ما زالت أوضاع حقوق الإنسان في العراق متدهورة للغاية، لا سيما فيما يخص النازحين والأقليات الدينية والعرقية، والجماعات المعرضة للضرر بشكل خاص كالنساء والفتيات والرجال المشتبهين بالسلوك المثلي. وشهد 30 يونيو/حزيران 2009 احتفالات وأصبح عطلة وطنية، وهو يوم انسحاب القوات الأميركية من البلدات والمدن العراقية. وفي الأسابيع التالية على ذلك اليوم، هز العنف البلاد مع إطلاق المتطرفين لهجمات متعددة استهدفت عدة مواقع.
واستمرت التوترات الحادة بين حكومة كردستان الإقليمية والحكومة المركزية والحكومات المحلية، حول الأراضي الواقعة بين المناطق العربية والكردية في شمال العراق. العنف المتصاعد هناك أدى لتدهور أوضاع حقوق الإنسان الخاصة بالأقليات غير الكردية أو العربية المقيمة في المناطق المتنازع عليها.
التطورات السياسية
في يناير/كانون الثاني 2009، عقدت 14 محافظة من محافظات العراق الـ 18 انتخابات محلية (عقدت المحافظات الثلاث التي تُشكل منطقة كردستان انتخاباتها في يوليو/تموز، ولم يتم عقد انتخابات في محافظة كركوك المتنازع عليها). أسفرت مشاركة عدد أكبر من الأحزاب السياسية، لا سيما الأحزاب العربية السنية، عن تغير واسع في ميزان السلطة في المناطق التي قاطع فيها العرب السنة انتخابات عام 2005، لا سيما في محافظة نينوي، وتعكس نتائج الانتخابات التقسيم الطائفي القائم.
وفي 24 يونيو/حزيران 2009 مرر المجلس الوطني الكردستاني (البرلمان الإقليمي) مشروع دستور إقليمي ترد فيه مطالب بالمناطق المتنازع عليها، فأثار غضب قيادات الحكومة المركزية. وتصر حكومة إقليم كردستان في مواجهة الحكومة المركزية والحكومات المحلية، على أن الاستفتاء الوارد في المادة 140 من دستور العراق لعام 2005 يجب أن يُعقد (الموعد النهائي في الدستور كان 31 ديسمبر/كانون الأول 2007)، مع إبداء الثقة في أن الاستفتاء سيصدق على ضم المناطق المتنازع عليها إلى منطقة كردستان المتمتعة بشكل من أشكال الحُكم الذاتي.
وفي يوليو/تموز 2009 داهمت قوات الأمن العراقية مخيم أشرف، وهي منطقة يسيطر عليها منذ أكثر من عشرين عاماً بضعة آلاف من أعضاء جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة. المداهمة، حاولت فيها الحكومة التأكيد على سلطتها بإنشاء مركز للشرطة داخل المخيم، مما أسفر عن مقتل 11 شخصاً من سكان المخيم، وبعضهم جراء أعيرة نارية، وإصابة العشرات. وقالت الحكومة إنها ستحقق في الحادث، لكن حتى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني لم توفر أية معلومات عن التقدم المُحرز في التحقيقات أو نتائجها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني وقع العراق اتفاقية الذخائر العنقودية، وهي معاهدة دولية تحظر استخدام أو إنتاج أو تداول القنابل العنقودية.
الاعتداءات على المدنيين والنزوح
ما زال المدنيون هدفاً للهجمات والاعتداءات في شتى أنحاء العراق. فخلال الأسابيع الستة التالية على انسحاب القوات الأميركية في 30 يونيو/حزيران من المدن إلى قواعدها، أسفرت التفجيرات وأوجه العنف الأخرى من مقتل أكثر من 700 عراقي، بالأساس من الشيعة. وفي 19 أغسطس/آب انفجرت شاحنة مفخخة أمام مقر وزارتي الخارجية والمالية في بغداد، مما أودى بحياة نحو 100 شخص وإصابة أكثر من 600 آخرين. وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، دمرت عربتان مفخختان يقودهما سائقان انتحاريان ثلاث بنايات حكومية هامة، منها وزارة العدل. ذلك الهجوم، الأعنف في العراق منذ أكثر من عامين، أسفر عن مقتل 155 شخصاً وإصابة أكثر من 500 آخرين.
وبدا أن المتمردين العرب السنة مسؤولين عن هذه الهجمات وهجمات أخرى، مثل تفجيرات يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2009 لمسجد الكاظمية في بغداد، وهو مكان عبادة شيعي شهير، مما أودى بحياة أكثر من مائة شخص. واستهدف الجناة أيضاً لاجئين شيعة ينتظرون المساعدات الغذائية وأطفال متجمعين لاستلام الحلوى، وزوار دينيين وحفلات عرس وجنازات ومساجد ومستشفيات في مناطق شيعية. وأدانت القيادات السنية بقوة هذه الهجمات، وامتنعت الميليشيات الشيعية عن الانخراط في هجمات انتقامية موسعة.
النزوح المتسبب فيه العنف الطائفي مستمر، لكن الضغوط الاقتصادية وصعوبات الحفاظ على الوضع القانوني في سوريا والأردن ومصر أدت إلى عودة بعض اللاجئين العراقيين إلى العراق. وظلت الحكومة بلا خطة عاملة لإعادة العراقيين النازحين داخلياً إلى ديارهم أو من فروا إلى دول مجاورة، طبقاً لمكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة. وفي بغداد قلما تمكن العائدون من العودة إلى منازلهم. وفي المناطق الريفية عاد الكثيرون ليجدوا منازلهم قد دُمرت أو في حالة لا ينفع معها إصلاح، وليس لديهم الدخل الكافي أو الخدمات الأساسية، ومنها المياه والكهرباء والرعاية الصحية. ومع عودة الهجمات في النصف الأخير من عام 2009، أفادت التقارير بأن بعض العائدين وجدوا أنفسهم نازحين قسراً من جديد. وعاد الأشخاص في الأغلب إلى الأحياء والمناطق الخاضعة لسيطرة أبناء طائفتهم الدينية، وقليلة هي العائلات التي عادت إلى مناطق سكناها السابقة حيث كانوا أقلية.
أوضاع الاحتجاز والتعذيب
استمرت تقارير التعذيب المتفشي وغيره من ضروب الإساءة للمحتجزين في مراكز الاحتجاز التي تديرها وزارتي الدفاع والداخلية، والشرطة. ومراكز الاحتجاز التي تديرها الحكومة جاهدت لاستضافة نحو 30 ألف محتجز، وفاقمت من مشكلة الأعداد الزائدة من المحتجزين مشكلة تأخر النظر في القضايا أمام القضاء. وبعض المحتجزين أمضوا سنوات رهن الاحتجاز دون نسب اتهامات إليهم أو محاكمتهم. وتدهور الوضع عام 2009 مع نقل الجيش الأميركي للمحتجزين طرفه إلى الطرف العراقي (أكثر من 1200 في الشهور التسعة الأولى) بموجب الاتفاق الأمني الأميركي العراقي لعام 2008. وتعداد السجناء العراقيين الباقين لدى الجيش الأميركي كان تحت 9 آلاف شخص في سبتمبر/أيلول 2009، بعد أن بلغ حده الأقصى: 26 ألفاً في أواخر عام 2007.
وفي يونيو/حزيران 2009 أعد رئيس الوزراء نوري المالكي لجنة خاصة قوامها ثمانية أعضاء، مُشكلة من ممثلين عن الوزارات الأمنية بالحكومة وكذلك هيئات حقوق الإنسان والقضاء، للتحقيق في مزاعم تفشي الإساءات والتعذيب في السجون العراقية. وحتى أواسط نوفمبر/تشرين الثاني لم تكن الحكومة قد عرضت أية معلومات عن تقدم التحقيقات أو نتائجها.
المحاسبة على جرائم الماضي
في أغسطس/آب حكمت المحكمة العراقية العليا على نائب رئيس الوزراء السابق طارق عزيز وعلي حسن المجيد (المعروف باسم "علي الكيماوي") بالسجن سبعة أعوام لكل منهما جراء دورهما في التخطيط للنزوح القسري للأكراد من شمال العراق أواخر الثمانينات. وتلى الحُكم حكمٌ منفصل بالسجن 15 عاماً بحق كل منهما في مارس/آذار بتهمة إعدام الحكومة فيما سبق لتجار متهمين بالتربح من العقوبات في عام 1992. وفي مارس/آذار 2009 أيضاً حكمت المحكمة العراقية العليا على المجيد بالإعدام لقتله مسلمين شيعة في عام 1999 (حُكم عليه من قبل بالإعدام جراء دوره في حملة الأنفال عام 1988 ضد الأكراد، وقمع التمرد الشيعي بعد حرب الخليج عام 1991).
وفي يوليو/تموز 2009 تم فتح تحقيق علني في الدور البريطاني في قتل المدني العراقي بهاء موسى أثناء احتجازه طرف القوات البريطانية في البصرة عام 2003. وقد أظهر فحص الطبيب الشرعي أن موسى لديه 93 إصابة على الأقل في جسده، ومنها كسر في الأنف وتهشم في الضلوع. وينظر التحقيق في أمر معاملة القوات البريطانية للمحتجزين العراقيين، بما في ذلك أساليب الاستجواب.
العنف ضد المرأة
يستمر العنف ضد النساء والفتيات في كونه مشكلة جسيمة، ومن الجناة أعضاء في الجماعات المتمردة والميليشيات والجنود والشرطة. وحتى في القضايا التي ذاع صيتها التي تورط فيها مسؤولين بالشرطة أو الأمن، فنادراً ما تتم مقاضاة المتهمين. وقد استهدفت جماعات المتمردين النساء ممن يشغلن مناصب سياسية والموظفات والصحفيات وناشطات حقوق المرأة. كما هاجموا نساء في الشوارع لما اعتبروه سلوك أو ملبس "غير أخلاقي" أو "غير إسلامي". جرائم "الشرف" على يد الأقارب ما زالت تهدد النساء والفتيات في المناطق الكردية، وكذلك شتى أنحاء العراق الأخرى.
وتجري عمليات ختان الفتيات بالأساس في المناطق الكردية من العراق، وتفيد التقارير بأن 60 في المائة تقريباً من النساء الكرديات تعرضن للختان، رغم أن حكومة كردستان الإقليمية تزعم أن هذه النسبة مُبالغ فيها. وتتلقى النساء والفتيات رسائل متعارضة وغير دقيقة من المسؤولين عن آثار وتبعات هذه العملية. وفي عام 2008 أصدر البرلمان الكردستاني مشروع قانون يُجرم ختان المرأة، لكن القرار الوزاري اللازم لتنفيذ القانون المتوقع صدوره في فبراير/شباط 2009، تم إلغاءه بشكل غير مُعلن.
العنف ضد الرجال المشتبهين بالمثلية الجنسية
في مطلع عام 2009 اندلعت حملة لقتل الرجال المشتبهين بأنهم مثليين أو ليسوا "رجالاً" على النحو الكافي. فقامت عصابات مسلحة باختطاف الرجال وإلقاء جثثهم المشوهة في القمامة أو أمام المشارح. وروى رجال قابلتهم هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان وقائع التهديد بالقتل والابتزاز والمداهمات الليلية لرجال مقنعين استهدفت المنازل، واختطاف الرجال من الشوارع. واشتدت الحملة بشكل خاص في بغداد، لكنها امتدت إلى مدن أخرى، منها كركوك والنجف والبصرة.
أغلب الضحايا وشهود العيان أشاروا إلى جيش المهدي مقتضى الصدر، وهو أكبر ميليشيا شيعية، على أنه القوة المحركة وراء حوادث القتل. وقد حذرت مساجد وقيادات صدرية علناً من تهديد المثلية لحياة العراقيين وحضارتهم. وبعض الميليشيات السنية أيضاً ربما كان لها دور في العنف، إذ يبدو أنها تنافست لإظهار غيرتها على الأخلاق. وبينما لا يوجد تعداد دقيق بالضحايا، فربما يتجاوز العدد المئات. ولم تبذل الشرطة وقوات الأمن العراقية إلا القليل على مسار التحقيق في حوادث القتل أو وقفها. ولم تعلن السلطات عن اعتقالات أو ملاحقات قضائية، ومن غير المرجح أن تقع.
العنف ضد الأقليات
استمرت الجماعات المسلحة في اضطهاد الأقليات العرقية والدينية في ظل الإفلات من العقاب. وبعد انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، شن المعتدون هجمات مروعة استهدفت الأقليات، ففي محافظة نينوي وحدها، قتلت التفجيرات في أربع بلدات ومدن أكثر من 137 شخصاً وأصابت نحو 500 آخرين، من اليزيديين والشبك والتركمان.
ومع تصاعد النزاع بين حكومة العراق المركزية التي يهيمن عليها العنصر العربي وحكومة إقليم كردستان على السيطرة على المناطق المتنازع عليها شمالي العراق من الحدود الإيرانية إلى السورية، وجدت الأقليات نفسها في موقف تزداد خطورته يوماً بعد يوم. فقيادات الأقليات اشتكت من قيام قوات الأمن الكردية بأعمال اعتقال واحتجاز وترهيب، وفي بعض الحالات العنف المباشر، ضد الأقليات التي ترفض السيطرة الكردية على المناطق المتنازع عليها.
الأطراف الدولية الرئيسية
يطالب اتفاق موقع بين العراق والولايات المتحدة في عام 2008 بالانسحاب الأميركي الكامل - بما في ذلك الوحدات العسكرية غير القتالية - من العراق بنهاية عام 2011. ومع الانسحاب إلى القواعد منذ نهاية يونيو/حزيران 2009، على القوات الأميركية الآن أن تلتمس الإذن من العراق قبل شن العمليات في المدن. وحتى أكتوبر/تشرين الأول كان للولايات المتحدة نحو 120 ألفاً من القوات في العراق (بعد أن كان 160 إلى 170 ألفاً في عام 2007). بريطانيا، الدولة الوحيدة الأخرى التي لديها عدد كبير من القوات العسكرية في العراق، عقدت احتفالية في أبريل/نيسان بمدينة البصرة لإعلان وقف البعثة العسكرية البريطانية رسمياً، بعد أن دامت ستة أعوام.
وفي أغسطس/آب صوت مجلس الأمن بالأمم المتحدة لصالح تمديد ولاية بعثة مساعدة الأمم المتحدة للعراق لمدة عام. وتراقب وحدة حقوق الإنسان بالبعثة انتهاكات حقوق الإنسان ضمن خطة تهدف إلى تطوير آليات عراقية للتصدي لانتهاكات الماضي والحاضر.