تحت الحصار

القصف العشوائي وانتھاكات حقوق الإنسان في ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الأزرق بالسودان

تحت الحصار

القصف العشوائي وانتهاكات حقوق الإنسان في ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الأزرق بالسودان

الملخص
التوصيات
إلى الحكومة السودانية
إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال
إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة
إلى الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية
إلى الدول الأساسية المعنية بالسودان وتشمل الولايات المتحدة والصين وقطر وجنوب أفريقيا والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء
إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الناشطة بمخيمات اللاجئين في ولايتي الوحدة وأعالي النيل بجنوب السودان
منهج التقرير
I. خلفية
II. جنوب كردفان
قصف القنابل والمدفعية العشوائي
هجمات وانتهاكات القوات الحكومية
هجمات على القرى
الاعتقال والاحتجاز تعسفاً
العنف الجنسي
أعمال التشريد الحالية
الحرمان من الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية والتعليم
بواعث القلق في مخيم ييدا للاجئين
III. النيل الأزرق
القصف الجوي والبري العشوائي لمناطق المدنيين
الهجمات على المدنيين
أعمال الاعتقال التعسفي والإعدام خارج نطاق القضاء
أحوال النساء والفتيات في مخيم اللاجئين
VI. ردّ الفعل الدولي
شكر وتنويه

الملخص

في الخامس من يونيو/حزيران 2011 اندلع النزاع في ولاية جنوب كردفان السودانية بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان وهي حركة التمرد الجنوبية، التي كانت قواتها في السودان بموجب اتفاق السلام لعام 2005 الذي وضع حداً للحرب الأهلية. أدت التوترات حول الترتيبات الأمنية في الولاية وربح أحمد هارون – المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم جسيمة في دارفور – للانتخابات بفارق بسيط، أدت إلى اندلاع النزاع. ثم انتقل النزاع إلى ولاية النيل الأزرق المجاورة في سبتمبر/أيلول 2011. بعد أيام حظرت السلطات السودانية الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال، التي خلفت الحركة الشعبية لتحرير السودان بعد استقلال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011، وقامت باعتقال العديد من أعضائها.

منذ بدء النزاع نفذت القوات السودانية العديد من غارات القصف الجوي والمدفعي لمناطق مأهولة بالسكان، مما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين وأدى لأضرار جسيمة لحقت بممتلكات وأعيان مدنية، منها منازل ومدارس وعيادات طبية ومحاصيل زراعية ومواشي. كما نفذت القوات الحكومية، وقوامها القوات المسلحة السودانية وقوات الدفاع الشعبي، هجمات برية على قرى قامت خلالها بإحراق ونهب ممتلكات مدنية عمداً، وباحتجاز الأفراد تعسفاً. كما قام الجنود بالاعتداء على سيدات وفتيات واغتصابهن.

يبدو من الأدلة التي تم توثيقها أن الحكومة السودانية تبنت استراتيجية معاملة جميع السكان في معاقل المعارضة بصفتهم أعداء وأهداف مشروعة، دون التمييز بين المدنيين والمقاتلين. يبدو أن هذا المنهج يكمن في القلب من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي يوثقها هذا التقرير. كما تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير بانتهاكات لقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال، منها القصف العشوائي والاحتجاز غير القانوني، لكن لم تتمكن من الوصول للمناطق المعنية أو الأفراد المذكورين لتأكيد هذه التقارير.

يستند هذا التقرير إلى خمس بعثات تقصي حقائق منفصلة أجريت إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق في السودان، وإلى ولايتي الوحدة وأعالي النيل في جنوب السودان، إبان عامي 2011 و2012. قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 200 شخص بين نازح ولاجئ وعاملين بثماني منظمات دولية وسودانية، ووثقت آثار النزاع المسلح المتعلقة بحقوق الإنسان، على السكان المدنيين، بما في ذلك القصف العشوائي الحكومي على المناطق المأهولة بالسكان ورفض السلطات السماح بدخول المساعدات والخدمات الإنسانية التي توجد حاجة ماسة إليها، في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وثّق الباحثون انتهاكات جسيمة للقوات السودانية، تشمل القتل العمدي لمدنيين، والتشريد القسري، وتدمير ممتلكات المدنيين، وكذلك اعتقالات تعسفية وأعمال احتجاز، وفي بعض الحالات اختفاءات قسرية لمدنيين. من الأمثلة، تم القبض على عيسى دفع الله صباحي، الحارس الشخصي لمسؤول حكومي ينتمي إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان وتعرض للضرب والتقييد وقيل عليه "كافر" من قبل القوات الحكومية السودانية، وتعرض للاحتجاز بمنشأة داخل مجمع عسكري مع مدنيين آخرين. قال لـ هيومن رايتس ووتش: "أخذوا الناس إلى النهر وأطلقوا عليهم النار. أخذوني إلى النهر مع ثلاثة آخرين في اليوم الثاني. قتلوا اثنين منّا". تمكن من الهرب من السجن.

هناك ما يُقدر عددهم بتسعمائة ألف شخص تعرضوا للتشريد وتأثروا بشدة جراء النزاع، وهناك أكثر من 210 ألفاً يعيشون الآن في مخيمات لاجئين في جنوب السودان وأثيوبيا. وهناك مساحات كبيرة من أراضي ولاية النيل الأزرق على الأخص هجرها سكانها تماماً. تشمل أساليب القوات السودانية التي تذكرنا بتلك المستخدمة في دارفور وأثناء الحرب الأهلية الطويلة، منع وصول المساعدات الإنسانية على الأرض، ولقد أدى هذا بالفعل إلى تدهور الأوضاع الصعبة القائمة.

كان رد الفعل الدولي على هذه الأزمة ضئيلاً، إذ غطت عليه جهود التصدي للعلاقات المتدهورة واستئناف النزاع بين السودان وجنوب السودان في أبريل/نيسان 2012. تكررت دعوات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لأطراف النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق للاتفاق على صيغ لتوصيل المساعدات، وهو ما تم الاتفاق عليه أخيراً في أغسطس/آب 2012. لكن بسبب المماطلات من الجانب السوداني، فلم يتم تنفيذ الاتفاقات. ما زال مئات الآلاف يعانون الحرمان، بما في ذلك حالة من المجاعة وتدهور الأحوال الصحية إلى حد بعيد.

ينبغي على كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والدول ذات المصالح والعلاقات مع السودان، ومنها الصين والولايات المتحدة وقطر ودول الاتحاد الأوروبي – ينبغي عليها أن تتصدى لتدهور أزمة حقوق الإنسان بأن تصر على أن ينهي السودان جميع الأساليب التي تؤدي لخرق قوانين الحرب، وأن تسمح السلطات لمنظمات الإغاثة الإنسانية بالوصول بلا إعاقة لجميع السكان المتأثرين، بما يتسق مع القانون الدولي.

ينبغي على هؤلاء الفاعلين الدوليين الأساسيين فرض مواعيد واضحة على الحكومة السودانية تحديداً، لا سيما فيما يخص توصيل المساعدات للمدنيين. عليها أن تفرض عقوبات على المتسببين في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وأن يسعوا لبدء تحقيق بتكليف من الأمم المتحدة في ادعاءات الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي التي وقعت منذ يونيو/حزيران 2011، أخذاً في الاعتبار السعي لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة.

كما يبدو أن غياب العدالة على الجرائم الجسيمة المرتكبة أثناء النزاع بين الشمال والجنوب وفي دارفور، قد جرأ من انخرطوا في النزاع بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق على ارتكاب المزيد من الانتهاكات. يجب على الفاعلين الدوليين الأساسيين مطالبة السودان بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن تحقيقاتها في جرائم دارفور، بما في ذلك من خلال ضمان مثول الرئيس عمر البشير وأحمد هارون وغيرهما من المشتبهين أمام المحكمة الجنائية الدولية التي نسبت إليهم اتهامات بارتكاب جرائم جسيمة في دارفور.

التوصيات

إلى الحكومة السودانية

  • يجب فوراً وقف الهجمات العشوائية؛ فعلى أطراف النزاعات أن يميزوا في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية.
  • يجب توجيه الأمر بإنهاء جميع الهجمات التي تشنها قوات حكومية على مدنيين، بما فيها القوات المسلحة السودانية وقوات الدفاع الشعبي، والتي تخرق قوانين الحرب، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات عن طريق فتح تحقيقات وبدء ملاحقات قضائية فعالة.
  • يجب فوراً الإفراج عن جميع المدنيين المحتجزين تعسفاً، ووقف المعاملة السيئة والمحتجزين بحق المحتجزين، وضمان أن المحتجزين بأساس قانوني يتمتعون بكامل حقهم في إجراءات التقاضي السليمة، ومحاسبة الضباط المتسببين في الانتهاكات لعدم الاحتجاز التعسفي أو المعاملة السية للمحتجزين، بواسطة تحقيقات وملاحقات قضائية فعالة.
  • يجب فوراً تيسير وصول منظمات الإغاثة الإنسانية بلا إعاقة للمدنيين في جميع أنحاء جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك بما يتسق مع الالتزامات المترتبة على السلطات بموجب القانون الدولي.
  • يجب توفير ممر آمن لجميع المدنيين الذين يحاولون مغادرة المناطق المشتعلة بها أعمال القتال والقصف.
  • يجب السماح للمراقبين الدوليين – ومنهم مسؤولي مراقبة حقوق الإنسان – بالوصول إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق.
  • يجب التصديق على نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية وضمان مثول الرئيس السوداني عمر البشير وأحمد هارون وغيرهما من المشتبهين أمام المحكمة لمواجهة الاتهامات المنسوبة إليهم بارتكاب جرائم جسيمة في دارفور.

إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال

  • يجب احترام حيادية مخيمات اللاجئين وبؤر استيطان النازحين داخلياً واحترام الطبيعة المدنية لهذه التجمعات، وذلك من خلال تفادي وضع قوات قرب أي مخيمات لاجئين أو نازحين داخلياً قدر المستطاع، في ولايتي الوحدة وأعالي النيل بجنوب السودان، أو تنفيذ أنشطة عسكرية بما في ذلك التجنيد، داخل المخيمات أو بالقرب منها.
  • يجب التحقيق مع ومحاسبة الجنود المسؤولين عن وقوع جرائم ضد المدنيين، بمن فيهم النازحون داخلياً واللاجؤون، والجرائم من قبيل العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.
  • يجب توجيه الأوامر للقوات في جنوب كردفان والنيل الأزرق لكي تتفادى قدر المستطاع التمركز أو وضع معدات وعتاد عسكري في مناطق مأهولة بالسكان.
  • يجب توفير ممر آمن لجميع المدنيين الذين يحاولون مغادرة المناطق التي تشهد قتالاً وأعمال قصف.

إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة

  • يجب المطالبة بالوقف الفوري للقصف العشوائي وأن تلتزم جميع الأطراف تمام الالتزام بمبدأ التمييز الذي تقتضيه قوانين الحرب.
  • يجب المطالبة بالوقف الفوري لجميع الهجمات على المدنيين؛ من قبل القوات الحكومية السودانية وتشمل القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي، وهي الهجمات التي تخرق قوانين الحرب، مع توضيح أنه ستتم محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
  • يجب الضغط بشكل عاجل على الطرفين لكي يسهلوا وصول منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية بلا إعاقة إلى المدنيين المحتاجين للمساعدات في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بناء على التزاماتهم القانونية، مع الإصرار على السماح بوصول الإغاثة في إطار مهلة زمنية محددة.
  • يجب الضغط على الطرفين من أجل السماح بدخول المراقبين الدوليين لحقوق الإنسان إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق.
  • يجب مطالبة أمين عام الأمم المتحدة بأن يصرح ببعثة تقصي حقائق مستقلة وأن يوفر تقارير علنية عن الخروقات الجسيمة لقوانين الحرب التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ بدء النزاع. وكلما أمكن، يجب أن يسعى التحقيق إلى التعرف على من يجب أن يخضعوا للمزيد من التحقيقات الجنائية و/أو الجزاءات محددة الهدف من واقع مسؤوليتهم الفردية أو مسؤولية القيادة.
  • يجب فرض جزاءات محددة الهدف على مسؤولي القوات السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال والجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال، الذين تظهر مسؤوليتهم عن جرائم جسيمة، ومنها الإخفاق في وقف القصف العشوائي وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان، وعن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق في خرق للقانون الدولي.
  • على ضوء الأدلة على وقوع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني بحق المدنيين على يد القوات المسلحة السودانية، يجب توسيع مجال حظر الأسلحة القائم في دارفور لكي ينطبق على هاتين الولايتين أيضاً.

إلى الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية

  • يجب المطالبة بالوقف الفوري للقصف العشوائي وأن تلتزم جميع الأطراف بمبدأ التمييز الذي تقتضيه قوانين الحرب.
  • يجب المطالبة بالوقف الفوري لجميع الهجمات الموجهة إلى مدنيين من قبل القوات الحكومية السودانية، وقوامها القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي، وهي الهجمات التي تخرق قوانين الحرب، مع توضيح ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
  • يجب الضغط على الطرفين بشكل عاجل من أجل تيسير وصول منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية دون إعاقة إلى المدنيين المحتاجين للمساعدات في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بناء على الالتزامات القانونية المترتبة على الطرفين، مع الإصرار على أن يُسمح بدخول المساعدات خلال مهلة زمنية محددة.
  • يجب الضغط على الطرفين من أجل السماح بدخول المراقبين الدوليين لحقوق الإنسان إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق.
  • يجب مطالبة أمين عام الأمم المتحدة بأن يصرح ببعثة تقصي حقائق مستقلة وأن يوفر تقارير علنية عن الخروقات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ بدء النزاع. وكلما أمكن، يجب أن يسعى التحقيق إلى التعرف على من يجب أن يخضعوا للمزيد من التحقيقات الجنائية و/أو الجزاءات محددة الهدف من واقع مسؤوليتهم الفردية أو مسؤولية القيادة.

إلى الدول الأساسية المعنية بالسودان وتشمل الولايات المتحدة والصين وقطر وجنوب أفريقيا والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء

  • يجب المطالبة بالوقف الفوري لأعمال القصف العشوائي وأن تلتزم جميع الأطراف بمبدأ التمييز الذي تقتضيه قوانين الحرب.
  • يجب المطالبة بالوقف الفوري لجميع الهجمات الموجهة إلى مدنيين من قبل القوات الحكومية السودانية، وقوامها القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي، وهي الهجمات التي تخرق قوانين الحرب، مع توضيح ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
  • يجب الضغط على الطرفين بشكل عاجل من أجل تيسير وصول منظمات الإغاثة الإنسانية الدولية دون إعاقة إلى المدنيين المحتاجين للمساعدات في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بناء على الالتزامات القانونية المترتبة على الطرفين، مع الإصرار على أن يُسمح بدخول المساعدات خلال مهلة زمنية محددة.
  • يجب الضغط على الطرفين من أجل السماح بدخول المراقبين الدوليين لحقوق الإنسان إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق.
  • يجب دعم مطلب إنشاء بعثة تقصي حقائق بتكليف من الأمم المتحدة، تحقق وتوفر التقارير العلنية عن الخروقات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع أطراف النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ بدء النزاع. وكلما أمكن، يجب أن يسعى التحقيق إلى التعرف على من يجب أن يخضعوا للمزيد من التحقيقات الجنائية و/أو الجزاءات محددة الهدف من واقع مسؤوليتهم الفردية أو مسؤولية القيادة.
  • يجب فرض جزاءات محددة الهدف على مسؤولي السلطات السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال والجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال الذين تتبين مسؤوليتهم عن وقوع جرائم، بما في ذلك الإخفاق في وقف القصف العشوائي وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق، في خرق للقانون الدولي.

إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الناشطة بمخيمات اللاجئين في ولايتي الوحدة وأعالي النيل بجنوب السودان

  • يجب زيادة سعة وقدرات فرق تسجيل اللاجئين في ولاية أعالي النيل لضمان التسجيل السريع للوافدين الجدد ولضمان إتاحة المدارس والعيادات الطبية والمأوى والغذاء لهم.
  • يجب توفير أنشطة للناشئة والصغار، بما في ذلك التعليم الثانوي وأنشطة أخرى منظمة لتقليص خطر تجنيد الناشئة.
  • يجب إعداد مبادرات مثل توسيع مجال المشروعات التجريبية الخاصة بأفران الوقود الكفء، من أجل تقليص احتمالات تعرض النساء والفتيات للعنف الجنسي أثناء خروجهن لجمع الحطب.
  • يجب تهيئة فرص للأسر التي تعولها سيدات من أنشطة لتوليد الدخل وغيرها من المساعدات حتى تتمكن الأرامل وغيرهن من السيدات المستضعفات من توفير الاحتياجات الأساسية لأبنائهن.

منهج التقرير

يستند التقرير إلى خمس بعثات تقصي حقائق منفصلة أجريت إلى السودان وجنوب السودان، ودامت كل منها نحو عشرة أيام، في أغسطس/آب 2011 وأبريل/نيسان 2012 وأكتوبر/تشرين الأول 2012. زارت هيومن رايتس ووتش قرى وتجمعات للنازحين في جنوب كردفان والنيل الأزرق بالسودان، وزارت أيضاً مخيمات لاجئين في ولايتي الوحدة وأعالي النيل في جنوب السودان. ومن خلال المقابلات وزيارات المواقع وفحص الأدلة المادية، وثقت هيومن رايتس ووتش مختلف انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة أثناء النزاع المسلح في الدولتين، وقيّمت أثر منع المساعدات الإنسانية الذي تمارسه السلطات السودانية على السكان المدنيين.

قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 120 لاجئاً ونازحاً في جنوب كردفان بالسودان والوحدة في جنوب السودان. كما قابل الباحثون أكثر من 75 لاجئاً ونازحاً في النيل الأزرق بالسودان وأعالي النيل في جنوب السودان. أجريت المقابلات بالأساس باللغة العربية، وأيضاً بلغات محلية من خلال مترجمين. كما أجريت المقابلات على انفراد وفي صيغ جماعية، في البلدات والقرى والمستوطنات النائية بالمناطق الريفية، وفي مخيمات اللاجئين في جنوب السودان.

قابلت هيومن رايتس ووتش أيضاً ممثلين عن هيئات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية دولية ومنظمات دينية، ونشطاء بالمجتمع المدني السوداني ومراقبين لحقوق الإنسان وقيادات لتجمعات سكانية محلية، ومسؤولين من الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال والجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال. أخبرنا جميع من قابلناهم بالغرض من المقابلات، وبطبيعتها الطوعية، وكيفية جمع واستخدام البيانات. تم حجب أسماء ومعلومات تكشف عن هوية بعض من أجريت معهم المقابلات من أجل حماية سلامتهم الشخصية.

بينما لم نقابل أي مسؤولين من الحكومة السودانية بسبب عدم قدرة هيومن رايتس ووتش على دخول المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، فإن التقرير يأخذ في الاعتبار رد السودان على بيان مشترك صدر في 30 أغسطس/آب 2011 من هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بشأن الوضع في جنوب كردفان، بالإضافة إلى رد الحكومة التفصيلي، الذي أصدرته بعثتها في الأمم المتحدة بجنيف بتاريخ 16 أغسطس/آب 2011 على تقرير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، الصادر في مطلع أغسطس/آب 2011.

I . خلفية

مع تحول جنوب السودان إلى دولة مستقلة في يوليو/تموز 2011 بموجب شروط اتفاق السلام الشامل، [1] راحت التوترات تتزايد في السودان بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والقوى الباقية من الحركة/الجيش الشعبية/الشعبي لتحرير السودان المتمردة التي كانت ما زالت في السودان، بشأن الترتيبات السياسية والأمنية في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

اندلع القتال في جنوب كردفان في 5 يونيو/حزيران 2011، ومن أسبابه انتخابات الولاية المتنازع على نتائجها، التي فاز فيها أحمد هارون المرشح المدفوع من الحكومة بمنصب الحاكم بفارق ضئيل. يخضع هارون – مثل رئيس السودان عمر البشير – لأمر توقيف صادر عن المحكمة الجنائية الدولية على جرائم ارتكبت في دارفور. انتقل القتال إلى النيل الأزرق في 1 سبتمبر/أيلول 2011.

أعلن الرئيس البشير حالة طوارئ وفصل مالك عقار، حاكم النيل الأزرق من الحركة الشعبية لتحرير السودان، واستبدله بقائد عسكري. في الأسابيع التالية، حظرت السلطات السودانية "الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال"، وصادرت مقارها واعتقلت الكثيرين من قيادات الحزب وأعضائه في شتى أنحاء السودان، وفرضت قيوداً جديدة على الإعلام وحظرت أحزاباً أخرى جراء صلاتها المزعومة بجنوب السودان. [2]

في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق – المتاخمتين لجنوب السودان التي استقلت مؤخراً – سكان تربطهم صلات منذ فترات طويلة بالجيش الشعبي لتحرير السودان الذي كان في صف المتمردين أثناء الحرب الأهلية السودانية طويلة الأمد. وعلى ضوء التنوع السياسي والعرقي في الولايتين، نص اتفاق السلام الشامل على أن تحدث مشاورات شعبية يقيم فيها السكان الترتيبات الحكومية في ولايتهم ويدخلون تعديلات لاستيعاب احتياجاتهم، مع استمرار الولايتين جزءاً من السودان الاتحادي. [3]

وبدلاً من ذلك، أدى النزاع الذي تجدد إلى تعطيل المشاورات. خلال فترة الـ 18 شهراً السابقة على نشر هذا التقرير، انخرط السودان في نزاع مع قوات "الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال" في الولايتين، وكذلك في قتال جماعات المتمردين في دارفور على مدار السنوات التسع الماضية. شملت تدابير السودان في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق – مثل تلك التدابير المتخذة في دارفور أثناء الحرب الأهلية في جنوب السودان – القصف الجوي باستخدام قنابل رخيصة غير موجهة، وهجمات برية على تجمعات سكانية يُفترض فيها أنها تدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان لمجرد أنها تعيش في مناطق يسيطر عليها المتمردون أو لأنهم من نفس الجماعات العرقية كقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان.

يظهر من هذه التدابير وجود استراتيجية متعمدة من قبل الحكومة السودانية، لأن تعامل جميع السكان في معاقل المتمردين بصفتهم أعداء وأهدافاً مشروعة، دون تمييز بين المدنيين والمقاتلين. هذه المعاملة هي بوضوح انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني وموثقة في هذا التقرير. الإخفاق في التمييز بين المدنيين والعسكريين أمر محظور تماماً في القانون الدولي الإنساني. كما أن القانون الدولي الإنساني يحظر معاملة بلدة أو قرية برمتها، أو أية منطقة أخرى، بصفتها هدف عسكري في حد ذاتها، مع وجود أهداف عسكرية منفصلة ومتمايزة تتعايش معها تجمعات من المدنيين أو الأعيان المدنية. [4] ترقى انتهاكات هذه المحاذير إلى مستوى جرائم الحرب.

كما نشرت الحكومة السودانية أعداداً كبيرة من قوات الدفاع الشعبي، وهي قوات مساعدة غير نظامية قوامها التجمعات السكنية المحلية، تم الحشد لها على خلفية التوترات المحلية القائمة، لكي تقاتل حروباً برية لصالح السلطات.

يعيش مئات الآلاف ممن هربوا من بيوتهم وخسروا طرق كسبهم للدخل وانفصلوا عن أفراد أسرهم، دون غذاء أو مياه أو مأوى أو نظافة صحية كافية. من المتوقع أن يشتد النزاع أثناء موسم الجفاف الذي يبدأ سنوياً في أكتوبر/تشرين الأول، ويسفر عن المزيد من الجوع والحرمان وتدفق اللاجئين إلى مخيمات اللاجئين المزدحمة في جنوب السودان، والتي تستضيف بالفعل 175 ألف لاجئ سوداني.

II . جنوب كردفان

تعتبر جنوب كردفان هي الولاية السودانية الوحيدة الغنية بالنفط، وتقع إلى شمال الحدود مع جنوب السودان. بدأ القتال هناك في 5 يونيو/حزيران 2011 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الجيش الشعبي لتحرير السودان المتمركزة في كادقلي؛ عاصمة الولاية، وفي بلدة أم دورين، وسرعان ما انتقل القتال إلى بلدات وقرى أخرى تتواجد فيها قوات الطرفين بموجب شروط اتفاق السلام الشامل.

أثناء الأيام الأولى للقتال بمدينة كادقلي، وثق مراقبو حقوق الإنسان بالأمم المتحدة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الحكومية، منها أعمال قتل واعتقال تعسفي وتدمير موسع ونهب للممتلكات المدنية. [5] منذ بدء القتال، دأبت القوت السودانية على حملة قصف عشوائي للمناطق المأهولة بالسكان في معاقل المتمردين. [6] مثل هذه الهجمات قد ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

منذ بداية ديسمبر/كانون الأول 2012، كانت القوات الحكومية السودانية تسيطر على كادقلي وبلدات ومناطق أساسية أخرى قرب الدلنج وتلودي ودلامي ورشاد والعباسية وأبو جبيهة. يسيطر "الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع شمال" على مناطق ريفية شاسعة حول كادقلي، لا سيما في برام  وأم دورين وهيبان، والمناطق الجبلية شمال غربيّ كادقلي. في فبراير/شباط 2012 سيطرت قوات "الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال" على مواقع حكومية على الطريق إلى جنوب السودان، فأمّنت طريقاً إلى الجنوب، إلى مخيم ييدا للاجئين في جنوب السودان.

قصف القنابل والمدفعية العشوائي

خلال فترة الـ 18 شهراً بين يونيو/حزيران 2011 وديسمبر/كانون الأول 2012 نفذت القوات المسلحة السودانية مئات عمليات القصف بالقنابل والمدفعية والصواريخ على مناطق مأهولة بالمدنيين في شتى أنحاء منطقة جبل النوبة التي يسيطر عليها المتمردون. تراوحت الهجمات في الكثافة والتباعد فيما بينها، من عدة مرات في الشهر، إلى عدة مرات في اليوم. أفاد مراقبون سودانيون بسقوط 106 قنبلة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2012، و125 قنبلة في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني. [7]

أدى القصف بالقنابل إلى قتل وتشويه وإصابة مدنيين في بيوتهم، وأثناء العمل بالمزارع وإحضار الماء أو ارتياد أسواق القرى، وأدى إلى تدمير البيوت والمحاصيل وسبل كسب الدخل والعيادات والمدارس وأجبر الناس على ترك بيوتهم وسبل كسبهم للدخل. أرهب القصف المستمر السكان، وحفرت أغلب العائلات حفراً بدائية قرب بيوتهم أو انتقلوا إلى مناطق محمية، وأصبح الأطفال الصغار الآن يعرفون اسم الطائرات "الأنتونوف"، الاسم الشائع لطائرات النقل التي تُسقط بها الحكومة السودانية القنابل. حققت هيومن رايتس ووتش في وقائع قصف بأربعة مناطق: كادقلي وأم دورين هيبان ودلامي، من خلال الرصد المباشر للقصف ومن خلال مقابلة شهود العيان، وفحص بقايا القنابل والحفر المتخلفة من الانفجارات والأدلة المادية الأخرى. [8] في العادة يكون القصف بذخائر غير موجهة يتم إسقاطها من طائرات الأنتونوف النقل أو من طائرات أخرى تحلق على ارتفاعات عالية. لا تسمح هذه الأساليب بالتوجيه الدقيق للذخائر. يؤدي استخدام هذه الأسلحة في مناطق للمدنيين بشكل لا يسمح بتوجيهها بدقة نحو أهداف عسكرية، إلى جعلها هجمات عشوائية بطبيعتها، في خرق للقانون الدولي الإنساني. [9]

بالإضافة إلى الأدلة على أن قصف القوات السودانية بالقنابل والمدفعية عشوائي الطابع، توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أدلة على أن السودان يستخدم قنابل عنقودية رغم الحظر الدولي مؤخراً على استخدام هذا النوع من الذخائر. [10]

الأغلبية العظمى من ضحايا القنابل الذين وثقت حالاتهم هيومن رايتس ووتش هم من المدنيين. أغلبهم من النساء والأطفال والمسنين. من بين 122 شخصاً عولجوا من القصف إصابات القصف الجوي في مستشفى قرب كاودا خلال الشهور الـ 18 الماضية، كان 110 أشخاص من المدنيين، طبقاً لعاملين طبيين تحدثت إليهم هيومن رايتس ووتش.

قال الشهود والضحايا في جميع الوقائع التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، إنه لم تكن هنالك أهداف عسكرية – مثل تواجد المتمردين – في المنطقة المستهدفة وقت قصفها. بينما لا يمكن لـ هيومن رايتس ووتش أن تؤكد بشكل قاطع غياب مقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان عن مناطق القصف وقت وقوعه، فإن الأدلة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش عن هذه الوقائع تُظهر عدم بذل أي جهد للتعرف على الأعيان المدنية أو تفادي استهدافها، وأن الأسلحة التي استخدمتها القوات الجوية السودانية لا يمكن تصويبها بدقة بشكل يميز بين المدنيين والأهداف العسكرية المحتملة.

بالإضافة إلى المراعاة الدقيقة لمبدأ التمييز (أي أن يراعي أطراف النزاع في كل الأوقات التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية) [11] فإن على الأطراف التزام بتوخي الحذر الدائم من أجل تجنيب السكان المدنيين والأعيان المدنية آثار القتال. ومن هذا المنطلق، يتعين على مقاتلي "الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال" ألا يعملوا أو يشنوا هجمات من مناطق سكنية، حيث أن تواجدهم يرجح حدوث تبعات ضارة بالمدنيين. [12]

من الأمثلة على الضحايا المدنيين المصابين جراء استخدام سياسة القصف العشوائي، هويدا حسن، وهي أم لسبعة أبناء، أصيبت إصابات بليغة جراء قنبلة ألقيت على سوق هيبان حوالي منتصف نهار 2 أكتوبر/تشرين الأول. أحدثت شظايا القنبلة جروحاً قطعية في بطنها. ومن بين المصابين أيضاً سيدتان مسنتان وشابة صغيرة. كما أصيبت فضيلة تية كوفي – سيدة في السبعينات من العمر – جراء شظايا قنبلة ألقيت حوالي الساعة 11 صباح 11 سبتمبر/أيلول 2012، فيما كانت تعمل في بستانها قرب بيتها في قرية ليما غربي محلية كادقلي. قالت لـ هيومن رايتس ووتش في بيتها في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2012: "سمعت صوت طائرة وانكفأت على الأرض. قطعت قطعة معدن كبيرة أصابع قدمي. لا أعرف لماذا جاءت القنبلة. فأنا أعمل، أنا مزارعة. أصبحت الآن أزحف". تم بتر جميع أصابع قدمها اليمنى ولم يعد بإمكانها السير. [13]

وفي مارس/آذار 2012 سقطت قنبلة قرب دانييل عمر البالغ من العمر 16 عاماً فيما كان يرعى الخراف. على الفور قطعت الشظايا إحدى ذراعيه وألحقت إصابات بليغة بذراعه الأخرى، فتم بترها بعد ذلك. قال لـ هيومن رايتس ووتش من سريره بالمستشفى في جنوب كردفان أواخر أبريل/نيسان 2012: "ما زلت أعاني من الألم بسبب الجراح".

هناك خمسة أفراد من أسرة واحدة – بينهم ثلاث شقيقات في سن المراهقة – لاقوا حتفهم عندما أصابت قذائف بيتهم وأشعلت فيه النار، على مشارف أم سردبة  في محلية أم دورين، ليلة 17 فبراير/شباط 2012. احترقت أربع فتيات كُن ينمن في حجرة واحدة حتى الموت. مات والدهن صمويل ديلامي بعد ذلك بقليل. قال شقيقه لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان 2012: "قبل أن يموت قال: أين بناتي؟ لم يجبه أحد لأننا كنا جميعاً نشعر بالارتباك. هذا هو الشيء الوحيد الذي تردد على لسانه. بكى الناس، وبعد ذلك أخذنا الجثامين ودفناها".

في 18 فبراير/شباط 2012 تم إسقاط قنابل على أنجولو، في محلة برام، فأصابت حليمة تية تركان، 35 عاماً، فيما كانت تختبئ مع ابنتها في كهف هرباً من طائرة تقترب. قالت لـ هيومن رايتس ووتش: "أصيب شقيقي بقنبلة من طائرة أنتونوف يوم الجمعة، وذهبنا لجنازته يوم السبت. رأينا أنتونوف فهربنا إلى الكهوف. سقطت قنبلة قرب مدخل الكهف حيث كنت مع ابنتي ودخلت الشظايا إليه. أصابتني شظية في جانبي، فخرجت أمعائي من بطني". [14]

في واحدة من أكثر الغارات دموية، قُتل 13 مدنياً بينما كانوا في طريقهم لجلب الماء والتسوق في سوق كورشي بأم دورين في 26 يونيو/حزيران 2011. أسفرت الانفجارات من عدة قنابل عن مقتل خمسة أطفال وثلاث سيدات. شوهت الشظايا وأصابت أكثر من 20 شخصاً آخرين، وأدت إلى إصابة فتاة في الثامنة من عمرها بالشلل من تحت الخصر. [15]

كما أضرت القنابل بأعيان مدنية أو دمرتها، ومنها عيادات طبية ومدارس ومحال في الأسواق وغيرها من المنشآت. في 13 يناير/كانون الثاني 2012 أدت غارة بالقنابل على القناية، في برام إلى تدمير كنيسة وبيت. رصدت هيومن رايتس ووتش وجود مقذوفات غير منفجرة، تناقلت تقارير إطلاقها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تحت وبالقرب من مدرسة ثانوية في كرنقو في كادقلي، مما أدى لعدم إمكانية ارتياد المدرسة وأصبح المكان منطقة خطرة. كما أفاد مراقبون سودانيون بأن القصف بالقنابل أضر بكنيسة في داريا بمنطقة دلامي، في 13 أغسطس/آب 2011، وبمدرسة إنجيلية في هيبان يوم 1 فبراير/شباط 2012 وبعيادة في كورشي، بأم دورين، في 6 أغسطس/آب 2012، ومدرسة ابتدائية في أم سردبة يوم 17 فبراير/شباط 2012، وعيادة في كولولو في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2012، في واقعة أدت أيضاً إلى مقتل مدني وإصابة اثنين آخرين.

هجمات وانتهاكات القوات الحكومية

مع بداية النزاع في يونيو/حزيران 2011، لجأت القوات الحكومية وبينها قوات الدفاع الشعبي شبه العسكرية وشرطة الاحتياطي المركزي – وهي قوة مساعدة غير نظامية – في كادقلي، إلى قصف الأحياء السكنية بالقنابل والمدفعية، ونهب وإحراق البيوت والكنائس، وإطلاق النار على المدنيين وقتل مدنيين منهم عاملين بالأمم المتحدة، واعتقال الكثير من الأفراد بشبهة وجود صلات تربطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان. وثق مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنماط الانتهاكات، التي حذرت هيومن رايتس ووتش وأطراف أخرى من أنها ترقى لكونها جرائم ضد الإنسانية، وأوصى بفتح تحقيق مستقل وشامل فيها. [16] رفضت الحكومة السودانية بقوة نتائج بحث الأمم المتحدة. [17]

خلال الشهور الـ 18 التالية، نفذت القوات البرية السودانية هجمات أخرى كثيرة على قرى فقتلت مدنيين ودمرت ممتلكات واعتقلت تعسفاً واحتجزت أعداداً كبيرة من الناس في خرق للقانون الدولي المنطبق.

هجمات على القرى

تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير بحالات عديدة قتلت فيها الحكومة السودانية أو القوى المتحالفة معها مدنيين عمداً، واحتجزت وأخضعت المئات لخطر الاختفاء القسري، ودمرت ونهبت ممتلكات مدنية. تعتبر هذه الأعمال انتهاكات جسيمة للقانون الدولي العرفي الذي يحظر خرق حماية المدنيين والأعيان المدنية، وقد ترقى لكونها جرائم حرب في نزاع مسلح غير دولي. [18]

في بلدة التيس بمنطقة برام التي تبدلت سيطرة الطرفين عليها عدة مرات في عام 2011، قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن جنود القوات المسلحة السودانية الذين احتلوا القرية عدة مرات، أطلقوا النار على مدنيين وقتلوهم، ودمروا بيوتاً واعتقلوا المئات من الناس بالقوة. شهدت حنان كافي رحال، أم تبلغ من العمر 19 عاماً لطفلين، على هجوم في مطلع عام 2012، وقالت لـ هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان: "رأيت القوات المسلحة السودانية تُخرج الناس من الكهوف إلى عربات متوقفة عند سفح التل. كان هناك نحو 15 سيارة. وضعوا الناس في هذه السيارات". لم يعرف الشهود مصير أغلب المدنيين المحتجزين في التيس مطلع 2012. المفترض أن أغلبهم رهن احتجاز الحكومة أو يعيشون في مناطق تسيطر عليها الحكومة، لكن قيود الحكومة منعت العائلات من معرفة معلومات عن مصائر أقاربهم أو لم الشمل بهم.

وصف مدنيون من طروجي، وهي قرية أخرى في برام، نمطاً مشابهاً من الانتهاكات، ثم الاختفاء للأفراد عندما سيطرت القوات الحكومية على البلدة في ديسمبر/كانون الأول 2011. تم احتجاز الكثير من الأفراد أثناء محاولة جمعهم لبقايا المحصول المحطم من حقولهم أو أثناء الخروج لإحضار الماء أو لدى إخراجهم من أماكن في الجبال كانوا يحتمون بها. ما زالت أماكنهم غير معروفة، وبما أن الحكومة السودانية لم توفر معلومات عن مصيرهم، فالمفترض أنهم ضحايا للاختفاء القسري. [19]

تلقت هيومن رايتس ووتش معلومات عن هجمات أخرى على قرى، لكن لم تتمكن من الوصول لأماكن الهجمات. هناك مجموعة صحافية سودانية تُدعى "نوبا ريبورتس" وثقت أدلة قوية على هجوم بري في 18 مايو/أيار 2012 على قردود البدري، وهي قرية قريبة من العباسية، من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدفاع الشعبي، وشرطة الاحتياطي المركزي المعروفة باسم "أبو طيرة". هناك مقطع فيديو مصور بكاميرا هاتف خلوي تؤكد أقوال الشهود الذين تمت مقابلتهم، وفيه يظهر مجموعة من المهاجمين يوثقون رباط شاب من النوبة ويكيلون له الإهانات ويطالبونه بمعرفة أين البقر، والهدف المفترض للسؤال هو نهب الأبقار. تم احتجاز الشاب – طالب يبلغ من العمر 18 عاماً – عشرة أيام وروى كيف تعرض للجلد بالسياط. [20]

كما حصلت المجموعة المذكورة على مقطع فيديو آخر من هاتف خلوي لهجوم سابق على قرية أم بارتومبو، جنوبي العباسية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وخلال الهجوم شوهد عناصر القوات المسلحة يشعلون النار في القرية. تأكد الضرر اللاحق بالقرية المصور في مقطع الفيديو في صور بالقمر الصناعي، تابعة لـ "مشروع الحماية بالقمر الصناعي". [21]

قال مدنيون نازحون في سبات، بمنطقة هبيلة شمال شرقي كادقلي لـ هيومن رايتس ووتش في أغسطس/آب 2011 كيف أن مجموعة كبيرة من جنود الحكومة والميليشيات من أم برمبيطة وخور الدليب أحرقوا بيوت مدنيين يُفترض أنهم مؤيدين للجيش الشعبي لتحرير السودان، في خور الدليب، ثم هاجموا قرية سرفايا التي خضعت لفترات متقطعة لسيطرة الجيش الشعبي لتحرير السودان، في يوليو/تموز 2011 دون محاولة التمييز بين المدنيين والجنود المتمردين المحتملين. قال إسماعيل نواي المزارع الذي فر من البلدة مع زوجته وثمانية أبناء: "جاءوا في شاحنات وسيراً على الأقدام وكان معهم كلاش وجيم [أنواع من الأسلحة الأوتوماتيكية] وصواريخ. راحوا يهاجمون البلدة كلها. كانوا يريدون قتل الناس وأخذ الحيوانات. رأيتهم يقتلون شخصاً قبل أن نغادر".

قال مدنيون نازحون من قرية حرازاية القريبة من مدينة كادقلي لـ هيومن رايتس ووتش كيف أن 50 أسرة فرت من القرية لدى تلقي تحذير بأن القوات الحكومية في قرية حرازاية زروق المجاورة يحضرون لهجوم في 3 يناير/كانون الثاني 2012. رأى الشهود الجنود يقودون ست عربات إلى موقع قريب، ويطلقون قذائف على القرية، ثم يشعلون النار في بيوت وينهبون الحيوانات وممتلكات أخرى. [22]

الاعتقال والاحتجاز تعسفاً

مع اندلاع النزاع في يونيو/حزيران 2011 في كادقلي، اعتقلت القوات الحكومية واحتجزت الكثير من المشتبهين بدعم الحركة أو الجيش الشعبي لتحرير السودان، أثناء عمليات تفتيش للبيوت ولدى نقاط التفتيش. قال شهود من كادقلي لـ هيومن رايتس ووتش ومراقبي الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان إن القوات الحكومية معها أسماء بأشخاص من النوبة مطلوبين على صلات حقيقية أو متصورة تربطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وقد تم القبض عليهم بناء على هذا.

من الأمثلة، قال محمد م. المحاسب سابقاً بوزارة الصحة في جنوب كردفان وعضو الحركة الشعبية لتحرير السودان، والبالغ من العمر 33 عاماً؛ قال لـ هيومن رايتس ووتش إن رجال الأمن الوطني قبضوا عليه في يوليو/تموز 2011 في بلدة الأُبيض (شمال كردفان)، التي فر إليها بعد اندلاع النزاع. كان محتجزاً طرف قوات المخابرات العسكرية في الأُبيض ثم نُقل إلى كادقلي، حيث مكث نحو عام محتجزاً طرف الجيش قبل أن يتمكن من الهرب. قال محمد إنه أُجبر على الاعتراف بكونه جندي في الجيش الشعبي لتحرير السودان تحت الضغوط، بعد أن تعرض لضرب مبرح. قال: "ربط الجنود يديّ وقدميّ وجلدوني على ظهري حتى نزف. أمروني بأن "أتكلم" لكن لم أعرف عن ماذا. ثم راحوا يعذبوني كلما أحرز الجيش الشعبي نصراً عسكرياً". [23]

يستمر المدنيون ذوو الصلات الحقيقية أو المتصورة بالحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال في مواجهة تهديدات الاعتقال في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، طبقاً لأفراد قابلتهم هيومن رايتس ووتش. من الأمثلة، اعتقلت قوات الأمن السودانية في كادقلي سارة ل.، أم لاثنين تبلغ من العمر 22 عاماً، من بيتها يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2012، واحتجزوها ثلاثة أيام للاشتباه في صلات تربطها بـ "الحركة الشعبية التحرير السودان-قطاع الشمال". سبق أن احتجز الأمن والدها لمدة 14 يوماً في سبتمبر/أيلول بسبب نشاطه في منظمة ثقافية للنوبة. تم تقييد يدي سارة ل. وتعرضت للضرب واحتجزت مع 35 سيدة أخرى في مركز احتجاز للأمن الوطني بمدينة كادقلي. ولدى الإفراج عنها فرت إلى قرية يسيطر عليها المتمردون على مشارف كادقلي، وقد سافرت وحدها في الليل.

في 22 أغسطس/آب 2012 اعتقل الأمن الوطني أميمة عبد اللطيف حسن أمية، وهي موظفة بوزارة المالية وعضوة في الحركة الشعبية، قرب أبو جبيهة، شرقي ولاية جنوب كردفان. وقت كتابة هذه السطور كان المعروف أنها ما زالت محتجزة في بيت لمسؤول حكومي في رشاد وعرضة لخطر التعذيب. [24]

وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني تم القبض على عشرات الأشخاص في كادقلي إثر قصف المتمردين للبلدة، واتهموا بالتعاون مع المتمردين. ما زالت هناك أكثر من 30 سيدة رهن الاحتجاز دون اتهامات وقد حُرمن من مقابلة محامين أو أقاربهن. [25] وفي الدلنج شمالي كادقلي، تناقلت تقارير اعتقال الأمن الوطني والمخابرات العسكرية للعشرات من المدنيين، بينهم رجل مسن يعاني مشكلات صحية مزمنة، بعد أسابيع من المناوشات بين الحكومة وقوات المتمردين في المنطقة. [26] لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد أحوال ومصير هؤلاء المحتجزين، لكن تفهم أنهم لم يُنسب إليهم اتهامات أو تم نقلهم إلى منشأة احتجاز مدنية.

في حالات النزاع المسلح الداخلي، يُحكم على مسألة الحرمان من الحرية من واقع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. تحظر هذه القوانين الاحتجاز التعسفي والمعاملة السيئة للمحتجزين وتنص على ضمانات إجراءات التقاضي السليمة للمحتجزين. في بعض الظروف، يمكن احتجاز الأفراد لأسباب أمنية دون اتهامهم بجرائم، لكن في هذه الحالات الاستثنائية لابد أن يكون الاحتجاز ضرورياً تماماً، وأن يكون مؤقتاً وخاضعاً لمراجعة دورية إن كان ثمة سند قانوني لاستمرار الاحتجاز. [27]

لابد أن تعلن الحكومة السودانية عن أسماء من تحتجزهم وأحوالهم وأن تفرج عن المحتجزين تعسفاً مع ضمان التطبيق الكامل لتدابير الحماية الإجرائية وكفالة الحق في إجراءات التقاضي السليمة بالنسبة للمحتجزين بناء على أسانيد قانونية.

العنف الجنسي

قامت القوات الحكومية أيضاً بتعريض النساء والفتيات للعنف الجنسي. من الصعب تحديد مدى انتشار أعمال العنف الجنسي، وعادة ما تمر الاعتداءات الجنسية والجندرية دون الإبلاغ عنها في النزاعات المسلحة، لكن هناك جماعات ناشطة من نساء لاجئات في ييدا ذكرت العنف الجنسي بصفته مبعث قلق أثناء الفرار من البيوت في جبال النوبة، وكذلك يعتبر مبعث قلق في مخيمات اللاجئين. [28]

في حادث مروع وقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قام جنود قوات الدفاع الشعبي المتمركزين في جاو، وهي قاعدة عسكرية قرب الحدود مع جنوب السودان، بالاعتداء على فتاتين من النوبة واغتصابهما، وتبلغان من العمر 14 و16 عاماً، وكانتا في طريقهما من أنجولو في برام إلى مخيم ييدا للاجئين في جنوب السودان. [29] وفي التيس قابلت هيومن رايتس ووتش ضحايا وشهود عيان على العنف الجنسي من قبل جنود الحكومة في مختلف فترات نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ومطلع عام 2012. حليمة ت.، شابة في العشرينيات قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن عمتها تعرضت للاغتصاب على يد جنود الحكومة. قالت: "رأيت عمتي تغتصب. كنا في الجبل معاً، ثم جاءوا وأخذوها. تعرضت للاغتصاب قرب الجبل... بعد ذلك أخذوها إلى كادقلي".

سبق أن وثقت هيومن رايتس ووتش تقارير عن أعمال اغتصاب في كادقلي وهيبان في عام 2011 بعد اندلاع النزاع بقليل. كما قال عدة أشخاص للباحثين إنهم سمعوا بحوادث اغتصاب قام بها جنود حكوميون أو عناصر ميليشيات موالية للحكومة أواخر عام 2011 ومطلع عام 2012 في دلامي وطروجي والدمام، لكن الباحثين لم يتأكدوا بأنفسهم من وقائع بعينها. [30]

على السودان التزام بحماية النساء والفتيات من جميع أعمال العنف الجنسي وأن يُحاسب الجناة. إذا تم ارتكاب أعمال عنف جنسي أثناء نزاعات مسلحة، فمن الممكن أن ترقى لكونها جرائم حرب، وعلى السودان واجب التحقيق في هذه الوقائع وملاحقة المسؤولية عنها قضائياً. كما أن هناك التزام على الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة بأن تمنع العنف الجنسي وعليها التحقيق مع الجناة ومعاقبتهم على النحو الواجب. [31]

أعمال التشريد الحالية

منذ بدأت الحرب فر مئات الآلاف من الأفراد من بيوتهم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ومن معاقل المتمردين على السواء، فراراً من القصف والهجمات البرية والاعتقالات. تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف مليون شخص تعرضوا للتشرد أو "تأثروا كثيراً" في ولاية جنوب كردفان، وأن من بينهم هناك 350 ألفاً من مناطق المتمردين، و207 ألفاً في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وقد ذهب 65 ألفاً إلى مخيم ييدا للاجئين في دولة جنوب السودان. [32]

يجبر النزاع الجاري الناس على الفرار من مختلف المناطق بجبال النوبة. في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2012 على سبيل المثال، أضطر القتال في مناطق الشمال الشرقي، في رشاد والعباسية، اضطر الآلاف إلى الفرار. كما فر الأفراد من القتال قرب مدينة تلودي التي تسيطر عليها الحكومة عدة مرات منذ اندلاع النزاع، لا سيما في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2012، عندما حاول "الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال" أن يسيطر على المدينة. وفي كادقلي، فر العديد من الناس بعد أن قصفت قوات المتمردين مواقع حكومية في البلدة في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني. تناقلت التقارير مقتل 18 مدنياً في القصف. [33]

فضلاً عن ذلك، فإن القصف العشوائي للحكومة السودانية في مناطق مدنية، يمنع العديد من الناس من العودة لبيوتهم، حتى إن كانت بيوتهم في مناطق المتمردين. آمنة كوكو تية، 70 عاماً، من قرية لوفو، قالت لـ هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول 2012 إنها تخشى مغادرة مرتفعات كرنقو، حيث استقرت لدى اندلاع الحرب، وتخشى العودة إلى لوفو لأنها تتوقع المزيد من القصف المدفعي والجوي هناك. قالت: "لم تعد قدمي قادرتين على الجري، أنا أفضل حالاً وسط هذه الصخور".

من الآثار الأصعب للنزاع، انفصال أفراد الاسرة الواحدة. جميع من في معاقل المتمردين تقريباً قالوا إن لهم أقارب في مناطق تسيطر عليها الحكومة ولا يمكنهم الانضمام إليهم بسبب تقييد الحكومة للتنقلات. قالت سمية، الأم لأربعة أطفال البالغة من العمر 37 عاماً ويعيش أبناؤها الأربعة في الخرطوم: "كلنا عندنا أفراد في أسرنا لا يمكننا أن نراهم". علق صديق النور، فني المعمل البالغ 58 عاماً من الخرطوم، مع ابنته أثناء زيارته لزوجته الثانية وأبنائه الثلاثة قبل بدء النزاع، وهو يخشى العودة لبيته حيث باقي أفراد اسرته: "أنا عالق هنا. هذا الباب موصد".

الحرمان من الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية والتعليم

أدت تدابير السودان المسيئة إلى أزمة إنسانية موسعة. هناك مئات الآلاف من المدنيين – الكثيرين منهم تعرضوا للتشريد القسري – يحتاجون إلى مأوى عاجل وغذاء ومياه صالحة للشرب ورعاية صحية وتعليم لأطفالهم. إلا أن الحكومة السودانية منعت جميع السلع والخدمات من خارج معاقل المتمردين، بما في ذلك المساعدات الإنسانية التي توجد حاجة ماسة إليها.

منذ بداية النزاع، قيدت الحكومة حرية تنقل المدنيين إلى ومن معاقل المتمردين، إذ أغلقت الطرق وحظرت تصاريح السفر، وتكرر منعها دخول مراقبي الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية إلى هذه المناطق، ممن يتقدمون بطلبات تصاريح لتقييم احتياجات المدنيين ولتوفير الإغاثة. هذه القيود هيأت لحظر فعلي للمساعدات الإنسانية في مناطق المتمردين، في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق.

تعتمد التجمعات السكانية في النوبة على منتجاتها الزراعية للغذاء، لكن لم تتمكن إلى حد بعيد من الزراعة في عام 2011 بسبب انعدام الأمان ونظراً للقصف العشوائي. وفي بعض الأماكن قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إنهم رأوا قوات سودانية تدمر إمدادات الطعام والمياه وتتلف مخزون الطعام في تلك المناطق. في طروجي على سبيل المثال، أحرق جنود القوات المسلحة السودانية مخازن الغلال والحقول، فدمروا الطواحين ونهبوا الماشية ودمروا الصوامع أثناء القتال في ديسمبر/كانون الأول 2011.

بالنسبة للأغذية الأساسية مثل الذرة فهي إما غير متوفرة في الأسواق أو باهظة الثمن بما يتجاوز قدرات أغلب السكان المحليين. أغلب الناس يقتاتون أوراق الأشجار والجوز والفواكه البرية ويصطادون الحيوانات، ويفضلون البقاء في مرتفعات النوبة ليبقوا على قيد الحياة بدلاً من محاولة العودة في الطريق الطويلة إلى مخيم ييدا للاجئين في جنوب السودان.

قال "مك" كرنقو (كبير القرية) لـ هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول 2012 إن 18 شخصاً في منطقته ماتوا من الجوع منذ يوليو/تموز، بينما في أبريل/نيسان أفاد نائب مفوض أم سردبة عن وفاة 14 شخصاً في قرية أبو هشيم. كانت الأوضاع صعبة بشكل خاص من يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب عندما سعى الناس للحصول على الغذاء من العيادات والمستشفيات المحلية، وكان المئات يتوافدون كل يوم على مخيم ييدا للاجئين. [34] تم إجراء استطلاع ميداني في مناطق المتمردين بجنوب كردفان في أغسطس/آب انتهى إلى أن مشكلة الغذاء تدهورت لدرجة أن 81.5% من العائلات تعيش على وجبة واحدة يومياً مع تفشي سوء التغذية في أوساط الأطفال. [35]

يتوقع المسؤولون المحليون والعاملون بالإغاثة أن زيادة القتال سوف تؤدي بتوافد عشرات الآلاف الآخرين على مخيم ييدا، وسوف تؤدي إلى حالة من الجوع الحاد في أوساط المتبقين في معاقل المتمردين. موسم الحصاد الحالي الذي يوفر بعض الطعام، من المتوقع ألا يمتد حتى بعد ديسمبر/كانون الأول.

إن حظر السلطات السودانية على الأرض للإمدادات الإنسانية لا يحرم الناس من الطعام في الأسواق فحسب، بل هو أيضاً يحرم المدنيين من الأدوية والإمدادات الأخرى، منها التطعيمات ضد الحصبة والأمراض التي يمكن الوقاية منها الأخرى. رصدت هيومن رايتس ووتش مزارع وتاجر، كلاهما مصاب، في قصف السوق في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2012، بقرية كورسي بمحلة كرنقو، وقد لحقت بهما إصابات بليغة من الشظايا المعدنية، وقال شخص يرعاهما إن الشظايا ما زالت داخل جسديهما. كان الرجلان يعانيان من الألم الممض، ويرقدان على أسرّة من الحبال في عيادة عبارة عن كوخ طيني ليس فيه أطباء أو مسكنات ألم أو إمدادات طبية.

هناك مدرسون كثيرون – مثل الأطباء والموظفين – لا يمكنهم مغادرة كادقلي أو أية بلدات حكومية أخرى للعمل في مناطق يسيطر عليها المتمردون. يعتبر تغيبهم مصدر قلق لعدة آباء لا خيار أمامهم إلا أن يرسلوا أطفالهم للسير مسافات طويلة، أحياناً لأيام، حتى يصلون إلى مخيم ييدا لتلقي التعليم البديل.

كما يخرق حظر السودان الفعلي للمساعدات الإنسانية، القانون الدولي الإنساني، الذي يقتضي أنه في حال عدم قدرة الطرف في النزاع على توفير المساعدات، فعليه أن يسمح لمنظمات الإغاثة المحايدة بالوصول إلى المدنيين ومساعدتهم وأن يتمتع العاملون بالإغاثة بحرية التنقل اللازمة لممارسة مهام عملهم. في حالة الضرورة العسكرية القاهرة فقط يمكن الحد من تحركاتهم بشكل مؤقت. [36] كما أن القانون الدولي الإنساني واضح في حظر تدمير أطراف النزاع المسلح لأهداف ضرورية لا بديل عنها لاستمرار السكان المدنيين على قيد الحياة، والتسبب عمداً في معاناة السكان من الجوع. [37]

بواعث القلق في مخيم ييدا للاجئين

هناك ما يقدر بـ 65 ألف لاجئ انتقلوا إلى مخيم ييدا للاجئين جنوبي السودان منذ يونيو/حزيران 2011. بينما انحسر معدل التوافد من عدة مئات يومياً إلى 177 أسبوعياً في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2012، فإن معدل التوافد تزايد في نوفمبر/تشرين الثاني، إذ أصبح 2100 شخص يصلون أسبوعياً، وأغلبهم من النساء والأطفال، بالأساس بسبب انعدام الأمان ونقص الغذاء. [38] يتوقع المتصرفون في المخيم توافد عشرات الآلاف مع نهاية العام، بسبب القتال ونقص الغذاء.

مبعث القلق الأول والغالب بالنسبة لمخيم ييدا أن المخيم يقع على مقربة من الحدود، على مسافة 11 كيلومتراً من الحدود، أي أقرب من الحد الأدنى للبعد عن الحدود، في المعايير الدولية المقدرة بخمسين كيلومتراً، بـ 39 كيلومتراً، [39] ثم هناك تواجد العسكريين، من الجيش الشعبي لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال، والمتمردين من دارفور، الذين زاروا جميعاً المخيم المزدحم باللاجئين، بما يشوب الطبيعة المدنية للمخيم ويفرض تهديدات أمنية على اللاجئين. تواجد أي جنود يفرض بدوره تهديداً خاصاً على النساء والفتيات، اللائي يعتبرن الاغتصاب والعنف الجنسي من بواعث القلق حالياً في ييدا، لا سيما أثناء الخروج لجمع الحطب. [40]

في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2012 تكرر دخول جنود "الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال" إلى المخيم وجمعهم لعدد كبير من الرجال والصبية بينهم طلبة وعاملون في منظمات مجتمع مدني، ثم احتجازهم لأيام. هذه الواقعة التي بررها قادة الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال بأنها محاولة لنزع الأسلحة من المخيم، تلقي الضوء على استضعاف القُصر غير المصحوبين ببالغين. على الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال على الأخص أن يضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات وأن يتم الحفاظ على الطابع المدني للمخيم.

III . النيل الأزرق

انتقل النزاع من جنوب كردفان إلى ولاية النيل الأزرق المجاورة في سبتمبر/أيلول 2011، وذلك لدى اندلاع القتال في الدمازين، عاصمة الولاية، بين القوات الحكومية والجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال. قال شهود من الدمازين لـ هيومن رايتس ووتش إن أثناء المصادمات استخدم جنود الحكومة الدبابات والأسلحة الثقيلة في استهداف ممتلكات مدنية، منها بيوت سكنية ومركز مالك عقار الثقافي. ثم قام الجنود وقوات الأمن الوطني بجمع أعضاء مشتبهين في الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال والعديد منهم يُفترض أنهم ما زالوا محتجزين، وقاموا بنهب ممتلكات المدنيين على نطاق واسع. [41]

وعلى مدار الشهور التالية، راحت القوات السودانية – في محاولة لسحق قوات المتمردين – تهاجم قرى محليات الرصيرص وقيسان والكرمك وباو، وتقصف شتى أنحاء الولاية بشكل عشوائي، مما حمل السكان المدنيين على التماس المأوى في الأدغال والمرتفعات حيث النقص في الطعام والمأوى والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والرعاية الصحية.

بالإضافة إلى القصف الجوي العشوائي، قامت القوات الحكومية بقصف مناطق مأهولة بالسكان برياً، وقامت بالتعاون مع الميليشيات المتحالفة معها بإحراق ونهب البيوت وممتلكات المدنيين الأخرى. أسفرت الهجمات بقيادة الحكومة عن مقتل وإصابة الكثير من المدنيين، وتدمير للممتلكات وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين، بالأساس من جماعات إثنية وعرقية ذات صلات من المتصور أنها تربطها بجماعات المتمردين.

منذ سبتمبر/أيلول 2012، كثفت القوات الحكومية السودانية من هجماتها مع تزايد الضربات المسددة إلى مناطق مأهولة بالمدنيين، في باو والكرمك، ربما من أجل تشريد السكان المدنيين قسراً  وإبعادهم عن معاقل المتمردين. حصلت هيومن رايتس ووتش على أدلة من مدنيين نازحين من النيل الأزرق تشير إلى أن  الهجمات العشوائية المتكررة التي أسفرت عن الإضرار بالمدنيين وممتلكاتهم، ربما كانت ترقى لكونها جرائم حرب.

استمرت أعمال القصف الجوي والبري بحق المدنيين النازحين في النيل الأزرق. قام أكثر من 140 ألف لاجئ بالفرار من النيل الأزرق وعبروا الحدود إلى جنوب السودان وأثيوبيا، لكن عشرات الآلاف مكثوا نازحين داخل الولاية. يبدو أن الوضع يزداد صعوبة باستمرار. أفادت بعض عائلات النازحين بأنهم اضطروا لتقليص ما يستهلكون من طعام في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني إلى وجبة واحدة كل خمسة أيام. [42]

وكما هو الحال في جنوب كردفان، قامت الحكومة إلى حد بعيد بحجب النيل الأزرق عن العالم الخارجي، إذ فرضت تقييداً للتنقلات في معاقل المتمردين ورفضت السماح لمنظمات الإغاثة بارتياد هذه المناطق، بما يعني حصار هذه المنطقة عملاً.

القصف الجوي والبري العشوائي لمناطق المدنيين

أسفر القصف الجوي والبري العشوائي من الحكومة السودانية عن مقتل وتشويه وإصابة الكثير من المدنيين منذ سبتمبر/أيلول 2011 وأدى إلى تدمير ممتلكات (أعيان) للمدنيين منها أسواق ومنازل ومدارس ومزارع ومقار لمنظمة إغاثة.

زارت هيومن رايتس ووتش أكثر من 12 موقعاً لقنابل انفجرت في النيل الأزرق أثناء زيارتين في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2012، وقابلت العشرات من ضحايا القصف والهجمات، وبينهم لاجئون في جنوب السودان وكذلك مدنيون نازحون داخلياً في النيل الأزرق هجروا قراهم ومزارعهم، بالأساس بسبب القصف المستمر.

وفي الزيارتين، زار الباحثون مواقع القنابل وفحصوا الأدلة. كما فحص الباحثون بقايا براميل متفجرة في موقعين لانفجارات قنابل قرب يابوس في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2012. البراميل المتفجرة هي أجهزة تفجيرية يدوية الصنع، أوعية تُعبأ بالمتفجرات والمسامير وغيرها من الشظايا المعدنية التي تتحول إلى مقذوفات قاتلة لدى انفجار العبوة المتفجرة.

هذه الذخائر وغيرها من الذخائر غير الموجهة تُسقط عادة من طائرات نقل طراز أنتونوف أو طائرات أخرى تحلق على ارتفاعات عالية. لا تسمح هذه الأساليب في القصف بدقة في التصويب. استخدام هذه الأسلحة ومنها القنابل والمقذوفات المدفعية في مناطق مأهولة بالمدنيين لا يتسنى معه الاستهداف الدقيق للأهداف العسكرية، مما يعني أن هذه الهجمات عشوائية بطبيعتها، في خرق للقانون الدولي الإنساني. [43]

وصف الشهود في النيل الأزرق هجمات عشوائية بالقنابل في الآونة الأخيرة وأعمال قصف مدفعي لبلدات وقرى في الكرمك وباو حيث قُتل مدنيون. في أحد الأمثلة، أثناء هجوم في أغسطس/آب 2012 على قرية واديجا، غربي الكرمك، رأى جبارة سليم قذيفة تقتل جاره، وكان اسمه أحمد، فيما كان يعمل في حقله. لم ير قوات متمردين في المنطقة سواء قبل أو أثناء القصف الذي قتل أحمد. قال إن القصف يقع كل يومين أو ثلاثة أيام في واديجا. [44]

عندما سقطت القذيفة، شطرت جسد أحمد إلى نصفين. كان من الصعب التعرف على جثمانه حتى. ركضنا جميعاً مبتعدين عندما بدأ القصف. وعندما عدنا وجدناه مقطعاً إرباً. عندما يحدث قصف مدفعي، لا تسمع أي ضوضاء قبلها... ليس مثل قنابل الأنتونوف التي تسمع الطائرات تقترب ويمكنك أن تنظر للسماء وتراها ويتاح لك وقت لكي تختبئ.

كان رابع مدني من عائلة سليم يراه يُقتل منذ بدأ النزاع في سبتمبر/أيلول 2011، وقد قتل ثلاثة آخرون أثناء القصف الجوي. أدى القصف الجوي والبري لتفشي الخوف المحسوس في أوساط المدنيين بولاية النيل الأزرق. في جميع المناطق التي زارتها هيومن رايتس ووتش في السودان، ومنها مخيمات النازحين داخلياً، قام السكان بحفر مخابئ بأيديهم للاختباء فيها في حال تساقط قنابل.

فرت تهاني نورين – أم لسبعة أطفال – من سركم في أواخر 2011 فراراً من القصف الذي أصاب منطقة محيطة ببيتها، بمعدل ثلاث مرات يومياً. نتيجة للهجمات المستمرة، بدأت برفقة مجموعة من 25 مدنياً في السير باتجاه جنوب السودان، وفي أثناء الرحلة رأت ما وصفته بأنه برميل متفجر يضرب الطريق وهم متوقفون للراحة ولتحضير الطعام. قتلت القنبلة ابنتها البالغة من العمر 17 عاماً، واثنين آخرين، بينهم طفل يبلغ من العمر 12 عاماً. [45]

عندما سقطت القنبلة لم يكن هناك إلا الدخان والتراب ولم أر أي شيء. بعد لحظات رأيت ابنتي وناديت عليها لأرى إن كانت مصابة. ثم رأيت دماء ابنتي. خلال دقائق أسقطت الأنتونوف قنبلة ثانية.

قال لاجئون في جنوب السودان وصلوا من قرى قريبة من مرتفعات تامفونا والأنقسنا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم منذ سبتمبر/أيلول 2012 لاحظوا تزايد استخدام الطائرات المحلقة على ارتفاع عال وإسقاطها القنابل بشكل سريع ومتتابع. [46] ونتيجة لزيادة وتيرة القصف، أفاد الضحايا والشهود بتزايد أعداد القتلى.

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2012، قال الطاهر جبارة الله إنه فر إلى مخيم اللاجئين من قريته في منطقة تامفونا، قرب الكرمك، بسبب اشتداد القصف الجوي والبري. [47] سقطت قنبلة على بيته في يوليو/تموز فقتلت جميع ماشيته ودمرت البيت، وقتلت جاراً من القرية. قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض لشهور من القصف حتى يحصد محصوله ليطعم أسرته، لكن بعد تدمير بيته اضطر لمغادرة القرية وترك المحصول أملاً في أن يطعم المحصول المسنين في القرية والمستضعفين الذين خرجوا للاحتماء بالدغل القريب، ممن لا يمكنهم تحمل مشاق الرحلة المتعبة إلى جنوب السودان أثناء الموسم المطير.

هناك مزارع آخر من تامفونا، هو عثمان محمود محمد، قال إنه منذ سبتمبر/أيلول 2012 توسعت تدابير الجيش من إسقاط قنابل بدائية إلى أسلحة تفجيرية أحدث، منها الصواريخ. قال: "إن ذهبت إلى تامفونا الآن فسوف تجد أن في كل بيت حفرة. الجيش يضربنا باستمرار". قال:

ذات صباح [في أكتوبر/تشرين الأول 2012] عدت من البحث عن الطعام ورأيت انفجاراً قتل إبراهيم جاموس. كان على مسافة 300 متراً. في البداية رأيت الكثير من الغبار وركضت نحوه. كان في بيت من آخر البيوت المتبقية في القرية. أصيب إبراهيم في رأسه ومات بعد ساعتين. كان الدم داكن اللون يخرج من فمه. لم يمت أحد غيره ذلك اليوم. كان جزاراً يبلغ من العمر 35 عاماً، وله زوجة واحدة وخمسة أطفال. [48]

قال اللاجئون في جنوب السودان وكذلك مدنيون نازحون داخلياً في السودان، لـ هيومن رايتس ووتش إن أغلبهم فروا من بيوتهم بسبب اشتداد القصف وليس معهم إلا ما يقدرون على حمله. تركوا محاصيلهم وأراضيهم الزراعية التي كانت في الأغلب مصدر رزقهم الوحيد ومصدر الغذاء الأساسي. أمضى الكثيرون عدة شهور على سفر دون ما يكفي من طعام أو رعاية صحية. وعندما نفد ما لديهم من طعام، راحوا يغلون الجذور المُرّة والسامة أحياناً، والتي تحتاج للغلي لساعات قبل أن تصبح قابلة للأكل.

هناك مجموعة من خمسة مزراعين من قرية جردالة قرب واديجا وصلوا إلى مخيم دورو للاجئين في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2012 مع أسرهم، كانوا قد فروا بسبب اشتداد القصف، فاضطروا لترك ما لديهم من مخزون طعام من الحصاد الأخيرة، ولم يأخذوا معهم أفراد الأسرة المسنين لدرجة تمنعهم من السفر:

عندنا مزارع ولم نرغب في المغادرة لأننا كنا ننتظر المحصول. لكن شعرنا بخوف بالغ بسبب القصف الذي اشتد كثيراً وكنا نخشى أن تغلق الحكومة الطرق إلى دورو، فتركنا كل شيء في المزارع وجئنا... لم نترك هناك غير المسنين. ليس بإمكانهم السفر في هذا الوقت من العام. هناك طمي وأمطار والمسافة بعيدة... الأمر شاق للغاية عليهم. معهم محصولنا يقتاتون منه، هذا كل ما عندهم. [49]

أولئك المستمرون في كونهم نازحين في ولاية النيل الأزرق قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن ما لديهم من طعام ومياه وأدوية محدود للغاية، وأنهم يقتاتون من الفواكه البرية والنباتات البرية. كما اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور التقطت حديثاً لعائلات في منطقة شالي، وهم يحضرون الدود والحشرات للطهي. [50] ليس لدى النازحين أية قدرة على ارتياد مستشفيات، وليس متاحاً لأبنائهم مدارس.

زينب علي السيدة البالغة من العمر 37 عاماً من قرية قرب يابوس، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن عندما قصفت الأنتونوف منطقة قريبة من قريتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كانت حبلى وسقطت بشدة على الأرض مما أصابها بألم مزمن. [51] عندما اختبأت هي وأسرتها في الدغل، لم يستخدموا أي شباك للناموس خشية أن تراهم القوات الجوية السودانية وترى القماش الابيض من السماء. قالت إنهم عاشوا في الدغل مما زاد من مشكلات الأسرة الصحية، ومنها زيادة التعرض للملاريا. ماتت ابنة أخيها البالغة من العمر 10 أعوام في الدغل لعدم تواجد مستشفى لعلاجها، بعد أن مرضت بآلام في البطن وأصيبت بإسهال مصحوب بنزيف. [52] الأسرة مستمرة في العيش بالنيل الأزرق.

قالت كريمة نصر – نازحة أخرى من يابوس تبلغ من العمر 35 عاماً – إن المشكلة الأساسية بالنسبة للنازحين هي الجوع والرعاية الصحية، بما أنه لم يعد متاحاً لهم الوصول إلى مزارعهم ومع إغلاق المستشفيات. [53] ماتت إحدى بنات نصر بعد ولادتها في الدغل بقليل. ترى نصر أن موتها مرتبط بمعاناتها من نقص التغذية، ولمرضها أثناء الحمل، ولأنها لم تكن معها قابلة تساعدها أثناء الولادة فيما كانت مختبئة. ولكي تكسب دخلاً تقوم بتصفية ترسيبات الطمي بحثاً عن الذهب الخام، لبيعه في أثيوبيا، لكي تشتري الأغذية الأساسية اللازمة لأسرتها.

الهجمات على المدنيين

قامت القوات البرية السودانية في المناطق القريبة من خط المواجهة في النزاع بولاية النيل الأزرق بين القوات الحكومية و"الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع شمال"، بمهاجمة القرى براً وقتل المدنيين حتى في المناطق التي لم تجد فيها هيومن رايتس ووتش أدلة على وجود حضور للمتمردين فيها أو مصادر تهديد أو أهداف عسكرية مشروعة. في إحدى الحوادث بعد اندلاع القتال مباشرة، في 3 سبتمبر/أيلول، قام الجنود في نقطة تفتيش بين الدمازين ومدينة الرصيرص المجاورة بقتل اثنين من أسرة شكري أحمد علي وسائقه بأعيرة نارية، وشكري أحمد علي هو مسؤول محلي في الرصيرص وعضو بالحركة الشعبية لتحرير السودان، ويبدو أن من قاموا بالهجوم اعتقدوا أنه داخل السيارة. [54]

بعد اندلاع القتال في الدمازين، انتقلت القوات السودانية إلى الجنوب، وتقدمت من الكرمك، وهي من معاقل المتمردين التي تمت السيطرة عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. قال قياديون محليون فروا إلى جنوب السودان، لـ هيومن رايتس ووتش، إن القوات الحكومية السودانية تصادمت مع قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال وشنت عمليات عسكرية في عشرات القرى على امتداد الطريق الرئيسية المؤدية إلى الكرمك في القرى بمنطقة مرتفعات الأنقسنا وحولها.

استمرت المصادمات في تلك المنطقة وعلى مدار الشهور الثلاثة الأخيرة ظهرت تقارير عن تكثيف الغارات الجوية، لا سيما قرب قرية قبانيت في محلية باو. طبقاً لأحد قيادات الأنقسنا المحليين، سجل ما لا يقل عن 29 قتيلاً مدنياً، بينهم تسع نساء وتسعة أطفال، نتيجة للقصف الجوي، والهجمات البرية في المنطقة بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2012. [55] قال لـ هيومن رايتس ووتش أنه لم يكن هناك متمردين يعيشون في القرى أو بالقرب منها أو لهم أنشطة فيها، وأكد أقواله آخرون.

قُتل أحد أهالي القرى – وهو رجل يبلغ من العمر 98 عاماً يُدعى قمر التوم – في مايو/أيار 2012 عندما شنت قوات الأمن هجوماً على قرية أخرى قرب قبانيت. طبقاً لشاهد عيان، وصلت شاحنات وسيارات جيب مموهة عليها أسلحة ثقيلة إلى القرية الساعة 6 صباحاً وبدأت في إطلاق النار. قال إن إطلاق النار لم يستهدف أي هدف عسكري أو متمردين، بما أنه لا يوجد أي منهم قرب القرية أو فيها. قال: "عندما بدأ إطلاق النار، تسلق أهل القرية الجبال لكن هناك رجل مسن لم يتمكن من التسلق. بعد ساعات قليلة دخل الجيش القرية وأحرق كل شيء. عدنا للقرية بعد أن غادروا فوجدنا العجوز داخل بيته وكان محترقاً تماماً". [56]

قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن في محليات عديدة، منها المنطقة المحيطة بالدمازين، رأوا قوات الدفاع الشعبي – وهي قوة مساعدة غير نظامية قوامها أفراد من الفلاتة وجماعات إثنية أخرى من الرُحّل تعمل السلطات السودانية على تجنيدهم بكثرة. [57] كما نشرت السلطات السودانية أعداداً كبيرة من قوات الدفاع الشعبي في جنوب كردفان. طبقاً للشهود نشطت هذه القوات في منطقة مرتفعات الأنقسنا وهاجمت جماعات من اللاجئين أثناء فرارهم.

هناك سيدة تبلغ من العمر 25 عاماً ومعها حماتها من قرية قرب قبانيت قالت إنها رأت هجمات متعددة شنتها ميليشيات الدفاع الشعبي  عدة مرات أثناء النزاع، أخرها في أكتوبر/تشرين الأول 2012 وهما تحاولان الفرار إلى جنوب السودان. قالت إن الرجال الذين لم يكونوا يرتدون زياً موحداً، كانوا مسلحين بالكلاشنيكوف، وأطلقوا النار على شقيقها وقتلوه، وهو مدني. قبل ذلك، في مايو/أيار، هاجمت الميليشيا قريتها واختطفت زوجة صهرها. [58]

جاء الجلابة إلى قريتنا في سيارات وبدأوا في إطلاق النار فوق رؤوسنا. كنت هناك... ركضت في اتجاه وركضت هي في الاتجاه الآخر نحو الجلابة وتم الإمساك بها. رأيتها وهي تتعرض للأسر ويضعوها في سيارة. جاءوا وأطلقوا النار بشكل عشوائي على الناس ثم هربوا. [59]

قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن في شهر يونيو/حزيران أطلقت الميليشيات النار على أهل القرية فيما كانوا يحصدون المحاصيل، ورأتهم يختطفون ثلاثة أشخاص بينهم سيدتين. قالت إنها وآخرين من القرية كانوا يريدون الفرار قبل ذلك لكن الطريق إلى خارج البلدة على امتداد الجبل كان مغلقاً من قبل الميليشيات فخافوا أن يتم القبض عليهم. بعد شهور من القصف المستمر وتزايد الهجمات البرية من الجيش السوداني، حاولوا المغادرة من خلال دروب غير مسلوكة والسير وسط مناطق غير ممهدة وشائكة.

قالت سعدية إدريس – سيدة تبلغ من العمر 25 عاماً من قرية قريبة من قبانيت وهي شاهدة على هجوم آخر – إن بعد إحراق الميليشيا لقريتها في يونيو/حزيران 2012 لم يعد أمام السكان سوى الاحتماء بالجبال المحيطة والعيش فيها. قالت إن الهجوم دمر قريتها، ولم يستمر لأكثر من خمس ساعات بعد وصول الميليشيا في سبع سيارات. قالت: "نزلوا من سياراتهم وبدأوا في إشعال الحرائق بعلبة أعواد ثقاب صغيرة. تحركوا من بيت إلى بيت لإحراق البيوت. أحرقوا كل بيوتنا، وكل ثيابنا". [60]

أوضحت لـ هيومن رايتس ووتش إنها ومجموعة من 35 شخصاً بالغاً غيرها وقعوا ضحية كمين للميليشيا في أكتوبر/تشرين الأول وهم يحاولون الفرار إلى جنوب السودان. أطلقت الميليشيا النار عليهم وقتلت ثلاثة من 20 رجلاً ضمن المجموعة عند جبل الطين. اختفى سبعة آخرون بعد أن تفرقت المجموعة. قالت: "رحنا نسير لمدة 15 يوماً دون أحذية ودون مياه. عندما أطلقوا النار علينا أمسكنا بأطفالنا وركضنا حفاة. كما لم يكن معنا طعام في جبل الطين. كنا قد أخذنا بعض البذور معنا لكنها نفدت".

حماة السيدة – بتول موسى – قالت إنها أجبرت على ترك أمها أثناء الهجوم. قالت: "عندما هاجمونا في جبل الطين، كنت أحمل أمي المسنة على ظهري. اضطررت لرميها على الأرض وإخفائها في العشب الطويل. لا أعرف إن كانت حية أو ميتة. اسمها مريم". [61]

بموجب القانون الدولي، على جميع أطراف النزاع اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة لتقليص الخسائر في صفوف المدنيين أثناء العمليات العسكرية، ويعتبر استهداف المدنيين عمداً وقتلهم خارج نطاق القضاء من الأمور المحظورة بلا استثناءات ويعتبر ارتكاب هذه الأعمال جريمة حرب. [62]

أعمال الاعتقال التعسفي والإعدام خارج نطاق القضاء

في سبتمبر/أيلول 2011 مع اندلاع القتال في الدمازين وبلدات أخرى حيث تتواجد قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال، قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن القوات الحكومية قامت باعتقال واحتجاز مدنيين لفترات مطولة، مع التعرض لهم بالإساءات البدنية واللفظية، وقتل بعضهم، بناء على الصلات المفترض أنها تربطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال وذراعها المسلح، الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال. [63]

قال رجل يبلغ من العمر 26 عاماً وهو من الرصيرص ويعيش حالياً في جنوب السودان، لـ هيومن رايتس ووتش إن ضباط الأمن الوطني قبضوا عليه وأخذوه من بيته، واتهموه واتهموا شقيقه البالغ من العمر 36 عاماً بأنهما من جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال، وتم احتجازهما في زنزانة مزدحمة بالنزلاء لأكثر من ثلاثة أسابيع. قال: "ربطوا أيدينا ووضعونا في سيارة جيب وضربونا بالأحزمة والأرجل والأيدي وقالوا: سوف نفعل بك، وسوف ترى" وأضاف متذكراً: "إذا اشتكيت من أن الناس مرضى يقول [القائد]، دعهم يموتون، إنهم كفار". [64]

رأى أثناء احتجازه نزلاء آخرين يتعرضون للضرب المبرح، وذات مرة رأى ضابط جيش يطلق النار على رجلين في الراس من مسافة قريبة، خارج الزنزانة، فقتلهما على الفور. لدى الإفراج عنه ضغط عليه الأمن الوطني كي يتعاون معهم وأمروه بالذهاب إلى مقرهم مرة يومياً، وفي نهاية المطاف تمكن من مغادرة المنطقة.

أما عيسى دفع الله صباحي، 33 عاماً، الذي يعمل حارساً لدى وزير ولائي معروف بأنه عضو في الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال في الدمازين، فقد قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الجنود قبضوا عليه صباح 2 سبتمبر/أيلول 2011 من عند بيت الوزير، وضربوه وقيدوه بالاصفاد، وأهانوه، وقالوا عليه كافر و: "أنت لا تعرف ربنا". قال إنهم احتجزوه في منشأة احتجاز بقاعدتهم العسكرية مع مدنيين آخرين تم القبض عليهم ذلك الصباح.

قال لـ هيومن رايتس ووتش: "أخذوا الناس إلى النهر وأطلقوا النار عليهم. أخذوني إلى النهر مع ثلاثة آخرين في اليوم الثاني. قتلوا اثنين منّا". هدده الجنود بالقتل لكنهم لم يفعلوا: "قالوا أنتم جميعاً مع مالك [مالك عقار، حاكم الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال] وسوف نقتلكم". فيما بعد، في اليوم نفسه، رأى جنوداً يقتلون سيدة تحمل طفلاً كانت تقاوم الاعتقال. تمكن من الهرب من السجن في تلك الليلة. [65]

تم الإفراج عن الكثير من المحتجزين بعد إجبارهم على نبذ انتماءاتهم السياسية، طبقاً لتقارير من مجموعات محلية ومن معتقلين سابقين. مكث الكثيرون وراء القضبان بسبب صلاتهم الحقيقية أو المزعومة التي تربطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال. أفاد المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام بأن 92 رجلاً اعتقلوا في سجون النيل الأزرق وسنار منذ سبتمبر/أيلول 2011، أغلبهم بسبب انتماءات حقيقية أو متصورة تربطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال. لم يتم اتهام المعتقلين بعد بأية اتهامات، وأفاد الكثيرون بأنهم تعرضوا للضرب أثناء الاحتجاز. [66]

وفي سياق النزاعات المسلحة غير الدولية، فإن الاحتجاز التعسفي – أي الاحتجاز دون سند قانوني – محظور تماماً، ويجب أن تلتزم جميع عمليات الاحتجاز بالمعايير المنطبقة الخاصة بمعاملة السجناء في القانون الدولي الإنساني وفي قانون حقوق الإنسان. على السودان أن يعلن عن أسماء المحتجزين، وأماكنهم وأن يفرج عن المحتجزين بدون سند قانوني، مع ضمان احترام حقوق إجراءات التقاضي السليمة والضمانات المستحقة لجميع المحتجزين بناء على سند قانوني.

أحوال النساء والفتيات في مخيم اللاجئين

حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2012، كان هناك 110 ألف لاجئ من ولاية النيل الأزرق سجلوا في أربعة مخيمات لاجئين في جنوب السودان، وهي مخيمات تديرها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمات إنسانية، والتمس 30 ألفاً اللجوء في أثيوبيا. [67]

طبقاً للاجئين في مخيمات أجرت فيها هيومن رايتس ووتش مقابلات، فإن الأسر التي تعولها سيدات تشكل نسبة كبيرة من العديد من التجمعات المتواجدة في المخيمات – نحو 50 في المائة من سكان المخيمات. [68] قالت لاجئات ومسؤولي حماية وأمن في مخيم دورو لـ هيومن رايتس ووتش إن الأسر التي تعولها سيدات واحدة من الجماعات الأكثر عرضة للاستغلال في المخيم، وهذه الأسرة تحتاج إلى الحماية والموارد. قالت لاجئة من سركم: "من الصعب للغاية على السيدات حمل أنصبتهن بعد توزيع الطعام. أحياناً يحصلن على مساعدة، وأحياناً يطلب الرجال النقود مقابل المساعدة. إن لم تجد السيدة وسيلة لأخذ نصيبها، فعليها أن تخصص جزءاً منه لمن يساعدها". [69]

كما أن الاعتماد على الآخرين – لا سيما الرجال في المخيمات – وقلة وسائل كسب الدخل بالنسبة للأسر التي تعولها سيدات، يجعل السيدات أكثر عرضة للاستغلال والإساءة الجنسية. بينما تتمكن الأسر التي تعولها سيدات من التسجيل في قوائم توزيع الطعام بالمخيمات، فليست لديهن قدرة أو سبل لشراء الثياب لأبنائهن أو غيرها من الاحتياجات الأساسية غير الواردة ضمن المخصصات.

يعتبر خطر التعرض لاعتداءات خارج المخيم من أكبر بواعث القلق المتعلقة بالسلامة والأمن، التي تتهدد اللاجئات. طبقاً لتقييم سريع للعنف الجنسي والجندري في مخيم دورو أصدره مجلس اللاجئين الدنماركي في أكتوبر/تشرين الأول 2012 فإن "أغلب حوادث العنف البدني والجنسي تقع أثناء جمع الحطب خارج المخيم وأحياناً عند نقاط جلب المياه داخل المخيم". [70]

هناك لاجئة أعربت عن نفس المخاوف لـ هيومن رايتس ووتش، من مخيم جمام. عائشة أ.، الفتاة البالغة من العمر 17 عاماً من لجنة النساء أقرت بأن "هناك مشاكل كثيرة للنساء والفتيات هنا. عندما تجمع السيدات والفتيات الحطب في الغابة، فإن الرجال يفرضون أنفسهم على النساء. [الجناة] هم أشخاص محليون من المجتمع السكاني [المضيف]. يلامسون النساء بالقوة". [71]

تسير السيدات في مخيم جمام في العادة 1.5 ساعة ذهاباً ونفس المسافة إياباً، عادة وحدهن، على الأقل مرة يومياً، من أجل جمع الحطب للطهي وللبيع. طبقاً لعائشة، فإن شقيقة إحدى الضحايا وصفت كيف تم اغتصاب فتاة شابة أثناء جمع الحطب خارج المخيم. قالت إن الضحية التزمت الصمت بشأن الاعتداء ولم تسع للعلاج الطبي أو الدعم النفسي. قالت: "بعض السيدات يشعرن بالخزي فلا يخبرن أحد. لا يمكنهن الحديث إلا مع صديقات مقربات". [72] نظراً لوجود هذه المعوقات، فإن العدد الإجمالي للحالات ليس معروفاً، غير أن بعض موفري الخدمة وسكان بالمخيم قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن التهديد بالأذى البدني أو الاغتصاب أثناء جمع الحطب، تهديد مستمر وقائم ومن مصادر الخوف.

كما أن قرب مخيم جمام من قاعدة عسكرية تابعة لجنوب السودان له مضاعفات أمنية للنساء ويعرضهن لخطر العنف الجنسي أكثر. وصفت عائشة أيضاً محاولة اغتصاب لسيدة كانت تحلب بقراتها قرب سوق خارج المخيم.

قالت لي الضحية إن عدداً من الجنود [من جيش جنوب السودان] كانوا يمرون. اقترب منها أحدهم  وقال لها أن عليها أن تحمل له حقيبته، وأنه سيأخذها إلى البيت لتقضي الليلة معه. قال لها: أنت لن تذهبي إلى بيتك الليلة. أعطاها بعض النقود وقال لها أن تنتظر في مكانها وإلا أطلق عليها النار. بعد أن جلست تبكي، عثر عليها شقيقها وبعض اللاجئين وأخذوها، قبل أن يعود الجندي. [73]

قال عاملون بالإغاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن السيدات والفتيات في المخيم يواجهن انتهاكات وعنف ضد المرأة تشمل المضايقات الجنسية والعنف الأسري. [74]

VI . ردّ الفعل الدولي

كان رد الفعل الدولي على الأزمة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان في جنوب كردفان والنيل الأزرق متواضعاً للغاية وغطّى عليه الاهتمام بتدهور العلاقات والنزاع بين السودان ودولة جنوب السودان التي استقلت مؤخراً.

لم يقم الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة بإدانة القصف العشوائي السوداني علناً، أو قاما بالتصديق على نتائج وتوصيات تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة الصادرة في أغسطس/آب 2011، والتي صدرت نتيجة للتحقيق المستقل في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في جنوب كردفان. دعت الحكومات والمنظمات الدولية أطراف النزاع إلى التفاوض على وقف لإطلاق النار وللاتفاق على تدابير دخول المساعدات الإنسانية، بدلاً من الإصرار على إنهاء القصف العشوائي والهجمات وغيرها من الانتهاكات.

في 2 مايو/أيار 2012 أصدر مجلس الأمن القرار 2046، بتبني خارطة طريق الاتحاد الأفريقي الخاصة بالتصدي للعنف بين السودان وجنوب السودان، ودعا المجلس السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال إلى قبول العرض الثلاثي المقدم من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى الولايتين، والتفاوض على ترتيبات سياسية وأمنية بمساعدة من اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الأفريقي، ورئيس الهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد). في أغسطس/آب 2012 اتفق الأطراف أخيراً على شروط دخول المساعدات الإنسانية، لكن بسبب عدم جدية الحكومة السودانية في التنفيذ إلى حد كبير، فلم يتم التقييم الأولي للاحتياجات الإنسانية. وبدأ المانحون الدوليون وهيئات المنح في التشكيك علناً في نية السودان السماح بدخول المساعدات.

إن على الفاعلين الدوليين المعنيين بالسودان أن يطالبوا بالتركيز على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة الكامنة وراء والمتعايشة مع الأزمة الإنسانية المتزايدة الحجم، وأن يضغطوا من أجل العدالة في هذه الجرائم. عليهم أن يسعوا لاستصدار تكليف أممي بإنشاء لجنة تقصي حقائق في جميع الخروقات المزعومة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان منذ بدء النزاع في يونيو/حزيران 2011. يجب أن يشمل التقصي التحقيق في أدوار الأفراد والمسؤولية الفردية، في كل من الحكومة وفي أوساط قوات المتمردين، بقصد التعرف على من يتحملون المسؤولية الفردية ومسؤولية القيادة، عن الجرائم الجسيمة المرتكبة. يجب أن تسعى التحقيقات إلى التعرف على المتسببين بالحكومة السودانية عن سياسة منع دخول المساعدات الإنسانية للمدنيين في الولايتين.

يبدو أن نقص العدالة على الجرائم الجسيمة المرتكبة أثناء نزاع الشمال والجنوب ونزاع دارفور، قد جرأت الضالعين في الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير، والتي تتسم بأنها جراء نفس التدابير والآليات. على كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أن يبادروا بشكل فردي بتوضيح أنه ستكون هنالك تبعات للانتهاكات، بما في ذلك على هيئة جزاءات محددة الهدف على المتسببين في الانتهاكات الجسيمة. كما ينبغي على هذه الأطراف مطالبة السودان بالتعاون مع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في جرائم دارفور، بما في ذلك ضمان مثول الرئيس عمر البشير وأحمد هارون – وغيرهما من مشتبهي المحكمة الجنائية الدولية – أمام المحكمة للرد على الاتهامات المنسوبة إليهم.

شكر وتنويه

 

كتب التقرير كل من جيهان هنري – باحثة أولى في قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش – وسامر مسقطي – باحث الطوارئ في قسم حقوق المرأة – وذلك بناء على أبحاث أجريت في السودان وجنوب السودان بالتعاون مع تيرانا حسن ودانييل ويليامز، الباحثين في قسم الطوارئ، وجيري سمسون، الباحث والمتحدث باسم حقوق اللاجئين، في أغسطس/آب 2011 وأبريل/نيسان 2012 وأكتوبر/تشرين الأول 2012.

 

راجع التقرير وحرره كل من ليزلي ليفكو – نائبة مدير قسم أفريقيا – وجانيت ويلش – نائبة مدير قسم حقوق المرأة، وإليز كيبلر – استشارية أولى في برنامج العدل الدولي في هيومن رايتس ووتش. كما راجع التقرير من قسم البرامج باباتوندى ألوغبوجي – نائب رئيس قسم البرامج – وقدم آيزلينغ ريدي – مستشار قانوني أول – المراجعة القانونية.

 

نسق ترجمة التقرير عمرو خيري منسق الموقع الإلكتروني العربي والترجمة. ساعد في تخطيط البعثات إلى السودان كل من كايل هانتر وماثيو رولو، المنسقان بقسم الطوارئ وحقوق المرأة على التوالي. أعدت التقرير للنشر ليندسي هتشنسن، منسقة أولى في قسم أفريقيا، وساعدت في تحرير التقرير وتجهيزه للطباعة. أعد مواد وسائط الفيديو والمالتي ميديا كل من مايكل أونييغو، مصور الفيديو الحُر، وآيفي شين، مساعدة مدير إنتاج المالتي ميديا، وجيسي غراهام، منتجة مالتي ميديا أولى. قدم المذكورون مساعدة إضافية: غريس شوي، مديرة المطبوعات، وكاثي ميلز، أخصائية المطبوعات، وفيتزروي هوبكنز، المدير الإداري.

 

تتقدم هيومن رايتس ووتش بكل الشكر للضحايا والشهود الكثيرين الذين قابلناهم في السودان، ولأقاربهم، الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش، وذلك على حساب سلامتهم الشخصية أحياناً. كما نتقدم بالشكر للنشطاء السودانيين المستمرين في توثيق الانتهاكات وكشفها.



[1]  اتفاق السلام الشامل لعام 2005، بين الحكومة السودانية والحركة/الجيش الشعبية/الشعبي لتحرير السودان سابقاً. أنهى هذا الاتفاق حرباً أهلية في السودان دامت 22 عاماً. نص الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، شارك فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم السلطة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان لفترة انتقالية دامت 6 سنوات، انتهت باستقلال جنوب السودان في 9 يوليو/تموز 2011. كما احتوى الاتفاق على بروتوكولات محددة لحُكم الولايات الحدودية: جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي المعروفة أيضاً باسم "المناطق الثلاث".

[2]  انظر: "السودان: القمع السياسي يشتد"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 21 سبتمبر/أيلول 2011: http://www.hrw.org/ar/news/2011/09/21-0

[3]  اتفاق السلام الشامل، الفصل الخامس: "حسم النزاع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق"، على: http://unmis.unmissions.org/Portals/UNMIS/Documents/General/cpa-en.pdf

[4]  انظر القواعد 1 إلى 13 من القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر: ICRC Customary International Humanitarian Law, Volume I Rules, Jean-Marie Henckaerts andLouise Doswald-Beck, 2005. . هذا معيار عرفي في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وهو مُلزم لجميع أطراف النزاع. انظر أيضاً البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف بتاريخ 12 أغسطس/آب 1949 بشأن حماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة (البروتوكول الإضافي الأول) تم إقراره في 8 يونيو/حزيران 1977، دخل حيز النفاذ 7 ديسمبر/كانون الأول 1978، مادة 51 (5) أ.

[5]  انظر:

“Thirteenth Periodic Report of the United Nations High Commissioner for Human Rights on the situation of human rights in Sudan,” August 2011, available at http://www.ohchr.org/EN/Countries/AfricaRegion/Pages/SDPeriodicReports.aspx

[6]  انظر: "السودان: أوضاع مأساوية في جنوب كردفان"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 4 مايو/أيار 2012: http://www.hrw.org/ar/news/2012/05/04-1 وانظر: "السودان: المدنيون في جنوب كردفان يتحدثون عن أهوال القصف الجوي"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 30 أغسطس/آب 2011 : http://www.hrw.org/ar/news/2011/08/30

[7]  انظر: "تقرير الوضع الإنساني في جنوب كردفان والنيل الأزرق بالسودان"، لجنة تنسيق جنوب كردفان والنيل الأزرق، 15 أكتوبر/تشرين الأول – 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2012". توجد منه نسخة لدى هيومن رايتس ووتش.

“Humanitarian Situation Report on South Kordofan and Blue Nile States, Sudan,” South Kordofan & Blue Nile Coordination Unit, 15 October – 15 November 2012

[8]  انظر بيان هيومن رايتس ووتش الصحفي المذكور في الهامش رقم 6.

[9]  يحظر القانون الدولي الإنساني الهجمات العشوائية وهي: (أ) التي لا تُوجه إلى هدف عسكري محدد، (ب) التي تلجأ لوسائل أو أساليب قتال لا يمكن توجيهها نحو هدف عسكري محدد، (ج) التي تستعين بوسائل أو أساليب قتال لا يمكن أن تقتصر آثارها بما يتفق مع محددات القانون الدولي الإنساني، وبالتالي، ففي كل من هذه الحالات، فهي بطبيعتها تضرب أهدافاً عسكرية ومدنيين أو أعياناً مدنية دون تمييز. انظر القاعدة 12 من القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مرجع سابق: Rule 12 in ICRC Customary International Humanitarian Law, Volume I Rules, op. cit هذا معيار عرفي في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وهو مُلزم لجميع أطراف النزاع. انظر أيضاً البروتوكول الإضافي الأول، مادة 51 (4).

[10]  أعرب السودان عن نيته التوقيع على اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008، والتي تحظر استخدام الذخائر العنقودية، وقد أنكرت السلطات استخدام هذه الذخائر في جنوب كردفان. انظر: "العثور على قنبلة عنقودية بمنطقة النزاع في السودان"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 24 مايو/أيار 2012: http://www.hrw.org/ar/news/2012/05/25

[11]  انظر القاعدة 1 من القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر. انظر أيضاً البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف 12 أغسطس/آب 1949، بشأن حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول الإضافي الثاني)، 8 يونيو/حزيران 1977، دخل حيز النفاذ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1978، مادة 13 (2).

[12]  انظر القواعد 15 و22 من القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مرجع سابق، انظر أيضاً البروتوكول الإضافي الثاني، مادة 13 (1).

[13]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فضيلة تية كوفي، قرية ليما، جنوب كردفان، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[14]  في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، كثيراً ما يشير الناس إلى مصطلح "أنتونوف" إشارة إلى أية طائرة حربية، بينما تستخدم القوات السودانية طائرات من مختلف الأنواع، ومنها الأنتونوف.

[15]  انظر: "السودان: المدنيون في جنوب كردفان يتحدثون عن أهوال القصف الجوي"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 30 أغسطس/آب 2011: http://www.hrw.org/ar/news/2011/08/30 لمزيد من التفاصيل عن هذه الواقعة وحالات أخرى.

[16]  انظر "التقرير الدوري الثالث عشر" هامش رقم 5.

[17]  انظر: "تعليقات الحكومة السودانية على التقرير الدوري الثالث عشر للمفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن حالة حقوق السودان في السودان"، البعثة الدائمة للأمم المتحدة بجمهورية السودان، جنيف، 16 أغسطس/آب 2011. توجد نسخة لدى هيومن رايتس ووتش.

[18]  يحظر القانون الدولي الهجمات الموجهة إلى مدنيين أو أعيان مدنية، ويحظر المعاملة اللاإنسانية للمدنيين والاحتجاز التعسفي والنهب والتدمير العمدي للممتلكات المدنية غير المبررة من واقع الضرورة العسكرية. انظر القاعدة  1 و4 و50 و52 و87 و99 من القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مرجع سابق. انظر أيضاً البروتوكول الإضافي الثاني مادة 13 (1) و(2). هذه هي المعايير العرفية المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وهي ملزمة لجميع أطراف النزاع. تعمد مهاجمة السكان المدنيين أو أفراد من المدنيين والمعاملة اللاإنسانية للمدنيين تعتبر جرائم حرب في كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وينص النظام المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية على أن النهب والتدمير غير المبرر للأعيان المدنية جرائم حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية.

[19]  انظر: "السودان: أوضاع مأساوية في جنوب كردفان"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 4 مايو/أيار 2012: http://www.hrw.org/ar/news/2012/05/04-1

[20]  انظر مقطع فيديو على: http://www.youtube.com/watch%3Fv%3DFzwXype1s2c

[21]  انظر:

”Match Battalion: Confirmation of the Razing of Um Bartumbu Village, South Kordofan, Sudan,” Satellite Sentinel Project, July 20, 2012,  http://www.satsentinel.org/sites/default/files/SSP%20Report%20Match%20Battalion%20072012.pdf

[22]  مقابلات هيومن رايتس ووتش مع أشخاص نازحين، تم حجب الأسماء، في قرية كوفة، جنوب كردفان، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

[23]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد م، كوفة، كادقلي، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[24]  انظر: “Torture Fears for Man Disappeared in Sudan,” Urgent Action, 12, October 2012, Amnesty International

[25]  انظر: Osman Naway, “Urgent Action: Dozens of Sudanese Women Detained,” November 15, 2012, http://pambazuka.org/en/category/advocacy/85449

[26]  مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع مراقب حقوق إنسان سوداني في الخرطوم، السودان، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

[27]  انظر قاعدة 99 في القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مرجع سابق.

[28]  انظر: "ما زلنا غير آمنات: العنف ضد النساء والفتيات في جبال النوبة"، لجنة الإنقاذ الدولية:

“Still Not Safe: Violence against Women and Girls of the Nuba Mountains,” the International Rescue Committee, Yida Camp, March 2012, at http://data.unhcr.org/SouthSudan/country.php?id=251

[29]  مقابلة هاتفية مع مراقب سوداني لحقوق الإنسان، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

[30]  انظر: "السودان: أوضاع مأساوية في جنوب كردفان"، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 4 مايو/أيار 2012: http://www.hrw.org/ar/news/2012/05/04-1

[31]  يحظر القانون الدولي الاغتصاب والعنف الجنسي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. انظر قاعدة 93 في القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مرجع سابق. انظر مادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف، مواد 75 إلى 77 من البروتوكول الإضافي الأول، ومادة 4 من البروتوكول الإضافي الثاني، ومادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة. ينص نظام المحكمة الجنائية الدولية على أن ارتكاب أعمال الاغتصاب أو الاسترقاق الجنسي أو الدعارة الجبرية أو الحمل الإجباري أو العقم الإجباري أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي، تعتبر جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية (مادة 8 (2) (ب) ( xxii ) و(هـ) ( vi ))، وأن الاغتصاب والاسترقاق الجنسي والدعارة الإجبارية والحمل الإجباري والعقم الإجباري أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي على نفس الدرجة من الجسامة، قد يعد جريمة ضد الإنسانية (نظام المحكمة الجنائية الدولية، مادة 7 (1) (ز)). على الدول التحقيق في جرائم الحرب المزعوم ارتكابها من قبل مواطنيها أو قواتها المسلحة أو التي تقع على أراضيها، وفي حالة الضرورة، ملاحقة المشتبهين أمام القضاء. لابد من التحقيق في جرائم الحرب الأخرى التي لها اختصاص نظرها، وإن لزم الأمر، يجب ملاحقة المشتبهين.. القانون الدولي الإنساني العرفي، قاعدة 158، مرجع سابق.

[32]  انظر: مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تحديث عن الوضع الإنساني في السودان، التقرير الربع سنوي الثالث، 2012.

[33]  انظر "نشرة الأوضاع الإنسانية الأسبوعية" مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية:

“Weekly Humanitarian Bulletin,” 18 November 2012, UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs, http://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/Full%20Report_1166.pdf

[34]  انظر على سبيل المثال: "معلومات عن اللاجئين في ولاية الوحدة"، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.. فيه تقدير لأعداد الوافدين يومياً على المخيم، تقدر بألف شخص كل يوم.

“Refugees in Unity State Fact Sheet,” UN High Commissioner for Refugees, 30 June 2012, http://data.unhcr.org/SouthSudan/documents_search.php

[35]  انظر: "تقييم الأمن والغذاء"، جنوب كردفان، اكتوبر/تشرين الأول 2012:

Rapid Security and Nutrition Assessment, South Kordofan, October 2012, released by The Enough Project, http://www.enoughproject.org/files/SK%20Rapid%20Assessment%20Report.pdf

[36]  انظر القواعد 55 و56، القانون الدولي الإنساني العرفي، مرجع سابق.

[37]  انظر القواعد 53 و54، القانون الدولي الإنساني العرفي، مرجع سابق. انظر أيضاً البروتوكول الاختياري الثاني، مادة 14.

[38]  انظر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين:

New Refugee arrivals at South Sudan’s Yida camp, Briefing Notes, November 16, 2012, http://www.unhcr.org/50a62ca89.html

[39]  انظر ص 188: "شراكة: دليل عمليات الإدارة لشركاء المفوضية السامية لشؤون اللاجئين":

“Partnership: An Operations Management Handbook for UNHCR Partners,” UN High Commissioner for Refugees, http://www.unhcr.org/4a39f7706.html

[40]  انظر لجنة الإنقاذ الدولية "أوضاع النساء والفتيات في مخيم ييدا للاجئين"، فبراير/شباط 2012 (توجد نسخة لدى هيومن رايتس ووتش):

“The condition of women and girls in Yida refugee camp: a reproductive health and gender-based violence rapid assessment,” International Rescue Committee

[41]  لمزيد من التفاصيل انظر: "السودان: مدنيون من ولاية النيل الأزرق يكشفون تفاصيل الهجمات والانتهاكات "، بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش 23 أبريل/نيسان 2012، على: http://www.hrw.org/ar/news/2012/04/23

[42]  انظر: "الوضع الإنساني في جنوب كردفان والنيل الأزرق، السودان"، توجد نسخة لدى هيومن رايتس ووتش:

“Humanitarian Situation Report on South Kordofan and Blue Nile States, Sudan,” South Kordofan & Blue Nile Coordination Unit, October 15 - November 15, 2012

[43]  انظر القاعدة 12 من القانون الدولي الإنساني العرفي، مرجع سابق، الهامش 9.

[44]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع جبارة سليم، مخيم دورو للاجئين، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[45]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع تهاني نورين، مخيم دورو للاجئين، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[46]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عثمان محمود محمد أبو دوج، مخيم جندراسا للاجئين، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012، ومقابلة هيومن رايتس ووتش مع الطاهر جبارة الله، مخيم جندراسا للاجئين، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[47]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الطاهر جبارة الله، مخيم جندراسا للاجئين، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[48]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عثمان محمود محمد، مخيم جندراسا للاجئين، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[49]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الريح إسماعيل، مخيم دورو للاجئين، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[50]  اطلعت هيومن رايتس ووتش على صور ملتقطة في أكتوبر/تشرين الأول 2012 من قبل ناشط يعمل بالنيل الأزرق، بونج، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[51]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع زينب علي، منطقة يابوس، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[52]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نورا عبد الله، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[53]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع كريمة نصر، منطقة يابوس، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[54]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع شكري أحمد علي في جوبا، جنوب السودان، 3 أبريل/نيسان 2012.

[55]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع شيخ بشير، مخيم يوسف بتيل للاجئين، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[56]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع صدام محمود، مخيم يوسف بتيل للاجئين، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[57]  الفلاتة جماعة من الرُحّل السودانيين ينحدرون من غرب أفريقيا.

[58]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع زينب فتيش، مخيم يوسف بتيل للاجئين، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[59]  السابق.

[60]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع سعدية إدريس، مخيم يوسف بتيل للاجئين، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[61]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع بتول موسى، مخيم يوسف بتيل للاجئين، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[62]  يحظر القانون الدولي القتل. انظر قاعدة 89 من القانون الدولي الإنساني العرفي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مرجع سابق، والمادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف لعام 1949.

[63]  انظر معايير الحرمان من الحرية والاحتجاز التعسفي، هامش 25.

[64]  مقابلة هيومن رايتس ووتش في منطقة مابان، تم حجب الاسم، في بونج، ولاية أعالي النيل، جنوب السودان، 11 أبريل/نيسان 2012.

[65]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عيسى دفع الله صباحي، مابان، ولاية أعالي النيل، جنوب السودان، 9 أبريل/نيسان 2012.

[66]  المرصد السوداني لحقوق الإنسان، يونيو/حزيران – يوليو/تموز 2012، المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام: www.acjps.org

[67]  هناك أربعة مواقع أساسية لاحتماء اللاجئين في منطقة مابان، بولاية أعالي النيل: (1) مخيم دورو (قرب قرية بونج)، 43800 شخص. (2) في مخيم جمام، 15400 شخص، (3) في مخيم يوسف بتيل، 37 ألف شخص، (4) مخيم جندراسا، 14600 شخص (حتى 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2012). انظر رابط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: http://data.unhcr.org/SouthSudan/region.php?id=25&country=251

[68]  الأسرة التي تعولها سيدات ليست مذكورة كفئة في بيانات المخيمات العامة، من ثم فالإحصاءات الدقيقة غير متوفرة.

[69]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مكة الجاك، مخيم دورو للاجئين، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[70]  انظر:

“A Sexual and Gender-Based Violence Rapid Assessment: Doro Refugee Camp, Upper Nile State, South Sudan,” Danish Refugee Council, July 2012 (released October 2012).

[71]  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع شابة من مخيم جمام (تم حجب الاسم) 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

[72]  السابق.

[73]  السابق.

[74]  مقابلات هيومن رايتس ووتش مع ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مخيم دورو للاجئين، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2012، ومع ممثل المفوضية في مخيم جمام، 30 أكتوبر/تشرين الأول، وممثل مجلس اللاجئين الدنماركي، مخيم دورو، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2012.

المنطقة/البلد