Skip to main content

السودان

أحداث في 2009

أربعة أعوام مضت على توقيع اتفاق السلام الشامل بين الحزب الحاكم السوداني ومتمردي الجنوب، الذي وضع حداً لواحد وعشرين عاماً من الحرب الأهلية بين المدنيين السودانيين في دارفور وولايات الشمال والجنوب، حيث يكابدون من انتهاكات حقوق الإنسان وحالة افتقاد الأمن حتى الآن. لم تكن حكومة الوحدة الوطنية مستعدة لتنفيذ إصلاحات ديمقراطية وطنية على النحو المرجو في اتفاق السلام الشامل. وساهم إخفاق كل من حزب المؤتمر الحاكم السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان (الطرف الحاكم في جنوب السودان) بمجال تنفيذ أحكام أخرى لاتفاق السلام الشامل، في انعدام الأمن، وأدى إلى عنف سافر في بعض الحالات.

لا تزال المساءلة حول انتهاكات حقوق الإنسان لا وجود لها عمليا. ففي 4 مارس/ آذار، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ضد الرئيس عمر البشير ـ المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة أمراً كهذا بحق رئيس في سدة الحُكم ـ بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.

دارفور

يتواصل الصراع في دارفور ليشمل ميليشيات تدعمها الحكومة ومتمردين، وحركة متمردين سابقين، والتي تسببت في مقتل مدنيين، وخلفت جرحى، كما تسببت في نزوح البعض. وأبقت الحكومة آليتها الحربية في مكانها، مع نشر القوات في شتى الأنحاء بدارفور، بما في ذلك القوات الاحتياطية، مثل حرس الحدود، التي استوعبت ميليشيات الجنجويد في الجيش. ورغم الوساطة الدولية والدعم الدبلوماسي؛ لم تتوصل الحكومة وفصائل المتمردين إلى حل سياسي للصراع.

وفي أوائل العام 2009، تسبب القتال بين القوات الحكومية وحركة العدل والمساواة والمتمردين في المهاجرية بجنوب السودان في نزوح أكثر من 40 ألفاً من المواطنين. استخدمت الحكومة القوة بشكل عشوائي، دون التمييز بين مدنيين وعسكريين، عبر القصف الجوي، بالاشتراك مع القوات البرية في كثير من الأحيان، لتهاجم السكان المدنيين الذين تربطهم صلة بحركات التمرد. وفي مايو/آيار، أثناء مصادمات حركة العدل والمساواة مع الحكومة في جنوب دارفور، أفاد شهود بوقوع القصف الجوي الثقيل على المناطق المدنية مع مقتل أعداد غفيرة وإصابة عدد كبير. بعد وقف إطلاق النار، خلال موسم الأمطار، تم استئناف القتال في سبتمبر/أيلول، حين اشتبكت القوات الحكومية مع حركات التمرد في شمال دارفور، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل أكثر من عشرة مدنيين وتدمير عدة قرى.

يعيش نحو 2.7 مليون نازح وآخرين متأثرين بالنزاع في قرى غير محمية لم يتحسن وضعها. وأدى طرد الحكومة لثلاثة عشر منظمة إنسانية دولية إثر مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير، إلى تقويض عملية مد المساعدات الإنسانية لدارفور بشكل خطير. وتم منع الإجراءات الرامية لسد العجز والمبادرات المرتجلة لتوزيع المساعدات، ما أدى لمنع كارثة محققة، ولكن ليس بشكل مستدام، كما لم يتم تغطية برامج حقوق الإنسان التي تم إغلاقها مع الطرد. بالإضافة لذلك، استمر نشاط العصابات الإجرامية الجنائي في إعاقة العمليات الإنسانية. ولقى أكثر من عشرة من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حتفهم من جراء الأعمال القتالية منذ نشر بعثة حفظ السلام في يناير/كانون الثاني 2008.

ولا تزال تعاني النساء والفتيات المشردات في البلدان والمخيمات والقرى في كل أنحاء دارفور من العنف الجنسي الذي يمارسه ضدهن القوات الحكومية وقوات التحالف والمتمردين والأطراف الجنائية. بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران عام 2009، رصد مراقبو حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة 21 حالة تضمنت 54 ضحية، 13 منهن تحت سن الـ 18 ومعظمهن وصفوا المهاجمين بأنهم يرتدون الثياب العسكرية. وفي تقرير هيومن رايتس ووتش حول العنف الجنسي ضد نساء وفتيات دارفور يشير إلى أن العدد المذكور يمثل نسبة ضئيلة من الحالات الفعلية.

وبالإضافة لأحداث دارفور، استمرت الحكومة في استهداف المشتبه بهم من متمردي دارفور ونشطاء حقوق الإنسان بالاعتقال والاحتجاز، خاصة بعد مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. ووثقت بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور 16 حالة للاعتقال والاحتجاز من قبل قوات الأمن الحكومية بحق الأشخاص الذين دعموا المحكمة الجنائية الدولية، أو الذين أدلوا بمعلومات للمعلقين الدوليين. وفي أبريل/نيسان ومايو/آيار 2009 ألقى مسئولو الأمن القبض على نحو 20 من مجموعة الطلاب التابعين لفصيل من جيش تحرير السودان (حركة متمردي دارفور)، التي أيدت بشكل صريح قرار اتهام المحكمة الجنائية الدولية عبر تنظيم فعاليات في مختلف الجامعات.

وحُكم على المزيد من المتمردين المشتبهين بالإعدام، ليصل مجموع المحكوم عليهم بالإعدام إلى 102. المحاكمات، التي تمت أمام محاكم خاصة تم تأسيسها وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب 2001 لمحاكمة المتهمين في هجوم "حركة العدل والمساواة" في مايو/آيار 2008 على أم درمان، لا تفي بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة: إذ لم يتح للمدعي عليهم مقابلة المحامين قبل المحاكمة، وتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لشهور، فضلاً عن ادعاءات وردت بأن الاعترافات انتزعت منهم تحت الإكراه. ولا يزال مصير نحو 200 شخص تعرضوا "للاختفاء" في أعقاب هجوم أم درمان في الحملة مجهولاً.

نشاط المجتمع المدني وحرية الإعلام

ساهم إغلاق ثلاث من المنظمات السودانية لحقوق الإنسان بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير، في خلق جو من الاضطهاد في دارفور وعبر ولايات الشمال، ما حدى بأكثر من عشرة محامين ونشطاء لمغادرة البلاد.

بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران 2009، منعت السلطات النشر للصحف ما لا يقل عن 10 مرات من خلال فرض رقابة مشددة، وممارسة مضايقات ضد الصحف أو إلقاء القبض على الصحفيين ومؤلف كتاب عن دارفور، وأغلقت منظمة كانت تدعم الصحفيين. في سبتمبر/أيلول أعلن البشير نهاية سياسة الرقابة على النشر، لكنه حذر الصحفيين بالتزام مؤسساتهم بـ "الخطوط الحمراء"، في إشارة ضمنية إلى ضرورة ألا ينشرون مقالات تحمل انتقاداً للحكومة.

انعدام الأمن في الجنوب السوداني

فشلت حكومة الوحدة الوطنية في توظيف اتفاقياتها بموجب اتفاق السلام الشامل بشأن ترسيم الحدود، ونشر القوات، ليُهدد المدنيين بمزيد من التعسف وانعدام الأمن، خاصة في المناطق المتنازع عليها بامتداد الحدود بين الشمال والجنوب.

خلال فبراير/شباط، أثناء الاشتباكات التي وقعت في "ملكال" بقيادة قوات حزب المؤتمر الوطني السوداني (القوات السودانية المسلحة) وبين جنود جيش التحرير الشعبي الجنوب سوداني (الجيش الشعبي)، فشلت الميليشيات السابقة (القوات المسلحة السودانية) في احتواء أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

ولم تتخذ رئاسة حكومة الوحدة إجراء كافٍ لإبعاد القوات المسلحة السودانية والميليشيات السابقة من المنطقة والحد من التهديد بمزيد من العنف.

كلا الجيشان فشلا في تقليص ودمج الميليشيات السابقة في مختلف المواقع على النحو المطلوب حسب الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام الشامل.

ولا تزال تشكل أبيي، المنطقة الغنية بالنفط التي تمتد على جانب الحدود بين الشمال والجنوب، منطقة صراع، والتي تعتبر واحدة من ثلاث مناطق انتقالية يحكمها بروتوكول منفصل لاتفاق السلام الشامل. في مايو/آيار 2008 أدت الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية الجنوبية والجيش الشعبي لتحرير السودان إلى تدمير شبل كامل للمدينة، ونزوح ما يقرب من 60 ألف من المدنيين. اتفقت الأطراف على إعادة السلام إلى المنطقة، وتقديم قضية حدود أبيي إلى التحكيم الدولي. وفي يوليو/تموز 2009، قدمت محكمة التحكيم الدولي الدائمة، ومقرها لاهاي، مناطق كثيرة (باستثناء ميرام وهجليج) لأهالي قبائل الدنكا نغوك. وقبل بالقرار علناً زعامات قبائل الدنكا نغوك والمسيرية (قبيلة أخرى تدعي أحقيتها في ملكية أراضٍ في أبيي)، لكن بعض قيادات قبائل المسيرية أدلوا بتصريحات رافضة لإعادة ترسيم الحدود. ولا يزال الأطراف في اتفاق السلام الشامل حتى الآن يسعون لتنفيذ أحكام بروتوكول أبيي وقرار التحكيم.

وفي أماكن أخرى من الجنوب السوداني، عادة ما يرتبط القتال الشديد بين الإثنيات بالصراع على الموارد، بطريقة تفاقمت نتيجة لانتشار الأسلحة على نطاق واسع، وهو ما يُعد التهديد الأساسي والمتصاعد بحق المدنيين. يحدث كثيراً التقاتل بين القبائل والمجتمعات المحلية، لكن النزاعات الأكثر حدة شهدتها ولاية جونقلي: ففي عام 2009 فقط، أسفرت الهجمات والهجمات المضادة بين الجماعات العرقية من عناصر مسلحة من قبائل المورلي والنوير إلى مقتل أكثر من 1200 من المدنيين بكثير.

وأدت الاشتباكات بين جماعات مسلحة أخرى إلى مقتل المئات. ولم تتمكن السلطات بجنوب السودان من معالجة الأسباب وراء هذه الصراعات أو حماية المدنيين من العنف الممارس بين الجماعات العرقية، في ظل عدم كفاية جهاز شرطة جنوب السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان من حيث العدد أو الموارد لصد الهجمات المسلحة، فضلاً عن عدم تدريبهم للتدخل بفعالية لحماية المدنيين.

وهاجم متمردو جيش مقاومة الرب الأوغندي بجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً) وجمهورية إفريقيا الوسطي، وداخل جنوب السودان، السكان المدنيين، ما تسبب في تدفق اللاجئين إلى ولايتي وسط وغرب الاستوائية. ويعيش 18 ألف لاجئ من جمهورية إفريقيا الوسطي وجمهورية الكونغو الديمقراطية في مخيمات بجنوب السودان، في حين تم تشريد 68 ألف من السودانيين بالجنوب من جراء العنف الذي مارسه جيش الرب.

تجنيد الأطفال

واصلت الجماعات المسلحة تجنيد الأطفال واستخدامهم في دارفور وشرق تشاد، كما استخدمتهم جماعات تعمل في أماكن أخرى في السودان، بما فيها الجنوب السوداني. اختطفت الجماعات المسلحة أكثر من 200 طفل في سياق القتال العرقي، فضلاً عن عشرات آخرين تم اختطافهم على أيدي متمردي جيش الرب في الهجمات على المدنيين في جنوب السودان.

الأطراف الدولية الرئيسية

تحول اهتمام الدبلوماسية الدولية بعيداً عن دارفور، وصار أكثر تركيزاً على تنفيذ اتفاق السلام الشامل والأمن في الجنوب السوداني. رغم انعقاد العديد من الاجتماعات عالية المستوى في الشأن السوداني، بين أعضاء فاعلين في الحكومات، فلم يتم اعتماد استراتيجية محكمة مشتركة. أوجزت استراتيجية الولايات المتحدة، التي صدرت في أكتوبر/تشرين الأول على نطاق واسع، الخطوط العريضة لنهج إنهاء الصراعات وانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، وتعزيز المساءلة، وفي الوقت نفسه تنفيذ اتفاق السلام الشامل، وتجنب الصراع. ورغم ذلك فالسياسة لم تفلح في صياغة مؤشرات واضحة لإحراز تقدم، وما زال لم يتضح إلى أي مدى تدفع الالتزامات بحقوق الإنسان وتحرك أولويات الولايات المتحدة أثناء تشكيل العلاقات بالسودان.

وطالبت الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي في يوليو/تموز بعدم التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في القبض على البشير وتسليمه لها؛ لأن مجلس الأمن لم يستجب لطلب من الاتحاد الإفريقي بإرجاء النظر في القضية المرفوعة ضد البشير. تلى ذلك دعوة الاتحاد الإفريقي لعدم التعاون ـ وهو ما يتنافي مع التزامات الدول الإفريقية الأعضاء تجاه المحكمة الجنائية الدولية ـ وقام البشير بتحركات لحضور اجتماعات في أوغندا ونيجيريا وتركيا. هذه التحركات أثارت استنكاراً واسعاً وفي نهاية المطاف لم يسافر إلى أي من الدول المذكورة.

وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول أصدر الاتحاد الإفريقي تقرير الفريق رفيع المستوى حول دارفور، مطالباً بتنفيذ توصيات لمعالجة قضية المساءلة، والإفلات من العقاب، والسلام والمصالحة. وحتى الآن، لم تقم الحكومة السودانية بالرد الرسمي.

واجهت البعثات الدولية لحفظ السلام في السودان عقبات. فلم تكمل بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في دارفور نشر قواتها، رغم مرور عامين على تواجدها، حيث تواجه القوات عرقلة في انتشارها والحركة من جانب الحكومة السودانية، وهو ما يقوض من فعاليتها، بما في ذلك قدرتها على حماية المدنيين ورصد الأوضاع الإنسانية في دارفور. كما واجهت بعثة الأمم المتحدة في السودان، المكلفة بمراقبة اتفاق السلام الشامل، قيوداً في القدرة على الدخول إلى البلاد، ما أضعف قدرتها على رصد كل من وقف إطلاق النار وحالة حقوق الإنسان، خاصة في ولايات الشمال. ولم تعتمد المهمة استراتيجية واضحة لتنفيذ ولايتها لحماية المدنيين في الجنوب.