Skip to main content

مصر: قوانين جديدة تُرسِّخ سلطة الجيش على المدنيين

توسيع صلاحيات الادعاء وسلطات أخرى في مواجهة الأزمة الاقتصادية

  جنود من الجيش المصري يحرسون مداخل الأنفاق ومنطقة قناة السويس في الإسماعيلية، مصر، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. © 2019 رويترز/محمد عبد الغني

(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن السلطات المصرية أصدرت أوائل فبراير/شباط 2024 تشريعا جديدا يرسخ ويوسع صلاحيات الجيش، الواسعة أصلا، على الحياة المدنية بشكل يقوّض الحقوق. يمنح القانون الجديد الجيش سلطة جديدة واسعة لممارسة وظائف معينة بدلا من الشرطة والقضاء المدني والسلطات المدنية الأخرى كليا أو جزئيا، ويوسع نطاق اختصاص المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين.

في 22 يناير/كانون الثاني، قدمت الحكومة قانونا جديدا وتعديلات على قانون سارٍ إلى مجلس النواب، الذي وافق عليها سريعا دون نقاش أو تعديل يُذكران في جلسة عامة واحدة في 28 يناير/كانون الثاني. يتضمن التشريع "قانون رقم 3 لسنة 2024 بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة" الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 4 فبراير/شباط. كما وافق مجلس النواب على تعديلات عديدة على "قانون القضاء العسكري" رقم 25 لسنة 1966 يُتوقع نشرها في "الجريدة الرسمية" قريبا.

قال عمرو مجدي، باحث أول في شؤون مصر في هيومن رايتس ووتش: "ترسيخ سيطرة الجيش على الحياة المدنية هو استراتيجية لاحتواء السخط المتزايد على إخفاقات الحكومة المصرية الذريعة في دعم الحقوق الاقتصادية والسياسية الأساسية وضمانها. لن تُحَل الأزمة المالية في مصر بمحاكمة المزيد من المصريين في محاكمات عسكرية واضحة الجور وحبسهم".

يكلف القانون رقم 3 القوات المسلحة بـ "معاونة الشرطة والتنسيق الكامل معها في تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات أبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري" و"ما يدخل في حكمها". ويمنح القانون العسكريين المشاركين في هذه العمليات الصلاحيات القضائية التي تتمتع بها الشرطة في الاعتقال والضبط. ينص القانون أيضا على أن جميع الجرائم المرتكبة ضد المرافق العامة والمباني العامة "الحيوية" أو فيما يتعلق بها يجب ملاحقتها أمام المحاكم العسكرية.

يحتوي هذا القانون على أحكام أوسع وأكثر تعسفا من سابقه، القانون رقم 136 لسنة 2014، الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي بمرسوم في أكتوبر/تشرين الأول 2014. استخدمت حكومته قانون 2014 لمحاكمة آلاف المدنيين، وبينهم عشرات الأطفال، في المحاكم العسكرية، غالبا في محاكمات جماعية تنتهي بأحكام السجن القاسية أو الإعدام. في مثال يعكس الطبيعة الفوضوية والمنتهِكة للمحاكمات الجماعية التي لا يتم فيها التحقق من الوثائق الأساسية، وفي كثير من الأحيان لا تُثبت المسؤولية الجنائية الفردية، أدت إحدى القضايا البارزة عام 2016 إلى الحكم بالسجن المؤبد على مدعى عليه عمره ثلاث سنوات، وبعدما أثار سخطا عارما، قال متحدث باسم الجيش لاحقا إن الحكم صدر عن طريق الخطأ.

ورد في القانون 2014 إنه سيطبق لعامين فقط، وبررت الحكومة ذلك قائلة إن المحاكمات العسكرية كانت ضرورية للتصدي لموجات الهجمات العنيفة على المنشآت الحكومية خلال تلك الفترة. لكن عام 2016، مُدِّد القانون خمس سنوات إضافية، ثم في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أصبحت أحكام القانون دائمة.

يمنح عنصر جديد مهم في القانون الجديد العسكريين سلطة البحث وتفتيش الأماكن، أو اعتقال الأشخاص، أو مصادرة المواد لمواجهة "الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع ومنتجات تموينية".

تهدف الصلاحيات الجديدة إلى "[حفظ] المقومات الأساسية للدولة ومكتسبات الشعب وحقوقه أو مقتضيات الأمن القومي، والتي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني". قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الصياغة الفضفاضة غير المسبوقة تفسح المجال أمام المزيد من التدخل العسكري في الحكم المدني والحياة اليومية، ما يمنح الرئيس ولواءاته الحرية في تحديد التهديدات للأمن القومي.

كما يمنح القانون الجديد وزير الدفاع صلاحية تحديد أعداد العسكريين ومواقعهم ومهامهم وتوزيعهم بحسب مقتضيات "طبيعة عملهم داخل هذه المنشآت والمرافق العامة والحيوية". يمكن استخدام هذا النص لنشر عسكريين بشكل دائم في المرافق الحكومية المدنية، ما قد يقوض استقلالها أو يؤدي إلى قمع تعسفي من قبل القوات العسكرية ضد التجمعات السلمية قرب هذه المرافق.

"السلع والمنتجات التموينية" التي يقول القانون إنها من المفترض أن يحميها الجيش تشمل منتجات غذائية وغير غذائية وأشكال من الوقود التي تدعمها الحكومة للمواطنين ذوي الدخل المنخفض. وتشمل تلك المنتجات عادة مواد مثل الخبز، والأرز، والعدس، والسكر، والدقيق، والفول، وزيت الطهي؛ والضروريات المنزلية، مثل الصابون ومنظفات الغسيل؛ والوقود، مثل أسطوانات غاز البوتان المستخدمة في المنزل. تشرف وزارة التموين والتجارة الداخلية على توريد وشراء هذه المنتجات وأسعارها المدعومة، في حين أن التحقيق واحتجاز المسؤولين عن مخالفات السوق يقع عادة تحت سلطة "مديرية التموين والتجارة" التابعة لشرطة وزارة الداخلية.

