Skip to main content

الضفة الغربية: ارتفاع في عمليات القتل الإسرائيلية للأطفال الفلسطينيين

ضعوا حدّا للإفلات الممنهج من العقاب على القوة القاتلة غير المشروعة

من اليسار الى اليمين، آدم عياد، وديع أبو رموز، محمود السّعدي، محمد السليم. Ⓒ خاص
  • يقتل الجيش وشرطة الحدود في إسرائيل الأطفال الفلسطينيين دون أي سبيل فعلي للمساءلة.
  • على القوات الإسرائيلية إنهاء الاستخدام الروتيني وغير القانوني للقوة القاتلة ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال. على حلفاء إسرائيل زيادة الضغط لإنهاء هذه الممارسة.
  • على الأمين العام للأمم المتحدة أن يدرج القوات المسلحة الإسرائيلية في تقريره السنوي عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2023 بما أنها مسؤولة عن الانتهاك المتمثل بقتل وتشويه الأطفال الفلسطينيين.

(القدس) – قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن الجيش وشرطة الحدود في إسرائيل يقتلون أطفالا فلسطينيين دون أي سبيل للمساءلة.

كان العام الماضي، 2022، أكثر الأعوام دموية للأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 15 عاما، وعام 2023 مستمر في نفس الوتيرة أو أنه سيتجاوز أعداد 2022، حيث قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 34 طفلا فلسطينيا في الضفة الغربية حتى 22 أغسطس/آب. حققت هيومن رايتس ووتش في أربعة حوادث إطلاق نار تسببت في قتل أطفال فلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية بين نوفمبر/تشرين الثاني 2022 ومارس/آذار 2023.

Read a text description of this video

17-year-old Mahmoud al-Sadi was shot and killed by Israeli forces while walking to school in the occupied West Bank. 

Mohammed al-Sleem, also 17, was fatally shot in the back while running away from Israeli forces. 

They are two among dozens of unarmed children killed by Israeli forces every year, often during confrontations. 

Israeli security forces have long used unjustified lethal force against Palestinian children with total impunity.

2022 was the deadliest year for Palestinian children in the West Bank at least since 2004.

The number of children killed so far in 2023 by Israeli forces in the West Bank is already at the 2022 figure.

Israel belongs on the UN Secretary-General's "List of Shame" of parties to conflicts that commit grave abuses against children.

قال بيل فان إسفلد، المدير المشارك لقسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش: "تقتل القوات الإسرائيلية الأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال بوتيرة متزايدة. ما لم يضغط حلفاء إسرائيل، لا سيما الولايات المتحدة، على إسرائيل لتغيير مسارها، فسيُقتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين".

أثناء توثيق عمليات القتل الأربع، أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات شخصية مع سبعة شهود وتسعة من أفراد الأسر وسكان آخرين ومحامين وأطباء وعاملين ميدانيين في منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، وراجعوا كاميرات المراقبة والفيديوهات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي والبيانات التي أصدرتها أجهزة الأمن الإسرائيلية والسجلات الطبية والتقارير الإخبارية.

حققت هيومن رايتس ووتش في قضية محمود السعدي (17 عاما)، الذي قتلته القوات الإسرائيلية أثناء سيره إلى المدرسة بالقرب من مخيم جنين للاجئين في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. لم يتطرق الجيش الإسرائيلي إلى مقتله على وجه التحديد، لكنه قال إن قواته كانت تجري اعتقالات في المخيم، تم خلالها تبادل إطلاق النار مع مقاتلين فلسطينيين. إلا أن أقرب تبادل لإطلاق النار وقع في أحد منازل المقاتلين المزعومين، على بعد حوالي 320 مترا من مكان إطلاق النار على محمود، بحسب تصريحات السكان.

وقف محمود على جانب الطريق، منتظرا توقف أصوات إطلاق النار من بعيد، ولم يكن يحمل أي سلاح أو مقذوفات، بحسب قول أحد الشهود، وما أظهره فيديو لكاميرا مراقبة اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش. قال الشاهد إنه بعد توقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية، أصابت محمود طلقة واحدة أُطلقت من مركبة عسكرية إسرائيلية على بعد حوالي 100 متر. قال الشاهد إنه لم يكن هناك أي مقاتلين فلسطينيين في المنطقة. قُتل محمود على مقربة من الشارع الذي قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فيه الصحفية شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/أيار 2022.

في الحالات الأخرى التي تم التحقيق فيها، قتلت قوات الأمن فتيان بعد أن انضموا إلى شبان آخرين كانوا يواجهون القوات الإسرائيلية بالحجارة أو الزجاجات الحارقة (المولوتوف) أو الألعاب النارية. مع أن هذه المقذوفات قد تتسبب بإصابات خطيرة أو بالقتل، في هذه الحالات، أطلقت القوات الإسرائيلية النار بشكل متكرر على مستوى الصدر، وأصابت العديد من الأطفال، وقتلت الأطفال في مواقف لا يبدو أنهم كانوا يشكلون فيها تهديدا بإصابة خطيرة أو وفاة، وهو معيار استخدام القوة القاتلة من قبل جهات إنفاذ القانون بموجب المعايير الدولية. هذا من شأنه أن يجعل عمليات القتل هذه غير قانونية.

محمد السليم (17 عاما)، أصيب برصاصة في ظهره أثناء هروبه من جنود الاحتلال بعد قيام مجموعة من أصدقائه بإلقاء حجارة، وبحسب ادعاءات، زجاجات حارقة على آليات عسكرية دخلت قرية بالقرب من مسقط رأسه في عزون في الشمال الضفة الغربية. أصيب ثلاثة أطفال آخرين أيضا برصاص رشاش أثناء فرارهم.

أطلق قناص إسرائيلي النار على وديع أبو رموز (17 عاما)، من الخلف أثناء تواجده مع مجموعة من الشبان يرشقون الحجارة ويطلقون الألعاب النارية على سيارات شرطة حرس الحدود في القدس الشرقية حوالي الساعة 10 مساء 25 يناير/كانون الثاني 2023، بحسب شاهدين. أصيب فتى آخر في المجموعة بالرصاص. قيّدت قوات الأمن وديع بسريره في المستشفى، وضربته ومنعت أقاربه من زيارته، واحتجزت جثمانه لأشهر بعد وفاته، وطالبت عائلته بدفنه بهدوء في الليل.

في جميع الحالات، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الجزء العلوي من أجساد الأطفال، دون إصدار إنذارات أو استخدام وسائل شائعة أقل فتكا كالغاز المسيل للدموع أو قنابل الصوت أو الرصاص المطاطي، وفقا لشهود عيان. قُتل آدم عيّاد (15 عاما)، برصاصة قاتلة من الخلف في مخيم الدهيشة للاجئين في 3 يناير/كانون الثاني بينما كانت مجموعة من الفتيان تقذف الحجارة وزجاجة حارقة واحدة على الأقل على القوات الإسرائيلية. قال شهود إن القناص أطلق النار أيضا على صبي عمره 13 عاما وأصابه.

ذكرت "صحيفة هآرتس" الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني أنه "منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، أصبح مسموحا للجنود إطلاق النار على الفلسطينيين الفارين إذا كانوا قد ألقوا حجارة أو زجاجات حارقة سابقا". كتبت هيومن رايتس ووتش إلى الجيش والشرطة الإسرائيليين في 7 أغسطس/آب مستفسرة حول القضايا الأربع وقواعد الاشتباك للقوات. رفض مكتب المدعي العام العسكري الإجابة عن الأسئلة بشأن عمليات القتل ما لم تقدم هيومن رايتس ووتش وكالة قانونية عن كل حالة لكنه قال إنه سيرد في المستقبل بشأن قواعد الاشتباك. عندما يقدم الجيش هذه المعلومات، ستوفر هيومن رايتس ووتش رابطا إليها بالشكل المناسب.  تسمح قواعد الاشتباك المتبعة من الشرطة الإسرائيلية باستخدام الأسلحة النارية ضد الأشخاص الذين يُلقون حجارة أو زجاجات حارقة أو ألعاب نارية فقط إذا كان هناك "خطر وشيك على الحياة أو السلامة البدنية". ردت الشرطة بأنه لا يمكنها تقديم معلومات بشأن قضية وديع أبو رموز بما أن القضية ما زالت قيد التحقيق.

استخدمت السلطات الإسرائيلية القوة المفرطة ضد الفلسطينيين في عمليات حفظ الأمن على مدى عقود. دائما ما تتقاعس السلطات عن محاسبة قواتها عندما تقتل قوات الأمن الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، في ظروف لم يكن فيها استخدام القوة القاتلة مبررا بموجب المعايير الدولية. أفادت منظمة "ييش دين" الإسرائيلية الحقوقية أنه بين 2017 و2021، أدى أقل من 1% من الشكاوى المتعلقة بانتهاكات القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك القتل والانتهاكات الأخرى، إلى تقديم لوائح اتهام. في 2021، ومن أصل 4,401 شكوى قدمت إلى دائرات التحقيقات الداخلية لدى الشرطة، ومن ضمنها شكاوى من مواطنين فلسطينيين، أسفر 1.2% منها فقط عن إدانات بحسب مراقب الدولة.

قتلت قوات الأمن الإسرائيلية ما لا يقل عن 614 فلسطينيا صنفتهم "الأمم المتحدة" كمدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية خلال هذه الفترة. لكن ثلاثة جنود فقط أدينوا بقتل فلسطينيين، بحسب ييش دين، وحُكم عليهم جميعا بأحكام قصيرة بالخدمة العسكرية المجتمعية. منظمة " بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية، التي قدمت على مدى عقود شكاوى موثقة حول عمليات قتل قام بها الجيش الإسرائيلي، اعتبرت نظام إنفاذ القانون الإسرائيلي "منظومة لطمس الحقائق".

تحدث عمليات القتل في سياق ترتكب فيه السلطات الإسرائيلية جرائم ضد الإنسانية تتمثل في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، حسبما وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى. فتحت المدعية العامة لـ "المحكمة الجنائية الدولية" آنذاك، فاطو بنسودا، تحقيقا رسميا في 2021 في جرائم خطيرة ارتُكبت في فلسطين.

فوّض "مجلس الأمن" الأمين العام للأمم المتحدة  بإعداد لوائح يُدرِج فيها القوات العسكرية والجماعات المسلحة المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة سنويا. بين  2015 و2022، نسبت الأمم المتحدة وقوع أكثر من 8,700 ضحية من الأطفال إلى القوات الإسرائيلية، ومع ذلك لم تُدرَج إسرائيل على الإطلاق في القائمة. أدرجت التقارير مرارا قوات أخرى قتلت وجرحت أطفالا أقل بكثير مما فعلت إسرائيل.

الوصمة المرتبطة بـ "قائمة العار" للأمين العام كبيرة، ويتعيّن على الأطراف المُدرجَة فيها أن تضع وتنفذ خطة عمل للإصلاحات لإنهاء الانتهاكات حتى يُرفَع اسمها عن القائمة. قالت هيومن رايتس ووتش إن الأمم المتحدة فوتت فرصة لحماية الأطفال بعدم إدراجها لإسرائيل. على الأمين العام استخدام معايير موضوعية لتحديد قائمة عام 2023.

قال فان إسفلد: "يعيش الأطفال الفلسطينيون واقع الفصل العنصري والعنف الهيكلي، حيث يمكن أن يُطلق النار عليهم في أي وقت دون أي احتمال جدي للمساءلة. يتعيّن على حلفاء إسرائيل مواجهة هذا الواقع القبيح وممارسة ضغوط حقيقية من أجل المساءلة".

محمود السّعدي، مخيم جنين

قتلت القوات الإسرائيلية محمود السعدي (17 عاما)، أثناء توجهه إلى المدرسة في وادي برقين، بالقرب من مخيم جنين للاجئين، حوالي الساعة 9:30 من صباح يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022. لم يتطرق الجيش الإسرائيلي أو يُعلن عن أي نية للتحقيق في مقتل محمود، لكنه قال إن قواته كانت تشن مداهمات واعتقالات وتبادلت إطلاق النار مع مقاتلين فلسطينيين. لم ترِد أنباء عن إصابة جنود إسرائيليين.

وقع تبادل إطلاق النار عندما حاصرت القوات الإسرائيلية منازل عائلة اثنين من المقاتلين المزعومين، وكان أقرب منزل يبعد حوالي 320 مترا عن المكان الذي أصيب فيه محمود بالرصاص. حدد السكان المبنى لـ هيومن رايتس ووتش، وتُظهر الفيديوهات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي القتال في نفس المبنى.

كان محمود قد أوصل شقيقتيه (8 و10 سنوات) إلى مدرستهما الابتدائية وكان يسير إلى مدرسته الثانوية مع طلاب آخرين، عندما "ظهرت فجأة [أصوات] إطلاق النار من بعيد، لم نكن نعرف أين، والناس يقولون إن الجيش [الإسرائيلي] موجود"، حسبما قال أحد زملاء محمود الذي كان يسير معه. انتظر محمود على جانب الشارع إلى أن يصبح الوضع آمنا. قال والده وزملاؤه إن  فيديو بكاميرا مراقبة شاهدته هيومن رايتس ووتش، أظهره وهو يرتدي حقيبته المدرسية، واقفا بمفرده، ولا يحمل أي سلاح أو حجارة، قبل أن يخطو خطوة إلى الشارع ويُطلق عليه الرصاص.

توقف إطلاق النار البعيد وكان الجيش ينسحب عندما قال زميل محمود في الصف إنه سمع عيار ناري. تقدم محمود نحوه وقال إنه أصيب وسقط على الأرض. رأى الشاهد وفتيان آخرون مركبة عسكرية إسرائيلية متوقفة على بعد نحو 100 متر في أعلى الشارع، ثم ابتعدت. زارت هيومن رايتس ووتش الموقع ووجدت أنه لو كان مطلق النار في تلك المركبة، لكان بإمكانه رؤية محمود بوضوح. يشير تقرير الدخول الطبي لمحمود إلى "مستشفى ابن سينا" في جنين الساعة 9:50 صباحا إلى وجود إصابة واحدة برصاصة وصدمة نزفية.

قال زميله وتقارير وسائل الإعلام والجماعات الحقوقية إنه لم يكن هناك فلسطينيون مسلحون أو قوات إسرائيلية أخرى في المنطقة في ذلك الوقت، مما يثير مخاوف من أن القوات الإسرائيلية ربما تكون قد استهدفته عمدا رغم أنه كان أعزلا ولم يشارك في أي نشاط عنيف. يُعتبر الاستخدام المتعمد أو المتهور للقوة القاتلة ضد شخص لا يشكل تهديدا وشيكا على الحياة من قبل قوات الأمن التابعة لسلطة احتلال تقوم بعمليات حفظ الأمن غير قانوني، حيث يعتبر "القتل العمد" لأفراد من سكان منطقة محتلة جريمة حرب.

بعد مقتل محمود، ألغى الجيش الإسرائيلي تصريح والده لدخول إسرائيل حيث كان يعمل. قال والد محمود لـ هيومن رايتس ووتش إن الأمر تطلب ثلاثة أشهر وأتعاب محامين قدرها ثمانية آلاف شيكل (2,200 دولار أمريكي) للحصول على تصريح جديد. ينظر الجيش الإسرائيلي إلى الأقارب على أنهم "منتقمون محتملون" ويُلغي تلقائيا تصاريح عملهم كإجراء أمني، مما يؤذيهم من خلال سياسة شاملة لا تقدم تقييمات فردية حقيقية.

وديع أبو رموز، القدس الشرقية

في حوالي الساعة 10 مساء 25 يناير/كانون الثاني 2023، أطلق ضابط إسرائيلي النار على وديع أبو رموز (17 عاما)، في ظهره أثناء تواجده مع مجموعة من الشبان الذين كانوا يرشقون الحجارة ويطلقون الألعاب النارية على سيارات حرس الحدود في الشارع الرئيسي في منطقة عين اللوزة في سلوان في القدس الشرقية المحتلة، بحسب شاهدين. زارت هيومن رايتس ووتش الموقع الذي تجمع فيه الشبان، على منحدر تل يبعد حوالي 30 مترا عن المكان الذي كانت تمر فيه مركبات حرس الحدود أسفل الشارع الرئيسي للحي.

لم ير الشهود ما إذا كان وديع كان قد أطلق الألعاب النارية أو ألقى الحجارة. قال أحد الشهود إن الضابط الذي أطلق النار على وديع كان متمركزا أعلى التلة خلفهم. أصيب طفل ثان بالرصاص وخرج بعد ذلك من المستشفى. رفضت عائلته التحدث إلى هيومن رايتس ووتش.

قدم المسعفون الإسرائيليون الإسعافات الأولية ونقلوا وديع إلى "مستشفى شعاري تسيديك" في القدس الغربية. لم تخبر أي سلطة إسرائيلية أسرة وديع بالمكان الذي نُقل إليه، حسبما قاله أقاربهم لـ هيومن رايتس ووتش. اتصلت الأسرة بخدمة الطوارئ الإسرائيلية، والشرطة، وزارت مستشفيين قبل الذهاب إلى شعاري تسيديك، حيث أخبر طاقم المستشفى الفلسطيني الأسرة بشكل غير رسمي أنه تم إدخال "حالة حرجة" يشتبهون في أنها وديع.

قال أحد الأقارب إن الأسرة، التي منعتها الشرطة من الدخول، "بقيت في موقف السيارات طوال الليل". في الساعة 4:30 صباحا، "كخدمة لنا، هرّب [أحد أفراد طاقم المستشفى] قطعة من ملابس [وديع] إلى البوابة الأمامية، لنتأكد من أنه هو".

رفضت الشرطة الإسرائيلية في المستشفى السماح لوالدي وديع برؤيته على أساس أنه "مشتبه به محتجز"، حتى حصل المحامون على أمر من المحكمة لزيارة الأسرة بعد ظهر اليوم التالي. كانت الشرطة قد قيدت وديع بسرير المستشفى من اليدين والقدمين، رغم أن والده ومحاميه قالا إنه كان فاقدا للوعي ومتصلا بأجهزة طبية متعددة.

في 27 يناير/كانون الثاني، كان أقارب آخرون ينتظرون زيارته في ساحة انتظار المستشفى عندما قالت الشرطة إن عليهم المغادرة، وطرحوا رجلا على الأرض وضربوه ودفعوا المجموعة إلى خارج الساحة، بحسب أحد أفراد الأسرة.

حوالي الساعة 9:30 مساء، اتصل صحفيون فلسطينيون بمحامي وديع للاستفسار عن شائعات وفاته. قال المحامي إن ضابطا أمنيا في المستشفى طلب منه الانتظار في الخارج وعاد الساعة 12:10 صباحا ومعه شهادة وفاة وديع.

في الساعة 8:00 من صباح اليوم التالي، داهمت شرطة الحدود فناء منزل الأسرة، وهدمت خيمة العزاء، وصادرت الأعلام الفلسطينية وصور وديع، وكسرت الكراسي البلاستيكية، حسبما قال أحد الأقارب. عادت شرطة الحدود عدة مرات في الأيام التالية وفرّقت سكان الحي بالقوة الذين "ظلوا يأتون إلى منزلنا بشكل عفوي ... ينتظرون ويتوقعون الإفراج عن الجثة. ووقعت مواجهات وأطلقوا الغاز المسيل للدموع".

أخذت السلطات الإسرائيلية جثة وديع للتشريح. رفض "جهاز الأمن الإسرائيلي" (المعروف باسم "الشاباك" أو "شين بيت")، الذي يمنحه القانون الإسرائيلي سلطة إعادة جثامين الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية فيما يعتبرونه حوادث أمنية،  إعادة جثمان الصبي إلى عائلته. تحتجز السلطات الإسرائيلية حاليا في المشارح جثامين ما لا يقل عن 115 فلسطينيا، بينهم 15 طفلا، قُتلوا فيما تعتبره السلطات عمليات أمنية. استأنف محامو الأسرة القرار أمام المحكمة العليا التي أيدت طلبهم في 4 مايو/أيار، لكن دون تحديد موعد.

تسلمت الأسرة الجثمان من شرطة الاحتلال الساعة 10 مساء 30 مايو/أيار قرب مدخل المقبرة، بعد دفع ضمان يبلغ عشرة آلاف شيكل (حوالي 2,725 دولار) يُصادَر ما لم يجروا الدفن على الفور، ومنعوهم من حضور أكثر من 25 شخصا، أو التقاط الصور أو الهتافات أو رفع الأعلام الفلسطينية، بحسب المحامي الذي كان حاضرا. دققت الشرطة في وثائق هويات المعزين واحتفظت بها وبهواتفهم أثناء الدفن.

تقدم المحامون أيضا باستئناف لقسم التحقيقات الداخلية مع الشرطة في مكتب المدعي العام لدولة إسرائيل للتحقيق في إطلاق النار على وديع، لكنهم لم يتلقوا تحديثات بشأن شكواهم حتى منتصف أغسطس/آب.

قال والد وديع أنه طُرد من عمله في مؤسسة يهودية أرثوذكسية في القدس عندما علمت الإدارة أن ابنه قُتل. اعتقلت شرطة الحدود أيضا مديرة مدرسة وديع، شذى محمود، من مدرستها لاستجوابها بشأن منشور على "فيسبوك" انتقدت فيه مقتله، بحسب سكان المنطقة و"مركز معلومات وادي حلوة"، وهو منظمة محلية توثق الانتهاكات الحقوقية.

محمد السليم، عزون

في مساء يوم 2 مارس/آذار، كان محمد السليم (17 عاما)، ومجموعة من خمسة أصدقاء نشأ معهم يسيرون من بلدة عزون إلى قرية عزبة الطبيب القريبة، حيث كان لأحد أقاربه منزل غالبا ما يقضي الفتيان فيه وقتهم معا، بحسب ما قال أحدهم. عزون قريبة من شارع 55، الذي يربط مستوطنتي "ألفي منشيه" و"كارني شومرون" الإسرائيليتين الكبيرتين.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى اثنين من أصدقاء محمد، تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما، كانوا معه في ذلك الوقت، وثلاثة من أقاربه. حوالي الساعة 7:40 مساء، رأى الصبية شاحنة إسرائيلية زرقاء داكنة تحمل لوحات عسكرية على الطريق الذي يمر عبر القرية، على حد قولهم. بحسب ما أوردته وسائل إعلام محلية، وبناء على روايات السكان، ألقى الشبان الحجارة أو الزجاجات الحارقة على السيارة التي كانت تبعد حوالي 30 مترا. قال الفتيان إن المركبة العسكرية كانت مزودة بشبكة معدنية واقية على النوافذ، مما قد يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بجروح خطيرة أو الوفاة. وصلت مركبة عسكرية ثانية إلى جوار الأولى، وركض الفتيان في اتجاهات مختلفة بينما نزل أربعة جنود من السيارة وأطلقوا نيران بنادقهم عليهم. قال الشاهدان إنهما سمعا ما بين طلقتين وخمس طلقات نارية أعقبها إطلاق نار من أسلحة آلية.

قال أصدقاء محمد إنه ركض في شارع فرعي أمام مدرسة ابتدائية على بعد حوالي 80 مترا من طريق القرية، وعبر أراضٍ بها أشجار زيتون. يتذكر صديقه (16 عاما)، "بدأنا في الجري، وأخبرني محمد، ’لقد أصبت‘، وقلت له، ’أركض! اركض!‘ وأصِبت أنا أيضا. ركضت حوالي 100 متر، ثم لم أستطع الاستمرار". اخترقت رصاصة كتف صديق محمد الأيسر من الخلف وخرجت من صدره. قال إنه انهار لكنه تمكن من الاتصال بأقاربه في المنطقة وطلب المساعدة منهم. قال إنه الآن لا يستطيع رفع ذراعه اليسرى، أو التنفس بعمق بسبب إصاباته.

أصيب محمد في ظهره برصاصة استقرت في رئته اليمنى. ركض حوالي 200 متر، ثم انهار في حقل. وصل إليه السكان بعد 30 دقيقة ووجدوه فاقدا للوعي ونقلوه إلى مستشفى في عزون في سيارة خاصة. نُقل بسيارة إسعاف إلى إحدى مستشفيات مدينة قلقيلية الفلسطينية حيث أُعلِنت وفاته لدى وصوله.

قال صبي ثالث (17 عاما)، أنه أصيب في ذراعه، والرابع (16 عاما)، أصيب بجرح سطحي من رصاصة أصابت أسفل ظهره. أحصى الباحثون آثار عشر طلقات واضحة على جدار ساحة المدرسة، وأخرى على أشجار الزيتون، بما يتوافق مع أوصاف الشهود، مشيرين إلى أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا عددا كبيرا من طلقات البنادق الهجومية عالية السرعة على الأطفال الهاربين في وقت كانوا لا يشكلون فيه تهديدا للحياة أو التسبب في إصابة.

تحدث الجيش عن الحادث وقال إنه تم تحديد إصابات مشتبهين فلسطينيين لكنه لم يبلغ عن وقوع أي إصابات للجنود.

قال سكان إن القوات الإسرائيلية تداهم عزون بانتظام. اعتبروا المداهمات غير متناسبة ورادعا جماعيا ضد إلقاء الحجارة على المركبات الإسرائيلية التي كانت تسير من وإلى المستوطنات على شارع 55، مستذكرين التحذيرات المتكررة من قبل الضباط الإسرائيليين في المنطقة من رشق الحجارة على الطريق. أفاد تقرير إخباري إسرائيلي في 8 أبريل/نيسان، أن جنديا في عربة عسكرية أطلق النار على عايد سليم (20 عاما)، فأرداه قتيلا، وكان أعزلا ولم يكن يرشق الحجارة عندما أصيب برصاصة قاتلة في صدره.

آدم عياد، مخيم الدهيشة

كانت قوة إسرائيلية كبيرة تنسحب بعد مداهمة مخيم الدهيشة للاجئين بالقرب من بيت لحم حوالي الساعة 5 أو 5:30 من صباح3 يناير/كانون الثاني، عندما انضم آدم عياد (15 عاما)، إلى مجموعة من الشبان الذين رشقوا قوات الاحتلال بالحجارة في أحد الشوارع تحتهم، بحسب ثلاثة فتيان كانوا هناك في ذلك الوقت. بعد أن ألقى صبي آخر زجاجة حارقة، أطلق قناص إسرائيلي النار بشكل متكرر على المجموعة من مبنىً يطل على الشارع حيث كان يتواجد الفتيان، على حد قول اثنين منهم.

قال الجيش الإسرائيلي لوسائل إعلام بعبارات عامة إن عناصر حرس الحدود أطلقوا النار على مشتبه بهم خلال مداهمة واسعة النطاق للمخيم، ردا على إلقاء زجاجات حارقة وعبوات ناسفة وحجارة عليهم، لكنه لم يتطرق إلى مقتل آدم على وجه التحديد.

قال الشهود إن رصاصة اخترقت نافذة سيارة متوقفة ثم أصابت فتى عمره 13 عاما. أطلق القناص النار مرارا وتكرارا وأصاب آدم. قال مسعف في "جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية" يسكن في المنطقة إن إطلاق النار المتكرر من قبل القوات الإسرائيلية أخره أثناء محاولته الوصول إلى الفتيان الجرحى لوقف نزيفهم.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما إذا كان آدم يحمل مقذوفات في ذلك الوقت. مع ذلك، قال الفتيان الثلاثة إن أعضاء المجموعة بدأوا بالهروب بمجرد سماعهم الطلقة الأولى. استشهدت عدة تقارير إخبارية ببيان أولي من وزارة الصحة الفلسطينية يفيد بأن آدم أصيب برصاصة في صدره، لكن الأطباء في المستشفى الذي نُقل إليه آدم وأعلن عن وفاته قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن جروحه تشير إلى أن الرصاصة أصابته في الجانب الأيمن من أعلى ظهره وتسببت في جرح كبير في مقدمة صدره، مما يشير إلى أنه كان مبتعدا عن مواجهة جنود الاحتلال والقناص.  ذكرت "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين" أيضا أن آدم أصيب في ظهره.

استنادا إلى إفادات الشهود، كانت القوات الإسرائيلية تنسحب على مسافة 45 مترا تقريبا في الشارع السفلي، وكان من الممكن أن تكون قد أصيبت بمقذوفات ألقيت من الموقع المرتفع الذي كان فيه الفتيان. كان القناص على ما يبدو في غرفة في الطابق العلوي غير المكتمل من مبنى متعدد الطوابق على بعد 73 مترا، حيث عثر الفتيان لاحقا على أغلفة رصاص فارغة. يتوافق ذلك مع ملاحظات باحثي هيومن رايتس ووتش حول آثار الرصاص في الموقع.

كان القناص على ما يبدو متمركزا في موقعه قبل أن يبدأ الفتيان بإلقاء المقذوفات، لكن القوات الإسرائيلية لم تصدر تحذيرا أو تستخدم أسلحة أقل فتكا أو تطلق النار على أطراف الصبية قبل أن يطلق القناص مرارا الرصاص الحي على المجموعة على مستوى الصدر، بحسب الشهود.

يثير الحادث تساؤلات حول ما إذا كان مطلق النار قد استهدف أعضاء المجموعة الذين شكلوا تهديدا وشيكا للحياة أو إصابة خطيرة، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كان إطلاق النار قد استمر إلى ما بعد النقطة التي يمكن اعتباره فيه ضروريا. لم يبلغ الجيش عن وقوع إصابات في صفوف قواته خلال المداهمة.

