Iraq and Iraqi Kurdistan



العراق

  
قضايا القانون الإنساني الدولي في الحرب المحتملة في العراق
دراسة للإحاطة أعدتها منظمة هيومان رايتس ووتش

القسم الرابع: الهجمات الموجهة إلى الحالة المعنوية للمدنيين
الهجمات المسلحة التي تقصد تقويض الحالة المعنوية للمدنيين غير مشروعة

لا شك أن الحالة المعنوية للمدنين تمثل مساهمة في الجهد الحربي، ولكنها مساهمة غير مباشرة وغير ملموسة، على نقيض الدعم المباشر من جانب الأعمال العسكرية التقليدية. وتعتبر الهجمات المسلحة الموجهة إلى الحالة المعنوية للمدنيين محظورة طبقاً للقانون الإنساني الدولي ومناهضة لهدف حماية المدنيين(36).

محتويات التقرير
  • مقدمة
  • الجزء الأول
    1-الدروع البشرية والرهائن
    2-أسلحة الدمار الشامل
    3-الحرب في المدن
  • الجزء الثاني
    4-الهجمات الموجهة إلى الحالة المعنوية للمدنيين
    5-الأهداف المزدوجة الغرض
    6-قرارات الاستهداف - الاستخبارات وتحديد الأهداف
    7-قرارات الاستهداف - التمييز والحفاظ على التناسب
  • الجزء الثالث
    8-الأسلحة التقليدية
    9-واجب الدولة التي تقوم بالاحتلال في توفير الأمن
    10-الشفافية وتقدير الخسائر المدينة نتيجة الأعمال العسكرية
  • الخلاصة
  • الحواشي
  • ). وقد حدث أثناء الحرب العالمية الثانية أن قامت كل من دول المحور والحلفاء بحملات القصف بالقنابل الرامية إلى بث الرعب في قلوب السكان المدنيين؛ والحظر الحالي لمثل هذه الممارسات منصوص عليه في المادة 51 من البروتوكول الأول، الصادر عام 1977.

    وبعض الأعمال مثل حرمان عامة السكان من الكهرباء، ومهاجمة مصادر الدعم الاقتصادي للنظام الحاكم، أو تدمير الرموز الوطنية، قد تؤدى إلى تقويض تأييد المدنيين للحرب، ولكن أطراف النزاع تتحمل الالتزام القانوني بتقليل آثار القتال على السكان المدنيين إلى أدنى حد ممكن(37). والهجمات المسلحة التي تستهدف في المقام الأول إنزال الموت أو الأذى البدني أو المعاناة بالسكان المدنيين - باعتبار ذلك أسلوباً من أساليب الحرب - تنتهك نصاً وروحاً أحكام حماية المدنيين الواردة في القانون الإنساني الدولي. ومع ذلك، فلا يوجد في القانون الدولي حظر على التأثير في الحالة المعنوية أو الإرادة السياسية للمدنيين بالوسائل السلمية، مثل الدعاية والدبلوماسية وما إليها. وتوصى منظمة هيومن رايتس ووتش بما يلي:
    · يجب ألا ترمي الهجمات العسكرية في المقام الأول إلى تقويض الحالة المعنوية للسكان المدنيين.

    القسم الخامس: الأهداف المزدوجة الغرض

    يجب الامتناع على الهجوم على الأهداف المزدوجة الغرض (المستخدمة لأغراض سلمية وعسكرية معاً) ذات الأهمية الجوهرية لحياة السكان المدنيين. أما الأهداف المزدوجة الغرض الأخرى، فيجب العمل قدر المستطاع على تعطيلها لا تدميرها.
    الأهداف المزدوجة الغرض تفي باحتياجات السكان المدنيين كما تستخدم القوات المسلحة، وقد يفترض أن أحدها يعتبر هدفاً عسكرياً مشروعاً لأنه يساهم إلى حد ما في تحقيق غايات عسكرية ملموسة، ولكن الضرر الذي يصيب السكان المدنيين نتيجة تدميره قد يكون - مع ذلك - أكبر بصورة لا تتناسب مع المزية العسكرية المكتسبة، وهو ما يدعو إلى عدم السماح بالهجوم عليه(38).
    ويجب على واضعي الخطط العسكرية عندما يتصدون لتحديد الأهداف الممكنة، أن يفحصوا بعناية مدى المزية العسكرية المباشرة الناجمة عن تدمير مثل هذه المرافق، إلى جانب التكاليف التي يتكبدها - في الأجل الطويل - اقتصاد المدنيين ورفاهيتهم، بما في ذلك عواقب دماره على البيئة(39). ويصدق هذا بصفة خاصة على المجتمع الصناعي الحديث، مثل مجتمع العراق، الذي يعتمد السكان المدنيون فيه على البنية الأساسية المزدوجة الغرض. وتتطلب نسبة كبيرة، لا تقل عن 60 في المائة، من السكان في العراق الأغذية التي توزعها شهرياً الحكومة المركزية عليهم. وقد يؤدى الصراع المسلح إلى قطع هذه الأغذية، الأمر الذي قد يتسبب في اختناقات غذائية، وتفاقم سوء التغذية الحالي بين الأطفال(40). ولا يجوز مطلقاً، وفقاً للقانون الإنساني القائم على العرف والبروتوكول الأول، مهاجمة الأغذية والمياه والمعدات الطبية وغيرها مما له ضرورة أساسية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة(41). وحتى حين تستعمل هذه الموارد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في دعم العسكريين، لا تجوز مهاجمتها إن كان الهجوم سوف يؤدى إلى تضور المدنيين جوعاً وإرغامهم على النزوح(42). ومن شأن الهجمات على مرافق توليد الكهرباء التي يستخدمها السكان المدنيون إحداث تأثير عميق وطويل الأجل على السكان المدنيين في العراق. ففي حرب الخليج العربي التي وقعت عام 1991، على سبيل المثال، لم يستطع واضعو الخطط الحربية الأمريكيون أن يقدِّروا تقديراً دقيقاً مدى الآثار المتلاحقة الناجمة عن الهجمات على الكهرباء في حياة السكان المدنيين، وكانت لذلك عواقب إنسانية عميقة، إذ أدت إلى إصابة بعض الخدمات المدنية الأساسية بالشلل، بما في ذلك الرعاية الطبية في المستشفيات، وإغلاق مرافق توزيع المياه، وتنقية المياه، ومصانع معالجة مياه المجارى. وكان من نتيجة ذلك أن تعرضت أشد فئات السكان ضعفاً، والأطفال والكبار المحتاجون إلى الرعاية الطبية، إلى المرض والموت نتيجة نقص مياه الشرب وانخفاض مستويات العلاج(43). ولقد ثبت في يوغوسلافيا أن الهجمات على مرافق توزيع الكهرباء يمكن أن تحقق الأثر الحربي المطلوب، وهو قطع خطوط إمدادات الطاقة، دون أن تحدث عجزاً طويل الأجل في قدرات توليد الكهرباء. وإزاء العواقب الوخيمة الناجمة عن تدمير محطات توليد الكهرباء في العراق، لجأت الولايات المتحدة إلى مهاجمة المرافق المماثلة في كوسوفو بأسلوبٍ يكفل الاكتفاء بالعجز المؤقت فحسب، وأما في أفغانستان فإن الوقت الجوية للحلفاء لم تهاجم مرافق توليد الكهرباء ولا أجهزة التوزيع. ومن ثم ينبغي استمرار هذا المسار، وعدم استهداف محطات إنتاج الطاقة الكهربائية (أي المولدات).
    ومن بين الأهداف المزدوجة الغرض الأخرى، والتي يحتمل استهدفها في العراق، الطرق ولجسور والمطارات. ويجب الامتناع عن استهداف البنية الأساسية للنقل، وهى اللازمة لتوصيل مواد الإغاثة الإنسانية أو لانتقال المدنيين إلى أماكن أكثر أمناً، إلا إذا كانت المزايا العسكرية المتوقعة من المحتمل أن ترجح كفتها على تأثيرها العميق في بقاء المدنيين على قيد الحياة. ولم تقم القوات العسكرية الأمريكية بتدمير الجسور أو الطرق في أفغانستان.
    ومن ثم ينبغي إدراج الاتجاه الذي ظهر منذ حرب الخليج في التخطيط العسكري، وهو الاتجاه المناهض لتدمير المرافق ذات الغرض المزدوج وذات الأهمية الحيوية للسكان المدنيين. وقد ذكر أحد كبار مستشاري وزارة الدفاع الأمريكية أن "التحديات في هذه الحملة الجوية [في الحرب المحتملة في العراق] هي تحقيق نتائج عسكرية ونفسية محددة في البداية، مع الإبقاء على جانب كبير من البنية الأساسية بعد انتهاء الحرب"(44). وتوافق منظمة هيومن رايتس ووتش على هذا الاهتمام بالحفاظ على البنية الأساسية. وحتى لو كانت الأغذية والمياه والإمدادات الطبية مكرسة فقط لخدمة القوات المسلحة العراقية، فمن المحتمل ألا يؤدى تدمير هذه الموارد إلا إلى قيام القوات المسلحة بالاستيلاء على الإمدادات من السكان المدنيين في المناطق المجاورة معرضة إياهم للخطر. ومن المشكوك فيه، في ظل هذه الظروف، أن تكون المزايا العسكرية المباشرة والملموسة الناتجة عن الهجمات على مخزونات أغذية الجيش، أكبر من الأضرار الناجمة عنها للمدنيين(45). وتوصى منظمة هيومن رايتس ووتش بما يلي:

    · ينبغي عدم تدمير مرافق توليد الكهرباء.
    · يجب الامتناع عن الهجوم على الإمدادات الإنسانية اللازمة للسكان المدنيين.
    · يجب عدم تدمير البنية الأساسية للنقل، وإذا هُوجمت فيجب أن تهاجم بأسلوب يكفل العجز المؤقت لها فحسب.

    القسم السادس: قرارات الاستهداف - الاستخبارات وتحديد الأهداف
    يجب بذل أقصى الجهود لضمان التحديد الصحيح للهدف قبل مهاجمته.

    تدلنا الأنباء الأخيرة، مثلما يدلنا التاريخ البعيد، على أن استخدام الذخيرة الجوية الموجهة بدقة، أو ما يطلق عليه تعبير "القنابل الذكية"، سوف يلعب دوراً كبيراً في الهجوم الذي ستقوده الولايات المتحدة على العراق(46).
    والتكنولوجيا الدقيقة الخاصة بهذه القنابل، شأنها في ذلك شأن سائر الأسلحة، لن تكون ذات فعالية إلا إذا استُخدمت بناء على معلومات استخبارات موثوق بها. وقد تتسبب عوامل أخرى، مثل الخطأ البشرى أو الخطأ التقني، في ضرب القنابل المذكورة أهدافا أخرى غير أهدافها المقصودة. فإذا أخطأ طاقم الطائرة أو محددو الهدف في تحديد الهدف، أصبح من الممكن تعرض المدنيين للقتل أو الإصابة. ومن أمثلة الخطأ في تحديد الهدف قيام قوات حلف شمال الأطلسي خطأً بالهجوم على صفوف اللاجئين السائرين في الطريق الذي يربط بين جاكوفيكا وديكان، في يوغوسلافيا يوم 14 أبريل/ نيسان 1999، ما نجم عنه مقتل ثلاثة وسبعين مدنياً(47).
    وقد اتضح أن تحديد الأهداف المتحركة أو "الناشئة" يمثل تحدياً كبيراً، إذ اكتشفت منظمة هيومن رايتس ووتش، أثناء الحرب الجوية في يوغوسلافيا أن خمسة من بين أسوأ عشرة أحداث تعرض فيها المدنيون للقتل قد نجمت عن هجمات جوية على ما كان يُفترض أنه قوافل عسكرية أو طرق نقل يوغوسلافية، ثم تبين أن "الهدف" يتضمن أعداداً كبيراً من المدنيين. أما في أفغانستان، فقد لجأ العسكريون الأمريكيون بانتظام إلى استخدام رجال قوات العمليات الخاصة باعتبارهم مراقبين أرضيين لتحديد إحداثيات النظام العالمي لرصد مواقع الأهداف الناشئة، وذلك لمهاجمتها بقنابل تنتمي إلى ما يسمى "بالذخيرة الهجومية المباشرة المشتركة" التي توجهها الأقمار الصناعية(48). ومع ذلك، فإن التحليل المبدئي يدل على أن الخسائر البشرية بين المدنيين خلال حرب الولايات المتحدة في أفغانستان كانت أكبر عند التصدي للأهداف الناشئة منها عن التصدي للأهداف الثابتة(49). أما أسباب ذلك فغير واضحة، ولكنه يحذرنا - على الأقل - من أنه مهما تكن الوسائل والإجراءات المتخذة لتحديد وتقييم الأهداف الناشئة لضربها، فإنها لا تتميز بالدقة الصارمة اللازمة لتحاشي إلحاق أضرار كبيرة بالمدنيين. أي أنه لا بد من رفع مستويات العناية. وتوصى منظمة هيومن رايتس ووتش بما يلي:
    · يجب على محددي الأهداف وطاقم الطائرة أن يتأكدوا تماماً من هوية الهدف ومن صحة تقييم طبيعته قبل الاشتباك معه بالقوة الفتاكة، فإذا لم يتيسر مثل هذا التحديد الدقيق، فلا بد من عدم مهاجمة الهدف.
    · يجب على القادة التحقق من تحديد هوية الأهداف الناشئة بدقة أكبر مما جرى العمل به، قبل إصدار الإذن بالهجوم.

    القسم السابع: قرارات الاستهداف - التمييز والحفاظ على التناسب

    ينبغي الاقتصار على استخدام الذخائر الموجهة بدقة في المناطق المأهولة بالسكان، ويجب الامتناع عن استخدام القنابل العنقودية في تلك المناطق.
    يحظر القانون الإنساني الدولي القيام بهجمات على الأهداف العسكرية والمدنيين دون تمييز(50). وعلى الرغم من أن وفيات المدنيين في الحرب لا ترجع جميعها إلى انتهاك القانون الإنساني الدولي، فلابد للمقاتلين من مراعاة مبادئ التناسب والتمييز من شن الهجمات. ومن واجب الدول، عند اتخاذ قرارٍ باستخدام الأسلحة الموجهة بدقة أو عدم استخدامها، أن تتخذ جميع الخطوات الممكنة، بما في ذلك اختيار وسيلة الهجوم، لتقليل الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمدنيين والمنشآت المدنية إلى أدني حد ممكن(51). فإذا توافرت معلومات الاستخبارات الصحيحة، ومع افتراض عدم وقوع عيوب تقنية أو خطاء بشرية، تستطيع الذخائر المواجهة بدقة أن تزيد كثيراً من قدرة المهاجم على التمييز بين المقاتلين والمدنيين. ومن ثم، فعلى كل طرف من أطراف الصراع يملك ذخيرة موجهة بدقة أن يفضل استعمالها على استعمال القنابل "الغبية" عند التخطيط للهجوم على هدف عسكري يقع في مناطق آهلة بالسكان أو بالقرب منها. وهناك احتياطات أخرى قد تخفف من الأضرار التي قد يتعرض لها المدنيون، مثل اختيار وقت للهجوم يقل فيه وجودهم في جوار الهدف أو مثل تقديم إنذارات فعالة. ويجب تقييم هذه التدابير واتخاذها معاً، إذا أمكن ذلك، لتقليل الأضرار التي يتعرض لها المدنيون إلى أدني حد ممكن دون أن تمنع تحقيق الهدف العسكري.

    وعلى النقيض من ذلك، تُعتبر القنابل العنقودية من الأسلحة التي تتسم بصعوبة كبيرة في تحديد هدفها بدقة وتمييز، بل إن القنابل العنقودية التي تستعمل أجهزة أكثر دقة في التصويب تسمى "أجهزة تصحيح مسار الذخيرة لتفادي تأثير الرياح"، وهى التي يستخدمها العسكريون الأمريكيون حالياً، لا تزال آثارها واسعة الانتشار. والواقع أنها القنابل "الغبية" الوحيدة التي لا يزال العسكريون الأمريكيون يستخدمونها في المناطق الآهلة بالسكان، ومن ثم فيجب الامتناع عن استخدام القنابل العنقودية في الصراع المحتمل مع العراق في المناطق الآهلة بالسكان أو بالقرب منها. وتوصي منظمة هيومن رايتس ووتش بما يلى:
    · يجب الاقتصار على استخدام الذخائر الموجهة بدقة في المناطق الآهلة بالسكان.
    · يجب الامتناع عن استخدام القنابل العنقودية في المناطق الآهلة بالسكان.