضا سلطات حالة الطوارئ في قمع النشطاء الأكراد، والمسؤولين المنتخبين من المعارضة، ووسائل الإعلام تحت ستار مكافحة الإرهاب.

تُمدد سلطات الطوارئ أيضا الحبس الاحتياطي (قبل توجيه اتهامات) من طرف الشرطة للمشتبه بهم بالإرهاب من 4 أيام إلى 30 يوما، ويُحرم المعتقل من مقابلة محاميه لمدة 5 أيام، وتزيل ضمانات حاسمة ضد التعذيب. لذلك ظهرت مزاعم التعذيب وغيره من ضروب إساءة معاملة المعتقلين بعد إعلان حالة الطوارئ.

فعّلت فرنسا قانون الطوارئ بعد هجمات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، ومددته حتى يناير/كانون الثاني 2017. بدا أن هناك تمديدا آخر على الأرجح في وقت كتابة المقال. يخول القانون الشرطة بمداهمة المنازل والبنايات، وتفتيش الأمتعة والمركبات، والاستيلاء على بيانات من أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة، دون موافقة مسبقة من سلطة قضائية. كما تسمح لوزير الداخلية بوضع الأفراد تحت الإقامة الجبرية بتهم مبهمة، مثل اعتبارهم "متطرفين"، وأيضا من دون موافقة قضائية مسبقة. وثّقت هيومن رايتس ووتش أعمال تفتيش تعسفي وتمييزي وإقامة جبرية لمسلمين في ظل حالة الطوارئ.

استخدمت تونس حالة الطوارئ، التي أعلنت عام 2015 بعد سلسلة من الهجمات المتطرفة المسلحة لفضّ احتجاجات بدت سلمية ضد مشروع قانون لمنح الحصانة لمسؤولين حكوميين سابقين بتهمة الفساد. كما احتجزت 139 شخصا على الأقل في منازلهم، إلى أجل غير مسمى ودون تهمة، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015، كما كشف تحقيق لـ هيومن رايتس ووتش. تسلم الشرطة أوامر الاعتقال شفويا وليس كتابة، مما يصعب على الشخص المعني الطعن على حبسه أمام المحاكم.

تذرعت مصر بالإرهاب كسبب لاستمرار حالة الطوارئ في شمال سيناء منذ عام 2014، وسهل ذلك على الجيش والشرطة تنفيذ الاعتقالات التعسفية، وآلاف عمليات الإجلاء الجماعي وهدم المنازل، بما ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان.

***

يمكن للقوانين الموجهة وبرامج الوقاية أن تكون أدوات هامة لمواجهة التحديات الملحّة والعابرة للدول التي تشكلها الجماعات المتطرفة المسلحة. لكن الموجة الأخيرة من التدابير الشاملة لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم تشير إلى أن العديد من الحكومات لم تتعلم الدرس من "الحرب العالمية على الإرهاب" المدمرة التي شنتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. بينما تشير دول عديدة الآن إلى حقوق الإنسان في مبادراتها لمكافحة الإرهاب، تعتمد قوانينها وسياساتها على الإفراط البالغ، والاستغناء إلى حد بعيد عن المراجعة القضائية والمراقبة اللازمة لمنع سوء المعاملة.

على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الضغط على مجلس الأمن للحدّ من الأفعال التي تعتبر "إرهابا" في قرارات مثل القرار 2178، كخطوة رئيسية نحو عكس هذا الاتجاه، والتأكد من أنها تتفق تماماً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، والقانون الإنساني الدولي (قوانين الحرب). ينبغي على سبيل المثال أن تستبعد هذه التعاريف الأعمال التي تفتقر إلى عناصر القصد الجنائي لإحداث الوفاة، أو الإصابات البدنية الخطيرة، أو أخذ الرهائن لخلق حالة من الذعر لإثارة استجابة الحكومة أو طرف ثالث. على الهيئات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي القيام بالأمر نفسه.

على الحكومات بدورها أن تلغي فورا أو تراجع التدابير الفضفاضة أو المُبهمة المتعلقة بـ "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" و"مكافحة التطرف العنيف". وعندما تواجه تهديدات غير عادية بشكل يستدعي إعلان حالة الطوارئ، فعليها الحدّ من نطاق ومدة سلطات الطوارئ بما هو ضروري حقا لمعالجة الأزمة، وعليها أن تدعو الدول الأخرى لتحذو حذوها.

من واجب الحكومات الاستجابة الفعالة للهجمات، ولكن لا ينبغي أن تأتي الاستجابات الفعالة على حساب حقوق الإنسان الأساسية. الردود المسيئة ليست غير قانونية فقط، إنما أيضا تؤدي إلى نتائج عكسية إذ هي تستعدي السكان المحليين في الوقت الذي ينبغي أن تسعى الحكومات إلى توحيد المجتمعات ضد التهديدات المسلحة المتطرفة.