قال أعضاء في مجلس النواب ومسؤولون حكوميون وتقارير وسائل إعلام موالية للحكومة إن صياغة القانون الجديدة المتعلقة بالتموين والسلع تهدف إلى منح الجيش صلاحية التدخل للسيطرة على الأسواق بوجه "التلاعب"، ما يشير إلى أنه يمكن استخدام القانون لاستهداف المتورطين في ما تعتبره السلطات جرائم اقتصادية، مثل الاحتكار، أو المتاجرة بالعملة الأجنبية في "السوق السوداء".

تواجه مصر أزمة مالية متفاقمة وارتفاعا كبيرا في أسعار المواد الغذائية بالإضافة إلى الانكماش الاقتصادي المستمر منذ سنوات عدة. ردت حكومة الرئيس السيسي باستمرار على المعارضة والانتقادات من خلال مضايقة وسجن منتقدي خياراتها السياسية والاقتصادية التي أدت إلى اتساع الفقر والديون الخارجية غير المسبوقة، وكذلك الذين انتقدوا التوسع الكبير في مشروعات الشركات العسكرية العملاقة وغير الشفافة. في الأسابيع الأخيرة، انتشرت فيديوهات عدة في وسائل التواصل الاجتماعي تظهر مواطنين يشكون عجزهم عن تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والسلع مع ارتفاع الأسعار شبه اليومي، وأزمة النقد الأجنبي التي أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري بشكل كبير.

تشمل تعديلات قانون القضاء العسكري إضافة الجرائم المرتكبة ضد "المرافق العامة والحيوية والممتلكات العامة، وما في حكمها، التي تتمتع بحماية القوات المسلحة" إلى اختصاصات المحاكم العسكرية، وأدخلت تعديلات أخرى محاكم استئناف عسكرية جديدة للجنايات، في مجاراة للتغيير الذي أُجري في يناير/كانون الثاني على هيكلية المحاكم المدنية. سابقا، كانت الطعون في قضايا الجنايات أمام المحاكم العسكرية تذهب مباشرة إلى محكمة النقض العسكرية، وهي النظير العسكري لمحكمة النقض في نظام القضاء المدني.

رغم أن زيادة فرص الاستئناف القانوني يمكن أن تكون تغييرا إيجابيا، إلا أنها لا تغير الطبيعة التعسفية الموثقة جيدا للمحاكم العسكرية، وافتقارها إلى الاستقلال، وعدم قدرتها على احترام الحق في محاكمة عادلة. قالت هيومن رايتس ووتش إن الدافع يبدو زيادة قدرة القضاء العسكري على ليحل محل المحاكم المدنية بدلا من حصر ولايته بالعسكريين. أدخلت التعديلات كيانا جديدا داخل وزارة الدفاع للإشراف على المحاكم العسكرية، لكنها لم تغير طبيعة القضاة العسكريين كضباط عاملين في الجيش يخضعون لقوانين وزارة الدفاع التي تنظم القضايا المتعلقة بالتسلسل الهرمي، والترقية، والانضباط، والعمل العام.

قال رئيس مجلس النواب حنفي جبالي ومسؤولون آخرون إن وزارة الدفاع أدخلت التعديلات للوفاء بواجباتها الدستورية، ما يسلط الضوء على حقيقة أن التعديلات الدستورية والقوانين المختلفة في السنوات الأخيرة وسعت قدرة الجيش على التدخل في الحياة السياسية. تشمل هذه، مثلا، تعديل المادة 200 من الدستور، في العام 2019، والذي أعطى الجيش واجب "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد". في تحليل تلك التعديلات، قالت هيومن رايتس ووتش حينها إنها ستوسع بشكل كبير سلطة الجيش.

منذ أن قاد الرئيس السيسي، حين كان وزيرا للدفاع، الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، مستغلا الاستياء الشعبي من إدارة مرسي لتبرير إقالته بالقوة، برز الجيش بشكل متزايد كالمؤسسة المهيمنة في الدولة. كما وسّع دوره الاقتصادي بشكل كبير، حيث دشن مشاريع ضخمة في قطاعات تجارية واسعة.

تعارض هيومن رايتس ووتش بشدة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في جميع الظروف، لأن إجراءاتها كثيرا ما تقوض بشدة الحقوق في الإجراءات القانونية الواجبة، ولأنها تُستخدم  من قبل الحكومات الاستبدادية لمعاقبة المعارضة السلمية. أعربت "لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة" عن قلقها بشأن المحاكمات العسكرية للمدنيين في مصر منذ العام 2002، رغم أنها كانت حينها على نطاق أصغر بكثير.

قالت "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب"، في تفسيرها لـ "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، إن المحاكم العسكرية " يجب ألا يكون لها في أي ظرف من الظروف ولاية قضائية على المدنيين"، وقالت إنه حتى عندما تتبع المحاكم العسكرية المبادئ التوجيهية لضمانات المحاكمة العادلة - كما ينبغي لها دائما - فإن "غرضها الوحيد" يجب أن يكون "الجرائم ذات الطبيعة العسكرية البحتة التي يرتكبها العسكريون".

قال مجدي: "بدلا إعادة النظر في السياسات السياسية والاقتصادية التي قوّضت حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية لملايين المصريين، عززت حكومة الرئيس السيسي السلطة السياسية والاقتصادية للجيش. ينبغي ألا يُزج بالقوات المسلحة لمواجهة آمال شعوبها في تأمين الكرامة والخبز والحرية".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة