الولايات المتحدة الأمريكية
USA
Report



الولايات المتحدة
  

الولايات المتحدة الأمريكية:
"الانحراف عن الهدف: إدارة الحرب والخسائر بين المدنيين في العراق"

1. ملخص وتوصيات
النتائج الرئيسية | المنهج | التوصيات الرئيسية | الهوامش | البيان الصحفي | English

النتائج الرئيسية


لقد وصف الرئيس جورج دبليو بوش الحرب في العراق بأنها "واحدة من أسرع الحملات العسكرية وأكثرها إنسانية في التاريخ" (1). غير أن الآلاف من المدنيين العراقيين سقطوا بين قتيل وجريح أثناء الأسابيع الثلاثة الاولى من القتال من جراء الغارات الجوية الأولى في 20 مارس/آذار حتى 9 أبريل/نيسان 2003، حينما سقطت بغداد في قبضة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.

وقد أوفدت منظمة هيومن رايتس ووتش بعثة من الباحثين إلى العراق خلال الفترة بين أواخر أبريل/نيسان ومطلع يونيو/حزيران، لتحقيق هدفين: [1] تحديد انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي يُحتمل أن تكون أطراف الصراع قد ارتكبتها، والتحقيق فيها؛ و[2] تحديد الأنماط القتالية لتلك الأطراف التي يُحتمل أن تكون قد أسفرت عن وقوع خسائر بين المدنيين وتسببت في معاناتهم، والتي كان بالإمكان تلافيها لو اتُّخذت احتياطات إضافية. ولم تضطلع هيومن رايتس ووتش بهذه البعثة لتحديد عدد القتلى والجرحى من المدنيين، وإنما سعت للوقوف على كيفية وسبب مقتل هؤلاء المدنيين أو إصابتهم من أجل تقييم مدى الالتزام بالقانون الإنساني، بغية الحد من آثار الحرب على المدنيين في المستقبل.

وقد أظهر التحقيق أن القوات العراقية ارتكبت عدداً من انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي يُحتمل أن تكون قد أدت إلى وقوع خسائر جسيمة في صفوف المدنيين؛ ومن بينها استخدام دروع بشرية، وإساءة استخدام شعاري الصليب الأحمر والهلال الأحمر، واستخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد، ووضع الأهداف العسكرية في أماكن محمية (مثل المساجد والمستشفيات والممتلكات الثقافية)، والتقاعس عن اتخاذ الاحتياطات الكافية لحماية المدنيين من أخطار العمليات الحربية. كما أن عادة ارتداء الثياب المدنية التي درج عليها أفراد الجيش العراقي كان لها الأثر في إضعاف التمييز بين المقاتلين والمدنيين، مما عرض هذه الفئة الأخيرة للأخطار، ولو أن ذلك لم يعفِ قوات التحالف من التزامها بالتمييز في كافة الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، واستهداف المقاتلين فقط.

وقد اتخذت قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة احتياطات لعدم إلحاق أي أذى بالمدنيين، وبذلت في الأغلب والأعم جهوداً للوفاء بالتزاماتها القانونية؛ بيد أن هيومن رايتس ووتش حددت بعض الأساليب التي أدت إلى وقوع خسائر في صفوف المدنيين إبان الحرب الجوية، والحرب البرية، وخلال الفترة التالية للصراع.

فقد أسفر استخدام القذائف العنقودية على نطاق واسع، ولا سيما من جانب القوات البرية الأمريكية والبريطانية، عن مقتل أو إصابة المئات من المدنيين على أقل تقدير؛ وهذه الذخائر العنقودية هي عبارة عن أسلحة كبيرة تحتوي على العشرات أو المئات من القنيبلات، ومن شأنها أن تعرض المدنيين للخطر بسبب ما تتسم به من القدرة على التشتت الواسع النطاق، أو ما يعرف باسم "منطقة التشتت"، والعدد المرتفع من القنيبلات التي لا تنفجر لدى اصطدامها بالسطح الذي تسقط عليه. وأفادت القيادة الوسطى للجيش الأمريكي أنها استخدمت 10782 من القذائف العنقودية (2) التي قد تحتوي على 1,8 مليون قنيبلة على الأقل؛ كما استخدمت القوات البريطانية هي الأخرى 70 قذيفة عنقودية أطلقت من الجو، و2100 أخرى أطلقت من الأرض، وتحتوي على 113190 قنيبلة. ورغم أن شن الهجمات بالذخائر العنقودية محفوف بأخطار بالغة في المناطق الآهلة بالسكان، فقد عمدت القوات البرية الأمريكية والبريطانية إلى استخدام هذه الأسلحة مراراً في هجماتها على المواقع العراقية في الأحياء السكنية. كما أوقعت قوات التحالف الجوية خسائر في صفوف المدنيين باستخدامها القنابل العنقودية، وإن كان ذلك بدرجة أقل كثيراً.

وقد وقع الكثير من إصابات المدنيين الناجمة عن الحرب الجوية أثناء الهجمات الأمريكية التي استهدفت كبار القادة العراقيين؛ فقد استخدمت الولايات المتحدة أسلوباً معيباً لتحديد الأهداف يعتمد على اعتراض الاتصالات الهاتفية التي تتم عبر القمر الاصطناعي، وعلى معلومات استخبارية تأكيدية غير كافية. فهواتف الثريا التي تعمل بالقمر الاصطناعي تعطي إحداثيات أرضية لا تتجاوز دقتها مدى المائة متر؛ ومن ثم فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من تحديد مصدر أي مكالمة هاتفية بدرجة أدق من منطقة مساحتها 31400 متر مربع. ومما زاد من سوء هذه الاستراتيجية المعيبة لتحديد الأهداف عدم إجراء تقييم فعال للمخاطر المحتملة على المدنيين قبل شن هذه الهجمات، ولمدى نجاحها وجدواها بعد ذلك. وقد باءت بالفشل جميع الهجمات الخمسين المعترف بها التي استهدفت القيادة العراقية؛ وفي حين أنها لم تسفر عن مقتل فرد واحد مستهدف، فقد أدت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وقد أعرب العراقيون الذي تحدثوا لهيومن رايتس ووتش بشأن الهجمات التي كانت تحقق فيها - أعربوا مراراً عن اعتقادهم بأن الأفراد المستهدفين بهذه الهجمات لم يكونوا حتى متواجدين وقت وقوع هذه الهجمات.

ويبدو أن الهجمات الجوية التي شنتها قوات التحالف على أهداف ثابتة تم تحديدها مسبقاً لم تحدث خسائر ذات بال في صفوف المدنيين، وقد تجنبت القوات الجوية الأمريكية والبريطانية البنية التحتية المدنية بوجه عام؛ غير أن قوات التحالف حددت بالفعل أهدافاً معينة باعتبارها "مزدوجة الاستخدام"، بما في ذلك المنشآت الكهربائية والإعلامية. وقد تبين من تحقيقات هيومن رايتس ووتش أن الغارات الجوية على منشآت توزيع الطاقة المدنية بالناصرية قد تسببت في معاناة خطيرة للمدنيين، وأن مشروعية الهجمات التي وقعت على المنشآت الإعلامية مشكوكٌ فيها.

ويبدو أن معظم الإصابات المدنية التي عزيت لسلوك قوات التحالف في الحرب البرية قد نجمت عن استخدام ذخائر عنقودية أطلقت من الأرض؛ وفي بعض حالات القتال المباشر، خاصة في بغداد والناصرية، ربما كانت المشكلات المتعلقة بالتدريب على قواعد الاشتباك، فضلاً عن تلك المتعلقة بتعميمها ووضوحها، من العوامل التي أدت إلى وقوع خسائر في أرواح المدنيين.

وقد تسببت البقايا المتفجرة التي خلفتها الحرب في سقوط المئات من القتلى والجرحى من المدنيين أثناء العمليات الحربية الرئيسية وفي أعقابها، وما زالت تتسبب في وقوع مثل هذه الإصابات حتى اليوم. فقد خلفت قوات التحالف وراءها عشرات الآلاف من القنابل العنقودية "الخاملة"، أي القنيبلات التي لم تنفجر لدى ارتطامها بالأرض، ومن ثم فقد أصبحت بمثابة ألغام أرضية. وإذا كان معدل إخفاق هذه الذخائر في الانفجار هو خمسة بالمائة في المتوسط، فإن عدد القنابل العنقودية التي ورد أن قوات التحالف قد استخدمتها من شأنه أن يخلف نحو 90 ألف قنبلة "خاملة"؛ بل إن الأضرار الإنسانية والعسكرية التي نجمت عنها حذت ببعض الجنود الذين شاركوا في القتال في العراق إلى الدعوة لاستخدام بديل لهذا السلاح الذي يتخلف عنه مثل هذا العدد الكبير من القنابل غير المنفجرة. ومن جهة أخرى، خلفت القوات العراقية وراءها كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة، مما أدى لإصابة أو مقتل المدنيين الذين كانوا يبحثون عن لعب للهو بها أو خردة لبيعها أو إعادة استخدامها.

وقد أكد القادة العسكريون والمدنيون، الأمريكيون والبريطانيون، مراراً التزامهم وحرصهم على تجنب إيقاع خسائر في صفوف المدنيين، أو إلحاق أي أضرار أخرى بهم؛ غير أن أياً من هذين البلدين لم يُجرِ تحقيقاً وافياً في خسائر المدنيين، ولم يقم بتحليل أسبابها؛ والمسؤولية عن النهوض بهذه المهمة - التي تُرك العبء الأكبر منها لمنظمات مثل هيومن رايتس ووتش - يجب أن تقع على عاتق أطراف الصراع؛ وينبغي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، باعتبارهما قادرتين على القيام بمثل هذا التقييم، توضيح الأسباب الدقيقة لأي خسائر توقعها قواتهما في صفوف المدنيين أثناء الصراع المسلح، حتى يكون بمقدورهما تقديم أقصى حماية ممكنة للمدنيين في أي صراع مستقبلي.

القانون الإنساني الدولي

في أثناء الحرب في العراق، كانت قوات التحالف والقوات العراقية محكومة بالقانون الإنساني الدولي، المعروف أيضا بقانون الصراع المسلح. ويطالب هذا القانون أطراف أي صراع مسلح باحترام وحماية المدنيين وغيرهم من الأشخاص الذين ليس لهم دور مباشر في القتال أو الذين لم يعد لهم مثل هذا الدور، كما يقيد القانون السبل والوسائل المسموح باستخدامها في الحرب. وتعتبر اتفاقيات جنيف الأربع المعقودة في عام 1949 وثيقة الصلة بهذا الموضوع، ومن بين أطرافها العراق والولايات المتحدة والمملكة المتحدة(3). كما تنطبق أيضا في هذا الصدد قواعد لاهاي الصادرة عام 1907، والتي صادقت عليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والتي تعتبر مقبولة على نطاق واسع لكونها تمثل القانون الدولي العرفي(4).

ولم يصادق العراق ولا الولايات المتحدة على البروتوكول الإضافي الأول الصادر عام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف الأربع المعقودة عام 1949 (البروتوكول الأول)، لكن المملكة المتحدة طرف في هذا البروتوكول(5). ويقنن البروتوكول الأول القانون الحالي ويوسع من نطاقه إلى حد ما، خاصة فيما يتعلق بأسلوب القتال. واليوم تعتبر أحكام كثيرة من أحكامه، إن لم يكن معظمها، معبرة عن القانون الدولي العرفي(6).

ويعد مبدأ التمييز حجر الأساس في القانون الذي ينظم طريقة القتال، إذ يطالب أطراف الصراع بالتمييز في كافة الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، فلا يجوز مهاجمة المدنيين ولا الأعيان المدنية، ولا يجوز توجيه العمليات إلا ضد الأهداف العسكرية(7).

وتضم الأهداف العسكرية أفراد القوات المسلحة، وغيرهم من الأشخاص الذين يقومون بدور مباشر في القتال طوال فترة مشاركتهم فيه، إلى جانب تلك الأعيان "التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أو بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة"(8).

وبالإضافة إلى الهجمات المباشرة على المدنيين، فإن القانون الإنساني الدولي يحظر أيضا الهجمات العشوائية، وهي الهجمات التي "من شأنها أن تصيب، في كل حالة كهذه، الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز"(9). ومن أمثلة الهجمات العشوائية تلك الهجمات التي "لا توجه إلى هدف عسكري محدد"، أو التي تستخدم وسيلة قتالية "لا يمكن توجيهها إلى هدف عسكري محدد"(10).

ومن صور الهجمات العشوائية أيضا الهجوم الذي يخالف مبدأ التناسب لأنه "يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضرارا بالأعيان المدنية، ... [مما] يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة"(11).

وفي سياق إجراء العمليات العسكرية يجب اتخاذ الحيطة الدائمة لتجنيب السكان المدنيين والمنشآت المدنية آثار القتال. ولذلك يجب على أطراف القتال اتخاذ تدابير وقائية بغرض تجنب الخسائر العارضة في أرواح المدنيين وإلحاق الإصابة بهم والإضرار بالأعيان المدنية، أو تقليلها إلى أدنى حد ممكن على أي حال. وتتضمن هذه الاحتياطات ما يلي:
  • أن يبذل مخطط الهجوم "ما في طاقته عمليا للتحقق" من أن المنشآت التي سيوجه إليها الهجوم أهداف عسكرية، وليست أفرادا مدنيين ولا أعياناً مدنية أو خاضعة للحماية الخاصة.
  • اتخاذ "جميع الاحتياطات المستطاعة عند تخير وسائل وأساليب" الحرب تفاديا لإحداث "خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية، وذلك بصفة عرضية"، وعلي أي الأحوال حصر ذلك في أضيق نطاق.
  • الامتناع عن شن أي هجوم "يتوقع منه، بصفة عرضية، أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم، أو الإضرار بالأعيان المدنية، ... ، مما يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة".
  • توجيه "إنذار مسبق بوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين"، متى سنحت الفرصة لذلك.
  • "حين يكون الخيار ممكنا بين عدة أهداف عسكرية للحصول علي ميزة عسكرية مماثلة" فإن شن الهجوم "يتوقع أن يسفر ... عن إحداث أقل قدر من الأخطار علي أرواح المدنيين والأعيان المدنية.".
  • تجنب "إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها".
  • العمل على "نقل ... السكان المدنيين والأفراد المدنيين والأعيان المدنية بعيدا عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية، "(12).

    كما يحظر على أطراف الصراع استخدام المدنيين في "درء الهجوم عن الأهداف العسكرية"، أو استغلال وجودهم في "تغطية أو تحبيذ أو إعاقة العمليات العسكرية"(13).

    وتستفيد المنشآت الطبية والثقافية من الحماية الخاصة التي يكفلها القانون الإنساني الدولي. فالمستشفيات وغيرها من الوحدات الطبية يجب احترامها "وحمايتها"، ويجب ألا تكون هدفا لأي هجوم. ولا يجوز أن تستخدم "في محاولة لستر الأهداف العسكرية عن أي هجوم"(14). ولكنها تفقد هذه الحماية إذا استخدمت لارتكاب "أعمال ضارة بالخصم"(15).

    كما يجب على أطراف الصراع الامتناع عن ارتكاب أي أعمال عدوانية ضد "الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، ... [أو] استخدام مثل هذه الأعيان في دعم المجهود الحربي"(16).

    النتائج الرئيسية | المنهج | التوصيات الرئيسية | الهوامش | البيان الصحفي | English

  •