كان لبنان في أغلب فترات عام 2011 في حالة شلل سياسي. لم يكن في لبنان حكومة في الشهور الستة الأولى من العام، وبينما عادت الحياة السياسية في يوليو/تموز بعد تشكيل حكومة جديدة، لم يتم إحراز أي تقدم على مسار مشاريع القوانين الخاصة بمنع التعذيب وتحسين معاملة عاملات المنازل الوافدات، وحماية النساء من العنف الأسري.
بعد العديد من أعمال شغب بالسجون للمطالبة بظروف احتجاز أفضل، وافق البرلمان في سبتمبر/أيلول على بناء سجون إضافية لتخفيف الازدحام في السجون، لكنه لم يتعرض للأسباب وراء الاحتجاز المطول على ذمة المحاكمة. النشطاء والفنانون المستقلون واجهوا زيادة في المضايقات جراء انتقاد الجيش وبعض كبار المسؤولين.
التعذيب والمعاملة السيئة وأوضاع السجون
رغم تعهدات متكررة من الحكومة اللبنانية بمنع التعذيب، فما زالت المحاسبة على أعمال التعذيب عصية على التحقق. هناك عدد من المحتجزين – لا سيما المشتبهين بالتجسس لإسرائيل والمشتبهين بالانتماء إلى حركات الجهاد المسلحة – قالوا لـ هيومن رايتس ووتش أن المحققين عذبوهم في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك في وزارة الدفاع وفي فرع المعلومات التابع لقوة الأمن الداخلي. لم ينشئ لبنان بعد آلية وقائية على المستوى الوطني لزيارة ومراقبة أماكن الاحتجاز، كما يتطلب البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب، وقد صدق لبنان على البروتوكول في عام 2008.
ما زالت أوضاع السجون سيئة، في ظل الازدحام وعدم توفر الرعاية الطبية، وهي مشكلة مزمنة. في أبريل/نيسان ذكرت وزارة الداخلية إن سجن لبنان الرئيسي في رومية – ويستضيف 1500 سجين – يحتجز نحو 3700 سجين. من بينهم 2757 سجيناً ينتظرون المحاكمة. قام السجناء بالاحتجاج عبر أعمال الشغب عدة مرات احتجاجاً على أوضاعهم رهن الاحتجاز. في 6 أبريل/نيسان قتلت قوات الأمن سجينين أثناء مداهمة لإنهاء أعمال شغب استمرت أربعة أيام. في سبتمبر/أيلول وافق البرلمان على بناء سجون إضافية لتخفيف حدة ازدحام السجون، لكن أخفق في معالجة الأسباب وراء الاحتجاز لفترات طويلة على ذمة المحاكمة.
طبقاً لقوات الأمن الداخلي، فإن 13 في المائة تقريباً من المحتجزين في لبنان أجانب انتهت محكومياتهم. تضم هذه المجموعة ملتمسي لجوء ولاجئين لا يمكنهم العودة بأمان إلى بلدانهم.
استمر تجميد لبنان الفعلي على تنفيذ أحكام الإعدام، لكن المحاكم العسكرية أصدرت ثلاث أحكام إعدام على الأقل في عام 2011 ضد رجال يُشتبه في تجسسهم لصالح إسرائيل.
حرية التعبير
شهد عام 2011 زيادة في مضايقة النشطاء والمدونين والفنانين الذين انتقدوا الجيش وبعض كبار المسؤولين. في مارس/آذار فتح المدعي العام تحقيقاً جنائياً ضد المركز اللبناني لحقوق الإنسان بعد أن تقدم حزب أمل السياسي البارز بشكوى ضد المركز لزعمه أن بعض المحتجزين ذكروا تعرضهم للتعذيب على يد أعضاء ينتمون بالعضوية إلى الحزب. في يوليو/تموز استدعت المخابرات العسكرية سعد الدين شاتيلا من منظمة الكرامة الدولية لحقوق الإنسان جراء توثيقه لأعمال التعذيب على يد قوات الأمن، وتم احتجازه عدة ساعات. حتى كتابة هذه السطور كان قاضي التحقيق العسكري يحقق مع شاتيلا بتهمة "نشر معلومات تضر بسمعة الجيش اللبناني". وفي يوليو/تموز أيضاً احتجز القضاء اللبناني الفنان الموسيقي زيد حمدان لعدة ساعات بناء على اتهامه بقدح وذم الرئيس اللبناني في أغنية تدعو الرئيس للرحيل.
اللاجئون
منذ أبريل/نيسان شهد لبنان تدفق للاجئين سوريين هربوا من الأزمة في سوريا. بينما عاد الكثيرون منهم بعد ذلك إلى بلدهم، ففي أواسط أكتوبر/تشرين الأول كان هناك 3149 لاجئاً سورياً مسجلاً طرف مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، ولدى لجنة الإغاثة العليا اللبنانية. أغلب السوريين يقيمون لدى عائلات لبنانية، في ظروف صعبة في أغلب الأحيان. وفرت السلطات اللبنانية بعض مواد الإغاثة. هناك نحو 200 لاجئ يقيمون في مدرستين شمال لبنان. في مايو/أيار احتجزت قوات الأمن 15 لاجئاً سورياً على الأقل بتهمة العبور غير القانوني إلى لبنان، لكن تم الإفراج عنهم فيما بعد.
يقيم نحو 300 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان في أوضاع اجتماعية واقتصادية شاقة. لم يشهد عام 2011 أي تحسن في قدرتهم على دخول سوق العمل، رغم تعديل قانون العمل في عام 2010 بتعديلات كان المفترض أن تخفف من هذه الأزمة. السبب الرئيسي هو إخفاق الحكومة في تنفيذ التعديل القانوني. القوانين والقرارات اللبنانية ما زالت تمنع الفلسطينيين من العمل في 25 مهنة على الأقل تتطلب العضوية في نقابات مهنية، بما في ذلك المحاماة والطب والهندسة. ما زال اللاجئون الفلسطينيون عرضة لقانون تمييزي ظهر عام 2001 يمنعهم من تسجيل الملكية. في سبتمبر/أيلول بعد تأخيرات متكررة، أتمت السلطات إعادة بناء أول دفعة من البيوت في مخيم نهر البارد للاجئين، وكان قد تم تدميره في معركة في عام 2007 بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام المسلحة. المنازل الجديدة قادرة على استضافة 317 عائلة، وما زال 8000 فلسطيني من المخيم على الأقل في عداد النازحين.
حتى 30 سبتمبر/أيلول كان هناك 11295 لاجئاً وملتمس لجوء غير فلسطينيين مسجلين طرف وكالة الأمم المتحدة للاجئين، وأكثر من 80 في المائة منهم من العراق. بما أن لبنان لم يصدق على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، فهو لا يعترف قانوناً باعتراف وكالة الأمم المتحدة للاجئين بمن يحصلون من الوكالة على وضع اللاجئ، ويعامل لبنان بشكل عام أغلب اللاجئين بصفتهم مهاجرين غير شرعيين عرضة للاعتقال في أي وقت. تم إدخال 17 لاجئاً وملتمس لجوء على الأقل إلى الحبس بتهمة الدخول غير القانوني إلى البلاد لا غير.
حقوق العمالة الوافدة
إثر زيارة من مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بأشكال الاسترقاق المعاصرة إلى لبنان في أكتوبر/تشرين الأول، دعى الحكومة اللبنانية إلى تفعيل قوانين لحماية ما يُقدر بـ 200 ألف عاملة منازل وافدة على لبنان، عرضة للاستغلال والإساءات على يد أصحاب العمل، بما في ذلك العمل لساعات طويلة، وعدم الحصول على الأجور، وتحديد الإقامة في مكان العمل، وفي بعض الحالات التعرض للعاملات بالأذى البدني والجنسي.
اقترح وزير العمل مشروع قانون لتنظيم عمل العمالة المنزلية الوافدة في فبراير/شباط لكن لم يتم اتخاذ خطوات على هذا المسار منذ ذلك التاريخ. تواجه عاملات المنازل الراغبات في مقاضاة أصحاب العمل جراء الانتهاكات لمعوقات قانونية ويخاطرن بالتعرض للحبس والترحيل بسبب نظام التاشيرات التقييدي.
في أغسطس/آب فعّل البرلمان اللبناني قانوناً لمكافحة الإتجار بالبشر يعزز من تدابير الحماية القانونية الممنوحة لضحايا الإتجار بالبشر. تم تفعيل هذا الإجراء بعد أن خفضت الحكومة الأمريكية ترتيب لبنان إلى "الفئة 3"، في تقرير الإتجار بالبشر لعام 2011 الصادر عن الولايات المتحدة، وتعد الفئة 3 هي الأسوأ فيما يخص الإتجار بالبشر.
يواجه العمال المهاجرون – أغلبهم من سوريا ومصر – ممن يعملون في وظائف يدوية وأعمال البناء مخاطر عمل جمّة ويستهدفون كثيراً بالسرقة والهجمات المسلحة. لم تبذل سلطات الدولة جهداً واضحاً من أجل حماية هؤلاء العمال وتقديم الجناة للعدالة.
حقوق النساء والفتيات
قام البرلمان في أغسطس/آب بإلغاء حُكم قانوني في قانون العقوبات يخفف من عقوبة مرتكب ما يُدعى بـ "جرائم الشرف". لكن البرلمان لم ينظر بعد في أمر مشروع قانون أحيل إليه من الحكومة في أبريل/نيسان 2010 من شأنه حماية النساء من العنف الأسري. مشروع القانون يطالب أي شخص يشهد على أعمال عنف أسري بالإبلاغ عنه، ويُلزم الجناة بتوفير ترتيبات معيشية بديلة للضحية، ومعاش، ونفقات طبية. تعارض دار الفتوى – أعلى سلطة دينية سنية في لبنان – والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مشروع القانون، ويُخشى أن تؤدي معارضة الهيئتين المذكورتين إلى شل حركة البرلمان فيما يخص تمرير القانون.
تستمر أحكام القانون التي تضر كثيراً بالنساء وتؤدي للتمييز ضدهن في قوانين الأحوال الشخصية، وهي تُحدد بحسب الانتماء الديني للفرد، في الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال والوصاية والمواريث، وكذلك القوانين الخاصة بالجنسية والقوانين الجزائية المتعلقة بالعنف داخل الأسرة. في سبتمبر/أيلول قدم وزير العمل تشريعاً لإعفاء الأزواج الأجانب المتزوجين من سيدات لبنانيات وأطفالهم من أي قيود على عمل الأجانب، لكن النساء اللبنانيات على عكس الرجال اللبنانيين، ما زلن غير قادرات على نقل الجنسية اللبنانية إلى الأزواج الأجانب والأطفال.
ميراث سنوات النزاع والحروب
في مارس/آذار تعهدت الحكومة أمام آلية المراجعة الدورية الشاملة لسجل لبنان الحقوقي، في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بإنشاء هيئة وطنية للتحقيق في مصير اللبنانيين والأفراد من جنسيات أخرى الذين "اختفوا" أثناء وبعد الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت من 1975 إلى 1990، وتعهدت الحكومة أيضاً بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأفراد من الاختفاء القسري. إلا أن الحكومة لم تتخذ خطوات إلى الآن للوفاء بهذه التعهدات.
تم إنشاء لجنة رسمية لبنانية سورية مشتركة في مايو/أيار 2005 للتحقيق في حالات اللبنانيين "المختفين" على يد قوات الأمن السورية، ولم تنشر نتائج تحقيقاتها حتى كتابة هذه السطور. في فبراير/شباط تم اختطاف ثلاثة أشقاء سوريين من عائلة جاسم من لبنان. احتجزت المخابرات العسكرية أحدهم قبل يومين من ذلك التاريخ بتهمة توزيع منشورات تدعو إلى الإصلاح في سوريا. توقفت التحقيقات القضائية اللبنانية رغم تسرب تقرير يظهر منه أن قوات الأمن الداخلي لديها معلومات تربط الاختطاف بمسؤول لبناني أمني يعمل في السفارة السورية. في مايو/أيار تم اختطاف شبلي العيسمي المعارض السوري البالغ من العمر 86 عاماً من بلدة عاليه الجبلية. وحتى كتابة هذه السطور لم تظهر معلومات عن مكانه.
محاكمة الحريري
في يونيو/حزيران أعلنت محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان عن اتهام أربعة من أعضاء حزب الله بقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005. لم يتم اعتقال الأربعة، وتسعى الدائرة التمهيدية بالمحكمة إلى المبادرة ببدء المحاكمة غيابياً. دعم الحكومة القائم للمحكمة محل شك مع انتقاد كتل برلمانية هامة – منها حزب الله والتيار الوطني الحر – للمحكمة.
الأطراف الدولية الرئيسية
يتنافس عدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين على التأثير في لبنان. إقليمياً تتمتع كل من سوريا وإيران والسعودية بنفوذ قوي على السياسة اللبنانية من خلال حلفاء لبنانيين لكل طرف من هذه الأطراف.
توفر فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مساعدات لمجموعة كبيرة من البرامج، منها التدريب العسكري وبرامج تدريبية عن الوقاية من التعذيب، وأنشطة المجتمع المدني. لكن لا تستخدم هذه البلدان كامل نفوذها في الدفع بتبني لبنان لإجراءات ملموسة لتحسين سجل حقوق الإنسان، مثل التحقيق في مزاعم التعذيب أو تبني قوانين تحترم حقوق اللاجئين والعمال الوافدين من الخارج.
للأمم المتحدة 12 ألف عنصر من عناصر حفظ السلام على حدود لبنان الجنوبية مع إسرائيل، وهي قوة حفظ سلام متواجدة في لبنان منذ 33 عاماً.