استمرت جهود اندماج ليبيا بالمجتمع الدولي رغم استمرار انتهاك الحكومة الليبية لحقوق الإنسان. وبدافع من المصالح الاقتصادية وتعاون ليبيا بمجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة، وطدت الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة من علاقاتها بليبيا في عام 2009.
وعلى الصعيد الداخلي، ما زالت سيطرة الحكومة على المجتمع المدني وقمعها له هي الوضع السائد، رغم بعض التحرك الإيجابي نحو الإصلاح. وتستمر السلطات في حبس الأشخاص جراء انتقادهم للنظام السياسي للبلاد والزعيم معمر القذافي، وتفرض ليبيا قيوداً مشددة على حرية التجمع والتعبير، بما في ذلك أحكام في قانون العقوبات تُجرّم "إهانة مسؤولين عامين" أو "معارضة عقيدة الثورة". إلا أن عام 2009 شهد انفراجة نسبية في توجيه الانتقادات عبر الصحف، وعرض بإصلاح قانون العقوبات، وتحمل أوسع للاحتجاج العلني لأهالي ضحايا مذبحة السجن عام 1996 من الساعين للكشف عن الحقائق والانتصاف.
السجناء السياسيون
تستمر ليبيا في احتجاز الكثير من الأفراد المشاركين في النشاط السياسي السلمي. وهناك المئات ممن "اختفوا"، وبعضهم منذ عشرات السنين. وفي عام 2009 أطلقت السلطات الليبية سراح بعض السجناء السياسيين، منهم، في مارس/آذار، جمال الحاجي، وفرج حميد، آخر اثنين في مجموعة من 14 سجيناً تم اعتقالهم في عام 2007 بتهمة التخطيط لمظاهرة سلمية لإحياء ذكرى الحملة العنيفة على المتظاهرين في بنغازي (من الـ 14، عبد الرحمن القطيوي، الذي تم الإبلاغ في بادئ الأمر عن "اختفاءه"، وتم الإفراج عنه على ما يبدو عام 2008، لكن الإفراج عنه لم يُكشف عنه مع وقوعه). لكن يبقى الكثيرون رهن الاحتجاز، مثل عبد الناصر الرباصي، الذي يمضي عقوبة 15 عاماً في السجن، منذ عام 2003، جراء كتابته رواية عن الفساد وحقوق الإنسان.
فتحي الجهمي، أبرز سجين سياسي ليبي، مات في مستشفى أردني في 20 مايو/أيار 2009، عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد ست سنوات ونصف السنة من الاحتجاز في ليبيا. وفي مارس/آذار 2004 حبس الأمن الداخلي الجهمي بعد أن طالب بالتحول الديمقراطي وانتقد القذافي، ثم في يوليو/تموز 2007 وجراء معاناته من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والقلب، أحيل إلى المركز الطبي في طرابلس الذي تديره الدولة، حيث ظل رهن سيطرة الأمن الداخلي ولم يكن حراً في الخروج من المستشفى. ثم تم نقل الجهمي إلى الأردن قبل 15 يوماً من وفاته، وكان قد دخل في غيبوبة قبل يومين من وفاته.
الاحتجاز التعسفي
حسبما أوضح أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل (وزير العدل)، فإن نحو 500 سجين انتهت الأحكام بالسجن الصادرة بحقهم أو برأتهم المحاكم الليبية، ما زالوا رهن الاحتجاز بموجب أوامر من الأمن الداخلي. والأمن الداخلي، الخاضع للجنة الشعبية العامة للأمن العام، يسيطر على سجنين، هما عين زارة وبوسليم، حيث يتم احتجاز المحتجزين "الأمنيين". وقد رفض الجهاز تنفيذ أوامر القضاء القاضية بإطلاق سراح هؤلاء السجناء، رغم دعوات من وزير العدل بالإفراج عنهم.
مذبحة سجن بوسليم عام 1996
في ديسمبر/كانون الأول 2008 بدأت السلطات الليبية في إخطار أهالي السجناء الـ 1200 الذين قُتلوا في 29 يونيو/حزيران 1996 في سجن بوسليم بطرابلس بوفاة أقاربهم، بإصدار شهادات وفاة (دون تحديد أسباب الوفاة في عدة حالات). ثم في يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2008 صدرت قرارات من محكمة شمال بنغازي تأمر الحكومة بالكشف عن مصير الموتى. وعرضت السلطات الليبية تعويضات بمبلغ 200 ألف دينار (162 ألف دولار أميركي) للأسر التي توافق على التنازل عن المطالبات القانونية بالتعويض، لكن أغلب الأهالي في بنغازي رفضوا قبول التعويض بناء على هذه الشروط واستمروا بالمطالبة في الكشف عما حدث يوم القتل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال. ولم تعلن السلطات على الملأ عن أية رواية رسمية للأحداث أو هي حملت الجناة المسؤولية. وفي 6 سبتمبر/أيلول 2009 شكّل القائم بأعمال أمين لجنة الدفاع لجنة تحقيق من سبعة قضاة، برئاسة قاضي عسكري سابق، لإجراء التحقيق.
حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع
رغم اتساع الهامش لمزيد من المناقشات العامة في الصحافة، فإن حرية التعبير ما زالت تعاني من التضييق الشديد. المادة 178 من قانون العقوبات تفرض عقوبات تصل إلى السجن المؤبد لمن ينشر معلومات تُعتبر "مسيئة لسمعة [البلاد] أو تقوض من الثقة في ليبيا بالخارج". والتعليقات السلبية على القذافي كثيراً ما تُواجه بالعقاب، وتنتشر الرقابة الذاتية. وهناك صحيفتان خاصتان، أويا وقورينا، تنشران انتقادات ضيقة للسلطات الليبية، لكن الصحفيين يقولون إنهم يتعرضون للمضايقات جراء إبداء أي انتقاد. وقضايا التشهير، التي يُعاقب عليها بالعقوبات الجنائية في ليبيا، هي من القضايا المتكررة.
ولا توجد منظمات مجتمع مدني مستقلة في ليبيا، والقوانين الليبية تقيد من حرية تكوين الجمعيات. القانون 71 يحظر أي نشاط جماعي يعارض عقيدة ثورة 1969، وقانون العقوبات يفرض عقوبة الإعدام على من ينضم لمثل هذه الجماعات. والحكومة رفضت السماح بإنشاء منظمات مستقلة للمحامين والصحفيين. والمنظمة الوحيدة القادرة على انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان علناً هي جمعية حقوق الإنسان بمؤسسة القذافي، التي يرأسها سيف الإسلام القذافي، ابن القائد الليبي.
وفيما يعتبر من إجراءات التضييق، ففي 29 يونيو/حزيران 2009 أصدرت اللجنة الشعبية العامة قراراً يطالب كل من يرغب في عقد اجتماع أو ندوة عامة في السعي لاستصدار إذن مسبق قبل 30 يوماً من التاريخ المزمع للفعالية من لجنة شعبية مُشكلة حديثاً، مع مطالبة منظمي الاجتماع بتوفير قائمة بجميع المشاركين والقضايا المطروحة للنقاش.
كما أن المظاهرات تعتبر غير مشروعة في ليبيا، لكن أثناء عام 2009 وقعت عدة مظاهرات لأهالي ضحايا سجن بوسليم في بنغازي، وأكبرها، وشارك فيها أكثر من 100 متظاهر، كانت في 29 يونيو/حزيران. والحكومة، في الأغلب، سمحت للأهالي بالتظاهر، وفي بعض الأحيان غطت الصحافة الليبية أنشطتهم ومطالبهم، لكن بعض المنظمين تعرضوا للمضايقات والترهيب، وفي مارس/آذار تم اعتقال بعضهم من قبل قوات الأمن. كما شكل الأهالي لجنة لعرض مطالبهم.
العنف ضد النساء والفتيات
في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2009، قامت 10 نساء على الأقل، تتراوح أعمارهن بين 18 و27 عاماً من دار رعاية تديرها الدولة للنساء اللاتي كُن يتيمات في الطفولة، بتنظيم مظاهرة قلما تتكرر، يطالبن فيها بوضع حد للمضايقات الجنسية قائلات بأنهن تعرضن للتحرش في دار الرعاية. وإثر تغطية صحفي للمظاهرة لصالح موقع المنارة، تم استدعاءه على الفور للاستجواب من قبل الشرطة المحلية، وبعد أيام قليلة من قبل مكتب النائب العام. وأفاد موقع ليبيا اليوم الإخباري الليبي بأن المسؤولين هددوا بطرد من تظاهرن من الدار، وضغطن عليهن كي يتراجعن عن أقوالهن وكي يقاضين الصحفي بتهمة التشهير. لكن في 29 أكتوبر/تشرين الأول فتحت النيابة التحقيق في المزاعم وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول نسبت الاتهام إلى رئيس الدار بالتحرش الجنسي.
معاملة الأجانب
تستمر ليبيا في الإساءة إلى المهاجرين غير الليبيين وتسيئ معاملتهم، ممن يتم القبض عليهم أثناء محاولة مغادرة البلاد عن طريق القوارب. وفي مايو/أيار 2009 قابلت هيومن رايتس ووتش في مالطا وإيطاليا مهاجرين تم احتجازهم فيما سبق في ليبيا. وأفادوا جميعاً بأن السلطات الليبية أساءت معاملتهم وعرضتهم للاحتجاز لأجل غير مسمى، في أكثر الأحوال في ظروف لاإنسانية ومهينة. ووصف من تمت مقابلتهم كيف ضربهم الحرس الليبي بالعصي الخشبية والمعدنية، واحتجزوهم في أوضاع ازدحام وفي ظل غياب النظافة الصحية اللازمة. كما تحدثوا عن فساد الشرطة وقسوتها وإلقاء المهاجرين في الصحراء بالقرب من الحدود البرية لليبيا. وعندما زارت هيومن رايتس ووتش ليبيا في أبريل/نيسان 2009، رفض المسؤولون أن تزور المنظمة أي من مراكز احتجاز المهاجرين.