توقف آدم، الطفل الوحيد لوالديه، عن الذهاب إلى المدرسة ووجد عملا في مخبز من الساعة 9 صباحا حتى الساعة 11 مساء كل يوم للمساعدة في إعالة والدته المطلقة والتي كانت تربيه بمفردها، بحسب ما قال زميل له في العمل. قتلت القوات الإسرائيلية صديقا كان يعمل في مخبز آخر قريب، وهو عمر مناح (23 عاما)، خلال مداهمة في 5 ديسمبر/كانون الأول، على حد قول أحد أقاربه. وكان آدم يحمل بيانا مكتوبا بخط اليد ليُقرأ في حالة مقتله، قال فيه، "أنا كان نفسي أشياء كثير أعملها بس احنا ]نحن[ ببلد مستحيل تحقق حلمك فيها"، قالت والدته إنها لا تزال في بعض الأحيان تعد وجبات الطعام لكليهما، وخاصة أطباقه المفضلة.

القانون الدولي بشأن استخدام القوة وممارسات التحقيق الإسرائيلية

تحظر المعايير الدولية لحقوق الإنسان على مسؤولي إنفاذ القانون "استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد" إلا في الحالات التي "يتعذر فيها تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح". يمكن أن يشكل إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة والألعاب النارية المتفجرة خطرا على الحياة، حسب الظروف. ومع ذلك، يجب استخدام الوسائل والتحذيرات غير العنيفة أولا قدر المستطاع، ويمكن استخدام القوة فقط في حال "ثبتت للوسائل غير العنيفة عدم الفعالية أو استيئس من تحقيقها النتيجة المرجوة". كما تنص "مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين" على أنه "ينبغي بذل كل جهد ممكن لتفادي استعمال الأسلحة النارية، ولا سيما ضد الأطفال".

يتمتع الفلسطينيون في الضفة الغربية بالحماية بموجب "اتفاقيات جنيف"، حيث إن القتل العمد لأشخاص محميين من قبل قوة الاحتلال خارج ما هو مسموح به بموجب معايير حقوق الإنسان من شأنه أن يشكل انتهاكا جسيما لقوانين الاحتلال.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، على الحكومات أن "تكفل للأفراد سُبل انتصاف فعالة للمطالبة" بحقوقهم، بما في ذلك الحق في الحياة.

لا يفتح الجيش الإسرائيلي تلقائيا تحقيقات جنائية في الحالات التي يستخدم فيها الجنود القوة القاتلة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، حتى في حال تقديم شكوى. توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أنه من المرجح أن تُفتح تحقيقات في الحالات التي تقدم فيها وسائل الإعلام الدولية تقارير مكثفة عن حوادث القتل. تجري الشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة التحقيقات، وبغض النظر عن فتح تحقيق من عدمه، يظل الإفلات من العقاب هو القاعدة.

التوصيات

  • على الجيش الإسرائيلي وشرطة الحدود إنهاء الاستخدام غير القانوني للقوة القاتلة ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال. على الحكومة الإسرائيلية إصدار توجيهات واضحة علنية وسرية لجميع قوات الأمن، تحظر الاستخدام المتعمد للقوة القاتلة إلا في الحالات التي يكون فيها ذلك ضروريا لمنع تهديد وشيك للحياة.
  • على الأمين العام للأمم المتحدة أن يدرج القوات المسلحة الإسرائيلية في تقريره السنوي عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2023 على أنها مسؤولة عن قتل وتشويه الأطفال الفلسطينيين.
  • على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يسرع في تحقيقات مكتبه في فلسطين، بما في ذلك فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال.
  • على الحكومات الأجنبية، كالولايات المتحدة التي تعهدت بتقديم 3.8 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل في 2023، أن تربط المساعدات بقيام إسرائيل باتخاذ خطوات ملموسة ويمكن إثباتها من أجل إنهاء انتهاكاتها الجسيمة، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد والاستخدام المنتظم للقوة القاتلة ضد الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، بشكل ينتهك المعايير الدولية، وللتحقيق في الانتهاكات الماضية. عليها أن تعلق المساعدات طالما استمرت هذه الانتهاكات الجسيمة.
  • على أعضاء مجلس النواب الأمريكي دعم "قانون الدفاع عن حقوق الإنسان للأطفال والأسر الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي" (HR 2590)، والذي من شأنه أن يحظر الاستخدام غير القانوني للتمويل الأمريكي لإسرائيل في الاعتقال العسكري والاعتداء على الأطفال الفلسطينيين، وتدمير الممتلكات الفلسطينية ومصادرة الأراضي من أجل المستوطنات.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة