Skip to main content

التقرير العالمي 2014: تونس

أحداث عام 2013

المتظاهرون يرددون الهتافات أثناء مظاهرة ضد قوات الأمن التي كانت تسعى للقبض على قيادي سلفي بسبب المصادمات لدى السفارة الأمريكية في تونس العاصمة يوم 17 سبتمبر/أيلول 2012.

© 2012 Reuters

 

استمرت عملية الانتقال الديمقراطي في تونس لكن بوتيرة بطيئة. استمر المجلس الوطني التأسيسي – المنتخب في أكتوبر/تشرين الأول 2011 – في صياغة دستور جديد، لكن حتى كتابة هذه السطور لم يكن قد تم إقرار المسودة. أدى اغتيال قياديين بالمعارضة اليسارية هما شكري بلعيد ومحمد براهمي على يد متشددين إسلاميين حسب الادعاءات، في 6 فبراير/شباط و25 يوليو/تموز على التوالي، إلى صدمة كبيرة، وأشعل شرارة أزمة سياسية شهدت تجميد أعمال المجلس الوطني التأسيسي لمدة شهرين.

ومنذ خلع نظام بن علي في 2011 تمتع التونسيون بقدر أكبر من حرية التعبير وحرية التجمع وتكوين الجمعيات، بما في ذلك حرية تشكيل أحزاب سياسية. لكن هناك عدة عوامل عرقلت تعزيز تدابير حماية الحقوق. اشتملت على التأخر في تبني دستور جديد يكفل قوانين ومعايير حقوق الإنسان الدولية، والاحتفاظ بترسانة القوانين القمعية التي تعود إلى العهد السابق، ومحاولات من السلطة التنفيذية لإخضاع الإعلام وملاحقة الأفراد على اتهامات متعلقة بالتعبير عن الرأي.

حقوق الإنسان في مسودة الدستور

أصدر المجلس التأسيسي مسودة للدستور في يونيو/حزيران. رغم أنها أفضل من المسودات الثلاث السابقة – إذ توفر تدابير حماية لأغلب الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية – فإن بها أيضاً أوجه قصور عدة. على وجه التحديد لم تشتمل مسودة الدستور على مادة تضم إلى القوانين التونسية مباشرة حقوق الإنسان حسب تعريفها في القانون الدولي العرفي وفي المعاهدات الدولية التي صدقت عليها تونس. فضلاً عن ذلك استمرت في المسودة الجديدة صياغات ضعيفة لمبادئ المساواة وعدم التمييز أمام القانون، وسمحت المسودة بقيود على حقوق حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والتنقل والحصول على المعلومات، مع تناول هذه الحقوق بصياغات فضفاضة، قد تؤدي إلى قيود تعسفية على ممارستها. وقت كتابة هذه السطور لم يكن واضحاً بعد متى سيتم تبني الدستور الجديد.

حرية التعبير والإعلام

قررت السلطات في مايو/أيار 2013 بعد تأخير، أن تنفذ المرسوم عدد 116 بشأن الإعلام السمعي والبصري. تطلب تنفيذ المرسوم إنشاء هيئة عليا مستقلة لتنظيم الإعلام السمعي والبصري. وعلى ذلك، فقد استمرت السلطة التنفيذية من جانبها في تعيين رؤساء محطات الإذاعة والتلفزة في خرق لمعايير حرية التعبير الدولية المنظمة لاستقلال الإعلام العام.

في 2013 لاحقت السلطات القضائية عديد الصحفيين والمدونين والفنانين والمثقفين بناء على ممارستهم سلمياً لحقهم في حرية التعبير باستخدام أحكام من المجلة الجزائية تجرم "التشهير" و"المخالفات ضد أجهزة الدولة" و"تعكير صفو النظام العام"، وتؤدي هذه الاتهامات جميعاً إلى أحكام بالسجن. لم يبذل المجلس التأسيسي جهداً يُذكر لإلغاء أو تجميد هذه القواعد الموروثة من عهد بن علي، ولم تحكم المحاكم بأنها غير متسقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

في 8 مارس/آذار اتهمت السلطات المدونة ألفة رياحي بالتشهير الجنائي بعد أن نشرت معلومات على الإنترنت حول مزاعم إساءة استخدام الأموال العامة من قبل وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام. كانت قضيتها ما زالت قيد التحقيق حتى كتابة هذه السطور.

في 30 أغسطس/آب حكمت محكمة جنائية في الحمامات بالحبس على مغنيي الراب التونسيين، "ولد الـ15" و"كلاي بي بي جيه" بعد إدانتهما غيابياً بـ "إهانة الشرطة" واتهامات أخرى علي خلفية أدائهما لأغنية تنتقد عنف الشرطة في مهرجان موسيقي. في 17 أكتوبر/تشرين الأول برأت محكمة استئناف كلاي بي بي جيه وأطلقت سراحه بعد ثلاثة أسابيع أمضاها رهن الاحتجاز. في مارس/آذار أصدر ولد الـ15 مقطع فيديو مصاحب لأغنيته "البوليسية كلاب" وفي مقطع الفيديو مشاهد لاعتداء الشرطة على الناس. ومن ثم حكمت عليه محكمة جنائية في منوبة بالسجن عامين، ثم خفضت محكمة الاستئناف في تونس العاصمة الحكم إلى ستة أشهر مع وقف التنفيذ في 2 يوليو/تموز. 

في 9 سبتمبر/أيلول أمر قاضي تحقيق بالقبض على النقابي الأمني وليد زروق واحتجازه بعد أن نشر تعليقات على الفيس بوك ينتقد فيها تسييس النيابة العمومية. في اليوم نفسه وفي قضية منفصلة استدعت النيابة الصحفي زهير الجيس، على خلفية إدارة برنامج إذاعي انتقد فيه أحد المشاركين الرئيس التونسي، وزياد الهاني، الصحفي الذي انتقد القبض على مصور قام بتصوير اعتداء اشتمل على إلقاء البيض على وزير الثقافة. تم القبض على الهاني ذلك اليوم وأمضى في الحبس ثلاثة أيام قبل الإفراج عنه بكفالة.

إصلاح القضاء

في أبريل/نيسان عين المجلس التأسيسي مجلساً قضائياً أعلى مؤقتاً للإشراف على تعيين وترقية ونقل وتأديب القضاة إلى أن يتم تبني الدستور الجديد. هذا الإصلاح الذي طال انتظاره كان القصد منه إنهاء أو تقليص التأثير بدون وجه حق من السلطة التنفيذية على القضاء، والذي شهد في أكتوبر/تشرين الأول 2012 فصل وزير العدل تعسفاً لـ 75 قاضياً.

حقوق المرأة

لطالما اعتبرت تونس من الدول العربية الأكثر تقدمية في حقوق المرأة. تعكس مسودة الدستور هذا الأمر، إذ أعلنت أن "تضمن الدولة حماية حقوق المرأة وتدعم مكاسبها" و"تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في تحمل مختلف المسؤوليات" و"تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة". يمثل هذا تحسناً على المسودات الدستورية السابقة التي استخدمت مفاهيم "تكامل" الأدوار الجندرية، ما كان يمثل خطراً بالانتقاص من مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. لكن مسودة الدستور الجديدة لم تضم بشكل كامل مبدأ المساواة بين الجنسين، إذ تشير إلى تكافؤ الفرص "في تحمل مختلف المسؤوليات"، لكن ليس الحق الأعم بتكافؤ الفرص في المجالات السياسية والاقتصادية والمجالات الأخرى جميعاً.

الملاحقة القضائية على هجمات الجماعات المتطرفة

في مايو/أيار فرضت محكمة بتونس العاصمة أحكاماً بالسجن عامين مع إيقاف التنفيذ على 20 مدعى عليهم أدينوا بالمشاركة في هجوم على السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر/أيلول 2012، شارك فيه آلاف الأشخاص، أغلبهم من المحافظين دينياً، احتجاجاً على فيلم أُنتج في الولايات المتحدة رأوا فيه إهانة للإسلام. مات أربعة متظاهرين في الهجوم، الذي شهد إحراق المتظاهرين للعلم الأمريكي ومدرسة أمريكية قريبة من الموقع، ودمروا سيارات وممتلكات أخرى.

كما اتهمت السلطات جماعات إسلامية محافظة بالمسؤولية عن اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهمي، وقالت إن الرجلين تعرضا لإطلاق النار من نفس السلاح. أشعل اغتيالهما شرارة مظاهرات كبيرة. أعلنت السلطات أن أنصار الشريعة، وهي جماعة إسلامية، "منظمة إرهابية"، وقبضت على عشرات الأفراد المشتبهين بالعضوية في المجموعة. زعم اثنان من المشتبهين بالتعرض للتعذيب في السجن.

الانتهاكات بحق المتظاهرين

للتونسيين الآن حرية أكبر في ممارسة حقهم في التظاهر السلمي، من بعد خلع بن علي. لكن استمرت الشرطة وقوات الأمن في استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين في 2013. على سبيل المثال أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية ورصاص الرشّ في 19 مايو/أيار على المتظاهرين، أثناء مصادمات في الانطلاقة والتضامن بمدينة تونس، ما أسفر عن مقتل شخص واحد وإصابة أربعة آخرين. إثر مقتل محمد براهمي، استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة، واشتملت على الضرب وإطلاق الغاز المسيل للدموع، في تفريق المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين. لم تحقق السلطات في الواقعة ولم تحاسب قوات الأمن.

المحاسبة على جرائم الماضي

في يونيو/حزيران بدأ المجلس الوطني الانتقالي في النظر في مسودة قانون للعدالة الانتقالية، اشتملت على مقترحات بإنشاء لجنة الحقيقة والكرامة يكشف حقيقة ما حدث من انتهاكات في الماضي. وقت كتابة هذه السطور لم يكن قد تم تفعيل القانون بعد.

حاكمت المحاكم العسكرية عدة مجموعات من المتهمين على مقتل متظاهرين أثناء الثورة التي أدت إلى سقوط الرئيس السابق. وحكمت محكمة عسكرية على بن علي، الذي ما زال في السعودية، بالسجن المؤبد بتهمة المشاركة في القتل، بعد محاكمته غيابياً، وحكمت بسجن العديد من كبار المسؤولين السابقين.

ظهر أن هذه المحاكمات تحترم حقوق الإنسان الأساسية للمتهمين وتسمح لبعض الضحايا باللجوء إلى القضاء، لكن عدة عوامل قوضت من إسهامها في تحقيق المحاسبة، بما في ذلك الإخفاق في تعرف السلطات على الجناة المباشرين الذين تسببوا في أعمال القتل، والافتقار إلى إطار قانوني ملائم لمقاضاة كبار المسؤولين بتهمة مسؤولية القيادة على جرائم ارتكبها مرؤوسوهم. كما قوّض من جهود المحاسبة إخفاق الحكومة في الضغط بفعالية لتسلم بن علي من السعودية.

رغم أن قوات أمن بن علي استخدمت التعذيب بشكل موسع، فقد أخفقت السلطات الجديدة على مدار السنوات الثلاث الماضية منذ خلع بن علي في التحقيق في أغلب قضايا التعذيب. في المحاكمة الوحيدة المرتبطة بالتعذيب، أدانت محكمة وزير الداخلية الأسبق عبد الله قلال وثلاثة من كبار مسؤولي الأمن بـ "استخدام العنف ضد آخرين سواء بشكل مباشر أو من خلال آخرين"، وحكمت عليهم بالسجن عامين. والقضية بشأن واقعة تخص 17 من كبار المسؤولين العسكريين الذين احتجزوا عام 1991 واتهموا بالتآمر مع جماعة النهضة الإسلامية ضد بن علي.

الأطراف الدولية الرئيسية

يوفر الاتحاد الأوروبي مساعدات تمويلية لدعم قطاعي القضاء والأمن وإصلاحات مؤسسية أخرى. في أكتوبر/تشرين الأول 2012 وافق الاتحاد الأوروبي على 25 مليون يورو (32 مليون دولار) مساعدات لتعزيز استقلال القضاء، وتعهد بمبلغ 40 مليون يورو (51.2 مليون دولار) إضافي في يونيو/حزيران 2013.

في 13 سبتمبر/أيلول، إثر زيارة المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، دعا الحكومة إلى تبني برنامج شامل للعدالة الانتقالية، وتفعيل تشريع لإحالة الولاية القضائية للقضايا الخاصة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الضالع فيها قوات الأمن أو الجيش، من المحاكم العسكرية، إلى المحاكم المدنية.