ولا يوجد في ليبيا قانون للجوء، ولم توقع على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ولا يوجد فيها اتفاق رسمي معمول به مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
مصير المحتجزين المُعادين إلى ليبيا
تستمر ليبيا في إطلاع الحكومات الغربية على المعلومات الاستخباراتية الخاصة بالإسلاميين المسلحين، وتستمر الولايات المتحدة وبريطانيا في اعتبار ليبيا شريك استراتيجي في مكافحة الإرهاب. وظل عدد ممن أعادتهم الولايات المتحدة أو سلمتهم لليبيا على مدار السنوات الخمس الماضية رهن الاحتجاز إثر محاكمات غير عادلة، وتستمر السلطات الليبية في احتجاز محمد الريمي وسفيان حمودة، المواطنين الليبيين الذين أعادتهم الولايات المتحدة عامي 2006 و2007 من الاحتجاز في غوانتانامو إلى ليبيا. وفي أبريل/نيسان 2009 تمكنت هيومن رايتس ووتش أيضاً من أن تتأكد من احتجاز خمسة محتجزين سريين سابقين طرف الاستخبارات المركزية في سجن بوسليم.
وفي مايو/أيار تم العثور على جثمان علي محمد الفاخري (معروف أيضاً باسم ابن الشيخ الليبي) في زنزانته بسجن بوسليم. وكانت محكمة أمن الدولة قد حكمت على ابن الشيخ الليبي بالسجن المؤبد إثر نقله إلى ليبيا عام 2006 بعد تسليم الولايات المتحدة إياه إلى الأردن والمغرب ومصر (حيث عُذب). وتحدثت إليه هيومن رايتس ووتش لفترة موجزة في السجن يوم 27 أبريل/نيسان، وإن رفض إجراء مقابلة معه. صحيفة أويا الليبية أفادت لأول مرة بوفاة الليبي في 10 مايو/أيار، قائلة بأنه انتحر.
الأطراف الدولية الرئيسية
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، تأكد أن عضوة مجلس الشيوخ الأميركية جين كريتز هي أول سفير للولايات المتحدة إلى ليبيا منذ عام 1972. وفي سبتمبر/أيلول 2009 زار القذافي الولايات المتحدة للمرة الأولى، وألقى كلمة استغرقت 96 دقيقة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي 20 أغسطس/آب أمر وزير العدل الإسكتلندي كيني ماكسكيل بإطلاق سراح عبد الباسط المقراحي، الرجل الوحيد المُدان في تفجيرات لوكربي عام 1988. سيف الإسلام القذافي عاد بالمقراحي إلى طرابلس حيث استقبلته الحشود في المطار وهي تلوح بالأعلام الأسكتلندية. وأدانت الولايات المتحدة وبريطانيا بشدة هذا الترحيب، واتهم الإعلام بريطانيا بإطلاق سراح المقراحي في محاولة لتحسين المعاملات التجارية. وفيما بعد أقرت بريطانيا بأن سياسة الحكومة البريطانية رجحت كفة إخلاء سبيل المقراحي لأسباب استراتيجية وتجارية.
كما تكثف التعاون الإيطالي الليبي بشأن المهاجرين، بناء على اتفاق الصداقة المصدق عليه في مارس/آذار 2009، الذي نص على منح تعويض عن الاستعمار الإيطالي، وإجراءات مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وأجرى القذافي زيارة رسمية لإيطاليا في يونيو/حزيران 2009 ثم عاد في يوليو/تموز إليها لحضور اجتماعات الثمانية الكبار. وفي مايو/أيار بدأت إيطاليا في اعتراض وإعادة مهاجري القوارب قسراً إلى ليبيا مباشرة، بالتعاون مع السلطات الليبية (انظر فصل الاتحاد الأوروبي من التقرير).
وفي فبراير/شباط انتخب الاتحاد الأفريقي القذافي رئيساً للاتحاد، وفي يونيو/حزيران 2009 عقد قمته في سرت بليبيا. وهناك دفع القذافي بتشكيل اتحاد الدول الأفريقية، واستمرار جهود تقويض المحكمة الجنائية الدولية، مما أدى إلى تبني قرار يدعو دول الاتحاد الأفريقي لعدم التعاون مع المحكمة في توقيف وتسليم رئيس السودان عمر البشير، الصادرة بحقه مذكرة توقيف من المحكمة بتهمة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.