على الرغم من القوانين الجديدة التي تم تبنيها في يناير/كانون الثاني 2012 وإعلان إنهاء حالة الطوارئ القائمة منذ 19 عاماً في عام 2011، وبرغم الإصلاحات الدستورية والانتخابية الموسعة، فلم تشهد حرية تكوين الجمعيات أو تكوين الأحزاب السياسية أو حرية التعبير عن الرأي تحسناً. اعتمدت السلطات على قوانين وأنظمة قمعية أخرى لخنق حركة المعارضة وأنشطة حقوق الإنسان، مثل قانون 1991 الخاص بالتجمعات الذي يتطلب موافقة مسبقة من السلطات على المظاهرات.
أدت الانتخابات التشريعية في مايو/أيار إلى منح التحالف الحاكم – وهو جبهة التحرر الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي – أغلب المقاعد. هناك عدة أحزاب، بينها تحالف لأحزاب إسلامية، اتهمت الحكومة بتزوير الانتخابات. واستمرت قوات الأمن والجماعات المسلحة في التمتع بالإفلات من العقاب على الأعمال الوحشية المرتكبة أثناء الحرب الأهلية في تسعينيات القرن العشرين. عرضت الدولة تعويضات لأهالي المختفين قسراً في التسعينيات، لكنها لم تقدم إجابات حول مصائر المختفين.
حرية التجمع
على مدار عام 2012 استمرت السلطات الجزائرية في التضييق الشديد على حرية التجمع، بالاعتماد على تقنيات استباقية بينها منع الوصول إلى مواقع الاحتجاجات المخطط لها والقبض على أفراد لمنع المظاهرات من البدء حتى، لا سيما عندما كان غرض المظاهرة مما يعتبر من القضايا الحساسة سياسياً بالنسبة للسلطات. على سبيل المثال قامت قوات الشرطة في 20 أبريل/نيسان بالقبض على عشرة نشطاء من جمعية "تجمع عمل شبيبة (راج)"، وهي حركة شبابية شُكلت في عام 1992 وتُعنى بحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي، وذلك من أمام مكتب البريد المركزي، فيما كانوا متجهين إلى اجتماع مع صحفي فرنسي، وتم الإفراج عنهم في اليوم نفسه.
وقامت الشرطة في 26 أبريل/نيسان بالقبض على عدة نشطاء كانوا يحاولون التظاهر أمام محكمة سيدي محمد في العاصمة تضامناً مع عبد القادر خربة، عضو اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين عن العمل، وتم القبض عليه في 18 أبريل/نيسان وخضع للمحاكمة بتهمة التحريض المباشر على تجمع غير مسلح.
من المجموعات الأكثر نشاطاً في محاولة تنظيم مظاهرات جماهيرية، اتحادات الشغل المستقلة، التي سعت لتحسين الأجور وظروف العمل. وكثيراً ما منعت السلطات أنشطتهم في العاصمة بواسطة التواجد المكثف للشرطة واستصدارها إنذارات لهم من المحاكم.
حرية تكوين الجمعيات
يضم قانون الجمعيات الجديد – الذي أقره البرلمان في 12 يناير/كانون الثاني 2012 – عدة مواد تعطي سلطات موسعة للحكومة في السيطرة على الجمعيات. يحافظ القانون الجديد على نظام الموافقة المسبقة من النظام على الجمعيات، ويعطي السلطات صلاحياتواسعة بلا قيود على رفض منح الصفة القانونية للجمعيات الجديدة دون التماس أمر من المحكمة بذلك. يمكن للسلطات على سبيل المثال رفض أية جمعية ترى أهدافها "تتعارض مع النظام العام والآداب العامة ونصوص القوانين والتنظيمات المعمول بها". فضلاً عن ذلك، يمكن للسلطات حلّ الجمعيات بناء على أسانيد فضفاضة ومبهمة مثل "التدخل في شؤون البلاد الداخلية" و"الإخلال بالسيادة" الوطنية، وتلقي تمويل من الخارج دون موافقة مسبقة، وممارسة أنشطة خارج نطاق نظمها الأساسية. يمكن أن يؤدي الانخراط بالعمل في جمعية غير معترف بها أو مجمدة أو محلولة إلى الحبس.
حرية الرأي والتعبير
حذف قانون الإعلام الجديد أحكام السجن على مخالفات التعبير عن الرأي التي يرتكبها الصحفيون، بما في ذلك التشهير أو ازدراء الرئيس أو مؤسسات الدولة أو المحاكم. غير أن القانون زاد من حجم الغرامات المفروضة على هذه المخالفات. كما أنه وسع من القيود المفروضة على الصحفيين عن طريق مطالبتهم باحترام أهداف فضفاضة الصياغة، كما نص على عقوبات تُفرض من قِبل هيئة لأخلاق المهنة في حال وقوع بعض المخالفات. يستمر قانون العقوبات في المعاقبة على مخالفات التعبير عن الرأي بواسطة العديد من المواد، ومنها مثلاً السجن بحد أقصى ثلاث سنوات على النشرات أو المنشورات أو الأوراق التي "من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية" والحبس بحد أقصى عام لمن يسب أو يهين رئيس الجمهورية أو البرلمان أو الجيش أو مؤسسات الدولة.
تم تبني أمر بتنفيذ الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية في فبراير/شباط 2006، وهو يوفر حصانة من الملاحقة القضائية لكل من أعوان الأمن وعناصر الجماعات المسلحة، مع وجود بعض الاستثناءات، على الأعمال الوحشية التي ارتكبها الطرفان أثناء مرحلة النزاع الأهلي في التسعينيات. كما يسعى الميثاق لتثبيط النقاش الدائر والتدقيق المستمر في الأعمال الوحشية التي شهدتها تلك الفترة، فهو ينص على عقوبة بالسجن بحد أقصى خمس سنوات لكل من تذرع بجراح المأساة الوطنية "بقصد المساس بالمؤسسات الجزائرية أو وصم شرف... أعوانها الذين أخلصوا خدمتها، أو تشويه صورة الجزائر على الصعيد الدولي". ليس معروفاً بحبس أحد على ذمة هذه المادة.
المضايقات القضائية
اتهمت السلطات في عام 2012 العديد من نشطاء حقوق الإنسان والقياديين بالنقابات بعدة جرائم بسبب ممارستهم سلمياً لحقهم في التجمع أو لإبداء دعمهم للإضرابات أو المظاهرات. قامت السلطات في 18 أبريل/نيسان بالقبض على عضو اللجنة الوطنية للدفاع عن حقوق العاطلين عن العمل عبد القادر خربة من أمام محكمة سيدي محمد بالجزائر العاصمة حيث ذهب إلى هناك للتضامن معموظفي المحكمة الذين أضربوا عن العمل لمدة 10 أيام وكانوا وقتها ينظمون اعتصاماً للمطالبة بتحسين ظروف عمل المشتغلين بالمحكمة. أدانت محكمة خربة باتهامات "التحريض المباشر على التجمهر غير المسلح" و"إعاقة حرية عمل مؤسسة" وأنزلت به حكماً بالسجن عاماً مع إيقاف التنفيذ. تم اعتقال خربة للمرة الثانية في 21 أغسطس/آب واتهم بـ "إهانة مسؤول". تمت تبرئته بعد ذلك.
كما تم اتهام ياسين زايد الناشط النقابي ورئيس مكتب فرع الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في الأغواط، ومعه ثلاثة قياديين نقابيين آخرين بتهمة "التحريض على تجمهر غير مسلح" الواردة في المادة 100 من قانون العقوبات. قبضت عليهم الشرطة في 26 أبريل/نيسان وهم في اعتصام أمام محكمة سيدي محمد احتجاجاً على محاكمة خربة.
المحاسبة على جرائم الماضي
قبضت الشرطة السويسرية على خالد نزار وزير الدفاع الجزائري من 1992 إلى 1994 في أكتوبر/تشرين الأول 2011، فقامت باستجوابه ثم أفرجت عنه بكفالة. بدأت المحكمة الاتحادية الجنائية السويسرية في تحقيقاته ضده على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، جراء دوره في قيادة أعمال القمع الدموي للمقاومة المسلحة والاضطرابات الأهلية في الجزائر إبان التسعينيات. وفي 31 يوليو/تموز 2012 رفضت المحكمة طعنه وطلبه بإسقاط قضيته. ما زال مطلق السراح بكفالة على ذمة إتمام التحقيقات والبدء في المحاكمة.
حقوق المرأة
تبنّى الجزائر قانوناً جديداً في 12 يناير/كانون الثاني 2012 يخصص حصة للمرأة بواقع 30 في المائة من قوائم مرشحي الأحزاب للانتخابات التشريعية الوطنية والولائية والبلدية. فازت سيدات بـ 31 في المائة من مقاعد البرلمان الذي جرت انتخاباته في 10 مايو/أيار. إلا أن قانون الأسرة في الجزائر يميز ضد النساء في الوصاية على الأبناء والطلاق والميراث.
الإرهاب ومكافحة الإرهاب
تراجعت وتيرة الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة بشكل ملحوظ مقارنة مع التسعينيات، ولكن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي استمر في شن هجمات قاتلة تستهدف في معظمها أهدافا عسكرية وأخرى للشرطة.
بعد أن رفع بوتفليقة حالة الطوارئ، أحالت السلطات الأفراد المشتبهين بأنشطة إرهابية الذين كانوا رهن "الإقامة المحمية" لعدة سنوات دون مراجعة قضائية، إلى أماكن احتجاز رسمية. إلا أن التأخير المطول يشوب محاكماتهم مع رفض القضاة استدعاء شهود أساسيين وإرجائهم للجلسات بشكل متكرر. في عام 2012 تم عدة مرات إرجاء محاكمات حسان حطاب وعماري صايفي وكامل جرمان، وهم مشتبهون بأعمال إرهابية وتعرضوا للاحتجاز عدة سنوات في الحبس السري ومثلوا للمحاكمة بعد رفع حالة الطوارئ.
عززت الجزائر دورها كفاعل إقليمي مهم بمجال مكافحة الإرهاب، فاستضافت على سبيل المثال الاجتماع الافتتاحي لمنتدى مكافحة الإرهاب العالمي، وهي جماعة مظلية شكلتها الولايات المتحدة لتوسيع مناقشات مكافحة الإرهاب بما يتجاوز الغرب والدول الصناعية.
الأطراف الدولية الرئيسية
أصدر فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي الجديد بياناً في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2012 أقر فيه بمسؤولية الجمهورية الفرنسية عن مقتل الكثير من المتظاهرين الجزائريين في باريس بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961.
وافق الاتحاد الأوروبي – وتربطه بالفعل "اتفاقية شراكة" مع الجزائر – على إمداد الجزائر بمبلغ 172 مليون يورو (نحو 234 مليون دولار) مساعدات بين 2011 و2013. تعتبر الدول الغربية الجزائر شريكاً أساسياً في مكافحة الإرهاب. ومع استيلاء جماعات إسلامية متطرفة على شمال مالي في أبريل/نيسان، زادت الولايات المتحدة والدول الأوروبية من تعاونها مع الجزائر بمجال مكافحة الإرهاب.
استمر حرمان مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب، وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري وغير الطوعي، وفريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، والمقرر الخاص المعني بالإعدام بإجراءات موجزة وتعسفاً وخارج نطاق القضاء، استمر حرمانهم من دخول الجزائر.
في 18 و19 سبتمبر/أيلول قامت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي بزيارة الجزائر. أشادت بتزايد حرية التعبير في الإعلام لكن أعربت عن القلق إزاء استمرار قمع حرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات. وأثناء الزيارة، قالت الحكومة إنها ستقبل طلب فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري وغير الطوعي بإجراء بعثة، والمقدم للسلطات الجزائرية منذ فترة طويلة.